التجلـي – إنجيل لوقا 9 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
التجلـي – إنجيل لوقا 9 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
التجلـي – إنجيل لوقا 9 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
(لو27:9ـ36) ” حَقًّا أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ. وَبَعْدَ هذَا الْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى جَبَل لِيُصَلِّيَ. وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضًّا لاَمِعًا. وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ، وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا، اَللَّذَانِ ظَهَرَا بِمَجْدٍ، وَتَكَلَّمَا عَنْ خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ. وَأَمَّا بُطْرُسُ وَاللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِالنَّوْمِ. فَلَمَّا اسْتَيْقَظُوا رَأَوْا مَجْدَهُ، وَالرَّجُلَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ مَعَهُ. وَفِيمَا هُمَا يُفَارِقَانِهِ قَالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ: يَامُعَلِّمُ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً. وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. وَفِيمَا هُوَ يَقُولُ ذلِكَ كَانَتْ سَحَابَةٌ فَظَلَّلَتْهُمْ. فَخَافُوا عِنْدَمَا دَخَلُوا فِي السَّحَابَةِ. وَصَارَ صَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ. لَهُ اسْمَعُوا. وَلَمَّا كَانَ الصَّوْتُ وُجِدَ يَسُوعُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا هُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُخْبِرُوا أَحَدًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بِشَيْءٍ مِمَّا أَبْصَرُوهُ “.
إن أولئك الماهرون في المصارعة يفرحون حينما يُصفِّق لهم المشاهدون، وهم يرتفعون إلى مستوى عال ومجيد من الشجاعة بواسطة رجاء الحصول على إكليل النصر. وهكذا أيضًا أولئك الذين يرغبون أن يُحسبوا أهلاً للمواهب الإلهية، والذين يعطشون إلى أن يصيروا شركاء الرجاء المعد للقديسين، فإنهم يدخلون المعارك لأجل التقوى في المسيح، ويسلكون حياة زكية، ولا يركنون إلى الكسل في عدم الشكر، ولا يغرقون في جبن وضيع، بل بالحري، يقاومون برجولة كل تجربة، ولا يخافون من عنف الاضطهادات، إذ هم يحسبونه ربحًا أن يتألموا من أجله، لأنهم يتذكرون أن بولس المبارك يكتب هكذا: ” آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يُستعلَن فينا” (رو18:8).
لذلك، لاحظوا كم هي جميلة جدًّا الطريقة التي يستعملها أيضًا ربنا يسوع المسيح لمنفعة وبنيان جماعة الرسل. لأنه قال لهم: ” إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني، لأن من يُخلص نفسه يهلكها، ومن يضيع نفسه من أجلى يجدها“. الوصية هي حقًّا لأجل خلاص القديسين ولأجل كرامتهم معًا، وهى تؤدِّي إلى أعلى مجد، وهى طريق الفرح الكامل، لأن اختيار التألم لأجل المسيح، ليس واجبًا لا شكر فيه، بل بالعكس يجعلنا مشاركين في الحياة الأبدية وفى المجد المُعد. ولكن لأن التلاميذ لم يكونوا قد حصلوا بعد على القوة من الأعالي، فربما يكون من المحتمل، أنهم هم أيضًا سقطوا في ضعفات بشرية، وحينما فكروا في أنفسهم في قول كهذا، ربما سألوا أنفسهم: ” كيف يُنكر الإنسان نفسه؟ أو كيف يجد نفسه بنفسه ثانية إذ يكون قد ضيَّعها؟ و أي مكافأة يعوض بها أولئك الذين يتألمون هكذا؟ أو ما هي الهبات التي سيصيرون شركاء فيها؟ لذلك فلكي ينقذهم، من مثل هذه الأفكار الجبانة، ولكي يصوغهم ـ كما لو كان ـ في قالب الرجولة، بأن يُولِّد فيهم رغبة في المجد العتيد أن يمنح لهم، لذلك يقول: ” أقول لكم، إن من القيام ههنا، قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله“. هل هو يقصد أن حياتهم ستمتد جدًّا حتى تصل إلى ذلك الوقت الذي سيأتي فيه من السماء في نهاية العالم، ليمنح القديسين الملكوت المعد لهم؟ وحتى هذا كان ممكنًا عنده، لأنه كلِّى القدرة، وليس هناك شيء غير ممكن أو صعب بالنسبة لإرادته الكلية القوة. ولكنه يقصد بملكوت الله: رؤية المجد الذي سيظهر به عند ظهوره لسكان الأرض، لأنه سيأتي بمجد الله الآب وليس في الحالة المتواضعة التي تمثل حالتنا، لذلك، كيف جعل أولئك الذين قد نالوا الموعد مشاهدين لأمر عجيب كهذا؟
إنه يصعد إلى الجبل آخذًا معه ثلاثة تلاميذ مختارين، ويتغير إلى مثل هذا اللمعان الفائق والبهاء الإلهي، حتى أن ثيابه كانت تتألق بأشعة من نار، وبَدَت تضئ مثل البرق. وأكثر من ذلك، وقف موسى وإيليا إلى جوار يسوع، وتكلم أحدهما مع الآخر عن خروجه، الذي كان عتيدًا أن يكمله في أورشليم، والذي يقصد به سر التدبير في الجسد، وآلامه الثمينة على الصليب.
لأنه حق أيضًا أن شريعة موسى وكلمة الأنبياء القديسين، أشارت مسبقًا لسر المسيح: فالأول منهما بواسطة أمثلة وظلال، راسمًا إياه ـ كما لو كان ـ في صورة، بينما الآخر بطرق متنوعة معلنة قبل موعدها، وكلاهما يفيد أنه في الوقت المناسب سيظهر في صورتنا، ولأجل خلاصنا وحياتنا كلنا، يرضى أن يعانى الموت على الخشبة. لذلك، فوقوف موسى وإيليا أمامه، وكلاهما الواحد مع الآخر، كان نوعًا من الإشارة الرمزية تُظهِر بصورة رائعة، ربنا يسوع المسيح، وله الشريعة والأنبياء كحارسين لجسده، باعتباره رب الشريعة والأنبياء، وكما أعلن عنه مسبقًا فيهما بواسطة تلك الأمور التي سبق أن بشَّرا بها باتفاق متبادل. لأن كلمات الأنبياء ليست مختلفة مع تعاليم الشريعة. وهذا هو ما أتخيل أن موسى الكهنوتي العظيم وإيليا العظيم في الأنبياء كانا يتكلمان عنه أحدهما مع الآخر.
ولكن التلاميذ المبارَكين ينامون فترة قصيرة، بينما استمر المسيح طويلاً في الصلاة ـ لأنه مارس هذه الواجبات البشرية باعتبارها خاصة بالتدبير ـ وبعد ذلك عند استيقاظهم صاروا مشاهِدين لتغيـُّرات باهرة ومجيدة جدًّا، إذ ظن (بطرس) حينئذ أن زمن ملكوت الله قد أتى الآن فعلاً فاقترح إقامة مساكن على الجبل، وقال إنه من اللائق أن يوجد هناك ثلاث مظال: واحدة للمسيح، والمظلَّتان الأخريتان للشخصين الآخرين موسى وإيليا، ولكنه كما يقول الكتاب: ” وهو لا يعلم ما يقول“. لأنه لم يكن هو وقت نهاية العالم، ولا الوقت الذي فيه يمتلك القديسون الرجاء الموعود لهم به، لأنه كما يقول بولس: ” سيُغيـِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة الذي له، أي صورة جسد مجد المسيح” (فى22:3). ولذلك، إذ أن التدبير كان لا يزال في بدايته، ولم يكن قد تحقَّق بعد، فكيف يكون مناسبًا للمسيح أن يتخلَّى عن محبته للعالم، ويتحول عن غرض التألُّم لأجله؟ لأنه فدى كل مَن تحت السماء، باحتماله الموت في الجسد وبإبادته الموت بالقيامة من الموت، معًا. لذلك فبطرس لم يكن يعلم ما يقول[1].
ولكن إلى جانب منظر مجد المسيح العجيب والذي يفوق الوصف، حدث شيء آخر، نافع وضروري لتثبيت إيمانهم به، وليس نافعًا للتلاميذ فقط بل حتى لنا نحن أيضًا، لأن صوتًا أُعطيَ من السحابة من فوق من الله الآب، قائلاً: ” هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا. وحينما كان الصوت، وُجد يسوع وحده” كما يقول الكتاب. فماذا يقول المجادل والعاصي إذن أمام هذه الأمور؟ ها هو موسى هناك، فهل يأمر الآب الرسل القديسين أن يسمعوا له؟ لو كانت إرادته هي أنهم ينبغي أن يتبعوا وصايا موسى، لكان قد قال، كما أظن، أطيعوا موسى، احفظوا الناموس. ولكن ليس هذا هو ما قاله الله الآب هنا، بل في حضور موسى والأنبياء، فإنه يأمرهم بالحري أن يسمعوا للمسيح.
ولكن لا يقلب أحد الحق ويقول إن الآب طلب منهم أن يسمعوا لموسى وليس للمسيح مخلِّصنا جميعًا، فإن البشير ذكر بوضوح قوله: ” وحينما كان الصوت، وُجد يسوع وحده” لذلك حينما أمر الله الآب من السحابة التي ظللتهم، الرسل القديسين قائلاً: ” له اسمعوا” كان موسى بعيدًا جدًّا، وإيليا أيضًا لم يعد قريبًا، ولكن كان هناك المسيح وحده لذلك فإياه وحده أمرهم الآب أن يطيعوا.
لأنه هو أيضًا غاية الناموس والأنبياء: ولهذا السبب صرخ بصوت عالي لجموع اليهود: ” لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقون كلامي، لأنه هو كَتَب عنى” (يو46:5). ولكن لأنهم استمروا إلى النهاية يحتقرون الوصية المعطاة بواسطة موسى الحكيم جدًّا، وبرفضهم كلمة الأنبياء القديسين، فقد استُبعِدوا بعدل وحُرِموا من تلك البركات التي وعد بها لآبائهم، لأن ” الطاعة أفضل من الذبائح، والاستماع أفضل من شحم الكباش” (1صم22:15).
وهكذا قد مُنحت كل هذه البركات بالضرورة لكثيرين من اليهود كما مُنحت لنا نحن أيضًا الذين قد قبلنا الإعلان الإلهي، بواسطة المسيح نفسه كهبة منه لنا، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس، إلى دهر الدهور آمين.
[1] هنا يضيف ماي Mai عبارة عن المخطوط B يعطي سببًا متميزًا تمامًا للتجلى، أي أن التجلي لأجل أن يعلم التلاميذ أنه في القيامة “لن نخلع الجسد بل يغلفه نوع من المجد مثل النور”.