لتكن مشيئتك – إنجيل لوقا 11 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
لتكن مشيئتك – إنجيل لوقا 11 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
لتكن مشيئتك – إنجيل لوقا 11 ج5 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض
(لو11: 2)
توسَّل داود النبي إلى المسيح مخلِّص الجميع قائلاً: ” اهدني إلى حقك وعلِّمنى إنك أنت الله مخلِّصي” (مز25: 5)، لأن الذين هم في المسيح بالإيمان هم الذين يتعلَّمون من الله، ونحن، من بين هؤلاء، لذلك لنلتمس منه أن يشرح لنا كلماته، لأن كل من يريدون أن يفهموا جيدًا دونما خطأ ما يريد الرب أن يعلِّمهم، هم في حاجة إلى النور الإلهي، إذ هو المانح لكل حكمة، ويشرق بنوره على ذهن وقلب أولئك الذين يسألونه، وها مرنم المزامير يقول أيضًا: ” افتح عيني فأرى عجائب من شريعتك” (مز119: 18). لذلك، فلنفحص أيضًا هذا الجزء من الصلاة، لأن ما سنربحه لخلاص النفس ليس قليلاً.
لماذا إذن، أوصى الرب القديسين أن يخاطبوا الله الآب الذي في السماء قائلين: ” لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض؟”.
إن هذه الطلبة تليق بالقديسين، وهى مملوءة مديحًا أيضًا. إنه يليق بالقديسين أن يتوسَّلوا من أجل أن تسود مشيئة الله الصالحة على الأرض، وما الذي يهدف إليه هذا التوسُّل سوى أن يعيش كل البشر حياة مختارة تستحق المديح، وأن يمارسوا ويعرفوا كل فضيلة؟ فنحن نؤكد أن الملائكة القديسين إذ يصنعون مشيئة الله فإنهم يقيمون في مجد في السماء لأنه مكتوب: ” باركوا الرب يا جميع قواته، يا خدامه العاملين مشيئته” (مز102: 21س). لأنهم بالتزامهم بمشيئة سيدهم وبتتميمهم البر الذي يفوق الأمور البشرية، يحفظون رتبتهم العالية، وأما أولئك الذين فعلوا بخلاف ذلك، فقد سقطوا من رتبتهم.
ولكن لكي نسير قُدُمًا ونحصر معنى الكلام باختصار، فلنتضرع أن يمنح الله القوة للساكنين على الأرض، لكي يصنعوا مشيئته ويتمثَّلوا بالسلوك الذي يمارسه الملائكة القديسون فوق في السماء، لذلك، فلنتأمل بقدر ما نستطيع بأية طريقة تمارِس القوات العلوية ورتب الملائكة القديسين واجبهم بنجاح، كيف يكرِّمون الله؟ هل بتقديم ذبائح دموية؟ هل بأطياب وبخور كما كان يفعل إسرائيل حسب الجسد؟ ولكنني أظن أن هذا غير معقول فكرًا وقولاً. لأنه مِن الصواب بالحري أن نؤكد أنهم يُتمِّمون خدمة روحية وليست مادية، مقدِّمين دائمًا التماجيد والتسابيح لخالق الكل، ومكمِّلين البِرَّ اللائق بالأرواح القديسة. إذن فأولئك الذين يتوسلون في صلواتهم أن تتم مشيئة الله على الأرض، ينبغي بالضرورة أن يحيوا هم أنفسهم بلا لوم، وأن لا يبالوا بهذه الأمور الأرضية، بل أن يتحرَّروا من كل دنس، ويقفزوا خارجًا من حفرة الإثم، ” مكمِّلين القداسة في خوف الله” (2كو7: 1)، وكما يقول بولس الرسول أيضًا، أنه حتى وإن كانوا يسيرون على الأرض، تكون ” سيرتهم هي في السموات” (فى3: 20). وفوق كل شيء، فليعرف أولئك المُنتَمون إلى الجماعة اليهودية، ولكنهم قد اغتنوا بالبِر الذي في المسيح بالإيمان، أنه من اللائق جدًّا أن يُتمِّموا كلمة الله، وأن يتخلوا عن الخدمة التي تتكون من المظاهر والرموز، ويختاروا بالأحرى الخدمة الروحية، النقية وغير المادية، كما يقول المخلِّص في موضع ما: ” الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له” (يو4: 24).
أما كون الطريقة الناموسية للخدمة ليست هي ما يطلبه الله، فإنه أمر ليس من الصعب أن نراه من الكتابات النبوية والرسولية. لأنه يقول بفم إرميا النبى: ” لماذا تأتون لي باللبان من شبا وقصب الذريرة من أرض بعيدة؟ محرقاتكم غير مقبولة وذبائحكم لا تلذ لي” (إر6: 20 س) ويقول بصوت داود:
” لا آخذ من بيتك ثورًا ولا من حظائرك جداء… هل آكل لحم الثيران أو أشرب دم التيوس” (مز49: 9س). كما أن المغبوط بولس يوضِّح أيضًا أن خدمة الناموس هي بلا قوَّة للتبرير فيقول: ” ولكن أن ليس أحد يتبرَّر بالناموس عند الله فظاهر” (غلا3: 11). إذن، فمشيئة الله التي نصلِّي لأجل أن تكون على الأرض، ليست هي أن نتطابق مع الناموس وأن نحيا بحسب خشونة الحرف، بل أن نجتهد أن نحيا بالإنجيل. وهذا يتم بإيمان صحيح بلا عيب، وبحياة مقدسة لها الرائحة الحلوة لكل فضيلة ولها برهان بشهادة السلوك الصالح النبيل في كل ما هو ممتاز.
ولكي أشرح لكم بطريقة أخرى معنى ما هو موضوع أمامنا، فنحن نقول إن أولئك الذين يتوسلون قائلين: ” لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض“، إنما يُصلُّون أن يروا توقُّف الخطية. لأن ناموس موسى أُعطيَ للإسرائيليين ليكون مؤدِّبًا لهم، ولكن الذين استلموه قدموا اهتمامًا ضئيلاً بوصاياه، وكانوا ” محبين للذَّات دون محبة الله” (2تى3: 2ـ4) وتحوَّلوا ليتبعوا مشيئتهم الخاصة، فضلُّوا وراء تعاليم ووصايا الناس، وقال الله عنهم في موضع ما: ” هذا الشعب يقترب إليَّ، ويكرمني بشفتيه، وأما قلبهم فأبعدوه عنِّي وصارت مخافتهم منِّي باطلة، بينما يُعلِّمون تعاليم ووصايا الناس” (إش39: 13).
وقال عنهم أيضًا بفم إرميا: اسمعي أيتها الأرض، هاأنذا جالب شرًّا على هذا الشعب ثمر أفكارهم لأنهم لم يصغوا لكلامي، وشريعتي رفضوها (إر6: 19). هكذا كانت حالة اليهود، ولكن الشعوب الأخرى التي انتشرت في كل الأرض كانت في ضلال بطرق مختلفة، ” لأنهم عبدوا المخلوق دون الخالق” (رو1: 5)، وإذ أذلُّوا عقولهم بالخضوع للأرواح النجسة، لذلك انقادوا بواسطتهم بسرعة وبدون فهم إلى كل ما هو دنيء، وكل نوع من الشر كان مكرَّمًا بينهم ” الذين مجدهم في خزيهم “، كما يقول الكتاب (في 3: 19).
فالقديسون يبتهلون من أجل جميع الناس أيًّا كانوا، من إسرائيل كما من الأمم ليُحسَبوا مستحقين للسلام الذي من الأعالي، وأن يجدوا راحة القلب بعد البؤس الذى كانوا يقاسونه حينما كانوا واقعين في حبال الإثم الذي لم يكن لهم إمكانية الفرار منه: وإذ ينالون البر الذي في المسيح بالإيمان، يمكنهم أن يصيروا أطهارًا، وناجحين في كل عمل صالح. من أجل هذا يُصلُّون قائلين: ” لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض “، لأن مشيئة إله الكل ـ كما سبق وقلت ـ هي أن يحيا سكان الأرض بقداسة وتقوى وبلا لوم، إذ يُغسَلون من كل دنس، وهم مثابرون على التمثُّل بالجمال الروحي للأرواح العلوية في السماء، حتى أن الكنيسة على الأرض، كَونها هي المثال المنظور والصورة “لكنيسة الأبكار” التي في الأعالي، تصير مرضيَّة للمسيح، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس، إلى دهر الدهور آمين.