أبحاث

الاستعداد والسهر – إنجيل لوقا 12 ج7 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الاستعداد والسهر – إنجيل لوقا 12 ج7 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الاستعداد والسهر – إنجيل لوقا 12 ج7 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الاستعداد والسهر – إنجيل لوقا 12 ج7 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الاستعداد والسهر – إنجيل لوقا 12 ج7 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو12: 35ـ40) ” لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً. وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجِعُ مِنَ الْعُرْسِ حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ. طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدِمُهُمْ. وَإِنْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّانِي أَوْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هَكَذَا فَطُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ. وَإِنَّمَا اعْلَمُوا هَذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي السَّارِقُ لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ“.

 

          يخاطبُ المرنمُّ المسيحَ مخلِّص الجميع في موضع ما قائلاً: ” وصيَّتُك واسعة جدًّا” (مز118: 96 س). ويمكن لأي إنسان أن يرى إن أراد ـ من الوقائع ذاتها أن هذا القول صحيح، فإن الله لكي يقودنا إلى الخلاص يهيئ لنا سبلاً لا حصر لها غير محصاة، وهو يجعلنا نتعرَّف على كل عمل صالح، حتى إذا ما ربحنا إكليل التقوى لتتويج رؤوسنا، وتمثَّلنا بسلوك القديسين السامي، فإنه يمكننا أن نَصِل إلى ذلك النصيب الذي أُعِدَّ لهم بحسب ما هو ملائم. لهذا فهو يقول: ” لتكن أحقاؤكم مُمنطقة ومصابيحكم موقدة “، فهو يكلمهم كأشخاص لهم اهتمام روحاني، ومرَّة أخرى يصف الأمور العقلية بتشبيهات ظاهرة ومرئية.

          لا يقل أحد إنه يريد أن تكون أحقاؤنا الجسدية ممنطَقَة، ولنا مصابيح موقدة فى أيدينا. مثل هذا التفسير يناسب الغباء اليهودي فقط، ولكن قوله لتكن أحقاؤكم ممنطقة يعني به استعداد الذهن أن يعمل باجتهاد فى كل أمر جدير بالمديح. مثل أولئك الذين ينكبُّون على الأتعاب الجسدية، وينشغلون بأعمال شاقَّة يلزم أن تكون أحقاؤهم ممنطقة. والمصباح حسب الظاهر يُمثِّل، يقظة القلب والفرح العقلي. ونقول إن الذهن البشري يكون يقظًا عندما يَطرُد (عنه) كل ميل إلى الكسل الذي هو غالبًا الوسيلة التى تؤدِّي إلى الاستعباد لكل أنواع الشرور، فحينما يستغرق فى السبات، فإن النور السماوي الذي في داخله يتعرَّض للخطر، بل وقد يكون قد وقع فى الخطر فعلاً بسبب عاصفة ريح عنيفة، لذلك يأمرنا المسيح أن نسهر، فلهذا تلميذه أيضًا ينهضنا بقوله: ” اصحوا واسهروا” (1بط5: 8)، وأكثر من ذلك فإن بولس الحكيم جدًّا أيضًا يقول: ” استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح” (أف5: 14).

 

          لذلك، فمن واجب أولئك الذين يريدون أن يكونوا مشتركين في الحياة الأبدية، وهم يثِقُون بصورة يقينية أن المسيح سوف ينزل فى الوقت المعيَّن من السماء كديَّان، من واجب هؤلاء ألاَّ يكونوا متراخين ويذوبون متحلِّلين في الملذات، ولا يكونون كأنهم منسكبون ومنصهرون بانغماسهم فى الشهوات العالمية، بل بالأحرى لتكن إرادتهم ممنطَقَة بشِدَّة، وأن يكونوا متميِّزين بغيرتهم في الاجتهاد في تلك الواجبات التي يُسرّ بها الله كثيرًا، ويجب أكثر من ذلك أن يكون لهم ذهن ساهر ويقِظ ويتمَّيزون بمعرفة الحق وأن يكونوا موهوبين بغنى بإشعاع رؤية الله، حتى يحق لهم أن يفرحوا بهذا قائلين: ” لأنك أنت يا رب ستضيء سراجي، أنت يا إلهي ستنير ظلمتي” (مز17: 28 س).

 

          إن مثل هذا التعبير غير مناسب بالمرَّة للهراطقة، سواء كانوا من المتشيِّعين أو من معلِّميهم، لأن المسيح نفسه قال: ” الظلمة أعمت عيونهم” (يو12: 40)[1]، وهذا ما يشرحه لنا بولس بقوله إن: ” إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح” (2كو4:4). لذلك فمن الواجب علينا، أن نتحاشى بحرص كلماتهم الزائفة، وألاَّ نحيد عن تعاليم الحق، وألا نفسح مجالاً في أذهاننا لظلمة الشيطان، بل بالأحرى نقترب من النور الحقيقي، الذي هو المسيح، ونُسبِّحه بمزامير ونقول: ” أنر عيني لئلا أنام إلى الموت” (مز12: 3 س)، لأنه في حقيقة الأمر فإن السقوط من استقامة التعاليم الصحيحة واختيار الكذب بدلاً من الحق، هو موت ـ ليس موت للجسد ـ بل هو موت للنفس. فلتكن إذن أحقاؤنا ممنطقة ومصابيحنا موقدة بحسب ما قد قاله لنا الرب هنا. فلنعرف أيضًا أن ناموس موسى الحكيم جدًّا قد أمر الإسرائيليين بشيء من هذا القبيل، فقد كان يذبح فى اليوم الرابع عشر من الشهر الأول حَمَل كمثال للمسيح (خر12: 6)، ” لأن فصحنا أيضًا، المسيح قد ذُبِح لأجلنا” (1كو5: 7)، بحسب شهادة المقدَّس جدًّا بولس، و”معلِّم الأقداس”[2] موسى، بل بالحري الله نفسه بواسطته، أمرهم عندما يأكلون لحم الخروف قائلاً: ” لتكن أحقاؤكم ممنطقة وأحذيتكم فى أرجلكم وعصيِّكم في أيديكم” (خر12: 11). لذلك أنا أؤكد أنه من الواجب على الذين هم شركاء المسيح، أن يحذروا الكسل العقيم بل بالحري ألا تكون أحقاؤهم غير ممنطقة وسائبة، ولكن أن يكونوا مستعدِّين بابتهاج أن يقوموا بكل الأعمال والأتعاب اللائقة بالقديسين، وإلى جوار ذلك أن يُسرعوا بنشاط وفرح إلى حيثما يقودهم ناموس الله. ولهذا السبب فقد أوصى بما هو مناسب جدًّا لهم أن يلبسوا ثياب المسافرين (في الفصح)[3].

 

          فقد علَّمنا المسيح أن ننتظر مجيئه ثانية من السماء لأنه سيأتي في مجد الآب مع الملائكة القديسين، ولذلك قال لنا: ” وأنتم تشبهون أناسًا ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس، حتى متى جاء وقرع يَفتحون له الوقت“. لأن المسيح سوف يرجع كما من عرس، ومن هذا يظهر بوضوح أن الله يسكن في بهجة دائمة كما يليق به. لأنه لا توجد في السماء أي أحزان بالمرَّة، حيث لا يستطيع شيء أن يُحزِن تلك الطبيعة التى لا تقبل التألُّم، أو التأثُّر بأي نوع من الأوجاع بالمرَّة.

 

          لذلك فعندما يأتي ويجدنا ممنطَقين وساهرين وقلبنا مستنير، عندئذ فإنه في الحال سوف يجعلنا مبارَكين، لأنه ” يتمنطَق ويخدمهم“، ومن هذا نتعلم أنه سوف يكافئنا على أتعابنا، وبسبب أننا نبدو مجهَدين من التعب، فإنه يريحنا ويضع أمامنا موائد روحانية، ويبسط المائدة السخيَّة لمواهبه الخاصة.

 

          ويقول: ” وإن أتى في الهزيع الثاني أو أتى في الهزيع الثالث فطوبى لهم“. أرجوكم أن تلاحظوا هنا، اتِّساع الكَرَم الإلهي وسخاء لطفه من نحونا، لأنه يعرف حقًّا طبيعتنا، والاستعداد الذي به ينحرف عقل الإنسان نحو الخطية. إنه يَعلَم أن قوَّة الشهوة الجسدية تستبد بنا، وأن ارتباكات هذا العالم ـ كما لو كانت ـ تجرنا ضد إرادتنا بالقوة، وتقود الذهن إلى كل ما هو غير لائق، ولكن لأنه هو صالح، فإنه لم يتركنا لليأس بل على العكس، يشفق علينا، وقد أعطانا التوبة كدواء للخلاص، لهذا فطوبى لهم. والآن لابد أنكم تريدون فهم معنى هذه الكلمات بوضوح. إن الناس عادة يقسمون الليل إلى ثلاث أو أربع فترات (أهزعة). لأن حُرَّاس أسوار المدينة، الذين يراقبون تحركات العدو، بعد قيامهم بالحراسة ثلاث أو أربع ساعات، يُسلِّمون السهر والحراسة إلى آخرين. هكذا بالنسبة لنا، فإنه يوجد ثلاث مراحل: الأولى، هي التي نكون فيها أطفالاً، والثانية هي التي نكون فيها شبابًا، والثالثة هي التي نصل فيها إلى الشيخوخة. والآن فأوَّل هذه المراحل التى فيها كُنَّا لا نزال أطفالاً، لا نحاسَب عنها أمام الله، بل هي مرحلة تُحسب مستحقَّة للعفو، بسبب أن العقل يكون فيها ناقصًا، والفهم ضعيفًا. أمَّا الثانية والثالثة، اللتان هما مرحلتا الرجولة والشيخوخة، فنحن يكون علينا فيهما واجب الطاعة لله والعيشة بالتقوى، بحسب مسرته الصالحة. لذلك، فكل من يوجد ساهرًا متمنطقًا حسنًا ـ سواء كان لا يزال شابًا أم قد صار شيخًا ـ فإنه سوف يكون مغبوطًا، لأنه سوف يُحسب مستحقًّا للحصول على مواعيد المسيح.

 

          وبوصيَّته لنا أن نسهر، فإنه يضيف أيضًا لأجل سلامتنا، مثلاً واضحًا بسيطًا، وهذا (المَثَل) يرينا بطريقة رائعة جدًّا، أنه من الخطر أن نسلك بغير ذلك. لأنه يقول: “وإنما اعلَموا هذا أنه لو عرف رب البيت في أية ساعة يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته يُنقَب، فكونوا أنتم إذن مستعدين لأنه في ساعة لا تظُنُّون يأتي ابن الإنسان“. وكما قال تلميذه: ” سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها، ولكننا ننتظر بحسب وعده سموات جديدة وأرضًا جديدة” (2بط3: 10، 13)، ويضيف إلى هذا: ” فبما أن هذه كلها تنحلّ، فأي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدَّسة وبلا لوم أمامه؟” (2بط3: 11). لأنه لا يعلم أحد أبدًا وقت انحلال كل الأشياء، الذي فيه سيظهر المسيح من فوق، من السماء، ليدين المسكونة بالعدل، عندئذ سوف يعطِي أكليلاً لا يفنى للذين يسهرون، لأنه هو المُعطِي، ومُوزِّع وواهب العطايا الإلهية، الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.

 

[1] من الواضح أن القديس كيرلس في هذا الاقتباس قد أدمج (يو40:12) مع (1يو11:2) حيث يقول: ” لأن الظلمة أعمت عيونهم“.

[2] معلِّم الأقداس هى ترجمة للكلمة اليونانية Hierophant وهى لقب للكاهن الإغريقي القديم (ويستعملها القديس كيرلس ليعبِّر عن سمو قدر موسى كوسيط للعهد القديم ومعلِّم الشعب فيما يخص أقداس الله وعبادته).

[3] يقصد القديس كيرلس أن شركاء المسيح يجب أن يمنطقوا أحقاؤهم بشدَّة وأن يلبسوا ثياب المسافرين أي كأناس عابرين في طريقهم إلى السماء، وهذا هو معنى كلمة في الفصح أي لأن كلمة فصح تعني العبور من الموت إلى الحياة ومن الهلاك إلى الخلاص ومن العبودية إلى الحرية ومن الأرض إلى السماء.

الاستعداد والسهر – إنجيل لوقا 12 ج7 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)