أبحاث

وكيل الظلم – إنجيل لوقا 16 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

وكيل الظلم – إنجيل لوقا 16 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

وكيل الظلم – إنجيل لوقا 16 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

وكيل الظلم – إنجيل لوقا 16 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
وكيل الظلم – إنجيل لوقا 16 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو16: 1ـ 9) ” وَقَالَ أَيْضًا لِتَلاَمِيذِهِ: كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ لَهُ وَكِيلٌ فَوُشِيَ بِهِ إِلَيْهِ بِأنهُ يُبَذِّرُ أَمْوَالَهُ. فَدَعَاهُ وَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْكَ؟ أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ لأنكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلاً بَعْدُ. فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي نَفْسِهِ: مَاذَا أَفْعَلُ؟ لأن سَيِّدِي يَأْخُذُ مِنِّي الْوَكَالَةَ. لَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُبَ وَأَسْتَحِي أَنْ أَسْتَعْطِيَ. قَدْ عَلِمْتُ مَاذَا أَفْعَلُ حَتَّى إِذَا عُزِلْتُ عَنِ الْوَكَالَةِ يَقْبَلُونِي فِي بُيُوتِهِمْ. فَدَعَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ مَدْيُونِى سَيِّدِهِ وَقَالَ لِلأَوَّلِ: كَمْ عَلَيْكَ لِسَيِّدِي؟. فَقَالَ: مِئَةُ بَثِّ زَيْتٍ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَّكَ وَاجْلِسْ عَاجِلاً وَاكْتُبْ خَمْسِينَ. ثُمَّ قَالَ لآخَرَ: وَأَنْتَ كَمْ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: مِئَةُ كُرِّ قَمْحٍ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَّكَ وَاكْتُبْ ثَمَانِينَ. فَمَدَحَ السَّيِّدُ وَكِيلَ الظُّلْمِ إِذْ بِحِكْمَةٍ فَعَلَ لأن أَبْنَاءَ هَذَا الدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ فِي جِيلِهِمْ. وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ “.

إن
ربنا يسوع المسيح إذ يُظهِر مجده لجموع اليهود أو بالأحرى لكل من آمنوا به، يقول: ” أنا هو نور العالم” (يو 12:8) وأيضًا: ” أنا قد جئت نورًا إلى العالم” (يو 46:12)، لأنه هو يملأ ذهن من يخافونه بنور إلهي وعقلي لكي لا يضلّوا عن الطريق الصحيح بالسير في الظلمة والكآبة، بل لكي بالأحرى يعرفون كيف يتقدَّمون باستقامة في كل عمل صالح، وفى كل ما من شأنه أن يُعين الإنسان ليحيا حياة القداسة. لذلك هو يريدنا أن نكون صالحين ومستعدين أن نتصل ببعضنا وأن نحب بعضنا البعض، وأن نكون رحومين ومتزيّنين بمكارم الإحسان.
لذلك فإنه أعدَّ لنا بمنتهى الحكمة المَثَل الحاضر، ولأننا مشتاقون أن نشرحه بأقصى ما عندنا من قُدرة، لذلك فنحن بالضرورة نتكلَّم كما يلي لأولئك الذين يحبون التعلّم.

وهكذا فإن الأمثال تشرح لنا بطريقة غير مباشرة ومجازية الكثير مما هو لبنائنا، على شرط أن نتأمل معناها بطريقة مختصرة وملخَّصة، لأنه ليس لنا أن نفحص كل عناصر المَثَل بتدقيق وتطفُّل، لئلا تتسبب المجادلة الطويلة جدًّا بإفراطها الزائد، في تعب حتى أولئك المغرَمين بالاستماع وتنهك الناس بازدحام الكلمات. لأنه لو أن واحدًا مثلاً يأخذ على عاتقه أن يشرح، مَنْ الذي يجب أن نعتبره الإنسان الذي كان له وكيل، وهو الذي وُشي به إليه، أو مَنْ هو الذي يمكن أن يكون قد وُشي به ، وأيضًا مَنْ هم المدينون له ثم خَصَمَ جزءً من ديونهم، ولأي سبب قيل إن واحدًا مَدِين بالزيت والآخر بالقمح، فإنه سيجعل حديثه غامضًا وفى نفس الوقت مطولاً بغير داعٍ وأيضًا يجعله غامضًا بآنٍ واحد. لذلك فليست كل أجزاء المَثَل هي بالضرورة ومن كل جهة نافعة لشرح ما تشير إليه الأشياء، بل هي قد أُخذت لتكون صورة لأمر هام معيَّن وهو يقدِّم درسًا لأجل منفعة السامعين.
لذلك فإن مغزى المَثَل الحالي هو شيء مثلما يأتي:
” الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تي 4:2)، فمن أجل هذا السبب هو أعطى ” الناموس عونًا” بحسب تعبير النبي (إش 20:8) والناموس في مِثل هذه المقاطع التي نقولها لا يعني بالطبع ما جاء بواسطة موسى فقط، بل بالحري كل الكتاب الموحى به الذي بواسطته نتعلَّم الطريق الذي يؤدي باستقامة إلى كل شيء صالح وخلاصي. لذلك فإن رب الكّل يريدنا أن نكون راسخين تمامًا في سعينا نحو الفضيلة، وأن نُثبِّت رغباتنا نحو الحياة المقدَّسة الأفضل وأن نحرِّر أنفسنا من ارتباكات العالم ومن كل محبة للغنى ومن اللّذة التي تجلبها الثروة، لكي ما نخدم الله باستمرار، وبعواطف غير منقسمة، لأنه يقول أيضًا بقيثارة المرنم: ” ثابروا واعلموا أني أنا هو الله” (مز 10:46) وأيضًا فإن مخلِّص الكّل يقول بفمه لكل مَنْ يقتنون ثروات دنيوّية: ” بيعوا ما لكم وأعطوا صدقة، اعملوا لكم أكياسًا لا تفنى وكنزًا لا ينفد في السموات” (لو 33:12). إن هذه الوصية هي في الواقع لأجل خلاصنا، لكن ذهن الإنسان ضعيف جدًّا أو مثبَّت باستمرار على أمور أرضيّة وهو غير راغب في الابتعاد بنفسه عن لذَّة الغنى. إنه ذهن يحب المجد الباطل ويرتضي جدًّا بمديح المنافقين، ويتوق إلى التجهيزات الجذابة، ولا يحب شيئًا أفضل من الكرامة المؤقتة. والمخلِّص نفسه لأنه يعرف هذا، فقد قال عنه في موضع ما: ” ما أعسر دخول ذوى الأموال إلى ملكوت الله” (لو 24:18)، وأيضًا: ” لأن دخول جمل من ثقب أبره أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله” (لو 25:18). لأنه طالما أن الإنسان يعيش في غنى ولذّة فإنه يهمل التقوى من نحو الله، لأن الثروة تجعل الناس متكبّرين وتزرع في أذهان مَنْ يمتلكونها بذار كل شهوانية.

إذن
أليس هناك طريق لخلاص الأغنياء؟ وألا توجد وسيلة لجعلهم شركاء في رجاء القديسين؟ هل هم قد سقطوا تمامًا من نعمة الله؟ هل جهنم والنار مُعدة لهم بالضرورة مثلما هي نصيب إبليس وملائكته؟
لا، ليس الأمر هكذا، انظر فهوذا المخلِّص قد أظهَرَ لهم وسيلة للخلاص في المَثَل الحاضر فقد جعلهم الله موكَّلين على ثروة عالمية بسماح ورحمة من الله القدير، لكن بحسب قصده فقد جُعلوا وكلاء لأجل الفقراء، لكنهم لم يقوموا بوكالتهم بطريقة صائبة فهم يبعثرون ما قد أُعطي لهم من الرب، لأنهم يبدِّدونه على ملذاتهم فقط، واشتروا به كرامات مؤقتة غير متذكرين الله الذي يقول: ” ابسط مراحمك لأخيك، ذلك الذي يحتاج إليك” (تث 8:15 س)، ولا متذكرين أيضًا المسيح نفسه مخلِّصنا جميعًا والذي يقول: ” كونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم” (لو 36:6). لكنهم كما قلت لا يعملون أي اعتبار لإظهار الرحمة لإخوتهم، بل يغذّون فقط كبرياءهم. هذه هي التهمة التي توجَّه إليهم أمام رب الكّل. ومن الطبيعي أنهم عند اقتراب الموت يلزمهم أن يتوقفوا عن وكالتهم، بإنتهاء الأعمال البشرّية، لأنه لا يمكن لأحد أن يفلت من شبكة الموت. فماذا يريدهم المسيح أن يفعلوا إذن؟ إنهم بينما هم لا يزالون في هذا العالم، حتى ولو كانوا غير راغبين في إعطاء كل ثروتهم للفقراء، فعلى الأقل عليهم أن يقتنوا لهم أصدقاء بجزء منها، وأن يقتنوا لهم شهودًا كثيرين لإحسانهم أي أولئك الذين نالوا خيرًا على أيديهم، حتى إذا انقطعت عنهم ثروتهم الأرضيّة، يمكنهم أن يقتنوا لهم موضعًا في مظالهم، لأنه من المستحيل أن تكون محبة الفقراء بلا مكافأة. لذلك سواء أعطى الإنسان كل ثروته أو أعطى جزءً منها، فإنه بالتأكيد سوف ينفع روحه.
لذلك فهو عمل يليق بالقديسين وجدير بالمديح الكامل والذي يؤدي إلى ربح الأكاليل التي فوق، أن لا يكنز الإنسان ثروة أرضيّة، بل أن يوزّعها على من هم في احتياج لكي يكنز بالأحرى ما هو في السموات، ويحصل على أكياس لا تفنى (انظر لو32:12)، ويقتنى كنزًا لا يفنى، ويلي ذلك أن يستخدموا نوعًا من التحايل ليكسبوا القريبين من الله كأصدقاء لهم، بأن يعطوهم جزءً من ثروتهم، ويريحوا كثيرين من الفقراء، لكي بهذا يمكنهم أن يشاركوهم فيما هو لهم. وينصح الحكيم جدًّا بولس الرسول بشيء من هذا النوع قائلاً للذين يحبون الثروة: ” لكي تكون فضالتكم لأعوازهم، كي تصير فضالتهم لأعوازكم” (2كو 14:8).

لذلك فمن الواجب علينا، إن كان لنا قلب مستقيم، وإذا ثبَّتنا عين الذهن على ما سوف يكون فيما بعد، وإذا تذكّرنا الكتاب المقدس الذي يقول بوضوح: إننا جميعًا سنظهَر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا (2كو 10:5)، إن كنا نخاف اللهيب الشديد الذي لا يخمد، أن نتذكّر الله الذي يريدنا أن نُظهِر رحمة نحو إخوتنا، وأن نتألم مع المرضى، وأن نبسط أيدينا لمن هم في احتياج، وأن نكّرم القديسين الذين يقول المسيح عنهم: ” من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني” (مت 40:10) ولأن الرحمة للإخوة إنما هي ليست بدون فائدة أو نفع، لذلك يعلِّمنا المخلّص نفسه ويقول: ” مَنْ يُعطي كأس ماء بارد باسم تلميذ لن يضيع أجره” (مت 42:10). لأن مخلِّص الجميع هو سخي في العطاء: الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى أبد الآبدين.

وكيل الظلم – إنجيل لوقا 16 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)