أبحاث

كيفية خلاص النفس؟ – إنجيل لوقا 17 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

كيفية خلاص النفس؟ – إنجيل لوقا 17 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

كيفية خلاص النفس؟ – إنجيل لوقا 17 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

كيفية خلاص النفس؟ – إنجيل لوقا 17 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
كيفية خلاص النفس؟ – إنجيل لوقا 17 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو31:17ـ37): ” فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي الْبَيْتِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا وَالَّذِي في الْحَقْلِ كَذَلِكَ لاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ. اُذْكُرُوا امْرَأَةَ لُوطٍ!. مَنْ طَلَبَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ أَهْلَكَهَا يُحْيِيهَا. أَقُولُ لَكُمْ: أنهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يَكُونُ اثْنــَانِ عَلَـى فِرَاشٍ وَاحِدٍ فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. تَكُونُ اثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعًا فَتُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى. يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. فَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ يَا رَبُّ؟ فَقَالَ لَهُمْ: حَيْثُ تَكُونُ الْجُثَّةُ هُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ “.

يقول الكتاب المقدس في موضع ما: ” هيئ أعمالك لأجل رحيلك، واجعل نفسك مستعدة للحقل” (أم 27:24 س). وأنا أعتقد أن المقصود برحيلنا هو خروجنا من هذا العالم وانتقالنا من هنا. وبالطبع لابد أن تلحق هذه الساعة كل إنسان، لأنه كما يقول المرنّم: ” أي إنسان يحيا ولا يرى الموت، ومن يستطيع أن ينجي نفسه من يد الهاوية؟” (مز 48:88 س). لأن طبيعة الإنسان قد أُدينت في آدم وسقطت في الانحلال، لأنه تعدَّى الوصية التي أعطيت له. أما أولئك المهملون والمزدرون فإنهم يعيشون حياة مخزّية ومحِبة للذة، وهم لا يعطون ذهنهم فرصة للتفكير في العالم الآتي ولا في الرجاء المعّد للقديسين، كما أنهم لا يشعرون بأي انزعاج من العذاب المعد لمن يحبون الشر. أما الذين يعيشون حياة فاضلة فإنهم يفرحون بالأتعاب لأجل الاستقامة، كما لو كانوا يتركون شهوة السعي وراء الأرضيات، ولا يعطون سوى انتباهًا قليلاً للضجيج الباطل الذي لهذا العالم.
يدعونا المخلّص أن نتمسك بشدة بهذا الهدف الممتاز، وبالاجتهاد المناسب له فيقول: ” في ذلك اليوم من كان على السطح وأمتعته في البيت فلا ينزل ليأخذها، والذي في الحقل كذلك لا يرجع إلى الوراء”. كان المسيح يتكلّم عن اليوم الأخير، أي عن نهاية هذا العالم ويقول: لأنه كما كان في أيام نوح ولوط، كانوا يأكلون ويشربون ويزوّجون ويتزوّجون إلى أن جاء الطوفان، ونزلت نار على سدوم وأهلكت الجميع، هكذا يكون اليوم الذي فيه يظهر ابن الإنسان. لذلك فهو يقويّهم ليتذكروا اليوم الأخير ونهاية الزمان، فيوصيهم ألاّ يكترثوا بكل الأمور الأرضيّة والوقتيّة، وأن يتطلّعوا فقط إلى غاية واحدة، التي هي اهتمام كل واحد بخلاص نفسه. لذلك يقول: مَنْ كان على السطح وأمتعته في البيت فلا ينزل ليأخذها. ومن الواضح أنه بهذه الكلمات يقصد الإنسان الذي يعيش رغد وسعة ومجد دنيوي، لأن أولئك الذين يقفون على السطوح يكونون دائمًا ظاهرين أمام أعين أولئك المحيطين بالمنزل. وهو يقول: فإن كان هناك أحد فدعه في ذلك الوقت لا يحسب حسابًا لأمتعته المخزونة في بيته، لأن مثل هذه الأشياء تكون حينئذ بلا قيمة ولا نفع منها لحياته، كما هو مكتوب: ” الكنوز لا تنفع الشرير، أما البر فينجي من الموت” (أم 2:10 س).

ويقول: وإن كان أحد في الحقل، دعه كذلك لا يرجع إلى الوراء. أي إن وُجد أحد منشغلاً تمامًا في فلاحته ومستغرقًا في الأشغال، وهو يرغب في الثمر الروحي وأن يجني عاقبة تعب الفضيلة، فليتمسك بثبات بهذا الاجتهاد، ودعه لا يرجع إلى الوراء، لأنه كما قال المسيح نفسه أيضًا في موضع ما: ” ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله” (لو 62:9)، لأنه من واجبنا أن نحافظ على جهاداتنا الروحّية بلا تذبذب، وأن نثابر فيها بإرادة لا تكل، لئلا نقاسي نفس المصير الذي حلّ بالمرأة في سدوم، وإذ يضرب بها المثل فهو يقول: ” اذكروا امرأة لوط” لأنها بعد أن أُنقذت من سدوم ولكنها لأنها رجعت بقلبها بعد ذلك، فإنها صارت عمود ملح، أي صارت حمقاء ومثل حجر.

لذلك يقول: في ذلك اليوم وتلك الساعة، كل من هم معتادون على العيش في بذخ، يلزمهم أن يمتنعوا تمامًا عن مثل هذه الكبرياء وأن يجتهدوا بكل استعداد لكي يخلّصوا أنفسهم، وبالمثل على من هم كادحون ويقدّرون الجهاد النافع، يلزمهم أن يتمسّكوا بشجاعة بالهدف الموضوع أمامهم، لأن “من طلب أن يخلّص نفسه يهلكها، ومن أهلكها يحفظها حيّة”.

أما عن الطريقة التي يهلك بها الإنسان نفسه لكي ما يخلّصها، وكيف أن مَنْ يتصّور أنه يخلِّصها يهلكها، فهذا يبينّه بولس بوضوح عندما يقول عن القديسين: ” الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غل 24:5). لأن الذين قد صاروا تابعين حقيقيين للمسيح مخلّصنا جميعًا، يصلبون جسدهم ويميتونه وذلك بانشغالهم دائمًا في أتعاب وجهادات لأجل التقوى، وبإماتتهم شهوة الجسد الطبيعية لأنه مكتوب: ” أميتوا أعضاءكم التي على الأرض، الزنا النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع” (كو 5:3). أما الذين يحبون سلوك الحياة الشهواني، ربما يتخيَّلون أنهم يربحون نفوسهم بالعيش في اللذة والتخنث، بينما هم يخسرونها بالتأكيد، لأنه يقول: ” لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادًا” (غل 8:6). لكن كل مَنْ يخسر حياته فهو بالتأكيد سيخلِّصها، وهذا ما فعله الشهداء إذ احتملوا الصراعات حتى الدم وبذل الحياة، ووضعوا فوق رؤوسهم، محبتّهم الحقيقية للمسيح إكليلاً لهم. أما أولئك الذين أنكروا الإيمان بسبب ضعف العزيمة وضعف القلب، وهربوا من موت الجسد في الحاضر، فقد صاروا قتلة لأنفسهم لأنهم سيهبطون إلى الجحيم كي يكابدوا عقوبات جبنهم الشرير. لأن الديّان سينزل من السماء، وهؤلاء الذين أحبوه بكل قلوبهم ومارسوا باجتهاد حياة تقوى خالصة سوف يدعوهم قائلاً: ” تعالوا يا مباركي أبى رثوا المُلك المُعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت 34:25). وأما الذين سلكوا حياة إهمال وانحلال، أو مَنْ لم يحافظوا على مجد الإيمان به، فسوف يحكم عليهم بعقوبة صارمة وشديدة جدًّا ويقول لهم: ” اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية” (مت 41:25).

وهذا ما يعلّمنا إياه بقوله: ” في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد فيُؤخذ الواحد ويُترك الآخر، تكون اثنتان تطحنان معًا فتُؤخذ الواحدة وتُترك الأخرى”. وعن الاثنين اللذين على فراش واحد، يبدو أنه يلمِّح إلى أولئك الذين يعيشون في راحة ويسر وهم مساوون لبعضهم البعض من جهة امتلاكهم للغنى الدنيوي، لأن الفراش يرمز إلى الراحة. ولكنه يقول واحد يُؤخذ ويُترك الآخر. كيف أو بأي طريقة؟ ذلك أنه ليس كل من يمتلكون ثروة ويحيون في راحة في هذا العالم، هم أشرار وقساة القلب. فلو أن إنسانًا كان غنيًا لكنه رحوم ولطيف وليس خاليًا من الشفقة الممدوحة على الفقراء؛ وإن كان مستعدًا أن يُشرك الآخرين في ثروته، وهو لطيف المعشر، وسخي ورزين العقل، ومستقيم الإيمان، وله غِيَرة حارة للتقوى، وإن كان أيضًا ـ بحسب تعبير المخلّص ـ يعمل أصدقاء لنفسه باستخدام مال الظلم، فمثل هذا الإنسان يُؤخذ، بينما يُترك الآخر، الذي لم يكن اهتمامه هكذا.
ويقول:” تكون اثنتان تطحنان معًا، فتُؤخذ الواحدة وتُترك الأخرى”. ويبدو أنه يقصد أيضًا بهاتين المرأتين، من يعيشون في فقر وعناء. ويقول حتى في حالة هؤلاء يوجد اختلاف شاسع لأن البعض احتملوا عبء الفقر بشجاعة وهم يسلكون سيرة حياة رزينة وفاضلة، بينما آخرون لهم سمات مختلفة، إذ يحتالون لممارسة كل عمل شرير ويخترعون كل ما هو وضيع. لذلك ففي حالتهم هذه، سيكون هناك فحص دقيق لأخلاقهم، ومن هو صالح، سيؤخذ، ومن هو ليس كذلك، سيُترك.

ولكن عندما استخدم المسيح مخلّصنا جميعًا تعبير “سيُؤخذ”، سأله التلاميذ بطريقة مفيدة وضرورية: أين يا رب؟ فقال لهم: حيث تكون الجثة هناك تجتمع النسور(ع 37). وماذا يعنى هذا؟ فإنه باستخدامه لحقيقة عامة وواضحة جدًّا يشير إلى سرّ عظيم وعميق. وما هو هذا؟ إنه سوف ينزل من السماء ليدين العالم بالعدل (أع 31:17). لكن كما يقول هو نفسه: ” يرسل ملائكته فيجمعون الأبرار والقديسين من بين الأشرار ويقربونهم إليه” (انظر مت 31:24) أما أولئك الآخرون فسيتركونهم كمستحقين للعذاب ومحكوم عليهم بالعقوبة التي بالنار.

وهذا يصرح به أيضًا بولس الحكيم جدًّا حيث يكتب: ” فإننا نقول لكم إننا نحن الأحياء الباقين لا نسبق الراقدين…” (1تس 15:4)، ” في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير، فإنه سيبوق والأموات في المسيح سيقومون عديمي فساد، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب” (1كو 52:15، 1تس 4: 16 و17).
لذلك يقول إنه عندما تنكشف جثة مائتة فإن الطيور الجارحة تجتمع حولها، كذلك عندما يظهر ابن الإنسان. فبالتأكيد فإن النسور حتى تلك التي تطير في علو شاهق وترتفع أعلى من الأشياء الأرضيّة والدنيوّية، تسارع إليه.

وهو يدعو الدينونة ” ليل”، بسبب أن مجيئه الثاني غير معروف وقته وغير متوقع. لأننا نتذكر أيضًا واحدًا من الأنبياء القديسين يصرخ إلى من يحبون الخطية ويقول: ” ويل للذين يشتهون يوم الرب! لماذا لكم يوم الرب؟ هو ظلام لا نور وظلمة كثيفة لا نور فيها” (عا 18:5 س).

وأيضًا المسيح نفسه قال في موضع ما لتلاميذه الأطهار: ” ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني مادام نهار، يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل” (يو 4:9). وأيضًا كتب واحد من الرسل القديسين يقول: ” يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء” (1تس 2:5) أي، دون أن يكون معروفًا مقدمًا. لذلك، لكي ما يأخذنا المسيح، لنتخلَّ عن كل هموم أرضية ونكرِّس أنفسنا لكل أنواع العمل الصالح. لأنه سوف يقبلنا ويجعلنا خاصته، ويكللّنا بكرامات من الأعالي؛ الذي به ومعه يليق لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.

كيفية خلاص النفس؟ – إنجيل لوقا 17 ج4 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)