أبحاث

الرب يسوع يبارك الأطفال – إنجيل لوقا 18 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الرب يسوع يبارك الأطفال – إنجيل لوقا 18 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الرب يسوع يبارك الأطفال – إنجيل لوقا 18 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

الرب يسوع يبارك الأطفال – إنجيل لوقا 18 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الرب يسوع يبارك الأطفال – إنجيل لوقا 18 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لوقا15:18ـ17): ” فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ الأَطْفَالَ أَيْضاً لِيَلْمِسَهُمْ فَلَمَّا رَآهُمُ التَّلاَمِيذُ انْتَهَرُوهُمْ. أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأن لِمِثْلِ هَؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ “.

يدّبر لنا المسيح كل أساليب النفع، ويفتح لنا طرق الخلاص على مصاريعها، لأن هدفه هو أن يُخلِّص سكان الأرض ويولِّد فيهم معرفة مساعي التقوى، ويجعلهم ماهرين في كل فضيلة، لكي بامتلائهم بكل ثمر الروح يكونون مقبولين. لذلك فلنرَ أية منفعة يولِّدها فينا بما قُرئ علينا للتو، لأنكم قد سمعتم الإنجيلي المقدَّس يقول إنهم قدَّموا إليه أطفالاً ليلمسهم، وعندما منعهم التلاميذ، أخذهم وقال: دعوهم يأتون إلىّ ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله.

إن أمهاتهم هُنَّ اللاتي قدَّمن الأطفال طالبين بركة ملتمسين لمسة يده المقدَّسة لأطفالهن. أما التلاميذ المباركين فقد انتهروهن على فعلتّهن هذه، ليس لأنهم غاروا من الأولاد بل بالأحرى فعلوا هذا على سبيل الاحترام الواجب لمعلّمهم، وإن جاز القول، لكي يجنّبوه أتعابًا غير ضرورية، معطين للنظام اهتمامًا كبيرًا .

والأطفال إلى الآن يُقرَّبون ويُباركون من المسيح عن طريق الأيادي المكرّسة، ونموذج هذا الفعل لا يزال مستمرًا إلى هذا اليوم، وقد انحدر إلينا من عادة المسيح كينبوع لهذه البركة. ولكن لا يتمّ تقديم الأطفال بطريقة غير لائقة أو مشوشة بل بترتيب ووقار ومخافة .
وبما أن المسيح قال: ” دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله”، فتعالوا، نعم تعالوا لنفحص بعناية أي نوع من الأشخاص يلزم أن يكون أولئك الذين يريدون الحياة الأبدية والذين هم مغرمون بملكوت السموات، لأنه يوجد بكل تأكيد من يقول: أي شيء يوجد في الأطفال مما هو جدير بالإقتداء؟ هل هو عجزهم عن الحزم والذكاء؟ كيف يكون أمرًا مصدّقًا أن نؤكد أو نتخيّل شيئًا من هذا القبيل؟ ومع ذلك فالمسيح لا يريدنا أن نكون بلا فهم بل يريدنا أن نعرف بصورة كاملة كل شيء نافع وضروري لخلاصنا. لأن الحكمة أيضًا تَعِد أنها سوف تُعطي البسطاء ذكاء وللشبان بدء المعرفة والفهم (أم 4:1 س). ونحن نجدها أيضًا في سفر الأمثال كمن ترفع صوتها عاليًا وتقول: ” لكم أيها الناس أنادي، وأنطق بصوتي لبني البشر، أيها الحمقى تعلموا ذكاءً، ويا جُهال ضعوا قلبًا في داخلكم” (أم 4:8 و5 س). إذن يترتب على ذلك أن الجاهل ليس له قلب، كما ينقصه الذكاء، وذلك ليس في الأشياء التي تستوجب اللوم بل في الأمور التي تستحق المديح. لكن المخلِّص يشرح لنا في موضع آخر كيف يمكن للإنسان أن يكون بسيطًا وذكيًا بآنٍ واحد. وذلك بقوله: ” كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام” (مت 16:10)، ويكتب أيضًا بالمثل بولس المبارك: ” أيها الإخوة لا تكونوا أولادًا في أذهانكم بل كونوا أولادًا في الشر وأما في الأذهان فكونوا كاملين” (1كو 20:14).
ولكن من الضروري أن نفحص ما معنى أن نكون أطفالاً في الشّر، وكيف يصير الإنسان هكذا، أما في ذهنه فيكون كاملاً. فالطفل بسبب أنه يعرف القليل جدًّا أو لا يعرف أي شيء مطلقًا، يُعفى بعدلٍ من تهمة الانحراف والشّر. هكذا أيضًا من واجبنا أن نسعى للتمثل بهم بنفس الطريقة، بأن نطرح عنا تمامًا عادات الشّر، لكي نُعتبر كأناس لا يعرفون حتى الطريق المؤدي للخداع، بل كمن لا يعرفون الخبث والاحتيال، وهكذا يعيشون بأسلوبٍ بسيطٍ وبريء، ويمارسون اللطف والاتضاع الفائق الثمن، كما يمتنعون بسهولة عن الغضب والحقد. ونحن نؤكد أن هذه الصفات هي التي تُوجد في أولئك الذين لا يزالون أطفالاً.
لأنه بينما تكون صفاتنا هكذا في البساطة والبراءة، فإنه ينبغي أن نكون كاملين في الذهن، فيكون لنا ذهن مؤسَّس بثبات في المعرفة الواضحة للذي هو بالطبيعة وبالحق خالق الكون وهو الإله والرب، ولا نعترف بأي إله آخر معه أيًّا كان جديدًا أو ما يسمى هكذا كذبًا، ونتحاشى ما يجلب علينا الهلاك بانخداعنا بالابتعاد عنه، بتبنينا لعادات الوثنيين، لذلك يلزم أن يكون ذهننا ثابتًا بقوة وواثقًا وغير متزعزع في تمسّكه بالإله الحيّ الحقيقي، ويلزمنا أيضًا أن نهرب من الشراك الأخرى و نبتعد عن أحجار العثّرة التي يضعها إبليس، وأعني بها أولئك الناس الذين يفسدون التعليم المستقيم عن الله ويزّيفون الحق ويرفعون قرنهم عاليًا ويتكلَّمون بالشر ضد الله. إنهم يتقيأون أفكارًا من داخل قلوبهم، ويضلّون نفوس البسطاء، ويحاربون ضد مجد ابن الله الوحيد، ويقولون إنه ينبغي أن يُحصَى ضمن المخلوقات، بينما هم جميعًا قد جاءوا إلى الوجود بواسطته. هؤلاء يجلبون على رؤوسهم دينونة صارمة وحتميّة، ولا يخشون أن يقولوا نفس هذه الأشياء أيضًا ضد الروح القدس، لذلك فأيما شخص يقول عنهم إنهم أبواب جهنم لا يجانبه الصواب. والحكيم بولس يؤكد لنا أيضًا أننا ينبغي أن نعرض عن مثل هؤلاء الناس بعيدًا قائلاً: ” إن كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن أناثيما” (غل 9:1).
لذلك فالكمال الرئيسي للذهن هو أن يترسّخ في الإيمان، وأن يكون فهمنا غير فاسد، والكمال الثاني الذي يجاور هذا الكمال الرئيسي ومماثل له بل ورفيقه الدائم هو المعرفة الواضحة لطريق السلوك الذي يرضي الله والذي نتعّلمه من الإنجيل، والذي هو كامل وبلا لوم، فأولئك الذين يسيرون في هذا الطريق يعيشون حياة البساطة والبراءة كما أنهم يعرفون أية آراء ينبغي أن يتمسّكوا بها، وأية أفعال صائبة ينبغي عليهم أن يفعلوها هؤلاء يدخلون من الباب الضيق، ولا يرفضون تلك الأتعاب التي تتطلّبها التقوى نحو الله، ولا تلك الأتعاب الضرورية لأن يحيوا حياة مجيدة. وهكذا فإنهم يتقدَّمون كما يجب إلى اتساع الفيض الذي هو نحو الله ويبتهجون بعطاياه، ويربحون لأنفسهم ملكوت السموات؛ بالمسيح الذي به ومعه لله الآب يليق التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى دهر الدهور. آمين.

الرب يسوع يبارك الأطفال – إنجيل لوقا 18 ج3 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد