أبحاث

يسوع وزكا – إنجيل لوقا 19 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

يسوع وزكا – إنجيل لوقا 19 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

يسوع وزكا – إنجيل لوقا 19 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

يسوع وزكا – إنجيل لوقا 19 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
يسوع وزكا – إنجيل لوقا 19 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

(لو1:19ـ10): “ ثُمَّ دَخَلَ وَاجْتَازَ فِي أَرِيحَا. وَإِذَا رَجُلٌ اسْمُهُ زَكَّا وَهُوَ رَئِيسٌ لِلْعَشَّارِينَ وَكَانَ غَنِيّاً. وَطَلَبَ أَنْ يَرَى يَسُوعَ مَنْ هُوَ وَلَمْ يَقْدِرْ مِنَ الْجَمْعِ لأَنَّهُ كَانَ قَصِيرَ الْقَامَةِ. فَرَكَضَ مُتَقَدِّمًا وَصَعِدَ إِلَى جُمَّيْزَةٍ لِكَيْ يَرَاهُ لأَنَّهُ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ مِنْ هُنَاكَ. فَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى الْمَكَانِ نَظَرَ إِلَى فَوْقُ فَرَآهُ وَقَالَ لَهُ: يَا زَكَّا أَسْرِعْ وَانْزِلْ لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ. فَأَسْرَعَ وَنَزَلَ وَقَبـِلهُ فَرِحاً. فَلَمَّا رَأَى الْجَمِيعُ ذَلِكَ تَذَمَّرُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ دَخَلَ لِيَبِيتَ عِنْدَ رَجُلٍ خَاطِئٍ.  فَوَقَفَ زَكَّا وَقَالَ لِلرَّبِّ: هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: الْيَوْمَ حَصَلَ خَلاَصٌ لِهَذَا الْبَيْتِ إِذْ هُوَ أَيْضًا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ. لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ “.

 

كان زكا[1] رئيسًا للعشارين، وكان رجلاً مستعبَدًا تمامًا للطمع، وكان هدفه الوحيد هو أن يزيد أرباحه، لأن هذا هو ما كان يفعله العشارون، مع أنَّ بولس يدعوه (أي الطمع) عبادة أوثان (كو5:3)، وهذه العبارة تناسب فقط أولئك الذين ليست لهم معرفة بالله. وحيث إنهم بلا خجل يجاهرون علانية بهذه الرذيلة، فإن الرب قد ألحقهم عن صواب جدًّا بالزواني، عندما قال لرؤساء اليهود: ” إن الزواني والعشارين يسبقونكم إلى ملكوت الله ” (انظر مت31:21). أما زكا فلم يستمر بين صفوفهم، بل حسبه المسيح جديرًا بالرحمة لأنه هو الذي يُقرِّب البعيدين، ويُعطي نورًا لأولئك الذين في الظلمة.

 

تعالوا إذن لنري كيف كانت طريقة اهتداء زكا، لقد رغب أن يرى يسوع، ولذلك صعد إلى جميزة، وهكذا فإن بذرة الخلاص نبتت داخله، والمسيح رأى هذه البذرة بعيني لاهوته، قبل أن ينظر إلى فوق ليراه بعينيه البشريتين[2]. وحيث إن قصده بالنسبة لجميع البشر هو أن يخلصوا، فإنه بسط لطفه إليه وشجعه وقال له: ” أسرع وانزل“. إن زكا طلب أن يراه لكن الجمع منعه، ولكن لم يكن سبب المنع هو الناس، بقدر ما كانت خطاياه هي المانع. ” وهو كان قصير القامة“، ليس فقط من وجهة نظر جسدية، بل أيضًا من وجهة روحية؛ ولم يكن بإمكانه أن يراه بطريقة أخرى إلاَّ بأن يرتفع عن الأرض ويصعد إلى الجميزة التي كان المسيح مزمعًا إنَّ يمر بها. والآن فإن القصة تحوى لغزًا داخلها، فلا توجد طريقة أخرى يستطيع بها الإنسان أن يري المسيح ويؤمن به إلاَّ بأن يصعد إلى الجميزة، إلاَّ بأن يعتبر أعضاءه التي على الأرض، الزنا، النجاسة..إلخ، أن يعتبرها حمقاء. إن المسيح كان مزمعًا أن يمرَّ بالجميزة، ولأنه حدَّد لطريقه أن يعبر على الناموس، أي شجرة التين (الجميزة)، فإنه قد اختار جهالات العالم أي الصليب والموت[3]. وكل من يحمل صليبه ويتبع كلام المسيح يخلص إذا ما عمل الناموس بفهم (روحي)، وكأنه شجرة تين لا تحمل تينًا بل حماقات (بالمعنى الروحي)، لأن السلوك الخفي للمؤمنين يبدو لليهود أنه حماقة، الذي هو عبارة عن قَطْع الرذيلة والتطهير منها، والامتناع عن الممارسات الرديئة، مع أنهم غير مختونين بالجسد بالمعنى اليهودي للختان ولا يحفظون السبت. لذلك إذ علم المسيح أنَّ زكا كان مهيأً للطاعة وغيورًا للإيمان ومستعدًا أن يتغيَّر من الرذيلة إلى الفضيلة، لذلك فقد دعاه أيضًا، وبالطبع فإن زكا سوف يترك شجرة التين (الجميزة)[4] ليربح المسيح. لذلك أسرع ونزل وقَبـِل المسيح بفرح، ليس فقط لأنه رآه كما كان يرغب، بل أيضًا لأن المسيح قد دعاه، ولأنه قبله ليقيم عنده، الأمر الذي لم يكن يتوقعه أبدًا.

 

(لو5:19) ” يَا زَكَّا أَسْرِعْ وَانْزِلْ لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ “.

كان هذا من فعل سبق المعرفة الإلهية لأنه عرف جيدًا ما كان سيحدث، فهو رأي أنَّ نفس زكا كانت مستعدة جدًّا لأن تختار حياة مقدسة، ولذلك هداه إلى التقوى، لذلك فإن الرجل قَبـِل المسيح بفرح، وكان هذا بداية تحوله إلى الصلاح، وتخليه عن أخطائه السابقة، وأن يستودع نفسه بشجاعة لطريق أفضل.

          لكن ربما يقول أحد للمسيح مخلِّصنا جميعًا: [ ماذا تفعل يارب؟ هل تمضى لتمكث مع زكا؟ وهل تتنازل وتقيم مع رئيس العشارين؟ إنه لم يغتسل بعد من وصمة حُبِّه الجشع للربح القبيح، إنه لا يزال مريضًا بالطمع أصل كل الجرائم، لا يزال مملوءًا بعيب السلب والاغتصاب].

          ويجيب (المسيح): نعم أنا أعرف هذا تمامًا، إنَّني أنا هو الله بالطبيعة، وأرى طرق كل إنسان على الأرض. وما هو أكثر من هذا، أنا أيضًا أعرف الأشياء المستقبلة. أنا دعوته إلى التوبة لأنه مستعد لها، ومع أنَّ الناس يتذمرون ويلومون لطفي، فإن الحقائق نفسها سوف تبرهن على أنهم مخطئون. يقول النص: “ فوقف زكا وقال للرب ها أنا أعطى نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف“.

          ها أنتم ترون توبته، تغيُّره السريع نحو طريق أفضل، إسراعه نحو التقوى، محبته السخية للفقراء والذي كان قبلاً عشارًا بل رئيسًا للعشارين، والذي أسلم نفسه للطمع وانشغل بالربح، في الحال صار رحيمًا ومكرَّسًا لأعمال المحبة. إنه يعد بأن يوزِّع ثروته للمحتاجين، وإنه سيعوِّض[5] كل من غَشَّهم، وهذا الذي كان عبدًا للطمع جَعَل نفسه فقيرًا وتوقف عن الاهتمام بالأرباح.

          لذلك، فليت جموع اليهود لا يتذمرون عندما يُخلِّص المسيح الخطاة، بل ليجيبوننا عن هذا: هل يوجد لديهم أطباء ينجحون في جلب الشفاء حينما يفتقدون المرضى؟ هل يمتدحونهم عندما يستطيعون أن يخلِّصوا المرضى من قروح بشعة أم يلومونهم ويمتدحون أولئك غير الماهرين في عملهم، بل هم كما أظن، سوف يحكمون بالأفضلية للماهرين في مساعدة كل من يعانون من الأمراض. فلماذا يلومون المسيح إذن، إذ أنه عندما كان زكا ساقطًا ومدفونًا في أمراض روحية، أقامه المسيح من حُفر الهلاك.

 

          ولكي يعلِّمهم هذا يقول لهم: ” اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو أيضًا ابن لإبراهيم “، لأنه حيث يدخل المسيح، فبالضرورة يكون هناك خلاصٌ أيضًا. لذلك ليت المسيح يكون فينا نحن أيضًا، وهو يكون فينا عندما نؤمن، لأنه يسكن في قلوبنا بالإيمان ونكون نحن منزلاً له. لذلك كان من الأفضل لليهود أن يبتهجوا لأن زكا خلص بطريقة مدهشة، لأنه هو أيضًا حُسِب من أبناء إبراهيم الذين وعدهم الله بالخلاص في المسيح، بواسطة الأنبياء القديسين قائلاً: ” سوف يأتي مخلِّص من صهيون وينزع الآثام عن يعقوب، وهذا هو عهدي معهم، عندما أحمل خطاياهم” (إش20:59و21س)، وليطلب من كانوا مفقودين، وليخلِّص من قد هلكوا، لأن هذا هو عمله، وهذا هو ثمر لطفه الإلهي. وهو يحسب كل الذين آمنوا به جديرين بهذا (الخلاص)، هو الذي به ومعه لله الآب التسبيح والسلطان مع الروح القدس إلى أبد الآبدين . آمين .

 

[1] الفقرات التالية والمأخوذة من المخطوط اليوناني للكردينال ماي لا يمكن أن تكون أصلاً للقديس كيرلس، إنما من المحتمل أن تخص كاتبًا آخر أقل منه دقة. وهذه الفقرات تعتمد أساسًا في شرح الآية على الجناس (التورية) بين كلمة الجميزة وهي suko morea باليونانية، وكلمة mwroV باليونانية وتعني أحمق أو غبي. ولكن لا يوجد مثل هذا الاستخدام في كتابات القديس كيرلس، لأنه فيما يتمسك القديس كيرلس بأن العهد القديم هو مثال كامل متطابق تمامًا مع العهد الجديد، ويرى أنَّ أسراره الغامضة تطل بظلالها في أصغر أحداثها على العهد الجديد، إلاَّ أنَّ القديس في معالجته للعهد الجديد، يكون أكثر اتساعًا، حيث يتبع المعنى الظاهر للكلمات أساسًا، بل ويدين صراحة التفاصيل الجزئية (كما هو مذكور في عظة 108 عن الغني ولعازر ـ راجع أيضًا مقدمة الطبعة الأولى لهذا التفسير تحت عنوان ملاحظات على طريقة القديس كيرلس في التفسير)، وبينما ينسب ماي فقرات من هذه النوعية المخالفة لطريقة تفسير القديس كيرلس للعهد الجديد، فإن السريانية تتجاهلها تمامًا (Payne smith).

[2] راجع الهامش السابق

[3] راجع (1كو21:1ـ25).

[4] أي التي ترمز إلى اليهودية .

[5] تضيف “سلسلة المقتطفات The Catenist “، إنَّ رد الأربعة أضعاف كان مصدره الناموس: “إذا سرق إنسان ثورًا أو شاه فذبحه أو باعه، يعوض عن الثور بخمسة ثيران وعن الشاه بأربعة من الغنم ” (خر1:22)، كما أنَّ داود أوصي بهذا:   ” ويرد النعجة أربعة أضعاف، لأنه فعل هذا الأمر ولم يشفق” (2صم6:12).

يسوع وزكا – إنجيل لوقا 19 ج1 – ق. كيرلس الإسكندري – د. نصحى عبد الشهيد