أبحاث

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

بقية العظة الثالثة عشر:

         4 ـ ثم يشرح بعد ذلك أن ثمة مفارقة قد ظهرت، موضحًا في هذا الشرح ما يريد أن يقوله. الأمر الذي لم يفعله من قبل. إذ انطلق من هذه المفارقة والتي تبدو أنها مستنتجة من كلامه السابق. وهذا الشرح يُظهر أنه لا يريد أن يوجه أى إدانة قاسية للناموس. إذًا بعدما قال:

 

” حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف ” أضاف” فماذا نقول؟ هل الناموس خطية؟ حاشا ” (رو7:7).

          وقبل هذا قال: ” لأنه لما كنا في الجسد كانت أهواء الخطية التي بالناموس تعمل في أعضاءنا“. وأن ” الخطية لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة[1] وأيضًا ” إذ حيث ليس ناموس ليس أيضًا تعدِ[2]. ” وأما الناموس فدخل لكى تكثر الخطية[3]. وأيضًا ” الناموس ينشئ غضبًا[4]. من الواضح أن كل ذلك يعتبر إدانة للناموس، فكما لو كان قد أراد أن يُزيل هذا الشك، يُشير إلى المفارقة قائلاً: ” فماذا نقول؟ هل الناموس خطية؟ حاشا“.

          وقد كان هدفه أن يقترب من المستمع، وأن يجعله لا يتعثر. لأنه بعد أن عرض هذا الكلام عليه وعرف ما يجول بخاطره، يشاركه الرغبة في شرح ما هو غير مفهوم، حتى لا يشك في كلام محدّثه. ولهذا ألحق بكلامه تلك المفارقة مشيرًا إلى الناموس. لأنه لم يقل، ماذا يمكن أن نقول؟ لكنه قال “فماذا نقول”؟ كما لو كان الأمر متعلقًا بقناعة جمع كبير هو منهم، إذ استنتجوا هذا السؤال الاعتراضي النابع منهم كنتيجة لما قيل، وهذا ما تظهره حقيقة الأمور. لأنه يقول إن حرف الناموس يقتل، ولم يعترض أحد، وأن الروح يُحيي وهذا واضح، ولا يستطيع أحد أن يختلف على ذلك أو يعارض فيه. إذًا لو كانت هذه الأمور مقبولة، فماذا يمكن أن نقول من جهة الناموس؟ هل الناموس خطية؟ حاشا. إذًا فقد رفع الشك والحيرة. أرأيت كيف يُزيل هذا الاعتراض، ويقدّم الشرح آخذًا مكانة المعلّم؟ وما هو الشرح إذًا؟ هو أن الخطية لم تكن موجودة، إذ يقول “ بل لم أعرف الخطية إلاّ بالناموس“. انتبه إلى قوة الحكمة. فقد فهمنا من خلال سؤاله الاعتراضي “هل نبقى في الخطية “؟ أن الخطية ليست هى الناموس، ثم يمضي في إقناع اليهودى بقبول ما هو أقل. لكن ما هو الأقل؟ هو ” لم أعرف الخطية إلاّ بالناموس“.

 

” فإننى لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته ” (رو8:7).

          أرأيت كيف أنه لا يُدين الخطية فقط، بل ويشير أيضًا إلى أن الناموس يُنشئها؟ لكنه لا يعرض لذلك باعتبار أن الناموس هو السبب وراء ما يحدث (أى خطية الشهوة)، بل أن السبب في بروزها يعود إلى اليهود التعساء. وهنا أراد القديس ذهبي الفم أن يسد أفواه المانويين[5] الذين أدانوا الناموس. لأنه بعدما أشار إلى قول القديس بولس: “ لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته” أضاف:

 

” ولكن الخطية وهى متخذة فرصة بالوصية أنشأت فيّ كل شهوة ” (رو9:7).

          أرأيت كيف أنه برأ الناموس من الإدانة؟ لأنه بعدما أظهر الدافع، يقول إن الخطية وليس الناموس، هى التي ضخّمت الشهوة، الأمر الذي يعتبر دليلاً على الضعف وليس على الخبث. لأنه عندما نشتهى ثم نُمنع من إتمام الشهوة، تزداد أكثر اشتعالاً. إلاّ أن هذا ليس عمل الناموس. لأن الناموس ينهى (عن ارتكاب الخطية) لكى يبعد الإنسان عنها، بينما الخطية التي تتمثل في لامبالاتك والرغبة الخبيثة، استخدمت الشئ الحسن بطريقة سيئة.

          ولكن هذا لا يُعد إدانة للطبيب بل للمريض الذي استخدم الدواء بشكل سيئ. فالناموس لم يُعط لكى يُشعل الشهوة، بل لكى يُطفئها. ولكن ما حدث هو العكس. ولذلك فالإدانة ليست موجهة للناموس، بل لنا، لأنه إن كان هناك طبيب أمامه مريض يعانى من ارتفاع في درجة الحرارة ويرغب في شرب ماء مُثلج، ولم يعطه ليشرب، فهو بهذا يُزيد من رغبته هذه، المؤدية إلى ضرره، ولن يُدان الطبيب من أجل هذا، لأن له وحده الحق في أن يمنعه، ولكن إذا شرب المريض فالمسئولية تقع على عاتقه. إذًا ماذا يعنى أن الخطية تأخذ الدافع من الناموس؟ لأن الكثيرين من الخبثاء زادوا من خبثهم اعتمادًا على وصايا صالحة. والشيطان سبق وأضّر يهوذا بهذه الطريقة، لأنه جعله يسقط في البخل ويسرق الفقراء. فالضرر الذي لحق به لم يكن راجعًا لاستئمانه على خزينة النقود، بل أن ما أضّره هو رغبته الخبيثة. نفس الأمر هو الذي طرد آدم من الفردوس لأن حواء جعلته يأكل من الشجرة. وحتى في هذه الحالة أيضًا لم تكن الشجرة هى السبب، على الرغم من أنها كانت الوسيلة التي دفعت آدم للسقوط. وإن كان (الرسول بولس) يستخدم الكلمة بحكمة من جهة حديثه عن الناموس، فلا يجب أن ينتابك الشك. لأنه أراد أن يضع حدًا لهذا الأمر على وجه السرعة، ودون أن يترك ولا حتى هؤلاء الذين أخذوا كلامه بشكل مختلف، أن يكون لديهم دافعًا للخطية. وقد ركّز اهتمامه على تصحيح ما يحدث في الزمن الحاضر.

          إذًا لا نفحص هذا الكلام الذي قيل هنا هكذا بدون دقة، بل علينا أن نعرف الدافع الذي جعله يقول كل ذلك، وعليك أيضًا أن تفكر في هوَّس اليهود ورغبتهم الشديدة للجدال، وهذا ما يريد الرسول بولس أن يمحوه، ومن الواضح أنه قاسى جدًا أثناء حديثه عن الناموس، لا لكى يُدينه، ولكن لكى يُبطل حجة اليهود. لأنه إن كانت هناك إدانة للناموس، باعتبار أن الخطية اتخذت فرصة بالوصية، فإن هذا سيحدث في العهد الجديد. لأنه بالحقيقة توجد وصايا كثيرة جدًا في العهد الجديد متعلقة بأمور أكثر أهمية. وهناك أيضًا يستطيع المرء أن يرى نفس الشئ يتكرر، ليس فقط بالنسبة للشهوة، بل بالنسبة لأى خطية بشكل عام. لقد قال المسيح له المجد ” لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية”[6]. وبناءً على ذلك فإن الخطية صارت ظاهرة من هنا، وأيضًا العقاب الشديد المترتب عليها. وعندما تكلم الرسول بولس عن النعمة أيضًا، يقول ” فكم عقابًا أشر تظنون أنه يُحسب مُستحقًا من داس ابن الله”[7]. وبالتالى فإن سبب العقاب الأشر يكون من الازدراء بروح النعمة، برغم عطايا النعمة الوفيرة جدًا. ولهذا السبب أيضًا فإن اليونانيين هم مُدانيين كما يقول الرسول بولس، لأنه على الرغم من أنهم كُرّموا بعطية العقل (التي وهبها الله لهم) وأدركوا جيدًا جمال الكون، وكان ينبغى من خلاله أن ينقادوا إلى معرفة خالقه، إلاّ أنهم لم يستخدموا الحكمة الإلهية كما ينبغى.

          أرأيت أنه في كل موضع يؤكد على أن الدوافع لعقاب الأشرار تأتى بالأكثر من سوء استخدام الأمور الصالحة؟ لكن من المؤكد أننا لن نُدين إحسانات الله لهذا السبب، بل سوف نقدرها بالأكثر، بينما سندين رغبة هؤلاء الذين يستخدمون الأمور الصالحة لممارسة عكس ما تهدف إليه. إذًا  فهذا هو ما ينبغى أن نصنعه في حالة الناموس. ومن المؤكد أن ذلك يعد أمرًا بسيطًا وسهلاً، بينما الغير المفهوم هو قوله ” فإننى لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته“؟ لأنه إن لم يعرف الإنسان الشهوة قبل أن يأخذ الناموس، فمن أين أتى الطوفان؟ ومن أين أتى حرق سدوم؟ إذًا ماذا يعنى الرسول بولس بهذه العبارة؟ إنه يعنى ازدياد الشهوة. ولهذا لم يقل أثار فيّ شهوة، لكن “كل شهوة”، وهو يعنى هنا الشهوة المفرطة. وما هى الفائدة من الناموس لو أنه جعل الشهوة تزاد فينا؟ لا يوجد أى فائدة من وراء هذا، بل على العكس فإنه يسبب خسارة كبيرة. غير أن اللوم لا يُوجه للناموس، بل لأولئك الذين قبلوه. لأن الخطية أثارت الشهوة المفرطة، ولكن هذا لم يكن موضع اهتمام الناموس، بل إن اهتمامه كان على عكس من ذلك. إذًا الذي ظهر بوضوح، هو أن للخطية قوة كبيرة في إثارة الشهوة. غير أنه ولا هذا الأمر أيضًا يُعد لومًا موجهًا للناموس، بل موجه ضد أولئك الجاحدين.

          ” لأن بدون الناموس الخطية ميتة ” بمعنى أنها ليست معروفة بهذا القدر. لأنه من المؤكد أن الذين عاشوا قبل أن يُعطى الناموس قد أخطأوا، فبالأولى جدًا أنهم قد عرفوا حجم الخطية بعد إعطاء الناموس. ولهذا كانوا موضع مساءلة لإدانة أكبر. هكذا فإن هناك فرق بين أن يُدين المرء نفسه، وبين أن يُصاحب هذه الإدانة، الناموس الذي يُعلن كل شئ بوضوح.

 

5 ـ ” أما أنا فكنت بدون الناموس عائشًا قبلاً ” (رو9:7).

          أخبرنى متى حدث ذلك؟ حدث قبل موسى. لاحظ كيف أنه يحاول أن يُبيّن من خلال ما فعله، وما لم يفعله، أن الناموس كان متعسفًا أو مارس ضغوطًا على البشر. لأن الرسول بولس يقول لأننى عندما كنت عائشًا بدون الناموس، لم أدان هكذا، ” ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية فمت أنا”. الواضح أن هذا اتهام موجه للناموس. ولكن إذا دقق المرء في فهم ذلك، فسيتضح أنه مدح للناموس أيضًا. لأن الناموس لم يعطِ كيانًا للخطية دون أن تكون موجودة، ولكنه أظهرها باعتبارها كانت مُختفية، الأمر الذي يُعد مدحًا للناموس، طالما أنه من المؤكد أن الخطايا كانت غير محسوسة قبل الناموس، أما عندما أتى الناموس، وإن كانوا (هؤلاء الذين أُعطى لهم الناموس) لم يربحوا أى شئ آخر، إلاّ أنهم على الأقل عرفوا جيدًا الأمر نفسه، أنهم أخطأوا، وهذا ليس هينًا من جهة الاحساس بضرورة التخلّص من الخطية. إلاّ أنه حتى وإن لم يتخلّصوا من الخطية، فهذا لا يُشكل إدانة للناموس، الذي يسعى لهذا الهدف بعينه، إذًا الإدانة كلها توجه إلى رغبة الذين فسدوا تمامًا وفقدوا كل رجاء. ومن المؤكد أنه لم يكن منطقيًا أن يُضاروا بتلك الأمور التي استفادوا منها. ولهذا قال أيضًا:

 

” فوجدت الوصية التي للحياة هى نفسها لى للموت ” (رو10:7).

          لم يقل إن الوصية (أحدثت موتًا)، ولا (ولّدت موتًا)، بل “وجدت” مفسرًا بذلك ما هو غريب وجديد في هذا الفكر غير المعقول، ومحولاً كل شئ ضدهم.

          لأنه إن أردت أن تعرف هدف الوصية، فالرسول بولس يشرح أنها قادت للحياة، ولهذا أُعطيت، ولكن عندما ينتج عن ذلك موتًا، فإن الإدانة توجه للذين أخذوا الوصية، ولا توجه ضد الوصية في حد ذاتها التي تقود للحياة. وقد أعلن الرسول بولس هذا الأمر نفسه بوضوح أكثر في الآيات اللاحقة، قائلاً:

 

” لأن الخطية وهى متخذة فرصة بالوصية خدعتنى بها وقتلتنى” (رو11:7).      

          أرأيت كيف أنه ينشغل في كل موضع بموضوع الخطية، مُبرئًا الناموس من كل إدانة؟ ولهذا أضاف قائلاً:

 

” إذًا الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة ” (رو12:7).

          بل إن أردتم، فلنشير أيضًا إلى شروحات أولئك الذين يُزيفون هذه الأمور. إذ أن كلامنا سيصبح بذلك أكثر وضوحًا. البعض يدّعون أن الرسول بولس لا يتكلّم هنا عن ناموس موسى بل عن الناموس الطبيعى، بينما البعض يقول إنه يتكلّم عن الوصية التي أُعطيت في الفردوس. غير أنه كان يهدف إلى إثبات الكلام عن هذا الناموس (أى المكتوب)، ولم يتكلّم قط عن النواميس الأخرى. وهذا أمر طبيعي جدًا، لأن هذا الناموس (ناموس موسى) هو ما خافه اليهود وارتعبوا منه، فإنهم بسبب الناموس تخاصموا مع النعمة. على الجانب الآخر لم يظهر على وجه الاطلاق سواء من جانب الرسول بولس أو أى أحد غيره، أن الوصية التي أُعطيت في الفردوس، تُدعى ناموسًا.

          ولكى يصير هذا الكلام أكثر وضوحًا مما قيل، لنفحص كلام الرسول بولس بدقة، مستحضرين قليلاً الكلام السابق. فعندما كلّمهم عن السلوك الحسن، أضاف قائلاً: ” أما تجهلون أيها الاخوة… أن الناموس يسود على الإنسان مادام حيًا؟ .. أنتم قد متم للناموس“. وبناء على ذلك لو أن هذا الكلام قيل عن الناموس الطبيعى، فلابد أنك ستوجد بلا ناموس طبيعى. ولو صح ذلك فستكون أقل غباءً من الحيوانات غير العاقلة. ولكن هذا ليس من الحقيقة في شئ. فليس هناك خلافًا على أن الوصية قد أُعطيت في الفردوس حتى لا نُحمّل أنفسنا بجهد زائد، ونخوض صراعًا حول تلك الأمور التي صارت مقبولة. إذًا كيف يقول: ” لم أعرف الخطية إلاّ بالناموس؟” إنه لا يعنى بذلك الجهالة التامة بالخطية، بل عدم المعرفة الدقيقة لها. لأنه لو أن هذا الكلام قيل عن الناموس الطبيعى، فكيف يمكن تبرير الكلام اللاحق؟ إذ قال ” أما أنا فكنت بدون الناموس عائشًا قبلاً“. لأن الواضح أنه لا آدم ولا أى إنسان آخر، قد عاش بدون الناموس الطبيعى. فالله خلق آدم ووضع فيه الناموس الطبيعى في نفس الوقت، جاعلاً إياه رفيقًا مخلصًا لكل الطبيعة.

          بالإضافة إلى ذلك، لا يظهر مطلقًا أن الرسول بولس قد أطلق على الناموس الطبيعى كلمة وصية، ولكنه دعى ناموس موسى وصية، وهى عادلة ومقدسة وناموس روحى وكذلك الناموس الطبيعى لم يعط لنا بالروح القدس، لأن العبرانيين واليونانيين وكل الأمم الأخرى، لديهم هذا الناموس (أى الناموس الطبيعى). وبناء على ذلك يكون من الواضح أن الرسول بولس يقصد بكلمة الناموس ـ سابقًا ولاحقًا وفي كل موضع ـ بأنه ناموس موسى. لهذا دعاه مقدسًا قائلاً: ” الناموس مقدس والوصية مقدسة  وعادلة وصالحة ” إذًا لو أن اليهود قد صاروا نجسين وظالمين وطماعين، بعدما أخذوا الناموس، فإن هذا لا يُبطل عمل الناموس، تمامًا كما أن عدم إيمانهم لا يُبطل الإيمان بالله. هكذا يتضح ـ من كل هذا ـ أن الرسول بولس يتكلّم عن الناموس الموسوى.

 

6 ـ ” فهل صار لى الصالح موتًا حاشا بل الخطية. لكى تظهر خطية منشئة لى بالصالح موتًا ” (رو13:7).

          يبدأ بهذا التساؤل لكى يظهر أن الخطية خاطئة جدًا، ويُظهر مدى اللامبالاة، والاندفاع نحو الأسوأ، وفعل الخطية ذاته، والشهوة الشريرة من جانب الإنسان. لأن هذا هو سبب كل الشرور. وهو يُكثر الحديث عن الخطية وحجمها، لكى يُظهر امتياز نعمة المسيح، ولكى يُعلم الجميع بمقدار الشر الذي تحرّر منه الجنس البشرى، والذي لم تفلح معه أدوية الأطباء بل أنه مع هذه الأدوية قد صار أسوأ، ويؤكد على ذلك أيضًا من خلال أولئك الذين أوصوا الجنس البشرى بالامتناع (عن ارتكاب الخطية) ومع هذا ازدادت الخطية. ولهذا أضاف قائلاً: ” لكى تصير الخطية خاطئة جدًا بالوصية “. أرأيت كيف أن معركته ضد الخطية قائمة في كل موضع، وأنه من خلال تلك الأمور التي بها يُبطل الخطية، يُبيّن أكثر عمل الناموس، لأنه ليس بالأمر اليسير أن يُظهر أن الخطية خاطئة جدًا، حيث يُبيّن ويعرض على الملأ سم الخطية المميت. ومن أجل هذا أعلن قائلاً: ” لكى تصير الخطية خاطئة جدًا بالوصية“. أى لكى يظهر أن الخطية هى شر عظيم جدًا، وتؤدى إلى هلاك مُحقق. من خلال كل هذا يُبيّن أيضًا أن امتياز النعمة في مقابل الناموس يعد امتيازًا حقيقيًا وليس مجرد أمر قابل للنزاع.

          إذًا لا تعتبر أن الذين قبلوه صاروا أسوأ، بل عليك أن تنتبه لأمر هام، أن الناموس لم يشأ أن يقود إلى زيادة الخطية، وليس هذا فقط، بل أنه حاول أن ينتزع تلك التي كانت موجودة من قبل. لكن وإن كان لم يستطع أن ينجح في هذا، فعليك أن تمتدحه على موقفه هذا، وعلى الجانب  الآخر عليك أن تسجد بالأكثر لقوة المسيح الكثيرة التنوع، التي أطاحت بالخطية التي يصعب هزيمتها، وحطّمتها بعدما اقتلعتها من جذورها. غير أنك عندما تسمع عن الخطية، لا تتصور أنها قوة لها كيان، بل هى فعل الشر الذي دائمًا يظهر ثم يختفي، وهو قبل أن يصير واقع، لم يكن له وجود، وحين يصير واقع يبدأ في الاختفاء مرة أخرى. لأنه لهذا أُعطى الناموس. ولكن الناموس لم يُعط قط لإبطال التصرفات الناتجة عن ضعف الطبيعة البشرية (بسبب السقوط)، بل لأجل إبطال الأعمال الخبيثة التي تصدر من رغبة شريرة. وهذا الأمر يعرفه المشرّعون الأمميون وكل الجنس البشرى. فالشرور التي تحدث لا تتوقف إلاّ عندما لا نهتم بها، المشرّعون لم يقدموا وعد بانتزاع (الخطايا) المتعلقة بالطبيعة البشرية، لأن هذا غير ممكن، حيث إن تلك (الخطايا) المتعلقة بالطبيعة، تبقى ثابتة، الأمر الذي حدثتكم عنه في عظات أخرى مرات عديدة. 

 

[1] رو14:6.

[2] رو15:4.

[3] رو20:5.

[4] رو15:4.

[5] المانويين هم أتباع الفيلسوف الفارسي ماني والذي مات سنة 273م وقد اعتقدوا بوجود مبدأين أزليين للكون وهما غير مخلوقين: النور والظلمة. النور هو إله الخير، والظلمة هى إله الشر. والمادة بحسب رؤيتهم هى ظلمة. وبناء عليه فهى شر.

[6] يو22:15.

[7] عب29:10.

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج3 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)