أبحاث

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج4 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج4 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج4 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج4 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج4 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

 

بقية العظة الثالثة عشر:

          7 ـ ولهذا تحديدًا، بعدما نترك هذه الصراعات، لنهتم مرة أخرى بالحديث الأخلاقي، أو من الأفضل أن نقول إن هذا الجزء الخاص بالصراعات يتعلق بهؤلاء (اليهود). لأنه لو طرحنا عنا الشر، وتحلّينا بالفضيلة، فإننا سنعلم بوضوح أن الشر ليس له كيان أو طبيعة. وأولئك الذين يحاولون أن يعرفوا من أين تأتى الشرور، سنحاول أن نجعلهم يصمتون، ليس فقط بالكلام، بل بالحقائق، لأننا نشترك في نفس الطبيعة البشرية مع هؤلاء، ولكننا قد تحرَّرنا من خبثهم. إذًا ينبغى ألاّ نتصور أن الفضيلة هى أمر صعب، بل إنه من الممكن تحقيقها، فلو أننا حاولنا سيصير الأمر بسيطًا وسهلاً. أما إذا كنت تفضل الحديث عن لذة الخطية، فيجب عليك أن تتحدث أيضًا عن نهايتها. لأن الخطية تقود إلى الموت، تمامًا كما أن الفضيلة تقود إلى الحياة. أو من الأفضل القول ـ إن أردت ـ فلتفحص كل منهما قبل أن تصل كل واحدة إلى نهايتها. سوف ترى كيف أن الخطية تحمل ألمًا كثيرًا، بينما الفضيلة تحمل متعة. إذًا هل يوجد شيئًا أكثر سعادة من الرجاء الصالح؟ لأنه لا يوجد شيئًا يجرحنا ويُضيّق علينا بهذا القدر أكثر من التطلع نحو الشر، وأيضًا لا يوجد شئ يسندنا بهذا القدر، ويجعلنا نسمو، أكثر من الضمير الصالح.

          ويمكن أن نتعلّم هذا من خلال تلك الأمور التي تحدث لنا. انظر إلى المتسولين الذين يتسكعون في الطرقات الضيقة، لا يخشون أى أذى، أما المسجونون الذين ينتظرون المحاكمة، بالرغم من أن لهم مأوى، إلاّ أنهم يعيشون في بؤس، لأن انتظار الأمور السيئة، لا يجعلهم يشعرون بأى بهجة. ولماذا أُشير إلى المسجونين؟ إن أولئك الذين يحيون خارج أسوار السجن في غنى فاحش ولا ينتابهم أى شعور بأنهم خطاة، هم أدنى من العمال الذين يشتغلون بأيديهم ويمضون اليوم كله في أتعاب ومشاق، هؤلاء العمال هم أفضل منهم بكثير. لذلك نحن نأسف للمصارعين، فعلى الرغم من أننا نراهم يسكرون في الحانات ويلهون ويأكلون بشراهة، إلاّ أننا نقول إنهم أكثر تعاسة من الجميع، لأن كارثة الموت التي تنتظرهم هى أكبر بكثير من تلك المتع الوقتية. ولكن لو ظنوا أن الحياة هى للمتعة فقط، فعليهم أن يتذكروا دائمًا ما سبق أن قلته لكم: أن مَن يحيا في الخطية لابد أن يكابد مرارتها وحزنها. هكذا فالأمر المكروه جدًا يبدو للذين يسعون نحوه أمرًا محبوبًا. ولكننا لا نطوّبهم من أجل ذلك، بل لهذا تحديدًا نحن نأسف لهم لأنهم لا يعلمون مدى خطورة الحالة التي وصلوا إليها في ممارسة الخطية.

          ولكن ماذا يمكن أن نقول للزناة الذين لأجل قليل من المتعة يعانون من أتعاب كثيرة جدًا ونفقات ومخاوف مستمرة وحياة تشبه حياة قايين بشكل عام. ومن الأفضل أن نقول إنها أسوأ بكثير من حياة قايين، لأنهم يخشون من الأمور الحاضرة ويرتعبون من الأمور المستقبلية، وينتابهم الشك في الأصدقاء وفي الأعداء، وفي أولئك الذين يعرفون شيئًا عنهم وأولئك الذين لا يعرفون أى شئ؟ أنهم لا يستطيعون التخلّص من هذا القلق حتى عندما ينامون، لأن ضميرهم الشرير يسترجع فيهم أحلامًا مملوءة بمخاوف كثيرة، وهكذا يرتعبون بشدة. أما العفيف فليس هكذا، بل إنه يعيش كل حياته في راحة وحرية كاملة. إذًا لو قارنت بين أمواج الخوف الكثيرة لهؤلاء بما يحققونه من متعة زائلة، وبين سكينة أو سلام الحياة الأبدية الذي يحصل عليه كل مَن يسلك بالعفة، عندئذٍ ستدرك أن هذه العفة هى أكثر سعادة من الشهوة. فذاك الذي يريد أن يختطف (ما ليس له)، ويعتدى على أموال الغير، أخبرنى ألاّ يعاني من متاعب كثيرة عندما يركض هنا وهناك، وينافق عبيدًا وأحرارًا ويرهب ويهدد ويسلك بسفه، ولا ينام، ودائمًا يرتعب، ويقلق، ويشك في كل شئ؟ أما الذي يحتقر المال، فليس هكذا، بل أنه يتمتع بمباهج كثيرة، طالما أنه يحيا بلا خوف وبأمان كامل.

          ولو فحص المرء أنواع الخطايا الأخرى، سيرى أنها تسبب لمرتكبيها قلائق كثيرة، وصعوبات بالغة. ومن الجدير بالملاحظة أن الصعوبات تأتى أولاً والإنسان يسير في طريق الفضيلة، ثم بعد ذلك الأمور المفرحة، وهكذا تهدأ الآلام. أما في ممارسة الشر فالأمر يكون على النقيض، حيث تأتى على الإنسان الآلام والعقوبات بعد المباهج، وهنا تختفي هذه البهجة. فكما أن ذاك الذي ينتظر التيجان لا يشعر بشئ من أثقال العالم الحاضر، هكذا فإن ذاك الذي يبتهج بالخطية ينتظر العقوبات، ولا يستطيع أن يتمتّع بفرح حقيقي، طالما أن الخوف يُبطل كل شئ. والأفضل أن نقول، لو أن المرء فحص الأمر بعناية سيُدرك حجم الألم الذي يُعانيه الأشرار في الوقت الذي يتجرأون فيه على فعل الخطية وحتى قبل العقاب المعّد لهم. ولو أردت فلتفحص حياة أولئك الذين يختطفون ما ليس لهم، وأولئك الذين يحاولون أن يكسبوا أموالاً بطُرق مُلتوية. دعنا نبتعد عن المخاوف والأخطار والفزع والقلق، وكل هذه الأمور، ونفترض أن هناك شخص قد اغتنى بدون تعب، وأنه يسعى في الحفاظ على أمور الحياة الحاضرة، وإن كان هذا يُعد أمر مستحيل، لكن ليُفترض هذا، فأى سعادة يمكن أن يتمتع بها هذا الإنسان؟ هل لأنه ربح الكثير؟ لكن هذا تحديدًا لا يترك له مجالاً للسعادة. وإذ يشتهى أمورًا أكثر تزداد آلامه أكثر.

          لأن السعادة تُمنح حين تتوقف الشهوة. فعندما نعطش فإننا نشرب ما نريد لكي نروى ظمأنا، بينما بقدر ما يزداد عطشنا لأمور هذا العالم فحتى ولو أفرغنا كل الآبار في جوفنا، تصير معاناتنا أكبر، ولو شربنا أنهارًا كثيرة جدًا، وسيصير العقاب أكثر فزعًا. هكذا فيما يتعلق بأمور هذا العالم لو أنك قبلتها، مع استمرارك في اشتهاءها، فإنك تجعل العقاب أكبر بكثير، على قدر ما يزيد نهمك لهذه الأمور. ولا ينبغى أن تعتقد أن من بين الشهوات الكثيرة في هذه الحياة، هناك شهوة محددة خُصصت لأجلك (الغنى) وأنه ينبغي أن تسعى في تحقيقها باستمرار، لكن يجب عليك ألاّ تشتهي الثراء. لأنه إن اشتهيته، فلن يتوقف عذابك، وسوف تعاني. وسوف تتساءل هل هذا الطريق هو بلا نهاية؟ نعم بقدر ما تقطع شوطًا كبيرًا في هذا الطريق، بقدر ما تبتعد عن النهاية. إذًا أليست هذه الرغبة في الثراء هى شئ محير وهوس، بل وأسوأ أنواع الهوس؟

          إذًا فأول كل شئ هو أن نبتعد عن الخطية أو من الأفضل أن نقول ينبغى ألا نشرع مطلقًا في السعى نحو الشهوة، ولكن إن انخدعنا وشرعنا في ممارسة الشهوة فلنبتعد عن البداية، الأمر الذي يفصح عنه كاتب سفر الأمثال، بالنسبة للتعامل مع المرأة الزانية، قائلاً: ” ابعد طريقك عنها ولا تقترب إلى باب بيتها[1]. نفس الشئ أقوله لك من جهة البخل. لأنه إن سقطت ولو  قليلاً في هذا البحر من الهوس، فمن الصعب أن تتمكن من النجاة. تمامًا كما في حالة المصابين بالدوخة أو الدُوار، فلو أنك حاولت آلاف المرات فلن تُنقذ بسهولة، وهكذا فإنك ستُصاب بهذا الدوار، بل وأسوأ منه بكثير. وعندما تسقط في أعماق هذه الرذيلة (البُخل)، ستدمر نفسك وكل ما حولك.

          8 ـ ولهذا أرجو أن نتنبه للبداية، ولنتجنب الخطايا الصغيرة، لأن منها  تأتى الخطايا الكبيرة. لأن من تعوَّد ـ عندما يسقط في كل خطية ـ أن يقول لن أرتكب إلاّ هذه الخطية فقط، فإنه سيفقد كل شئ تدريجيًا. إن هذا الأسلوب في التفكير هو ما يجلب الخطية، هو ما فتح الباب أمام اللص (أى الشيطان) وهو ما هدم أسوار المدينة، هكذا أيضًا من جهة الجسد، فإن الأمراض الخطيرة تزداد، عندما تُهمل الأمراض البسيطة. فعيسو إن لم يُسلّم البكورية، لما أصبح غير مستحق للبركة، وإن لم يجعل نفسه غير مستحق للبركة، ما كان سيصل إلى مرحلة يريد فيها قتل أخيه. وقايين لو لم تكن لديه هذه الرغبة المُلّحة في أن يكون الأول في كل شئ، ولو أنه تنازل عن هذه المكانة لله، ما كان له أن يصير في المرتبة الثانية، وأيضًا عندما أتى في المرتبة الثانية، لو أنه سمع النصيحة، ما كان له أن يرتكب القتل، وأيضًا بعدما ارتكب القتل، لو أنه قدم توبة عندما دعاه الله، ولم يُجب بسفاهة، ما كان ليُعانى من المآسى والشدائد التي أعقبت القتل.

          فإن كان الذين عاشوا قبل الناموس قد وصلوا إلى أعماق الخطية بسبب اللامبالاة واقتراف الاثم على نحو تدريجى، فيجب علينا أن نفكر فيما سنعانيه نحن الذين دُعينا إلى اختبارات أكبر، فإن لم نُلاحظ أنفسنا بمنتهى الدقة، وإن لم نُسرع في أن نُطفئ شرارة الخطية، قبل أن تشتعل النيران، ستُعرّض أنفسنا لعقاب شديد. هل فهمت ما أريد قوله؟ إنك دائمًا ما تنقض الوعد ولذلك لا يجب عليك أن تتوقف عند هذا فقط، بل يجب أن تتحرر من أى وعد، ولن تحتاج إلى بذل الجهد فيما بعد. لأن عدم تقديم وعد يعتبر أفضل من أن تَعِدْ ولا تفي بالوعد فيما بعد. هل أنت شتّام ومُسئ ومحب للنزاعات؟ حدَّد لنفسك قانون، ألا تغضب وألا تصرخ مطلقًا، وسوف تُقتلع الخطية من جذورها ولن يكون لها ثمر. هل أنت شهوانى ومُسرف؟ ضع لنفسك أيضًا حدًا، حتى لا تنظر (بشهوة) إلى امرأة، ولا أن تذهب لحفلات مُشينة، وتتفحص في تفاصيل الحسناوات الغريبات في السوق. لأن عدم النظر منذ البداية إلى امرأة جميلة والشهوة مشتعلة داخلك يعد أسهل من أن تتغلب على الاضطرابات التي تأتى من وراء هذه النظرة. لأن الجهاد من البداية هو أكثر سهولة، أو من الأفضل القول إننا لا نحتاج ولا حتى للجهاد، إن لم نفتح الأبواب للعدو، وإن لم نقبل بذور الشر.

ولهذا فإن المسيح له المجد أدان ذاك الذي ينظر إلى المرأة ليشتهيها، لكى يُنقذنا من متاعب كثيرة، ويوصينا أن نطرد العدو من البيت قبل أن يصير قويًا، عندئذٍ يكون من غير الممكن طرده بسهولة. فإن كان ما يملكه المرء ليس ذو قيمة، فعلى أى شئ يتشاجر مع خصومه، بينما يستطيع أن يربح ما يريده بدون أى شجار، ويختطف الجائزة قبل النزال؟ فبالرغم من أنه ليس بالمشقة الكبيرة ألاّ ينظر أحد لامرأة جميلة، إلاّ أن المرء يبذل مشقة كبيرة في أن يضبط نفسه عندما ينظر إلى امرأة. أو من الأفضل أن نقول إنه لا يمكن أن توجد مشقة في حالة عدم النظر، أما الجهد الكبير والتعب فإنه يأتى عند النظر ثم بعد ذلك محاولة ضبط النفس. إذًا عندما تكون المشقة أقل، أو من الأفضل القول عندما لا توجد مشقة مطلقًا ولا تعب فالربح سيكون أوفر. فلماذا نُصارع من أجل السقوط في قاع محيط الخطايا التي لا تُحصى؟ لأن مَن لا ينظر إلى امرأة لا يسهل عليه فقط أن يهزم الشهوة، بل أنه يصبح أكثر نقاءً، كما أن ذاك الذي ينظر لن يتمكن من التخلّص من هذه الشهوة ـ كما قلنا ـ إلاّ بجهد كبير ومحاولات كثيرة. لأن الذي لم يرى وجهًا جميلاً هو في منأى عن الشهوة التي تأتى عن طريق النظر، أما مَن اشتهى أن يرى يكون بهذا قد لوث نفسه. فإنه بعدما ينتصر على الفكر، يبدأ بعد ذلك مرحلة النقاوة من الشهوة، غير أن هذا ليس بالأمر الهين.

          ولهذا تحديدًا فإن المسيح له المجد، لكى يُجنّبنا معاناة كل هذا لم يمنع القتل فقط، بل والغضب أيضًا، ليس الزنا فقط، بل والنظرة الشريرة. وليس فقط من جهة نقض القسم، ولكن القسم بشكل عام. وأستطيع أن أقول ولا بهذا أيضًا يتحدد معيار الفضيلة، بل أنه بعدما شرّع كل هذا، يتقدم نحو ما هو أكثر من ذلك. فبعدما أبعد الإنسان عن طريق القتل وأوصاه أن يكون نقيًا من الغضب، يوصيه أن يكون مُستعدًا لأن يتألم، ويُعد نفسه مسبقًا لتحمّل الآلام ليست فقط تلك التي تأتي فمَن يرغب في الإيقاع به، بل أكثر من ذلك. وعليه أيضًا أن ينتصر على قوة شهوته بالعفة التي يمتلكها. لأنه لم يقل مَن لطمك على خدك الأيمن يجب أن تتحمله بشهامة وهدوء، بل قال حوّل له الآخر أيضًا: ” فحوّل له الآخر أيضًا”[2]. ولهذا فإنه انتصار عظيم أن نتحمل أكثر بكثير مما يريده ذاك الذي يرغب في أن يؤذينا، وأن نتجاوز حدود شهوته الخبيثة، بما لنا من غنى في طول الأناة. لأنه هكذا سنقضى على غيظه، وستنال مكافأة عظيمة، بعدما نقضى على الغضب من خلال تصرفنا هذا مع المسئ.

          أرأيت كيف أنه في كل موضع يؤكد على أن عدم شعورنا بالخزي والألم يتوقف علينا، ولا يتوقف على الذين يسيئون إلينا؟ أو من الأفضل أن نقول إن الأمر لا يتعلق بعدم شعورنا بالخزي فقط بل إذا أردنا أن ننعم بالخير فهذا أمر في أيدينا. وبالطبع فإن هذا ما يستحق الإعجاب بصفة خاصة، أى أنه ليس فقط أنه لن ينالنا ظلم، إن كنا نسلك بعفة، بل يمكننا أن ننعم بالخير بواسطة تلك الأمور التي بها نُظلم من آخرين. ولكن انتبه. هل أهانك فلان؟ الأمر يعتمد عليك في أن تحول هذه الإهانة إلى مديح لك. لأن من المؤكد إن رددت الإهانة، فإنك تجعل العيب أكبر، أما إن باركت الذي أهانك، سترى أن كل الحاضرين يتوجونك ويصفقون لك ويُشيدون بك. أرأيت كيف أننا ننعم بالخير من خلال قبولنا للظلم الواقع علينا، نفس الشئ يمكن أن نراه يحدث فيما يتعلق بالأموال، وكل الأمور الأخرى. لأنه إن كان جوابنا أو ردود أفعالنا هى عكس أفعالهم، تلك التي لأجلها نُعانى، والتي لأجلها ننعم بالخير، فإننا بهذا ننسج لأنفسنا تاجًا مزدوجًا. إذًا لو أن شخصًا ما أتى وقال لك إن فلان أهانك، ونقل إليك ما قيل عنك بالسوء أمام الجميع، فينبغى أن تمتدح الشخص الذي أهانك أمام أولئك الذين نقلوا لك هذه الإهانة، لأنك بهذه الطريقة تستطيع أن تكسب الحق إن أردت أن تدافع عن نفسك.

          لأن هؤلاء الذين يسمعون سوف يمتدحونك حتى ولو كانوا يتسمون بحماقة شديدة، لأن ذاك دون أن تظلمه البتة، قد أحزنك، أما أنت وإن كنت قد تألمت، إلاّ أنك تجعله يُدان بردود أفعالك التي هى عكس أفعاله. وستستطيع بهذا المسلك الطيب أن تبرهن على أن الكلام الذي وُجّه لك يعتبر كريه ومنفر. لأن ذاك الذي لا يحتمل كلام الإهانة بمسرة، يقدم دليلاً على أنه مازال يُعانى، بينما ذاك الذي يزدرى بهذا الكلام يكون قد برأ نفسه أمام الحاضرين من كل ريبة أو شك. لاحظ إذًا مقدار الخير الذي تناله من وراء سلوكك هذا. أولاً أنك تُنقذ نفسك من الارتباك والقلق حتى ولو كنت مُثقلاً بالخطايا، فإنك تمحو هذه الخطايا بردودك الحسنة مثل العشار الذي احتمل باختياره اتهام الفريسى. وبالإضافة إلى هذا فأنت تجعل نفسك عفيفة بهذه التداريب والممارسات، وستنال من الجميع مديحًا كثيرًا جدًا، وستنفي كل تهمة قد قيلت عنك. أما إذا أردت أن تنتقم لنفسك من المُسئ إليك، فسوف يكون مصيرك مثله، بل وأكثر. إذ أن الله يعاقبه على تلك الأمور التي قالها، وقبل هذا العقاب، عليك أن تعلم أن عفة نفسك تصير بالنسبة له طعنة مميتة، فعليك أن تزدرى بما يقال عنك لأنه عادةً لا يوجد شيئًا يُضايق المُسيئين إلينا سوى أن نزدرى، بهذه الشتائم.

          إذًا فكما أننا سنحصل على كل الخير من وراء العفة، هكذا سيصير كل شئ على نحو عكسى، إن تصرفنا بطريقة مغايرة وكنا صغار النفوس. لأننا بالحقيقة نُسئ إلى أنفسنا (إن سلكنا بعكس عفة النفس) وسنظهر أمام الجميع أننا مسئولون عما يُقال، ونملأ أنفسنا بالاضطراب، ونُفرِح عدونا، ونغضب الله، ونُضيف إلى خطايانا السابقة، خطايا أخرى.

          إذًا فلنفكر في كل هذا، ولنتجنب الوقوع في هوة صغر النفس، ولنلجأ إلى ميناء طول الأناة، حتى نجد راحة لنفوسنا، كما قال المسيح له المجد، ونحصل على خيرات الدهر الآتى بالنعمة ومحبة البشر اللواتى لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد إلى دهر الدهور آمين.

[1] أم8:5.

[2] مت39:5.

رسالة رومية الأصحاح7 – عظة13 ج4 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)