أبحاث

رسالة رومية الأصحاح13 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح13 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

رسالة رومية الأصحاح13 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب  

رسالة رومية الأصحاح13 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب
رسالة رومية الأصحاح13 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب

        4 ـ إذًا فليحب الواحد الآخر، لكي نحب بهذه الطريقة أيضًا الله الذي أحبنا. إن ما يحدث بين البشر هو أنك إذا أحببت من هو موضع محبة، فإن الذي يُحبه سيقاومك، أما هنا فإنه يعتبرك مستحقًا أن تصير شريكًا له في المحبة، وحين ترفض أن تصير شريكًا، فإنه يُبغضك. لأن العشق الإنساني مملوء بالبغضة والحسد، بينما المحبة الإلهية متحررة من كل معاناة عاطفية، ولهذا فإنها تطلب شريكًا للمحبة. إذًا فلتحب بالاشتراك معي، هكذا يقول، وحينها سأحبك بالأكثر. أرأيت عاشقاً يتكلم بهذه القوة؟ فكأنه يقول: إن كنت تحب الذين أحبهم أنا فحينئذٍ أتصور أنني أنا ذاتي، أكون محبوبًا بشكل فائق منك. خاصةً وأنه يشتهي خلاصنا جدًا، وقد أظهر ذلك منذ البداية. اسمع ماذا يقول حين خلق الإنسان: ” نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا “[1]، وأيضًا: ” ليس جيدًا أن يكون آدم وحده. فأصنع له معينًا نظيره “[2]. وحين وبّخه، عندما خالف الوصية، لاحظ كيف وبّخه بكل حنو. لأنه لم يقل له أيها الدنس والملوث، برغم من أنك قد نلت إحسانات كثيرة، فإنك آمنت بالشيطان، بعد كل هذه الإحسانات، وهجرت من أحسن إليك، وكرست ذاتك للشيطان الخبيث، بل ماذا قال: “من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها “[3]. إن ذلك يشبه أباً أوصى أبنه بألاّ يمسك بالسيف فرفض الابن سماع النصيحة فمسك بالسيف وأصيب بجراح. وعندما أصيب أخذ يصرخ قائلاً عن سبب إصابته. فأجابه الأب قائلاًَ: أنك جرحت يا أبني بسبب عدم طاعتك لي ولأنك لم تسمعني.

          أرأيت أن الكلام هو من صديق أكثر منه رب؟ لصديق قد احتقر، لكنه برغم ذلك لم يبتعد. إذًا فلنتشبه به حتى عندما نُوبخ أيضًا، ولنتبع هذه الرأفة. كذلك المرأة أيضًا (أي حواء) وبّخت بنفس الرقة. أو من الأفضل أن نقول، إن ما حدث لا يُعد توبيخاً بل كان نصيحة، وتصحيح (للمسيرة)، وتأمين للمستقبل. ولهذا تحديدًا لم يقل شيئًا للحية، لأنها كانت هي المخططة للشرور، ولم تستطع أن تنقل السبب إلى شخص آخر، ولذلك فقد عاقبها بشدة، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل جعل الأرض مشتركة في اللعنة. وإذ أن الله قد طرد آدم من الفردوس، وحكم عليه بالعمل الشاق، ولذلك يجب أن نسجد له ونُمجده. لأن الشهوة قادت إلى الخمول والإهمال في تنفيذ الوصية، وحاصرت الفرح، وساد الحزن الناتج عن عدم  اللامبالاة، وهذا ما يدفعنا إلى الرجوع إلى محبته.

          ماذا حدث أيضًا في حالة قايين؟ ألم يستخدم معه نفس أسلوب الرأفة؟ كذلك برغم من أنه أُهين منه، لم يرد الإهانة، لكنه تجدث معه برجاء وقال: “لماذا سقط وجهك”[4]. وإن كان ما حدث خال بالطبع من أية مقدرة على صفح، وقد برهن الأخ الأصغر على ذلك. لكن ولا هكذا وبّخ، ماذا قال: ” إن أحسنت أفلا ترفع. وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها “[5]، ويعني بذلك أخاه. إذًا وإن كنت تخاف، هكذا يقول، ربما بسبب ذبح هابيل سأنزع عنك سلطة البكر، فلتتشجع (أى لا تخف). فكل سلطته سأضعها في يدك. فقط أريد أن تصير أفضل، وأن تحب الذي لم يظلمك أبدًا. خاصةً وإني أعتني بكما معاً، على أن ما يفرحني هو ألا تتشاجروا فيما بينكما. ومثلما تفعل الأم الحنون، هكذا يفعل الله، كل شئ يصنعه ويبدعه، حتى لا ينفصل أحد عن الآخر.

          لكن لكي تعلم ما أقوله جيدًا، سأذكر لك مثالاً: غليك أن تتذكر رفقة التي أصابها القلق وركضت في كل مكان، عندما حارب ابنها الأكبر، الابن الأصغر. لأنه برغم من أنها كانت تحب يعقوب، إلاّ أنها لم تُبغض عيسو. ولهذا قالت: ” لماذا أعدم أثنيكما في يوم واحد “[6]. ولهذا تحديدًا قال الله آنذاك لقايين: “عند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها”، لكي يجنبه القتل لأنه كان يطلب سلام الاثنين. وحتى عندما ذبحه دون حزن أو أسى، لم تتوقف عنايته لذاك لقايين، بل برأفة، يسأل قاتل أخيه قائلاً: ” أين هابيل أخوك “[7]. لكي بهذه الطريقة على الأقل يقدم توبة. لكن ذاك جادل في الأمور السابقة، جاعلاً السفاهات أكبر وأفظع. ولا هذا أيضاً جعل الله يبتعد عنه بل حدّثه أيضًا بكلام يليق بمن يحب بقوة، على الرغم من أنه أُهين واُحتقر، فيقول “صوت دم أخيك صارخ إليّ “[8]. وأيضًا لعن الأرض مع قاتل أخيه، تاركًا غضبه للأرض، قائلاً: ” ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك “[9]، وقد فعل مثلما يفعل أولئك الذين يدعون شخصاً للرجوع.

          هذا ما صنعه داود، عندما سقط شاول. خاصةً وأن ذاك (أى داود) لعن الجبال التي حدث عليها جريمة القتل الذبح (أى ذبح شاول)، قائلاً: ” يا جبال جلبوع لا يكن طل ولا مطر عليكن .. لأنه هناك طُرح مجن الجبابرة “[10]. هكذا فإن الله كمن رنم بصوت فردي، يقول: ” صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك “. وقال هذا لكي يضبط غضبه الذي كان محتداً، ولكي يُقنعه على الأقل بأن يحبه حتى وإن لم يكن حيًا. هكذا يقول لقد محوت حياته، فلماذا لم تمحو البغضة؟ لكن ماذا يفعل؟ إنه يُحب هذا وذاك، لأنه خلق الاثنين. ماذا إذًا؟ هل سيترك قاتل أخيه بلا عقاب. لكنه في هذه الحالة سيصير أسوأ؟ فهل سيعاقبه؟ إلاّ أنه أكثر حنو من أى أب. لاحظ إذًا كيف أنه يُعاقب ويُظهر رحمة لنفس الشخص، أو من الأفضل أن نقول، لا يُعاقب بل يُصحح فقط. لأنه لم يُميته، بل قيده بالرعب، حتى يطرد العار منه، ليعود على الأقل إلى حنوه وعطفه، لكي يُقيم عهداً على الأقل مع ذاك الذي مات، لأنه لم يُرد لقايين أن يرحل من هناك وهو لازال عدواً، لهابيل الذي قتله.

          إن الذين يحبون يكون مثل هؤلاء. فعندما يصنعون إحسانات، لا يكونون موضع محبة، يصيرون قساة، ويهددون، بالطبع دون أن يريدوا ذلك بل ينقادوا بالمحبة إلى هذه القسوة لكي يجذبوا، على الأقل بهذه الطريقة، أولئك الذين يحتقرونهم. وإن كانت مثل هذه المحبة، تصير نتيجة الحاجة، لكن هذا أيضًا يُعزيهم بسبب محبتهم الفائقة. وبناء عليه فإن العقاب أيضًا يصير بالمحبة. لأن أولئك الذين لا يتضايقوا حين يُبغضوا، لا يفضلوا أن يعاقبوا. ولك أن تلحظ ما يقوله القديس بولس، في هذا الأمر لأهل كورنثوس: “لأنه إن كنت أحزنكم أنا فمن هو الذي يُفرحني إلاّ الذي أحزنته “[11]. وبناء على ذلك، فعندما يزيد حجم العقوبة جدًا، عندئذٍ يُظهر المحبة الفائقة. هكذا فإن زوجة فوطيفار المصرية عاقبت يوسف بقسوة بسبب المحبة الفائقة. لكنها بالطبع عاقبته بدافع أمر سيء، خاصةً وأن المحبة كانت قد أخذت شكل الفجور ولكن الله يعاقب من أجل أمر حسن، لأن محبته أيضًا كانت بالقدر الذي يستحق الذي أحب. ولهذا لم يتجنب أيضًا أن يستخدم كلاماً ثقيلاً، وأن يقدم كلمات الميول الإنسانية، وأن يدعو نفسه، غيور ” لأني أنا الرب إلهك إله غيوراً”[12]، يقول هذا لكي تعلم مدى قدر المحبة.

          إذًا فلنحب الله كما يريد هو، لأنه يعتبر هذا الأمر، هاماً جدًا. وإن تحولنا عنه، فيظل يدعو، وإن لم نُرد أن نعود، يُعاقب بمحبة، وليس لأنه يريد العقاب. لاحظ إذًا ماذا يقول في سفر حزقيال، عن المدينة التي أحبها، وأهانته ” هاأنذا أهيج عليك عشاقك وأسلمك إلى أيديهم وسيرجمونك وسيحطمونك. وسأنزع غيرتي عنك. وسأستريح ولن أهتم بعد بك “[13]. هل هناك قسوة أكثر قسوة من ذلك، يمكن لعاشق أن يقوله يظهرها عندما يُحتقر من معشوقته، وحين يحترق بالنار لأجلها، بعد كل هذا؟ إن الله يصنع كل شئ، لكي يصير محبوباً لنا، ولهذا لم يُشفق على ابنه. لكننا قساة ومتوحشون. ويجب علينا أن نصير ودعاء، ولنحب الله، كما ينبغي أن نحبه، لكي نتمتع بالفضيلة، بفرح، لأنه إن كان أحد يحب أو يعشق امرأة، لا يشعر بأى أمر من الأمور اليومية المحزنة، فكّر في كم السعادة التي سيتمتع بها ذاك الذي يشتهي جدًا، هذا العشق الإلهي النقي.

          إن هذا العشق الإلهي لأمر عظيم جداً هو ملكوت السموات، هو تمتع بالخيرات، هذه هى المسرة، هذا هو الابتهاج، هو الفرح، هو السعادة. أو من الأفضل أن نقول، أنه مهما تكلمت فلن أستطيع أن أعرض شيئاً يستحق أن يعادله، لكنني بالخبرة أعرف مدى عظمة هذا العشق الإلهي.

          ولهذا قال النبي ” ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب “[14]. لنخضع إذًا ولنتمتع بمحبته. لأنه هكذا (من هذه المحبة)، سنرى ملكوت السموات، وسنحيا حياة ملائكية، وعلى الرغم من أننا نحيا على الأرض، إلا أننا ننقص شيئاً عن أولئك الذين يسكنون السماء، وبعد انتقالنا من هنا، سنمثل أمام عرش المسيح أكثر بهاءً من الجميع وسنتمتع بمجده الذي لا يعبر عنه، والذي ليتنا نناله جميعًا بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به المجد إلى أبد الدهور أمين.

 

[1] تك26:1.

[2] تك18:2.

[3] تك11:3.

[4] تك6:4.

[5] تك7:4.

[6] تك45:27.

[7] تك9:4.

[8] تك10:4.

[9] تك11:4.

[10] 2صم21:1.

[11] 2كو2:2.

[12] خر5:20.

[13] خر22:23 (س).

[14] مز8:34.

رسالة رومية الأصحاح13 ج2 – ق. يوحنا ذهبي الفم – د. سعيد حكيم يعقوب