آبائياتأبحاثكتب

حوار حول الثالوث ج2 (الحوار الثالث) – القديس كيرلس الاسكندري

حوار حول الثالوث ج2 (الحوار الثالث) – القديس كيرلس الاسكندري

حوار حول الثالوث ج2 (الحوار الثالث) – القديس كيرلس الاسكندري

حوار حول الثالوث ج2 (الحوار الثالث) – القديس كيرلس الاسكندري
حوار حول الثالوث ج2 (الحوار الثالث) – القديس كيرلس الاسكندري

 

الحوار الثالث

” إن الابن هو إله حقيقى كما أن الآب إله حقيقى “

 

هل الابن هو إله حقيقي كما أن الآب إله حقيقى؟

كيرلس: إنى أعرف جيدًا يا إرميا أنك أنت أيضًا تقول إنه يجب أن نُظهر اهتمامًا كبيرًا بالفضيلة وأن نتعمق على كل حال في كلمات الإيمان[1]، لأن مثل هذه الكلمات هى خاصة بالله. ولهذا فإن الكتاب يقول ” ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصّها على أولادك وتكلّم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشى في الطريق وحين تنام وحين تقوم[2].

          لأنه إن كان كلام الله في أفواهنا دائمًا فإن هذا سيكون له ـ كما أعتقد ـ نفع كثير لحياتنا الروحية، كما أتصور أن كلام الله هذا لا يناسب الجميع بل فقط أولئك الذين لهم الاهتمام أن يعيشوا حسب مشيئة الله[3].

 

إرميـــا: إنى أتفق معك فيما تقول، لأنه لا يوجد شئ أفضل من هذا. ولأننا نتكلّم في الوقت الحاضر عن ولادته الإلهية التي لا توصف وأن الابن لم يأتِ إلاّ من الآب، إذ وُلِدَ من جوهر الله الآب[4]. فما هو الأمر الذي يجعل المعارضين يؤمنون بأن الله هو واحد، الذي هو الآب وأنه إله حق، ولا يحسبون معه أحدًا آخر بالمرة، بل ويبعدون الألوهة الحقة عن طبيعة الابن الوحيد والحقيقى، ذاتها؟

 

كيرلس: أنا نفسى أتساءل عن هذا الأمر الذي يبعدهم بعيدًا، والذي يجعل “من جفنة سدوم جفنتهم، ومن كروم عمورة. عنبهم عنب سم ولهم عناقيد مرارة. خمرهم حمة الثعابين وسم الأصلال القاتل[5]. لأنهم وهم سكارى بسبب ضلالاتهم والتي لا أعرف أين وجدوها، فإنهم يتفوهون من أعماق قلوبهم الماكرة بأمور شريرة. وهم قد تركوا ألسنتهم بدون أى ضابط لينطقوا بالتجديف على الابن[6]، إذ أنهم في هذا يعانون من عدم الفهم الذي يصاحب عدم التقوى الذي اتصف به الفريسيين. ولهذا فإنهم يستحقون أن يسمعوا ما قيل للفريسيين ” يا أولاد الأفاعى كيف تقدرون أن تتكلّموا بالصالحات وأنتم أشرار[7]. ومع أنه ـ بالتأكيد ـ كان يجب مع تمسكهم بطريقة البحث الدقيق، ألاّ يعتقدوا أن ما يبدو لهم أنه صحيح، ليس بالضرورة أن يكون هو السليم والذي لا يقبل النقض. ويجب عليهم أن يبعدوا بأسرع ما يمكن عن تلك الأمور السطحية. لأنهم لو حاولوا البحث بتدقيق في الأمور التي تساعد على فائدتهم وعلى الحكم السليم على الأمور، فإنهم سيتمسكون بتعاليم الحق الإلهى.

 

          لأنى أعتقد أنه من خيالات العقل واضطرابه أن يدّعيَّ المرء أن الابن المولود من الله مثل الكلمة من العقل ومثل الشعاع من النور[8]، ليس هو الله الحقيقى حسب الطبيعة. كما أعتقد أنه من طياشة العقل أن ينساق المرء وراء أفكار لا هدف لها، وأن يتفاخر بتزييف معانى مصطنعة. أليس من الأفضل أن نتعلّم أنه حيث توجد الولادة حسب الطبيعة تكون هناك بالتأكيد علاقة بين الوالد والمولود منه[9]. وأن هذه العلاقة ليست هى علاقة نسبية أو علاقة غير حقيقية بل هى علاقة طبيعية[10]؟ لأن المولود بالحقيقة يأتى من ذات جوهر الذي وَلَده. فكيف يكون إذًا ذلك الذي وُلد من الله، ينقصه شئ أو يكف أن يكون ـ حسب رأيهم ـ هو الله بالحقيقة؟

 

إرميـــا: نعم، ويمكننى أن أقول: إنه هو الله وأنه أتى من الله لكن بطريقة مختلفة.

 

كيرلس: إذًا، ما هو بالضبط هذا الشئ المختلف. لأنى لا أستطيع فهمه بوضوح وربما استطعت أنت أن تقوله لى، إن كنت تعرف شيئًا، لأنه من الطبيعى أن تكون قد سألت عن هذا الأمر؟

 

إرميـــا: بالفعل قد سألت. هم يقولون: إن الآب هو إله حقيقى غير أن الابن ليس كذلك حتى لو كان يدعى الله. ويقولون: إن الابن يأتى فقط من الله بمعنى أنه يأتى من الله لأن كل الأشياء هى من الله.

 

كيرلس: هذا بالطبع يعنى كأنهم يصرخون عاليًا، وقد تركوا تمامًا كل إحساس بالخجل، ويقولون إن الابن ليس هو الله بل هو مساوٍ لكل المخلوقات في طريقة الخلق فهو قد وُلِدَ ووُجِدَ من العدم وحُسِبَ من بين المخلوقات كواحد منها.

          وأعتقد أنه من الحكمة الفائقة أن تجرد كلامهم من كل تزويق وألاّ تترك المعارضين يزيّنون كلامهم عن ـ طبيعة الابن ـ بكلام معسول، فهم لا يؤمنون على الاطلاق بأى شئ حقيقى عنه، ولتقنعهم بأن يقولوا ما يؤمنون به عنه علنًا، لأنى أعتقد أن كلامهم الهزيل سيُنتقد أيضًا علنًا. ويستطيع المرء أن يُدرك حقيقة كون الابن قد أتى من الآب، إن كان عقله غير فاسد ويؤمن بأن هذا لا يعنى شيئًا آخر غير أن الابن قد وُلِدَ[11]. أما أنه قد صَدَر من ذات جوهر الآب[12] فقد بيّنه الحوار الذي أجريناه مؤخرًا[13]. وأعتقد أن على كل عقل يعرف كيف يبحث في العمق، أن يشجع هذا الحوار.

 

إرميـــا: إنه أمر طيب أن تكون راغبًا في هذا، أما الاعتراضات التي يمكن أن يثيروها على حججنا فهى كالآتى:

 

          يقولون: إن واحد فقط يُدعى الله في العهد القديم كما في العهد الجديد. لأن موسى قد قال ” اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد[14]. وأيضًا يصرخ الرب قائلاً: ” انظروا الآن. أنا أنا هو وليس إله معى[15]. وأيضًا     ” أنا الرب الأول وأنى كائن إلى الأبد ولا يوجد إله لك غيرى[16]. كما أن الابن نفسه يقول للآب ” هذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك[17]. وهم يستطيعون بسهولة أن يشيروا إلى آيات عديدة مثل هذه وسيحاولون بوجه عام تفسيرها مستخدمين حججهم، وهم يتوقعون أن البعض سيؤمن بسرعة أن الآب هو فقط الإله الحقيقى وأنه لا يوجد آخر غيره قط.

 

كيرلس: لكن قل لى: لماذا يتعبون أنفسهم في محاولة إقناعنا بما يقولون؟ فنحن لا نحتاج إلى مجهود على الاطلاق ـ أيها الحبيب ـ لكى نوافق مباشرةً على ما يقولونه ونؤمن بالآب الإله الحقيقى حسب الطبيعة وذلك وفق نص قانون الإيمان[18]. وهل يمكن للمرء أن يعترض على هذا، وماذا تكون حجته؟ أما إذا قالوا: إنه لا يوجد إله غيره إطلاقًا (في كل الوجود) فإن هذا لا ينطبق على طبيعة الابن في شئ، لأنه بطبيعته مختلف عن كل (الآلهة المخلوقة)[19] ولا يُحسب ضمن المخلوقات إذ هو كائن دائمًا مع أبيه مُشرقًا دائمًا معه وهو يُدرَك دائمًا مع الذي وَلَده في طبيعة إلهية واحدة. واحد إذًا هو الله وهو الإله الحقيقى لأننا قد عُتقنا من تعدّد الآلهة وطالما قد تنقينا أخيرًا من لطخة تعدد الآلهة وعرفنا الرب الحقيقى الواحد، لنترك الآن هذه الأمور ولنأتى إلى موضوعنا لأنى أظن أنه يجب أن نفعل هكذا.

 

إرميـــا: أى موضوع تقصد؟

 

كيرلس: قول الابن إن الآب هو الإله الحقيقى وحده.

 

إرميـــا: نعم هكذا قال.

 

كيرلس: والعهد القديم قال لنا أيضًا أنه لا يوجد إله آخر سواه.

 

إرميـــا: بالفعل.

 

كيرلس: هيا بنا أيها الحبيب نحن أيضًا إلى الكتب المقدسة[20] ـ ولنفحص بتدقيق كلام القديسين. هلم إذًا لنفحص ربما وُجد مَن دَعىَ الابن ووَصفَه بأنه إله حقيقى وحده.

 

إرميـــا: بالصواب تتكلم.

 

كيرلس: إذًا سنرى أمامنا يوحنا الحكيم والذي دُعى ابن الرعد[21]، يصرخ قائلاً ” ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية[22]. ويقدّم لنا العون أيضًا باروخ الذي يعلن بوضوح طبيعة ومجد الابن ويصرخ بنفس الطريقة ويشير إلى نفس الأمر بقوله ” هذا هو إلهنا ولا يحسب آخر تجاهه هو وجد كل طريق التأدب وأعطاها ليعقوب غلامه وإسرائيل المحبوب منه. بعد هذا ظهر على الأرض وتصرف مع الناس[23]. وأيضًا نستطيع أن نقول إن الرسول بولس الطوباوى قد حدّثنا عن رب وهو يسوع المسيح وأيضًا داود ينشد بوحى الروح قائلاً: ” لأنه مَن هو إله غير الرب وهل يوجد إله سوى إلهنا[24]. إذًا لقد دُعى الابن الوحيد الجنس بأنه الإله الوحيد والحقيقى وذلك بطريقة واضحة وأكيدة في الأسفار المقدسة.

 

إرميـــا: هذا حق.

 

كيرلس: بالنسبة لنا طالما أن الآب هو وحده الإله الحقيقى، فإن الابن أيضًا هو إله مساوٍ له ولا يوجد أى اختلاف بينهما (في الجوهر) ولا يمكن أن يُحسب معهما أحد آخر على الاطلاق. إذًا إلى أين يتجه فكر هؤلاء الذين يعتقدون بما ينادون به، لأن طبيعة الآب والابن ستَحُول دون ذلك الفكر وإلاّ كانت غير مستحقة للمجد اللائق بها كطبيعة إلهية طالما أنها ستكون متغيّرة وغير ثابتة؟[25] وبالعكس لو أننا نسبنا للابن فقط الألوهة الحقيقية ولم نحسب معه أحدًا غيره إلهًا، أفلن نُحد بذلك من مجد الآب، الأمر الذي لا يحق لنا أن نقوله؟ أَوليس غير صحيح أن نقول إنه طالما نقبل أن الآب فقط هو وحده الإله الحقيقى أننا نؤكد بذلك فورًا أن الابن له طبيعة مختلفة عن الآب وبالتالى فإننا نجرده من الألوهة الكاملة وبالتالى تكون له طبيعة أخرى؟

 

إرميـــا: بالطبع إن معانى الكلمات[26] تقود إلى هذا الفكر. ومع هذا فالمعارضون لديهم الحق في أن يقولوا بأنه إن كان الابن هو إله حقيقى فإن هذا سيمنعنا من القول بأن الله هو واحد بل سيضطرنا إلى القول بأنه اثنين.

 

كيرلس: إن تلك الأمور الغريبة التي ينادون بها هى غير واضحة بالمرة، ويمكن اعتبارها أنها طريقة من طرق التجديف المعروفة التي تنتشر بسرعة. غير أن هدفنا ليس هو أن نفحص من أين يأتى هذا التجديف بل بالحرى أن نعترف أنه يجب أن ندرك كيف أن الابن قد وُلِدَ من جوهر الله الآب وأنه إله حق من إله حق[27] وأنه لم يولد من طبيعة غريبة ومختلفة، وأن له كل ما للآب حسب الجوهر عدا كونه أبًا[28]. وإذ نحصى الروح القدس مع الآب والابن في الألوهة الواحدة، فإننا هكذا نسجد لثالوث واحد مساوٍ في الجوهر الإلهى.

إرميـــا: لكن إن قالوا إنه لو قبلنا بوجود ثلاثة أقانيم، فإنه سيمكن أن نفهم حينئذٍ أن الألوهة مثلثة (أى يوجد ثلاثة آلهة).

كيرلس: بالنسبة لنا فإن الحقيقة الإلهية تعلّمنا[29] أن الأمور ليست هكذا. لأننا قد تعمدّنا باسم الآب والابن والروح القدس[30]، وبالطبع لا نقول إننا نؤمن بثلاثة آلهة، لكن بألوهة واحدة ممجدّة في الثالوث القدوس[31]. فلماذا إذًا تتسرع محاولاً أن تُخضع تلك الأمور التي تفوق العقل لأفكار بشرّية[32]، تلك الأمور التي أعتقد أنه يجب أن يُنظر إليها فقط بالإيمان الخالى من كل شك؟ لأن التساؤل عن ماهية الثالوث وعن طبيعة الألوهة هو أمر غير لائق بالمرة ويدل على عدم التقوى[33]. وعلى عكس ذلك فإن التقوى هى أن نرغب في أن نفكر بطريقة سليمة كيف أننا نسجد للثالوث القدوس الإله الواحد. أتوافق إذًا يا إرميا على أننا نفهم هذه الأمور ونؤمن بها بطريقة صحيحة، بينما المخالفون يحاولون بكل الطرق أن يخترعوا أمورًا غريبة وأفكارًا شاذة لا تخطر على فكر أحد؟

 

إرميـــا: صحيح، وأنا أعرف أنهم يحاولون ذلك، لكن كيف يكون الله الذي نؤمن به واحدًا بينما نقول إن لكل من الآب والابن أقنومه الخاص؟

 

كيرلس: إن ما يساعدنا في فهم هذا الأمر هو أن نأخذ في اعتبارنا حقيقة وحدة الجوهر، تلك الوحدة التي بها يكون للأقنومين جوهر واحد، مع حفظ ما يخص كل منهما كأقنوم وألاّ تُنسَب الإزدواجية إلى الطبيعة البسيطة[34] ولا حتى بسبب الخوف أننا ربما نخدش بساطة الطبيعة عندما نتحدث عن أقنومين. ونستطيع أن نبيّن أن الكلام عن وحدة الجوهر هو كلام حق من كل الشهادات التي وردت عن الابن في الكتاب المقدس. بمعنى أنه لأن الآب بطبيعته هو الله بالحقيقة فإنه سيقبل أن يكون الابن بطبيعته هو الله بالحقيقة، بسبب أن لكل منهما أقنومه الخاص ولهما نفس الجوهر. وليست هناك طريقة أخرى لذلك عدا أن يكون الابن من ذات الآب وأن الابن له في ذاته نفس طبيعة الذي وَلَده، وبهذه الطريقة يمكن أن يُفهم ما يقال بأن الابن والآب هما واحد. وهكذا، فعلى سبيل المثال نجد أن فيلبس قد وُبِخَ لأنه لم يعبّر عن عطشه للمعرفة بكلمات واضحة. وإذ كان من الممكن أن يرى وبكل وضوح طبيعة الله الآب في شخص الابن فإنه قال ” يا سيد أرنا الآب وكفانا[35]. والرب قد أجابه قائلاً: ” أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفنى يا فيلبس الذي رآنى فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرنا الآب، ألست تؤمن أنى أنا في الآب والآب فيّ[36]. ” أنا والآب واحد[37]. وقول الرب هو حق لأنه بما أن الابن مولود من جوهر الله الآب، فإنه بالقطع كائن في الآب، وهو (الابن) يستطيع من خلال طبيعته أن يُظهر طبيعة الذي وَلَدَه. وطالما أن الآب لا يُدْرَك إلاّ بالابن وفي الابن، وبما أن الابن هو رسم جوهر الآب[38]، فإن طبيعة مَن وَلَده تكون فيه هو أيضًا. وأعتقد أيضًا وبحسب ما نؤمن، أنه يجب أن نقول إن ما يقال عن أى منهما يسرى على كل منهما لأن لكليهما نفس المجد.

 

أمثلة عن شركة الخصائص الذاتية للآب والابن:

المثال الأول:

إرميـــا: وماذا تقصد بهذا؟

 

كيرلس: ألا تعرف يا صديقى أن بولس الطوباوى يكتب عن الله الآب قائلاً: ” لكى يكون الله الكل في الكل[39].

 

إرميـــا: وما معنى هذا؟

 

كيرلس: انتبه، فالقديس بولس أعطى نفس المجد للابن ويزيّن طبيعة الابن الوحيد بتلك الأمور التي تمجد الآب وذلك عندما قال في موضع آخر عن الابن ” الذي يملأ الكل في الكل[40].

 

إرميـــا: نعم لقد قال هذا.

 

كيرلس: أعتقد إذًا أن المرء سيُمكنه أن يتساءل عن كيفيّة حدوث ذلك (لأنه سيقول) طالما أن الله الآب يملأ الكل ويوجد ويُعرف من الكل بأنه الله فإنى لا أرى أى مساحة (متبقية) يمكن أن يملأها الابن. ولهذا فنحن مجبرين على أن نفكر بأنه إن لم يكن الواحد منهما في الآخر جوهريًا فحينئذ فإن ملء الكل بواسطة الله الآب سيكون لا لزوم له، لأن الملء سيكون كافيًا بواسطة الابن. أو عكس ذلك إذ أنه إن كان الله الآب يملأ الكل، حينئذٍ سيكون الملء المُعطى للكل من الابن بدون داعٍ طالما أن الآب كافٍ وقادر على أن يملأ الكل. وكيف يمكن للمرء أن يثبت أن الكل ينقصه شئ طالما أن الله الآب هو الذي يملأ هذا الكل.   وهكذا يا صديقى، تجد أن كلمات الحكيم يوحنا ـ في فكر المعارضين ـ هى بلا معنى، وأن تمجيده للابن كان بدون وجه حق عندما قال عن الابن والقديسين ” ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا[41]، فلأى شئ كانت حاجتهم التي أخذوها من ملء الابن طالما أن كل ما كانت الخليقة في احتياج إليه موجودًا في الله الآب وحده، وتكون الخليقة غير محتاجة لشئ من أى أحد غيره؟

 

إرميـــا: لقد تكلّمت بالصواب.

 

كيرلس: وعندما نفحص بالضبط ما هو “الملء” المُعطى من كل من الآب والابن فإنه يصير واضحًا إذًا بالنسبة لكل منا أنه، إن كان الجوهر منقسمًا في كليهما حتى أنهما يصيران مختلفين (في الجوهر)، أفلن يعنى هذا إذًا أن الملء الخاص لكل منهما سيكون متناسبًا مع طبيعته (الخاصة به)؟

إرميـــا: حتمًا.

 

كيرلس: فلو قلت إن الآب هو إله حقيقى فحتمًا ستكون أفعاله هى إلهية، بينما لو قلت إن الابن هو مجرد من الألوهة الحقيقية فيتبع ذلك أن قدرته على الملء ستكون طبعًا غير إلهية، وستكون متفقة حتمًا مع طبيعته (الغير إلهية). وهكذا سيكون كل الملء فينا مزدوج وغير متساوٍ. وطالما أن الملء المُعطى بواسطة الآب كان كافيًا لهؤلاء الذين نالوا الخلاص، إذ هو ملء إلهى أعلى من كل ملء. فإذ كان حقيقيًا أن الابن لا يعمل كما يليق بإله حسب الطبيعة إذًا فإنه لم يضف إلينا غير ملء أقل من ملء (الآب). وأيضًا لو قبلنا أن ملء الابن هو أمر نافع وهام وضرورى لخلاصنا فلن يتبقى إلاّ أن نفكر وأن نقول إن الأفضل قد احتاج إلى الأدنى، وأن الأصغر قد أضاف إلى الكامل ما ينقصه، هذا إن كان حقيقيًا أن الملء المعطى بالله الآب لم يكن كافيًا لخلاصنا. وهذا اتهام سخيف ويجب ألاّ يكون إيماننا بهذه الحقائق هكذا.

          وبالتالى فيلزم أن نُلقي عنا بعيدًا كل هذا الهذيان. فما نؤمن به وما نعتقده هو أن فعل الآب والابن واحد[42]، كما أن الملء الحادث فينا بواسطة الآب والابن هو واحد، وذلك لأن طبيعة الآب والابن هى واحدة. فالواقع أن الطبائع التي يصل اختلافها إلى حد التباين والتي تتباعد فيما بينها تمامًا إلى حد الغربة لا يمكن أن يكون لها نفس الفعل المتساوى والمتطابق في أى من الكائنات. لكن حيث تختلف الطبائع فبالضرورة تكون الأفعال أيضًا مختلفة وغير متشابهة.

 

إرميــا: هذا حقيقى. غير أنى أريد أن أسألك كيف نفهم أن الملء يحدث فينا بواسطة الآب والابن طالما أن هذا الملء واحد ومتشابه.

 

كيرلس: بالتأكيد ليس هناك مانع ولا صعوبة في شرح هذه الحقيقة. وهل هناك طريقة أخرى تمكّننا من ذلك سوى معونة الروح القدس؟ ذاك الذي هو نفسه يملأنا بالنعم الإلهية. والذي يجعلنا شركاء الطبيعة الإلهية؟[43] لأنه هكذا كتب تلميذ المسيح ” بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا إنه قد أعطانا من روحه[44].

 

إرميـــا: وهل يتم فينا الملء من كل من الآب والابن بواسطة الروح القدس الواحد معًا، أم يتم من كل واحد منهما على حدة؟

 

كيرلس: تمامًا يا إرميا، غير أن ما يدفعك إلى التساؤل لكى تتعلّم ـ على ما أعتقد ـ هو أنه إن كان الملء يتّم فينا بواسطة الآب والابن فكيف وقد صار هذا الملء تامًا أن يتّم فينا فعل ملء الروح القدس أيضًا؟

 

إرميـــا: وما هو رأيك إذًا؟

 

كيرلس: ربما أنك تفكر ـ وكما هو طبيعى ـ وتقول إنه إن لم يكن للابن طبيعة مساوية لطبيعة الآب، طالما أن الابن ـ حسب ما يعتقد هؤلاء ـ أقل في جوهره من جوهر الآب، فلا أعرف كيف سيفعلان (أى الآب والابن) شيئًا في داخلنا طالما أن الابن غير مساوٍ (للآب) ومتغيّر في كل شئ، وحينئذٍ كيف سيمكن اعتبار أن ملء الآب والابن قد تمّ فينا؟

 

ثم كيف سيتم فينا هذا الملء بواسطة الروح القدس وحده، إن كان من المحتمل أنه يفعل فينا فعل ملء الآب والابن كخادم[45] مع أنه يحمل إلينا هذا الملء بحسب طبيعته الإلهية التي هى نفسها طبيعة الآب والابن.

 

إرميـــا: كلامك معقول، لأن هذا هو ما يدور في عقلى بالفعل.

 

كيرلس: إذًا لنوجّه حديثنا نحو هذه الأمور ويمكننى أن أقول إن مَن يمكنه بذاته أن يجعل الآخر يشترك في أشياء أخرى بدون أن يفقد علاقته الطبيعية بها، فإنه يتصرف بطريقة تدل على أنه مساوٍ لها. لأنى أعتقد أن كل مَن يُظهرون أن لهم فيما بينهم فعل متساوٍ في القوة، فبالضرورة لابد وأن يكون لهم نفس الطبيعة.

 

إرميـــا: استطرد من فضلك في حديثك معطيًا لى مثالاً حتى أستطيع أن أتابعك.

 

كيرلس: سأستطرد في الشرح وسأقول لك إن الشمس[46] على سبيل المثال تُرى وتُدرك على أنها شئ واحد في حد ذاته، عالية هناك، وتتبع نظامًا محددًا حسب ما قصد خالقها. هذه الشمس تُرسل لأسفل أشعتها وتتصل بالموجودات على الأرض، وتنقل إليها الإحساس بالحرارة. وإن أردنا معرفة طبيعة الشمس ومن أين اكتسبتها، فإننا نستطيع ذلك بدون جهد. لأنها ملتهبة وتشبه النار. وكل مَن اقترب منها ولو لمرة واحدة يستطيع بسهولة أن يدرك ذلك بدليل الأشعة الساخنة التي تأتى منها.

 

إرميــا: تتكلم بالصواب، لأنه بالفعل، يمكن الشعور بها لأنه أمر غير صعب.

 

كيرلس: بالمثل، كيف لا يكون الأمر الذي تتكلم فيه واضحًا أمام ذوى العقول؟

إرميـــا: ماذا تقصد؟

 

كيرلس: أقصد أن طبيعة الشمس لا تختلف عن طبيعة الأشعة التي تصدر منها وتخترق المخلوقات التي تتأثر بحرارتها. لأنه كيف من الممكن أن يكون فعل الشعاع مختلفًا وطبيعة الشمس بالنسبة له هى مصدر إشعاعه، حتى أن الشعاع يُدرك على أن له نفس نوعية جوهر الشمس التي تشعه؟

 

إرميـــا: طبعًا لا يمكن أن يكون الشعاع مختلفًا.

 

 

طبيعة الروح القدس

كيرلس: لنأتِ الآن للحديث عن طبيعة الروح القدس ولنفحص الأمر بتدقيق، بدون أن يخرج حديثنا عن هدفه. لأن الوقت يدفعنا للحديث عن أمورٍ أخرى مهمة. ولنفكر في أحد أمرين. هل نحسب الروح القدس مع الآب والابن وبالتالى له نفس الطبيعة الإلهية الواحدة، أم لا؟[47]

 

إرميـــا: يقولون إنه واحد هو الإله الحقيقى وهو الآب ومعه لا يحسبون آخر.

 

كيرلس: وبالتالى وحسب ما يقوله هؤلاء، فإن الابن والروح القدس لا يحسب أى منهما إلهًا حقيقيًا، بل يحسبونهما ضمن المخلوقات العديدة والتي هى ـ حسب قولهم ـ لها نفس طبيعة الابن وهى بعيدة كل البُعد عن جوهر الله الآب. وليدُلّنا هؤلاء عن مَن هو الله، الذي يوجد أيضًا فينا إن كان الروح القدس يسكن في الذين تعمدوا؟[48] وأعتقد أنهم لا يقدرون أن يقولوا شيئًا عن الله الآب، غير أن كوننا شركاء الطبيعة الإلهية[49] هو حقيقة لا يستطيع أحد أن يحصل عليها بواسطة روح مخلوق لو أن الروح القدس ليس إلهًا من طبيعة الله الآب[50]. ويبقى أن نقول إن الابن فقط هو الذي يوجد فينا مع أنه ـ وفقًا لما يقولون ـ له طبيعة مختلفة وهو بعيد عن جوهر الله الآب. ولهذا السبب فهم يُحْصَون الابن مع المخلوقات. وهكذا فمَن يوجد داخلنا أى الروح، هو مخلوق وليس الله. ومع أنه ليس له علاقة مع الله الآب فإنه يهبنا التقديس. وأيضًا إن هم نظروا إلى أعلى وقالوا إن الابن هو إله فليقولوا لنا، هل سيوجد داخلنا إلهان، طالما أن الآب والابن يسكنان فينا. أم يسكن فينا إله واحد؟ لأن المسيح قال: ” إن أحبنى أحد يحفظ كلامى ويحبه أبى وإليه نأتى وعنده نصنع منزلاً[51].

إرميـــا: لا أعتقد أنهم يقصدون إلهين فربما يميلون نحو الأصح ويقبلون أنه يوجد في داخلنا إله واحد حق حسب طبيعته وأنه ـ حسب اعتقادهم ـ هو الآب فقط.

 

كيرلس: إذًا هم مضطرون ـ وليس بحسب رغبتهم ـ أن يقولوا الآتى: إن كان يوجد داخلنا إله واحد فقط وهو الآب وأن الابن يأتى معه بدون لزوم أو ضرورة، فإن كان الابن ليس إلهًا حقيقيًا، فحينئذٍ يكون الملء الذي يتم بواسطته هو بدون أى هدف. وسيكون مجىء المسيح إلى داخلنا هو أمر غير لائق طالما أنه دخول بلا هدف.

          لأنه طالما أننا هيكل للإله الواحد وليس لآلهة كثيرين فيجب أن نصرخ إلى الابن كى يخرج من داخل قلوبنا، أو بالحرى من الذي وعد بأن يأتى إلينا هو أيضًا طالما أنه لا يستطيع أحد أن يأتى مع الآب مادام الآب وحده كافٍ بطبيعته الإلهية كى يملأ بالتمام الهيكل الذي سيحل فيه؟

          وبالتالى (سأعود مرة أخرى إلى هذا الموضوع) فإن الله لن يأتِ إلى داخلنا بواسطة الروح القدس، وذلك لأن مَن ليس له الطبيعة الإلهية ـ حسب قولهم ـ لا يستطيع أن يهبنا أن نكون شركاء الطبيعة الإلهية. وهكذا فإن مجىء المسيح إلى داخلنا مع الآب هو بلا نفع ولن يكون هناك ما يمنعنا من أن نصف قول المطوّب بطرس أنه بلا معنى إذ أنه كيف يقول بوضوح أن المسيح الإله يكون داخلنا بواسطة الآب وأن الآب يدعونا بواسطة الابن أن نكون شركاء الطبيعة الإلهية حقًا.

 

إرميـــا: أقوالهم هذه هى خالية من كل تقوى.

 

كيرلس: نحن نتفق على أن طبيعة الألوهة واحدة. وأن الابن ليس كما يقولون هؤلاء، غريب عن الآب، وأنه إله حقيقى يأتى منه ويوجد فيه، وهكذا فإن طبيعته هى طبيعة الذي وَلَده. ولذلك فنحن لا نؤمن أنهما إلهان[52] لكن إله واحد وفريد يُعبد في ثالوث قدوس[53]. هل تعتقد أنه يجب أن نقبل هذه الحقائق أم نقول إنها غير صحيحة؟

 

إرميـــا: إنها صحيحة تمامًا.

 

المثال الثانى:

صيغة الجمع في الآية ” نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا

كيرلس: انتبه إذًا، إن أردت، أيها الصديق إلى ما يقوله موسى النبى، الذي يتحدث إلى طبيعة الله البسيطة غير المركبة[54] بصيغة الجمع. لأنه يمكننا إن انتبهنا قليلاً أن نرى ثلاثة أقانيم في طبيعة ألوهية واحدة[55].

إرميـــا: أريد أن أعرف بالضبط معنى ما تقول. تكلم معى إذًا بإيضاح أكثر.

 

كيرلس: أليس حقيقيًا أنه وهو يكتب أول كتبه إلينا (التكوين) يشير إلى أن الله هو خالق الكل؟ يقول إذًا إن الله بعدما خلق كل الخليقة، فإنه فقط عندما خلق الإنسان قال ” نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا[56]. وبعد ذلك بقليل أضاف ” فخلق الله الإنسان على صورته[57].

 

إرميـــا: لقد فهمت.

 

كيرلس: وعندما أراد البعض عن جهل أن يبنوا برجًا يصل إلى السماء قال رب الكل ” هلُّم ننزل ونبلبل هناك لسانهم[58]. مَن إذًا الذي يتكلّم ولمن يقول ” هلُّم ننزل ونبلبل ألسنتهم“؟ لا أعتقد أن يقول هؤلاء إن الله كان محتاجًا لمساعدة الملائكة أو إلى مؤازرة الخلائق الأخرى، كى يتمّم ما أراده. لأن الله هو كلّى القدرة ويستطيع أن يفعل أى شئ، ويملك في ذاته القدرة على فعل ما يريده بسهولة. وكل الخلائق تستمد قوتها منه. كما نقول إن الله هو الحياة والحكمة وأنه لا يمكن لأى أحد أن يُحيي أو يُشرك الآخرين في منافع الحكمة ما لم تكن هذه المواهب صادرة منه كما من نبع متدفق[59]. وهكذا ـ أعتقد ـ بنفس الطريقة، أنه لا يستطيع أى من الخلائق أن تكون له القدرة أن يحقق شيئًا ما بدون أن يدفعه إلى ذلك الله كلّى القدرة. وبالتالى فإننا نستطيع أن نؤكد أنه لا يليق بالله أن يقول للملائكة أو لأى من الكائنات العاقلة ” هلُّم ننزل ونبلبل ألسنتهم“. وهكذا تَدّخَل الثالوث بنفسه في هذا الأمر، لأن شأن تغيير طبيعة اللغة من لغة سهلة موحدة إلى لغات عديدة متنوعة وغير معروفة فيما بينها هو من خصائص طبيعة عمل الثالوث وحده. ولكى نفهم أن هذا الأمر ليس من اختصاص الملائكة لكن من خصائص الإله وحده فلابد أن نلاحظ أنه قال “هلُّم” موجهًا الحديث نحو الثالوث القدوس أى نحو الثالوث ذو الجوهر الواحد.

 

إرميـــا: بالفعل.

كيرلس: وإن كانوا يظنون أن طبيعة الإنسان بصفة عامة تتشكّل حسب الله؟ فلنسألهم صورة مَن تلك التي خُلِقَ عليها الإنسان؟

 

إرميـــا: ما رأيك لو أنهم قالوا إن صورة الله الآب هى التي خُلِقَ عليها الإنسان؟

كيرلس: لو قالوا إن صورة الله الآب فقط لكان تفكيرهم تفكير أحمق.

 

إرميـــا: كيف؟

كيرلس: أولاً: تعبيرا ” لنعمل” وأيضًا ” على صورتنا” يدلاّن على أن المتكلّم ليس شخص واحد بل أكثر من واحد وأكثر من اثنين، وبخلاف هذا نفكر فيما يلى. الصورة التي تشوّهت وفقدت جمالها الأول ألا يجب أن تعود مرة أخرى إلى ما كانت عليه أولاً وبعدما يتم إصلاح ما أصاب الصورة في بُعدها عن الأصل، وهكذا تستعيد هيئة طبيعتها غير المشوَّهة مرة أخرى.

 

إرميـــا: ماذا تقصد بهذا؟

كيرلس: استمع لى جيدًا وسأشرح لك هذا على قدر استطاعتى. لو أن أحدًا من الصنّاع، وعلى سبيل المثال أحد هؤلاء الذين يعملون في تشكيل النحاس، قد صنع تمثالاً معطيًا إياه شكله وملامحه، ثم سقط هذا التمثال من على قاعدته بفعل أحد الحاسدين وتحطّم وفقد جماله، ولو أن صانع التمثال ـ لأنه لم يحتمل أن يرى تمثاله محطمًا ـ أراد أن يقتل ذلك الحاسد الذي حطّم التمثال، نجده وقد أعاد صنع التمثال مستخدمًا نارًا أشد قوة معيدًا إياه إلى حالته الأولى بعد أن يكون قد رفع عنه ما أصابه من أضرار. وهل كنت تعتقد أنه كان من الصواب لو أن الصانع قد ترك صنعته كى تتشكّل بشكل آخر غير الأول، وفي هذا تتضح عدم قدرته؟

 

إرميـــا: لا أعتقد طبعًا.

كيرلس: وهل معنى أنه أعطاه ملمحه الأول أنه أعاد تشكيله بالفعل وأنه طبع صورته فيه؟

 

إرميـــا: بالطبع.

كيرلس: طالما أن الأمر هكذا، فما هو الأمر الذي تُصدق أن يكون الله الآب قد فعله، إن كان الإنسان قد خُلق ” على صورته كشبهه” هو وحده فقط. لأن هذا الكلام تقريبًا هو ما يقوله المخالفون. أى عندما أراد أن يعيد خلقة الإنسان الذي انزلق وتشوّه، ويجدّده لم يعطِ له ملمحه الذي كان عليه في الأصل، أى لم يصيّره شبيهًا بنفسه بل أعطاه شكلاً آخر؟ وهذا سيحدث بالطبع لو أن الابن الذي أُعيدت خلقتنا على صورته كان مختلفًا في الطبيعة عنه (عن الآب). لأن بولس الحكيم يكتب للبعض ما يلى ” يا أولادى الذين اتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم[60]. وفي موضع آخر يقول  ” لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه[61]. لأن المسيح قد شكّلنا مرةً ثانيةً بالروح القدس حسب صورته واهبًا جمال طبيعته لنفوس الأتقياء وبطريقة عقلية وغير موصوفة. بمعنى أننا ـ كما أعتقد ـ نتشكّل لا لنصير كالله الحقيقى، لكننا نأخذ شكل يتناسب وطبيعتنا المخلوقة. وإلاّ فإن ما ذكره المزمور منذ القديم بأنه ” يتجدّد كالنسر شبابك[62]، كان سيضيع هباء، ويظهر أنه بدون هدف. لأن التجديد بحسب الكتاب ليس هو شئ آخر سوى أنه تجديد نفوسنا التي لم ترتفع إلى أعلى إطلاقًا والتي لم ترجع لِمَا كانت عليه أولاً، ولكنها صارت في وضع أقل كرامة مما كانت عليه قبلاً وهى هكذا تعانى من هذه الحالة. وقد يقال[63] إن عملية الخلق الأول للإنسان هى أفضل بدرجة لا تقارن بعملية تجديد الإنسان بواسطة المسيح إذ أن الأولى قد أعطتنا إمكانية أن يكون لنا ملمح الإله الحقيقى في داخلنا بينما التجديد الذي تم بالمسيح قد أعاد تجديدنا لكن ليس على هذا الملمح، فقد أعاد تشكيلنا على صورة الابن[64]، ولذلك، ماذا سنربح من تجديدنا بواسطة المسيح طالما ـ وحسبما يظهر ـ أننا قد خسرنا كوننا على شبه الله، وبصفة عامة تُرك عنا مجد طبيعتنا طالما أن حالة الغبطة ـ بالنسبة لنا ـ كانت في أن نصبح مشابهين الله؟ غير أنى أؤمن بأن كل هذا الفكر هو كالأساطير يستوجب الضحك إذ هو مثل قصص الأطفال. لأننا تشكّلنا من جديد حسب الصورة الأولى إذ ختمنا بختم الابن[65]، كى نصبح مثله، لأنه هو صورة الآب وختمه وليس هو آخر بجانب الآب وذلك بسبب الجوهر الواحد.

إرميـــا: لقد تحدثت بدقة شديدة.

 

هل الابن أقل من الآب المشرّع؟

كيرلس: انظر مقدار الحماقة التي يمكن أن يصل إليها حديثهم عندما يتهمون أولئك الذين يخالفونهم في الإيمان. لأنه لو كان الإله الحقيقي هو الآب وحده ـ وهذا كلام لا معنى له ـ فإنى أعتقد أننا سنكون مجبرين على أن نستبعد الابن عن أن يكون إلهًا حقيقيًا.

 

إرميـــا: هذا كان سيحدث بالضرورة.

كيرلس: إذ سيكون الابن (حسب قولهم) في وضع أقل من وضع الآب. لأن الذي يعلو فوق الجميع هو الإله الحقيقى حسب الطبيعة.

 

إرميـــا: بالفعل سيكون هكذا لأن هذا ما يقود إليه كلامهم.

كيرلس: إحذر إذًا من الخطر يا إرميا، لأنه ـ حسب أفكارهم المضادة للمنطق ـ إذا كان الابن هو أقل من الآب، فإذا فكرنا بدون تردد فيما قاله القديسون (عن معرفة المسيح)، فإن هذا يمكن أن يجعل الابن في مرتبة أعلى وأفضل من الآب نفسه.

 

إرميـــا: بالطبع هذا أمر لا شك فيه بالمرة.

كيرلس: اسمع إذًا الآن ما يصرخ به بولس بأنه كان فريسيًا حسب الناموس، وأنه كان يضطهد الكنيسة بكل غِيرة، وأنه كان يعيش بلا لوم لكى يُرضى الناموس. فيقول ” لكن ما كان لى ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة، بل أنى أحسب كل شئ خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى[66].

 

إرميـــا: لقد قال هذا بالفعل، لكن ماذا كان يقصد بذلك؟

كيرلس: ألم يَشْر الناموس عند آبائنا القدماء إلى أن هناك رب وإله واحد؟

 

إرميـــا: نعم.

كيرلس: وهؤلاء المعاندون بالطبع يقولون إن هذا الرب والإله هو الآب.

 

إرميـــا: هم يقولون ذلك.

كيرلس: ولكن، ماذا يقول ذلك الذي اختير ليكون إناءً مختارًا لأسرار المسيح والذي هو معلّم المسكونة ولماذا يعتقد أن معرفة المسيح لا تقارن بكل تعاليم الناموس القديم وكيف يصفها بأنها أفضل جدًا، وكيف يرى أن ما يقوله الناموس هو بغير نفع بينما ينبهر ويتعجب أمام مسألة الخلاص التي يقدمها الإنجيل؟ وألا يجبرنا هذا على الإستنتاج بأن (المسيح) الذي هو موضوع المعرفة الأفضل لا يمكن إلاّ أن يكون ـ بالتبعية ـ أفضل (من ذلك) الذي علّم عنه الناموس؟

 

إرميـــا: نعم.

كيرلس: وعندئذٍ كيف يصل عقلنا إلى ذلك الحد من الغباء وعدم المعرفة حتى أنه يُقال أو يُعتقد أن الابن أعلى من الآب مع أن الابن أصله ومصدره في ذلك الذي وَلَده؟[67] لأنه بهذا القول نهين كل من الآب والابن لأن الضرورة تحتم أن نقيّم النبات مع الثمار والأصل مع الفرع والنبع مع الماء الذي ينبع منه وليس غريبًا عنه وأيضًا نقيّم مصدر النور مع الشعاع الصادر عنه والذي يستمد ضياءه منه.

 

إرميـــا: بالطبع إن قلنا هذا سنُهين كليهما معًا وهل يمكن أن يكون ما نفعله هو غير ذلك؟

كيرلس: وفي هذه الحالة هل سيكون من الضرورى أن نتخلى عن أى حديث عن الوحدة حسب الطبيعة بين الآب والابن وعن الكلام الذي يثبت أن الابن إله حقيقي بالطبيعة؟

 

إرميـــا: بالطبع سنكون مضطّرين لعمل هذا. لكن قل لي كيف تكون معرفة المسيح هى أفضل من تعاليم الناموس مع أن المسيح له طبيعة الآب الإله الحقيقى وقد تنبأ عنه العهد القديم؟

كيرلس: إن معرفة المسيح هى أسمى من المعرفة عن الله كما جاءت في العهد القديم بل وتفوقها، وتميّزها واضح. بل هى أوسع وأشمل مما جاء في الناموس، حتى أن موسى مُعلّم الناموس كان يطلب بإلحاح أن يعرف الله (الكائن) بشكل دقيق وواضح[68]، وقال للرب مخلّص الجميع اظهر نفسك لىّ بشكل ملموس كى أراك[69]، فأمره الرب أن يحفر في صخرة ومن داخل هذه النقرة، يمكنه إن أراد، أن يراه[70]. وأعتقد أن الرب قد أراد بهذا أن يبيّن وبطريقة غير مباشرة أن الناموس يستطيع أن يكشف عن جزء بسيط من معرفة الله لأولئك الذين يريدون أن يعرفوا، ويرسل ـ كما من ثقب ـ شعاع معرفته البسيط لأنه أراد لشعب الله أن يؤمنوا فقط بإله واحد لكى يبعدهم عن الضلالات.

          غير أن الله لم يُظهر لموسى بوضوح ماهية طبيعته غير الموصوفة، وذلك على عكس ما فعل المخلّص في كرازته، أعنى المسيح في كرازته. بمعنى أنه لأننا قد عَرِفنا الابن فنحن نؤمن أنه صَدَر من أصل الآب وأن مجد الابن وهو يُظهر ـ كصورة مرسومة ـ طبيعة الآب[71]، قد أعد أعيننا لنرى أمورًا أعلى مما يفكر فيه الذهن أو يقدر الكلام أن يعبّر عنه. ولهذا نسمع المسيح يقول لله أبيه ” أنا أظهرت اسمك للناس[72]. كما أنه قال لليهود ” لستم تعرفونى أنا ولا أبى. لو عرفتمونى لعرفتم أبى أيضًا[73]. ولو أننا نعرف أن كائنًا ما من الكائنات هو فقط موجود بدون أن نعرف ماهيته، فإنى أعتقد أن أى شخص يمكنه أن يقول إن هذا الأمر هو أقل من معرفة شئ عن وجود كائن ما وأيضًا عن ماهيته. ولهذا فإنه بعد الكرازة بالإنجيل توقف سريان تعاليم الناموس التي كانت تعلّم القدماء أن الله هو واحد، فقط بدون أن تتحدث عن الطبيعة الإلهية ـ الثلاثة أقانيم أو عن وحدة الجوهر لأن هذه التعاليم هى التي تحدّث عنها العهد الجديد. لأننا إن لم نؤمن أن الابن واحد مع الآب في الجوهر سيكون هناك تخبط ومتاهة[74]، ولن يكون للإيمان المعبّر عنه في الكتب ـ كما أعتقد ـ ما يسنده ويؤكده.

 

إرميـــا: كيف وبأى طريقة؟

 

كيرلس: إن الكتاب المقدس يصّرح بأن الله واحد وهو إله حق بطبيعته ولهذا فإن الابن لن يكون له المجد والكرامة الإلهيين إن لم يكن له كل ما للآب نفسه بغير تغيير. أم لعلك لم تسمع الآباء القديسين وهم يصرخون لله قائلين، مرة ” واحد هو واضع الناموس[75]. ومرة أخرى ” الذي وحده له عدم الموت[76]. ومن يا ترى هو الذي يجب أن نعتقد أنه الواحد الديّان الذي وضع الناموس والذي وحده له عدم الموت؟

 

إرميـــا: بالتأكيد هو الآب. حسب ما يقول المعارضون لأنى أعتقد أنهم لا يفهمون أن هذا الكلام يُقصد به شخص آخر سوى الآب.

 

كيرلس: وأنا أيضًا أعرف أنهم يفهمون أن هذا الكلام هو عن الآب وأن هدفهم غير برىء، وهل يجب إذًا أن نؤمن أن الابن أقل من واضع الناموس والديّان وأنه غير أبدى؟ وأن الحياة التي فيه قد حصل عليها من خارجه؟ وماذا سنحصد من هذا الفكر غير أن الابن سيكون خاضعًا بغير إرادته للناموس والدينونة وأنه بذلك يُحصى مع الذين هم بطبيعتهم مائتين؟ وفضلاً عن ذلك كيف لا يمكن اعتبار البشارة الإلهية ـ أى الإنجيل ـ هى كذب وبهتان طالما أنها تعتمد على شهادة الابن كى تَثبتْ حقيقتها؟ لأن الابن قال في الإنجيل ” أنا هو الحياة[77] بينما هو ـ حسب اعتقادهم ـ ليس عديم الموت لأن الآب فقط هو الذي لا يموت. إنى أعتقد أنك لن تحتاج لمجهود كبير كى تفهم أنه (أى الابن) هو الديّان وأنه واضع الناموس أم أنك لم تسمعه وهو يقول في موضع آخر ” قد سمعتم إنه قيل للقدماء لا تزن وأما أنا فأقول لكم إن مَن ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه[78]. وفي موضع آخر أيضًا يقول ” لأن الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للابن[79].

 

إرميـــا: لقد سمعت ذلك، لكن دعنى أسألك، هل تريد أن تستكمل الحديث ونردُ على هذه المغالطات أم أننا سنترك المعارضين بدون أن نَسوق لهم الأمثلة؟

كيرلس: لنستمر في الحديث بكل ثقة لأن الموضوع جدير بالمناقشة ويحفّز الذهن للرد على كل أفكار المعترضين.

 

إرميـــا: فلنتحدث إذًا بوضوح أكثر عن الآب والابن كلٍ على حدة.

كيرلس: قل ما شئت إذًا، ولن أعتبر ما تقوله هو تعبير عن إيمانك بل هو يمثل آراء المخالفين.

إرميـــا: إن واضع الناموس والديّان هو فقط الله الآب. لأنه يليق بالطبيعة الملوكية التي تفوق الكل أن تُشَرِّع وأن تدين. ولقد وصل الابن بالتأكيد إلى هذا الحد من المجد وذلك بتفضّل الله الآب.

كيرلس: وهل يكون غير واضح لأى واحد بين الذين يفكرون بطريقة سليمة أن كل ما ستقوله سيكون بدون فائدة ومعنى، إن لم تثبت أن ما قلته يتفق مع ما جاء في أقوال القديسين، لأننا لن نتبع أولئك الذين يريدون دائمًا أن ينادوا بأفكارهم فقط، بل أننا سنتبع أولئك الذين يتكلمون بفم الرب[80]. ووفقًا للمكتوب (في الكتاب المقدس)[81].

 

إرميـــا: حسنًا قلت، لأن الطوباوى داود (وهو يطلب من الله الآب من أجل دعوة الأمم) رتّل قائلاً: ” قم يا رب. لا يعتز الإنسان. لتحاكم الأمم قدامك … ليعلم الأمم أنهم بشر[82]. بينما الابن نفسه يشير بكل وضوح إلى أن هذا الأمر قد تحقق بواسطته (بصفته رب وملك) كما جاء بالمزمور ” أما أنا فقد مسحت ملكى على صهيون جبل قدسى. إنى أخبر من جهة قضاء الرب[83]. غير أن ذلك الذي يُعطىَ له السلطان أن يدين ويحكم، كهبة من آخر، ألا يكون سلطانه هذا هو سلطان خارج عنه وليس من طبيعته؟

 

كيرلس: لقد صرخ أحدهم ـ عن حق ـ في أولئك المنحرفين ـ قائلاً:    ” اصحوا أيها السكارى، يا جميع شاربى الخمر[84]. لأن الابن إذ هو صورة الآب ومساوٍ له في كل شئ، قد شاء بإرادته أن يتضع، فتنازل واتخذ شكلنا وصار إنسانًا، وهكذا يُعطىَ له السلطان أن يملك وأن يحكم ويُشرّع. ولأنه صار فقيرًا مثلنا بحسب التدبير واتخذ شكل العبد، وهكذا قَبِل أن يكون له بالعطية ما كان له بالطبيعة، ولهذا نجد طريقة كلامه وأفعاله تتناسب مع هذا الإخلاء[85]. وإنى أعتقد أنه لن يصيب أى واحد ممن يؤمن به أى أضرار لو أنه فحص عن الوقت[86] الذي أشارت إليه الآيات السابقة. بمعنى، متى مَلَكَ المسيح على الأمم، ومتى جاء إلى جبل صهيون (ليُمسح ملكًا)؟ هل يمكن أن يكون هذا قد تم قبل أن يصير إنسانًا؟ مع أنه من الممكن للمرء أن يرى بوضوح في النصوص الموسَويّة أن الابن لم يقم في أى وقت آخر ليُخبر بقضاء الرب للإسرائيليين إلاّ عندما لبس ثوب فقرنا، وأن رب الأنبياء قد دُعى نبيًا، ومَن هو كائن في حضن أبيه قد حُسب بين البشر، لأن الله كان قد أخبر موسى عن هذا الأمر بقوله ” أُقيم لهم نبيًا من وسط أخوتهم مثلك وأجعل كلامى في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به[87]. إذًا يا صديقى هل كان من الممكن أن يكون الكلمة أخًا للإسرائيليين وأن يُحسب من بين البشر قبل أن يصير جسدًا ويتحد بالطبيعة البشرّية بهذه الطريقة التي تفوق إدراك العقل والتي تعلو على الوصف؟ أم أنك تذكر أمرًا أكثر إقناعًا وهو أنه مُسح أخًا وصار مثل موسى مؤدبنا بالناموس[88]، وعند الحاجة أخذ يُشرّع ثم بطريقة معينة صارت له خدمة[89]، ومتى حدث كل هذا؟ أليس عندما أخلى ذاته من مجد طبيعته، أى في ملء الزمان وعندما مارس سلطانه الكامل بكل اتضاع.

إرميـــا: أعلم أنك تتكلّم بطريقة جيدة جدًا وأنا أتفق معك تمامًا.

 

كيرلس: بالتالى فلو أنهم فحصوا كل الأمور بحسب زمان حدوثها، فلن ينزلقوا ـ على ما أعتقد ـ إلى هذه الانحرافات أو تلك الأفكار الملتوية، بل سيكونون قادرين في النهاية على الفهم الصحيح لكلام الحق. وبالإضافة إلى ما سبق أن قلته فإنى أقول الآتى: لو أن أحدهم تصور أنه أمر غير ذى شأن وغير ضرورى وبلا معنى أن يبحث المرء عن الوقت المناسب لكل حدث ورد ذكره بالكتاب الموحى به، فهل سيكون هناك مانع من أن نقول إن الابن الوحيد وكلمة الله قبل أن يأتى إلينا قد مات بالصليب وقبل أن يتخذ جسدًا قد عامله اليهود مثل السكارى. وأنهم قالوا وفعلوا كل هذه الأفعال التي تليق بهم وحدهم وذلك عندما ذُكر عن المسيح وكأنه قد عانى ذلك بالفعل: ” بذلت ظهرى للضاربين وخدى للناتفين، وجهى لم أستر عن العار والبصق[90]؟ إذًا أليس هو فكر مجنون يستحق الاستهزاء أن يُعتقد أن الابن قد عانى هذه الآلام في الزمن الذي لا يناسبها، أى قبل أن يتخذ جسدًا؟

 

إرميـــا: صحيح.

 

كيرلس: لكن لنترك الحديث عن هذا الأمر ولنتحدث عن أمر آخر لو رغبت.

 

إرميـــا: وما هو؟

كيرلس: لنستمر في البحث عن الحقيقة والمعرفة الدقيقة ولنفحص ـ حسب ما يقولون ـ إن كان حدث مَسحِه ملكًا ومشرّعًا هو الذي سيحدّد كينونة الابن حسب الجوهر أم أن هذا هو مجرد صفة له؟

 

إرميـــا: إنى لا أعتقد أنهم سيقولون إن تحديد جوهر الابن يتوقف على حدث مَسحِه ملكًا ومشرّعًا من عدمه. لأنهم في هذيانهم غير المحدود لن يصلوا إلى هذا المستوى من الحماقة بأن يجرؤوا على القول بأن مَسحِه ملكًا ومشرّعًا هو الذي يحدد جوهر الابن. غير أنه ربما سيقولون: إن الحدث في حد ذاته هو الذي يحكم عليه، فالابن ـ كما يقولون ـ لم يكن ليقبل من آخر ما كان له بالطبيعة[91].

 

كيرلس: ولكم أيها الخبثاء!! سنقول أيضًا أن تفكيركم هذا غير منطقى وغير معقول بل ليس لديكم مهارة في صياغة الأمور العقائدية، ومن السهل أن تنحرفوا وتضلوا، ذلك لأنكم قد نسيتم أنه يجب فهم أحداث الكتاب المقدس حسب الأزمنة[92] التي تناسبها كما أنكم عندما تتحدثون عن الابن الوحيد في زمن تجسده قد نسيتم أيضًا أنه لا يجب أن ننسب إليه ما لا يليق بالله. ولأنها ليست هى المرة الأولى التي تفكرون فيها بطرق ملتوية وغير مستقيمة، فإنكم تقولون إن صيرورته ملكًا ليست خاصية ذاتية للابن، لكنها مجرد حدث. غير أننا نقول ما الذي يمنعنا من أن نؤمن ونعترف أنه فيما كان الابن بحسب جوهره ملكًا ومشرّعًا[93]، فإن الله الآب أراد أن يُظهر للبشر مَن هو كائن بالفعل. وبالقطع أنا لا أعنى أنه بدأ في أن يملك لكنه قَبِلَ أن يُشرّع لأولئك البشر وأن يضمهم لمملكته بعد أن كانوا قد خرجوا عن طاعته وصاروا تابعين لضلالات تعدد الآلهة. وأعتقد أنه من غير اللائق بالمرة، أن يقول بعض الذين يزعمون بأنهم حكماء، إن كلمة الآب قد دُعيّ منذ البداية وبرضاء الذي وَلَده ـ كى يُشرّع ومع ذلك لا يؤمنون أن الابن بحسب الطبيعة هو مُشرّع وأنه هو الله. فلو كان هناك منزل صغير مُعتم ومليء بالضباب الكثيف لم يدخله نور أشعة الشمس لفترة ما لأن أحدًا لم يسمح بذلك وبعد مرور هذه الفترة دخل النور مباشرةً وطرد الظلام وأضاء المكان بنور غير عادى بالنسبة لمثل هذا المكان[94]، ولو كان لهذا النور لسان لحكى لمن يتعجبون مما حدث وقال إنه قد جاء ـ من الشمس التى وَلَدته[95] ـ كى يدخل إلى ذلك المكان كى يفرّح بفرح دائم مَن كانوا تحت سيادة الظلام، فبعد كل ذلك هل يقبل أحد أن يكون هذا      “النور” قد استمد طبيعة النور لأول مرة حين دخل في هذا المنزل الصغير لأول مرة؟

 

إرميـــا: بالطبع لا، لأنه هو نور على الدوام[96].

كيرلس: لماذا إذًا يتصور هؤلاء أن كون الآب قد أقام الابن ملكًا ومشرّعًا، يمثل عائقًا منيعًا أمامنا مع أن الابن (في بداية كرازته) كان قد مارس عمله كمشرّع وحتى في الحالات القليلة التي أتم فيها عمله هذا كان يُظهر مجد طبيعته (الإلهية) ويبيّن أنه ينبغى على كل الأمم أن تخضع لنواميسه ـ وكان هذا يتم بتأييد من الله الآب ـ بعد أن كان شعب إسرائيل وحده في القديم هو الذي يخضع للنواميس الإلهية؟

 

إرميـــا: لكن لو كانوا يريدون أن يثبتوا بوضوح أن الابن هو مُشرّع، فمتى وبأى طريقة حدث ذلك بالنسبة لنا؟

 

كيرلس: أعتقد أن ما قلناه أخيرًا فيه الكفاية لمَن لديهم عطش للمعرفة. حيث إن الله قد ذكر بشأن الناموس والوصايا المعطاة في القديم أنه من غير المسموح أن يُضاف إليها أو يُحذَف منها (لأن الطبيعة الملكية فقط هى التي لها حق التشريع، وهى التي تقدر أن تضيف أو تحذف ما تريد)، أما الابن فقد شرّع، وأظهر أن الوصية القديمة لا تصلح وأعطى وصية جديدة هى الوصية الإنجيلية. ولقد فعل هذا كمشرّع، وليس كمُرسَل من السماء بل كمن له سلطان يليق بالله. والقديس بولس يؤكد على ذلك بقوله ” صرتُ لليهود كيهودى لأربح اليهود وللذين تحت الناموس كأنى تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس وللذين بلا ناموس كأنى بلا ناموس مع أنى لست بلا ناموس لله. بل تحت ناموس المسيح لأربح الذين بلا ناموس[97]. انتبه إذًا لأنه بينما هو يقول إنه ليس بلا ناموس لله يقول أنه يعيش طبقًا لناموس المسيح وهو في هذا يعطى المجد له لأنه هو الله ولأنه هو المُشرّع، ويعترف بألوهيته وبأحقيته وحده في أن يُشرّع. إذًا، وفقًا لكلام القديس بولس طالما أن مَن يعش بحسب ناموس المسيح هو ليس بلا ناموس لله، فما هو السبب الذي يمكن أن يمنع الابن من أن يكون هو المُشرّع وهو الله في نفس الوقت؟

 

إرميـــا: لا يوجد سبب على ما أعتقد.

 

كيرلس: يمكن للمرء أن يشير إلى أمر آخر بالإضافة إلى ما سبق.

 

إرميـــا: وما هو؟

كيرلس: أعتقد أنه ليس من السهل على أحد أن يثبت أن الله الآب قد شرّع بالأخص للقدماء الأولين فقط أو لمَن بعدهم، بينما يستطيع وبدون مشقة أن يتأكد أنه يُشرّع مع الابن وبواسطة الابن. فأين ولمَن كان الآب يُشرّع بينما كان الابن صامتًا وغائبًا؟

إرميـــا: ومع ذلك فإن الحكيم بولس يقول إن ” الله كلّم الآباء بالأنبياء قديمًا[98]. كما أن موسى أيضًا قال للإسرائيليين مرة ” الرب إلهنا كلّمنا في حوريب[99].

 

كيرلس: إن ما تقوله هو حسن يا صديقى فالقديسون قد نسبوا دائمًا لله الآب ذلك التشريع القديم. لكن هيّا لأثبت لك أن الابن يقول إن هذا التشريع هو له. لأنه لم يأت كى ينقض بأى شكل من الأشكال أو يهدم ما قاله الأنبياء لكن كى يكمّل أقوال الأنبياء والناموس. لأنه هو بنفسه قال ” لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل[100]. وأيضًا        ” السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول[101]. هل فهمت الآن أنه بعدما قال إن كل ما في الناموس سيتم حتمًا قال إن كلامى سيصير من الآن هو الناموس؟ لكن يمكن للمرء أن يراه وهو يصرخ في موضع آخر على لسان أحد الأنبياء ويقول ” لذلك يعرف شعبى اسمى، لذلك في ذلك اليوم يعرفون إنى أنا هو المتكلم [102]. لقد تجسّدتُ واتخذتُ شكل طبيعتكم وكنت أنا هو مَن تكلّم حينذاك مع أن الله الآب كان هو مَن شرّع ما نطق به الأنبياء. إذًا الأمر يستتبع بالضرورة، وهذا أمر غير مشكوك فيه بالمرة أن مَن له دائمًا مجد المشرّع (واضع الناموس) يجب أن يكون وبطريقة طبيعية هو الديّان[103]، وأن يعاقب عقابًا شديدًا أولئك الذين يهملون ما تحدد بواسطة الناموس والذين يميلون إلى فعل ما يرون أنه حسن.

إرميـــا: بالتأكيد.

 

الابن له خصائص طبيعة الذي وَلَدَه:

كيرلس: تمامًا كما لو قيل إن واحد هو واضع الناموس[104] وهو الآب وهو الديّان أيضًا، فإن هذا ليس معناه بأى شكل من الأشكال أن الابن ليس هو واضع الناموس وهو الديّان. لأنه لا يوجد بالمرة ما يمكن أن يفصل طبيعة الابن عن طبيعة الآب. وبنفس الطريقة على ما أعتقد، حتى إن كان الله الآب هو مَن له خاصية عدم الموت[105]، فإن الابن أيضًا له نفس الخاصية في جوهره وهو بالتأكيد عديم الموت بمعنى أن طبيعته غير مائتة ومشرقة ببهاء خصائص طبيعة الذي وَلَده، ولهذا فنحن والملائكة نسجد له. أما إن قالوا لنا إن الأمور ليست كذلك وأتوا لنا بكتابات منحولة ـ رغم أننا نؤمن بما هو مستقيم ـ فليوضحوا لنا ما يلى.

 

إرميـــا: ماذا تقصد؟

 

كيرلس: أولاً وقبل كل شئ، إن كان مَن ليست له حياة لأنه لا يملكها في طبيعته، فحينئذٍ ألا يكون بالضرورة مائتًا وستكون الحياة معطاة له من خارج (طبيعته) بواسطة آخر.

 

إرميـــا: نعم، لأن مَن هو ليس عديم الموت يمكن أن يقبل الموت.

 

كيرلس: وبالإضافة إلى هذا فليقولوا لنا أيضًا ما هو عمل الحياة في أولئك الذين هم في حاجة إلى الحياة؟

 

إرميـــا: طبعًا هو إعطائهم الحياة، مثلما أن عمل النور هو الإضاءة بالتأكيد.

كيرلس: بالصواب تتكلّم. فلو أن أحدًا قد اعتقد أن الحياة تحتاج إلى أن تنال حياةً (من آخر) أو أن النور يحتاج أن يستنير بواسطة آخر، فهل تظن أن اعتقاده هذا سليم؟

 

إرميـــا: بالتأكيد لا، لأنه بهذا الاعتقاد يكون قد ابتعد عن التفكير السليم لأن الحياة لا تُوهَب حياة بواسطة آخر.

كيرلس: إذَا عندما يكون الابن الوحيد بيننا ويصرخ فينا قائلاً ” أنا هو القيامة والحياة[106]. فهل يجب أن نفترض أن الحياة ينقصها عدم الموت أم كيف يكون الأمر بخلاف ذلك؟

 

إرميـــا: كيف يكون ذلك؟ لأن الحياة لا ينقصها عدم الموت بالتأكيد. لأن الحياة في طبيعتها تعنى عدم الموت.

كيرلس: وأنا أقول إنه طالما أن الله الآب هو عديم الموت (وهذا ما يخبرنا عنه الكتاب المقدس)[107]، فكيف لا يكون الابن أيضًا عديم الموت؟ غير أنى أؤمن وبشكل مطلق بأن أمر الوحدة الجوهرية بين الآب والابن يعطى لكل منهما حقيقة كونهما عديميّ الموت، كما أنه أمر واضح أن الحياة هى صفة جوهرية وأن عدم الموت ليس هو شئ صالح يعطى من الخارج بل هو أمر يرجع إلى الطبيعة. فلو أن المعاندين بتفكيرهم المنحرف قد ظنوا أنه يجب أن يقولوا إن الابن هو غريب عن الله الآب وأن له طبيعة أخرى منفصلة وأنه ليس هو إله حق مع أنه بالتأكيد هو غير مائت بطبيعته أو بالحرى هو الحياة عينها، وبالتالى لا ينسبوا إليه كل الميزات التي نندهش منها نحن والملائكة والتي تليق بالطبيعة الإلهية غير الموصوفة، فهل يمكن ـ حسب تعليمهم المنحرف ـ أن تنسَب هذه الميزات التي تليق بالطبيعة الإلهية لأحد آخر من بين الخلائق؟

 

إرميـــا: وبأى طريقة يقولون ذلك؟

كيرلس: أعتقد أن هؤلاء سيقولون إن سلطة إعطاء الحياة وكونه هو الحياة تليق بمن هو بالفعل والطبيعة إله حق. إذًا طالما أن الآب حسب جوهره هو كذلك، بينما ـ وفقًا لما يقولون ـ إن الابن ليس من طبيعة الآب، وأنه يوجد في منزلة أقل من الآب، وحينما يقول الابن إنه هو الحياة ناسبًا لطبيعته الخاصة ما هو من خصائص جوهر الآب، فكيف لا يكون ما قلته بشأنهم هو صحيح؟ لأنه (حسب فكرهم) ما كان من خصائص الطبيعة غير الموصوفة قد انتقل إلى مَن لم يأت من جوهر الله الآب بل إلى مَن أتى إلى الوجود مع بقية الخلائق. لأنه بحسب ما نؤمن به، فإننا نعرف أن الله يأتى في المقام الأول ثم بعد ذلك الخليقة كلها ولا يوجد في الوسط بين الله والخليقة أى شئ آخر على الاطلاق. أليس ما أقوله صحيحًا؟

 

إرميـــا: صحيح تمامًا.

كيرلس: إذًا فإن كان الابن له جوهر آخر غير جوهر الآب فكيف يمكن أن نفهم أنه يوجد فعل واحد ومماثل لمَن هم مختلفين من جهة طريقة وجودهم؟ لأنه يقول ” لأنه كما أن الآب يقيم من الأموات ويُحيّي كذلك الابن أيضًا يُحيي مَن يشاء[108].

إرميا: هو يقول ذلك بالتأكيد. والابن بالقطع هو الحياة. غير أنه قال أيضًا  ” كما أرسلنى الآب الحيّ وأنا حيُُّ بالآب[109]. إذًا فالحياة التي فيه هى بسبب أبيه[110].

 

كيرلس: وبالتالى أيها الجسورون هل يجب أن نقبل أن الابن نفسه قد استمد حياته من الله الآب مع بقية المخلوقات كلها وبالتالى لابد وأن نحصيه مع بقية الكائنات التي تستمد حياتها من آخر كشئ دخيل عليها؟ حينئذٍ يجب أن يُحسب الابن بين أولئك الذين يموتون لأن الشئ الذي يأتى من خارج (الإنسان) يمكن أن يُفقد، وما يريد الإنسان أن يحتفظ به، سيكون معرّضًا للفقدان، إن لم يرتبط بقوانين طبيعية تجعل احتفاظه بهذا الأمر ثابتًا.

 

إرميـــا: فكيف إذًا يمكن أن يفكر المرء بأن الابن هو الحياة بسبب الآب بالرغم من أن الابن نفسه بحسب الطبيعة هو الحياة؟

كيرلس: كونه هو الحياة[111] هو بالتأكيد دليل على أصالة صدوره من الله الآب وبرهان واضح على حقيقة طبيعته (الإلهية).

 

إرميـــا: ماذا تقصد بهذا؟

 

كيرلس: أقصد أنه لم يقل إنه أُعطى الحياة من الآب بل قال إنه حيّ بالآب.

 

إرميـــا: وماذا يعنى هذا إذًا؟

كيرلس: أعتقد أنه يليق لمَن له طبيعة ليس فيها حياة وليس لها عدم الموت بل هو يستمد حياته من آخر، أن يقول ” إن أبى أعطانى الحياة“. بينما يليق بمَن يعرف أنه هو الحياة وأنه قد صدر من الحياة، أن يقول وبطريقة تناسبه كإله ” أنا حيّ بالآب“. فلو أن كائنًا عاقلاً قد وُلد من كائن عاقل هو أبوه وقال إنى عاقل بأبى. أو بطريقة أخرى لو أن الحرارة التي تشع من النار[112] لها صوت وقالت إنى أُدفئ بالنار التي منها قد انبعثت[113]، فهل من الممكن ألاّ يظن مَن له عقل أنهما (أى الكائن العاقل والحرارة) يقصدان بالحرى خصائص كل منهما التي منها كينونتهما وليس خصائص دخيلة عليهما من الخارج كهبات؟!!

 

إرميـــا: بلى، سوف يظن كذلك.

كيرلس: وبالتالى فإن الابن حيّ بالآب لأنه هو الحياة التي هى من حياة الآب[114]، ولأنه بالفعل إلهًا حقًا تمامًا مثل مَن وَلَده. وكلامى الذي أقوله يستند على شهادة يوحنا الإنجيلى والمملوءة حكمة إذ يكتب عنه قائلاً ” ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية[115]. هل اتضحت الأمور أكثر بالنسبة لك؟ وهل أصبح من السهل أكثر أن تؤمن بذلك بدلاً من أن تظن أن الابن ليس من نفس جوهر الآب؟

 

إرميـــا: إنى أعتقد أنه لا يوجد شئ يمكن أن يدحض كلمات يوحنا اللاهوتى لأنها تشهد شهادة قوية عن الابن ضد ما يردده المعارضون. غير أنه عندما يُسمّى الابن بالإله الحق ففي الحال يبتسم المعارضون في سخرية ويقولون إن الابن في الواقع ليس هو إله حق لكن الآب بإرادته قد منحه هذا الاسم. ويضيفون قائلين إن القديس بولس كتب ” رفّعه الله وأعطاه اسمًا فوق كل اسم[116].

هل الابن هو أقل من الآب لأنه قد أُعطىَ ”اسمًا”؟

كيرلس: يجب أن تعلم أنى أتفق معك أنه قد أُعطى اسمًا فوق كل اسم. فإن اعترض أحد على أقوال الوحى الإلهى فإن هذا لا يدل ـ على ما أعتقد ـ على رجاحة الفكر بل على عقل منحرف وعلى محاولة إنسان قد إختّل عقله. غير أنى مندهش من فنون وأساليب المعارضين في التضليل لأنهم لم يحاولوا حتى مجرد التفكير في سبب إعطائه اسمًا، لكنهم يفتشون عن كلمات تخدم أفكارهم[117] وفي هِمّة يستغلون أى أمر يظهر وكأنه ضد مجد وكرامة الابن. مع أن الوحى الإلهى يحدّد الوقت الذي أُعطى فيه الابن هذه العطية لأنه لم يكن آخر هو الذي كُتب عنه “ الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب ولذلك رفّعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم[118] لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومَن على الأرض ومَن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو الرب لمجد الله الآب[119].

إرميـــا: وماذا يعنى هذا؟

كيرلس: كان من الممكن أن يكون هذا الكلام مثل طريق مُمَهد ومَعَبر لمَن يريدون الفهم بطريقة صحيحة، ويقودهم هذا الكلام إلى الحق. فلتفهم يا صديقى أنه إذ قد أُعطى الاسم ” كهبة ” فهذا يشير إلى عملية الإخلاء وأن الابن قد وضع نفسه حسب التدبير، من أجلنا. وطالما أنه أخذ اسمًا ـ وفق عملية الإخلاء والخضوع هذه ـ فيبدو كأنه أخذ شيئًا لا يمتلكه قبل عملية الإخلاء لأنه من نفس جوهر الله الآب. وطالما أنه وضع نفسه وقد تنازل من علوه إلى ما هو أقل، فإنه يرجع بالقطع إلى علوه السابق، وهذا لا يعنى أنه يأخذ مجد وكرامة آخر بل ما كان له منذ البدء. أما إن كانوا يعتقدون أنه من الضرورى أن يقولوا إن الابن قد أخذ مجدًا وكرامةً غريبة عنه عندما أُعطى اسمًا فوق كل اسم، كهبة من الآب، فحينئذٍ لا يوجد شئ يمنعنا حسب المنطق من أن نفهم سر تأنسه بطريقة عكسية وأن نحوّل تجسده إلى اتجاه آخر تمامًا. وسأقول لك بأى طريقة يتم هذا. إن كان أخذْ الابن لاسم فوق كل اسم ليس هو اخلاء بالنسبة له، لكن بالحرى اكتسابه لشئ جديد لم يكن له حسب طبيعته، حينئذٍ سيكون هناك إخلاء جوهرى أو بالحرى إخلاء قد حدث قبل أن يحدث الإخلاء في ملء الزمان. بينما الزمن الذي فيه تم الإخلاء ـ وبطريقة لا أعلمها ـ أى الزمن الذي أخلى فيه ذاته، هو زمن المجد والكرامة، بعدما اقتنى ما لم يكن له بحسب الطبيعة وامتلك أمورًا لا تقارن بما كان له سابقًا. غير أنه ـ وكما تؤمن أنت ـ أن الاسم الذي هو فوق كل اسم قد أُعطى للابن عندما اتخذ جسدنا كواحد منا، وتعيّن ابن الله وهو الابن الحقيقى، كابنًا بالتبنى مثلنا ومن أجلنا حتى أننا بواسطته نصير أبناءً لله بالتبنى ، وتكون لنا شركة الطبيعة الإلهية. أم أنك تعتقد أن الحديث قد حادَ عمّا يجب؟

 

إرميـــا: بالطبع لا.

كيرلس: لقد قرّرنا ـ وعلى عكس عناد المعترضين ـ أنه لابد وأن نعترف بالأمور الأسمى وأن نتمسك بغير لوم بالإيمان بالابن الوحيد[120] ولنبعد عنا كل كبرياء كما هو مكتوب[121]، ولنُخضع كل فكر إلى طاعته. أما إن رفضنا أن نفعل ذلك فيجب علينا أن نقبل ما يقوله هؤلاء وسننكر على الابن الوحيد كونه الإله الحقيقى. وبهذا سنقول أيضًا إنه ليس لدينا شئ آخر نضيّعه.

 

إرميـــا: هل ستوضّح لى ما تريد، أم ستتحاشى الحديث؟

كيرلس: بالتأكيد لديّ رغبة أن أتحدّث ولن أتحاشى الكلام عن هذه الأمور أم ربما كان من غير الصحيح أن نقول إنه طالما قد أُعطى اسمًا أفضل وأنه ـ بطريقة ما ـ دُعى إلهًا، فإن هذه العطية يمكن أيضًا أن تفارقه؟ لأن ما يُعطى لا يبقى ثابتًا إلى الأبد. وحسب هذا فإن الآب نفسه سيكون معرضًا لما لا يليق أن يُنطق به. لأن الآب سيُصبح أقل من الابن وستكون طبيعته أدنى من طبيعة المولود منه ـ مع أن الابن حسب زعمهم أقل من الآب ـ لأنه لو أن الابن كان له مجرد أن يُدعى إلهًا لكان مجد ألوهيته مجد زائف ولكان وكأنه أُعطى هذه الرتبة الآن فقط وكأنها رتبة زائفة لو أنه بالفعل كان ما يملكه من الألوهية هو مجرد اسم (أى مجرد عطية).

 

إرميـــا: إن حديثك يوضّح بشاعة هذه الأمور غير اللائقة.

كيرلس: بالفعل هى أمور بشعة، لكن من الضرورى أن نستعرضها. لأننا عندما نفعل هذا فإننا نستبعد ما هو ليس حق ونُظهر ما هو حق. إذًا طالما أن الابن ـ كما يعتقدون ـ قد أخذ اسمًا من الله الآب مكافأة له على إخلائه، فبالتالى يمكن أن يقال إنه قَبْل زمن الإخلاء (أى قبل التجسد) لم يكن له هذا الاسم إذ أن هذه النعمة المعطاة ـ والتي يمكن بسهولة أن تُفقد ـ لم تظهر إلاّ في زمن الإخلاء. وغير ذلك، كيف كان الابن مساويًا لله الآب طالما أنه لم يكن قد أخلى نفسه بإرادته ولم يكن قد أخذ شكل العبد؟ لأنه لم يحسب مساواته لله خلسة. إذًا فإن كنا نقول إن الابن قَبْل زمن الإخلاء كان مساويًا للآب، وأنه عندما أخلى نفسه، كُرّم بطريقة خاصة وأُضيف له مجد فوق المجد الذي له، فإنه سيكون بهذا الشكل قد فاق الآب نفسه.

 

إرميـــا: هذا كلام صعب جدًا.

كيرلس: غير أنه سليم من حيث طريقة التفكير. فلو قالوا إن الابن ـ عندما أخذ اسمًا فوق كل اسم ـ كان قد اكتسب شيئًا أسمى، فهذا يعنى أن طبيعته قد تطوّرت وفاقت طبيعة الله الآب. لأن هذا ما يتضح من كلامهم الشنيع الذي سبق أن قالوه. ومن ناحية أخرى لو أن المرء قد رأى الابن أقل بين آخرين أسمى منه ولم تزيده العطية أى شئ مع أنه يُفهم أنه أخذ شيئًا، فكيف لا يظهر كذب وهراء مَن لهم مثل هذه الجرأة الكبيرة أن يقولوا إن الطبيعة الإلهية التي لا توصف تتفوّق قليلاً فقط على الطبيعة المخلوقة حتى لا يقال إنها لا تتفوّق عليها بالمرة ؟ وأيضًا أن يقولوا إنه لو أن هذه الطبيعة قد أعطت خصائصها الذاتية لأحد المخلوقات كى ترفعه للمجد فإنه لن يستفيد إلاّ القليل. غير أنه لو فكّرنا هكذا لكان هذا هراء منا، لأن الأمور المختصة بالله هى يقينية وتستحق كل المجد. وحسب فكرهم فإن الله الآب يظهر وكأنه أفضل من نفسه، مانحًا لغيره عطايا أفضل مما يملك.

 

إرميـــا: بأى طريقة؟

كيرلس: بأنه (أى الآب) قد أعطى الابن ـ الذي هو مساوٍ له وله نفس المجد حتى قَبْل إخلائه لذاته ـ أعطاه اسمًا فوق كل اسم واضعًا إياه في مرتبة عالية. إذًا أليس ما يقوله المعاندون هو هراء تفوح منه رائحة الجهل؟

 

إرميـــا: بالتأكيد.

كيرلس: كما أعتقد أن المرء يستطيع أن يثبت هراء ما يقولون كالآتى:

          لو كان الابن يعرف أنه يحمل مجرد “اسم الابن” وأنه ليس ابنًا بطبيعته (الإلهية) فما الذي جعله ينادى عاليًا ويقول ” أنا هو الحق[122]. لأن المزَيف ليس هو حقيقى، ومَن يُظهر ما ليس له حسب الطبيعة، بل (يظهر) تلك الأمور الخارجية والغريبة عنه، فهو يحاول أن يخترق الحقيقة والمجد بالقوة. غير أن الواقع ليس هكذا، كما أن هذه الأفكار مشوّهة. وإن كان (الكلمة) ليس هو الله بالطبيعة فلماذا رأى أنه لا يجب أن يحسب نفسه مع أولئك الذين هم آلهة بالتبنى لكنه ميّز نفسه عن كل القديسين وسار في طريق لا يستطيع أحد منهم أن يسير فيه وذلك بقوله ” إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب، فالذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له أنك تجدف، لأنى قلت إنى ابن الله[123]؟ أى أنه يقول: طالما أن هؤلاء الذين يقبلون كلمة الله ويضعونها في داخل نفوسهم، يدعون آلهة، فكيف لا يكون ذاك الذي صيّرهم آلهة، هو نفسه إلهًا؟[124] لأن  ” الكلمة كان الله ” كما يقول القديس يوحنا، والفعل كان (½n)[125] لا يعنى أن المجد صار له بعد وقت معيّن بل أن هذا المجد هو له قبل كل الدهور. إذًا هل يشير تعبير “كان” إلى أن هذا المجد كان له دائمًا، أم يعنى أن هذا المجد كان له في بداية الزمن فقط؟

 

إرميـــا: بالصواب تتكلّم، لأن تعبير “كان” يتعدّى حدود الزمن.

 

كيرلس: والقديس بولس لا يعترف بالابن على أنه ابن لا يتحلّى برتب غير أصيلة فيه، بل يعترف به إلهًا بالطبيعة متحدًا بالله الآب بعلاقة جوهرية حسب الطبيعة.

 

إرميـــا: كيف؟

كيرلس: إنه يكتب الآتى ” لأنه وإن وُجد ما يسمى آلهة سواء كان في السماء أو على الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون لكن لنا إلهًا واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له، ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به[126]. فلو أنه كان قد اعترف بأنه يجب أن يُحصى الابن بين الذين يحسبون آلهة بالنعمة، فلماذا لم يجعله بين هؤلاء الآلهة، ويشير فقط إلى إله واحد وفريد هو الآب الذي هو الله والرب ولأنه ميّز بين الابن وبين تلك الآلهة الأخرى وقال إنه يجب أن يُدعى الآب إلهًا والابن ربًا؟ غير أنى أعتقد أنه من الحكمة والضرورة أن لا نفصل المجد الذي هو حسب الطبيعة عن الألوهة الحقة، وأن لا نُخرج الربوبية الحقة بعيدًا عن الطبيعة الإلهية، لأنه من الواضح أن كلاً من الآب والابن له بالحرى الألوهة والمجد. والدليل الواضح على أن الآب والابن هما واحد في الجوهر هو أن لكل منهما خصائص هذه الطبيعة وأن كل منهما له نفس هذه الطبيعة الإلهية الواحدة وهذا يؤكد وحدتهما المطلقة (في الجوهر) وأنهما لا يحتاجان شيئًا من خارجهما.

 

إرميـــا: لكن كيف يكون هذا؟

 

هل بنوّة الابن للآب هى بنوّة حسب الطبيعة أم أنها بالتبنى وأنها هبه بالروح القدس؟

كيرلس: إن سألك أحد يا إرميا عن الابن فهل ستقول له إنه ابن بالطبيعة أم أنه ابن فقط بحسب مشيئة الآب، أى أنه ابن كباقى البشر؟

 

إرميـــا: طبعًا سأقول إنه ابن بالطبيعة غير أنى أعتقد أن أى من المعارضين لن يعترف بهذه الحقيقة.

كيرلس: أنت ستقول هكذا، أما هم فإنهم ـ خلاف ذلك ـ يضيفون قائلين عنا إننا نهذى وأن فِكرنا قد انحرف. وقل لى مَن من هؤلاء الذين يختلفون معهم ولا يوجهون له إتهام؟ فإنهم قد صاروا مسعورين وقد وصلوا إلى درجة لا توصف من الجنون بشأن هذا الأمر حتى أنهم اعتقدوا أن الابن يجب أن يصنّف ابنًا بالتبنى مثله مثل بقية البشر. ومع أنه كان ينبغى عليهم أن يخجلوا من ضلالاتهم هذه ومن أنهم يشوهون الحقيقة الساطعة بأن يعطوا الابن مجدًا متميّزًا لا يستطيع غيره الوصول إليه، وذلك حسب تصورهم الخاطئ عنه؛ غير أنى أود أن أسألهم عن طريقة التبنى هذه وكيف حدثت وأيضًا عن بنوّته هو وبنوّتنا نحن. لأننا ورثنا أن نكون أبناء، ولسنا نحن الذين نقول كيف صرنا أبناء لكن القديس بولس هو الذي علّمنا ذلك عندما كتب ” ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب[127]. وهذا معناه: نحن نقول إننا دعينا إلى البنوة الروحية وذلك بسبب أن الابن يسكن في داخل قلوبنا بطريقة لا توصف بواسطة الروح القدس[128]، أم أنك تظن أن الأمر ليس كذلك؟

إرميـــا: إنى أظن أن الأمر هكذا، لأنى أذكر أن القديس يوحنا كلّمنا عن الله قائلاً ” وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه[129].

 

كيرلس: انتبه إذًا يا صديقى، إلى النتيجة التي يمكن أن يصل إليها الحديث عن الابن الوحيد لو أنه أصبح مساويًا لنا نحن الذين دُعينا للبنوّة. لأنه لا يمكن أن يصير الإنسان المخلوق ابنًا إلاّ عن طريق ابن الله[130] وبواسطة نعمة الروح القدس وهذا ما يؤكده الرسول بولس بقوله ” وبما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب[131]، فإن كان الأمر هكذا ففيمَنْ سيصير الابن ابنًا هو أيضًا؟ لأنى لا أعتقد أنهم سيقولون إنه صار ابنًا بذاته في ذاته على الرغم من أنه حُسِبَ بين الذين قد دعوا أبناء بالتبنى طالما أنه ـ حسب فكرهم ـ قد أُستبعد عن أن يكون ابنًا حقيقيًا بالطبيعة.

 

إرميـــا: فبماذا تجاوبهم لو قالوا إننا بالفعل قد قَبِلنا الابن في داخلنا بينما هو قد قَبِلَ الآب في داخله؟

كيرلس: كنت سأجيب بأنه لو أن هؤلاء يحددون ـ حسب ما يريدون ـ جوهر الطبيعة الإلهية وينسبون لها قوانينًا يعتقدون بصحتها، فإن الحديث مع هؤلاء في هذا الأمر لن يصلح أبدًا، لأنهم يتكلّمون بما في داخل قلوبهم ولا يرددون بالمرة ما قاله السيد بفمه. أما إن اعتقدوا بأنهم لابد أن يسلكوا طريق الحق والمعرفة الإلهية، فحينئذٍ لابد أن ما يؤمنون به يكون مؤيدًا بكلمات الكتاب المقدس[132].

 

إرميـــا: هم يقولون ذلك لأن الابن قال لفيلبس ” ألست تؤمن أنى أنا في الآب والآب في[133].

 

كيرلس: إذًا فالآب يقدّس الابن بكونه (أى الآب) في داخله؟

 

إرميـــا: هم بالقطع سيقولون نعم.

 

كيرلس: وهل يتقدّس الابن لأن الآب هو بالطبيعة قدوس وله في ذاته القدرة أن يقدّس مَن يكون فيهم، أم أنه يستمد القداسة من آخر؟[134]

إرميـــا: لأن الآب نفسه قدوس بالطبيعة.

 

كيرلس: إذًا فالابن لا يملك بالتأكيد قداسة حسب طبيعته، كما يدّعى الحمقى الذين يفكرون في كل أمر غير لائق، لكنه أخذ طبيعة لم تكن حرّة في أن تخطئ بمعنى أن عِتْقها الدائم من الخطية كان يتوقف على ما تفعله. فلو أنهم قبلوا أن هذه الطبيعة قد ربحت شيئًا من قداسة الآب ومن سكناه ومجده الذي يبهرنا، فكيف يكون بلا هدف أن يقال إن الله الآب سكن فيه وأنه هو في الآب والآب فيه، وما معنى هذا الكلام أو ما هى تفاصيل هذا الأمر؟ لنفحص كل هذا هنا بتدقيق.

          إن الابن ـ كما يعتقد هؤلاء ـ قد سكن في الآب لأنه كان ـ حسب فكرهم غير المستقيم ـ في إحتياج إلى التقديس[135]. وقد يتساءل المرء ما الذي ربحه الآب نفسه بكون الابن داخله؟ فلو أنهم قالوا إن هذه هى الطريقة التي يجب أن يتقدّس بها مَن تتطلب طبيعته التقديس، حينئذٍ نتساءل لماذا ونحن نتقبل الروح لا ننتقل إليه حتى يصبح فينا ونحن فيه؟ وإن كانت لا تقلقهم هذه الأمور التي لا تليق (لأن الروح القدس هو فينا وليس نحن فيه حسب الطبيعة) فكيف لا يكونون غارقين في أفكارهم الباطلة باعتقادهم أنه لا يجب أن نفسر كون الآب في الابن والابن في الآب على أنه كذلك بسبب وحدة الجوهر لكن يعتقدون أن هذا يتم بطريقة مَن يتلقى شيئًا صالحًا من خارجه؟ ومن ناحية أخرى أظن أنه ينبغى أن نقول الآتى أيضًا: إنه في اتحادنا بالابن والذي يتم بواسطة الروح القدس في الذين يقبلون، ألا نتغيّر نحن لنصير أبناء طالما أن الابن يشركنا في مجده ويطبع ملامحه هو في نفوس مَن يقبلونه؟[136]

 

إرميـــا: بالطبع.

كيرلس: إن لدى الابن القدرة ـ حسب طبيعته ـ على أن يجعل له أبناء، وأن له هذه القدرة ـ كما أعتقد ـ بسبب أنه ليس هو آخر سوى أنه هو نفسه ابن.

إرميـــا: دعنا نقبل هذا، لكن ماذا سنستفيد من ذلك الرأى؟

كيرلس: إننا نقبل ـ حسب التفكير المنطقى والسليم ـ أن سُكنى الآب لها نفس فاعلية سُكنى الابن، لأن مَن يمتلئ منه سيحصل على نفس الكمال كما في حالة سكنى الابن. لأن الآب يجعل مَن يريد أن يسكن هو فيه، أبًا وليس ابنًا، ويشكّله حسب صورته.

إرميـــا: فقل لى إذًا، هل نقبل بأن صورة الله التي حصلت عليها الطبيعة البشرّية (لأن الإنسان خُلِقَ على صورة الله ومثاله)[137]، تشير إلى مشابهتنا للابن فقط أم أننا ـ حسب هذا الرأى ـ سنقبل أنها تشير إلى مشابهتنا للآب والابن، وأننا سنقول إننا خلقنا مشابهين للطبيعة الإلهية بكاملها مع أننا أبناء ونحسب من بين البنين؟

كيرلس: وغير ذلك يا صديقى، ألا تعتقد أنه يجب أن تفكر كيف أن كل كلامنا هنا هو عن الإيمان بالطبيعة الإلهية الواحدة والتي هى في ثلاثة أقانيم متمايزة ولها نفس الجوهر فهى تمثل إلهًا واحدًا أسمى[138] من الكل والذي نتشكّل على هيئته حسب ما يقول الكتاب، ولكننا نأخذ ختم التبنى عن طريق الابن بواسطة الروح القدس[139]. فالبنوّة هى صورة الابن والأبوة هى صورة الآب. إذًا فنحن أبناء بسبب الابن كما أننا على صورة الله وشبهه إذ قد خُلقنا هكذا منذ البداية على صورة كمال الطبيعة (الإلهية) أعنى الطبيعة الفائقة[140].

 

إرميـــا: ما تقوله صحيحًا.

كيرلس: وبالتالى فإن امتداد المناقشة إلى ما لا يجب وكما يريدون هو أمر بلا معنى ولن يجدى نفعًا، غير أنى أرى أنه من الحكمة أن نتناقش وأن نؤمن بتلك الأمور النافعة لنا في كل الحالات.

 

إرميـــا: هذا حق.

 

الروح القدس هو روح الابن مثلما هو روح الآب[141]:

كيرلس: إذًا ما يقوله هؤلاء هو أساطير لا نفع منها، إذ أن شرورهم لا حد لها بينما نحن لا نستطيع أبدًا أن نؤمن بأن الابن هو إله غير حقيقى، وأنه يتقدّس بمعنى أنه يُدعى من الآب كى يصير ابنًا وأنه يتمجّد معنا كابن، على العكس فإن ما هو عليه إنما هو من طبيعته. لأنه لا يمكن أن يصير الابن ابنًا بواسطة الروح القدس. فالروح القدس هو بالتأكيد روح الآب مثلما هو روح الابن[142] وهذا يمكن أن يعلمه المرء وبدون تعب عندما يسمع الابن نفسه وهو يقول ” فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحرى أبوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألونه[143]. وأيضًا ” لأنه لستم أنتم المتكلّمين بل روح أبيكم الذي يتكلّم فيكم[144]. وبنفس الطريقة فإن القديس بولس يكتب لمن يؤمنون قائلاً: ” وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح إن كان روح الله ساكنًا فيكم ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له. وإن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأما الروح فحياة بسبب البر[145]. إذًا فبالتأكيد الروح هو الذي يعطينا نحن الأرضيين بهاء مجد البنوّة، وأقصد أنه طالما أن الروح هو روح الابن، فإنه يعطى بفعله التبنى للجميع، بينما يكون بلا فعل في ذلك الذي هو ليس غريبًا عنه (أى الابن)[146] الذي هو في الواقع روحه الذاتى، وهو (الروح) ينسكب بواسطة الابن ومسرّة الآب على المستحقين أى الذين يقبلونه. أم أنك تظن أننا لم نوضح هذه الأمور بطريقة صحيحة؟

 

إرميـــا: إنى أتفق معك تمامًا فيما تقول.

كيرلس: وأيضًا عندما يحدّثنا القديس يوحنا عن الله بقوله ” بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا أنه قد أعطانا من روحه[147]. فكيف يصعب علينا أن ندرك أن الابن هو إله بالحقيقة وأنه قد جاء من جوهر الآب، حيث إن روحه الساكن فينا هو الله وليس شيئًا آخر؟[148] ومع قولى هذا أُضيف أيضًا الآتى: لو لم يكن روح الآب هو الله، الذي به تُعطى حياة وقداسة للبشر، هو روح الابن أيضًا، فمن ذا الذي يصل تفكيره إلى هذا الحد الدنئ حتى يفكر ويقول إن الابن ليس واحدًا في الجوهر مع الله الآب بل هو ضمن المخلوقات، ويقول أيضًا إن الابن لا يعطِى ولا حتى يهب للبشر (أن يكونوا شركاء الطبيعة الإلهية) أو تلك المواهب المتميّزة الخاصة بها، الأمر الذي يجعله لا يكون مختلفًا بالمرة عن المخلوقات، وأيضًا يجعل طبيعة المخلوقات مساوية في المجد مع تلك الطبيعة (الإلهية) التي تضبط كل الأشياء.

 

إرميـــا: وكيف لا يكون هذا التفكير خاطئًا؟

كيرلس: إذًا فطالما أنه من السهل أن نتأكد من خلال الكتب المقدسة أن الابن الوحيد له خصائص الله الآب[149]، فهيّا بنا نستجمع أفكارًا أخرى بخلاف ما سبق أن قلناه، لكى نحاصر أقوال المعاندين الضعيفة والهزيلة، ونأتى بأقوال تثبت أنه يعمل نفس أعمال الله الآب وأيضًا بتلك التي توضح أنه هو الله وتبيّن أنه لا يحسب ضمن هؤلاء الذين هم بنين حسب النعمة، أو أنه يتحلى بمجد مكتسب، بل أنه إله حق لا ينقصه شئ عن ما هو للآب، وعلى هذا يُدرك على أنه أرفع في كل مَن هو مخلوق.

 

إرميـــا: هذه يا صديقى، أمور جيدة، تستحق التقدير من الجميع.

كيرلس: هل تعتقد إذًا يا صديقى أن أحدًا من المخلوقات قد ساهم في إتمام أمر تستطيع وحدها الطبيعة الفائقة على الكل، أن تتممه؟

 

إرميـــا: لا أعتقد ذلك.

كيرلس: بالصواب تتكلّم. والطوباوى بولس يتحدث عن قدرة الله الآب على إقامة الموتى على أنها أمر فائق للطبيعة وغير مألوف بالمرة وكما أعتقد يفوق كل حدود إمكانيات المخلوقات، وذلك عندما قال ” لأن الناموس ينشئ غضبًا إذ حيث ليس ناموس ليس أيضًا تعدٍ. لهذا هو من الإيمان كى يكون على سبيل النعمة ليكون الوعد وطيدًا لجميع النسل ليس لمن هو من الناموس فقط بل أيضًا لمن هو من إيمان إبراهيم الذي هو أب لجميعنا، كما هو مكتوب أنى قد جعلتك أبًا لأمم كثيرة، أمام الله الذي آمن به الذي يحيي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة[150]. هيا بنا إذًا ـ إن كنت ترى أن هذا صحيح ـ لنرى أيضًا المجد عينه الذي للابن، وسوف ترى مرة أخرى أن الابن ليس أقل من الآب، بل له نفس القدرات التي للآب. لأن بولس الرسول يقول لنا ” لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سَيُحيا الجميع [151]. لأنه هو الحياة وليس مختلفًا عن (جوهر) الآب بل لهما نفس الجوهر. وغير ذلك فأنت تسمعه يقول في موضع آخر “لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويُحيي كذلك الابن أيضًا يُحيي مَن يشاء[152]. ولهذا فلأن أعماله الإلهية قد أظهرت طبيعته ومجده فقد قال ” إن كنت لست أعمل أعمال أبى فلا تؤمنوا بى، ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فىّ وأنا فيه[153]، أم أن ذلك لا يعنى أنه أراد أن يجعل نفسه معروفًا على أنه هو الله؟ كما لو أن شخصًا ظهر أن لديه القدرة أن يعمل أعمالاً مساوية لأعمال الله، لكان له بالضرورة نفس المجد، ولا يمكن ألاّ يكون هو الله، لأنى أعتقد أن ما نقوله يقود إلى هذه النتيجة.

 

إرميـــا: هذا يبدو واضحًا، لأنه لا يمكن أن نتصور أنه بينما يفخر بهذه الأعمال عينها، يكون هو نفسه ليس له المجد عينه.

كيرلس: وعندما تعلن لنا الكتب المقدسة بأن ” كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هى من فوق نازلة من عند أبى الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران[154]، فمن أين ـ حسب اعتقادك ـ تتوزع علينا الهبات الإلهية؟

 

إرميـــا: واضح أنها من عند الله الآب.

كيرلس: لكن المسيح أعطى للرسل القديسين السلطان كى يخرجوا الشياطين ويشفوا الأمراض وكل ضعف بين الناس[155]. والأمر الأعظم من كل هذا أنه أعطاهم السلطان حتى يقدروا أن يهزموا حتى الموت نفسه عندما حدّثهم بكلام يليق به كإله ” اشفوا مرضى، طهروا بُرصًا. أقيموا موتى، أخرجوا شياطين[156]. كما أن يوحنا الناطق بالإلهيات يعترف بكل وضوح قائلاً ” ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا[157]. فهل تعتقد أنه توجد عطية صالحة وهبة كاملة[158] غير أن نكون شركاء الروح القدس؟![159]

 

إرميـــا: لا أعتقد.

كيرلس: انتبه إذًا يا صديقى، كيف أنه يرسل من ملئه، روحه القدوس الذي هو واحد معه في الجوهر بدون أن ينفصل عنه، وعن طريق الروح القدس يصير لنا كل عطية صالحة[160]. فطالما أنه قد قام مُبطلاً الفساد ومحطمًا قيود الموت فإنه جاء بنا مرة أخرى إلى القداسة معطيًا للرسل جمال الطبيعة كما كانت عندما خلق الجنس البشرى، ونفخ في وجوههم قائلاً: ” اقبلوا الروح القدس[161]. إذًا فطالما أن كل عطية صالحة تأتى من فوق، من الآب وتوزع بواسطة الابن، الذي له السلطة الإلهية وليس كخادم[162]، فبأى طريقة إذًا لا يكون واحدًا في الجوهر مع الآب الذي وَلَده، بمعنى كيف لا يكون إلهًا بالحق[163]، وليس مزينًا من الخارج بكرامات مثل اللوحات المرسومة؟

 

إرميـــا: لا يمكن أن يكون هكذا بأى طريقة من الطرق على ما أعتقد.

كيرلس: وهل حديثنا عن الإيمان غير كافٍ لكى يثبت بشكل قاطع أن الابن هو الله بالطبيعة؟

 

إرميـــا: ماذا تقصد؟

كيرلس: لأننا نؤمن بالمسيح، فإننا بهذا نقترب من الله الذي هو بطبيعته إله حقيقى[164] ونبتعد عن ضلال تعدد الآلهة تاركين عبادة الكائنات المخلوقة ومتحررين من السجود لصورهم[165]. ولهذا فالرسول بولس يكتب لأولئك الذين دعوا للمعرفة الحقيقية قائلاً ” لذلك اذكروا أنكم أنتم الأمم قبلا في الجسد المدعوين غرلة من المدعو ختانًا مصنوعًا باليد في الجسد أنكم كنتم في ذلك الوقت بدون مسيح أجنبيين عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهد الموعد لا رجاء لكم وبلا إله في العالم[166]. وفي موضع آخر يكتب أيضًا     ” ولكن حينئذٍ إذ كنتم لا تعرفون الله استعبدتم للذين ليسوا بالطبيعة آلهة وأما الآن إذ عرفتم الله بل بالحرى عُرفتم من الله فكيف ترجعون أيضًا إلى الأركان الضعيفة الفقيرة التي تريدون أن تستعبدوا لها من جديد[167].

          إذًا فطالما أن هؤلاء الذين كانوا بلا مسيح كانوا بلا إله وأنهم قد عرفوا الله عندما آمنوا وقبلوا الابن الذي قال ” الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد[168]، فكيف يكون من الممكن ألاّ يُعرف أنه الله، وهو الذي يُمجَّد منا ومن الملائكة بعبارات تكريم صادقة، كما أننا نؤمن أن جوهره يعكس كينونته، بمعنى أنه إله حق من إله حق؟ وإلاّ فقل لى كيف تفهم ما قصده الرسول بولس عندما كتب عنه قائلاً ” إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم واضعًا فينا كلمة المصالحة إذ نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله[169]. فعندما يأتى شخص ما للمسيح فإنه يتصالح مع الله ومن خلال المسيح يتصالح العالم كله مع الله، وبالتالى كيف لا يكون من المضحك أن يعتقد هؤلاء أن الكلمة الذي أتى من الآب وهو باقٍ فيه، هو بعيد عن جوهر الآب؟

 

إرميـــا: سيكون بالتأكيد أمر مضحك لو فكروا هكذا.

كيرلس: ومن هو الذي تستطيع أن تقول عنه إن له سلطان على كل الخليقة وأنه يفوق كل الكائنات؟

 

إرميـــا: الله وحده بالطبع، لأن ليس غيره من بين الكائنات، يستطيع ذلك لأن داود يرنم قائلاً ” لأن الكل عبيدك[170]. وأيضًا يقول ” هلم نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا لأنه هو إلهنا ونحن شعب مرعاه وغنم يده[171].

كيرلس: حسنًا قلت يا صديقى العزيز، لأنه واضح أن هذه الآيات تمجد الله. لأنه ليس لأحد من بين الموجودات أن يدّعى أنه يوجد وسط الكائنات بمعنى أن يدّعى أنه يجلس وسط خليقته وأن يتجرأ على إخضاعها تحت سلطانه أو إن أراد أن يفعل ذلك، بدون أن يكون مُكللاً بمجد المُلك، ألن نقول إنه يعرّض نفسه للإدانة والمحاكمة؟

 

إرميـــا: بالفعل.

كيرلس: وعلى ذلك فكيف يدعو الابن المؤمنين أنهم خِرافه هو وليسوا خِراف الآب؟ وذلك عندما قال ” خرافى تسمع صوتى وأنا أعرفها فتتبعنى، وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدى[172]. فالقديس يوحنا الناطق بالإلهيات يخبرنا مؤكدًا أن (الابن) قد جاء إلى خاصته وأنه سمّى كل سكان الأرض، بل وكما أعتقد، كل الخليقة، خاصته، وأنه يعمل كل ما يعمله الآب لا كأنه أقل منه لكن كمَن له سلطان وربوبية حقيقية وليست غريبة عنه. لأنه في حديثه مع تلاميذه ومع الذين كانوا يتبعونه قال ” إن الحصاد كثير والفعلة قليلون فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده[173]. وفي نفس الوقت الذي يُرجِع فيه للآب تعيين فعلة للحصاد، فهو يكشف عن مَن يكون رب الحصاد وذلك حينما أعطى لتلاميذه امتياز نشر أسرار ملكوته. كما أن البشير لوقا يؤكد أن الحصاد هو له وذلك عندما قال ” الذي رفشه في يده وسينقى بيدره ويجمع القمح إلى مخزنه[174]، بالإضافة إلى ذلك فإن الرسول بولس قدّمه على أنه هو رب وإله للمؤمنين عندما كتب قائلاً ” الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات[175]. وأيضًا قال ” إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له[176]. فحينما يقول أحد القديسين أو عندما نصرخ كلنا لله قائلين ” لك أنا خلّصنى لأننى حفظت وصاياك[177]. إذًا هل يستطيع الذين هم خاصة الآب أن يكونوا بنفس الكيفيّة خاصة المسيح إن لم يكن جوهر الواحد هو نفسه جوهر الآخر؟

 

إرميـــا: أتفق معك في هذا لأنه يوجد إله واحد ورب واحد، كما أن الألوهة والربوبية هما للجوهر الواحد للآب والابن.

كيرلس: إن ما تقوله هو حق. لأن الآب فيه كل ملء الربوبية والمجد كإله، كما أن الابن هو أيضًا رب وإله. فبدون الربوبية لن يكون الآب إلهًا ولا يكون الابن ربًا حقيقيًا إن كان منفصلاً عن الألوهة الحقيقية حسب الطبيعة. ولهذا فإن الطوباوى بولس يربط بين الاسمين في وحدة واحدة، وذلك عندما يقول في إحدى المرات: إن الإنجيل هو إنجيل الله الآب وفي مرة أخرى يقول إن الإنجيل هو إنجيل المسيح. هل ترغب أن نأتى بشواهد كتابية نثبت بها ما نقول؟

 

إرميـــا: إنى أرغب جدًا في هذا.

كيرلس: يقول ” بولس عبد ليسوع المسيح المدعو رسولا المفرز لإنجيل الله[178]. وإذ ينسب للابن مجد الله إذ أنه قد وُلِدَ منه وهو كائن فيه ويُدرك دائمًا معه، فإنه يذكر أيضًا ” لكننا لم نستعمل هذا السلطان بل نتحمل كل شئ لئلا نجعل عائقًا لإنجيل المسيح[179]. وأخيرًا فإنه لكى يشير إلى الاسمين أيضًا بسبب وحدتهما في الجوهر فإنه يكتب ” ولكن بأكثر جسارة كتبت إليكم جزئيًا أيها الاخوة كمذكّر لكم بسبب النعمة التي وهبت لى من الله حتى أكون خادمًا ليسوع المسيح لأجل الأمم مباشرًا لإنجيل الله ككاهن ليكون قربان الأمم مقبولاً ومقدسًا بالروح القدس[180]. إذًا فإنجيل الله وإنجيل المسيح هما واحد. وكل ما نستطيع أن نقوله عن الله كإله نقوله عن الابن أيضًا، لأنه لو كان هناك شئ يقف كوسيط بينهما بحيث يجعل الآب والابن غير متساويين لما كان من الممكن أن نقول نفس الأقوال عن كل منهما، أم هل تعتقد يا إرميا أن الأمر ليس هكذا؟

 

إرميـــا: أنا بالطبع أوافقك فيما تقول.

كيرلس: غير أن بعض الشروحات المُضِلّة تشير إلى أن هناك اختلاف بين الآب والابن (من حيث الجوهر) وتبيّن أن الأمور التي نؤمن أنها تخص الله الآب، لا تخص الابن أيضًا. فكيف يمكن أن يكون الإنجيل واحدًا بالنسبة للآب والابن وكيف نفهم ذلك من تفاسيرنا الأصيلة إن لم يكن الابن هو الله حسب الطبيعة؟ ألا يكون هذا تضليلاً للذين يتعلمون؟ وألا يعطّل ذلك معرفتهم للحقيقة؟

 

إرميـــا: إن ما تقوله هو حق.

كيرلس: فبولس الذي يخدم سر الله، أى الكرازة بالإيمان به لهؤلاء الذين لم يعرفوها بعد، كيف يستطيع أن يقول إنه خادم للمسيح وأنه مبشّر بالمسيح وهو يجاهد من أجل مجد الله ويدعو نفسه أنه خادم لله؟ لأنه قال ” بل في كل شئ نُظهر أنفسنا كخدام الله[181] وفي موضع آخر كتب لآخرين ” أهُمْ خدام المسيح أقول كمختل العقل فأنا أفضل[182]. فهل يوجد في هذا الكلام ما يفصل بين الآب والابن من حيث وحدة الجوهر؟

 

إرميـــا: لا أفهم ما تقول.

كيرلس: نستطيع بطريقة أخرى أن نبرهن على أنه من غير المقبول ألاّ نؤمن أن الابن هو إله بالطبيعة طالما أن الكتب المقدسة تعلّمنا أن الكنيسة هى كنيسة الله وأيضًا هى كنيسة المسيح. فالطوباوى بولس يكتب لأهل كورنثوس قائلاً: ” كونوا بلا عثرة لليهود واليونانيين ولكنيسة الله[183]. كما يؤكد أن الابن سيُحضر لنفسه الكنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن[184]. لكن بينما يقول الله على لسان أحد الأنبياء أنه سيسكن وسيسير بيننا[185] فإن المسيح يحلّ في وسطنا. وكما تنبأت عنه النبوات منذ القديم فإنه يعمل بيننا كإله. لأنه وفق ما قد كُتب فإن ” موسى كان أمينًا في كل بيته كخادم شهادة للعتيد أن يتكلم به، وأما المسيح فكابن على بيته وبيته نحن[186].

 

إرميـــا: إذًا لا يوجد شئ على الاطلاق يمكن أن يعوقنا عن أن نؤمن إيمانًا حقيقيًا بأنه طالما أن الابن قد وُلد من جوهر الله الآب ذاته، فلا يمكن أن يُدرَك على أنه مختلف عن الآب من حيث الطبيعة.

 

كيرلس: أصبت يا صديقى لأن الطوباوى بولس رأى أنه من الصواب أن نؤمن بهذا فقال ” الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا معه كل شئ[187]. إذًا طالما أن الابن هو في الحقيقة ابن الله الآب، فهل يمكن أن تكون له طبيعة مختلفة عنه؟ وهل يمكن أن نتخيّل وجود أى سبب منطقى يجعل ذلك الذي عرّفته اللغة[188] عينها بأنه ابنه الذاتى أو ابنه الخاص غريبًا عنه من حيث الجوهر؟[189]

 

إرميـــا: أنا لا أعتقد ذلك.

كيرلس: كيف ذلك؟ ألا نقول إن مَن دُعوا ليكونوا أبناء الله هم عدد لا يُحصى؟

 

إرميـــا: بالتأكيد، لأنه مكتوب ” أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلى كلكم[190].

كيرلس: فلو تجرأ شخص وأخذ واحدًا أو اثنين من بين هؤلاء ودعاهما ابنين خاصين لله الآب ألا يكون مستحقًا لجزاء مَن يحرّف جمال الحقيقة؟

 

إرميـــا: أوافق لأن ما تقوله صواب.

كيرلس: وإن أردت أن أعرف السبب في أنه بينما كثيرون قد دعوا آلهة وأبناء إلاّ أن تعبير (الابن) “الذاتى” أو “الخاص” ينسب حرفيًا وبالفعل لواحد فقط، فهل تستطيع أن تجاوبنى؟

 

إرميـــا: سأقول إن هؤلاء بالتأكيد صاروا أبناء بسبب نوالهم عطية المحبة السماوية بدعوتهم للتبّني بينما الابن ليس كذلك لكنه هو ابن حقيقى وذاتى لله الآب وله نفس الطبيعة التي هى أرفع وأسمى من طبيعة الكل.

كيرلس: إن كان الابن هو ابن ذاتى لله فهل يكون ما هو ذاتى لله هو إله، أم هو مخلوق، أم ماذا؟

إرميـــا: هذا أيضًا أمر غير مشكوك فيه بالمرة لأن ما هو ذاتى (خاص) في الله هو الألوهة كما أنه بالتأكيد أن ما هو ذاتى في الخليقة هو أنها مخلوقة.

كيرلس: وأيضًا إن اعتقد شخص ما أن الخليقة أو ما هو مخلوق هو خاص ـ حسب الطبيعة ـ بالله، فإنى أعتقد أن الأمر الأكيد هو أن نتبع طريقة التفكير العكسية، وحينئذ فعندما نقول إن الألوهة تمثل ما هو ذاتى (خاص) بالخليقة، فهذا لا يكون خطأً. غير أننا لا يمكن أن نؤمن بهذا. كما أننا بسبب هذه الأفكار المنحرفة لابد أن نفكر بطريقة سليمة ونؤمن أن الابن هو ابن ذاتى (خاص) لله الآب وهو لا يحصى ضمن مَن نالوا التبنى بل هو إله من إله[191]. كما أنه لا يمكن التفريق أو الفصل بين مَن هم من جنس واحد ونوع واحد في طبيعة طريقة وجودهم ومرتبطين معًا في وحدة كاملة (حسب الجوهر). فمثلاً المفهوم والتعريف الذي يحدّد جوهر الإنسان لا يمكن إلاّ أن يكون واحدًا للجميع. إذًا فالابن ليس إلهًا من طبيعة أخرى غير طبيعة ذلك الذي وَلَده. فهو إله حقيقى طالما دعى ابنًا ذاتيًا (خاصًا)[192] لله الحقيقى حسب الطبيعة. وهو يختلف بالتأكيد عن كل هؤلاء الذين صاروا أبناء بالتبّني كما أن له نفس المجد الحقيقى الذي لله.

إرميـــا: بالصواب تتكلم.

 

رأس كل رجل هو المسيح … ورأس المسيح  هو الله:

كيرلس: وهناك شاهد آخر من الكتاب المقدس يشدّد على وحدة الجوهر بين الآب والابن لأن بولس الرسول يقول: ” رأس كل رجل هو المسيح وأما رأس المرأة فهو الرجل، ورأس المسيح هو الله[193]. لأنى أعتقد أنه يقصد بهذه الآية أن يوضّح وحدة الجوهر وأن الابن قد وُلد بالحقيقة من نفس هذا الجوهر[194].

 

إرميـــا: ماذا تقصد؟.

كيرلس: هل تعتقد أنه يجب أن نفحص بالتدقيق هذه الآية؟ قل لى ما الذي لم تفهمه أو ما الذي يبدو لك غريبًا في هذه الآية.

 

إرميـــا: نعم، يقولون، إن هذا الكلام يجرّد الابن من أن يكون واحدًا مع الله الآب.

كيرلس: كيف، هل تستطيع أن تجاوبنى؟

 

إرميـــا: بالتأكيد، هم يقولون إن كان الرجل هو رأس المرأة ـ بسبب أن له نفس طبيعتها وجوهرها ـ مع أنه يعتبر أنه يفوقها لأن الرأس هو عضو مكرّم جدًا وأعظم أعضاء الجسد ـ ورأس الرجل هو المسيح، الأمر الذي يعنى أن هناك (تطابق) تشابه بين طبيعته وطبيعة المخلوقات مثلما أن طبيعة الرجل والمرأة هى واحدة. إذًا كيف يمكن أن يقال عن الابن أنه هو الله وبالحرى إله حقيقى أو كيف يمكن أن يكون واحدًا مع الآب في الجوهر طالما أنه يحسب من بين المخلوقات حتى ولو كان له مكانة الرأس في الجسد، لأنهم يقولون إنه متفوق على البشر من حيث الكرامة؟

 

كيرلس: يا لها من مقدرة فعليّة على التفوه بكلام غير لائق!! يا له من حديث عنيف وهجومى ومزيّف ذلك الذي يتحدث به أعداؤنا!! لأنهم يجدّفون تجديفًا واضحًا لأنهم يدّعون أن الابن هو مخلوق بواسطة الله الآب. غير أننا سنتحدث عن ذلك الأمر في الوقت المناسب وسنتناوله بالبحث من جهة الفكر واللغة. غير أنى أتعجب كثيرًا لأمر سأذكره الآن لأن هؤلاء الجهلاء قد وقعوا في خطأ وبدرجة ليست أقل من المرات السابقة، من جهة التفكير السليم. لأنه يقال عن المسيح أنه هو رأس الرجل بسبب الارتباط الناتج عن العلاقة الطبيعية[195] (معنا) ونحن لا ننكر ذلك لأنه صحيح ومؤكد. فطالما أن الله هو رأس المسيح، فما هو الأمر الذي يعترضنا، أيها الكرام أو ماذا يمنعنا من أن نفكر أنه طالما أن الابن هو من نفس جوهر المخلوقات لأنه يدعى رأس الرجل، أن نتجرأ بأن نحصى الآب أيضًا من ضمن المخلوقات طالما أنه يُدعى رأس الابن حيث إن الابن هو مخلوق ومصنوع حسب ما تقولون؟ لأنه من الواضح أنهم يعتقدون أن ما يهذون به هو كلام حسن بغير عيب، غير أنى أعتقد أن ثقل تجديفهم قد أضناهم ومع ما يبدون من قسوة إلاّ أنهم يتبعون طرقًا طفولية في التعامل مع أمور هامة كهذه.

          إذًا فمع رفضنا وتركنا لهذه الأمور وإلقائها في البحر، هيا بنا نفكر فيما ينبغى أن نفكر فيه. فنحن نقول بالفعل، إن الرجل هو رأس المرأة لأن المرأة خُلِقتْ في البدء من جنبه وعلى صورته كما خلق هو على صورة الله كما جاء في الكتب[196]. كما أننا تعلّمنا أن رأس الرجل هو المسيح، الذي هو الأصل الثانى للجنس البشرى وبكر البشرّية[197] التي تقدسّت بالروح فنالت عدم الموت ولهذا السبب عينه يُدعى المسيح آدم الثانى[198]. ونحن نقبل بل ونؤمن أن رأس المسيح هو الآب لأنه مساوٍ له في الجوهر ومتحد معه حسب الطبيعة. ولهذا يُدرَك على أنه هو الله مع أنه ظهر في الجسد وصار كواحد منا. والمسيح ليس إلهًا فقط وليس إنسانًا فقط، بل أنه ـ حسب التدبير ـ قد وحّد في شخصه طبيعتين مختلفتين هما اللاهوتية والناسوتية في إتحاد لا يدركه العقل ولا يدنى منه ولا يُعبر عنه باللسان[199]. لأن المسيح هو إله وإنسان معًا[200]، فالآب السماوى هو مصدر (نبع) وأصل أقنومه وهو كائن معه وأزلى معه بدون أن يكون الآب سابقًا على الابن زمنيًا[201] ـ طالما أن الرأس (الآب) كائن مع مَن دُعى رأسًا (الابن)، ومن جهة أخرى فالمسيح مرتبط معنا من حيث طبيعته البشرية. فعندما نقول إن الله هو رأس المسيح وهو كذلك بدون شك، كيف لا يكون إلهًا ذلك الذي أصله هو الألوهة الحقيقية وله نفس جوهر من وَلَده؟ لأنه لابد أن ندرك أن الرأس هى من نفس طبيعة باقى الجسد. لكن إن كانوا يعتقدون أن الكلمة الذي وُلِدَ من الله الآب لابد أن يخرج خارج نطاق الألوهة ويحسب ضمن المخلوقات فليسمعوا جيدًا هذا القول ” اجعلوا الشجرة جيدة وثمرها جيدًا أو اجعلوا الشجرة ردية وثمرها رديًا لأن من الثمر تعرف الشجرة[202].

 

إرميـــا: لقد كان شرحك وافيًا.

كيرلس: إنه دليل واضح على حماقتهم التي فاقت كل حدود أنهم يعجبون بالشجرة لأنها جيدة وأصيلة بينما يصنّفون الثمرة بأنها من طبيعة أخرى. فالإله يَلدْ بالضرورة إلهًا. أم سنقول إن الأمر ليس كذلك؟

 

إرميـــا: أنا على الأقل أوافقك فيما تقول.

 

رائحة المسيح الذكيّة فينا هى شهادة لألوهيته:

كيرلس: وكيف لا يكون إلهًا وبالحرى إلهًا حقيقيًا مَن بواسطته، وبواسطته وحده يستطيع المرء أن يعرف أن الآب هو إله حق حسب الطبيعة؟[203] لأن بولس الرسول يكتب لهؤلاء الذين آمنوا ” لكن شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويُظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان لأننا رائحة المسيح الذكية لله[204]. فعندما تظهر رائحة الله الآب الذكيّة من خلال المسيح، وتصبح معروفة بواسطته، كيف تشك في أن هذا يجب أن يحدث؟ لأنه في المروج والبساتين تنمو الأشجار والزهور في مواسمها، كأشجار التفاح مثلاً وزهور السوسن. إذًا يا صديقى هل من الممكن أن يكون لثمار التفاح ـ وبطريقة طبيعية ـ رائحة السوسن أو أن يُغيّر التفاح رائحته لرائحة زهور السوسن أو عنهما يُنزع إلى الأبد ما يميّز كل منهما؟

 

إرميـــا: لا يمكن أن يتم هذا بأى طريقة لأنه ستفيح من كل منهما رائحته.

 

كيرلس: إذًا فكيف يقدر المسيح أن يكون هو رائحة المعرفة الحقيقية لله الآب ولا يُصدَّق أنه صَدَر من الألوهة الحقيقية؟ لأنه قد ثبت أن كل واحد يُعطى ما هو حسب طبيعته، وكيف يمكن لرائحة الألوهة حسب الطبيعة أن تُعطى بواسطة مخلوق له طبيعة مختلفة عن طبيعة الله؟ كما أنه لا يمكن للمرء العاقل أن يصدّق أن رائحة الألوهة توجد في طبيعة المخلوقات لأن هذا سيكون فكرًا أحمقًا. وهكذا فإننا لا نستطيع أن ننسب إلى الألوهة الفائقة غير المولودة أنها ستأتى لنا بابن ذو طبيعة مختلفة عنها، عوضًا عن ابن فيه رائحة الألوهة الفائقة.   لأن الابن الوحيد وُلِدَ ـ بطريقة لا يُعبَر عنها ـ من جوهر الله الآب. ولهذا فإن كنيسة الأمم تناديه كعريس قائلة ” اسمك كالطيب المسكوب، لهذا أحبتك العذارى..[205] كما أننا أيضًا عن طريقه وبواسطته قد قَبِلنا ونلنا رائحة معرفة الآب.

 

إرميـــا: أتفق معك لأنه واضح أنك تتكلّم وتفكر بالصواب.

كيرلس: وبطريقة أخرى يمكن أن نبرهن على أن الابن هو الله وأنه وُلِدَ من الله مع أنه يمكننا أن نتوقف عن الحديث هنا.

 

إرميـــا: بأى طريقة تقصد؟

كيرلس: قل لى هل من اللائق أن أى كائن من الكائنات يمكن أن يوزع كل ما تملك الطبيعة الإلهية وحدها أن تهبه؟

 

إرميـــا: ليس من اللائق إطلاقًا.

كيرلس: بالتالى فمن الطبيعي أن مَن له القدرة على إتمام هذا العمل، أن يكون في العلا، في قمة درجات المجد اللائق بالله؟

 

إرميـــا: وكيف لا يكون هكذا؟

كيرلس: إن السلام هو عطية إلهية وهبة سماوية ويأتى إلينا بتفضّل من الله كما يصرخ إشعياء النبى قائلاً ” يا رب تجعل لنا سلامًا لأنك كل أعمالنا صنعتها لنا. يا رب لا نعرف آخر سواك نحن ندعوك باسمك[206].

 

إرميـــا: بالفعل هذا ممكن.

كيرلس: إذًا فالسلام هو ثمرة فعل سماوى وهو عطية بالفعل كما قلت سابقًا لا يهبه أى كائن مخلوق بل فقط الله حسب الطبيعة .. ولهذا فإن إشعياء قد قال بأنه يعرف الله وحده ولا يعرف آخر سواه.

 

إرميـــا: هذا حقيقى.

 

كيرلس: انتبه إذًا، إن الكلمة المولود من الآب هو الضابط للكل، وهو المانح لما يعطيه الله الآب لنا. لأنه قال لتلاميذه القديسين ” سلامى أنا أعطيكم، سلامى أترك لكم[207]. وقال إن هذا السلام هو سلامه لأنه بالفعل هو سلام يُعطى من الله وحده وليس بأى طريقة أخرى. كما أن بولس الطوباوى يقول ” نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح[208]. فقل ليّ إذًا: ذاك الذي هو مع الله الآب، يهب ويُعطى ويأتى بنفس المجد غير المتغيّر والعظمة، كيف يكون من الممكن أن ينقص عنه في المجد، أو كيف لا يكون مساويًا ومشابهًا في كل شئ لذلك الذي وَلَده؟

 

إرميـــا: صحيح.

كيرلس: تعال لنفحص أمرًا آخرً.

 

إرميـــا: ما هو؟

كيرلس: ألا ترى أنه إن تبعنا تعاليم القديسين[209] فإنه من المؤكد أن وصولنا إلى الحقيقة سيكون أسهل وسيقودنا هذا إلى ما يسّر الله وإلى معرفة ما أُوحى به عن الابن بواسطة الروح القدس؟

 

إرميـــا: ماذا يعنى هذا؟

كيرلس: يعنى أن الابن هو الله بالحقيقة حسب الطبيعة. ولهذا فإن المطوّب بولس قد قال عن الله الآب: ” الله ابو ربنا يسوع المسيح الذي هو مبارك إلى الأبد يعلم أنى لا أكذب[210]. وبعد ذلك مباشرةً يكرّم الابن ويمجده بنفس الكلام وبدون أى تردد لأنه يعرف أنه هو الله الحقيقى حسب الطبيعة فيقول لليهود: ” فإنى كنت أود لو أكون أنا نفسى محرومًا من المسيح لأجل اخوتى وأحبائى حسب الجسد الذين هم إسرائيليون ولهم التبنى والمجد والعهد والاشتراع والعبادة والمواعيد ولهم الآباء منهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد آمين[211].

[1] دائمًا ما يركّز آباء الكنيسة وخصوصًا ق. كيرلس على أن حياة الفضيلة هى ثمرة مباشرة لحياة الإيمان المستقيم. انظر على سبيل المثال: شرح قانون الإيمان (رسالة رقم 55) للقديس كيرلس، ترجمة د. موريس تاوضروس ـ د. نصحى عبد الشهيد، مركز دراسات الآباء. القاهرة 1996م. ص26ـ27.

[2] تث7:6.

[3] من أشهر كتابات ق. كيرلس الروحية هو كتاب السجود والعبادة بالروح والحق والذي يشرح فيه أهمية أن يُفهم ما جاء في كلمة الله في العهد القديم كمثال للعبادة بالروح والحق ويمثل نفعًا كبيرًا لحياتنا الروحية وسوف نشير إلى هذا الكتاب في الهوامش، ولقد ترجم الباحث جورج عوض سبعة مقالات منه عن اليونانية ونشرها المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية بالقاهرة، في خمسة أجزاء 2001، 2002، 2003، 2004، 2006م.

1 يتبع ق. كيرلس هنا نفس تعبير ق. أثناسيوس ونص مجمع نيقية 325م. انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين. المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، فصل 58. وهنا يكرر ق. كيرلس كثيرًا، هذا التعبير الهام. انظر ص9، 14، 15، 48، 68، 80. وأيضًا رسائل ق. كيرلس. المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية. الرسالة 17 ص 15.

[5] تث32:32.

[6] يكرر ق. كيرلس هنا ما سبق أن كتبه ق. أثناسيوس في وصف الآريوسيين الذين أنكروا ألوهية الابن ” ولكونهم مروجين للبدعة الآريوسية، فإنهم لا يضبطون ألسنتهم عن الكفر “. الرسائل عن الروح القدس للأسقف سرابيون. ترجمة د. موريس تاوضروس ود. نصحى عبد الشهيد. مركز دراسات الآباء 1994، الرسالة الثالثة: 5. ولقد أشار ق. كيرلس من قبل إلى الآريوسيين وأوضح تجديفهم بقوله “ولكنهم يتجنون على كلمة الحق حينما يقللون ـ بدون تقوى ـ من مجد الابن وينسبونه إلى طبيعة أخرى مختلفة عن طبيعة الآب؛ وهكذا يظهر الابن على أنه خارج جوهر الآب” حوار حول الثالوث: المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية سنة 1999 المقالة 1، 2 ص 56.

[7] مت34:12.

[8] لقد أشار ق. كيرلس إلى هذا المثل من قبل بقوله ” لنأخذ مثالاً وليكن طبيعة الشمس والشعاع الذي يخرج منها. ولا يمكن أن نطبق آلام الولادة والتمزق وخلافه على خروج الشعاع من الشمس، وهو كائن فيها رغم إشعاعه. وهكذا فالشمس تمتلك في طبيعتها الخاصة، شعاع النور الذي لا ينفصل عنها، لكنه يبدو بعد خروجه منها أن له فرادة خاصة به وأحيانًا يفكر البعض في الشمس نفسها ولكنهم لا يستطيعون أن يتخيّلوا جوهرها. ففي هذا الجوهر يوجد الشعاع ومن الجوهر يخرج الشعاع دون أن ينفصل الشعاع عن الجوهر، إلاّ أنه متميّز عنه، إذ أن الشعاع يخرج من الشمس إلى خارجها، ولهذا فمن العبث والمُضحك أن نتصور أن الشمس أقدم من الشعاع، وكأن الشعاع الخارج منها يجىء متأخرًا. ولا أعتقد أن إنسانًا حكيمًا وسليم العقل يفكر هكذا. فهذا التصور معناه أن الشمس غير موجودة بسبب أنها لا تمتلك النور موجودًا فيها. وهو الذي يجعلنا ندرك أنها موجودة. هكذا ترى أن الأمثلة المادية الملموسة لها قيمتها في صياغتنا للتعبيرات السليمة، فهى تعطينا إمكانية أن نعبّر عن المعانى الفائقة، دون أن تُفسد هذه التعبيرات معنى الميلاد الإلهى. حوار حول الثالوث، المرجع السابق ص 104. وكثيرًا ما استخدم القديس أثناسيوس تشبيه النور والشعاع الخارج منه لوصف العلاقة الجوهرية للابن بالآب. انظر: الرسائل إلى سرابيون عن الروح القدس. مركز دراسات الآباء 1994. الرسالة الأولى: 16، 19، 20، 30. الرسالة الثانية:2. المقالة الثانية ضد الآريوسيين: 35. وهذا الوصف يعنى أن الابن هو نور مشع من الآب. وهكذا نفهم نص قانون الإيمان “نور من نور” بعكس فهم “إشعاع” بمعنى نور مقتبس من نور آخر مثلما يأخذ السراج نوره من سراج آخر فيكون تعبيرًا عن الإنقسام والتجزئة في عالم المخلوقات، والتي لا وجود لها في= =طبيعة الله الثالوث. وفي موضع آخر يشدّد ق. أثناسيوس عن أن طبيعة الابن هى نفسها طبيعة الآب مستخدمًا نفس هذا الوصف فيقول ” إن الشعاع هو النور وليس ثانيًا بعد الشمس، ولا هو نور آخر، ولا هو ناتج من المشاركة مع النور، بل هو مولود كلي وذاتى من النور ومثل هذا المولود هو بالضرورة نور واحد ولا يستطيع أحد أن يقول إنه يوجد نوران، فرغم أن الشمس والشعاع هما اثنان إلاّ أن نور الشمس الذي ينير بشعاعه كل الأشياء هو واحد “. انظر المقالة الثالثة ضد الآريوسيين، مركز دراسات الآباء. القاهرة سنة 1994. فصل 4.

[9] انظر أيضًا ق. أثناسيوس “.. هكذا وإن كان الله أبًا فلابد أن يكون لمن هو ابن بالطبيعة ومن نفس جوهر الآب ” الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق. الرسالة الثانية:6. وأيضًا ” الابن مولود من الآب أى صادر من جوهره، ولأنه ابنه فلابد أن يكون له نفس الجوهر ” ق. كيرلس. حوار حول الثالوث. المرجع السابق ص49.

[10] أى علاقة حسب الطبيعة الواحدة الإلهية التي تربط الآب بالابن.

[11] ” إن الابن بسبب خصوصيته مع الآب وبسبب أنه المولود الذاتى لجوهر الآب، هو غير مخلوق بل من نفس جوهر الآب” ق. أثناسيوس الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق الرسالة الثالثة:1.

[12] الابن هو “المولود الأصيل لجوهر الآب ” ق. كيرلس. شرح إنجيل يوحنا. المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية ج5 ص 159.

3 يقصد الحوار الثانى من الحوارات السبعة والذي قام المركز بترجمته ونشره. انظر حوار حول الثالوث. المرجع السابق.

[14] تث4:6.

[15] تث39:32.

[16] إش4:41(س).

[17] يو3:17.

[18] حيث يُذكر ” نؤمن بإله واحد الله الآب ضابط الكل…”. والجدير بالذكر أن ق. كيرلس قد قام بشرح قانون الإيمان الذي أقره مجمع نيقية ـ القسطنطينية، في رسالة له موجهة إلى الرهبان (رقم 55). انظر  هامش 1 ص1.

[19] ” حيث إن الابن ليس بينه وبين المخلوقات أى مشابهة ” كما سبق أن أشار ق. أثناسيوس، انظر: الرسائل عن الروح القدس المرجع السابق. الرسالة الثانية:5 وأيضًا يقول عن الابن “فهو ليس من بين الأشياء المخلوقة”. المرجع السابق الرسالة الثالثة: 4.

[20] يؤكد ق. كيرلس هنا ما سبق أن ذكره ” ولست أدعى أننى سأقول شيئًا أفضل من الذي قاله أسلافنا أو أنى سوف أسبر غور الأمور الروحية بشكل أحسن، لأننا نجد كفايتنا فيما كتبه الآباء القديسون، لأن مَن يقرر أن يتعرّف بحكمة على الآباء ويستخدم كتاباتهم بالحرص الواجب فسوف يسكن النور الإلهى في عقله “. حوار حول الثالوث. المرجع السابق ص17. ويوضح ق. أثناسيوس أهمية الحرص على الإيمان المسلّم مرة بالتقليد والذي يتطابق مع ما جاء في الكتاب المقدس فيكتب في نهاية رسالته الأولى إلى الأسقف سرابيون عن الروح القدس ” .. بحسب الإيمان الرسولى المسلّم لنا بالتقليد مع الآباء فإنى قد سلّمت التقليد بدون ابتداع أى شئ خارجًا عنه، فما تعلمته بذلك قد رسمته مطابقًا للكتب المقدسة ” وعندما طلب منه الأسقف سرابيون أن يشرح له الآية ” من قال= =كلمة على ابن الإنسان يُغفر له أما مَن قال على الروح القدس فلن يُغفر له في هذا الدهر ولا في الدهر الآتى ” (مت31:12ـ32)، فقد فسر ق. أثناسيوس هذه الآية له في رسالته الرابعة والتي ختمها بالنصيحة التالية ” لقد كتبت هذا الشرح حسبما تعلّمت .. أما بالنسبة لك فأرجو أن تقبل هذا الشرح ليس كتعليم كامل وتام في ذاته بل كبداية تحتاج إلى أن تكملها معتمدًا على نصوص الأناجيل والمزامير. المرجع السابق.

[21] مر17:3.

[22] 1يو20:5.

[23] باروخ36:3ـ38.

[24] مز32:18(س).

[25] الطبيعة الثابتة والتي لا تقبل أى تغيير هى الطبيعة الإلهية. أما طبيعة باقي المخلوقات فهى قابلة للتغيير وتتصف بعدم الثبات.

2 أى كلمة “أب”، “ابن” حيث إن الأب لابد أن يلد ابنًا له نفس طبيعته.

[27] بحسب نص قانون الإيمان النيقاوى ـ القسطنطينى.

[28] يوضح ق. أثناسيوس حقيقة ألوهية الابن المتجسد بكونه مختلف في جوهره عن كل المخلوقات وبأن له ما لله الآب فيقول: [ وحيث إنه غريب عن المخلوقات حسب الجوهر، ولكونه الكلمة الخاص بالآب وهو لا يختلف عنه وحيث إن كل ما للآب هو له، فذلك يقضى أنه من نفس جوهر الآب .. وهذا ما أدركه الآباء حينما اعترفوا في مجمع نيقية أن الابن مساو للآب في الجوهر ومن نفس جوهره. لقد تحققوا جيدًا أن الجوهر المخلوق لا يستطيع أن يقول ” كل ما للآب هو لى ” وبسبب أن وجود الجوهر المخلوق له بداية، فهو ليس كائنًا بذاته ولم يكن أزليًا، ولذلك فحيث إن الابن له هذه الخصائص وحيث إن كل الأشياء السابق ذكرها والتي للآب هى للابن، فمن الضرورى أن يكون جوهر الابن غير مخلوق بل هو من نفس جوهر الآب. لهذا السبب ـ فلا يمكن أن يكون جوهره مخلوقًا فهو يملك خواص الله، تلك الخواص التي له والتي بها يُعرف الله ]. الرسالة الثانية إلى سرابيون عن الروح القدس: المرجع السابق فقرة:5، ضد الآريوسيين. المرجع السابق 3:3.

[29] يمثل التعليم بعقيدة الثالوث، تعليمًا أساسيًا وجوهريًا في إيماننا المسيحى ولهذا فإن القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات يصف هذه العقيدة بأنها “رأس الإيمان”. ويقول ق. أثناسيوس في سياق دفاعه عن ألوهية الروح القدس وبالتالى دفاعه عن وحدة الثالوث وألوهيته قائلاً ” دعونا ننظر إلى تقليد الكنيسة وتعليمها وإيمانها الذي هو من البداية والذي أعطاه الرب وكرز به الرسل وحفظه الآباء وعلى هذا الأساس تأسست الكنيسة ومَن يسقط منه فلن يكون مسيحيًا ولا ينبغي أن يدعى كذلك فيما بعد وإذًا يوجد ثالوث قدوس وكامل ويُعترَف بلاهوته في الآب والابن والروح القدس”.= =انظر الرسائل عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون. مركز دراسات الآباء 1994. الرسالة الأولى: 28 ص82ـ83. انظر أيضًا: عقيدة الثالوث القدوس. في كتاب ” تعاليم عقيدية في الصلوات الليتورجية ” د. جوزيف موريس فلتس، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية. القاهرة 2004 ص 21ـ35. وأيضًا:

Trinity: in the encyclopedia of Early Christianity, second Edition, 1998, P 1143.

[30] يشدّد الآباء على أن الكنيسة في ممارستها لسر المعمودية باسم الثالوث، تعكس إيمانها بحقيقة ألوهية الأقانيم الثلاثة وهو إيمانها الواحد والذي على أساسه تُجرى المعمودية الواحدة والتي يسميها ق. أثناسيوس “طقس التكميل” والذي يتم به الإنضمام إلى الكنيسة ويقول: [ هذا هو إيمان الكنيسة الجامعة لأن الرب أسسها وأصلّها في الثالوث حينما قال لتلاميذه ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح الدس ]. الرسالة الثالثة إلى سرابيون عن الروح القدس، المرجع السابق فقرة 6. وأيضًا يقول ” فألوهة الثالوث واحدة وإيمان واحد وتوجد معمودية واحدة تعطى فيه وواحد هو التكميل “. الرسالة الثالثة إلى سرابيون عن الروح القدس، المرجع السابق فقرة: 7. والجدير بالذكر أن ق. أثناسيوس في محاربته لأفكار الآريوسيين الذين أنكروا ألوهية الابن كان قد حذّرهم من عدم جدوى سر التكميل أى المعمودية لأنهم ينكرون الابن وبالتالى ينكرون ألوهية الآب فيقول: [ أما هؤلاء الآريوسيون فإنهم يخاطرون بفقدان إتمام السر وأعنى به المعمودية لأنه إن كان إتمام السر يعطى باسم الآب والابن وهم لا يقرون بأي حقيقة بسبب إنكارهم للابن الذي هو منه، الذي هو مثله في الجوهر، منكرين الابن الحقيقي ويسمون لأنفسهم ابنًا آخر… ألا يكون طقس المعمودية الذي يتممونه فارغًا تمامًا وعديم الجدوى، إذ أن له مظهر خارجى، أما في الحقيقة فإنه ليس له شئ يعين على التقوى؟ لأن الآريوسيين لا يعمدّون باسم الآب والابن، بل باسم خالق ومخلوق .. فليس مَن يقول ببساطة “يا رب” هو الذي يُعطَى المعمودية بل هو ذلك الذي مع الاسم الذي يدعوه، عنده أيضًا إيمان مستقيم … ومع الإيمان المستقيم يأتى إتمام المعمودية ]. المقالة الثانية ضد الآريوسيين 42. كما أنه يستخدم نفس هذا التوجه الإيمانى في محاربته لأفكار “المحرفون” الذين أنكروا ألوهية الروح القدس فيقول: [ إن التكميل (المعمودية) الذي تحسبون أنكم تمارسونه ليس إنضمامًا تامًا إلى اللاهوت لأنكم تمزجون المخلوق باللاهوت وتضعون الخليقة مع الله الذي خلقها بكلمته الذاتى .. فمن هو الذي يوحّدكم بالله إن لم يكن لكم روح الله بل الروح الذي من الخليقة؟ .. لأنه إن كان الروح ـ كما تقولون ـ هو ملاك ومخلوق وفي نفس الوقت يحسب مع الثالوث، إذًا يكون ضروريًا، ليس لواحد فقط من الملائكة الذين خلقوا، أن يحسبوا مع اللاهوت،= =وبذلك لا يعود هناك فيما بعد ثالوث بل عدد لا يحصى في اللاهوت. وهكذا فإن طقس الإنضمام (المعمودية) الذي نكرر أنه يظهر أنه طقسكم، هو منقسم بين هنا وهناك وصار غير أكيد بسبب تقلبه ]. الرسالة الأولى إلى سرابيون عن الروح القدس، المرجع السابق: 29. ويتابع ق. أثناسيوس تعليمه عن الإيمان بالثالوث الواحد وعلاقته بالمعمودية على اسم الثالوث فيقول: [ لأنه كما أن الإيمان بالثالوث ـ المسلّم إلينا ـ يجعلنا متحدين بالله، وكما أن ذلك الذي يستبعد أحد أقانيم الثالوث ويعتمد باسم الآب وحده، أو باسم الابن وحده أو باسم الآب والابن بدون الروح القدس، لا ينال شيئًا بل يظل غير فعّال وغير مكتمل، هو نفسه وذلك الذي يفترض أنه ضمه (بالمعمودية)، هكذا ذلك الذي يفصل الابن عن الآب، أو مَن ينزل الروح إلى مستوى المخلوقات، فليس له الآب ولا الابن بل هو بدون إله، وهو أشر من غير المؤمن، ويمكن أن يكون أى شئ إلاّ أن يكون مسيحيًا لأن كما أن المعمودية التي تعطى الآب والابن والروح هى واحدة فإن الإيمان بالثالوث هو واحد ]. المرجع السابق. الرسالة الأولى:30.

[31] في محاولته لبيان “سر المسيح” الذي كانت أحداث وشخصيات العهد القديم ظلاً له، واستُعلن لنا بتجسد الابن الوحيد، أوضح ق. كيرلس في مجال شرحه لحادثة الطوفان وإلى مَن كان يرمز نوح وإلى أى شئ يرمز الفلك وإلى مَن تشير مقاييسه وأبعاده … الخ. فيقول ” إن هذه المقاييس تشير بكل وضوح إلى الثالوث القدوس الواحد في الجوهر وإلى أن الطبيعة الإلهية كاملة تمامًا “. ثم يشرح دلالات هذه المقاييس بقوله: [ انتبه إذًا إلى ما ورد في الكتاب المقدس بخصوص الثلاثمائة ذراع والتي ترمز إلى الكمال. لأن هذا كان طول الفلك لكن عرض الفلك الذي يبلغ خمسين ذراعًا يعبّر جيدًا عن وحدة الألوهة التي هى كمال الكمال فإن الخمسين هى سبع سبعات وتضاف إليهم وحدة واحدة لأن الطبيعة الإلهية هى واحدة. أما إرتفاع الفلك فلا يعلن لنا أى شئ آخر سوى هذه الألوهية، لأنه يصل إلى ثلاث عشرات وينتهى أيضًا إلى ذراع واحد الذي هو فوق الكل والأعظم. لأنه يقول “وثلثين ذراعًا إرتفاعه وتصنع كوا الفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق ” (تك16:6) أى بينما الثالوث القدوس هو ثلاثة أقانيم إلاّ أن له طبيعة واحدة إلهية، ولكننا إن كنا نقول إن الآب والابن والروح القدس ثلاثة أقانيم إلاّ إننا نؤمن بطبيعة واحدة وأنهم متحدون في جوهر واحد، وهذا ما أشار إليه بقوله ” وتكمله إلى حد ذراع من فوق”. حسنًا قد خلّصنا المسيح بالإيمان وأدخلنا إلى الكنيسة فهى كمثل فلك ندخل إليها لننتصر على خوف الموت وننجو من نيران هذا العالم لأن نوح البار ـ أى المسيح ـ سيكون معنا ]. انظر “جلافيرا” أى تعليقات لامعة: ترجمة الباحث جورج عوض إبراهيم، نُشرت بالكتاب الشهرى للشباب والخدام. المقالة الثانية على سفر التكوين، عدد يونيو 2004 ص19.

[32] وأيضًا نجد أن ق. أثناسيوس في رسائله إلى سرابيون عن ألوهية الروح القدس، يعلّق على أفكار الهراطقة بقوله: ” لأن هذا الذي سلّم إلينا بواسطة الإيمان لا يجوز لنا أن نقيّمه بمقاييس الحكمة البشرية. بل يسمع الإيمان لأن أى عقل يمكنه أن يفسر بإحكام، الأمور التي تعلو على الطبيعة المخلوقة، أى سمع يمكنه أن يدرك الأشياء التي لا يسوغ للبشر أن يسمعها أو ينطقوا بها “. مركز دراسات الآباء 1994، الرسالة الأولى: 17 ص62. ويعترض على توجيه الهراطقة للأسئلة حول حقيقة الثالوث الذي يجب عليهم أن يؤمنوا به أولاً كى يفكروا به فيقول ” إن توجيه مثل هذه الأسئلة عن الله يكون جرأة جنونية لأن الألوهة لا تُسلّم لنا بواسطة براهين كلامية بل بالإيمان مع التفكير بتقوى ووقار “. الرسالة الأولى: 20 ص68.

[33] التساؤل ليس فقط عن ماهية الثالوث بل وأيضًا عن كل الأمور العقائدية والإيمانية هو دليل على “عدم التقوى إذ يجب أن نسلّم بكل هذه الحقائق كما هى، أو كما سبق وأن كتب ق. كيرلس أيضًا أننا يجب أن لا نكون فضوليين أكثر من ذلك، وألاّ نجازف بالفحص المتهور لما تسلمناه بالإيمان. وذلك لأن الذي من الإيمان لا نسعى لامتلاكه بطرق أخرى .. وما يعتمد على البحث العقلانى ليس إيمانًا. فالإيمان الحقيقي بعيد كليةً عن كل محاولات بشريّة للتأكد من صدقه ” حوار حول الثالوث. المرجع السابق ص91ـ92. وفي هذا يقول أيضًا ق. هيلارى أسقف بواتيه بفرنسا (315ـ367م): ” نحن مضطّرون بسبب أخطاء الهراطقة والمجدّفين لأن نعمل ما هو غير مباح وأن نتسلق المرتفعات وأن نعبّر عن الأشياء التي لا ينطق بها وأن نتناول أمور محظورة. ومع أنه ينبغي علينا أن ننفذ الوصايا من خلال الإيمان وحده، عابدين الآب وساجدين للابن معه، وفرحين في الروح القدس فنحن مضطّرون لتوسيع قدرة لغتنا الضيّقة، للتعبير عن الحقائق التي لا توصف، كما أننا مجبرون بسبب تجاوزات الآخرين أن نتجاوز نحن في محاولة محفوفة بالمخاطر، حين نضع في كلام بشّرى ما كان يجب أن يُحفظ في عقولنا برهبة مقدسة… إن خيانتهم قد جرّتنا إلى هذا الموقف الخطير والمريب، حيث قد تعيّن علينا أن نضع عبارات محدّدة تذهبنا أبعد ممّا قد وصفته السماء عن أمور سامية للغاية ومخفيّة في الأعماق “. عن الثالوث 2:2، 5. The father of the church, the  

Catholic University of America Press Washington, p.c. vol. 25. p. 36.            

[34] توصف الطبيعة الإلهية بأنها طبيعة بسيطة وغير مرّكبة، فالطبيعة البسيطة غير قابلة للإنقسام لأن التركيب هو بداية الإنقسام. انظر أيضًا هامش 3 ص25.

[35] يو8:14.

[36] يو9:14ـ10.

[37] يو30:10.

[38] انظر عب3:1. في سياق رده على الذين يخلطون بين صفتى “الخلق” و “الولادة” في الطبيعة الإلهية البسيطة، استخدم ق. كيرلس هذه الآية وتسآل قائلاً: ” كيف يمكن أن نعتقد أن الابن هو رسم المجد الذي لا يُعبّر عنه وبهاء جوهر الله الآب، إن لم يكن يمتلك إمتياز كونه مولودًا، أو إن كانت ولادته مجرد كلمات جوفاء أو إن كان مختلفًا في طبيعته عن الآب وبذلك يُحسب ضمن المخلوقات؟ وفي هذه الحالة ما الذي يمنعنا من أن نحسب الآب أيضًا ضمن باقي المخلوقات، ونضطر نتيجة لذلك أن نعتبر الآب مثل باقي الكائنات التي تخضع للتغيير مادام صورته ورسم جوهره خاضعًا أيضًا للتغيير “. حوار حول الثالوث. المرجع السابق ص85. ويقول أيضًا: ” إن أزلية الابن مشهود لها من الآب إذ هو مولود من الآب أزليًا بالطبيعة “. ويستشهد بنفس الآية السابقة لإثبات ذلك ويعطى مثل الشمس والشعاع لإيضاح هذه الحقيقة انظر حوار حول الثالوث المرجع السابق ص103ـ104.

[39] 1كو28:15.

[40] أف23:1.

[41] يو16:1. يرى ق. كيرلس في هذه الآية ما يوضّح إختلاف طبيعة الابن عن طبيعة باقى المخلوقات وأنها تثبت ألوهيته فيقول: ” نحن نأخذ من ملئه والطبيعة الإنسانية التي وجدت أنها= =تحتاج إلى كل شئ تأخذ من ملئه. من ملء الابن كما من الينبوع الأصلى وعطية النعم الإلهية تتدفق على كل نفس تستحق أن تأخذ. وإذا كان الابن يعطى من ملء طبيعته، فالخليقة هى التي تأخذ. فكيف يمكن أن يعتقد أحد أن الخليقة لها ذات المجد الذي للابن. فهو يعلو الجميع بحسب طبيعته الخاصة ويفوق الكل بكرامة كيان أبيه “. شرح إنجيل يوحنا، إصدار مركز دراسات الآباء، القاهرة 1989، ج1 ص138. ويعود ق. كيرلس لإستخدام هذه الآية مرة أخرى. انظر ص73.

[42] وقد سبق ق. أثناسيوس أن استخدم ما جاء في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 13:13 ” نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله وبشركة الروح القدس مع جميعكم ” ويدلّل بهذا على ألوهية أقانيم الثالوث ووحدتهم في الطبيعة والفعل فيقول: ” لأن هذه النعمة الإلهية التي تعطى في الثالوث من الآب بالابن في الروح القدس، وكما أن النعمة المعطاة هى من الآب بالابن، هكذا فإنه لا يكون لنا شركة في العطية إلاّ في الروح القدس. لأننا حينما نشترك فيه تكون لنا محبة الآب ونعمة وشركة الروح نفسه. ويتضح مما سبق أن فعل الثالوث هو واحد. فالرسول لا يعنى أن ما يعطى، يعطى من كل واحد متنوعًا ومجزئًا “. الرسالة الأولى إلى سرابيون عن الروح القدس المرجع السابق30، 31.

[43] 2بط4:1 بمعنى أن نكون شركاء في عطايا ونعم ومواهب الروح القدس. في موضع آخر وفي دفاعه عن ألوهية الابن المتجسد، يتحدث ق. أثناسيوس عن علاقتنا بالابن والتي تتم عن طريق الروح القدس على أنها علاقة مع الابن وكلمة الله ذاته، مستخدمًا نفس هذه الآية لتدعيم تعاليمه. انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، فقرة 16.

[44] 1يو13:4.

[45] يشدّد ق. كيرلس على أن الروح القدس بسبب أنه رب وواحد في الجوهر مع الآب والابن، فإنه يعمل بسلطة بحسب طبيعته الإلهية وليس كخادم. وفي صلاة سر حلول الروح القدس في القداس الإلهى المنسوب لاسمه يقول ” وإرسل إلى أسفل من علّوك المقدس … روحك القدوس الكائن بالأقنوم، غير المستحيل ولا متغيّر الرب المحييّ … الفاعل بسلطة مسرّتك، الطهر على الذين أحبهم وليس كخادم ” الخولاجى المقدس. دير البراموس الطبعة الثالثة 2002 ص467. وفي شرحه ليوحنا 25:14ـ26 يقول: ” فالروح لأنه يعرف ما هى مشورة الابن الوحيد فهو يخبرنا بكل شئ، وهو لا يأخذ هذه المعرفة بالتعلّم لكى لا يبدو أنه يشغل رتبة الخادم الذي ينقل كلمات آخر بل هو روحه، وإذ يعرف ـ دون تعلّم ـ كل ما يخص ذلك الذي هو منه وهو كائن فيه، فإنه يعلن الأسرار الإلهية للقديسين “. وأيضًا يكرر نفس هذه الحقيقة، لكن من جهة علاقة الآب بالروح القدس فيقول في شرحه ليوحنا 15:16 ” كل ما للآب هو لى “: [ الله الآب له روحه الذاتى من ذاته وفي ذاته أى الروح القدس الذي بواسطته يسكن في القديسين ويعلن لهم أسراره ـ لا كأن الروح يمارس مجرد وظيفة خدمة ـ بل بالحرى لأنه هو فيه جوهريًا ومنبثق منه بغير إنفصال ولا إنقسام وهو يفسر ما هو خاص بذلك الذي هو كائن فيه والذي منه يصير ـ وهذا ما هو يخصه أيضًا هو نفسه ـ لأن الله له إتحاد بالخليقة، فقط بواسطة ابنه في الروح وهذا الروح يخص الابن الوحيد لأنه واحد معه في الجوهر ]. انظر مقال “الروح القدس عند القديس كيرلس” د. نصحى عبد الشهيد، ضمن كتاب “الروح القدس عند الآباء”. مركز دراسات الآباء 1994. ويؤكد ق. أمبروسيوس نفس هذه الحقيقة الإلهية بقوله: [ وبكل يقين الروح القدس ليس خادمًا بل شاهدًا للابن، وهذا ما يقوله الابن نفسه ” هو يشهد لى ” (يو26:15) فالروح شاهد للابن والشاهد يجب أن يعرف كل شئ لأن الله الآب هو أيضًا شاهد ]. كتاب الروح القدس. مؤسسة القديس أنطونيوس 1983 الكتاب الأول ص24.

[46] كثيرًا ما استخدم الآباء تشبيه الشمس وأشعتها لإثبات وحدة الجوهر الإلهى للآب والابن. انظر على سبيل المثال: القديس أثناسيوس، تجسد الكلمة، ترجمه عن اليونانية وتعليقات د. جوزيف موريس فلتس، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، طبعة ثالثة 2004 الفصل 32 فقرة3 ص 90ـ91. انظر أيضًا المقالات ضد الآريوسيين إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، المقالة الأولى فقرة 13، 25. المقالة الثانية فقرة 33. المقالة الثالثة فقرة 15:5. الرسائل عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية 1994: الرسالة الأولى 16، 19، 20، 30. ” الآب نور والابن شعاع ونور حقيقي الآب إله حقيقي والابن إله حقيقي “. الرسالة الثانية: 2. القديس غريغوريوس النيسى: ضد أفنوميوس، الكتاب الثامن P.G 45. 773B

[47] سبق القديس أثناسيوس أن وصف الذين يحاربون الروح القدس وينكرون ألوهيته بأنهم ” لم يدركوا أنه كما لا يجوز أن نفصل الابن عن الآب محافظين على الإيمان الصحيح بإله واحد، هكذا أيضًا فإنهم إذ يفصلون الروح عن الكلمة لا يحتفظون بعد بالإيمان بألوهية واحدة في الثالوث لأنهم يمزقون الألوهة ويخلطون معها طبيعة غريبة ومن نوع مغاير” المرجع السابق. الرسالة الأولى: 2.

[48] سكنى الروح القدس في الذين تعمدوا يدل على ألوهيته، انظر شاهد رقم 1 ص 11.

[49] 2بط4:1.

[50] أكد ق. أثناسيوس هذه الحقيقة الإلهية مدافعًا عن ألوهية الروح القدس ـ كما كان قد سبق فدافع عن ألوهية الابن المتجسد ـ وذلك ببيان كل ما أتمه الابن والروح القدس (إذ هما واحد في الجوهر) لأجل البشرية، الأمر الذي لم يكن في مقدور أى من الخلائق عمله. وفي رسائله عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون يقول: ” وإن كنا بالإشتراك في الروح نصير شركاء الطبيعة الإلهية فإنه يكون من الجنون أن نقول عن الروح القدس من طبيعة المخلوقات وليس من طبيعة الله. وعلى هذا الأساس فإن الذين هم فيه، يتألهون وإن كان هو يؤله البشر، فلا يتبقى أن يشك في أن طبيعته هى طبيعة إلهية، وفي نفس الموضع يقول: ” فلو كان الروح القدس مخلوقًا، لما كان لنا إشتراك في الله بواسطته، فإن كنا قد اتحدنا بمخلوق فإننا نكون غرباء عن الطبيعة الإلهية حيث إننا لم نشترك فيها”. انظر الرسائل عن الروح القدس المرجع السابق. الرسالة24:1. وواضح هنا تأثر ق. كيرلس بهذه التعاليم.

[51] يو23:14. يستشهد ق. أثناسيوس بهذه الآية للدفاع ليس فقط عن ألوهية الابن المتجسد بل وأيضًا عن ألوهية الروح القدس فيقول: ” فالمواهب التي يقسّمها الروح لكل واحد تُمنح من الآب بالكلمة.= =لأن كل ما هو من الآب هو من الابن أيضًا. إذًا فتلك الأشياء التي تعطى من الابن بالروح هى مواهب الآب. وحينما يكون الروح فينا، فالكلمة الذي يعطى الروح يكون أيضًا فينا، والآب موجود في الكلمة وهكذا يكون كما قال ” سنأتى أنا والآب ونصنع عنده منزلاً “. الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق. الرسالة الأولى: 30.

[52] هنا يدافع القديس كيرلس عن ألوهية الابن بكونه ضمن الأقانيم الثلاثة لله الواحد ويقول بأننا لا نؤمن أن الآب والابن إلهين لكن إله واحد وفريد يُعبد في ثالوث مقدس، وكان ق. أثناسيوس قد سبق ودافع بالمثل عن ألوهية الروح القدس ضد الذين أنكروا أنه رب وإله وبالتالى فقد جعلوا أقانيم الله الواحد اثنين وليس ثلاث ولهذا وجه لهم ق. أثناسيوس السؤال التالى: [ وإذًا فحيث إن الكنيسة لها أساس الإيمان، قليقل لنا أولئك الناس مرة أخرى وليعطوا جوابًا هل الله ثالوث أم اثنان؟ فإذا كان اثنين فعليكم أن تحسبوا الروح من بين المخلوقات. وبهذا يكون إيمانكم ليس إيمانًا بالله الواحد ” الذي على الكل وبالكل وفي الكل ” ] (أف6:4) المرجع السابق. الرسالة الأولى: 29.

[53] وقد سبق القديس أثناسيوس وأكد هذه الحقيقة بقوله ” لأنه كما أن الآب هو الكائن الذي يكون، هكذا أيضًا الكلمة هو الكائن والإله على الكل. والروح القدس ليس بدون وجود حقيقي بل هو يوجد وله كيان فعلى. وليس بأقل من هؤلاء الثلاثة تعتقد الكنيسة الجامعة “. المرجع السابق: الرسالة الأولى إلى سرابيون: 28.

[54] سبق أن وصف القديس كيرلس الطبيعة الإلهية بأنها “طبيعة بسيطة” انظر هامش1 ص14. وهنا يُضيف لها صفة مرادفة وهى أنها “غير مركبة” لأن التركيب هو بداية الإنقسام وهو عكس البساطة. =وفي موضع آخر يعطى نفس هذا الوصف بأن: ” الجوهر الإلهى بسيط وغير مركب ” وذلك في سياق رده الذي يوضح أن الابن هو كلمة الله الآب فيقول: ” نحن نؤمن بأن الثالوث القدوس المسجود له جوهر واحد رغم جنون الهراطقة الذي يمنعهم من الإيمان. ووحدة الجوهر تفترض وجود مساواة في الخصائص الطبيعية بين الأقانيم. فإذا عدنا إلى إفتراض الهراطقة الذي يتوهم وجود كلمة في الآب غير الابن الكلمة، فإن المساواة تفترض أيضًا وجود كلمة ذاتى في الابن طالما أن الابن مثل الآب في كل شئ وهو صورة جوهره ورسم أقنومه (عب3:1) وأيضًا الروح القدس فيه كلمة ذاتى طالما أن الروح القدس مساوٍ للآب والابن. وهذا يعنى أن الثالوث صار سداسيًا. وأصبحت الطبيعة الإلهية مركبة. وهذا مستحيل فالجوهر بسيط غير مركب، لا يوجد فيه إلاّ ثلاثة أقانيم ولا يوجد وسيط بين كل أقنوم وآخر، بل هو جوهر واحد للثالوث القدوس لا اختلاط فيه بين الأقانيم “. شرح إنجيل يوحنا، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، القاهرة 1989، ج1 ص53.

[55] كثيرًا ما أجمع آباء وكتّابها على نفس هذا التفسير. انظر على سبيل المثال: رسالة برنابا (كتبت ما بين 70م وسنة 138م). ق. يوستين المدافع والشهيد (+161): الحوار مع تريفو فصل 62. العلاّمة ترتليان: ضد ماركيون الكتاب الخامس: 12. ق. إيريناؤس: ضد الهرطقات. الكتاب الرابع في المقدمة وأيضًا فصل 20. ق. يوحنا ذهبى الفم. العظة الثانية على سفر التكوين. ويقول ق. أمبروسيوس: [ إن الآب يعلن أن الابن مساوى له وهو يعمل معه في الخلق في قوله ” لنخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا ” وهذا يعنى أن الآب والابن والروح القدس لهم جوهر واحد لأن “صورتنا وشبهنا ” تعنى وحدة القوة الإلهية للثالوث ] الروح القدس للقديس أمبروسيوس. المرجع السابق الكتاب الثانى ص9. انظر أيضًا:

  1. Mel. Wilson, st. Andrews: The Early History of the Exegesis of Gen. 1.26. in studia Patristica. Vol 1. 1957. P. 420-437.

[56] تك 26:1.

[57] تك27:1. في موضع آخر يوضح ق. كيرلس معنى أن الإنسان قد خُلق على صورة الله وكشبهه فيقول: “إذن فقد قبلنا، أن الإنسان منذ البداية، قد خُلق وفكره يسمو فوق الخطايا والشهوات، لكنه لم يكن مُحصنًا تمامًا من الانحراف في اختياراته. لأن الخالق الأعظم للجميع، قد رأى حسنًا أن يترك الإنسان لإرادته المستنيرة ويسمح له أن يعمل ما يفكر فيه، وذلك بدافع نفسه فقط. بمعنى أن الفضيلة كان يجب أن تُتمم اختياريًا وليس كأمر إجبارى، وأيضًا ألاّ تكون الفضيلة موجودة بدون تغيير في صفات الطبيعة البشرية، لأن الثبات خاصية الجوهر الإلهى الذى هو فوق الكل ويفوق كل الأشياء. فالله قد خلق الإنسان ذلك الكائن الحى بطبيعة خاصة به كإنسان، مانحًا إياه غنى التشبه به. إذ قد رُسمت صورة الطبيعة الإلهية في الطبيعة البشرية بنفخة الروح القدس. وحيث إن الله هو الحياة ـ بحسب الطبيعة ـ لذلك فهو يعطى نسمة الحياة “. انظر السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة الباحث جورج عوض، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، ج1 ص28.

[58] تك7:11.

[59] هذه الحقيقة تخص الأقانيم الثلاثة لله الواحد وتثبت ألوهيتها. وقد سبق القديس أثناسيوس وعلّم في سياق دفاعه عن ألوهية الروح القدس بأن كل الخلائق تشترك فيه وأنه لا يمكن أن يفقد قداسته= =لأنه (أى الروح القدس) لا ينالها عن طريق الإشتراك ولكنه يملكها جوهريًا في ذاته وأيضًا يقول عنه: “فإن كان هو دائمًا كما هو ودائمًا يُشترك فيه، وإن كانت المخلوقات تشترك فيه، فالروح القدس لا يمكن أن يكون ملاكًا ولا مخلوقًا على الإطلاق بل هو خاص بالكلمة “. الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق. الرسالة الأولى: 27. وفي موضع آخر يتبع نفس المنهج لكن من جهة الابن فيقول: “وإذًا فإن ذلك الذي لا يتقدّس بواسطة آخر، ولا يأخذ القداسة بل هو نفسه الذي يُشترك فيه والذي فيه تتقدس كل المخلوقات، فكيف يمكن أن يكون واحدًا من بين الكل، أو يكون من خاصة أولئك الذين يشتركون فيه؟ لأن أولئك الذين يقولون هذا يلزم أن يقولوا إن الابن الذي به وُجدت كل الأشياء هو واحد من بين كل هذه الأشياء “. المرجع السابق: الرسالة الأولى: 23.

[60] غلا19:4.

[61] رو29:8.

[62] مز5:103.

[63] من جانب الذين يقلّلون من شأن الابن وعمله الإلهى. (المترجم)

[64] لأن الابن ـ في نظرهم ـ ليس مساويًا للآب في الجوهر. (المترجم)

[65] يدّلل ق. أثناسيوس على ألوهية الروح القدس بما يفعله في المؤمنين ويستشهد بالآية ” الذي فيه أيضًا إذا آمنتم ختمتم ” (أف13:1) وأيضًا ” لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء” (أف30:4) ويقول إن: ” المخلوقات تُمسح وتُختم فيه فلا يكون الروح مخلوقًا، لأن الذي يُمسح ليس مثل الذين يُمسحون “. وبسبب أن الابن أيضًا هو إله وواحد مع الروح القدس في الجوهر، فإن ق. أثناسيوس يقول: ” لأن المسحة أيضًا هى مسحة الابن حتى أن الذي عنده الروح يقول (نحن رائحة المسيح الذكية) ونتيجة لهذا فإن ” الختم يُعطى بصمة الابن حتى أن المختوم يكون صورة الابن “. المرجع السابق. الرسالة الثالثة: 3 ومن الجدير بالذكر أن ق. كيرلس استخدم في هذا السياق الآية:  ” يا أولادى الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم ” (غلا19:4) وهى نفس الآية التي سبق وأن إستند عليها ق. أثناسيوس لتوضيح تعليمه العقيدى هذا في تلك الرسالة.

[66] فيلبى7:3ـ8.

[67] يقول ق. كيرلس في موضع آخر: ” المصدر الذي لا يوجد قبله شئ هو الآب والذي وُلِدَ من هذا المصدر بالطبيعة ندعوه الابن “. حوار حول الثالوث. المرجع السابق ص63. وسبق أن علّم ق. أثناسيوس عن علاقة الابن بالآب بقوله ” فالابن يجب أن يُعترف به أنه ليس من خارج أبيه بل هو الذي ولده “. ضد الآريوسيين. المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، المقالة الثانية. فصل 14.

[68] انظر خر13:3.

[69] انظر خر33.

[70] انظر خر18:33ـ23.

[71] عن أن الابن قد أظهر طبيعة الآب كصورة مرسومة يقول ق. كيرلس في موضع آخر: ” لأننا نحتاج أولاً أن نتعلّم بقدر الإمكان ماذا يكون الابن بالطبيعة وهكذا فمن الصورة والرسم الدقيق جدًا= =ندرك الأصل جيدًا. لأن الآب يُرى في الابن وهو يظهر بصورة كاملة في طبيعة وليده الذاتى كما في مرآة … لأنه يلزم لرسم جوهره أن يكون مماثلاً له من كل جهة وبكل طريقة، لئلا يُفترض أن شيئًا آخر مغايرًا لما يكونه الآب (أى مغاير لجوهر الآب) يشع في الابن بصورة كاملة “. شرح إنجيل يوحنا ج4، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، القاهرة سنة 2000، ص35.

[72] يو6:17.

[73] يو19:8. عندما شرح ق. كيرلس هذه الآية في كتابه “شرح إنجيل يوحنا” ركّز على وحدة الجوهر بين الآب والابن واضعًا في إعتباره التعاليم الآريوسية التي أنكرت ألوهية الابن المتجسد ولهذا نجده يذكر صفة مَن ينادى بهذه التعاليم داعيًا إياه بـ ” الآريوسى محارب الله ” ويوضح ق. كيرلس أنه بسبب هذه الوحدة الجوهرية للآب والابن تصير معرفة وإدراك كل منهما عن طريق الآخر فيقول: ” لأنه حيث إننا نعرف الابن فإننا بواسطته نعرف ذاك الذي وَلَده، لأنه من خلال كل واحد منهما نصل إلى إدراك الآخر: فحينما يُذكر الآب يأتى ذكر وَليده بالتأكيد معه. وأيضًا مع معنى لفظ الابن يأتى اسم ذاك الذي وَلَده. ولذلك فالابن هو باب وطريق يقود إلى معرفة الآب “. شرح إنجيل يوحنا ج4، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، القاهرة سنة 2000، ص35. ولم يكتف ق. كيرلس بتوضيح هذه العلاقة الجوهرية بين الآب والابن، بل أنه جعل هذه العلاقة هى الأساس الضرورى لإدراك الثالوث (هذا التوجه نلاحظه هنا أيضًا في حواره حول هذه النقطة) فيقول:      ” كيف لا يلزم بالضرورة الآن أن نعترف أن الابن هو مثل الآب من كل جهة لكى بواسطته نعرف أيضًا ذلك الذي وَلَده كما قلنا قبلاً، صاعدين من الصورة إلى الأصل ويصير ممكنًا لنا أيضًا أن ندرك الثالوث القدوس إدراكًا صحيحًا وبلا لوم “. المرجع السابق ص36.

[74] كان القديس أثناسيوس سابق للقديس كيرلس في دفاعه عن ألوهية الابن، وتوضيح أن معرفة الله تأتى فقط من خلال الإيمان بالمسيح، لهذا كان يركّز في تعاليمه على عقيدة تجسد ابن الله والفداء الذي قدّمه للبشرية وهذا يستلزم الإيمان السليم بألوهية السيد المسيح وإنسانيته معًا، وذلك في مقابل الفكر الآريوسى الخاطئ الذي كان يحاول أن يلغي حقيقة الفداء وأهميته، فلو لم يكن السيد المسيح هو الله بالحقيقة ـ كما أن الآب هو الله بالحقيقة (بسبب وحدتهما في الجوهر ÑmooÚsioj ) ـ لما كان في الإمكان أن يفدى البشرية من الموت والفساد. ولو لم يكن الابن هو الإله الذي تجسد، لما كان ممكنًا أن يشركنا في طبيعته الإلهية. انظر: كتاب تجسد الكلمة. ترجمه عن اليونانية د. جوزيف موريس فلتس. المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، الطبعة الثالثة 2004 المقدمة ص14ـ15.

[75] يع12:4.

[76] 1تيمو16:6.

[77] يو6:14.

[78] مت27:5.

[79] يو22:5. ظن المعارضون أن هذه الآية تدل على أن الابن أقل من واضع الناموس والديّان وأنه غير أبدى منكرين بذلك ألوهيته. ويعطى ق. كيرلس المعنى الحقيقي لهذه الآية بقوله: [ وها هو المسيح يقول ” إن الآب قد أعطى كل الدينونة للابن ” ليس كأن الابن كان بلا سلطان حتى الآن، بل تدبيريًا كإنسان، معلّمًا أنه من المناسب أكثر أن تُنسب كل الأشياء إلى الطبيعة الإلهية إذ هو أيضًا ليس خارجًا عن الآب لأنه هو الكلمة وهو الله الذي له السلطان في ذاته على الكل ]. شرح إنجيل يوحنا، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، القاهرة 1995، ج2 ص106.

[80] إر16:23.

[81] انظر هامش 2 ص7.

[82] مز20:9.

[83] مز6:2.

[84] يوئيل5:1.

[85] لم يفسر الهراطقة كلام وأفعال المسيح له المجد على أنها تتناسب مع الاخلاء ولهذا فقد نادوا بتعاليم أنكرت ألوهيته.

[86] يشدّد الآباء ومنهم ق. أثناسيوس أيضًا على أهمية البحث عن الشخص الذي تتكلّم عنه الآية وزمان كتابتها والموضوع العام الذي يكتب من أجله الكاتب. انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، فقرة 54. ولقد اتبع ق. كيرلس نفس هذا المنهج الآبائى في تفسير النصوص لهذا يعلّق على الآية ” فإذ كان يسوع قد تعب من السفر وجلس (يو6:4) بقوله: ” إن التمييز بين النصوص أمر هام جدًا لنا لأن هذا يقودنا إلى تمييز الأزمنة والأوقات “. حوار حول الثالوث. المرجع السابق ص30.

[87] تث18:18.

[88] غلا24:3.

[89] في سياق تفسيره لمعجزة شفاء الأبرص وقول المسيح له بأن لا يقول لأحد بل يمضى ليُرى نفسه للكاهن ويقدّم عن تطهيره كما أمر موسى، يقول ق. كيرلس إنه من خلال هذه المعجزة ” يمكننا أن نرى بوضوح تام أن المسيح يفوق ناموس موسى بما لا يقارن ” وأن هذه الخدمة تثبت أنه إله. انظر: تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس، ترجمة د. نصحى عبد الشهيد. إصدار مركز دراسات الآباء سنة 1990، ج1 ص116.

[90] إش6:50.

[91] بمعنى أنه لم يكن ملكًا بالطبيعة وبالتالى إحتاج أن يُمسح ملكًا من آخر. (المترجم)

[92] انظر هامش رقم 4 ص39.

[93] يذكر ق. كيرلس نفس هذه الحقيقة في إطار شرحه لما جاء في سفر العدد. انظر أيضًا شرحه لما جاء في إنجيل لوقا 21:2ـ24 عن ختان المسيح حيث يقول: “حينما كان الابن حاضرًا بيننا،  فرغم أنه هو بالطبيعة الله ورب الكل فإنه لا يحتقر حالتنا بسبب ذلك، بل يُخضع نفسه معنا لنفس مشرّع الناموس، رغم أنه كإله كان هو نفسه مشرّع الناموس”. تفسير إنجيل لوقا، إصدار مركز دراسات الآباء، مايو 1990، ج1 ص42.

[94] في موضع آخر يشرح ق. كيرلس بالتفصيل أن الخليقة قد إستنارت بالابن وذلك في إطار شرحه للآية ” والحياة كانت نور الناس، والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه ” (يو4:1ـ5)، وفي شرحه هذا يشدّد أيضًا ـ كما يفعل هنا ـ على وحدة الجوهر بين الآب والابن ويورد أحد عشر برهانًا ودليلاً على هذه الحقيقة وعلى أن طبيعة الابن ليست كطبيعة المخلوقات. انظر شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس، إصدار مركز دراسات الآباء. يناير 1989، ج1 ص73ـ87.

[95] سبق القديس أثناسيوس واستخدم تشبيه النور وأشعته التي تضئ كل المكان ليثبت أن الابن غير مخلوق بل أن الآب قد خلق كل شئ به. انظر المقالة الثانية ضد الآريوسيين الفصل 31:18، الطبعة الثالثة، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية 2004.

[96] يشدّد آباء مجمع نيقية على ألوهية الابن المتجسد وعلى أنه من ذات جوهر الآب وذلك باستخدام تعبير ” نور من نور ” في نص قانون الإيمان. انظر أيضًا ق. كيرلس، شرح إنجيل يوحنا، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية ج1 ص74. انظر أيضًا هامش رقم 2 ص 3.

[97] 1كو20:9ـ21.

[98] عب1:1.

[99] تث6:1.

[100] مت18:5.

[101] مت35:24.

[102] إش6:52.

[103] أو كما عبّر الآباء في مجمع نيقية ـ القسطنطينية بقولهم عن الابن بأنه ” .. وأيضًا يأتى في مجده ليدين الأحياء والأموات “.

[104] يع12:4.

[105] انظر 1تيمو16:6.

[106] يو25:11.

[107] انظر 1تيمو16:6.

[108] يو21:5. وفي شرحه لهذه الآية من إنجيل يوحنا يؤكد ق. كيرلس نفس المعنى بقوله: ” أترون أيضًا أنه في تلك الكلمات برهانًا ساطعًا على معادلته للآب. لأن مَن يعمل بالمساواة من جهة إقامة الموتى، كيف يمكن أن يكون أقل؟ أو كيف يكون من طبيعة أخرى وغريبًا عن الآب وهو الذي يشّع بنفس الخصائص؟ لأن القدرة على الإحياء التي في الآب كما هى في الابن، هى خاصية للجوهر الإلهى، لكن الآب أيضًا لا يُحيي بعض الناس منفصلاً عن الابن ومن ذاته أو أن الابن يُحيي البعض الآخر منفصلاً ومنعزلاً عن الآب، إذ أن الابن له الآب في ذاته بالطبيعة، والآب يفعل كل شئ ويعمل كل شئ بالابن. لكن طالما أن الآب لديه قوة الإحياء في طبيعته ذاتها، هكذا الابن نفسه أيضًا، ينسب قوة إقامة الموتى، وكأنها تخص كلا منهما على حدة “. شرح إنجيل يوحنا، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1995، ج2 ص105.

[109] يو57:6. عندما يتعرّض ق. كيرلس لشرح هذه الآية من إنجيل يوحنا فإنه يبدأ بالقول: ” معنى هذا النص غامض، تغلفه صعوبة ليست بقليلة، لكنه ليس عسر الفهم تمامًا إذ يمكن إدراكه وفهمه من قِبَل أولئك الذي اختاروا أن يفكروا باستقامة “. شرح إنجيل يوحنا، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1998م، ج3 ص159. ولهذا فإنه يجتهد لتوضيح المعنى الحقيقي لها وما يحويه من تعاليم عقائدية تثبت ألوهية الابن ومساواته في الجوهر لله الآب. ومن الملاحظ أيضًا أنه إمتد في شرحه لهذه الآية كى يعلّم ليس فقط بوحدة الجوهر للآب والابن ضد الفكر الآريوسى، بل أيضًا كى يثبت= =عقيدة الثالوث الأقدس الواحد في الجوهر فيقول: ” إن الطبيعة الإلهية هى واحدة تُدرك في الآب والابن والروح القدس لا بشكل إنقسامى متعدد يعمل كل منهم بمفرده ما ينبغى أن يتم من أمور لكن ما يقال إنه تم بواسطة واحد منهم هو عمل الطبيعة الإلهية كلها. لأنه لَمّا كان الثالوث القدوس واحدًا فيما يخص وحدانية الجوهر، فإن قوته هى قوة واحدة بالكامل من جهة كل شئ. لأن كل شئ هو من الآب بالابن في الروح “. المرجع السابق ص160. ومن الجدير بالذكر أنه رغم أن موضوع الكتاب الذي ننشره اليوم هو حوار حول الثالوث، إلاّ أن القديس كيرلس لم يتطرق إلى عقيدة الثالوث، أى وحدة الجوهر الإلهى والثلاثة أقانيم، عندما أشار إلى هذه الآية، بالرغم من أنه في استخدامه لآيات أخرى من إنجيل يوحنا كان قد تعرّض لهذه العقيدة الهامة. انظر على سبيل المثال ص27.

[110] يضع ق. كيرلس على لسان إرميا كلامًا يعبر أحيانًا عن رأى المعارضين (انظر كيرلس ص37). ومن هذه الآراء أن الابن ليس له حياة في ذاته بل يستمدها من الآب وبالتالى فهو أقل من الآب، ودليلهم على هذا قول الابن ” أنا حيّ بالآب “. وفي موضع آخر يشير ق. كيرلس صراحة أن هذا ما يفكر فيه المعارض، فيقول: [ لكن معارضنا قد يجيب مرة أخرى: وبأية كيفية أخرى يكشف الابن عما يكونه بالطبيعة أو كيف يظهر بوضوح أن الآب أعظم إلاّ بقوله ” أنا حيّ بالآب”؟ لأنه إن كان الآب هو مُعطي الحياة للابن، فمن ذا الذي يندفع في مثل هذه الحماقة فلا يدرك بالتمام أن مَن يشترك في الحياة لن يكون بالطبيعة هو نفسه الحياة أو يكون قديرًا على الإحياء؟ ]. شرح إنجيل يوحنا، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1998، ج3 ص160ـ161.

[111] في فصل كامل من كتابه “شرح إنجيل يوحنا” يشدّد ق. كيرلس على أن الآية “فيه كانت الحياة” يو4:1 تعنى أن الابن هو بالطبيعة الحياة ولذلك هو غير مخلوق وأنه من نفس جوهر الآب ويدلّل ببراهين تسعة على ألوهية الابن إذ هو واهب الحياة. انظر ج1 إصدار مركز دراسات الآباء. القاهرة 1989، فصل 6 ص67ـ72.

[112] سبق أن شرح يوستين المدافع والشهيد (+ 161م) طريقة ولادة الابن من الآب باستخدام تشبيه النار والحرارة الناشئة عنها. انظر حواره مع تريفو: 61.

3 استخدم ق. كيرلس نفس هذا التشبيه في سياق البراهين العديدة التي أوردها لإيضاح حقيقة وحدة الجوهر للآب والابن. انظر شرح إنجيل يوحنا. المرجع السابق ج1. الفصل الثالث. البرهان 22. ص40.

[114] في إطار شرحه ليوحنا 57:6 ” كما أرسلنى الآب الحيّ وأنا حيّ بالآب” يتكلم ق. كيرلس بلسان الابن المتجسد ويقول: ” وحيث إننى أنا الكلمة، ووُلدت حياة من ذلك الذي هو بالطبيعة حياة.. ولأننى الحياة بالطبيعة لأننى من الآب الحيّ “. انظر شرح إنجيل يوحنا، إصدار مركز دراسات الآباء، القاهرة 1998، ج3 فصل 3 ص159.

[115] 1يو20:5.

[116] في9:2. ويُلاحظ أن القديس كيرلس كان قد إستخدم نفس هذه الآية في سياق تعليقه على رؤية زكريا وأنه شاهد وزنة رصاص قد رُفعت (زك5:5ـ11) يقول ق. كيرلس: ” وزنة الرصاص هى المسيح نفسه الذي رُفع بالصليب ونراه يشّع بمجد الألوهية لأن الله رَفّعه عاليًا وأعطاه اسمًا فوق كل =اسم “. انظر كتاب السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة الباحث جورج عوض إبراهيم، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، يوليو 2002 الجزء الثانى المقالتان الثانية والثالثة. ص61.

[117] هذا هو اسلوب الهراطقة دائمًا في استخدام النصوص المقدسة. ولقد كشف القديس أثناسيوس نفس هذا الأسلوب الذي اتبعه الآريوسيون. انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، الفصل الثالث والفصل الحادى عشر. ومن الجدير بالذكر أن لفظ هرطقة ليس عربيًا بل يونانيًا من الكلمة “هيرسيس” a‰resij بعد أن تم نقل كل أحرفها اليونانية إلى أحرف عربية أو ما يسمى بـ Transliteration والمعنى الحرفي للكلمة اليونانية هو من معنى الفعل a„ret…zw الذي يعنى أختار أو أنتقي. ولذلك فإن لقب هراطقة أُطلق على الأشخاص الذين كانوا ينتقون أو يفتشون عن كلمات من بين النصوص المقدّسة كى تخدم أفكارهم التي لا تتفق مع إيمان الكنيسة المستقيم.

[118] إنشغل ق. أثناسيوس من قبل ببيان التفسير المستقيم لهذه الآية بالتفصيل وموضحًا ألوهية الابن المتجسد وأن إعطاؤه اسمًا لا يعنى أنه غير مساو للآب في الجوهر. انظر المقالة الأولى ضد= =الآريوسيين، مركز دراسات الآباء، فصل 11 ص74ـ87 ولقد اتبع ق. كيرلس نفس هذا التفسير وتأثر به.

[119] في6:2ـ11. سبق أن استعان ق. كيرلس بالجزء الأول من هذه الآيات (6، 7) في الرّد على الآريوسيين الذين قالوا إن الابن هو من طبيعة متوسطة بين الله والبشر لأنهم فهموا قول بولس الرسول “يوجد وسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع” (1تيمو5:2)، وذلك بطريقة خاطئة، لهذا نجد أن ق. كيرلس يقول: [ إن  الرسول يحدّد على ما أعتقد، أن الفترة الوحيدة التي تتناسب مع الوساطة هى الأزمنة الأخيرة، والتي فيها حسب كلام الرسول “الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد”. ورغم أنه الإله والرب فلكى يُرجعنا بواسطة ذاته لله الآب ولكى يصالح الكل حسب المكتوب “عاملاً الصلح بدم صليبه سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات” لكى يصنع ذلك كله، توسط كإنسان. ولهذا يقول بولس ” نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله وذلك بالإتحاد بشخص المسيح. ولأن طبيعة الإنسان لا تحتمل أن تستوعب مجد الله في حالته الأولى قبل التجسد، فقد لبس الابن الوحيد لأجلنا ولأجل منفعتنا جسدنا ـ وتشبهّه بنا ]. حوار حول الثالوث، الجزء الأول، المرجع السابق ص32.

[120] في بداية مقالته الأولى ضد الآريوسيين الذين أنكروا ألوهية الابن المتجسد، أوضح القديس أثناسيوس الإيمان الصحيح عن الابن الوحيد بقوله: ” ها نحن إذًا نتحدث بحرية عن الإيمان الصحيح النابع من الكتب الإلهية، ولنضع هذا الإيمان كسراج على المنارة فنقول: ابن حقيقي حسب الطبيعة للآب ومن نفس جوهره وهو الحكمة وحيد الجنس وهو الكلمة الحقيقي لله وهو ليس مخلوقًا ولا مصنوعًا، ولكنه مولود حقيقي من ذات جوهر الآب ولهذا فهو إله حق إذ أنه واحد في الجوهر ÐmooÚsioj مع الآب الحقيقي “. انظر الفصل الثانى فقرة 9.

[121] انظر 2كو5:10.

[122] يو6:14.

[123] يو35:10ـ36.

[124] هذه الآية نفسها استخدمها القديس أثناسيوس في سياق دفاعه عن ألوهية الروح القدس ليدافع عن ألوهية الابن، لأنه إن لم يكن الابن هو الله لما كان روحه أيضًا هو الله إذ يقول: [ لكن إن كان البعض (من المخلوقات) قد دعى آلهة، فذلك ليس بحسب الطبيعة بل بحسب إشتراكها مع الابن،= =لأنه هكذا قال هو نفسه ” إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله “. ومن أجل هذا فلأنهم ليسوا آلهة بالطبيعة، فإن بعضهم قد يعانى التغيير (إذ هى مخلوقة) في وقت ما، ويسمعون القول “إنى قلت أنكم آلهة وبنو العلى كلكم، لكن مثل الناس تموتون ” (مز6:81، 7س) هكذا كان ذلك الذي سمع ” أنت إنسان لا إله ” (خر9:28) أما الابن فهو إله حقيقي مثل الآب لأنه هو في الآب والآب فيه]. الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق، مركز دراسات الآباء 1994 الرسالة الثانية:4.

[125] الفعل “½n” في اللغة اليونانية هو صيغة الماضى لفعل الكينونة “يكون” “ e‡nai” .

[126] 1كو5:8ـ6. سبق أن استخدم ق. أثناسيوس هذه الآية لإثبات ألوهية الروح القدس فيقول: [ إذا كان الابن هو كلمة الله فهو واحد كما أن الآب واحد، لأنه ” يوجد إله واحد الذي منه جميع الأشياء … ورب واحد يسوع المسيح ” لذلك يُقال ويكتب عنه أنه ” الابن الوحيد ” وأما المخلوقات فهى كثيرة ومتنوعة: ملائكة، رؤساء ملائكة، شاروبيم، رئاسات سلاطين وغير ذلك كما سبق أن قلنا. وإذا كان الابن ليس من الكثيرين لكنه واحد، كما أن الآب واحد وهو ليس مخلوقًا فبالضرورة (لأنه ينبغي أن نأخذ من الابن معرفتنا عن الروح) لا يمكن أن يكون الروح مخلوقًا، لأنه ليس من بين= =الكثيرين، بل هو نفسه واحد ]. الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1994. الرسالة الثالثة: 3.

[127] غلا6:4. إستخدم ق. كيرلس نفس هذه الآية، انظر ص62.

[128] سبق وأن رد ق. أثناسيوس على الآريوسيين الذين أنكروا ألوهية الروح القدس أيضًا، وبالتالى فإنهم علّموا بأن الثالوث قابل للتقسيم، وكان قد علّم بأن الثالوث غير قابل للتقسيم وأورد الكثير من آيات الكتاب المقدس التي تثبت تعليمه ومنها قوله: [ كما أن المسيح ابن حقيقي، فإننا عندما نأخذ الروح “نصير أبناء” لأن الكتاب يقول ” إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا لخوف بل أخذتم روح التبنى ” (رو15:8). وإن كنا بالروح قد صرنا أبناء فواضح أننا في المسيح ندعى أولاد الله لأن ” كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله ” ]. الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق. الرسالة الأولى: 19. وفي موضع آخر من نفس الرسالة يقول عن الابن أنه ” يوّحدنا الآب بواسطة الروح الذي فيه “. فقرة 24. انظر أيضًا المقالة الثالثة ضد الآريوسيين: 20.

[129] يو12:1.

[130] يؤكد ق. كيرلس هذه الحقيقة عندما يشرح هذه الآية في مجال شرحه لإنجيل يوحنا فيقول: [ إذ حيث إنهم قبلوا الابن نالوا السلطان أن يُعدّوا من أولاد الله فالابن وحده هو الذي يعطى بحسب ما يخص طبيعته ليكون في سلطانهم أن يصيروا أبناء الله جاعلاً ما يخصه مشتركًا وعامًا بينهم ليكون هذا صورة طبيعة محبته للإنسان وللعالم. وليس هناك وسيلة أخرى غير هذه تجعلنا نحن الذين لبسنا “صورة الترابى” نهرب من الفساد إلاّ إذا ختمنا بجمال صورة السمائى (1كو49:15) بدعوتنا إلى البنوّة لأننا عندما نشترك فيه بالروح القدس القدس نُختم لنكون مثله ونصعد إلى الصورة الأولى التي أخبرتنا الكتب المقدسة بأننا خلقنا عليها (تك27:1) ]. شرح إنجيل يوحنا، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1989، ج1 ص124. وفي موضع آخر من شرحه لنفس الآية يقول: [ إذًا هو الابن بالحق وبالطبيعة ونحن صرنا به أبناء أيضًا وننال الخيرات بالنعمة دون أن تكون هذه الخيرات من طبيعتنا ]. المرجع السابق ص125.

[131] غلا6:4.

[132] لقد إعتمد آباء الكنيسة المعلّمين في تحديد العقيدة وصياغتها ـ وعلى عكس الهراطقة ـ على الإعلان الإلهى الذي تسلّمته الكنيسة من الرب نفسه وعاشته في تقليدها المقدس الذي عبّرت عنه نصوص الكتاب المقدس. لمزيد من التفاصيل انظر د. جوزيف موريس فلتس: الآباء والعقيدة. المنشور في دورية دراسات آبائية ولاهوتية، مركز دراسات الآباء، يناير 1998 السنة الأولى العدد الأول ص17ـ27.

[133] يو10:14. لقد فنّد القديس كيرلس الهرطقات التي أنكرت ألوهية الابن والتي نادت بأن الابن ليس هو الله بالطبيعة وبأنه أقل من الآب، وذلك بتقديمه براهينًا كثيرة بلغ عددها (22) في مقدمة شرحه لإنجيل يوحنا. ولقد مثّل الشاهد يو10:14 البرهان الأخير من هذه البراهين فيقول: [ لقد قال المخلّص إنه في الآب والآب فيه وواضح لكل أحد أن هذا لا يعنى وجود جسد في جسد آخر أو وعاء في وعاء، وإنما الصواب أن الواحد يعلن الآخر. لأن كل منهما في الآخر في الجوهر نفسه غير المتغيّر وله ذات الطبيعة الإلهية الواحدة غير المتغيّرة. ولعل أقرب تشبيه هو أن يشاهد إنسان وجهه في مرآه ويندهش من التطابق التام لدرجة أنه يقول ” إنى في هذه الصورة وهذه الصورة فيّ” أو مثلما تقول حلاوة العسل حينما توضع على اللسان ” الحلاوة في العسل والعسل فيّ ” أو مثل الحرارة الصادرة من النار كما لو كانت تقول ” أنا في النار والنار فيّ “. وكل هذه الأشياء التي ذكرناها هى متمايزة في الفكر، ولكنها واحد في الطبيعة، وكل واحد يصدر من الآخر بدون إنقطاع وبدون إنفصال، حتى إن كان يبدو أن ما يصدر كأنه ينفصل عن الشئ الذي هو موجود فيه. ورغم أن معنى الأفكار الخاصة بهذه الأشياء تأخذ هذا الشكل، ولكن لايزال الواحد منها يظهر في الآخر، وكلاهما واحد بحسب الجوهر. ” الإنسان والصورة، الحلاوة والعسل، الحرارة والنار ” وعلى نفس القياس فبسبب عدم تغيير الجوهر، والدقة في تعبير الصورة عن الأصل فإننا نفهم أن الآب في= =الابن. فكيف يمكن والحالة هذه أن يقال أن الآب أعظم أو أن الابن أقل. فإذا كان الآب في الابن والابن في الآب فهذا يعنى أن الكامل في الكامل أى في الابن الذي يستطيع أن يحتوى الكامل وهو الصورة المعبّرة للآب ضابط الكل ]. شرح إنجيل يوحنا، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1989م، ج1 ص40.

[134] لابد أن تَفوق طبيعة مَن يُقدِّس طبيعة من يتقدس وبالتالى فالابن لأنه هو الله وواحد مع الآب في الجوهر فإنه يُقدِّس مَن يكون فيهم. وقد استخدم ق. كيرلس هذا البرهان المُقنع في سياق حديثه عن ألوهية الروح القدس وأن طبيعته الإلهية تختلف عن طبيعة ملكى صادق الذي اعتقد البعض أنه هو الروح القدس فيقول: ” فإن قلنا إن الروح يقوم بالخدمة الكهنوتية (ويقصد ملكى صادق) فإنه يكون أقل من الطبيعة الإلهية ويكون بالحرى من ضمن المخلوقات، ويسجد معها لله، ولا يُقدِّس ذاته لأن الذي يُقدس هو أسمى ولا يحتاج أن تتقدس طبيعته من آخر “. انظر جلافيرا (تعليقات لامعة). ترجمة الباحث جورج عوض إبراهيم، المقالة الثانية عن سفر التكوين. نُشرت بالكتاب الشهرى للشباب والخدام، ديسمبر 2004.

[135] هذا بالطبع هو فكر الهراطقة غير المستقيم. فالحقيقة أن الابن هو ـ مثله مثل الآب ـ قدوس حسب طبيعته. وفي موضع آخر وفي سياق شرحه لملابس هرون الكهنوتية وعلاقتها “بسر المسيح” فإن ق. كيرلس قد فسّر عبارة “قدس للرب” المكتوبة على صفيحة من ذهب على عمامة هارون، بأنها هى عبارة تخص الابن المتجسد غير أنها لا تصفه بأنه محتاج للقداسة إذ هو قدوس حسب طبيعته الإلهية ولا يحتاج إلى التقديس من آخر، إنما هى تعنى أن الابن قد عيّن خصيصًا وأُرسل إلى العالم لخلاص وتقديس البشرية. انظر السجود والعبادة بالروح والحق، المقالة الحادية عشر.

EPE. qes/nikh 1999. T. 132.

[136] سبق أن عالج ق. أثناسيوس نفس هذه القضية في مقالته ضد الآريوسيين الذين أنكروا ألوهية الابن وبالتالى بنوّته حسب الطبيعة للآب، وبالتالى عدم قدرته على أن يجعلنا ـ بقبول روحه ـ أبناءً لله الآب. انظر المقالة الثانية 51:2.

[137] تك26:1.

[138] وقد سبق أن تحدث القديس كيرلس عن الطبيعة الإلهية الواحدة في ثلاثة أقانيم وذلك في الجزء الأول من حوار حول الثالوث ص62ـ63، فقال: [ حينما نقول الطبيعة، فإنما نعنى كل الثالوث القدوس في الله الواحد، ولا نعنى كل أقنوم على حدة، بينما حين نتناول البحث في ” الآب والابن والروح القدس ” فإننا لا نقصد كشف كل الطبيعة الإلهية بلا تمييز، ولكننا نبدأ بقدر الإمكان بتمييز الأقانيم كل أقنوم بحسب خاصيته، لنصل إلى إدراك وحدتهم الجوهرية، حسب طاقتنا ]. ويقول ق. أثناسيوس عن أهمية أن يكون التعليم اللاهوتى هو في الأساس تعليمًا عن الثالوث: ” فإذ كان التعليم عن الله كاملاً الآن على أساس فهمه كثالوث فهذه هى الديانة والعبادة الحقيقية والوحيدة وهذا هو الصلاح والحق. وهذا هو الواجب أن يكون هكذا دائمًا “. المقالة الأولى ضد الآريوسيين، مركز دراسات الآباء، القاهرة 2002. فقرة 18

[139] رو29:8. يكرر ق. كيرلس نفس هذه العبارة تقريبًا في إطار شرحه المفصّل لآية يو27:6 “الذي يعطيكم ابن الإنسان لأن هذا قد ختمه الله الآب ” ويدلّل على أن لفظ “ختمه” دليل على وحدة الجوهر للآب والابن. راجع شرح إنجيل يوحنا، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، ج3 فصل5.

[140] لمزيد من التعمق في هذه النقطة راجع:

The Image of God in Man according to Cyril of Alexandria by Walter J. Burghardt, Mary Land, 1957.

[141] في هذا الجزء يوضح ق. كيرلس ألوهية الروح القدس وذلك من خلال علاقته بالآب والابن حيث إن الأقانيم الثلاثة لهم نفس الجوهر الواحد هذا من جهة ومن جهة أخرى يوضح ألوهيته من خلال عمل الروح القدس كرب وإله فينا حيث يعطينا بهاء ومجد البنوّة ويقدّسنا. ومن الجدير بالذكر أن ق. كيرلس هنا يتبع نفس أسلوب وتعاليم ق. أثناسيوس في معالجة هذه القضية. راجع كتاب الروح القدس: الرسائل إلى الأسقف سرابيون الرسالة الثالثة.

1 انظر ق. أثناسيوس. الروح القدس. المرجع السابق، الرسالة 1:3.

[143] مت11:3.

[144] مت20:10.

[145] رو9:8ـ10.

[146] الإعتراف بألوهية الروح القدس أمر جوهرى في عقيدتنا المسيحية وهذا الأمر استدعى إنعقاد مجمع القسطنطينية 381م لمواجهة التعاليم التي أنكرت أن الروح القدس رب محيي وأنه واحد في الجوهر مع الآب والابن. ولأن الروح القدس هو روح الابن أيضًا فلم يكن غريبًا على الآريوسيين أن ينكروا أيضًا ألوهيته كما أنكروا ألوهية الابن وفي هذا يقول ق. أثناسيوس: ” إن هذا التفكير ليس غريبًا على الآريوسيين لأنهم أنكروا كلمة الله فإنه من الطبيعى أن ينطقوا بنفس التجديف ضد= =روحه”. انظر كتاب الرسائل عن الروح القدس إلى الأسقف سرابيون، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1994 رسالة 1 فقرة 2.

[147] 1يو13:4.

[148] تعرّض أقنوم الروح القدس وهو الأقنوم الثالث الأقدس لهجوم حاد من الهراطقة في القرون الأولى للمسيحية، الأمر الذي تصدى له آباء الكنيسة الكبار مثل القديس أثناسيوس والقديس ديديموس الضرير، والقديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس اللاهوتى، والقديس أمبروسيوس أسقف ميلانو. وبعد أن عبّرت الكنيسة في مجمعها المسكونى الثانى عن عقيدتها بألوهية الروح القدس جاءت النصوص الليتورجية كى تؤكد على الإيمان الثالوثى بالآب والابن والروح القدس. راجع   د. جوزيف موريس فلتس، تعاليم عقيدية في النصوص الليتورجية، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، الفصل الثالث: ألوهية الروح القدس، اكتوبر 2004 ص36ـ48.

[149] ورغم السهولة في التأكيد من خلال آيات الكتاب المقدس على أن الابن الوحيد له خصائص الله الآب، إلاّ أن الهراطقة قد أساءوا فهم وتفسير هذه الآيات الأمر الذي أدى بهم إلى إنكار ألوهية الابن. ولقد سبق للقديس أثناسيوس أن تناول كل الآيات التي أساء الآريوسيون فهمها وقام بشرحها حسب إيمان الكنيسة الذي تسلّمته بالتقليد وذلك في مقالات ثلاثة بعنوان ضد الآريوسين، وهى المقالات التي نشير إليها باستمرار في هوامش هذا الكتاب إصدار مركز دراسات الآباء. ولقد إعتمد ق. كيرلس ـ كما جاء في المقدمة ـ على هذه المقالات في كتابه هذا “حوار حول الثالوث” غير أنه استخدم آيات إضافية ـ كما يتضح من كلامه هنا ـ ليثبت بها حقيقة ألوهية الابن المتجسد.

[150] رو15:4ـ17.

[151] 1كو22:15.

[152] يو21:5. انظر الشاهد رقم 1 ص49 حيث أشار ق. كيرلس لنفس الآية.

[153] يو37:10ـ38. يعلّق ق. كيرلس على قول الرب ” أنا في الآب والآب فيّ ” (يو10:14) وأيضًا ” أنا والآب واحد ” (يو30:10) بقوله: ” إن ما يجعل الابن يقول هذا ليس فقط لأن الابن يرغب نفس الأمور كالآب وليس فقط لأنه يملك إرادة واحدة معه، بل ما يجعله هكذا هو أنه المولود الأصيل لجوهر الآب. فهو يقول إنه يريد ويتكلّم ويملك نفس فاعلية الآب وبسهولة ينجز ما يريد مثلما يفعل الآب وهكذا يُعترف به من كل ناحية أنه من نفس الجوهر مع الآب وهو ثمرة حقيقية لجوهره “. شرح إنجيل يوحنا، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، القاهرة 2003م، ج5 ص159. وكما إمتد تعليم ق. كيرلس عن وحدة الجوهر الإلهى للآب والابن إلى التعليم عن الأقانيم الثلاثة في الجوهر الواحد وذلك في تعامله مع الآية ” كما أرسلنى الآب الحيّ وأنا حيّ بالآب ” (يو57:6) (انظر هامش 2 ص35) نجده يقول في شرح (يو37:10ـ38): [ إن وحدة الجوهر= =تجعل الآب يُرى في الابن والابن يُرى في الآب … رغم أننا ندرك الثالوث القدوس على أنه قائم في أقانيم ثلاثة لأن الآب هو الآب وليس هو الابن وأيضًا الابن هو الابن وليس هو الآب؛ والروح القدس هو الروح (وليس هو الآب أو الابن) ومع ذلك فلا يوجد بينهم أى إختلاف بل هم في شركة ووحدة الواحد مع الآخر ]. انظر شرح إنجيل يوحنا، المرجع السابق ص158.

[154] يع17:1.

[155] مت35:9.

[156] مت8:10.

[157] يو16:1. انظر شاهد رقم 3 ص16 حيث استخدم ق. كيرلس نفس الآية. في إطار شرحه لإنجيل يوحنا وهنا يستخدمها ليثبت بها أن الابن ليس أقل من الآب بل هو واحد معه في الجوهر ويقول:   [ إذا كان الابن هو الملء ” لأن من ملئه نحن جميعًا أخذنا ” فما هو مكانه الحقيقي وهو أقل من الآب كما يدعون؟ لأن الأشياء المختلفة تمامًا لا يمكن مصالحتها ووضعها في وحدة. فكيف يكون الابن الملء وفي نفس الوقت أقل من الآب؟ ]. شرح إنجيل يوحنا، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1989م، ج1 ص29.

[158] وهذا ما تشدّد عليه الكنيسة أيضًا في صلواتها الليتورجية عندما يصلى الكاهن في لحن          H ¢g£ph’ قائلاً: ” محبة الله الآب ونعمة الابن الوحيد ربنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح، وشركة وموهبة الروح القدس تكون مع جميعكم “. انظر الخولاجى المقدس، طبعة دير البراموس 2002 ص323.

[159] 2كو14:13.

[160] يع17:1. يشدّد الآباء ومنهم أيضًا ق. أثناسيوس على وحدة العمل لأقانيم الثالوث الواحد في الجوهر فيقول في سياق إستشهاده بالآية ” نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة وشركة الروح القدس مع جميعكم ” (2كو13:13): [ لأن هذه النعمة والهبة تعطى في الثالوث من الآب بالابن في الروح القدس. وكما أن النعمة المعطاة هى من الآب بالابن، هكذا فإنه لا يكون لنا شركة في العطية إلاّ في الروح القدس ]. الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق، الرسالة الأولى: 31.

[161] يو22:20.

[162] عن وصف الهراطقة للابن ” بالخادم ” الذي لا سلطة له يقول ق. كيرلس: [ وعندما يسمع الهراطقة أن ” كل شئ به كان ” تأخذهم الحمى فيسرعون ويطلقون عليه اسم الخادم ويحلمون بأن الابن عبد وليس حر وعابد وليس الرب ]. شرح إنجيل يوحنا، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1989م، ج1 ص64. ويرّد على هذه الأفكار ويقول: [ وعندما يسمعون ” وبغيره لم يكن شئ مما كان ” لا يفكرون فيما يليق بعظمة وكرامة الابن. ولكن إذا كان الآب لا يخلق إلاّ بالابن أى بحكمته وقوته، والإنجيلى يقول لا شئ مما كان قد خُلق بدون الابن فإن النتيجة النهائية أن الابن الوحيد هو مجد الله الآب (لأنه يُمجد كخالق بالابن) لأن الابن يعمل كل شئ ويُحضر من العدم إلى الوجود كل الكائنات ]. المرجع السابق ص46. ويتابع ق. كيرلس في الصفحات التالية من نفس المرجع بطرق عديدة دحض هذه التسمية وهذا الوصف. هذا ولقد فنّد ق. كيرلس زعم المعارضين بأن الروح القدس أيضًا ليس هو الله إذ أنه حسب تعاليمهم يفعل فينا ملء الآب والابن كخادم. انظر ص19 من هذا الحوار وهامش (1) ص20.

[163] يورد ق. كيرلس عدة حقائق لإثبات ألوهية الابن وأنه ليس أقل من الآب. ومن هذه الحقائق إرساله الروح القدس لتقديس البشر فيقول في موضع آخر: ” إذا كان الابن أقل والآب أعظم فكل منهما بشكل مختلف يمنح لنا التقديس. يمنحه الابن بشكل أقل والآب بشكل أعظم. فماذا عن الروح القدس؟ هل سيعمل عملاً مزدوجًا: أقل مع الابن وأعظم مع الآب؟ والذين سوف يُقدَسون بالآب سوف يُقدَسون بشكل كامل. أما الذين سيُقدَسون بالابن سوف يقدّسون بشكل أقل. هذه غباوة عظيمة فالروح القدس واحد في كماله وفي تقديسه وهو يُعطىَ مجانًا من الآب بواسطة الابن طبيعيًا. فليس الابن أقل من الآب الكامل. بل هو يعمل كل شئ مع الآب وله الروح القدس روح الآب الذي وَلَده. وهو صالح وكامل وحر وله كيانه الخاص به مثل الآب تمامًا “. شرح إنجيل يوحنا، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1989م، ج1 ص31.

[164] هذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته (يو3:17). الإيمان بالمسيح يدخلنا إلى معرفة الله الآب وشركة الروح القدس الحقيقية وهكذا نعترف بأقانيم الثالوث المساوى في الجوهر. وهذا الإيمان يبعدنا عن ضلال تعدد الآلهة أو كما يقول ق. أثناسيوس: ” وإذًا يوجد ثالوث قدوس وكامل يُعترف بلاهوته في الآب والابن والروح القدس … وهو مساو وغير منقسم في الطبيعة وفعله واحد … وليس بأقل من هؤلاء الثلاثة تعتقد الكنيسة الجامعة لئلا تنزلق إلى أفكار اليهود المعاصرين الرديئة وإلى أفكار سابيليوس كما أنها لا تعتقد بأكثر من ثلاثة لئلا تتدحرج إلى تعدد الآلهة “. الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق. الرسالة الأولى: 28.

[165] تحدّث ق. أثناسيوس بالتفصيل عن ضلالات عبادات الوثنيين وما كانوا يفعلونه من أمور شائنة، انظر ق. أثناسيوس. الرسالة إلى الوثنيين. ترجمة القمص مرقص داود. مكتبة المحبة 1981.

[166] أف11:2ـ12.

[167] غلا8:4ـ9.

[168] يو18:3. يشرح ق. كيرلس هذه الآية موضحًا أهمية الإيمان بألوهية الابن المتجسد إذ أنه هو الذي يدين وهو الذي يعطينا ألاّ ندان فيقول: [.. يكشف الرب عن مدى فداحة وخطورة جريمة الكفر به، إذ هو الابن وهو الوحيد الجنس لأنه إن كان الذي يهان يستحق الإيمان به، فكم بالحرى يستحق الدينونة ذاك الذي يحتقره، بسبب تعديه الرهيب وهو يقول ” مَن لا يؤمن به قد دينَ إذ قد جلب على نفسه فعلاً الحكم العادل بالعقاب إذ يرفض عن وعى ذاك الذي يعطينا ألاّ ندان ]. انظر شرح إنجيل يوحنا، إصدار مركز دراسات الآباء، القاهرة 1995، ج2 ص27.

[169] 2كو19:5ـ20.

[170] مز91:119.

[171] مز6:95ـ7.

[172] يو27:10ـ28. يستشهد ق. كيرلس بهذه الآية هنا ليثبت وحدة الجوهر الإلهى للآب والابن وأن كل ما يعمله الآب يعمله الابن أيضًا كمخلّص. وفي موضع آخر يشرح هذه الآية ليثبت بها أيضًا ألوهية الابن واهب الحياة فيقول: [ وكونه يعطى حياته فهو بيّن أنه هو “الحياة” بطبيعته وأنه يهب هذه الحياة من نفسه لا كمَن ينالها من آخر ]. شرح إنجيل يوحنا، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، القاهرة 2003م. ج5 ص149.

[173] مت37:9ـ38.

[174] لو17:3.

[175] غلا24:5.

[176] رو9:8.

[177] انظر مز56:119.

[178] رو1:1.

4 1كو12:9.

[180] رو15:15ـ16.

[181] 2كو4:6.

[182] 2كو23:11.

[183] 1كو31:10.

[184] أف27:5.

[185] لاويين 10:26ـ12.

[186] عب5:3ـ6.

[187] رو11:8ـ12.

[188] يقصد بقول الكتاب: ” الذي لم يشفق على ابنه“، حيث إن النص اليونانى يَرِد به تعبير ابنه الخاص أو الذاتى “ ƒdiÕu Uƒoà “.

[189]  هذا التعبير “ابنه الذاتى أو ابنه الخاص” سبق أن إستعمله وكرره كثيرًا ق. أثناسيوس وذلك في إطار دفاعه عن ألوهية الابن. وهنا يتضح أيضًا تأثر ق. كيرلس بتعاليم ق. أثناسيوس وبكتاباته وحتى بسؤاله وبتعجبه ممن يقول إن الابن غريب عن جوهر الآب عندما كتب ق. أثناسيوس: [ متى إذًا كان الله موجودًا بدون ما هو خاص به ذاتيًا؟ أو كيف يظن أحد أن ما هو خاص به ذاتيًا هو غريب ومن جوهر مختلف ]. انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين، إصدار مركز دراسات الآباء، الطبعة الثالثة، القاهرة 2000 فقرة 19ـ20.

[190] مز6:82. يستخدم ق. كيرلس نفس هذا المزمور في شرحه للآية ” كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان (يو3:1) وذلك لإيضاح أن الابن هو بالطبيعة خالق مع الآب وهو من جوهر الآب فيقول: [ يذكر الإنجيلى الكرامة الإلهية الخاصة بالابن لكى يوضح بشكل أكيد أنه واحد في الجوهر مع الله الذي وَلَده وأن كل ما يخص الآب يخص الابن أيضًا ولذلك يجب أن نعتقد أنه الإله الحق، وليس كمَن نال لقب الألوهية التي تُعطى بالنعمة وحدها حسب الكلمات ” أنا قلت أنكم آلهة وبنى العلى كلكم ” أما هو فغير ذلك تمامًا، لأن كل شئ به كان ]. شرح إنجيل يوحنا ج1، مركز دراسات الآباء، القاهرة 1989م، ص60. وعندما يتعرّض لشرح المعنى الذي وصف به القديس يوحنا الابن بأنه ” النور الحقيقي ” فإنه يعود لإستخدام نفس المزمور السابق ليبيّن الفرق الجوهرى بين كون الابن هو النور الحقيقي وبين كون التلاميذ نورًا للعالم كما دعاهم الرب (مت14:5)، حيث إدعى المعارضون أنه لا يوجد فرق بين الابن وباقى المخلوقات ولقد أجابهم ق. كيرلس قائلاً: [ نحن أبناء الله بل دعينا آلهة في الأسفار الإلهية حسب المكتوب ” ألم أقل أنكم آلهة وبنو العلى كلكم ” هل يعنى هذا أن نتخلى عن كياننا ونرتفع إلى جو اللاهوت غير المنطوق به وأن نخلع الابن الكلمة من بنوّته ونجلس نحن في مكانه مع الآب ونجعل محبة الذي أكرمنا عذرًا للكفر؟ حاشا لله فالابن هو كائن غير متغيّر. أما نحن فبالتبنى صرنا أبناء وآلهة بالنعمة غير جاهلين مَن نحن، وعلى نفس القياس لا نؤمن أن القديسين هم النور أما النور الحقيقي … فهو الذي ينير كل إنسان آت إلى العالم ]. المرجع السابق ص103.

[191] كما نردد في قانون إيمان نيقية ـ القسطنطينية عن الابن ـ وكلمة الله أنه ” إله حق من إله حق “.

[192] تعبير [ ابنًا ذاتيًا (خاصًا) ] له مدلول لاهوتى عميق يوضّح ويشدّد على العلاقة الجوهرية للابن بالآب وقد شرح القديس أثناسيوس أبعاد هذا التعبير بإسهاب في مقالته الأولى ضد الآريوسيين فقرات 14ـ16.

[193] 1كو3:11.

[194] ربما كان القديس كيرلس هو الوحيد من بين آباء الكنيسة المعلّمين، الذي أعطى لهذه الآية مثل هذا التفسير الذي يشدّد به على وحدة الجوهر بين الآب والابن.

[195] يقصد أن المسيح له المجد إتخذ لنفسه طبيعة بشرّية مثل طبيعتنا البشرية تمامًا ما عدا الخطية وحدها.

[196] تك26:1.

[197] لقد أساء الآريوسيون فهم الآية ” بكر كل الخليقة ” كو15:1. وفسروها خطئًا على أن الابن وكلمة الله هو مخلوق. لهذا أعطى ق. أثناسيوس الشرح المستقيم لهذه الآية مدافعًا عن ألوهية الابن المتجسد موضحًا أنه ” دُعيّ بكر الخليقة ليس بسبب نفسه كما لو كان مخلوقًا ولا بسبب أن له علاقة ما من جهة الجوهر مع كل الخليقة، بل لأن الكلمة ـ من البدء ـ عندما خلق المخلوقات تنازل إلى مستواها حتى يتيسر لها أن تأتى إلى الوجود. لأن المخلوقات ما كان ممكنًا لها أن تحتمل طبيعته التي هى بهاء الآب الخالص. لو لم يتنازل بحب الآب للبشر ويعضّدها ويمسك بها ويحضرها إلى الوجود “. انظر الشرح المطوّل لهذه الآية في المقالة الثانية ضد الآريوسيين، مركز دراسات الآباء، القاهرة 2004 الطبعة الثالثة، فقرات 62ـ66.

[198] انظر التسبحة اليومية: ثيؤطوكية الأربعاء. وأيضًا ق. كيرلس: الجلافيرا: تعليقات على سفر التكوين. المقالة الثالثة.EPE. Tom. 3. s. 235

[199] يدافع ق. كيرلس بكل قوة عن عقيدة الكنيسة فيما يخص طبيعة المسيح الكلمة المتجسد وذلك ضد هرطقة نسطور الذي علّم بوجود طبيعتين منفصلتين وأنكر أن العذراء هى والدة الإله. انظر رسائل ق. كيرلس إلى نسطور ويوحنا الأنطاكى ثلاثة أجزاء، إصدار مركز دراسات الآباء. القاهرة 1988، 1989، 1995م.

[200] وفي موضع آخر من هذا الحوار عبّر ق. كيرلس عن إيمان الكنيسة بهذا بقوله: ” ونحن نرى أن الابن واحد من اثنين إذ فيه التقت الطبيعتان الإلهية والإنسانية معًا واتحدنا بشكل غير موصوف ولا يُعبّر عنه. وبكل تأكيد نحن لا نعنى أن كلمة الله قد تحوّل إلى الطبيعة الجسديّة الأرضية ولا الجسد تحوّل إلى طبيعة الكلمة … فكل منهما يبقـى في خصوصيته ولكنهما يعدان في وحدة تامة لا تنفصل “. المرجع السابق. الحوار الأول ص39.

[201] هذا ما كان يعلّم به آريوس وسجله في كتابه “ثاليا” أى المأدبة الأدبية وقد أورد ق. أثناسيوس بعضًا مما ورد في الثاليا في بداية المقالة الأولى ضد الآريوسيين فقرة 5.

[202] مت33:12.

[203] كانت من نتائج تجسد الابن وكلمة الله هو القضاء على الموت وعلى فساد الطبيعة البشرية وأن يعرّف البشر عن الإله الحقيقي، عن الله الآب. انظر ق. أثناسيوس. تجسد الكلمة، ترجمه عن اليونانية وتعليقات د. جوزيف موريس فلتس، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، فصل 7:15 ص45.

[204] 2كو14:2ـ15.

1 نشيد الأنشاد 3:1 (س).

[206] إش12:26ـ13س.

[207] يو27:14.

[208] رو7:1.

[209] إتباع تعاليم القديسين وأسفار الكتاب هو الذي يضمن سلامة الإيمان المسلّم مرة، ولهذا نجد أن القديس أثناسيوس يتسآل عن مصدر تعاليم الهراطقة بقوله: ” فمَن هو الذي سلّم هذه الأمور إليهم؟ ومَن هو الذي علّمهم؟ فبالتأكيد لم يتعلّموا هذا من أحد الأسفار الإلهية، بل من فيض قلوبهم خرج هذا الجنون “. الرسائل عن الروح القدس. المرجع السابق. الرسالة الثالثة: 5.

[210] 2كو31:11.

[211] رو3:9ـ5.

حوار حول الثالوث ج2 (الحوار الثالث) – القديس كيرلس الاسكندري