آبائياتأبحاثكتب

طبيعة متوسطة بين الله والبشر – الحوار الأول ج3 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

طبيعة متوسطة بين الله والبشر - الحوار الأول ج3 حول الثالوث - القديس كيرلس الاسكندري

طبيعة متوسطة بين الله والبشر – الحوار الأول ج3 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

طبيعة متوسطة بين الله والبشر - الحوار الأول ج3 حول الثالوث - القديس كيرلس الاسكندري
طبيعة متوسطة بين الله والبشر – الحوار الأول ج3 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

 

الحوار الأول

الابن أزلي مع الله الآب ومساوٍ له في الجوهر

إن الابن لا يمكن أن يكون من طبيعة متوسطة بين الله والبشر:

إرميــــا: وماذا لو أرادوا أن يقنعونا أن نفهم تعبير “من فوق” بطريقه تختلف عما قلته لنا توًا؟ مثلاً يمكن أن يقولوا إن “من فوق” تعنى أنه لا صلة له بالأرض ولا بالإنسانية، ولكنه من السماء أو أنه من طبيعة أخرى تسمو كثيرًا عن طبيعتنا؟ فماذا نقول لهم وأي إجابة نقدّم؟

كيرلس: وإذا قَبِلنَا أن الابن هو كما يقولون ويدّعون، فماذا تبقّى فيه من مجد نتأمله؟ أليس كل واحد من الملائكة القديسين “من فوق” ونحن نؤمن أنه يأتي إلينا من السماء؟ أليس الملائكة ـ العروش والرياسات والسيادات والسيرافيم ـ أسمى منّا بكثير على الأقل فيما يخص طبيعتهم؟ فإذا لم يكن للابن شئٌ أكثر من ذلك وقسناه بالمقاييس الطبيعية[1]، فهو كما يبدو ليَّ لن يختلف كثيرًا عن المخلوقات العاقلة التى تأتينا “من فوق” من وقت لآخر. أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ![2]. وفى هذه الحالة فإن المجد الإلهي سوف يكون مُضافًا إليه وليس من طبيعته، ويكون المسيح كاذبًا حينما يقول: “أنا هو الحق”. أين هو الحق وكيف يكون الحق كائنًا في مَنْ لا ينطبق عليه قول الأسفار المقدّسة الموحى بها؟ وما المعنى الحقيقي لما تقوله الأسفار المقدسة  من أن الابن ليس من هذا العالم؟

إرميـــا: دعني أكرّر أمامك ما يقولون، فإنهم يؤكدون أنه ليس مساويًا في الجوهر لله الآب ويُنزِلونه من الطبيعة الفائقة إلى أسفل، ولكنهم والحق يقال يعطونه مركزًا أسمى من باقي الخليقة، ويقولون إنه لا يشارك باقي المخلوقات في نفس الطبيعة. ولكنه يحتل مكانة متوسطة. وبكلام أخر فهو يتسامى عن مستوى الطبيعة، ولكنه لا يشارك الآب الذي وَلَده، في الجوهر، وفى نفس الوقت لا يمكن أن نحط من قَدْرِه ونحسبه مع المخلوقات.

كيرلس: إذا قرّروا أن يتكلّموا بوضوح وصراحة عن طبيعة الابن، فإنهم، بلا شك، سيقولون إنه ليس هو الله بالطبيعة، كما أنه ليس مخلوقًا؛ وبذلك فإنهم يبعدونه عن جوهر الله الآب كما يجعلونه أعلى من طبيعة الكائنات المخلوقة، هادمين بذلك ألوهيته. وأنا لا أرى كيف أنه طبقًا لهذا الرأي لا يُحسب ضمن المخلوقات؟

إرميـــا: لقد فهمت الأمر بشكل جيّد. وهم يستمرون فى الدفاع عن رأيهم قائلين إنهم إذا دعوه وسيطًا بين الله والناس فهذا لا يعنى أكثر من إنه وسيط بالمعنى الذي يريدونه.

كيرلس: وهل هناك غباء أكثر من ذلك لأن “أعدائنا أغبياء” حسب المكتوب[3]. فكم سيكون بعيدًا عن الأفكار الحكيمة أن يتصّور أولئك أنهم بإمكانهم هزيمة عقائد الحق وذلك باختراعات خيالهم، ولقد علّمنا القديس بولس الحكيم حقًا، بل وكل خورس القديسين أن نؤمن بأن الابن قد إتخّذ جسدًا أي صار مشابهًا لنا في كل شئ ما خلا الخطية. ولهذا فالقديسون يقدمّون لنا زوايا متعدّدة للدخول إلى هذا السّر العظيم، فأحيانًا نجدهم يقدّمون الابن الوحيد مرتفعًا عن طبيعتنا وفوق الخليقة وأحيانًا يقدّمونه آخذًا شكل العبد وقد تنازل عن كل أمجاد اللاهوت، ولكنه هو هو دائمًا وليس به تغيير ولا ظل دوران. ويقول عنه حامل الروح يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ[4].

إرميـــا: أي علاقة توجد بين هذه الأعماق وما يقولونه؟!

كيرلس: لا يجب أن نلجأ للكتب المقدّسة بنفسٍ رخوة[5]، إذ أنهم يفعلون ذلك ويحيدون عن الطريق المستقيم حتى يصلوا إلى التطرّف سواء يسارًا أو يمينًا. بينما إتباعنا للطريق الملوكي يُوجب علينا ويعلّمنا ألاّ ننحرف لا يمينًا ولا يسارًا. ولنلاحظ كيف أنهم بسبب فقدان البصيرة يتركون أنفسهم للانقياد بأهوائهم دون أن يفحصوا أيّ من آيات الكتب المقدّسة تتحدّث عن اللوغوس في حد ذاته، أي قبل التجسّد، وأي آيات تتحدّث عنه بعد أن تَشَبه بنا.

ولكن ربما يعتقدون أنه لا يجب أن نأخذ هذه الأمور فى الاعتبار، وعلينا أن نقبل كل المكتوب بدون فحص. وأرجو أن يوضحّوا لنا ويعرفّوننا ماذا يمنعهم من قبول أن اللوغوس، كلمة الله المتجسّد يحتاج إلى الطعام وإلى الراحة وأنه يتعرّض للتعب: فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ هكَذَا عَلَى الْبِئْرِ[6]. وأكثر من ذلك حين نتكلّم عن موته، نَخلُص إلى أن التمييز بين هذه النصوص أمر هام جدًا لنا لأن هذا يقودنا إلى تمييز الأزمنة والأوقات[7].

إرميـــا: وكيف لا يكون هذا التمييز هامًا بل وهامًا جدًا؟

كيرلس: بل ويجب التمييز أمام كل العالم بين الأقوال الإلهية التي تقال عنه بعضها عن بعض. فاسمع ما يقوله بولس عن طبيعته الإلهية الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ[8]. ومرة أخرى في موضع آخر يقول لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيٌَّ وَفَعَّالٌَ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ. وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا[9]. وهذه الآيات تخص الابن الوحيد قبل التجسد. وهناك آيات تقال عنه وهو مولود مثلنا في الجسد الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ، مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ[10].

إذا نظرنا لهذه الحقائق ألا نستنتج أن هناك اختلافًا في طبيعة الأمور؟؛ فنحن نسمع أن بهاء مجد الله الآب وختم جوهره ذاك الذي يحمل كل الأشياء بكلمة قدرته، الكلمة الحيّ، اللوغوس الحيَّ الفعال، بعد كل هذا المجد نسمع أنه قدَّم بصراخ شديد ودموع، طلبات وتضرعات لكي يَخلُص من الموت.

ولكن الرسول يقول “فى أيام جسده” أى أنه وهو كلمة الله، صار جسدًا حسب الكتب[11]، ولكنه لم يحلّ فى إنسان كما يحدث فى القديسين الذين يسكن فيهم (الكلمة) بالروح القدس. إذن هناك طريقتان للكلام عن الابن: فمن جهة يجب أن ننسب له كل ما لله بكونه هو الله، ومن جهة أخرى ننسب له كل ما يخصّنا لأنه صار مثلنا. ويجب أن نرفض كل خلط وعدم تمييز بين هذه الأمور لأن هذا ينفى الفهم الحقيقي للمعاني ويحجب عن عيوننا نصف حقيقة الجمال الإلهي.

إرميــــا: ما أروع هذه الكلمات.

كيرلس: فحينما نسميّه “الوسيط” يجب ألاّ نفهم أن هذا يحدّد ماهية جوهر الابن الوحيد. بل بالحري ينبغي أن تقود كل الأفكار إلى الخضوع للمسيح. وهكذا فليبعد كل فكر غير نقىّ كما هو مكتوب  هَادِمِينَ ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الله[12].

إرميــــا: هذا كلام حق، ولكن أيها الشجاع لنكتفِ بهذا فيما يخص هذا الموضوع. لأني لا أرى بعد ذلك مكانًا للشك وسأكون سعيدًا جدًا أن أتعلّم منك كيف نفهم طريقة الوساطة، وهذا الأمر سيفضح عدم التناسق في آراء الهراطقة الخادعة .

كيرلس: هيّا بنا إذا أردت ولنحصر الحديث في هذه النقطة . قبل كل شئ يجب أن نبدأ بفحص متى دَعَتَ الكتب المقدّسة الابن “بالوسيط”. فبولس يقوللأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ[13].

          وهكذا فالرسول يُحدّد، على ما أعتقد، أن الفترة الوحيدة التي تَتَناسب مع “الوساطة” هي الأزمنة الأخيرة، والتي فيها حسب كلام الرسول “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ[14]. ورغم أنه الإله والرَّب فلكى يُرجعنا بواسطة نفسه لله الآب، ولكى يصالح الكّل حسب المكتوب “وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاًالصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى الأَرْضِ امْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ[15] لكى يصنع ذلك كله، توّسط كإنسان. ولهذا يقول بولس نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ[16] وذلك بالاتحاد بشخص المسيح. ولأن طبيعة الإنسان لا تحتمل أن تستوعب مجد الله بحسب ما كان قَبِل التجسّد، لذلك فقد لبس الابن الوحيد لأجلنا ولأجل خلاصنا، جَسَدنَا وتشبّه بنا.

          وهكذا يُكْشَف لنا قصد الله الآب كما يُكشف للساجدين بالروح وليس للمتمسكين بظلال الحقيقة وليس للملتصقين بالناموس الذى لا يؤدى إلى الكمال. وهكذا ما دام “الله روح” فلنسرع نحن أيضًا لكى نعبده بالروح والحق. ألم يقل العظيم إشعياء لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ[17].

إرميــا: إن هذا كلام رائع، وإذا أردت أن تقنعنا نهائيًا بهذا الكلام فأذكر لنا بعض الأمثلة القديمة التى تشير إلى وساطة المسيح وسأكون ممنونًا لك.

كيرلس: دعنا نتوجّه إلى موسى العالم بالأسرار الإلهية ولنلاحظ أن أعماله وأقواله بكل ما تحمل من قوّة، هى عبارة عن أيقونة لوساطة المسيح، وهكذا يثبت صحة ما نتمسك به لأننى أعتقد أنه من الغباء[18] بمكان أن يترك الإنسان نفسه فى التقليل من شأن خصومه الذين صنعوا من لذتهم منهجًا فكريًا ويتناقضون مع الكتب المقدّسة، وبعد ذلك يترك نفسه يسقط فى نفس الأخطاء.

إرميــــا: الحق معك.

كيرلس: حينما خرج الإسرائيليون من أرض مصر بعد أن تخلّصوا من نير العبودية وحينما جاءوا إلى الجبل الذى يُسمّى جبل سيناء، رأى الله أنه حسن أن يعطيهم نواميس لكى يعرفوا ماذا عليهم أن يفعلوا. وأمرهم أن يجتمعوا أسفل الجبل وأن يغسلوا ثيابهم[19]، وبعد تطهّرهم يتقّدمون إلى رؤية الله غير المعتادة. وحينما تّم كل ذلك حسب أوامر موسى، نزل الربُّ على الجبل على شكل نار وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جدًا فكان صوت البوق يزداد اشتدادًا جدًا وموسى يتكلّم، وقاد موسى الشعب للقاء الله على الجبل.

          هذا هو المكتوب، والأمر هنا، حسب اعتقادي، أن موسى هو مثال (TÚpoj)[20] لوساطة المسيح. والمسيح الربّ نفسه يؤكد ذلك لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي[21] ونحن لا نأتي إلى الله الآب إلاّ بالمسيح، وذلك بأن نتطّهر من كل دنس عن طريق تغييّر ثياب عقولنا لنقتنى النقاوة التي في المسيح كما يأمرنا القول الإلهي: الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ[22]. وما غَسْلُ الثياب إلاّ تعبير عن قوّة الروح المُطِّهر. فإذا قُلتْ إن كل ذلك حق، فلابد أن تكون قد اقتنعت.

إرميـــا: بكل تأكيد.

كيرلس: لقد نزل الله على شكل نار وأظهر للناظرين إليه مجدًا ملموسًا وغير عادى، ولم يكن من السهل على الشعب أن يحتمل هذه الرؤية العينيّة، ولمّا خافوا وارتعدوا ترجّوا قائدهم، أعنى موسى، صارخين: تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ[23]، وهنا الأمر واضح، لقد طلبوا من موسى أن يصير “وسيطًا” لأنهم لم يكونوا يستطيعون أن يلقوا بأنفسهم أمام مجد الله فى ملء لاهوته.

          دعونا ننتقل الآن من هذه الإيقونة المضيئة التى لموسى إلى الأصل الذى هو المسيح الابن الوحيد، الذى إذ لم يشأ أن يأتى إلينا فى مجده الساطع الإلهى فإنه صار مثلنا (عندما تجسَّد)، وبهذا أصبح وسيطًا بين الله والناس من أجل أن يرّبى البشرّية على معرفة إرادة الله، وهكذا صار هو سلامنا كما تقول الكتب[24].

ولهذا فلست أكذب ولا أدّعى إذا ما قلت إن خدمة موسى إنما هى إيقونة لعمل المسيح. وأعتقد أنك تقدر أن تدرك ذلك بدون عناء. وفى ختام اجتماع بنى إسرائيل يقول سفر التثنية تَكُونُ كَامِلاً لَدَى الرَّبِّ إِلهِكَ. إِنَّ هؤُلاَءِ الأُمَمَ الَّذِينَ تَخْلُفُهُمْ يَسْمَعُونَ لِلْعَائِفِينَ وَالْعَرَّافِينَ. وَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ يَسْمَحْ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هكَذَا. يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ. حَسَبَ كُلِّ مَا طَلَبْتَ مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ الاجْتِمَاعِ قَائِلاً: لاَ أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِي وَلاَ أَرَى هذِهِ النَّارَ الْعَظِيمَةَ أَيْضًا لِئَلاَّ أَمُوتَ. قَالَ لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلَّمُوا. أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ[25]. ألا يوضّح ذلك بالصورة والمثال إلى أي مدى تحتاج البشرّية بسبب ضعفها إلى وسيط؟ ولك هنا أمر آخر يجب أن نلتفت إليه.

إرميــــا: ما هو هذا الأمر؟

كيرلس: حينما اقترب الشعب من موسى قالوا له “تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ نَمُوتَ، وهذا الأمر طلبوه في حوريب في يوم الاجتماع، عندما ظهر لهم الله على هيئة نار على جبل سيناء، وقد قَبِلَ الربّ كلامهم ورتّب الخالق حسب سابق علمه وساطة موسى كمثال لوساطة المسيح وقال “قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلمُوا. أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ”[26]. وهذا يعنى بوضوح ضرورة وجود وسيط لكي ينقل الوصايا الإلهية الآتية من فوق، ويُظِهر للشعب إرادة الله. ولا نحتاج إلى جهد كبير لنفهم أن هذه الأمور تنطبق على المسيح الذي صرخ بصوت مدوي قائلاً لأَنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ أَعْطَانِي وَصِيَّةً: مَاذَا أَقُولُ وَبِمَاذَا أَتَكَلَّمُ[27]. وأيضًا يقول الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ[28] ويقول عنه الحكيم يوحنا وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللَّهَ صَادِقٌ. لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكلاَمِ اللَّهِ[29]. والآن أيها الصديق المحبوب، هل ستقبل الحق الكامن في هذا الكلام أم سترفضه؟

إرميـــا: أرفضه؟! إطلاقًا لا …

كيرلس: إذن هذا هو ما قيل لنا عن موسى، هل تريد أن نؤكد شيئًا آخر علاوة على ما قيل لكي يشرح لنا وساطة الابن أم نترك هذا الموضوع ونتحدّث في موضوع آخر؟

إرميـــا: أيها الشجاع، أليس أحرى بنا أن نستفيد من الموضوع الذى بين أيدينا بدلاً من أن نفتح بابًا أخر للمناقشة، علمًا بأن لا شئ يمنعنا من ذلك؟

كيرلس: إذن سأوجّه حديثي في الاتجاه الذي سيروقك وأقول: نعرف إن قورح وداثان وأبيرام وُلِدوا من سبط لاوي ولكن القرعة كانت قد وقعت عليهم لا لكي يصيروا كهنة، لكن لكي يخدموا في خيمة الشهادة وكانوا لاويين، وهذا الأمر كان على قدر قامتهم. ولكنهم قد اشتهوا رتبة الكهنوت قبل الأوان ولم يقنعوا بالشرف الذي حباهم به الله، فاندفعوا إلى الأمام وأهاجوا الشعب على موسى وهارون وتكلّموا بكلام مّر ضد رجل مُسالم، وحينئذ عاقبهم القاضى العادل بأن هلكوا مع منازلهم حينما انفتحت الأرض وابتلعتهم هم و أولادهم  وبهائمهم ومقتنياتهم. وحينئذ قام بعض أتباعهم بغباء بالهجوم على موسى فاستدعوا غضب الطبيعة الإلهية عليهم، إذ قال الله لموسى وهارون “افْتَرِزَا مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الجَمَاعَةِ فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ فِي لحْظَةٍ! فَخَرَّا عَلى وَجْهَيْهِمَا… قَال مُوسَى لِهَارُونَ: خُذِ المَجْمَرَةَ وَاجْعَل فِيهَا نَارًا مِنْ عَلى المَذْبَحِ وَضَعْ بَخُورًا وَاذْهَبْ بِهَا مُسْرِعًا إِلى الجَمَاعَةِ وَكَفِّرْ عَنْهُمْ لأَنَّ السَّخَطَ قَدْ خَرَجَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. قَدِ ابْتَدَأَ الوَبَأُ. فَأَخَذَ هَارُونُ كَمَا قَال مُوسَى وَرَكَضَ إِلى وَسَطِ الجَمَاعَةِ وَإِذَا الوَبَأُ قَدِ ابْتَدَأَ فِي الشَّعْبِ. فَوَضَعَ البَخُورَ وَكَفَّرَ عَنِ الشَّعْبِ. وَوَقَفَ بَيْنَ المَوْتَى وَالأَحْيَاءِ فَامْتَنَعَ الوَبَأُ[30]. هل بعد كل ذلك يا إرميا تحتاج وساطة الابن الوحيد إلى شرح؟

إرميـــا: الأمر واضح و لكن في رأيي أنه يجب فحص مغزى هذا الحادث بأكثر دقة. ومَنْ غَيركَ أَقَدرْ على فعل ذلك ؟

كيرلس: ألا ترى أن هارون يشكّل منذ القديم صورة ومثالاً لكهنوت مخلّصنا. هارون الذي كان يرتدى رداءً حتى قدميّه، ويلبس ما نسمّيه غطاء الكتف وعلى جبهته صفيحة من ذهب، وكان يُسمح له أن يدخل إلى قدس الأقداس مرَّة فقط كل عام ويرش الدّم، كفارة عن كلّ الشعب؟

إرميـــا: بالصواب قلت، وهكذا يقول بولس ذو الصوت الإلهي “وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْخَلِيقَةِ. وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا.”[31].. ومَنْ يستطيع أن ينكر مهما كان مستوى معرفته قليلاً، الحقيقة الساطعة أن هذه الأمور القديمة إنما هي ظلال وصِوَر لما فَعَلَه المسيح؟

كيرلس: وهكذا نحن قَبِلنا يسوع المسيح رئيس كهنة ورسول اعتراف إيماننا. ولنعترف جميعًا وبصدق، وبدون أن نجعل إرادتنا ضد إرادة الله و معجزاته، إننا نحن سكان الأرض قد أغضبنا الخالق وأهنّا الذي أراد أن يعطى للبشر المجد والكرامة على قدر احتمالهم، وهكذا دخل إلينا الفساد الذي سحقنا بالموت ” لَكِنْ قَدْ مَلَكَ \لْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى وَذَلِكَ عَلَى \لَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ “[32]. ولقد وَسَعَّت الهاوية نفسها، كما يقول النبي إشعياء، وفغرت فاها بلا حد..[33]. وكان يمكن أن تفنى الأرض عن بكرة أبيها، وذلك بوقوعها في فخ لا يمكن أن تخرج منه لو لم يأتِ الحلّ الإلهي من فوق، من السموات، وذلك بأن ينزل إلينا الابن الوحيد، وتّم ذلك حسب مسرّة الله الآب، إذ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ[34] وصار رئيس كهنة، وقدّم نفسه بخورًا لأجلنا إلى الله الآب لكي يُسقِط الغضب ويمنَع الوباء: “وَوَقَفَ بَيْنَ المَوْتَى وَالأَحْيَاءِ فَامْتَنَعَ الوَبَأُ”[35]. وبعد هذا كلّه ألا يرى الإنسان بكل وضوح ويدرك أن يسوع صار وسيطًا بين الله والناس؟ فالمعركة انتهت لصالحنا وكل حائط قديم يفصلنا عن الله قد هُدِمَ. واقتربا اللذين كانا قبلاً منفصلين من بعضهما، أقصد الله والبشرّية. وكان المسيح هو عامل التقارب الذي وحّد في نفسه ما هو فوق وما هو أسفل أي الله و الإنسان. وكما قال الصوت الإلهي بولس: “هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاِثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ”[36]. وفى موضع أخر يقول: فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ[37].

إرميـــا: لقد رفع المسيح الخطيّة التي كانت تعوق محبتنا لله وأُلفَتنا معه[38]، وهكذا أبطل العداوة. هل بهذه الطريقة نعتبره وسيطًا، أم هناك طرق أخرى ومظاهر أخرى للوساطة؟ سوف أسعد بإجابتك على هذا السؤال لأني ظمآن إلى أن أتعلّم منك.

كيرلس: بكل سرور وبدون تردد أقول إنه أبطل العداوة بجسده[39] حسب المكتوب، وصار وسيطًا ومصالحًا لنا، نحن الذين سقطنا من محبة الله بسبب مَيِلنَا لملذّات العالم، وعَبَدْنا المخلوق دون الخالق[40]، فقدّمنا فى ذاته لله الآب[41] واقتنانا لنفسه مُبرِرًا إيانا بالإيمان و نحن لا نقول أبدًا إن هذا العمل التدبيري هو العمل الوحيد الذي أظهر به المسيح وساطته، ولكن يمكننا ذكر أمور أخرى مملوءة بالاسرار تكون بها الوساطة قولاً وفعلاً.

إرميــــا: ماذا تعنى بذلك؟

كيرلس: وهل أعنى شيئًا غير المكتوب: فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ، وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ[42]، فالمسيح الذي هو بهاء وصورة الله الآب وشكله، وهو كلمة الله، الذي هو من الله وفى الله، أخلى ذاته وصار إنسانًا وذلك بإرادته ومسّرة أبيه، ولم يكن مجبرًا على فعل هذا.  ومع صيرورته إنسانًا ظلَّ محتفظًا بكرامة اللاهوت وأخذ ما للإنسان حسب التدبير.

ونحن نرى أن الابن واحد من اثنين، إذ فيه التقت الطبيعتان الإلهية والإنسانية واتحدتا في واحد بشكل غير موصوف ولا يُعَّبر عنه. وبكل تأكيد نحن لا نعنى أن كلمة الله قد تحّول إلى الطبيعة الجسدّية الأرضّية ولا الجسد تحّول إلى طبيعة الله الكلمة. والذي يتبنّى أحد هذين الموقفين المتطرّفين لابد أن يكون مختل العقل. فكل من الطبيعتين تبقى في خصوصيتها ولكنهما تُعدّان في وحدة تامة لا تنفصل، وهذه الوحدة يكشفها تعبير “المسيرة الواحدة”[43]، فهو نفسه إنسان وإله. وحينما نقول الله فنحن لا نلغى الإنسانية بعد الاتحاد وحينما نقول إنسان فنحن لا ننفى صفات اللاهوت، وهذا واضح للذي يريد أن يفكر في الأمر بطريقة مستقيمة[44].

          وهو الابن الوحيد والكلمة لأنه المولود من الله الآب، وهو البكر بين إِخوَة كثيرين[45] لأنه صار إنسانًا، ولُقِبَ بـ “الابن الوحيد” الذي هو لقب خاص باللوغوس، يطلق أيضًا على اللوغوس متحدًا بالجسد. ونفس الأمر مع لقب “البكر” فهذا اللقب لم يكن لَقَبَه قَبِلْ التجسّد، ولكنه صار لقبًا له بعد التجسد. وهو وسيط بهذا المعنى: إنه جمع ووحّد في شخصه أمورًا متباعدة فيما بينها، وهى اللاهوت والناسوت، الله والإنسان، وربط الإنسان بوساطته بالله الآب لأنه هو واحد مع الآب في الطبيعة، لأنه كائن فيه ويحيا فيه. وهو واحد في الطبيعة مع البشر لأنه خرج من بينهم، وحاضر وسطهم، وذلك لأنه ليس غريبًا عنا فيما يخص إنسانيته وهو عمانوئيل الذي شابهنا في كل شئ ما خلا الخطية وحدها.

إرميـــــا: هذا رأي مستقيم مائة في المائة، وهكذا وصلنا بالضرورة إلى الإيمان بأن الابن مساوٍ للآب في الجوهر.

 

[1] يقصد بالمقاييس الطبيعية مقاييس الطبائع المخلوقة.

38 عب1: 14.

39 تث32: 31.

40 عب 13: 8.

41 ينصح ق. أثناسيوس أيضًا كل من يريد أن يعرف ما يختص بالله الكلمة قائلاً: “إن دراسة الكتب المقدسة ومعرفتها معرفة حقيقية تتطلبان حياة صالحه ونفسًا طاهرة وحياة الفضيلة التي بالمسيح، وذلك لكي يستطيع الذهن ـ باسترشاده بها ـ أن يصل إلى ما يتمناه وأن يدرك بقدر استطاعه الطبيعة البشرية ما يختص بالله الكلمة“. انظر: تَجسُّد الكلمة ترجمة د. جوزيف موريس فلتس، المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية. طبعة4، 2006 فصل 57: 1. ص167.

42 يو4: 6.

43 يكررّ هنا القديس كيرلس ما سبق أن علّم به القديس أثناسيوس من أهمية تمييز النصوص بمعنى إنه يجب معرفة الشخص الذي تتكلّم عنه الآية وزمان كتابتها والسياق التي وردت فيه هذه الآية. انظر المقالة الأولى ضد الآريوسيين فقرة45.

44 عب1: 3.

45 عب4: 12-13.

46  عب5: 7-8.

47 يو1: 14.

[12] 2كو10: 5. الآية حرفيًا “إلى طاعة المسيح” و لكن القديس كيرلس يستخدم تعبير “طاعة الله”  للتأكيد على إلوهية المسيح له المجد وإنه هو الله الكلمة المتجسّد.

49 1تيمو2: 5.

50 فى2: 6-7.

51 كو1: 20.

52 2كو5: 20.

53 إش9: 6.

[18] يستعمل ق. كيرلس نفس الكلمة اليونانية التي يستعملها ق. بولس في 1كو1: 3 (ولليونانيين جهالة).

55 انظر خر19: 14ـ19.

[20] كلمة TÚpoj التي يستعملها ق. كيرلس، صارت فيما بعد مدرسة للتفسير اسمها typology (انظر رومية5: 14 حيث يذكر الرسول أن آدم هو مثال الآتي أي المسيح).

57 يو14: 6.

58 رو13: 14.

59 خر20: 19.

60 أف2: 4.

61 تث18: 1319.

62 تث18: 17ـ18.

63 يو12: 49. في موضع آخر يشرح ق. كيرلس  المعنى اللاهوتي السليم لهذه الآية التي أساء الهراطقة فهمها فأنكروا ألوهية الكلمة، فكتب قائلاً “لا ينبغي أن يفترض أحد أن قول الربُّ إنه لا يتكلّم من نفسه وإن كل كلامه هو من الآب ـ يتعارض بأي حال مع التقدير الخاص به. سواء من جهة جوهره أو كرامته الإلهية؛ بل ينبغي أولاً أن نفكر في الأمر مرّه أخرى ونقول “هل يستطيع أحد حقًا أن يفترض أن اسم الوظيفة النبوية وممارسة عمل النبوّة تليق بذاك الذي هو الكائن دائما والذي يُعتبر أنه الله بالطبيعة؟” أظن بالتأكيد أن أي واحد مهما كان بسيطًا سوف يجيب بالنفي ويقول إنه من غير المعقول أن الله الذي يتكلّم في الأنبياء يُسمِىّ هو نفسه نبيًا: لأنه هو الذي كَثَّرْتُ الرُّؤَى وَبِيَدِ الأَنْبِيَاءِ مَثَّلْتُ أَمْثَالاً كما هو مكتوب انظَر هو 12: 10. ولكن حيث إنه اتخذ اسم العبودية. الشكل الخارجي المشابه لنا وبسبب مشابهته لنا دعىّ نبيًا، فيتبع بالضرورة أيضًا أن الناموس قد وشحّه بالصفات الملائمة للنبي أي خاصية الاستماع من الآب وأَخذْ وصيه، ماذا يقول وبماذا يتكلّم. انظر يو12: 49.” وإضافة إلى ذلك أشعر أنه من الضروري أن أقول هذا أيضًا: إن اليهود كانت عندهم غيرة شديدة من جهة الناموس، مؤمنين أنه قد أُعطِىَ من الله، ولذلك لم يكن متوقعًا أن يقبلوا كلمات المخلّص حينما غيّر صورة الفرائض القديمة إلى العبادة الروحانية. وما هو السبب الذي يجعلهم غير راغبين في قبول تحويل الظلال إلى معانيها الحقيقية؟ إنهم لم يدركوا أنه هو الله= =بالطبيعة ولا حتى سمحوا بالافتراض أن الابن الوحيد الذي هو كلمة الآب، قد لبس جسدنا لأجل خلاصنا. وإلاّ لكانوا قد خضعوا في الحال وغيرّوا رأيهم بدون أي تردد ولكانوا قد كرّموا مجده الإلهي بإيمان صحيح” انظر: شرح إنجيل يوحنا. ترجمة د. نصحي عبد الشهيد. المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية الجزء السابع أكتوبر 2007 ص53ـ54

64 يو14: 10.

65 يو3: 33.

66 عد16: 21-48.

67 عب9: 11-12.

68 رو5: 14.

69 إش5: 14س.

70 فى2: 7.

71 عد16: 48.

72 أف2: 14.

73 رو5: 1.

[38] حرفيًا تأتى من كلمة بيت أي نشعر إننا معه في بيته .

75 انظر أف2: 15.

76 انظر رو1: 25.

77 انظر أف2: 18.

78 فى2: 5-7.

[43] يشير إلى انفراج الساقين عند المسير، فالساقين يظهران عند المشي، منفرجتين وهما في وحدة السير معًا… (المترجم).

80 تُعبّر هذه الفقرة باختصار، عن التعاليم الخريستولوجية التي علّم بها ودافع عنها ق. كيرلس ضد نسطور وأتباعه، الذين حاولوا التعليم بوجود شخصين وابنين منفصلّين، ولقد أدان مجمع أفسس سنة 431م نسطور وتعاليمه، وأقر ما علّم به بابا الأسكندرية. انظر رسائل ق. كيرلس إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي. ترجمة المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية. ومن الجدير بالذكر أن الكنيسة تضع هذه الصيغة المختصرة للإيمان في نص الاعتراف الأخير في القداس الإلهي الذي يردده الكاهن بقوله: آمين آمين آمين… ألخ.

81  رو8: 29.

 

طبيعة متوسطة بين الله والبشر – الحوار الأول ج3 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)