آبائياتأبحاثكتب

هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج2 – الحوار الرابع ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج2 – الحوار الرابع ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج2 – الحوار الرابع ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج2 – الحوار الرابع ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري
هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج2 – الحوار الرابع ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

 

الحوار الرابع

في أن الابن غير مخلوق وغير مصنوع

 

تابع هل يعمل الآب من خلال وسيط، وهكذا يصير هو نفسه معروفًا:

إرميا: كيف لا يكون هكذا.

 

كيرلس: إذن فقد هرب العالم من خالقه، طالما أنه ابتعد عن الاتصال به، لأنه لم يعرف الخالق الذي هو اسمي من الخليقة. ولأنه أنعطف نحو الشرّ فإنه قطع علاقته بالخالق تلك التي كانت عن طريق الروح القدوس. لأنه بمجرد أن خُلِقَت طبيعة الإنسان بواسطة روح الخالق غير الموصوف في نفس الوقت زُينّت بهبه العلاقة بالروح القدوس لأنه مكتوب “وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ[1]. لأنه كما أعتقد – لا نستطيع الكائن الحيّ أن تكون له هذه الدّالة وهذا التقدّيس بأي طريق آخر سوي عن طريق شركه الروح القدس. لأنه عندما تجسَّد الابن الوحيد وَجَدَ أن طبيعة البشّر خاليه من الصلاح الذي وَهَبه الله إليها في القديم عند خلقتها، لهذا أسرع بأن يشاركها من ملئه مثلما من نبع قائل أقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ[2] ومبيّنًا نفخه روحه عندما نَفَخَ في وجوههم. وهكذا كان تجديّد البشريّة وإعادتها إلى رتبتها الأولي مُماثلاً لما قد حَدَثَ عند خلقها في البدء، بينما نجد أن انفصال الطبيعة المخلوقة لا يُفهم على أنه بُعد مكاني بل بالحري على أنه بُعد هذه الخليقة عن الله وعن شركه الابن والروح القدس. لهذا فيمكن أن ترجع إلى حالتها الأولي لو أرادت- طالما أنها وُهبت التجديّد الروحي وهي مدّعوه لشركه الطبيعة الإلهية عن طريق الروح القدس. فلو كان الابن- حسب ما يقولون- هو واحد من ضمن المخلوقات، فبأي طريقه تكون الخليقة قد انفصلت عنه؟ لأن مَنْ تربَطهم علاقة قرابة هم دائمًا متحابون، ولن ينفصل أحدهم عن الأخر أبدًا، إذ أن كل منهم هو مثل الأخر مخلوق. بينما الغريب، أي الذي لا يكون من نفس الطبيعة، لا يوصف عاده بنفس صفات تلك الطبيعة، لأنه مختلف عنها، فكيف يكون (الابن) قد صار ضمن الخليقة عن طريق الروح؟ وما هو الشيء الذي يمكن أن يُضيفه أو يَهبه إليها، أو إلى أي مستوي يمكن أن ترتقي إليه هذه الطبيعة المخلوقة وما هو الشيء الفائق الذي يشكّله داخلها؟ وكيف يُقال أنه قد وَضَعَ نفسه[3] طالما أنه لا يحسب من ضمن مَنْ هم أعلى (لأنه هو مخلوق مثلنا حسب اعتقادهم)؟ أو أي تنازل قد احتاجه حتى أنه في تنازله هذا من علّوه فوق الخليقة، يكون قد اتحد بهذا العالم ويصير جزءًا منه، إن لم يكن هو اسمى من العالم والخليقة؟.

 

إرميا: أعتقد أنهم سيجدون صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال؟

 

كيرلس: وما هو السبب الذي يجعل الابن وحده أن يكون حرًا ومخلّص طالما أن كل الخليقة تحني عنقها في عبودية لله؟ وسنكون غير عقلاء ومثرثرين يا صديقي لو أننا وضعنا الابن المولود من الآب حسب الطبيعة بين أبناء الله بالتبني لأنه هو أزلي مع الله الآب. وإن كان الابن هو مخلوق مثلنا فأين يوجد ومَنْ هو ذلك الذي يجب أن نتشبّه به ونتغيّر لنصير على حسب صورته؟.

 

أعتراضات المخالفين مبنيه على سوء فهمهم لبعض الآيات الكتابية:

إرميا: أظن أنك شرحت هذا الأمر بشكل واضح جدًا. غير أني أعتقد أن المخالفين سيقولون متسألين: وهل لم يذكر الكتاب المقدّس منذ القديم عن الابن أنه مخلوق، وهكذا إعترف به سليمان الحكيم عندما قال في الأمثال اَلرَّبُّ قَنَانِي(خلقني) أَوَّلَ طَرِيقِهِ مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ مُنْذُ الْقِدَم[4]. وأيضًا سيقولون بأن بطرس المميّز من بين الرسل قد قال فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ رَبّاً وَمَسِيحاً[5]. فماذا نستطيع إذن أن نقول لو أنهم قد حاصرونا بمثل هذه الأقوال؟.

 

كيرلس: وماذا نقول أيضًا، إلاّ الذي هو بالفعل حقيقة؟ لأن الذهن الذي لا يستنير بالحكمة السمائيه التي تتدفق بغزاره من عند أبي الأنوار هو ذهن مُظلم وبالتأكيد لا يستطيع اجتياز ضباب صعوبات المعرفة. وأعتقد أن داود النبي عبّر عن هذا بقوله: “أنر عيني لئلا أنام نوم الموت”[6]. فهّلا نفحص بعناية وبذهن متقّد روحي، معاني هذه الآيات وبحاسة شم مدّربه نشتّم ونتتّبع أثار الحقائق غير المرئية وغير المدركة فيها. لأن الابن قد قال فعلا إنه مخلوق، لكنه لم يقل هذا بدون إيضاح السبب، لكن قال إن هذا قد تمّ “لأجل أعمال وفي بداية طرق الله الآب” وبالتالي فالخلق في هذه الحالة لا يمكن أن يعني أنه خُلِقَ من العدم، بل يعني استخدام مَنْ هو كائن بالفعل لأداء هذه الأعمال المزمع أن تجري. مثل النسّاج أو الحدّاد، فمع أنهما كائنان وموجودان بغض النظر عما يقومان به من أعمال إلاّ أنه رغبه مَنْ يريد أن يقوما بعمل من هذه الأعمال، هي التي تُكَلِف كل منهما بأداء عمله حسب مهنته التي يجيدها، وهذا ليس معناه أنه يحضرهما إلى الوجود. فلو أن الابن قال فقط “إن الربّ خلقني” ولم يضيف شيئًا بالمرّة على هذا القول لكان من الجائز أن يُفهم قوله بالمعني الذي يشير إليه المحرّفون، لكنه لم يقل فقط هذا بل أضاف أنه قد خُلق لأجل أعماله لأول طرقه. ودعهم يتركوا عنهم الاستخدام السيئ لمعني هذه الآيه وليُعطي لهم مثلاً آخرً أوضح. فعندما تقرأ ما قد كًُتب عن الله أنه “قد صار ملجأً وصخره”[7] فهل تقبل إذن بأن الله مخلوق لأن أحد قال عنه أنه  قد صار ملجأً؟.

 

إرميا: مستحيل.

 

كيرلس: فلماذا يفكرون هؤلاء التُعساء بمثل هذه الطريقة مستخدمين أضاليلاً كثيرة كأسلحه يدّمرون بها أنفسهم، بينما كان من الواجب عليهم أن ينحازوا إلى الحقيقة وبالحري إلى ما يتضّح أنه قد قيل عن الله ليس من جهة الوهيته بل بسبب تجسدَّه واتخاذه طبيعة بشرّيه ومشابهه الابن لنا؟ وغير ذلك فإنه يجب علّى حِسب ما أظن- أَن أقول الآتي: في قوله إنه قد ُخلِقَ أضاف أيضا بأنه وُلِدَ لأنه قال “مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ التِّلاَلِ وُلِدتَ[8]. فإما أن نلغي عمليه الولاده لأنه قال إني خُلِقتَ أو نترك هذا التعبير ونؤمن بأنه وُلِدَ. لأن التعبيران يتصارعان فيما بينهما بما يحمله كل منهما من معانٍ، غير أن التعبيّرين هما حق. وبالتالي فالابن ذاته قد وُلِدَ فعلاً من الآب بكونه هو الله، وأيضا فإن جسده مخلوق[9] ويمكن أن نجد في الكتاب المقدّس ما يقنعنا بذلك عندما نقرأ ما قاله أشعياء النبي هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ[10] فكيف إذن يأتي الكلمة إلينا بينما هو الله إلاّ عن طريق قربي وصله تتفق مع قانون الأجساد؟ وكيف لا يكون هذا أمر غير لائق إذ أنه عندما قيل أنه يتخذ هيئتنا ويتنازل إلى تواضعنا ويصير بين الخليقه وهو غير المخلوق، لأنه حينئذ جاء إلينا مع أنه هو اسمي منا وأرفع، بقدر سمو الطبيعة الإلهية عن الطبيعة المخلوقة. لأن الطوباوي داود دعى الابن الوحيد الذي وُلد من الله (الآب) والذي هو أرفع منا بدرجه لا تُقارن ولا تقاس والكائن في المجد الذي لا يوصف، مُنشدًا وقائلاً يَا رَبُّ لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيداً؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟[11]. لأن ذاك الذي يختلف عنّا من حيث طبيعته الفائقة في كل شيء، جاء إلينا عندما قَبِلَ بإرادته أن يخلي ذاته. فإن قالوا إن الأمر ليس كذلك، فحينئذ لن يمنعهم أي شيء- على ما أعتقد- عن أن يقولوا بغير خجل، إن ما قيل عن أن الابن قد جاء إلينا، عندما صار إنسانًا، وهو قول بلا معني. لأنه متى كان الابن ليس هو معنا إن كان هو مخلوق؟

 

إرميا: بالصواب تتكلّم.

 

كيرلس: وعندما يُقال أنه جُعِلَ ربًا ومسيحًا فإنك يجب أن تفهم أنه وَضَعَ نفسه آخذًا شكل العبد بسبب أنه قد شابهنا. وواضح- على ما أعتقد- بل كان من الضروري أن الطبيعة الإلهية لا تتأثر بخصائص طبيعتنا البشرية، عندما تواضع بالجسد، حاملاً فيه دائما صفات العبودية والمذّلة، بل حتى عندما نُسِبَ للمجد الإلهي ما يليق فقط بضعف البشر. وبالتالي فلأنه صار- من أجلنا- في شكل العبد، ولأنه عاد إلى ربوبيته التي كانت له والتي لم تفارقه إذ أنها في طبيعته، فلهذا يقال أنه قد جُعِلَ ربًا وأنه جاء إلى عالمنا عندما اتخذّ جسدًا.

فلو كنا بصدد أن ننسب للكلمة (قبل تجسَّده) كل ما هو خاص بالجسد، أي كل ما حدث وقيل بسبب التجسَّد، فإننا سنكون منكرين للتعاليم الحقة في غير وقار شديد. لأنه قد خضع للناموس وصار مرئيًا وملموسًا ووُضع قليلاً عن الملائكة[12] وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ[13] مِثْلَ شَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ[14] وتعرّض لالآم الموت القاسية. فيجب ألاّ تُنسب لطبيعة الكلمة غير المتجسَّد، مثل هذه الأمور المتواضعة وغير الكريمة ودعنا نتسأل: ما النتيجة لو تمّ ذلك. أعتقد أن المحبوب والجليس مع الآب سيبتعد عن كل الأمور التي تجعله في المجد اللائق به كإله، أو بالحري لا يكون في مقام مساوٍ حتى للملائكة. وحينئذ لماذا بينما هو بالتأكيد يُمجّد إذ هو شريك العرش الالهي مع الآب، نجد أن الملائكة تقف حوله ماثله لآوامره كعبيد؟ وهو الذي بالقطع يُدعى ربّ القوات وهم الذين يمجدّونه بتسابيح تدلّ على ربوبيته قائلين إن السماء والأرض مملؤتين من مجده[15]، وبالتالي فإن قال المعارضون إنه مخلوق مع أنه يُمجّد حتى من الملائكة الفائقة المجد، أفلا يبيّن قولهم هذا أن عقولهم ثمله بل ومريضه جدًا؟.

 

إرميا: بالفعل لأن، هذا هو رأيّ أنا أيضًا لكنهم أيضًا يقولون إن الابن خُلِقَ لأجل أعمال الآب، ليس عندما اتخذّ الابن شكلنا، لكن عندما وُلِدَ من الآب لكي يعمل به الآب أعماله، فصار مثل الأداه التي أعطت للمخلوقات حركتها.

 

كيرلس: يالها من حماقة شديده. فأي كلام كان من الممكن أن يتحاشوه هؤلاء الذين ينسبون لله الآب أنه خَلقَ الخليقة بلا هدف وأن قوّه الخلق لديه هي ناقصه وأنه أخطأ فيما لا يجب الخطأ فيه وبالتالي فإن قوِّته الفائقة تصبح غير كاملة؟.

 

إرميا: كيف؟

 

كيرلس: ألاّ تفهم- وبغض النظر عن كل هذا- أنه إن كان يليق بالله الآب وبما لديّه من قدرات تتضّح في عمليه الخلق، أن يظهر كخالق وأن تكون طبيعته هكذا وأن يعمل كل ما يشاء، وبالتالي يتحاشى كل لوم، طالما أنه أجرى أعماله بطريقة أخرى ( أي ليس بواسطة الابن )، فكيف لا يكون قد ظَلَمَ الابن إذ قد أحضره للوجود بدون أن يستخدم أداة ووسيط لكن وهبه الوجود بقوته الخّلاقه؟ وكيف تكون بقية الخلائق- التي يقولون إنها أقل في المجد من الابن- قد جاءت إلى الوجود بطريقة أفضل وأرفع بينما الابن مع أنه ممجّد بخصائص طبيعية علويّه قد جاء إلى الوجود بطريقة أدنى وهامشية؟ لكن ربما يقول البعض إن الفعل الشخصي لله الآب كان أرفع ونتيجه لهذا الفعل الشخصي صار الابن. فلو قالوا هذا عليهم أن يجيبوا على هذا السؤال: ما هو الأمر الذي اقنع أراده الله الآب التي هي فوق كل تقدير ألاّ يُفضِِِّل الطريقة الأعلى على الطريقة الأدنى عندما أراد أن يخلق، بل ألاّ ينجح في عمل كان يجب عليه عمله، متجنبًا- بدون سبب- أن يتممّ ما كان يجب أن يتممّه؟

 

إرميا: وهل كان محتم على أبو كل الخلائق أن يخلق الخلائق بدون وسيط.

 

كيرلس: لماذا يا صديقي؟ وهل كان من الأصلح له أن يقبل مساعدة آخرين؟ إن مثل هذه الأقوال ستقود إلى أفكار كثيرة غير منطقيّة؟ فما الذي كان الآب في احتياج إليه، لأننى لا أرى ما هي الفائدة من الأداه أو الوسيط. لأننا لو رأينا أنه كان في احتياج حقيقى وأنه بسبب هذا الإحتياج ولأجل هذا الهدف قد خَلَق الابن، والذي يعتبره هؤلاء المعترضون أنه ضمن الخلائق، فكيف يكون من الممكن أن تكون للآب القدّرة الكاملة بكونه هو الخالق حينما يستجمع في نفسه- بواسطه أداه وفي آخر لحظه، قوته كي يستكمل تمامًا- كل ما هو له بالطبيعة؟ ولكن أقول ما هو أبشع إذ أن حسب تفكيرهم هذا، سيكون المخلوق هو مُكمّلاً للألوهه، وأن مَنْ اتخذ وضع الخادم يتبيّن أنه كان معونه ضروريّه للقوةّ البارئه التي لله الآب. وقلْ لى- بالإضافه إلى ذلك- كيف وبدون  تدخل أى وسيط، كان سيقدر أن يَخلق الابن، لو كان هو بالفعل مخلوق، طالما أنه يتفوّق كثيرًا ويغير قياس؟. لأنى أظن أنه بسبب خجلهم من أقوالهم المشينة ضد الله فإنهم يتظاهرون بأنهم ينسبون إليه كرامات مزيّفة. فمَنْ كان هو قادر على أن يخلق بمفرده ما كان متفوقًا، وما كان عاليا جدًا، وبدون مساعدة كيف كان من الممكن أن يُظهر ضعفه أمام خلق الأشياء التي هي أقل إن كان ليس لديه مساعد؟ وبالتالى كيف لا يكون هؤلاء الذين يفكرون هكذا هم جديرون بالشفقه؟.

 

إرميا: ولِما لا؟ غير أنه من المُحتمل أن تسمع أشياء أخرى. مثل أن يقولوا إن الله الآب، قد خَلَق كل الأشياء بمفرده وذلك لأن هذا أمرًا بسيطًا.

 

كيرلس: وبعيد عن أي تجديف سيكون من الأصح وأنت تبتعد عن الأسباب المؤدية لهذا كله أن تقول: “اجْعَلْ يَا رَبُّ حَارِساً لِفَمِي. احْفَظْ بَابَ شَفَتَيَّ. لاَ تُمِلْ قَلْبِي إِلَى أَمْرٍ رَدِيءٍ لأَتَعَلَّلَ بِعِلَلِ الشَّرِّ مَعَ أُنَاسٍ فَاعِلِي إِثْمٍ[16]. لأن مَنْ يقول إن الله الآب قد خَلَقَ كل شيء بمفرده لأن هذا أمرًا بسيطًا، كأنه يقول إن الله متكبّر ومعجب بذاته، وهكذا فهو ينسب لله مثل هاتين الصفتين السيئتين والمقززتين ومثل هذا الشخص هو جاهل ولا يعرف معنى الكلام. غير أنى أريد بدورى أن أسألك.

 

إرميا: عن أى شيء تريد أن تسأل؟

 

كيرلس: ألا يقولون إن الابن هو مخلوق؟

 

إرميا: نعم. لكن ماذا تقصد بسؤالك؟

كيرلس: لو نظرنا نحن- على قدر استطاعتنا- إلى ماهية تلك الطبيعة التي تتحكم في كل الخلائق، ألن نرى أن كل ما هو مخلوق هو ضئيل بالنسبة لها.

 

إرميا: بالفعل هو ضئيل.

 

كيرلس: ولهذا فقد أحسن الله عندما خلق الابن فقط. وكأنه عندما شعر بالخجل من باقي الخلائق الدنيا فقد تخلّص من أمر خلقتها بأن أوكل لآخر (أي الابن) أن يُحضرها من العدم إلى الوجود؟! في حين أننا نجد أنه بالنسبة لله فإن أجمل وأروع ما يظهر من مجده وعظمته هو قدرته على الخلق، طالما أنه هكذا نعرفه نحن ونعرف مَنْ هو أو كما هو مكتوب “فإنه بعظم جمال المبروءات يُبصر فاطرها على طريق المقايسة”[17] فإذا كانت الخلائق التي تعرف من خلالها تعتبر ضئيلة ومهملة فإن الله نفسه كان سيخجل من طبيعته مدركًا بالتالي أنها قبيحة فإن كانت الأشياء التي تظهر ويُعرَف من خلالها هي أشياء صغيرة وحقيرة، فإن الله نفسه كان سيخجل منها وهو مُدرك أن الطبيعة ليست رائعه. لكن أيضًا توجد أشياء رائعه في كل إنسان وكل ملاك والتي من خلالها تَظَهر حقيقة طبيعته، وكيف إنه لا ينقصه شيئاً، أو أنه يمكن أن يخجل من شيء يخص طبيعته إن أراد أن يُعرف (عن طريق طبييعته هذه). فإن كان الأمر هكذا (مع المخلوقات) فما هو السبب الذي يجعل الله يخجل ممّا يخصه، أو أن يعتبر ما يمكن أن يُعرف من خلاله أنه هو الله، أنه هو شيء معيب؟ وإن كان أمراً معيباً بالنسبة لله ولا يليق به كونه قد خُلق السيرافيم والملائكة الذين لا يقارنوا بالمّره بعظمة الله ورفعته، إذن فلأجل السبب نفسه لن يكون أمرًا وضيعًا أنه يريد من الملائكة أن تسجد له وتمجدّه؟ لأنه كيف لِمَنْ يزدرى أن يكون خالق للملائكة، أن يعتبر نفسه إلهاً لها؟ ولأى سبب يرغب في أن نكرّمه ونعبده طالما هو يزدرى من أَمْر خلقتنا من العدم؟ وكيف لا يتأثر مجده لو أنه اعتبر أن الأمر الذي من أجله يستحق التمجيّد هو أمر مهين؟.

 

إرميا: إذن لماذا يُقال إن الآب قد خَلَق كل شيء بالابن؟

 

كيرلس: يُقال هكذا لأن الآب خَلَقَ كل شيء بالكلمة والحكمة والقوّة المذّخرة فيه. لأن كل ما هو للآب هو للابن. لكن دعنا نفسّر هذا بالطريقة الآتية متبعيّن الطريق الملوكي سالكين باستقامة في الحق. ألا ترغب بشدة في أن توافقني على أنه طالما تقول إن الآب هو خالق، فبالضرورة لابد أن نفكر في أنه لا يخلق لا بدون قوّة ولا بدون حكمة ولا بدون كلمة؟

 

إرميا: بالطبع، فالضرورة تحتم ذلك، ولهذا فإن المزمور- من جهه أخرى- يقول إن الخليقة كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ[18] بينما يُحدثّنا إرميا النبى بطريقة رائعه ويقول إن الربّ هو صَانِعُ الأَرْضِ بِقُوَّتِهِ مُؤَسِّسُ الْمَسْكُونَةِ بِحِكْمَتِهِ وَبِفَهْمِهِ بَسَطَ السَّمَاوَاتِ[19]

 

كيرلس: ماذا إذن؟ ألم يَقُل لنا إرميا بكل وضوح إن كلّ الأشياء قد صارت بفهم الله وحكمته وقوّته، وأيضًا يقول يوحنا الحكيم إن كلّ الأشياء قد صارت بالابن؟ لأن كُلُّ شَيْءٍ كما يذكر “كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ[20].

 

إرميا: نعم هم قالوا هذا، لكن ما يعني كل ما قالوه؟

كيرلس: إن ما قد قالوه يعضّد تأكيدنا على أن الابن هو حكمة الله وقوّته[21].

 

إرميا: لكن كيف ومِن أين يأتى الشك في هذه الحقيقة؟

 

كيرلس: تقدّم إذن وقُل لىّ: في أى من هذين الأمرين نعتقد: في أن الابن قد جاء إلى الوجود عن طريق حكمة وفهم وقوّة الآب؟ أم أنه قد جاء بدون حكمة وفهم وقوّة؟ وذلك لأنهم يقولون إن الابن مخلوق.

 

إرميا: إن هذا هو جهل تام بالحقيقة، لأن الآب لم يكن على الإطلاق بدون حكمة وقوّة.

[1] تك7:2

[2] يو22:20

[3] فيلبي7:2

[4] أمثال22:8سبق أن شرح القديس أثناسيوس نفس هذا المعنى الصحيح لهذه الآية للرد على الأريوسيين الذين أنكروا إلوهية الابن المتجسد. أنظر المقالة الثانية ضد الأريوسين ص87.

[5] اعمال36:2

[6] مز22:93

[7] مز22:94 “فكان الرب لي صرحاً وإلهي صخره وملجأي”

[8] أمثال8 :25س

[9] سبق أن عالج القديس أثناسيوس هذه القضية ورد على الذين كانوا يتصورون أن جسد المسيح غير مخلوق بل هو واحد مع الكلمة في الجوهر. أنظر. المسيح في رسائل القديس أثناسيوس. المركز الأرثوذكسي لدراسات الآباء بالقاهرة. الرسالة إلى ابكتيتوس.

[10] اشعياء4:7، متي23:1.

[11] مز1:10

[12] عبرانين7:2

[13] اشعياء 12:53، لوقا37:22

[14] اشعياء7:53، أعمال الرسل 32:8

[15] اشعياء3:6

[16] مز3:141-4

[17] سفر حكمة سليمان 5:13

[18] مز24:104

[19] إرميا12:10

[20] يوحنا4:1

[21] انظر 1كو24:1

 

هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج2 – الحوار الرابع ج5 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)