آبائياتأبحاثكتب

هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج3 – الحوار الرابع ج6 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج3 – الحوار الرابع ج6 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج3 – الحوار الرابع ج6 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج3 – الحوار الرابع ج6 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري
هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج3 – الحوار الرابع ج6 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري

 

الحوار الرابع

في أن الابن غير مخلوق وغير مصنوع

 

تابع هل يعمل الآب من خلال وسيط، وهكذا يصير هو نفسه معروفًا:

كيرلس: بالصواب تتكلّم، وإنى امتدحك لأنك تفضّل أن تؤمن إيمانًا مستقيمًا سليمًا، غير أنه ماذا سيقول أولئك الذين يحسبون الابن ضمن المخلوقات؟ لأنه إن لم يكن الابن كائن منذ الأزل وإنه قد جاء إلى الوجود حسب قانون الخلق[1]، وأنه كان فقط حكمة وقوّة وفهم الآب، فيجب أولاً أن يعترفوا بأنه قَبَلَ وجود الابن كان الآب ضعيفًا لا قوّة له ولا حكمة ولا فهم وأن يقبلوا بأنه قد خََلَق الابن بدون حكمة وبدون قوة مع أن مُحاط بكثير من الأمور المدهشة وأنه لا يشابه بقيّة المخلوقات بل يتفوّق عليها بشكل لا يُقارن، ومن ناحية أخرى- مع أن كل كلامهم هو مُثير للضحك لإصرارهم على كل ما هو تجدّيف شائن- فإنهم لو أصروا على إعتقادهم بأنه من الضرورى أن يكون الابن قد جاء عن طريق حكمة الآب وقوّته، فحينئذ سيكون هو ذاته أكبر من ذاته، ولكن أيضًا خالق. بمعنى أن يكون الابن قد خَلَقَ نفسه، إذ هو كل حكمة وقوّة الآب- وصار إلى الوجود بقوّته وحكمته. هل تدرك إذن أن اسانيدهم يمكن تفنيدها من كل جانب؟

 

إرميا: نعم ادرك ذلك جيدًا.

 

كيرلس: بل ويمكن وبدون أى جهد أن تُفند عقيدتهم. وبعدما بَحَثنا في كلّ المعانى المُمكنه الخاصة بطبيعة الله، هياّ بنا ننشغل يا صديقى بالخصائص التي تليق بهذه الطبيعة وما هي وكيف أنها عظيمة ففيما يختص بالخلق، هل تعتقد أن الباعث أو الرائع في عملية الخلق هي الإرادة التي تمنح الخلائق عطية الوجود من العدم، وموافقة أحد هذه الخلائق (الابن كما يقولون) أن تأتي إلى الوجود بقية الخلائق التي لم تكن موجودة من قبل وبذلك يكتمل خلق كل الخليقة؟ أم أنه أحضر لنفسه إداة للخلق كان ضروريًا أن يستخدمها مثلما يفعل النحّات الذي لديه الأدوات التي يجب أن يستعملها كي يصير نحاتًا يقوم بتنفيذ الأعمال التي يعرف كيف ينحتها؟

 

إرميا: قُل ليّ: هل يمكن للمرء أن ينكر أنه يليق جداً بالله أن يخلق بإرادته هو وحده؟

كيرلس: بالطبع لا يمكن لأحد أن ينكر هذا، لأن الطوباوى موسى أوضح لنا هذا قائلاً إن الله هو الذي خلق وأن الخليقة لم تتمّ بطريقة أخرى وذلك عندما كتب: وَقَالَ اللهُ: “لِيَكُنْ نُورٌ” فَكَانَ نُورٌ[2] وهذا يعنى أنه بمجرد أن نَطَقَ الله، تحقّق ما نطق به بدون أى تأخير بسبب وجود الوسيط أو المساعد- كما يدّعي هؤلاء- يعمل وفق نظام محدد لأن كلمة الله هي قوة الخلق في حد ذاتها، فمجرد كلمة من الله، خلقت غير الموجودات وليس بإرادة أي من المخلوقات الآخرى. إذن فخلق المخلوقات تم بإرادة الله فقط. فإن كان يليق بالله الآب أن يخلق بمثل هذا الطريقة الرائعة، فلماذا إذن ينسبون له الحاجة إلى مساعدة آخر وسيط، الأمر الذي لا نعرف كيف اخترعوه وعبرّوا عنه بطريقة غير لائقه عندما قالوا إن وجود الابن كان ضروريًا كى يكون وسيطًا يخلق الآب عن طريقة بقيّه المخلوقات؟ لأنه من الواضح أنهم يجهلون أنه لو أنهم نادوا بأن الابن مخلوق وأنه يُحسب ضمن المخلوقات، فإنهم بذلك يظهرونه وكأنه أعلى وأفضل من الآب.

 

إرميا: بأى طريقة؟

 

كيرلس: إن كان الآب يَخلِقُ وهو مضطر عن طريق وسيط بينما الابن يفعل بمفرده ما يريد بإرادته وأوامره حينما قال بسلطان للأبرص أُرِيدُ فَاطْهِرْ[3] كما أنه أتى بأولئك إلى الحياة، هؤلاء الذين كان قد هُزموا من الموت، وأعطى العميّان نور البصر الذي لا يقدّر بشيء، إذن هل لن يلاحظ أحد أن هذا الوسيط أو الخادم والذي ليس هو حسب طبيعته هو الخالق- كما يعتقدون- هو في مجد أعظم وأنه هكذا سيكون الأداه، أفضل من الصانع؟.

 

إرميا: هكذا يبدو الأمر.

 

كيرلس: لماذ إذن يستخفون- بدون تبصّر- بأهميه أن يفكروا بطريقة سليمه، وينحرفون تجاه ما هو أشر تابعين ما يرون هم فقط أنه سليم؟ ناسين أن مَنْ يخلقه الإنسان لا يستطيع أن يصنع تلك الأشياء التي يخلقها الإنسان نفسه أو أن مَنْ يُصنع بواسطه آخر لا تكون له حسب الطبيعة وبكيفيّه لا تتغيّر، خصائص جوهر الصانع؟.

 

إرميا: كيف؟ لأن عكس هذا الكلام هو أيضا صحيح. لأنه لا يحدث أصلا على سبيل المثال أن يصير صانع النحاس أو نحات الخشب هو نفسه ما يصنعه من تماثيل نحاس أو خشب.

 

كيرلس: بالصواب تتكلّم، وأنا امتدح فيك هذا الاستعداد الروحى الجيّد. فلو كان الابن مخلوقاً، فبأى طريقة إذن يمكن أن يعمل أعمالاً مثل التي يعملها الله الآب؟ وكيف له وهو الذي يملك في طبيعته كل خصائص الجوهر الفائق، أن يستدعى بمثل هذه القّوة وبدون جهد، إلى الوجود كل ما لم يكن موجودًا، حتى أنه بمجرد إرادته يستكمّل كل الخليقة؟ أم هل ربما لم يكن من الممكن للآب نفسه أن يخلق بنفس الطريقة طالما أن طبيعته كافيه لتحقيق هذا الغرض كما أن قدرته لا تحتاج لمساعدة المخلوقات؟.

 

إرميا: بالفعل هو كذلك.

 

كيرلس: لأنه كما أن المصنوعات والأعمال الفنيّة التي يعملها الإنسان بيديّه لا تقدر ولا تستطيع أن تعمل ما يعمله الإنسان نفسه، هكذا وبالطريقة عينها- حسب ما أؤمن- فإنه ولا حتى المخلوقات التي خلقتها اليّد الإلهية، تستطيع أن تعمل ما يعمله الله ذاته. لكن لأن الابن قد خَلَقَ وفَعَل، لا يمكن أن يكون هو نفسه مخلوقاً من بين مخلوقات التي خلقتها اليدّ الإلهية، أو يكون قد خُلِقَ من العدم ليصير خالقًا، لأنه يملك خاصيه الخلق هذه في جوهرة وبدرجه ليست أقل ممّا يملكه الآب ذاته.

 

إرميا: غير أنه يُقال إن الابن قد خَلَقَ الخليقة بدافع من الآب لأنه يقول الْكلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ[4]

كيرلس: أعرف تماماً أن هذا هو رأى المعارضون لأنهم لا يكفّوا عن تحرّيف الحقيقة وما كان يجب عليهم أن يفكروا فيه بطريقة حكيمه من جهه التدبير الألهى في سر التجسد، يتهكّمون عليه بالأكاذيب الكثيره. فلو أنهم صاروا بالفعل- في أغلبهم- رافضين ومُنكرين سّر تدبير تجسّد الكلمة، ومفسرّين حسب رغبتهم أى أقوال يريدونها، ولو أنهم أيضاً يتفقون مع أولئك الذين يفضلون أن يؤمنوا إيماناً مستقيماً بأن الكلمة الذي هو الله، قد تجسَّد وصار إنساناً، إذن فلماذا يظلمون حكمه التدبير الإلهى ويحرّفون معانى الكلمات التي تتفق تماماً مع هذه الحكمة، معطين إياها ما يريدون من معانى حاثين اتباعهم على إنكار طبيعه ومجد الابن الوحيد؟ لأنه بينما كان من الواجب على اليهود التعساء أن يعجبوا بالمسيح ممتدحين أعماله وممجّدين إياه بصفته أنه هو الله، إذ أن أقواله وتعاليمه كانت تفوق جداً ما جاء في الناموس، ومعجزاته كانت تتِّعدى كل منطق (بشرّى) إلاّ أنهم لم يفعلوا ذلك، بل أعربوا عن غضبهم مُهددّين إياه، بالقتل، ووصل بهم الحال إلى الاعتقاد في أن من واجبهم أن يجدّفوا عليه وهم يفعلون ذلك بدون أى تقوى. لهذا فقد قالوا مرّه هَذَا لاَ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ إِلاَّ بِبَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ[5] ومرّه أخرى قالوا: مِنْ أَيْنَ لِهَذَا هَذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟[6]غير أن سّر التدبير الإلهى كان أمراً صعباً وعسر الفهم بالنسبه لأولئك الذين وُجِدوا في تلك الحاله، أى كون أنه هو إله حق من إله حق، وأنه قد استُعلِنَ من أجلنا وصار انساناً مثلنا، كى يقول بكل وضوح: “أننى بالفعل حكمة وقوّة كما أننى الفاعل في كل المعجزات، وأيضاً أن سلطانى غير مُكَتسب ولا أنا أفتخر بشيء هو غريب عنى بل أن لى سلطان في ذاتى ولىّ الحق أن افتخر بكل ما أعمل لأنها أعمال خاصة بى وحدى”. لأنه إن كان قد قال هذا، لَمَا كانوا قد قبلوه منه وهم الذين رغم كلماته المعتدله، كانوا قد ثاروا ضده في كل مرّه كان يتحدّث فيها معهم في أمور تفوق إداركهم البشرى. وهو قد أبعدهم عن حماقاتهم الكبيرة وقادهم رويداً رويداً إلى الفهم العميق وبطريقة حكيمة جداً أبعدهم عن اعتقادهم بأن ربّ الكلّ يعمل المعجزات باسم بعلزبول، حيث نسب النتائج المبهره لكل أفعاله إلى قوّة الآب التي لا توصف، مُعطياً الطبيعة الإلهية كل ما يليق بها. ولأن الابن كائن في الآب الذي وَلَده، وبسبب حقيقه أنهما واحد في الجوهر تماماً، فقد قال الابن إن الآب كائن فيه ويعمل هذه الأعمال. إذ أنه لا يجب أن يعتقد أحد- لو كان تفكيره سليماً- أن الأفعال التي تليق بالله والتي تكشف عن هويته، هي أفعال جسّديه أى أفعال بشرّيه حينما نفكر فيها بمفردها وفي حد ذاتها. وأيضا فأنا لا أعتقد أن هذا الكلام يبعد بعيداً عن طريقة التفكير المستقيمه.

 

إرميا: اطلاقاً، فهذا كلام صحيح.

 

كيرلس: وبالإضافه إلى ذلك، فانى أكاد أن أقول إن أقوالهم عينها تتعارض مع بعضها لو ظنوا أن الكلمة يعمل بمشيئته وحده فقط (دون مشيئه الآب)، وهم بذلك لا يوقرون الآب أيضاً.

إرميا: قل لىّ كيف؟ لأنى لا أستطيع أن أفهم قصدك.

 

كيرلس: إن ما يعطيه شخص آخر- يا صديقي- ألا يمكنه أن يسترده منه- حتى وإن لم يفعل لأنه فكر في أنه يجب ألاّ يسترده- لأنه يملك القدره على ذلك؟! وما لا يملكه الإنسان في طبيعته بل هو مضاف إليه من خارجه، ألا يمكن أن يُسترد منه طالما أن هذا الشيء قابل للاسترداد حتى وإن كان هذا الأمر لا يحدث بالمره؟!

 

إرميا: بالتأكيد.

 

كيرلس: انتبه إذن لأن عدم التقوى تجاه الابن وحيد الجنس هي عظيمة. لأنه إن لم يكن بمفرده يفعل هذه الأعمال بل يستمد قوه من الآب كى يخلق فما هو الأمر الذي يضايقهم حتى أن يقولوا معنا وَلَكِنْ بِنِعْمَةِ اللهِ أَنَا مَا أَنَا وَنِعْمَتُهُ الْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً[7]؟ وكيف كان من الممكن للرسول الحكيم جداً بولس- لو أراد أن يكون صادقاً- أن يكتب قائلاً نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ[8]؟ وكيف يكون من يتلقى نعمته من الخارج أن يكون هو ذاته واهباً للنعمة مع الآب؟ ولا أعتقد أنه سيكون من الصواب والحق أن يؤمن شخص بأن صفة الخلق لدى الابن وحيد الجنس هي بدون هدف، وأنه سيأتى وقت سيعانى فيه الابن وذلك لو أراد الآب أن ينزع منه ما قد وَهَبه أياه وأن يُبعِد عن طبيعة الابن تلك الطاقه التي عن طريقها- كما يقولون- نشط الابن وصار خالقاً. لأن من ينشط بواسطه آخر يمكن ان يَسْكن ويكون في حالة خمول عندما تكون حركته ليست هي ثمره لطبيعته الخاصه.

 

إرميا: هذا صحيح.

كيرلس: وبالاضافة إلى هذا فإنه سيتضحّ من الكلام الآتى أن ما يقولونه لا أساس له بل أنه سفسطه مملؤة بالشر.

 

إرميا: أى كلام تقصد؟

 

كيرلس: ألم تسمعهم أخيراً عندما كانوا يتناقشون معنا بشأن الآب عندما علّوا من شأنه جداً (بالمقارنه بالابن) الذي أهانوه بكلام مشين، لأنه حينئذ قالوا بإن الابن قد جاء إلى الوجود (خُلق) كضرورة وحتمّيه وذلك لأنه كان يليق الآب أن يخلق بنفسه، لذا خلق آخر (الابن) الذي هو أقل منه ليتم به عمليه الخلق هذه. ولأن خلق الخليقة كان وشيكًا أن تحدث، فلهذا، أحضر الآب الابن إلى الوجود كى يخلق (بالابن) الخليقة الآخرى التي كانت أقل منه.

 

إرميا: بالفعل لقد سمعت هذا.

 

كيرلس:وما مصير تفكيرهم “الحكيم” لو كان الآب قد خلق كل شيء بواسطة الابن؟ لأنه أن يفعل أحد شيئًا عن طريق شخص آخر، وهذا الآخر ليس له الامكانيه أن يفعل شيئًا من ذاته أو بإرادته الذاتيه بل يكون- بطريقة ما- مجرد أداه، فأنا- على الأقل- كنت سأقول وبدون تردد إنه قد تم ما يريد بنفسه وليس بواسطه آخر. وسيكون من الحماقه أن نقول أنه لا يليق بالله الآب أن يخلق بقية الخلائق لأنها ضئيله بالنسبة له والأمر ليس كذلك بالنسبة للابن. لأنه ما هو الكائن- الذي طالما هو محسوبًا من ضمن المخلوقات- لا يكون ضئيلاً بالمقارنه بطبيعة الله؟ لأنهم بينما يفحصون الطبيعة غير المفحوصة، يصفون بعضًا من الخلائق أنها ضئيله بالنسبة لها، غير عابئين في نفس الوقت بمن هو أعظم بما لا يقاس من طبيعة المخلوقات، بل ويثرثرون عليه .

 

إرميا: إن كلامك رائع.

 

كيرلس: دعنا يا إرميا إذن من كل عبارات المديح وهيّا بنا نتكلّم بكل جديّه ونذكر ما هو وحده حق والذي تعلّمنا أن نعترف به وهو أن الابن الوحيد هو الله وأنه قد أتى- حسب الطبيعة- من الله الآب. ولأن “الله” هو بالفعل كائن وأن طبيعته غير المخلوقه هي بلا بدايه وأزليّه، إذن فلتبطل وبدون رجعه كل الخداعات والخيالات. لأنه كيف يمكن أن نقبل بأن الكلمة الحقيقى لله قد صار فيما بعد وأنه مخلوق، ولا يقول كل أحد ممّن يفكرون بطريقه سليمه- على ما أعتقد- أننا قد انحرفنا عن التفكير الصائب؟، أو هل يمكن أن تجاوبنى عندما أسألك: هل تنكر أن ما أقوله صحيح؟ لأنه عندما يقول المرء “ابن الله” فأنى أعتقد (مع أن كثيرين قد نالوا التبنى) أنه لا يمكن إلاّ أن يقصد- وأيضاً من يسمعه- ذلك الذي هو ابن وحيد بالحقيقة، حسب الطبيعة أم ربما يبدو لك أن الأمر ليس كذلك؟ 

 

إرميا: بالفعل.

 

كيرلس: إذن فكما أن الله هو بالنسبة لنا واحد وهو الإله الحق حسب الطبيعة، فلوا أراد أحد أن يعرّف إلهنا حتى بدون أن نضيف إلى اسمه أى اسم آخر، فإنه لن يراودنا حتى مجّرد التفكير في أننا نقصد إلهًا آخر مع أنه توجد أسماء كثيرة لله في السماء وعلى الأرض كما هو مكتوب[9]. وهكذا فعندما يشير المرء إلى اسم ابن الله فإن تفكير أولئك الذين يحبون الله سيتّجه مباشرة إلى الابن الوحيد والحقيقى وسيضيف إلى الاسماء الباقية هذا الاسم أيضاً.

 

إرميا: اسم مَنْ تقصد؟.  

 

كيرلس: ألا توافقنى يا صديقى أن مَنْ هو كائن بالفعل هو واحد فقط وليس كثيرون؟ هذا هو الله بمعنى طبيعة الله.

 

إرميا: اتفق معك.

 

كيرلس: إذن تلك الأشياء التى خُلقت وجاءت إلى الوجود بواسطته، أليست هي كائنات؟

 

إرميا: هي كائنات، وكيف لا؟. غير إن تلك الكائنات الموجودة هي مشابهه للكائن الحقيقي.

 

كيرلس: لقد تيقنتّ أنك تعرف الحقيقة بطريقة جيده جداً. لأن ما هو مشابه يكشف لحد ما المجد الطبيعى للكائن الحقيقي.والكائن الحقيقي إذن هو واحد. وبنفس الطريقة، على ما أعتقد مع أن كثيرين يدعون آلهه وأبناء إلاّ أن واحد هو حسب الطبيعة هو الابن وهوالله، إذ إنه مولود من طبيعة الآب بطريقة لا توصف. لهذا فإنه من الحسن جداً أن نعترف نحن به مع الملائكة أنه أزلى مع الآب وبأنه لم يُخلَق مثل بقيّة المخلوقات حسب ما يتصّور المنحرفون بأن فكرهم هذا هو معتقد صحيح مع أنهم يجهلون الحق الذي هو المسيح الذي له مع الآب والروح القدس المجد من الآب وإلى الابن أمين.

 

[1] أي أنه خاضع للزمن

[2] تك:3:1

[3] لو13:5

[4] يو10:14

[5] متى24:12

[6] مت54:13

[7] 1كو10:15

[8] 1كو3:1

[9] 1كو8: 5

 

هل يعمل الآب من خلال وسيط؟ ج3 – الحوار الرابع ج6 حول الثالوث – القديس كيرلس الاسكندري