آبائياتأبحاث

لقاء المسيح مع السامرية ج2 – القديس كيرلس الاسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

لقاء المسيح مع السامرية ج2 - القديس كيرلس الاسكندري - د. نصحى عبد الشهيد

لقاء المسيح مع السامرية ج2 – القديس كيرلس الاسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

لقاء المسيح مع السامرية ج2 - القديس كيرلس الاسكندري - د. نصحى عبد الشهيد
لقاء المسيح مع السامرية ج2 – القديس كيرلس الاسكندري – د. نصحى عبد الشهيد

 

الأحد الرابع

لقاء المسيح مع السامرية

يو25:4 ” قالت له المرأة: أنا أعلم أن مسَّيا الذي يقال له المسيح يأتى. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شئ “

          بحسب تعليم المسيح فإن الساعة والوقت سوف يأتيان، بل بالحرى قد حضرت الآن الساعة التي فيها سيقدم الساجدون الحقيقيون العبادة لله الآب بالروح. وعلى الفور حلّقت المرأة إلى أفكار فوق ما اعتادت عليه، إلى الرجاء الموجود منذ القديم عند اليهود. فهى تقول إنها تعرف أن المسيا سوف يأتى في وقته الخاص، ولكنها لم تقل بالضبط لمَن سيأتى، هى قد قبلت المعلومات الشائعة دون أى فحص، فهى إمرأة محبة للهو وذات فكر جسدانى، ومع ذلك فهى لا تجهل تمامًا أنه سيظهر لإسرائيل كمن سيأتى بتعليم أفضل، إذ أنها بالتأكيد قد وجدت هذه المعلومات أيضًا في الأخبار التي قيلت عنه.

 

يو26:4 : ” قال لها يسوع: أنا الذي أكلمك هو ” .

          لا يعلن المسيح ذاته للنفوس غير المتعلمة أو الجاهلة جهلاً مطبقًا، بل يشرق بالحرى ويظهر لأولئك الذين هم أكثر استعدادًا واشتياقًا للتعلم، ولكنهم إذ يتمخضون في بداية إيمانهم بكلماتٍ بسيطة، ينطلقون إلى الأمام، إلى معرفة ما هو أكثر كمالاً. والمرأة السامرية هى مثال لهذا النوع من الأشخاص التي كشف لنا (الإنجيل) عنها، والتي كان لها عقل بطئ الفهم من جهة الأفكار الحقيقية، لكنها مع هذا لم تكن بعيدة بعدًا تامًا عن الرغبة في الفهم. لأنها أولاً، وحين طلب المسيح منها أن يشرب، لم تعطه الماء في الحال، بل إذ رأته يكسر العادات القومية لليهود، راحت أولاً تبحث عن السبب في هذا، وإذ بدأت تذكر ذلك، طلبت من الرب أن يشرح لها، إذ تقول ” كيف تطلب منى لتشرب، وأنت يهودى وأنا إمرأة سامرية؟ ” لكن مع الاستطراد في الأسئلة، بدأت تنتقل إلى الاعتراف بأنه كان نبيًا، إذ تلقت توبيخه دواء للخلاص، ثم أضافت استفهامًا آخر قائلة في غيرة من أجل التعلم: ” آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغى أن يُسجد فيه“، لكنه كان يعلم للمرة الثانية، أن الزمان سيحل، بل وقد أتى الآن فعلاً، حين الساجدون الحقيقيون، وقد رفضوا السجود على جبال الأرض، سوف يقدمون العبادة السامية والروحية لله الآب. وهى إذ تنسب أفضل الأشياء على أنها تحق للمسيح وحده، فإنها تحتفظ بالمعرفة الكاملة جدًا لأزمنة المسَّيا، فتقول،   ” نحن نعلم أن مسَّيا الذي يُقال له المسيح يأتى، فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شئ ” (25). أرأيت كيف كانت المرأة مستعدة للإيمان، وتبدو كأنها ترتقى سُلّمًا، وهى تقفز من أسئلة صغيرة إلى حالة أعلى بكثير، لهذا كان من الصواب أن يكشف لها الآن ما كانت تتوق إليه بكلام أكثر وضوحًا، فراح يخبرها بما كان محفوظًا كرجاء صالح، وها هو قد صار الآن أمام ناظريها: ” أنا الذي أكلمك هو“.

 

يو27:4 : ” وعند ذلك جاء تلاميذه ” .

          جاء التلاميذ عند ختام حديثه مع المرأة. لأن المخلص كان قد صمت عن الكلام، وإذ قد وضع شرارة الإيمان المتوهجة بين السامريين، فإنه قد أودعها في أعضائهم الداخلية لتشتعل وتصير لهبًا عظيمًا، وهكذا يمكنكم أن تفهموا ما قاله ” جئت لألقى نارًا على الأرض فماذا  أريد لو  اضطرمت ” (لو49:12).

 

” وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع إمرأة “

          اندهش التلاميذ مرة أخرى من لطف المخلص، وتعجبوا لأسلوبه الوديع. بعكس أسلوب البعض الذين في تدينهم الصارم يتسمون بالقسوة، لأنه لم يرَ من المناسب أن يتجنب الحديث مع المرأة، لكنه كشف عن محبته الرؤوفة للجميع، وبذلك يُظهر، أنه إذ هو الواحد الخالق الكل، لا يعطى للرجال فقط حياة بالإيمان، بل يجتذب أيضًا جنس النساء إلى هذه الحياة.

          وعلى مَن يعلّم في الكنيسة أن يتخذ هذا أيضًا كنموذج، ولا يرفض مساعدة النساء. لأنه ينبغى على المرء في كل الأمور ألا يتبع ارادته الخاصة، بل يعمل لخدمة الكرازة.

 

” ولكن لم يقل احد ماذا تطلب؟ أو لماذا تتكلم معها؟ “

          كان عمل التلاميذ الحكماء، والذين يعرفون كيف يحفظون كرامة معلمهم أن لا يظهروا بأسئلتهم التافهة أنهم قد انخرطوا في ظنون غريبة، لأنه كان يتكلم مع إمرأة، بل بالحرى ألجموا ألسنتهم في أفواههم في وقار ومخافة، منتظرين ربهم أن يتكلم من ذاته، ليعطيهم باختياره شرحًا مناسبًا. وهكذا فإننا نتعجب للطف المسيح، ونتعجب أيضًا لحكمة التلاميذ وفهمهم ومعرفتهم بما يليق.

 

يو28:4 : ” فتركت المرأة جرتها ومضت إلى المدينة  وقالت للناس”.

          بدت المرأة الآن وقد ارتفعت بنفسها فوق اهتمامات الجسد، تلك التي كانت منذ يومين أو ثلاثة زوجة لكثيرين، والذين كان من السهل أن تأسرهم اللذات الباطلة، والآن هى تعلو فوق الجسد وفوق احتياجاته الضرورية، فتهمل حتى العطش والشرب، ويُعاد تشكيلها إلى حالة أخرى بواسطة الإيمان. وفي الحال إذ قد مارست المحبة تاج الفضائل، وإذ كانت لها عاطفة مُحبة للقريب، ذهبت بكل اجتهادها واشتياقها إلى الآخرين أيضًا لتكرز لهم بالصلاح الذي ظهر لها، ولهذا أسرعت إلى المدينة، فربما أخبرها المخلص وهمس في ذهنها سرًا: ” مجانًا أخذتم، مجانًا أعطوا ” (مت8:10). فلنتعلم نحن إذن ألا نحاكى الخادم محب الكسل والذي أخفى وزنته (مت18:15) في الأرض، بل بالحرى فلنكن مجتهدين في المتاجرة بها. هذا الصنيع الحسن هو ما فعلته أيضًا تلك المرأة التي شاع ذكرها؛ إذ نقلت للآخرين الخير الذي حصلت عليه، دون أن تأخذ معها الماء الذي جاءت لتسحبه من أعماق البئر، ولم تحمل جرتها التي من الطين معها إلى بيتها، بل بالحرى حملت النعمة الإلهية السماوية، والتعليم المملوء حكمة الذي للمخلّص، والذي ملأ كل مكامن ذهنها وادراكها.

          علينا نحن إذن أن نتعلّم، كما في مثال وإطار، أننا باحتقارنا للأشياء الجسدية والتافهة احتقارًا كاملاً، فإننا ننال من الله أمورًا عديدة أكثر وأحسن. لأن ما هو الماء الأرضى إذا ما قورن بالحكمة السماوية؟

 

يو29:4 : ” هلموا انظروا إنسانًا قال لى كل ما فعلت، أليس هذا هو المسيح؟”.

          ياللتحول العجيب! يالقدرة الله العظيمة حقًا، التي تكشف عجائب لا يُنطق بها! إن المرأة الحاذقة في العمل بالتعليم، بادرت وهى تلك التي لم تفهم أيًا من الأمور التى قيلت أولاً، ولهذا سمعت بصواب ” اذهبى وادعى زوجك وتعالى إلى ههنا “، فانظروا كيف تحدثت بمهارة مع السامريين. فلم تقل إنها وجدت المسيح، كما أنها لم تُدخل يسوع في روايتها في بادئ الأمر. لأنها كانت ستُرفض حتمًا، وعن حق، لو أنها تكلمت بكلام يفوق قياس الكلمات المناسبة لها. إذ أن سامعيها لا يجهلون عاداتها، لهذا فهى تمهد الطريق لهذه الأعجوبة، وإذ قد أدهشتهم بالمعجزة أولاً، فإنها تجعل الطريق أيسر إلى الإيمان، إن جاز التعبير. وقالت بحكمة: ” هلموا انظروا ” صارخة بصوت عال وبجدية عظيمة. ويكفى النظر فقط للإيمان، إذ يؤكد للحاضرين أعاجيبه الجديرة بالإلتفات. لأن الذي يعلم الخفايا، وله هذه الكرامة العظيمة، كيف لا يسرع بسخائه ليحقق تلك الأمور التي يشاءها؟

 

يو30:4 : ” فخرجوا من المدينة وأتوا إليه “.

أظهر السامريين أنفسهم مرتفعين فوق حماقة اليهود، وبالطاعة انتصروا على جهل اليهود المتأصل فيهم. إذ أصغوا إلى معجزة واحدة فقط، فأسرعوا مهرولين إلى يسوع، دون أن يكون الأنبياء القديسون قد سبقوا قبلاً وأقنعوهم بأصواتهم، أو بإعلانات موسى ولا حتى بشهادات يوحنا الفعلية، بل أخبرتهم عنه إمرأة واحدة فقط، كانت خاطئة.

 

يو31:4 : ” وفي أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين: يا معلم كُلْ “

          نجح الإنجيلى الإلهى بشكل فائق للغاية في وضع هذا الكتاب، ولم يحذف شيئًا يعتقد أنه يمكنه أن ينفع القراء. اسمع إذن كيف يقدم يسوع مرة أخرى كمثال لفعل جدير بانتباهنا جدًا. لأنى لا أظن أن شيئًا ما قد وُضع هكذا عبثًا في الكتب المقدسة، لكن ما يحسبه أى أحد أنه ذو شأن قليل، يجده أحيانًا مملوءًا بنفع لا يمكن ازدراؤه. وإذ قد بدأ السامريون يتحولون ويبحثون عنه: لهذا قصد قصدًا كاملاً ومطلقًا خلاص أولئك المدعوين، فلم يولِ الطعام الجسدانى اهتمامًا، بالرغم من أنه ” قد تعب من السفر” (آية6) كما هو مكتوب: وبهذا أيضًا ينفع المعلّمين في الكنائس، أن يستخفوا بكل تعب، وأن تكون لهم غيرة عظيمة لأجل خلاص الآخرين، أكثر من اهتمامهم بأجسادهم. إذن لكى نعرف نحن أيضًا أن الرب كان قد اعتاد أن يجول دون طعام في مثل تلك الأوقات، نرى الإنجيلى يقدم لنا التلاميذ وهم يترجون الرب، أن يأخذ ولو قليلاً من الطعام الذي أحضروه، كطعام ضرورى لا غنى عنه، لأنهم كانوا ” قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعامًا” (آية 8)، وكانوا قد أتوا به الآن فعلاً. فقال لهم ” أنا لى طعام لآكل، لستم تعرفونه أنتم“. صاغ المخلّص إجابته بحذق مما كان أمامه. إذ كان يتكلم بشكل سرى. فلو كانوا قد عرفوا أن تحول السامريين أوشك أن يتم، لكانوا قد طلبوا إليه بالحرى أن يتمسك بأمر أكثر رفعة من طعام الجسد. ومن هذا أيضًا نعرف مقدار حبه العظيم نحو الإنسان: لأنه يعتبر رجوع الضال إلى الخلاص هو طعامه ولذته.

 

يو33:4 : ” فقال التلاميذ بعضهم لبعض: ألعل أحدًا أتاه بشئ ليأكل؟ “.

          وإذ لم يفهم التلاميذ بعد، الكلام الذي بدا غامضًا لهم، كانوا يفكرون فيما كان يحدث بينهم أحيانًا كثيرة، وانحدروا إلى درك الأفكار، متخيلين أن أحدًا قد أحضر طعامًا، وربما كان هذا الطعام أغلى وأحلى مما جلبوه معهم!

 

يو34:4 : ” فقال لهم يسوع طعامى أن أعمل مشيئة الذي أرسلنى وأتمم عمله”.

يقدّم يسوع نفسه كمثال لمعلّمى العالم مستقبلاً، بغيرة متفاضلة وفائقة كثيرًا، ليتبصروا من جهة إيثار واجب التعليم، وعلى هذا الأساس يليق بهم أن يعتبروا حاجات الجسد في المرتبة الثانية. إذ بقوله إن طعامه الذي يسره هو أن يفعل مشيئة ذاك الذي أرسله وأن يتمم عمله فإنه يرسم ملامح الخدمة الرسولية ويوضح بجلاء أى نوع من الرجال ينبغى أن يكونوا في سلوكهم. كان من الضرورى أن يهتموا بالتعليم فقط، ويليق بهم أن ينصرفوا تمامًا عن ملذات الجسد، وفي بعض الأحيان والأوقات قد يضطرون للاستغناء حتى عن الخدمة الضرورية للجسد لحفظه من الموت!

          ولنقل هذا لأجل الوقت الراهن، لما هو لائق بخصوص نموذج ومثال الجماعة الرسولية. لكن إن كان ينبغى بالإضافة إلى ما سبق أن قيل، أن نشغل أنفسنا بالحديث أكثر عن التعليم، فإنه يقول بوضوح، إنه أُرسل بواسطة الله الآب، أما من جهة التجسد، الذي به أشرق على العالم جسديًا، بمسرة الآب الصالحة، أو كالكلمة الصادر من العقل الوالد، بكيفية ما، والمُرسَل والمُتمّم لأمره، لا باعتباره خادمًا لإرادات الآخرين. ولكونه هو ذاته الكلمة الحى وفي نفس الوقت مشيئة الآب فائقة الوضوح، فإنه يُخلّص حالاً أولئك الذين هلكوا . لذلك فإن القول ” إنه عمل الذي أرسله ” يبين أنه هو نفسه المتمم لهذا العمل: لأن كل الأشياء هى من الآب بالابن في الروح القدس.

 

يو35:4 : ” أما تقولون إنه يكون أربعة أشهر ثم يأتى الحصاد؟ “.

                ها هو يتخذ من مناسبات حديثة من جهة الزمن والحدث، ومن أشياء محسوسة بالفعل، وسيلة بها يشكّل اعلانه للأفكار الروحية. إذ كان الوقت لا يزال شتاءً بعد، ولا تزال سيقان القمح الهشة الرقيقة تبرز من سطح التربة، لكن بعد انقضاء أربعة أشهر، تنتظر أن تحصدها أيدى الحاصدين. [لهذا يصرح] ألا تقولون أيها الناس، هناك أربعة شهور لا تزال ويأتى الحصاد؟.

 

   “ها أنا أقول لكم ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول. إنها قد ابيضت للحصاد”

          أى ارفعوا قليلاً أعين فهمكم عن شئون الأرض، واهتموا بالبذر الروحى، الذي نما فعلاً، وابيض في الأرض، وفي النهاية يطلب منجل الحصاد لنفسه. لكن من المشابهة بالأمور في الحياة الفعلية، سترون ما يعنيه هذا الأمر. لأنكم ستدركون أن البذر الروحى وحشود السنابل الروحية، هم أولئك الذين، إذ حُرِثوا قبلاً بصوت الأنبياء، يأتون إلى الإيمان بالمسيح. لكن البذر أبيض، إذ نضج فعلاً وصار جاهزًا للإيمان، وثابتًا للتقوى، لكن منجل الحصاد هو كلمة الكرازة المضيئة، تقطع سامعيها عن العبادة حسب الناموس، وتنقلهم إلى الأرض، أى إلى كنيسة الله، هناك يُعصرون ويُضغطون بالأتعاب الصالحة ليعطوا قمحًا نقيًا جديرًا بجرن ذلك الذي يجمعه إليه.

 

يو37،36:4 : ” والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمرًا للحياة الأبدية لكى يفرح الزارع والحاصد معًا. لأنه في هذا يصدق القول أن واحدًا يزرع وآخر يحصد”.

          يقول إنه وقت الكلمة اللوغوس الذي يدعو إلى الإيمان، ويكشف للسامعين تحقيق غاية كرازة الناموس والأنبياء. لأن الناموس بخدمات رمزية، كما في ظلال قد ألمح إلى ذلك الذي يجب أن يأتى، أى المسيح، والأنبياء بعد الناموس، يفسرون كلمات الروح: ” لأنه بعد قليل جدًا” (عب37:10 قابل إش20:26). من هنا يشيرون إلى أنه أوشك على المجىء والحضور. لكنه إذ دلف إلى الأبواب، فإن كلمة الرسل لن تجعل ما كان منتظرًا، رجاءً بعيد المدى جدًا، بل سوف تستعلنه حاضرًا فعلاً بيننا وسوف “تحصد” من العبادة الناموسية أولئك الذين لا يزالون بعد تحت عبودية الناموس، والذين يقبعون في الحرف فقط، وسوف تنقلهم تلك الكرازة كحزم إلى النهج الإنجيلى ورعويته وسوف تقطع كذلك عبدة الأوثان من ضلال تعدد الآلهة، وتنقلهم إلى معرفة ذاك الذي هو بالحق، الله، ولكن نوجز الأمر كله بإحكام، فإنها ستنقل أولئك الذين يفتكرون في “ الأمور التي على الأرض” (كو2:3) إلى حياة الملائكة بواسطة الإيمان بالمسيح. ويقول هذا ما ستفعله كلمة الحاصدين، ومع هذا فلن تكون بلا “أجرة” لأنها سوف تجمع لهم فعلاً (ثمرًا) يزدهر إلى “حياة أبدية”، وهؤلاء الذين يقبلون هذا الثمر لن يفرحوا هم وحدهم فقط، بل لأنهم قد دخلوا على أتعاب وخدمات الأنبياء، وقد حصدوا البذار التي سبق وحرثها قبلهم (الأنبياء)، لذلك سوف يصبحون شركاء معهم، لكننى أظن أن الحكيم بولس، وقد تعلّم جيدًا أمثلة الأشياء العتيدة، يقول عن الآباء القديسين والأنبياء إنهم: ” كلهم مشهودًا لهم بالإيمان، لم ينالوا الموعد، إذ سبق الله فنظر لنا شيئًا أفضل لكى لا يكملوا بدوننا” (عب39:11،40). لأن المخلّص قصد صالحًا، أن الحاصد “سوف يفرح” مع مَن كان قد بذر قبله.

 

يو38:4 : ” أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه. آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم “.

          ها هو في النهاية، يكشف لهم عن السر كله، وإذ قد أزال غطاء الكلمات المعتمة، جعل المعنى جليًا للغاية. لأن المخلّص وهو محب الأنبياء، ومحب الرسل، لم يجعل تعب أولئك منفصلاً عن أيدى الرسل، ولا نسب إلى الرسل القديسين على الاطلاق المجد الخاص بأولئك الذين يخلصون بالإيمان به، بل إذ خلط تعب كل منهم مع تعب الآخر في شركة العمل الواحد، يقول إن كرامة الواحد هى كرامة للاثنين معًا. فهو يؤكد أن الرسل قد دخلوا على تعب الأنبياء القديسين، فلم يجعلهم يقفزون فوق صيت الذين سبقوهم، بل يحثهم بالحرى أن يكرموهم، إذ سبقوهم في التعب والزمان. وهذا أيضًا درس نافع وجميل لنا.

 

يو39:4 : ” فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام المرأة التي كانت تشهد أنه قال لى كل ما فعلت “.

          ها هو إسرائيل قد دين هنا مرة أخرى، وبسبب طاعة السامريين واستعدادهم للإيمان، يُوبخ بأنه غير راغب في المعرفة وقاسى القلب، لأن الإنجيلى يتعجب جدًا بسبب كثرة الذين آمنوا بالمسيح، قائلين ” بسبب كلام المرأة ” على الرغم من أن الذين تهذبوا بناموس المعرفة قبلاً، لم يقبلوا لا كلمات موسى، ولا أقروا أن عليهم أن يؤمنوا بأقوال الأنبياء، وهو بتلك الكلمات يمهد الطريق مقدمًا، أو بالحرى بحكمة يدافع مسبقًا، أن إسرائيل يجب وبحق أن تُطرح بعيدًا عن النعمة والرجاء الذي في المسيح وعوضًا عن ذلك يأتى ملء الأمم أو الغرباء الذين هم أكثر طاعة.

 

يو40:4 : ” فآمن به أكثر جدًا بسبب كلامه ” .

          يشرح الإنجيلى ما حدث في كلمات بسيطة، ومرة أخرى يعطى برهانًا آخر، أن إسرائيل بعدل يجب أن يطرح من رجائه، وأن يُطعِّم الغرباء في هذا الرجاء. لأن اليهود بظنونهم المُرّة والغير محتملة، كانوا يقاومون يسوع بالرغم من صنعه العديد من المعجزات أمامهم وقد سطع بمجده، بل ولم يخجلوا من أن يندفعوا في غضب شديد ليطردوه، وفي غيرة جامحة يخرجونه خارج مدينتهم. وهو الذي يهبهم كل الفرح. بينما يقتنع السامريون بسبب كلام المرأة، ويرجونه أن يأتى إليهم على وجه السرعة. وعندما أتوا إليه، بدأوا في غيرة يتوسلون إليه أن يأتى إلى مدينتهم، وأن يهبهم كلمة الخلاص، وسرعان ما استجاب المسيح لهم، عالمًا أن النعمة ستثمر فيهم. لأن ” كثيرين آمنوا بسبب كلامه ” فليعرف إذن مَن يحب الله ويتقيه، أن المسيح يرحل عن الذين يحزنونه، لكنه يسكن في قلوب الذين يفرّحونه بالطاعة والإيمان الصالح.

 

يو42:4 : ” وقالوا للمرأة إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن. لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم ” .

          ها هو إيمان السامريين ينبع من عظائم الأمور، وليس مما تعلموه من آخرين، بل مما تعجبوا هم أنفسهم بسماعه بأذانهم، لأنهم يقولون إنهم “يعرفون إنه هو مخلّص العالم حقًا”، جاعلين من الاعتراف برجائهم فيه عربون إيمانهم.

 

لقاء المسيح مع السامرية ج2 – القديس كيرلس الاسكندري – د. نصحى عبد الشهيد