آبائياتأبحاث

المقالة1 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج1 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة1 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج1 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة1 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج1 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة1 ج4 – السجود والعبادة ج1 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة1 ج4 – السجود والعبادة ج1 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة الأولى

حول “سقوط الإنسان وأسره في الخطية وعن دعوته وعن رجوعه بالتوبة وعن ارتفاعه إلى الحياة الفُضلى”

 

كيرلس: تمامًا، فكما أن التلوث يصيب كل من النفس والجسد، هكذا فإن التطهير سيكون شيئًا سهلاً لكل من النفس والجسد أيضًا. أما كون حب الحياة العالمية هو غريب بالنسبة لهؤلاء الأتقياء الذين يشعرون بغربتهم تجاهه، فمن المفيد لهم أن لا يواجهوا هذا الحب برخاوة. ولو طلب أحد مثالاً، فليأخذ إبراهيم مثالاً لهذا الأمر، إذ قال الله له: ” اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك. وتكون بركة وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض[1]. أفهمت إنه لم يأمره بأن يرحل عن الأرض والوطن فقط ولكن عن أهله وعشيرته وعن بيت أبيه، ويذهب إلى الأرض التي سوف يريه إياها؟

بلاديوس: لكن ماذا يعنى هذا؟

كيرلس: وأيضًا بعد كل ما سبق إيضاحه، هل سيكون غير واضح أن الله عندما يدعو أناسًا لكي يتبعوه روحيًا، يريد أن يبعدهم عن حياة العالم، وأيضًا بعيدًا عن حياة الملذات وحُب الجسد، هؤلاء أراد الله أن يكرمهم، فهل هناك شئ أفضل من هذا؟ فليتصاغر إذًا أمام عيوننا، الوطن والعشيرة والبيت العائلى والتكالب على الخيرات الأرضية. لذلك قد دعانا مخلصنا نفسه أن نُظهر صلابة مماثلة قائلاً: ” مَن أحب أبًا أو أمًا أكثر منى فلا يستحقنى ومَن أحب ابنًا أو ابنة أكثر منى فلا يستحقنى. ومَن لا يأخذ صليبه ويتبعنى فلا يستحقنى[2]ويضيف قائلاً: ” وكل مَن ترك بيوتًا وإخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية [3]. ألست تقبل أن هذا الأمر هو نتيجة فاعلية قوة المسيح، وليس نتيجة الصلابة الفائقة؟ وماذا تعتقد: هل حب الأب والأم والوطن أمر عديم النفع، بينما تبعية المسيح هو أمر واجب وضروري؟

بلاديوس: بالتأكيد أقبل هذا، طالما ابتعد أولئك عن الرجاء الحسن وعن نعمة المسيح، الذين دُعوا إلى الاحتفال بالعرس، إذ رفضوا الذهاب، فقد قال واحد من هؤلاء: ” تزوجت امرأة ولم أستطع أن آتى[4]، والآخر قال: ” اشتريت حقلاً[5]. وهكذا اُعتبرت الأمور الوقتية أسمى من الدعوة إلى العرس.

كيرلس: حسنًا يا بلاديوس، لقد أسعدتنى إذ تقول الصواب، بسبب عطشك للتعلم تتقدم كثيرًا وبنجاح في فهم مغزى كلامى. انتبه، فإن أولئك الذين يتبعون الله بكافة الطرق، واضعين الجسديات والاستمتاع العالمى (في مرتبة) بعد الرجاء في المسيح، هؤلاء سينالون التمتع بالنعم والبركات السماوية. واسمع ماذا يقول لابرآم؟ ” سأجعلك أمة عظيمة وسأباركك[6] معطيًا إياه كل ما يتعلق بهذا الوعد. أرأيت إذًا كم هو مقدار الخيرات الروحية المذخّرة له؟ أليس من الجدير أن نرى ونعرف بأى طريقة خرج إبرام من الأرض التي وُلد فيها؟ إذ يقول: ” فأخذ إبرام ساراي امرأته ولوط ابن أخيه وكل مقتنياتهما التي اقتنيا والنفوس التي امتلكا في حاران. وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان. فأتو إلى أرض كنعان. واجتاز إبرام في الأرض إلى مكان شكيم إلى بلوطة مورة. وكان الكنعانيون حينئذِِ في الأرض[7]. لقد خرج من حاران دون أن يترك أى أثر خلفه، ومعه كل عشيرته وأهل بيته. انتقل مستعدًا ومُجهزًا للرحيل إلى أرض كنعان التي أراها الله له. ثم بعد ذلك اخترق الأرض بطولها وأتى إلى أرض جبلية عالية. وهكذا فإن مَن أراد أن يتبع التعاليم الإلهية بإيمان ويكون مستحقًا للدعوة السماوية، متمتعًا بعناية الله الفائقة، فليخرج تمامًا من حياة الملذات العالمية، كأنه يخرج مع كل عشيرته دون أن يترك أية بقية من الاهتمام الذي كان لديه من قبل. إذ بهذه الطريقة يكون هروبه هروبًا حسنًا، إذ قد دُعى من الله. وكما كتب بولس الطوباوى، يمكنه أن يدرك، مع كل القديسين ما هو العرض والطول والعلو والعمق لسر المسيح. وعندئذِِ سيُسرع جدًا نحو الأرض العالية المرتفعة أى المؤسسة على الفضائل، إذ لا شئ يسقطها في محبة الجسد. ولكن عندما وصل أبرام إلى هذا المكان ماذا وجد من صالحات؟ هذا سنعرفه من نفس الكتب المقدسة لأنه يقول: “وظهر الرب لإبرام وقال لنسلك أعطى هذه الأرض، فبنى هناك مذبحًا للرب الذي ظهر له[8]. أى كان في وطنه، أُعطِىَ له الأمر النافع الوحيد، أنه يجب أن ينتقل إلى أرض أخرى، مهاجرًا من وطنه. لكن عندما وصل إلى أرض كنعان ومعه كل عائلته واحتياجاته، وصعد إلى الأرض المقدسة، أُعطيت له نعمة الرؤية الإلهية وثقة الرجاء في الحرية الثابتة، ثم التصريح له بعد ذلك ببناء مذبح.

ونحن أيضًا وللسبب نفسه، سوف لا يكون لنا أية نعمة من الله لو بقينا داخل العالم وفي ملذاته المقززة. أما عندما نُدعى من الله ونطيع الأوامر الإلهية، صاعدين كأنما إلى أرض عالية إلى الشوق والرغبة في كل صلاح، يضع الله داخلنا معرفة المجد ذاته الذي له، ويعدنا بالرجاء الثابت. هكذا يجعل ذهننا مهيئًا لكي نستطيع أن نقدم ذبائح روحية[9]، ونصير رائحة المسيح الذكية لله الآب بحسب المكتوب[10]، وهكذا نقدم له جسدنا ذبيحة حية ومرضية إلى الله، العبادة العقلية والروحية لأنه يقبل بفرح كل صور عبادتنا الروحية معتبرًا إياها ذبائح روحية[11].

بلاديوس: إذًا يجب أن ننتقل إلى حياة أفضل تاركين الحياة السيئة، ونقبل الدعوة السماوية بفرح فائق على قدر ما نستطيع، لتتميم كل ما هو مُكَرَّم في الناموس، لأنه سيكون من الخطأ تمامًا، أن نسعى ونسلك نحو السماويات ثم نعود ثانيةً إلى الأمور الشريرة المعتادة.

كيرلس: بالتأكيد يا صديقى، لأنه رهيب جدًا أن يخضع المرء ثانيةً بإرادته للمرض الذي تخلص منه. لأن أولئك الذين ابتعدوا مرة سيتعرضون للخطر بمجرد التفاتهم نحو هذه الحياة، متذكرين ثانية أخطاءهم فيها ومحولين أذهانهم إلى تلك الأمور التي كانوا يحبونها من قبل. لذلك يتوسل صاحب المزمور قائلاً: “حوّل عينىّ عن النظر إلى الباطل وفي طريقك أحينى [12]. وفي الحقيقة إن التمسك بشدة بشكل من أشكال هذه الحياة وأيضًا الاستمتاع بالأمور الوقتية هو أمر باطل، ويجب أن نكون منفصلين عنه ونتجنبه، ومَن اتخذ قرارًا بالفعل للسلوك في الطريق المستقيم ـ الأمر الذي يستطيع المرء أن يتعلمه ـ عليه أن يتجنب شهوة الأمور العالمية حتى ولو بالذهن.

بلاديوس: مِن مَن، تريد أن تقول؟

كيرلس: إن سكان سدوم وهم منجرفون بعنف جنونى نحو الملذات الغير طبيعية، قد أهانوا ناموس الجماع (التزاوج) الذي حددته الطبيعة كطريقة لإنجاب البنين، وصاروا منجذبين إلى جمال الصبيان. وبعملهم هذا، أتظن أن هناك أمر غير شرعى لم يفعلوه؟ لقد جلبوا الغضب على أنفسهم، وبطريقة ما دفعوا الخالق لكي يُسرع في إدانتهم، بالرغم من كونه بالطبع محبًا للبشر. إذًا عندما جاءت اللحظة التي كان يجب أن يعاقبوا فيها، بعدما صبر الله عليهم صبرًا عظيمًا، دخل إلى سدوم أولئك الذين كُلّفوا أن يتمموا مهمة العقاب. إذ هو مكتوب: ” فجاء الملاكان إلى سدوم مساءً وكان لوط جالسًا في باب سدوم. فلما رآهما لوط قام لاستقبالهما وسجد بوجهه إلى الأرض. وقال يا سيدىَّ ميلا إلى بيت عبدكما وبيتا واغسلا أرجلكما. ثم تبكران وتذهبان في طريقكما. وقالا لا بل في الساحة نبيت، فألح عليهما جدًا. فمالا إليه ودخلا بيته فصنع لهما ضيافة خبزًا وفطيرًا فأكلا [13]. ونجد أن لوط الذي كان قريب إبراهيم، وقد تغذى بالنواميس السليمة، قد تمم ـ بغيرة عظيمة ـ واجب التقوى نحو الله، ومع أنه سكن في سدوم، كان بالنسبة لهم غريبًا، فهو من حيث المولد من أم أخرى، وأيضًا هو مختلف عنهم من حيث أسلوب الحياة. وفق ما قد كُتب: ” أى شركة للنور مع الظلمة.. وأى نصيب للمؤمن مع غير المؤمن [14]. لقد تغلب لوط على عيوب ذلك المكان الذي كانت تسري فيه حياة العالم المعتادة، وأعطى مثالاً لحفظ ناموس إضافة الغرباء، إذ أكرم الكل، واستقبل وهو في مدخل المدينة أولئك الذين قدموا نحوه متيقنًا أن الله سَيُسرّ بعمله هذا. إذًا عندما أتى الملاكان، اللذين جاءا لعقاب أولئك الذين كانوا يمارسون الإباحية مثل الكلب المسعور، خرج مسرعًا لاستقبالهم، معبّرًا بذلك بكل وضوح عن المودة التي بداخله، إذ قد سجد أمامهم حتى الأرض، ودعاهم للذهاب إلى البيت حتى يعتنى بهما وفق نواميس المحبة. وعندما قالا له: ” لا في هذه الساحة نبيت “. أفصحا بهذا أنهما كانا غرباء بلا مأوى وبهذا شجعا لوط لاستضافتهما. وبذلك أعلنا أيضًا وبطريقة حسنة أنه لا يجب أن يتركهما طالما لم يكن لديهما مأوى، بل كانا فى العراء. هذا ما قد فهمه هذا البار، ولأجل ذلك، تمّسك بدعوته لهما وبإلحاح، ولم يجد مبررًا لرفضهما وما أبدياه من نية عدم الاستعداد للمبيت. أخذهما إذًا إلى بيته، وقدم لهما فطيرًا وأعد مائدة لكي يأكلا ويشربا. هذا بالتأكيد ما فعله البار، لكن أهل سدوم الذين طغت عليهم اللا إنسانية واللذة المقززة، أخذوا يحومون ـ برغبات دنيئة ـ حول بيت البار، متجاوزين أقصى حدود الشر، إذا طلبوا السماح لهم بأن يفعلوا معهما حسب عاداتهم الشريرة. وبينما كان يجب أن يختاروا فضيلة محبة الغرباء، أرادوا أن يفعلوا بهما شرًا بسفاهة تتخطى الحدود الطبيعية. وإذ حاول لوط أن يثنيهم عن مقاصدهم البشعة، أرادوا أن يجردوه ويقتلوه فورًا، لولا أنه كان هناك مَن أنقذه. لأنه مكتوب ” فقالوا أبعد إلى هناك. ثم قالوا جاء هذا الإنسان ليتغرب وهو يحكم حكمًا. الآن نفعل بك شرًا أكثر منهما. فألحوا على الرجل لوط جدًا وتقدموا ليكسروا الباب. فمد الرجلان أيديهما وأدخلا لوطًا إليهما إلى البيت وأغلقا الباب. وأما الرجال الذين على باب البيت فضرباهم بالعمى من الصغير إلى الكبير فعجزوا عن أن يجدوا الباب [15]. غير أن مساعدتهما له لم تقتصر فقط على هذا لأنه مكتوب بعد ذلك “ ولمّا طلع الفجر كان الملاكان يُعجلان لوطًا قائلين قُم خُذ امرأتك وابنتيك الموجودتين لئلا تهلك بإثم المدينة ولما توانى أمسك الرجلان بيده وبيد امرأته وبيد ابنتيه لشفقة الرب عليه وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة [16]. وما حدث هو دليل واضح جدًا لك، إذ أن الله لا يشجعنا بالكلام فقط. وعندما نتوسل إليه لكي نتجنب الخطية، فإن مخلص الجميع يصل إلى هذه الدرجة من الجود والطيبة والكرم تجاهنا، لدرجة أنه يُعطينا يده الممدودة إلينا حسب ما تقول الآية ” ولكنى دائمًا معك. أمسكت بيدى اليُمنى[17]. أى بسبب أن الطبيعة الإنسانية ليست قوية بالكفاية ولا تملك قدرات كافية تمكنها من أن تتجنب الشر، إلاّ أن الله قد صار شريكًا معها في الجهاد. ونرى أنه يمنحنا نعمة مزدوجة، ويحاول أن يقنع النفس بالشرائع ويمهد لها الطرق التي تساعدها، مانحًا إياها المقدرة على الانتصار على الشر الذي يعطلها ويميتها. وسترى أن هذا الأمر هو أمر واقعي إذ أن أولئك العاملين بالبر، هم قليلون، وأن الرجال الصالحين نادرون في هذه الحياة. لأنه مكتوب ” أما الرجل الأمين فمن يجده[18]. لكن هذا الإنسان الأمين هو مختار وجدير بكل رعاية. وبالرغم من أنه يحيا داخل العالم مع الآخرين، لكنه لا يُصاب بضرر من هذا العالم. فهو يُختطف من داخل الأشواك مثل السوسن. وبحسب شهادة القديسين فإن البار لا يمكن أن يهلك مع الأثمة.

بلاديوس: بناء على ذلك، فإن الله يشفق علينا، والملائكة والقديسون يُسرعون نحونا. وسوف نتخلص من شهواتنا الدنيئة، وسوف ننجح ولن نقع أسرى لانتقام الأشرار بأى حال من الأحوال، إذ نؤمن بالله الذي ينادى بفم نبيه

لأني أنا الرب إلهك الممسك بيمينك القائل لك لا تخف أنا أعينك. لا تخف يا دودة يعقوب يا شرذمة إسرائيل أنا أعينك يقول الرب وفاديك قدوس إسرائيل[19].

51 تك1:12ـ3

52 مت37:1ـ38

53 مت 29:19

54 لو 20:14

55 مت 18:19

56 تك2:12

57 تك5:12ـ6

58 تك7:12

59 1بط 5:3

60 2كو 15:2

61 رو1:12

62 مز 37:139

63 تك1:19ـ4

64 2كو 14:6ـ15

65 تك9:19ـ11

66 تك15:19ـ16

67 مز 23:73

68 أمثال 6:20

69 أش 13:41ـ14

 

المقالة1 ج4 – السجود والعبادة ج1 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم