آبائياتأبحاث

المقالة2 ج5 – السجود والعبادة بالروح والحق ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة2 ج5 – السجود والعبادة بالروح والحق ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة2 ج5 – السجود والعبادة بالروح والحق ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة2 ج5 – السجود والعبادة ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة2 ج5 – السجود والعبادة بالروح والحق ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة الثانية

كيرلس: على الرغم من أن الأمر مملوء بالتساؤلات، يا بلاديوس، إلاّ أنه يمكن للمرء أن يفهمه عندما يلاحظ المعانى المفحوصة بتبصر عظيم جدًا. لقد عُين موسى كليم الله لهذه الرسالة، لم يتقدم فورًا نحو هذه الرسالة تاركًا أمور العالم، ولم يقطع اهتمامه بالجسديات، بل سبق وأعلن لأتباعه عن الرحيل. ولم يرحل من بلاد المديانيين، إلاّ بعد أن علم أنه قد مات أخيرًا طاغية المصريين، إذ خاف جدًا منه ربما يقتله. لكن عندما تخلص من مخاوفه هذه بعد إعلان الله المسبق له، أخيرًا أخذ امرأته وأولاده ونزل إلى مصر، مقدمًا أكثر مما أمر به، وهذا يمكن أن يكون مثالاً للحياة تحت الناموس، التي هي مجزأة بطريقة ما، وتتطلع إلى الاتجاهين، أقصد نحو ما هو للإلهيات وما هو للبشر. وبالطبع ليست الحياة حسب الناموس حرة من الاهتمامات الأرضية والعالمية، ولا هي مقدسة تمامًا، بالرغم أنه بحسب السلوك الملائكى لا يوجد بتاتًا الانقسام الداخلى نحو الجسديات، أي نحو أمور العالم، لكن بكل الطرق تكرس لله هؤلاء الذين يحيون بحسب وصايا المسيح. إذ يقول “ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات[1]. فعندما ذهب واحد من التلاميذ إلى المسيح وقال له “يا سيد ائذن لي أن أمضى أولاً وأدفن أبى[2]. عرفه السلوك المقدس بكل جوانبه، إذ قال له مباشرة: “اتبعنى ودع الموتى يدفنون موتاهم[3]. يكتب بولس العجيب لأهل غلاطية “ولكن لما سُرّ الله أن يعلن ابنه فيّ لأبشر به بين الأمم للوقت لم أستشر لحمًا ودمًا[4]. لكن موسى كان له عذر في موقفه هذا، لأنه، كما قلت إن الحياة بحسب الناموس هي مقسمة وكانت ما تزال توجد تحت خوف الموت. أي لقد خاف موسى أن ينزل إلى مصر، مريدًا أن يهرب من الموت. لكن في المسيح قد أبطل الموت وهذا ما سوف يؤكده لنا بولس القديس عندما يقول عن المسيح وعنا “فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يُبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية[5]. وبناء على ذلك قد انتصب ذهن القديسين بشجاعة فائقة أمام الموت. فبولس يقول في مكان آخر “لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح[6]. وأيضًا “مَن سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف[7]. لكن كون أن الخوف من الموت يسيطر على الحياة بحسب الناموس، بينما هذا الخوف من الموت يتلاشى بتأثير نور الحياة فى المسيح، هذا يمكن أن يكون واضحًا جدًا، طالما الكتاب يعلن أن الموت قد ملك من آدم إلى موسى. لكن ذاك الذي أبطل الموت وزعزع قوة الفساد، لا يمكن أن يكون إلاّ ربنا يسوع المسيح وحده (أنظر 1كو24: 15ـ26)، وهو الذي خلّص المؤمنين ومعهم خلّص أولئك الذين قد تهذبوا بالناموس. لأن الكلمة النبوية تقول “لا رسول ولا ملاك لكن الرب نفسه خلصهم[8]. وسوف ترى بوضوح السر الخاص بهذا كمثال في كل ما حدث لموسى الطوباوى. أي عندما خرج من بلاد المديانيين وتوجّه نحو مصر، قال الله له “عندما تذهب لترجع إلى مصر أنظر جميع العجائب التي جعلتها في يدك واصنعها قدام فرعون[9]. وبعد ذلك بقليل يقول “وحدث في الطريق في المنزل أن الرب التقاه وطلب أن يقتله. فأخذت صفورة صوَّانة وقطعت غرلة ابنها ومسّت رجليه. فقالت إنك عريس دم لي. فانفكَّ عنه، حينئذِِ قالت عريس دم من أجل الختان[10]. ربما يحتاج الأمر إلى كلمة مُطوّلة لكي يصير واضحًا جدًا؟ هل شرحى واضح؟

بلاديوس: بالطبع لا: لأنى على أية حال، لا أفهم بتاتًا ما الذي يشار إليه من هذا الذي حدث لموسى.

كيرلس: أي ألا تقبل، يا عزيزى، أن الطبيعة البشرية صارت مذنبة للموت بسبب تلك اللعنة القديمة؟ لأنه قد قيل لنا في بداية جنسنا وفي أصلنا الأول أي في آدم “لأنك تراب وإلى تراب تعود[11].

بلاديوس: هذا أقبله بالتأكيد.

كيرلس: إذن، لأن بداية الجنس البشرى بسبب الخطية انتهت إلى مرض الموت، وهذا الموت اجتاز إجباريًا إلينا، فمن الجذر امتد إلى الفروع التي تفرعت منه. لأن الثمر الفاسد هو من الأصل الفاسد. هكذا ملك الموت على الجميع، وحتى على موسى نفسه، أي حتى ذاك العصر الذي كان فيه الناموس ساريًا. وبناء عليه فتصرف الملاك ضد موسى وقتئذ، كان مثالاً واضحًا وظاهرًا على أن الموت قد سرى حتى على موسى وعلى كل إنسان قد وُجد تحت سلطان الفساد. لكن زوجة موسى صفورة الساكنة معه في الخيمة توسلت للملاك المهلك ومنعته عن زوجها، إذ قطعت بحجر غرلة ابنها وطلبت إليه قائلة “أوقف الدم من ختان ابنى”. وتعبير “أوقف الدم “قالته، ليس لأنه قد انقطع تدفق الدم، ولا كما أظن أنها إطلاقًا قد غيرت رأيها وأرادت ترهيب المهلك، ولكن كأنها قالت “تمت إرادة الله وتحققت، أي ختان الولد”. مثلما يقول الواحد “أنه بدلاً من القول بأن الأمر قد وصل إلى نهايته وصار مقبولاً“، يقال توقف الحديث عن النموذج أو المثال.

بلاديوس: بعد ذلك، كيف ستفهم صفورة؟ وماذا يعنى الحجر والختان الذي صارا به؟ وماذا يعني توسلها لملاك الله، وإنقاذ موسى من تهديد الملاك والموت المحقق وذلك بختان الولد؟.

كيرلس: حقيقة أن الحديث في هذه الأمور التي نفحصها هو غامض وصعب الفهم. لكن لدينا ثقة في الله، وسأسرع ثانية لشرح هذا الأمر بقدر ما أستطيع. صفورة التي كانت ابنة كاهن مديان (هذا كان من أمّة أخرى وليس من دم إسرائيل) تُصّور وتشير إلى الكنيسة التي أتت من الأمم والتي دُعيت من العبادة الدنيوية إلى عبادة الله. لأنه قد قيل عنها في موضع ما بفم داود “إسمعى يا بنت وانظرى وأميلى أذنك وانسى شعبك وبيت أبيك فيشتهي الملك حُسنك لأنه هو سيدك [12]. أي دُعيت (صفورة) بينما اتبعت الناموس وكانت بطريقة ما مرتبطة (كزوجة) بالمؤدب موسى وانقادت بالصواب نحو سر المسيح (أنظرعب5)، لأن الناموس هو مُعلم البدائيات، ويقودنا إلى أساسيات أقوال الله ويلقى داخلنا ـ بألغاز وظلال ـ بذرة معرفة سر المسيح. ولذا قال المسيح لليهود، الذين لم يكن عندهم وفاء لموسى القديس “لا تظنوا أنى أشكوكم إلى الآب. يوجد الذي يشكوكم وهو موسى الذي عليه رجاؤكم. لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى[13]. إذن طالما قد قبلنا أن صفورة تمثل الكنيسة التي من الأمم فإن ابنها سيكون على أية حال مثال للشعب الجديد، إذ أن كل الذين آمنوا قد قبلوا الطفولة الروحية للمسيح وميلادهم الثانى الإلهي، وهم الذين يدعوهم داود في موضع ما “وشعب سوف يُخلق[14]. فالطفل حديث الولادة في الإيمان بالمسيح، أي الشعب الجديد، بختان الإيمان أبعد عنه الموت. لأن الحجر هو رمز للطبيعة التي لا تنكسر، وقساوته تشير إلى قوتها وترابطها. ويشوع بن نون حيث إنه عبر بالإسرائيليين من الأردن، فعل لهم أيضًا ختانًا بسكاكين من الحجارة، كمثال للختان الذي سيصير بالروح باسم المسيح. لأن المسيح هو صخر (أي حجر)، والحجر الذي به عملت صفورة ختان الطفل، يعلن مسبقًا ما قلته الآن كمثال. وعندما هرب الموت الذي طلب أن يقتل موسى وابتعد عنه، عندئذ كُرّم كسر الختان بالمسيح مُعلنًا لنا هذا الأمر بطريقة رمزية، إن الموت لم يترك فقط كل الذين استحقوا الختان باسم المسيح، بل هذا الحدث أقصد سر المسيح، قد أعان الأجداد أنفسهم، أي مثلما متنا في آدم. هكذا امتدت (ملكت) نعمة المسيح لنا كلنا، لأنه مات لأجل هذا السبب أي لكي يصير ربًا على الأحياء والأموات. وبناء على ذلك في وقت ختان الشعب الجديد، صارت حياة الآباء صالحة لأنهم عاشوا مع الله، وتخبرنا الكتب المقدسة عن أهمية عيشهم مع الله. زمن الختان الروحي هو حضور المسيح، لأنه هو أكثر شفاعة من موسى لكونه إله، إلاّ أنه هو الثانى بعده بسبب أنه قد ظهر كإنسان ليخدمنا. انتبه إذن أن الله عين أولاً موسى، ثم بعد ذلك دعا هارون، وتمثل الدعوة الثانية ـ أي بعد إرسالية وخدمة موسىـ زمنيًا، حضور المسيح الذي كان إنسانًا مثل موسى، ولكن تفوق عليه بالألوهية الفائقة التي لا تقارن لأن أباه هو الله. وتستطيع أيضًا، لو أردت أن تتيقن هذا من الكتابات المقدسة نفسها، لأنها تقول “ففعل موسى وهرون كما أمرهما الرب. هكذا فعلاً، وكان موسى ابن ثمانين سنة وهرون ابن ثلاث وثمانين سنة حين كلّما فرعون[15]. أسمعت إذن أن الاثنين كانا متساويين لأنهما كانا في الثمانينات، بالرغم من أنه من جهة الخدمة كان هرون بالطبع بعد موسى؟ هكذا المسيح كان مساويًا لموسى من الجانب الإنسانى، لكنه من جهة التدبير كان بعد موسى بالرغم من أنه الأسمى والأعظم من جهة الألوهية ومجد الثالوث القدوس.

بلاديوس: إن كلامك واضح جدًا.

كيرلس: لكن ماذا؟ ألا يستحق أن نرى شيئًا آخر إضافة لكل هذا؟

بلاديوس: ما هو؟

كيرلس: إن الإسرائيليين لم يخرجوا من أرض المصريين، ولا تحرروا من العبودية القاسية والممقوتة لهم، وأقول بالصواب أنه، لم يكن في إمكانهم تجنب الموت الذي قضى على أبكار المصريين، ولا تفادى قبضة الملاك المهلك القوية، لو لم يذبحوا الحمل كمثال للمسيح الذي يرفع خطايا العالم. لقد دهنوا الأبواب بالدم بحسب وصية موسى التي أعطيت لهم، وسر المسيح جعلوه سلاحًا لهم وحصنًا لنفوسهم. فموت المسيح هو وراء بطلان الموت. والذين يشاركون في هذه البركة السرية، لا يمسهم الفساد وفقًا للقول : ”الحق الحق أقول لكم .. مَن يأكل جسدى ويشرب دمى فله حياة أبدية[16]. لقد أكلوا الحمل، ومعه خبز غير مختمر (فطير). بهذا المثال يُعلن ـ بطريقة غير مباشرة ـ جمال ونقاء التعاليم الإنجيلية بالخبز غير المختمر، والتي لن تنفذ بدون مشقات ومرارة الأحزان، لذلك كان يجب أن يأكلوا أعشاب مرة مع الخبز غير المختمر. وبناء على ذلك مع الطعام غير المختمر، يجب أن يكون لدينا المرارة (الآلام). لأنه يقول “وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون[17]. لكن كل الذين سيتألمون بهذا سيُطَوبون. لأنه بحسب الكتاب “إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضًا معه”(رو 17: 8). هل كلامى خرج عن الموضوع؟

بلاديوس: إطلاقًا.

97  غلا 24:5

98  مت 21:8

99  مت 22:8

100  غلا 15:1ـ16

101  عب 14:2ـ15

102  في 21:1

103  رو 35:8

104  إش9:63س.

105  خر 21:4

106  خر 24:4ـ26

107  تك19:3

108  مز 10:45ـ11

109  يو45:5ـ46

110  مز 18:102

111  خر 6:7ـ7

112  يو53:6ـ54

113  2تي12:3

 

المقالة2 ج5 – السجود والعبادة ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم