آبائياتأبحاث

المقالة3 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة3 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة3 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة3 ج1 – السجود والعبادة ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة3 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

المقالة الثالثة

 

يستحيل بدون تقديس أن نتجنب الموت من الخطية وسلطان الشيطان، وأن التبرير لا يصير بالناموس ولكن بالمسيح.

 

حسنًا أتم الإسرائيليون تقديم الذبيحة، وهلك أبكار المصريين، وأبعد المسيح ـ رمزيًاـ الملاك المهلك عن المقدسين. وعندئذ بمجرد خروجهم من أرض المستبدين، أسرعوا لكي يصلوا إلى الأرض التي وعدهم الله بها، لكن لم يسيروا إليها مباشرة، إذ ذهبوا تائهين مرة إلى يسار طريقهم ومرة إلى يمينه. لأنه مكتوب أيضًا: “وكان لما أطلق فرعون الشعب أن الله لم يهدهم في طريق أرض الفلسطينيين مع أنها قريبة. لأن الله قال لئلا يندم الشعب إذ رأوا حربًا ويرجعوا إلى مصر. فأدار الله الشعب في طريق برية بحر سوف[1].

بلاديوس: أي سر مُستتر هنا؟

كيرلس: فلنفحصه إذا أردت. لقد أدركت أنه رغم أن الطريق الذي يقودهم مباشرة إلى مقصدهم، كان أمامهم وكان في استطاعتهم أن يصلوا بسرعة سيرًا على الأقدام. لأنه يقول كانت أرض الموعد قريبة إلاّ أنه قد ذهب بهم من طريق آخر والذي ترتب عليه تيه كبير إذ توقع الخالق استعدادهم للعصيان والميل الزائد للجبن الذي لازم الأقدمين منهم.

بلاديوس: الكلام ليس واضحًا.

كيرلس: دعنا إذن نأتي إلى الرؤية الروحية للأمر. كل الذين يخرجون من الحياة العالمية ومن طغيان الأرواح النجسة، كما لو كان من أرض مصر، فالطريق المباشر تمامًا والقصير الذي يقود إلى القداسة وإلى الرجاء بالقرب من الله، هو الإيمان بالمسيح والتبرير الذي يهبه لنا. وهذا يوافق ما قاله بولس بحكمة: “لكن ماذا يقول. الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك أي كلمة الإيمان التي نكرز بها. لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت. لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص[2]. إذن لم يترك الله للأقدمين الطريق القريب جدًا والسريع لكي يسلكوا فيه، لكن ابتدع طريقًا دائريًا، لم يكن فيه بتاتًا مسار مستقيم وأعطاهم كلمات تحمل معاني كثيرة وناموسًا فيه إشارات، يهدف إلى تربية طويلة المدى وشاقة. لدرجة أنهم أخذوا بطريقة ما نوع من دراسة الأمور الكاملة من كل ما هو موجود في الظل لكي يتعلموا مسبقًا السر ولكيلا يسقطوا في المخاوف التي يمكن أن تحدث في العصيان والابتعاد عن المسيح. وحقًا بطريقة ما صاروا متدربين ومتعلمين على المنفعة الحقيقية وسيكون لهم استعداد أكثر للرغبة والتهيئة للحق، آخذين المحبة لله كسند غير مزعزع. إذًا كان الناموس مربيًا بطريق طويل وليس مستقيمًا ـ طريق عبادة الحرف. لكن الأمر ليس هكذا مع المسيح. لأنه أظهر لنا الطريق المستقيم والسريع، أي طريق الإيمان محولاً إيّاه إلى جرأة وإلى ضرورة الوقوف بشهامة في مواجهة كل ما يحاربنا. فلنحب المخاطرة من أجل الصلاح ونواجه حيل الشيطان بثبات، مرددين هذا الذي قاله النبي “هوذا السيد الرب يُعيننى. من هو الذي يحكم علىّ[3]. وهذا بالتأكيد هو ما يثير فينا الجُرأة التي تستحق كل إعجاب: ليس شيء آخر من كل الأشياء الأخرى إلاّ القوة من السماء، أي الاتحاد وشركة الروح القدس.

بلاديوس: لقد فهمت هذا الذي تقوله ومعجب جدًا بذكاء روحك.

كيرلس: بالتأكيد يمكن أن يُعلن وقت الخلاص بواسطة المسيح مباشرة، هذا الذي يُذكر مرتبطًا بما سبق لأنه يقول “في الجيل الخامس خرج الإسرائيليون من مصر[4]. لأنه يحررنا من العبودية ومن الآلام الناتجة عن التيه الباطل، وبالأكثر من مشقة العمل في الأرض والطين (أتفهم هذا الذي أقوله)، فى الجيل الخامس، أي التعاقب الخامس للسنين وفقًا للمقطع الإنجيلى، لأنه يقول “فإن ملكوت السموات يشبه رجلاً رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه. فاتفق مع الفعلة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه. ثم خرج نحو الساعة الثالثة ورأي آخرين قيامًا في السوق بطالين. فقال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم فمضوا. وخرج أيضًا نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك. ثم نحو الساعة الحادية عشر خرج ووجد آخرين قيامًا بطالين. فقال لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين. قالوا له لأنه لم يستأجرنا أحد. فقال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم[5].

          انتبه إذن أن الأخيرين الذين أُرسلوا إلى الكرم بطريقة ما هم الجيل الخامس وفي الأوقات الأخيرة، وذلك عندما صار الوحيد الجنس إنسانًا، وعزم أن يُذبح من أجل حياة الجميع. لذلك حدّد الناموس الموسوى أن يأخذوا الخروف من اليوم العاشر للشهر الأول وأن يذبحوه نحو المساء في اليوم الرابع عشر لنفس الشهر، حتى في نفس الوقت والتعاقب الخامس للسنين بعبارة “نحو المساء”، أي الجيل الخامس الذي صار فيه ذبح المخلص.

بلاديوس: إذن كل هدف الكتب الملهمة بروح الله، كما يبدو، هو التطلع إلى سر المسيح (2تيمو16: 3).

كيرلس: بالطبع بكل الطرق، لأن غاية الناموس والأنبياء هو المسيح. لأنه “لا يوجد اسم آخر تحت السماء قد أُعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص[6]. هذا ما قاله تلميذ المخلص. ويسهل أن نبرهن على هذا الأمر، لو فحصنا كل ما يتبع ذلك. لأنه يقول “وارتحلوا من سكوت ونزلوا إثيام في طرف البرية. وكان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نار ليضئ لهم. لكي يمشوا نهارًا وليلاً. لم يبرح عمود السحاب نهارًا وعمود النار ليلاً من أمام الشعب[7].

          أرأيت كيف أنه عندما ارتحل الإسرائيليون من أرض المصريين كان الله قائدًا لهم بشكل عمودى السحاب والنار؟! وبالاثنين قد صُوِّرَ المسيح مسبقًا.

بلاديوس: بأي طريقة؟

كيرلس: أولاً، بسبب أنه عمود وسندِِ للحق، غير متزعزع تمامًا وغير قابل للسحق بل هو مرتفع عاليًا عن الأرض. لأنه بنور المسيح قد تخلصنا من اهتمام الجسد ومن الالتفاف حول الشرور الأرضية، ونسمو عاليًا بواسطته، جاعلين اهتمامنا بالسماويات وطننا الحقيقي، لأنه مكتوب “أقوياء الرب يرتفعون كثيرًا فوق الأرض[8]. والمسيح يقول في موضع ما بفم داود عن الأرض والرسل القديسين “أنا ثبتّ أعمدتها[9]. وقد ثبت التلاميذ القديسون (بالمسيح) الذين يسندون الأرض، بقوة من الأعالى أي حاملين نعمة الروح القدس. وكانوا أعمدة بسبب طاعتهم للمسيح وتشبههم به بنعمة الروح القدس. ستقبل إذن أن المسيح سُمىّ عمودًا ليس لأي سبب آخر، إلاّ ما قلناه من قبل. لأنه قادهم، عندما كان نهار بعمود سحاب، وبالليل بعمود نار لكي يُظهر لهم الطريق. اعتاد الكتاب المقدس أن يدعو الزمن الذي قبل مجئ المسيح بالليل، والذي فيه ساد الشيطان بسلطته على البشر بظلمة الجهل. ويقول أيضًا عن النهار إنه زمن ظهور المخلص، والذي فيه قد استنرنا إذ قد قبلنا في عقلنا بهاء المعرفة الإلهية الحقيقية، ونرى بأعين النفس شمس البر. وسوف يؤكد هذا بولس عندما يقول عن زمن ما قبل المجيء وزمن المجيء “قد تناهي الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. لنسلك بلياقة كما في النهار[10] قاصدًا إذن الزمن القديم على أنه ليل، والزمن الذي صار فيه وحيد الجنس إنسانًا، على أنه نهار، نقول إنه تقدم أمام الإسرائيليين بشكل نار، أي بما يتناسب مع الناموس الذي يُدين ويعاقب (لأن النار هي علامة العقاب)، بينما يتقدم أمامنا بشكل السحابة، والتي هي مثال للمعمودية المقدسة لخلاصنا بالماء. أليست السحابة ماء؟

بلاديوس: وكيف لا تكون؟

كيرلس: وعندما ارتحل الإسرائيليون من مصر، استشاط غضبًا سيدهم القديم، أي فرعون، وشرع في مطاردتهم. إذ يقول “فشد مركبته وأخذ قومه معه. وأخذ ست مئة مركبة منتخبة وسائر مركبات مصر وجنودًا مركبية على جميعها[11]. وأيضًا بعد ذلك بقليل يقول: ”فلما اقترب فرعون رفع بنو إسرائيل عيونهم وإذا المصريون راحلون ورائهم ففزعوا جدًا وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب. وقالوا لموسى هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية. ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر. أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين كُفّ عنا فنخدم المصريين. لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية[12]. فأجاب موسى على هذا “لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم. فإنه كما رأيتم المصريين اليوم لا تعودون ترونهم أيضًا إلى الأبد. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون”، “فقال الرب لموسى مالك تصرخ إلىّ. قل لبنى إسرائيل أن يرحلوا. وارفع أنت عصاك ومد يدك على البحر وشقه. فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة[13]. لقد جعل الله طريقة المعونة واضحة إذ “انتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار ورائهم وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف ورائهم. فدخل بين عسكر المصريين وعسكر إسرائيل وصار السحاب والظلام وأضاء الليل. فلم يقترب هذا إلى ذاك كل الليل[14]. إن رواية التاريخ المقدس تخبرنا بكل هذه الأحداث. لكن يجب، على ما أظن، أن نفحص نحن ثانية عن دقة المعانى، محللين بالتفصيل كل ما كُتب بعقولنا.

بلاديوس: بكل تأكيد

كيرلس: يرتحل إذن الإسرائيليون، مُسرعين إلى الأرض المقدسة آخذين الله مرشدًا لهم وقائدًا لمسيرتهم في شكل النار والسحابة. لأنه لن يكون من الممكن بأية طريقة أن نصل إلى المدينة السماوية المقدسة، إن لم يكن المسيح قائدنا لكي يُظهر لنا طريق الخلاص. وأعداء هذا العالم يصّرون على أسنانهم أمام هؤلاء الذين يفضلون طريقة العمل هذه، إذ الناموس يحثهم على أن يُظهروا الجرأة ويشجعهم في خوفهم. وكون أن جميع خصومهم سوف يسقطون، هذا يعلنه (الكتاب) بأكثر وضوح. لأن القول بأن المصريين قد خرجوا من الوسط يشير على أي حال لهذا الأمر وأيضًا الذين يخافون ربما يصابون بشيء ما، قد خلصهم الله مستخدمًا المعمودية المقدسة كمثال. فهو يقول “قل لبنى إسرائيل أن يرحلوا وارفع أنت عصاك ومدّ يدك على البحر وشقه. فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر[15]. ألم يكتب إذن بولس العظيم عن الإسرائيليين، أن الكل بثقة في موسى قد نالوا المعمودية داخل السحابة والبحر (1كو2: 10)؟

بلاديوس: أوافقك على هذا.

كيرلس: يجب إذن على كل الذين يريدون أن يتبعوا المسيح ويُسرعون نحو المدينة السماوية، أن لا يتوقفوا عند الناموس وأن لا يظلوا متمسكين بوصايا موسى، ويصّرون على الحياة داخل الظلال والأمثلة لكن بالأحرى أن يرحلوا وأن يتقدموا إلى المعمودية المقدسة. هذا فعله القدماء بأمر من الله سائرين بين الأمواج، وكما يقول بولس “معتمدين في البحر”. إذ عندئذِِ فقط سيكون لديهم مُعين، يسوع المسيح الوسيط بين الله والناس. إذ أن الكلمة الذي هو الله، قد صار إنسانًا. ومن وجهة نظر أخرى، سيتخذونه وسيطًا بحسب التدبير، لأنه دائمًا يفصل بين هؤلاء الذين يتقونه وأولئك الذين يطاردونهم ولا يتركهم يتشابكون، إذ يعيق هجمات الأعداء حيث يقول “فانتقل ملاك الله وعمود السحاب.. فدخل بين عسكر المصريين وعسكر إسرائيل.. فلم يقترب هذا إلى ذاك كل الليل[16]. يقصد بالملاك وبعمود السحاب أيضًا المسيح لأن اسمه “ملاك المشورة العظمى”[17].

بلاديوس: أي عندما يتوسط المسيح سوف لا نصطدم بهؤلاء الذين يريدون أن يحاربوننا؟

كيرلس: هكذا يكون الأمر وأنت قد استوعبته بشكل سليم. أما ما هو غير ذلك، فإن وجهة نظرى لن تنحرف عن هدفنا. لو فضلنا الآن أن نتخلص من محبة اللذة والحياة العالمية وأن نهتم بأن نتبع نواميس الله بأكثر غيرة ممكنة دون أن نكون أغنياء بعد بالنعمة الإلهية، بواسطة المعمودية المقدسة فلن نكون أقوياء ولائقين عند الضرورة في تحمل الآلام والصبر عليها من أجل الفضيلة ولا نستطيع أن نتحمل محنة الحروب. ومثل النباتات التي بمجرد أن تبدأ في الإنبات لا يمكنها أن تحتمل ضرر التعرض لأشعة الشمس القوية ولا أن تعانى من أي تلف صغير حتى لو زعزعتها هبوب رياح شديدة، إذ هي في حاجة شديدة على أي حال لمعونة فنية ورباط يربطها بعضها ببعض. بنفس الطريقة على ما أعتقد، فإن نفس الإنسان المتحررة حديثًا من عبودية الشهوات والتي تسير نحو الأفضل وترغب في إتباع الناموس الإلهي، تكون غضة وطرية، ومن السهولة أن تنثني وتتقهقر للخلف، وهي تشاهد أمامها المشقة ومتاعب الجهاد، وهكذا ستعتبر أنه من الأفضل أن ترجع إلى ما كانت عليه. هكذا الإسرائيليون عندما رأوا عدة المصريين، ارتعبوا فقط من منظر الحرب، وتشاحنوا مع موسى كليم الله وقالوا له “أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين كُف عنا فنخدم المصريين. لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية[18]. إذن فنفس الإنسان ضعيفة فى الجهاد ومهيئة تمامًا لقبول العبودية ومتخوفة جدًا من المعمودية المقدسة، لكن لو أُحيطت بالقوة السماوية ونالت النعمة، فسوف تواجه أولئك الذين يريدون أن يلاحقونها بقوة، وسوف تحارب ببسالة، وبسهولة كبيرة سوف تصد ثورات الخصوم، وذلك بالمسيح قائدها والمحارب عنها. لأنه ليس ممكنًا أن ننتصر بطريقة أخرى، سوى هذه الطريقة.

1 خر17:13ـ18

2  رو8:10ـ10

3  إش9:50

4  خر3:13 س

5  مت1:20ـ7

6  أع12:4

7  خر20:13ـ22

8  مز10:46س

9  مز4:47س

10  رو12:13ـ13

11  خر6:14ـ7

12  خر10:14ـ12

13  خر13:14ـ16

14  خر19:14ـ20

15  خر15:14ـ16

16  خر19:14ـ20

17  إش6:9.

18  خر12:14

 

المقالة3 ج1 – السجود والعبادة ج2 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم