آبائياتأبحاث

المقالة4 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة4 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة4 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة4 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة4 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة الرابعة

 

بلاديوس: هذا صحيح.

كيرلس: حسنًا، الجمع المُنتخب والشجاع جدًا استُدعوا إلى الرحب ضد المديانيين، ورافقهم فينحاس الكاهن بالأواني المقدسة، وأيضًا الأبواق للهتافات. لأن المسيح دائمًا يشارك (في الحرب) ويدافع عن المحاربين الشجعان، إنه رئيس كهنتنا الأعظم، وأيضًا الملائكة تؤازرهم، وهذا ما تشير إليه الأواني المقدسة التي للخدمة، هي الأرواح السماوية العاقلة، إذ عُينوا من الله ليكونوا مساعدين لنا. وأبواق الهُتاف ترافقهم، أي كلمات المعلمين الإلهيين، وهذا يُظهر الطريقة التي يجب أن ننتصر بها على الأعداء، أي على شهواتنا الداخلية. إذن الكاهن فينحاس هو مثال للمسيح، والأواني المقدسة تشير إلى الملائكة، وأبواق الهُتاف تُشير إلى الكلمة الإلهية. هكذا بقوة المسيح سننتصر بدون مشقة على كل الذين يقفون ضدنا، مرددين هذا الذي يرنم به المرنمون: ” بك ننطح مضايقنا. باسمك ندوس القائمين علينا[1]. هذا بالضبط ما فعله الإسرائيليون، عندما أخبروا كل مدن المديانيين، اقتادوا الأسرى إلى أليعازار الكاهن وكل شعب بني إسرائيل. حقيقة إنها مخصصات مقدسة إلى أليعازار الكاهن، الذي يشير إلى المسيح رئيس الكهنة. وهكذا الأعمال الباهرة للقديسين لا تكون مخفية، بل تصير ظاهرة لكل الشعوب، وفق المكتوب: ” لأنه ليس خفي لا يظهر ولا مكتوب لا يُعلم ويُعلن[2]. إذن فقد تجمع جميع الأسرى أمام الكاهن والشعب، لكي يتحقق نموذج واحد وتدبير واحد. لدرجة أن موسى وبخ المنتصرين لأنهم لم ينهوا الحرب وفق الطريقة المضبوطة والرؤية الثاقبة. لا يجب أن يُسمح، يقول موسى، بأن يكتفوا بأسر الذكور وأيضًا النساء المتزوجات. والسبب المحتمل لهذا الأمر، هو أنه من اللازم أن يميتوا ذكور هذا البلد حتى لا يفلتوا من تحت سيطرتهم. لأنهم لو أفلتوا، فإنهم بعد قليل سيصيرون رجالاً أقوياء وأعداء لشعب الله. ومع هؤلاء (الذكور) كان يجب أيضًا أن يميتوا النساء، لأنهم كانوا سبب عثرة، وفي حالة نجاتهم من الموت سوف يصيرون سبب عثرة مرة أخرى. من جهة التفسير الروحي؛ أعتقد أن هذه الأمور تشير بطريقة ذكية إلى المعنى الروحي.

بلاديوس: ماذا تقصد ؟

كيرلس: لقد أصاب الشجعان من الشعب القصور، بالرغم من أنهم أحرزوا نصرًا مؤكدًا، ورغم انتصارهم، فلا يمكن أن يظلوا بلا لوم. هذا الذي نعتقده أنه تم بطريقة صحيحة من جانبنا، سوف لا يخلو من التوبيخ والاتهام في شئ، وذلك عندما يُفحص أمام الله. لذلك مكتوب: ” إن كنت تراقب الآثام يارب يا سيد فمن يقف[3]. وأيضًا: ” السهوات من يشعر بها. من الخطايا المستترة ابرأني. أيضًا من المتكبرين احفظ عبد فلا يتسلطوا علىَّ. حينئذٍ أكون كاملاً وأتبرأ من ذنب عظيم[4].

          فمرات عديدة يمكن أن يتم البر شكليًا عند الشجعان. بينما المشرع يبحث عن أمر آخر لا ندركه نحن بتاتًا وفق ما هو مكتوب: ” السهوات من يشعر بها[5]، وإشعياء يقول، إن كل أعمال برنا هي كثوب عدة[6]، لأنه لا يمكن أبدًا أن نكون أنقياء تمامًا وبلا لوم. والحكيم جدًا بولس يكتب: “ فإني لست أشعر بشيء في ذاتي. لكنني لست بذلك مُبررًا. ولكن الذي يحكم فيَّ هو الرب[7]. إن توبيخ موسى لم يوجه عمومًا إلى الكل، لكن فقط إلى رؤساء القوة، أي رؤساء الألوف ورؤساء المئات، لأنه مكتوب: ” الأقوياء يتطلبون مراقبة قوية[8]، وصرامة الناموس تركز على هؤلاء. لأنه مكتوب: ” فكل من أُعطي كثير يُطلب منه كثير[9]. لذلك كتب تلميذ المخلص: ” لا تكونوا معلمين كثيرين يا اخوتي عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم[10]. الاتهام إذن وُجه إلى الرؤساء وقادة الطغمات. لأن بيقظة الرؤساء وسهرهم ينمو المتطوعون. لهذا يقول الكتاب: ” أطيعوا مرشديكم واخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يُعطون حسابًا لكي يفعلوا ذلك بفرح لا أنين لأن غير هذا نافع لكم[11]. بعد موت النساء والأطفال، لم يسمح موسى العظيم للمحاربين أن يظلوا نجسين في المحلة، لكنه أمر بأنهم يجب أن يتطهروا قائلاً: ” وأما أنتم فانزلوا خارج المحلة سبعة أيام. وتطهروا كل من قتل نفسًا وكل من مس قتيلاً في اليوم الثالث والسابع أنتم وسبيكم. وكل ثوب وكل متاع من جلد وكل مصنوع من شعر معز وكل متاع من خشب تطهرونه[12] .

          أرأيت إذن، أن حالة المختارين المتميزين ليست بلا لوم تمامًا. لأنه مكتوب: ” من يخرج الطاهر من النجس. لا أحد[13]، وحتى لو كان من المقبولين (عند الله) فإن القداسة الكاملة هي محفوظة للدهر الآتي (وليست في العالم)، فها هو موسى يأمر المنتصرين بالجلوس خارج المحلة لكي يتطهروا، إذ يقول: ” في اليوم الثالث واليوم السابع“. في اليوم الثالث إما أنه بهذا يشير إلى العصر الثالث الذي فيه صار تطهيرنا بالمسيح بعد عصر موسى والأنبياء القديسين، أي زمن القيامة الذي قام فيها المسيح مسمّرًا الصك الذي كان ضدنا فوق الصليب المُكرّم[14]، محتملاً لأجلنا الألم الذي أبطل الخطية. اليوم السابع يقودنا إلى التفكير في زمن نهاية الحياة الحاضرة، عندما نكون قد طرحنا عنا الخطية، وعندئذٍ نعيش مع المسيح حياة طاهرة ونقية مشتركين في غبطة المسيح.

بلاديوس: كل هذا صحيح.

كيرلس: كما أنك سوف تندهش أيضًا من السر الآتي. فبعد حديث موسى عقَّب عليه ألعازار الكاهن قائلاً للرجال الذين أتوا من ساحة المعركة ما يلي: ” هذه فريضة الشريعة التي أمر بها الرب موسى. الذهب والفضة والنحاس والحديد والقصدير والرصاص. كل ما يدخل النار تجيزونه في النار فيكون طاهرًا غير أنه يتطهر بماء النجاسة وأما كل ما لا يدخل النار فتجيزونه في الماء. وتغسلون ثيابكم في اليوم السابع فتكونون طاهرين وبعد ذلك تدخلون المحلة. وكلم الرب موسى قائلاً: أحص النهب المسبي من الناس والبهائم أنت وألعازار الكاهن و رؤوس آباء الجماعة [15].

          لاحظ أن موسى في البداية أظهر للمنتصرين وقت التطهير، وليس طريقة التطهير، بمعنى أن الناموس أخبر أولاً عن وقت التطهير بواسطة المسيح. ثانيًا بعد موسى تحدث الكاهن ألعازار. لأن المسيح يعطى وصيته بعد موسى. وهو الذي أظهر طريقة التطهير وقدم نفس السر مفسرًا الهدف الدقيق للناموس. فالكاهن أمر أن كل الآنية التي يمكن أن تحتمل قوة النار، أن تجتاز في النار، لكن كل ما ليس له تحمل طبيعي وكان ضعيفًا ويخضع بسهولة للفناء التام، أي الملابس والأشياء التي من جلد وخشب، فهذه تجتاز في الماء. لأن الأواني الذهبية والفضية والأشياء الأخرى، ترمز إلينا نحن، أي إلى الذين تطهروا بواسطة المسيح، كما من النار والماء. إذ قد اعتمدنا بالروح القدس والنار[16]. أما أن يجتاز كل ما جُمع من السلب في النار والماء، فهذا يشير إلى تطهيرنا الحالي، إننا في وقت ما كنا مملوءين شرورًا، لكن جعلنا ملكًا له، إذ دخل إلى مسكن القوى ونهب أوانيه بعد أن قيد هذا القوي[17]. يقول ألعازار ليدخل المنتصرون إلى المحلة فقط، بعد أن يغسلوا ملابسهم في اليوم السابع، وهكذا يصيرون أطهارًا. أي أن التطهير الكامل وغسل كل قذارة سيصير في أزمنة النهاية الأخروية، كما قلت منذ قليل، بإبطال الخطية تمامًا واستعادة الطبيعة البشرية لجمالها الأول السماوي. إذ هو مكتوب: ” وتكون هناك سكة وطريق يًقال لها الطريق المقدسة. لا يعبر فيها نجس بل هي لهم من سلك في الطريق حتى الجُهال لا يضل[18]. هذا الكلام الواضح ـ كما سردناه ـ ليس خارج هدفنا. لكن لو فضل شخص تفسيرًا آخر، فإننا نقول إن معنى أن يجتاز إناء كل واحد من المنتصرين سواء كان من ذهب أو فضة أو نحاس أو من أي مادة أخرى في النار، فهذا يشير إليه بولس الطوباوي عندما يقول: ” فعمل كل واحد سيصير ظاهرًا لأن اليوم سيبيّنه. لأنه بنار يُستعلن وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو[19]. والمرنم يلمح لنا بأنه لا تُختبر نفوس القديسين إلاّ بهذه الطرق فقط. إذ رنم داود: ” لأنك جربتنا يا الله. محصتنا كمحص الفضة. أدخلتنا إلى الشبكة. جعلت ضغطًا على متوننا. ركبت أُناسًا على رؤوسنا. دخلنا في النار والماء ثم أخرجتنا إلى الخصب[20].

بلاديوس: لكن يا عزيزي، ربما يقول لنا محبو التَعلّم، كيف اصطف المحاربون أمام المديانيين، وكيف انتصروا وبأي طريقة غسلوا وسخ الحرب؟ على أية حال، المناقشة أظهرت هذا بما فيه الكفاية. فالآن نريد أن نعرف إن كنا سنصير بالحقيقة مشاركين لجرأة المحاربين الشجعان، وإن كنا سنشارك فيما وصلوا إليه، بالرغم من أننا لسنا مساوين لهم في الفضيلة، إذ نحن متأخرون عن أولئك في فضيلة النفس.

كيرلس: ها الناموس يعضد كلامي ولديه البرهان الواضح وشرح هذا الأمر ليس فيه أية صعوبة. لأنه مكتوب: ” وكلم الرب موسى قائلاً: أحص النهب المسبي من الناس والبهائم أنت وألعازار الكاهن ورؤوس آباء الجماعة. ونصف النهب بين الذين باشروا القتال الخارجين إلى الحرب وبين كل الجماعة. وارفع زكوة للرب من رجال الحرب الخارجين إلى القتال واحدة نفسًا من كل خمس مئة من الناس والبقر والحمير والغنم. من نصفهم تأخذونها وتعطونها لألعازار الكاهن رفيعة للرب. ومن نصف بني إسرائيل تأخذ واحدة مأخوذة من كل خمسين من الناس والبقر والحمير والغنم من جميع البهائم وتعطيها للاويين الحافظين شعائر مسكن الرب. ففعل موسى وألعازار الكاهن كما أمر الرب موسى[21].

          لقد نُفذِ الأمر الإلهي مباشرة وصار الإحصاء الدقيق والتفصيلي للغنائم ووُزع النصف، وكل ما خُصص، ليكون بكورًا للرب، أُعطى إلى ألعازار الكاهن، وأقصد إلى أبناء سبط لاوى. وأظن أنك تذكر ما سبق أن قلناه في البداية إذ أن لك ذهن قوي.

بلاديوس: ماذا تقصد ؟

كيرلس: ألم تقل الكلمة الإلهية بأنه قد جُمعت الآلاف من كل سبط لأجل احتياجات الحرب؟

بلاديوس: نعم لقد قالت هذا.

كيرلس: وقلنا بوضوح تام إن بهاء القديسين وفرحهم سوف يغطى الجميع، وأن صلاح الله وحبه للبشر، سيرتب هذا جيدًا، وذلك مثل خلطة بخور من أنواع مختلفة تصعد إلى الله رائحة ذكية من الجميع. وهكذا فبواسطة الذين هم متقدمون جدًا في الفضيلة يُقبل معهم الذي ليس له نفس كرامتهم.

بلاديوس: هذا حقيقي. لأن هذا ما نبتغيه من الحوار.

كيرلس: لاحظ كيف أن الله يشرع الأمر مباشرة للإسرائيليين، والألوف المُختارة بحسب السبط تجندوا ضد المديانيين علنًا، وعندما كسبوا نصرًا مكلفًا بعد تعب وجهاد، فإنهم قسموا كل ما جمعوه من الحرب مباشرة على جموع الشعب، وبقية الشعب افتخروا بالإنجازات التي حققها المحاربون الشجعان، لأنه مكتوب: ” أحصى النهب المسبي من الناس والبهائم أنت وألعازار الكاهن ورؤوس آباء الجماعة. ونصّف النهب بين الذين باشروا القتال الخارجين إلى الحرب وبين كل الجماعة[22].

          إن بولس العظيم أعلن أن المؤمنين الذين جاءوا متأخرين بعد القديسين العظماء المختارين والمستنيرين، يُحسبون مع كل الآباء القديسين الذين تميزوا بإيمانهم، وكان مجد تقواهم الشديد نحو الله معروفًا تمامًا، إذ يقول: ” فهؤلاء كلهم مشهودًا لهم بالإيمان لم ينالوا الوعد. إذ سبق الله فنظر لنا شيئًا أفضل لكي لا يكملوا بدوننا[23]. وكتب أيضًا إلى آخرين يقول: ” إنكم قد شبعتم قد استغنيتم. ملكتم بدوننا. وليتكم ملكتم لكي نملك نحن أيضًا معكم[24]. أرأيت أن كل الذين في رتبة أقل سيصلون إلى الكمال مع الرؤساء المختارين، وهؤلاء الذين ليس لهم نفس القوة كالمختارين، سيتمجدون معهم!.

          وأيضًا يرنم داود العظيم: ” الرب قد ذكرنا فيبارك. يبارك بيت إسرائيل يبارك بيت هرون. يبارك متقي الرب الصغار مع الكبار[25]. يبارك الرب المدعوين صغارًا مع الكبار، بدون أن يفتخر الصغار، بأن لهم نفس القوة مثل الكبار، إذ يقلون عنهم في درجة الاستعداد لتحمل الآلام، بينما يماثلونهم أحيانًا في الغيرة والإيمان والقدرة على الاحتمال التي تبهج المسيح.

          ويمكن أن يكون الاثنان، موسى وألعازار، مثالاً للمسيح الذي هو نفسه رئيس الكهنة، والمُشرّع، الذي يوزع على الشعب الغنائم، بينما الملائكة القديسون يقفون مؤازرين لهم، هؤلاء الملائكة أُشير إليهم برؤساء الآباء. أم تظن أنه لا يوجد على الأرض كثيرون من الملائكة ـ الذين هم رؤساء على الشعوب ـ معيّنين من الله لمؤازرة أولئك الذين آمنوا؟

بلاديوس: أقبل هذا. كيف لا ؟!

كيرلس: عندنا الرجاء بأن المسيح سيأتي مع الملائكة القديسين من السماء، وعندما يجلس على عرش مجده، سيوزع المكافآت على كل واحد بحسب استحقاقه، ويعطى الكرامات التي تتناسب مع الأعمال. ولذلك يقول إشعياء الحكيم عن المسيح: ” لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأُحصى مع آثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين[26]. فالمسيح هو المُشرِّع ورئيس الكهنة في الوقت نفسه.

بلاديوس: لقد عبّرت عن الأمر بصورة حسنة.

كيرلس: ماذا إذن، ألاّ تثير طريقة منح المكافآت دهشتنا؟!

بلاديوس: لا شك أنها تثير دهشتنا، فقد كُرِّم الذين لم يشتركوا في الحرب بنصيب مساوٍ لأولئك الذين ذهبوا إلى المعركة.

كيرلس: ليس بنصيب مساوٍ تمامًا، بل هو يختلف عن هذا، وذلك بالرغم من أن المحاربين أخذوا نصف الغنائم وجموع الشعب أخذوا النصف الآخر. فالإسرائيليون كانوا ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة، وهؤلاء غير تعداد السبط الذي يخدم الكهنوت. وتعداد المحاربين كانوا ألفًا من كل سبط، لو وُزعت إذن الغنائم بالتساوي، وكل جزء أخذ النصف من محصلة الغنائم، فالكرامة الأكثر ستكون بالأولي للأقلية، وليس للأكثرية في العدد. بالتالي يكون المجد الذي سوف يُعطى إلى كل الشعب، حسب قياس العطية السماوية. فإن النصف بالضبط يُمنح للمختارين؛ أي لهؤلاء الذين هم مؤهلين أن يسكن الله في نفوسهم. النصف الآخر سيُعطى للجموع، بالرغم من تفوقهم الكبير في العدد. أتفهم ما أقول؟

بلاديوس: نعم أفهمه. وحتى عندما نصير مشاركين لمجد القديسين، فإن استمتاعنا بالمجد سيكون أقل منهم، فهذا أظن أنه مقصدك في الكلام.

كيرلس: لقد قلت هذا بوضوح. الآن أنظر شيئًا آخر، يُسهّل لنا رؤية جرأة الشجعان أمام الله.

بلاديوس: ماذا ستقول؟

كيرلس: (المُشرّع) أمر الاثني عشر ألف المحاربين أن يحضروا إلى رئيس الكهنة من نصف الغنائم التي أُعطيت لهم، واحدًا لكل خمسمائة، إنسان أو حيوان. وهذه كانت تقدمتهم إلى الله. أما الجمع الآخر فقد حكم الرب بأن يعطوا واحدًا لكل خمسين، يقدم إلى السبط المقدس. فأليعازار نفسه هو مثال الكاهن الواحد والوحيد والحقيقي؛ أي المسيح، وذلك بطريقة ليس لها نظير، بل هي حقيقية وشخصية ومثالية، إذ أن التقدمات تقدم إليه. لماذا يقدمونها إليه هو نفسه بدون وساطة أحد. هذا بالضبط ما فعله التلاميذ الطوباويون، وما يفعله الآن قادة الشعوب، إذ يجعلون جهادهم في الكرازة الإلهية كتقدمة خاصة إلى المسيح. أما الجمع الآخر الذين يرغبون في التقدم للأمام، فهم يقدمون عطايا إلى المسيح بتقديمها للقديسين، مثلما يشير السبط المقدس إلى ذلك. لأنه مكتوب: ” جنس مختار كهنوت ملوكي[27]. فالذي يقدم للقديسين هو يقدم لله بورع وتقوى، وتقدماتهم هي لسد احتياجات القديسين. شئ مثل هذا فعله أولئك الذين جمعوا عطايا، أو ما يُسمّى بالبركات، وأرسلوها إلى القديسين في أورشليم، أو أي معونة أخرى لتعضيد المكرسين لله (انظرأع17:24، 2كو1:9 وما بعده). إذن فالمخصص لله هو عطايا المميزين، أما الذي للقديسين فيأتي في المرتبة الثانية للذين هم أدنى. فالمميزون يقدمون نفسًا واحدة من خمسمائة، أما الآخرون فيقدمون نفسًا واحدة من خمسين. لأن كل الذين هم متقدمون يدفعون أقل، لذا فتقدماتهم هي قليلة، أما أولئك الذين هم في المرتبة الثانية فيدفعون أكثر جدًا، لذا كل ما يقدمونه هو أكثر في العدد وفقًا لقياس كل واحد.

          لأنه مكتوب: ” قد غُفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيرًا. والذي يُغفر له قليل يحب قليلاً[28]. إذن؛ الذين هم في المرتبة الأدنى يقدمون عشرة أضعاف أكثر من المختارين، ليس لأنهم أكثر تقوى ويعيشون أفضل من أولئك (المختارين)، لكن لأنهم سقطوا في مخالفات كثيرة، وبالضرورة يحتاجون لتطهير مضاعف، لأنه كما قال الرب: ” الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلاّ إلى غسل رجليه بل هو طاهر كله. وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم[29]. القديسون يحتاجون إلى تطهير قليل جدًا. لأن طبيعتنا قابلة للمرض، ولا يمكن أن تظل طاهرة تمامًا من الخطية.

[1] مز5:44.

[2] لو17:8.

[3] مز3:130.

[4] مز12:19.13.

[5] مز12:19.

[6] إش6:64.

[7] 1كو4:4.

[8] حكمة سليمان6:6.

[9] لو48:12.

[10] يع1:3.

[11] عب17:13.

[12] عدد19:31ـ20.

[13] أي4:14.

[14] أنظر كو14:3

[15] عدد21:31ـ26.

[16] أنظر مت11:3.

[17] أنظر مت29:12.

[18] إش8:35.

[19] 1كو13: 3.

[20] مز10:66ـ12.

[21] عدد25:31ـ31.

[22] عدد26:31ـ27.

[23] عب39:11ـ40.

[24] 1كو8:4.

[25] مز 12:115ـ13.

[26] إش12:53.

[27] 1بط9:2.

[28] لو47:7.

[29] يو10:13.

 

المقالة4 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم