آبائياتأبحاث

المقالة4 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

ؤ

المقالة4 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة4 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة4 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة الرابعة

بلاديوس: تتكلم بالصواب.

كيرلس: إذن؛ المنتخبون من الأسباط الطائعين للنواميس الإلهية، وُزعت عليهم غنائم الحرب مع كل جمع الشعب، وقدموا إلى الرب العطايا وفق ترتيب الناموس. رؤساء المنتخبين يكرمون الله بالنذور الأكثر جمالاً، لأن مجدهم كان أكثر لمعانًا.، لأنه مكتوب: ” ثم تقدم إلى موسى الوكلاء الذين على ألوف الجند رؤساء الألوف ورؤساء المئات. وقالوا لموسى عبيدك قد أخذوا عدد رجال الحرب الذين في أيدينا فلم يفقد منا إنسان. فقد قدمنا قربان الرب كل واحد ما وجده أمتعة ذهب حجولاً وأساور وخواتم وأقراطًا وقلائد للتكفير عن أنفسنا أمام الرب. فأخذ موسى وألعازار الكاهن الذهب منهم كل أمتعة مصنوعة. وكان كل ذهب الرفيعة التي رفعوها للرب ستة عشر ألفا وسبع مئة وخمسين شاقلاً[1] من عند رؤساء الألوف ورؤساء المئات. أما رجال الجند فاغتنموا كل واحد لنفسه. فأخذ موسى وألعازار الكاهن الذهب من رؤساء الألوف والمئات وأتيا به إلى خيمة الاجتماع تذكارًا لبني إسرائيل أمام الرب[2]. أتري الدقة في بيان المقاتلين، حتى لا يفلت أحد من إعطاء تقدمة، لم تكن مطلوبًا منهم تقديمها، مثل الأساور والخواتم والجلود وكل الحُلي المصنوعة من الذهب. لأن المُشرّع قد حدد العطايا التي ينبغي أن تُقدم بأنها بشر وحيوانات. هذه هي التي تُقدم بحسب الأمر الإلهي والسماوي. إذن فكل ما اختاروا من الجواهر يمثل تقدمة اختيارية. فرؤساء الألوف والمئات بسخائهم قدموا تقدمة أكثر مما حدده الناموس. عندئذٍ أخذها موسى وهارون ووضعوها في الخيمة المقدسة هناك كتذكار أمام الله. لأن زعماء الشعب والرؤساء يكرمون الله بنذور بهية وجميلة، وهم يقدمون إلى الله ـ من المواد التي تستخدم في الزينة ـ بما يشير إلى جمال الفضيلة، وإذ يقدمون أكثر مما حدده الناموس، فإنهم يضيئون أكثر بكثير.

بلاديوس: ماذا تريد أن تقول؟

كيرلس: لقد أمر الرب الذين يكرزون بالإنجيل أن يعيشوا من الإنجيل، الأمر الذي أراد بولس أن يؤكده من الوصية الناموسية، قائلاً: ” انظروا إسرائيل حسب الجسد. أليس الذين يأكلون الذبائح هم شركاء المذبح[3]، ومرة أخرى أظهر ذلك بأمثلة قاطعة لا تقبل الشك، إذ يقول: ” ومن يغرس كرمًا ومن ثمره لا يأكل أو من يرعى رعية ومن لبن الرعية لا يأكل. ألعلي أتكلم بهذا كإنسان أم ليس الناموس أيضًا يقول هذا. فإنه مكتوب في ناموس موسى لا تكم ثورًا دارسًا ألعل الله تهمه الثيران. أم يقول مطلقًا من أجلنا إنه من أجلنا مكتوب لأنه ينبغي للحراث أن يحرث على رجاء وللدارس على الرجاء أن يكون شريكًا في رجائه[4]. وأضاف مباشرة: ” إن كنا نحن قد زرعنا لكم الروحيات أفعظيم إن حصدنا منكم الجسديات. إن كان آخرون شركاء في السلطان عليكم أفلسنا نحن بالأولى لكننا لم نستعمل هذا السلطان بل نتحمل كل شئ لئلا نجعل عائقًا لإنجيل المسيح[5]. وأيضًا بعد ذلك يضيف: ” فما هو أجري إذ وأنا أبشر أجعل إنجيل المسيح بلا نفقة حتى لم أستعمل سلطاني في الإنجيل[6].

          أرأيت كيف أنه برغم كل ما حدده الله في الناموس القديم، ورغم أن له الحق أن يعيش من الإنجيل، فإنه لم يطلب نفقة من الإنجيل، مقدمًا خدمة الإنجيل بلا نفقة؟ الزواج غير ضروري، لا الناموس القديم ولا الكرازة الجديدة أمرا بالعذراوية، ومعروف أن العذراوية لم تعط كوصية، وبولس نفسه يقول: ” وأما العذاري فليس عندي أمر من الرب فيهن[7]. لكن هناك البعض الذين بدافع التقوى يقدمون لله تكريسًا بهيًا بإماتة رغبات الجسد تمامًا. إن ضبط النفس والحياة الفاضلة اللذين يزيدان عن حدود الناموس، هما مثل جوهرة صُنعت بإتقان وفن عظيم، وهي مؤلفة من العمل والكلام معًا.

          لقد وضع موسى وهارون في الخيمة المقدسة كل ما قُدم لهما من تقدمات. فأعمال القديسين الصالحة هي مقبولة من المسيح، وهي ذات غنى ومجد بهي. وهم يربحون بهذه التقدمات ذكرى أبدية عظيمة، ويوجدون مؤهلين للعناية الإلهية. لأن القول بأن النذور وُضعت أمام الرب يشير إلى مثل هذا الأمر. وأنه أمر عظيم ومنقطع النظير أن يُوجد المرء أمام الله، لأن الله هو الذي يحكم بأنهم مستحقون للرعاية والاهتمام، وهو الذي يقدرهم بطريقة فائقة.

بلاديوس: يبدو أن الوحي يعلن بكلمات كثيرة، أننا يجب أن نؤمن، وأن يكون لدينا الاقتناع بأنه ليس الجميع يأتون بثمار كثيرة، ولكن الشجعان جدًا، الذين يقدمون دائمًا الصلاح والمسرة هم الذين يثمرون كثيرًا.

كيرلس: أحسنت يا بلاديوس، لقد أصبت. طبيعة الأمر هي هكذا، وسوف يشهد الكتاب المقدس على ذلك. لأن الله أراد أن يبني الخيمة المقدسة للإسرائيليين عندما كانوا يعيشون في الصحراء، لتكون كصورة ومثال للكنيسة التي من الأمم، لذا حدد أيضًا أنه ينبغي أن تُجمع الأشياء التي تنفع لهذا الغرض. هكذا قال إلى موسى العظيم: ” إذا أخذت كمية بني إسرائيل بحسب المعدودين منهم يعطون كل واحد فدية نفسه للرب عندما تعدهم لئلا يصير فيهم وبأ عندما تعدهم. هذا ما يعطيه كل من اجتاز إلى المعدودين نصف الشاقل بشاقل القدس الشاقل هو عشرون جيرة نصف الشاقل تقدمة للرب. كل من اجتاز إلى المعدودين من ابن عشرين سنة فصاعدًا يعطي تقدمة للرب. الغني لا يكثر والفقير لا يقلل عن نصف الشاقل حين تعطون تقدمة الرب للتكفير عن نفوسكم. وتأخذ فضة الكفارة من بني إسرائيل وتجعلها لخدمة خيمة الاجتماع فتكون لبني إسرائيل تذكارًا أمام الرب للتكفير عن نفوسكم[8].

          يقول المُشرّع أيضًا إنه يجب أن يكون التعداد بدقة. وحدد أن يُجمع نصف شاقل كتقدمة إلى الرب. أيضًا حدد بوضوح من هم هؤلاء الذين ينبغي عليهم إعطاء تقدمات. الله لم يعطِ أمرًا بأن تفعل النساء هذا. وبالمثل الذين مازالوا أطفالاً، وهو بذلك يرفض، على ما أظن، الجبن والضعف والفهم الناقص. فهو قد حدد أن الشباب المملوئين بالقوة والنضج الذين يُقبلون في التعداد، ينبغي أن يكونوا قد بلغوا سن العشرين. إذن فالذين يستحقون أن يقدموا عطايا إلى الرب وفق الناموس هم الذين تخطوا المعرفة الطفولية والعقل المتردد، وهم قد بلغوا إلى قياس قامة الرجولة، أي قياس العمر الروحي مثلما يُفهم بحسب المسيح. هؤلاء يُقبلون في التعداد، أي أنهم يظهرون ذواتهم مستحقين للوجود في حضرة الله نفسه، وفق ما جاء في المزمور: ” عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم[9]، ووجودهم في حضرة الله هو للتكفير عن أنفسهم ولأجل خدمة الخيمة المقدسة، وهذا يكون تذكارًا أمام الله. وهكذا (العبادة) في الكنائس وفضائل القديسين هي مثل زينة للخيمة المقدسة، إذ يبلغون خلاص النفس ويُكلل الشجعان بالمجد الدائم. ألاّ يبدو لك أن قولي صادق؟!

بلاديوس: صادق جدًا.

كيرلس: فقد أوصى الله أن تُدفع الفدية ـ أي نصف الشاقل ـ وهذا كان تبرع الشجعان. ورؤساء الأسباط أضافوا على ما أمر به الناموس، إذ قدموا أشياء ذات قيمة عظيمة وثمينة، وبذلك تفوقوا على الآخرين لأنه مكتوب: ” والرؤساء جاءوا بحجارة الجزع وحجارة الترصيع للرداء والصدرة وبالطيب والزيت للضوء ولدهن المسحة وللبخور العطر[10]. ألاّ تتقارب هذه الأمور ـ ولو قليلاً ـ مع السابقة؟ جمع المحاربين قدموا إلى الله كل ما حصلوا عليه من السبي، وفق الوصية التي أُعطيت لهم، من الإنسان حتى الحيوان، أما رؤساء الألوف والمئات فأضافوا إلى هذا الحلقان والأساور والخواتم وكل متاع مصنوع من الذهب، وكل هذه وضعها رئيس الكهنة ألعازار في الخيمة المقدسة. وأيضًا فإن كل الناضجين دفعوا نصف شاقل، أمّا الرؤساء فقدموا أيضًا حجارة مختارة للرداء والصُدرة والتي تشير إلى زينة المتقدم في الكهنوت. إذن، فرؤساء الشعب يقدمون ذواتهم مزينين للمسيح، أي كأنهم حجارة ثمينة. ولذلك فإن النبي يتنبأ عن الرسل القديسين عندما يقول: ” كحجارة التاج مرفوعة على أرضه[11]. وهكذا كان أيضًا بولس العظيم الذي كرز بالإنجيل من أورشليم حتى إلليريكون[12].

          إذن الحجارة الثمينة تشير إلى جمع القديسين الذين يعلنون مجد المسيح. هؤلاء هم الزيت للمسحة، وخلطة البخور التي تشير إلى نشر معرفة المسيح كرائحة ذكية، وكزيت يلينون بتعليمهم الحكيم وأقوال الروح نفس أولئك الذين يدخلون إلى أسرار المسيح. البخور مُركب لأنه يشير إلى أن المعرفة عن المسيح هي مؤلفة من اثنين، طالما المسيح هو في الوقت نفسه إله وإنسان معًا، إذ هو ابن واحد ومسيح واحد من الاثنين، الذي قيل عنه في موضع ما ونحن أنفسنا أيضًا نقول: ” اسمك دهن مهراق[13].

بلاديوس: إذن التعداد الذي صار بأمر الله شمل المحاربين والرجال الشجعان، الذين يشيرون إلى تأسيس الكنائس والمساهمة في كل ما يُمجد الله. لأن هذا ما يشير إليه كل ما تناولناه بالتحديد.

كيرلس: أنت تتكلم بالصواب. إن النصيب المُمجد والحسن والصالح سيُمنح لهؤلاء الشجعان الذين يتقدمون هكذا كما ذكرنا. كيف يمكن للمرء أن يتشكك في هذا الأمر؟ ألم تسمع ما يرنم به داود: ” لأنك تأكل تعب يديك[14]، بل ما كتبه بولس الحكيم: ” ما يزرعه الإنسان إياه يحصد[15].

بلاديوس: نعم سمعت ما قاله المرنم.

كيرلس: إذن، الشجاعة لها مكافأتها بلا شك. وبولس يؤكد هذا الأمر إذ يقول: ” لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية[16]. الله سوف لا ينسى تعب الشجعان بتاتًا، بل سيوزع مكافآت الأتعاب لكل الذين غلبوا الرخاوة التي تقود إلى الرذيلة، وهذا ما يخبرنا عنه أيضًا ما كُتب في سفر العدد: ” ثم بعد الوبأ كلم الرب موسى وألعازار بن هرون الكاهن قائلاً. خذا عدد كل جماعة بني إسرائيل من ابن عشرين سنة فصاعدًا حسب بيوت آبائهم كل خارج للجند في إسرائيل. فكلمهم موسى وألعازار الكاهن في عربات موآب على أردن أريحا قائلين: من ابن عشرين سنة فصاعدًا كما أمر الرب موسى وبني إسرائيل الخارجين من أرض مصر[17].

[1] حوالي 170 كجم.

[2] عدد48:31ـ54.

[3] 1كو18:10.

[4] 1كو7:9ـ10.

[5] 1كو11:9ـ12.

[6] 1كو18:9.

[7] 1كو25:7.

[8] خر12:30ـ16.

[9] مز15:34.

[10] خر27:35ـ28.

[11] زك16:9.

[12] أنظر رو19:15.

[13] نش3:1.

[14] مز2:128.

[15] عب10:6.

[16] غل28:6.

[17] عدد1:26ـ4.

 

المقالة4 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج3 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !