آبائياتأبحاث

المقالة7 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة7 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة7 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة7 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة7 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

المقالة السابعة

في المحبة الواجبة نحو الاخوة

 

كيرلس: ﺇن الناموس يا بلاديوس، يمتدح كثيرًا جدًا الوصية الأولى والفائقة من بين الوصايا والتي تقول: ” تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك[1]، ويضيف: ” تحب قريبك كنفسك[2] والمسيح نفسه كان يقول، إن كل ما جاء فى الناموس والأنبياء يستند على هاتين الوصيتين. كما أن بولس العظيم يدعو المحبة تكميل الناموس[3]، لأن من المؤكد إن هذه المحبة لا تسبب أى شر لقريبنا.

وأظن أنى قد استفضت بما فيه الكفاية فى شرح معنى الوصية الأولى من كل الجوانب. واستعرضت بشكلِ وافٍ: كيف أننا نستطيع أن نعبّر عن محبتنا الكاملة والتي بلا لوم تجاه الله.

إذن، هيا بنا ننشغل بالوصية الثانية التي تتعلق بالأخ والقريب، وليتنا نفحص بالتفصيل عن المحبة نحو القريب، منقبين بتدقيق عن الأعمال التي بها يستطيع المرء أن يصل إلى الفضيلة، وعندما يكتسب الإنسان المجد المرتبط بقبول الألم، فإنه يتقدم فى علاقة صالحة مع الله والناس، وذلك طبقًا لما قيل عن صموئيل ” وأما الصبي صموئيل فتزايد نموًا وصلاحًا لدى الرب والناس[4]، فإنى اعتقد أنه بجانب محبتنا لله ينبغى أن نتصرف أيضًا بالمحبة تجاه إخوتنا، وذلك لأن التقصير فى أى من فِعلَي المحبة يؤثر بالسلب على الفعل اﻵخر.

وكما يقول يوحنا: ” إن قال أحد إنى أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب لأن من لا يحب أخاه الذي يبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره. ولنا هذه الوصيه منه أن من يحب الله يحب أخاه أيضًا[5].

إذن ينقص الواحد مع اﻵخر، كما ينضج وينمو الواحد مع اﻵخر. لأن أبواب الفضائل هي أبواب مزدوجه ذات ضلفتين غير منفصلتين تقود إلى الجمال الباهر والكامل للفضيلة، تقود إلى الله ضابط الكل.

بلاديوس: بالصواب تتكلم، وطالما أن هدفنا هو أن نجتهد من أجل بحث هذا الأمر، هيا إذن نستخرج براهين من الكتاب المقدس لكل جوانب البحث، راجيًا أن تُعرِّفنى كيف يمكن تحقيق المحبة الكاملة نحو القريب.

كيرلس: هذا البحث يفتح أمامنا طريقًا واسعًا، لأنه مكتوب ” أما وصيتك فواسعه جدًا“. ومنهجنا هو الاقتراب من كل جزء من البحث بواسطة الناموس نفسه. لأن النبى يقول إن الناموس قد أعطى لنا لكى يساعدنا[6]. والمشرِّع يحفزنا دائمًا عندما يذكِّرنا باستمرار بالوصية قائلاً: ” لكى تتقى الرب إلهك وتحفظ جميع فرائضه ووصاياه التي أنا أوصيك بها أنت وابنك وابن ابنك كل أيام حياتك ولكى تطول أيامك فاسمع يا إسرائيل واحترز لتعمل لكى يكون لك خير وتكثر جدًا كما كلَّمك الرب إله آبائك فى أرض تفيض لبنًا وعسلاً.

اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على أولادك وتكلم بها حين تجلس فى بيتك وحين تمشى فى الطريق وحين تنام وحين تقوم واربطها علامة على يدك ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك[7].

وماذا يعنى ” اربطها علامة على يدك“؟ هذا ما عبّر عنه فى سفر العدد، لأنه مكتوب: ” وكلِّم الرب موسى قائلاً كلِّم بنى إسرائيل وقل لهم أن يصنعوا لهم أهدابًا فى أذيال ثيابهم فى أجيالهم ويجعلوا على هدب الذيل عصابة من أسمانجونى. فتكون لكم هدبًا فترونها وتذكرون كل وصايا الرب وتعملونها ولا تطوفون وراء قلوبكم وأعينكم التي أنتم فاسقون وراءها لكى تذكروا وتعملوا كل وصاياى وتكونوا مقدسين لإلهكم. أنا الرب إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر ليكون لكم إلهًا. أنا الرب إلهكم[8].

وبهذا فهو يعطينا مقدمًا وبطريقة واضحة بأن نكتب الوصية داخل قلوبنا. و إذ هو يعرف أن النسيان هو مرض خطير يصيب العقل فهو يأمر بأن تُكتب الوصايا ـ كأنها فى قوائم ـ ويعلقونها فى أيديهم اليمنى كأنها منشور يحمل الناموس، وأيضًا ليس بدون فائدة يقول أن تُعلق فى أذيال الثياب أهدابًا وعصابة من الإسمانجونى.

بلاديوس: وكيف تشير هذه الأهداب والعصابة الأسمانجونى إلى النواميس اﻹلهية ؟

كيرلس: ألا تعتقد أن ناموس العهد القديم فيه رموز وظلال ؟

بلاديوس: بالفعل أعتقد هذا .

كيرلس : إن ما ترمز إليه هذه الأهداب فى أذيال الملابس وهذا الرباط الأزرق على اليد، هو أنه يجب علينا أن نحفظ ونفهم وننفذ وصايا السماء وأن نتذكر باستمرار الناموس الذي أُعطى لنا من السماء. ولون الحجر الهندى يشبه على ما أعتقد المادة اﻹثيرية (السحابة)، والتي يختلط فيها النور بالظلام، ويبدو فى عمقها شئ مائى.

لقد أمر الناموس أن توضع هذه الأهداب والرباط الأزرق على اليد بتدقيق وعناية، وكأنه يريد أن يقول وبطريقة ما إن الكلام السمائى يجب أن يكون رداءً للفكر وللعقل، كما يجب أن تُكافأ عن كل أعمال صالحة بحسب الناموس. فاليد ترمز إلى العمل وكل ما نفعل نحن وفقًا للناموس لا نوَّبخ عليه ولا يجلب علينا الشر البشع .

لقد كان الفريسيون يعرضون عصائبهم على أيديهم اليمنى ويكبرون أهداب ثيابهم، لكن المسيح استهزأ بهم قائلاً إن كل أعمالهم يعملونها لكى ينظرهم الناس[9]، وليس لكى يتذكروا الناموس. إذن من لا يتبع الناموس بطريقة صحيحة يمكن أن يخطئ. وأعتقد أن هذا ما قصده سليمان بقوله    ” قد يكون بار يبيد فى برّه[10]، فلتُكتب إذن الوصية الإلهية فى الذهن وفى القلب. ولقد عبّر داود النبى بدقة عن فائدة هذا الأمر بالنسبه للبار عندما قال ” فم الصديق يلهج بالحكمة ولسانه ينطق بالحق شريعة الله فى قلبه لا تتقلقل خطواته[11]. فالأمر واضح إذن أنه عندما توجد الوصية الإلهية داخل النفس، فإنها تكون سندًا للإنسان وثباتا فى فعل الفضيلة.

بلاديوس: هذا صحيح.

كيرلس: إن الدراسة والتعمق بلا توقف فى فهم الوصيه يقود إلى الاستقامه، وهذا يُسرّ به الله ، كما أنه يطرد النسيان بعيدًا عن ذهن اﻹنسان مثلما تبتعد السحابة أو الضباب. غير أن واضع الناموس لا يكتفى بهذا. بل يقصد فوق هذا شيئًا آخر أفضل كالحافز الذي يجلب الرجاء فى كل ما نتطلع إليه. لأنه يقول أيضًا: ” إذا سلكتم فى فرائضى وحفظتم وصاياى وعملتم بها. أُعطى مطركم فى صيفه وتُعطى الأرض غلتها وتُعطى أشجار الحقل أثمارها. ويلحق دراسكم بالقطاف ويلحق القطاف بالزرع فتأكلون خبزكم للشبع وتسكنون فى أرضكم آمنين[12].

أرأيت مقدار العناية التي يغدقها على من يعمل ويحترم الناموس؟ أمطار فى حينها وأثمار متعاقبة للأرض، وبالتأكيد غلال وشبع واستخدام وفير للأغذية، وفوق كل هذا وَعد بأن يمنحهم السلام. فالذي يحفظ الوصايا بفهم والذي لديه وَلَع شديد ومستمر تجاه كل ما يريده الرب، من الطبيعى أن يغدق عليه بالخيرات السماوية الوفيرة. لأنه مثلما تروى الأمطار الأرض الجيدة والخصبة، هكذا نفس الإنسان ترويها التعزيات السمائية كمطر سمائى يغمرها بالفرح والابتهاج، إذ هي تقدم باستمرار كل أنواع ثمر التقوى لله، ثم يأتى السلام كتاجٍ فوق كل هذا، وهكذا فإن المطر السمائى يقدِّم لنفس البار إمكانية البقاء فى حياة الغبطة. وبولس يقول:       ” وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وعقولكم[13].

ومن ينال مثل هذا الجود والكرم من الله، سوف يقضى حياة سلامية بغير حروب، وسوف يتقهقر العدو، ومن يقف فى وجهه سيسقط ويختفى، وكل هجوم شيطانى سيتلاشى، وسوف يبتعد عنه أى خوف بسهولة. نفس هذا الناموس نجده مكتوبًا فى سفر التثنية مع قليل من التغيير: ” فإذا سمعتم لوصاياى التي أنا أوصيكم بها اليوم لتحبوا إلهكم وتعبدوه من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم. أعطى مطر أرضكم فى حينه المبكر والمتأخر. فتجمع حنطتك وخمرك وزيتك. وأعطى لبهائمك عشبًا فى حقلك فتأكل زيتًا وتشبع[14].

إذن فإن تعاليم ووصايا الناموس ستسكن داخل نفوسنا وكذلك الطريقة التي نسلك بها والسعى المفرح لكى نشبع اشتياقاتنا ونتمم كل ما يرضى الله. والرغبة فى حياة القداسة التي وعدنا الله بها تحثنا أن نبذل العرق فى سبيل الوصول إلى الفضيلة.

بلاديوس: بالفعل، وسأوافق بالطبع مع كل ما سبق قوله. غير أنه قد حان الوقت يا صديقى لكى توضح لى كيف يمكن تحقيق وصية المحبة تجاه القريب.

كيرلس: إذن ليتنا نمضى فى حديثنا هذا. وفيما نحن نتبع الكتاب المقدس نقول إن السيد الرب إله الكل قد أمر موسى أن يدعو الشعب لكى يتطهروا ويجتمعوا أسفل جبل سيناء. لأنهم كان يجب عليهم أن يغسلوا ثيابهم كما أمرهم بأن يبتعدوا عن النساء لمدة ثلاثة أيام وفى هذا يستخدم الأشياء المرئية والمحسوسة للتعبير عن الأمور الذهنية.

وهكذا يجب علينا أن نصل إلى معاينة الله ونحن متحلين بالفضائل كأننا نلبس ملابس لامعة، وذهننا مستضئ بالفرح ومتخلين عن كل محبة للأمور الجسدية والنجاسات الأرضية، وفى هذا كله تكون الوصايا هي مرشدنا ومهذبنا، كما كان موسى مرشدًا ومهذبًا للشعب قديمًا. لأن تهذيب الشعب الذي تم بواسطة موسى كلى الحكمة كان رمزًا للتهذيب بالوصايا عن طريق المسيح. وجدير أن نلاحظ أمرًا آخر وهو أن العمل الذي قام به موسى – كمهذب للشعب – لم يتجاوز حدوده. إذ أن موسى لم يقد الشعب إلى ذاته شخصيًا بل إلى الله كالمشرِّع والآمر بالترتيبات التعبديه. وهكذا بالنسبة لنا، فالناموس كان مهذبنا بالوصايا ومرشدنا إلى الله الكلمة الذي لأجلنا نزل من السماء. والآن ألا ترى أن حديثنا يتعمق فى فهم معانى الحقيقة؟

بلاديوس: بالتأكيد

كيرلس: حسنًا، مكتوب: ” وأخرج موسى الشعب من المحلة لملاقاة الله. فوقفوا في أسفل الجبل. وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار. وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جدًا. فكان صوت البوق يزداد اشتدادًا جدًا وموسى يتكلم والله يجيبه بصوتٍ[15].

إن نزول الرب على الجبل يمكن أن يكون علامة واضحة على أن الله لا يحل فى الأذهان الوضيعة ولا يسكن فى أولئك الذين يتصرفون بدناءة، بل فى أولئك الذين يرتفع ذهنهم إلى السماء، كالذي يجلس على القمة وينظر ﺇلى الأمور الجسدية باعتبارها أمور سفلية واضعًا في اعتباره فقط إنه قريب من الله. ويمكننا أن نفهم بطريقة أخرى معنى نزول الله على قمة الجبل، بمعنى أن معرفة الله هي أمر يفوق عقولنا، وهي متاحة فقط للبعض ممن يريدون أن يحلقوا عاليًا، كما هو مكتوب ” صغار العقاب تطير عاليًا[16].

لاحظ بجانب هذا أن الله نزل محددًا للأقدمين الناموس القديم، ولكن ليس في الموضع الذي كان الشعب فيه واقفًا، بل عاليًا وبعيدًا. لقد كان بعيدًا جدًا – حسب كلمات المزمور ـ لأنه لم يكن بعد قد وُجد بيننا بالجسد ولم يكن الابن الوحيد قد أخلى ذاته، فلقد كان يحفظ هذا السر (سر التجسد) لنا وليس للقدماء. فلقد وُجد بيننا بمجدٍ بمقدار ما تستطيع عيوننا أن تنظر، فلقد أخلى ذاته (من مجد الألوهية) وحل بيننا كواحد منا، هكذا نزل الله على الجبل بنار.

لذا كان يجب على الذين كانوا مستعدين للتهذيب بواسطه الناموس أن يفهموا بكل وضوح أنهم لو فضلوا التكاسل لكانت كلمات الرب لهم كمثل النار. لقد كان الأقدمون يفعلون ما يرضى الله ليس بدافع المحبة الطوعية والاختيار العقلى الحر، لكن عن اضطرار وخوف. لأنهم لم يكونوا قد نالوا بعد روح الحرية والتبنى بل كان فيهم روح العبودية للخوف. تَغطَّى الجبل بالدخان لأن الله نزل عليه بشكل نار. لقد كان هذا الأمر على ما أعتقد هو ما أشار ﺇليه المزمور: “ جعل الظلمة ستره حوله[17].

ويمكن أيضًا أن يشير الدخان ﺇلى الدموع ـ لأن دخول الدخان ﺇلى الأعين يجعلها تدمع ـ التي تأتى بالضرورة من الشعور بالازدراء. ولو أراد أحد أن يتعمق فى تفسير هذه الأمور، فإنه يمكن اعتبار النار تشير ﺇلى الاستفادة التي تتم عن طريق الناموس لكن يصاحبها ضباب. لأن الناموس قاتم اللون وحروفه لها ظلال كثيفة غير واضحة، قادرة على تشويش الرؤية أمام أعين الذهن.

لكن أصوات الأبواق تتعالى دائمًا.

ففى البداية كان صوت الناموس يُسمع بصعوبة. غير أنه عندما أتى ﺇلينا “الكلمة” ليهذبنا بالإنجيل بعدما نشر عمانوئيل ضياءه وبعدما صارت هذه الأصوات أكثر قوة ـ لأن المسيح جعل كلمة اﻹنجيل متألقة ومسموعة من بعيد فأصبحت الآن منتشرة فى كل المسكونة فإننا نستطيع أن نسمعه هو بنفسه يقول لنا بفم داود: ” اسمعوا هذا يا جميع الشعوب اصغوا يا جميع سكان الأرض[18].

وعلى الرغم من أن صوت الناموس لم يكن يُسمع آنذاك فى كل مكان ولم تكن جميع الأمم تهتدى ﺇذ أنه كان يُسمع فى اليهودية فقط وتهذَّب به الشعب اليهودى فقط لكن موسى كان “يتكلم”، و” الله يجيب بصوت[19].

كان موسى يطلب الناموس كخادم وشارح للوصايا اﻹلهية. والله كان يجيبه بصوته، أى بالابن. لأن الابن هو كلمة الآب، ومنه يأتى الناموس، حتى لو قيل بواسطة ملائكة. ويستطيع المرء أن يسمعه بوضوح عندما يقول: ” إنى أنا هو المتكلم. هأنذا[20] وأيضًا: ” لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس والأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل[21].

لقد دعا كلماته ناموسًا لأن صوت الله أى الابن نطق بها كما قلت من قبل. وبعد ذلك يقول: ” ونزل الرب على جبل سيناء إلى رأس الجبل. فصعد موسى. فقال الرب لموسى انحدر حذِّر الشعب لئلا يقتحموا إلى الرب لينظروا فيسقط منهم كثيرون ولتقدس أيضًا الكهنة الذين يقتربون إلى الرب لئلا يبطش بهم الرب[22].

لقد نزل الله، الذي هو فوق الكل، على الجبل وبعد ذلك دعا موسى وصعد إلى الجبل. لأنه ليس من الممكن أن تصعد إلى سمو الرؤية الإلهية الحقيقية إن لم ينزل الله ويجعل ذاته قريبًا لأذهاننا ويدعونا للتو لنصعد إلى القمة المرتفعة والعالية، إلى معرفته الحقيقية، الأمر الذي أتمَّه لنا المسيح كاشفًا لنا الله الآب. ومن المؤكد أن قمة الجبل لم تداس من الجموع الكثيرة (لأن نعمة معرفة الأمور السامية ليست فى متناول الكثيرين)، بل يقترب إليها فقط الذين يعرفون أن يسلكوا بهذه النعمة أو الذين دُعوا لهذا بواسطة الله كما دُعِىَ موسى. إذن من هو صادق وأمين فى بيت الله  سيكون مثل موسى مع الله ومستحقًا للوجود بالقرب منه عن طريق النقاوة والمعرفة. لأننا سنكون معه عندما يقول لنا: ” أمَّا أنت فقف هنا معى لأكلمك[23].

وهو يقول عن الذين يحملون حِمل الكهنوت ” لئلا يبطش بهم الرب“. إن طريق الكهنوت إن لم تصاحبه حياة النقاوة، ليس بمنأى عن الخطر أو بالحرى هو طريق قريب جدًا من الخطر، لأنه ينبغى على القائمين على خدمه الله كلى القداسة أن يكونوا قديسين.

ثم يقول بعد ذلك اذهب انحدر ثم اصعد أنت وهرون معك. وأما الكهنة والشعب فلا يقتحموا ليصعدوا إلى الرب لئلا يبطش بهم[24]. صعد موسى إذن وبالطبع مع هارون الذي كان مثالاً للمسيح. لأن المسيح يكرم الناموس، وكقدوس هو بالقرب من الله ومع الله. سبق وأعلن الناموس عن رئيس كهنتنا ورسول اعترافنا المسيح بحسب الكتب[25].

إذًا دعونا نربط الناموس بالمسيح بواسطة التفسير الروحي. بمعنى أن موسى سمع القول: ” اصعد أنت مع هارون“، هكذا ما يجمعه الله (فى هذه الحالة موسى وهارون) لا يفرقه إنسان[26]. فالناموس (أى موسى)، أما هارون فيشير إلى الرؤية في المسيح.  لأن موسى كان خادمًا للظلال فقط ولم يقبل الحق الذي في الصور والظلال. حسنًا قيل إنه صعد إلي الجبل مع الجنس الكهنوتي المقدس (هارون) لأن الله لم يسمح لهؤلاء الذين يتهذبون بالناموس ولا للذين يتممون عبادة الظلال أن يصعدوا إلى التعاليم السامية والعالية التي تشير إلى المسيح. هذا مسموح به على الأغلب للذين تبرروا بالإيمان ودُعوا من المسيح ليطيعوه ويعرفوه بمعرفة أعظم من المعرفة القديمة. هذه المعرفة الفائقة التي للمسيح قد أُعجب بها بولس العظيم، وهذا ما يؤكده المخلص نفسه لنا ولإخوته الإسرائيليين قائلاً بلا تحفظ: ” أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات وأما لأولئك فلم تُعطَ[27]. وقال للتلاميذ عن اليهود: ” اتركوهم هم عميان قادة عميان[28]، بينما قال أيضًا للذين عرفوه: ” طوبى لأعينكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع[29]. وعندما أنهي إله الجميع كلامه عن هذه الأمور، بدأ يُشرِّع ويحدد النواميس لكل الشعب. وقال الآتي: ” إنى أنا الرب الذي أصعدكم من أرض مصر ليكون لكم إلهًا[30] لقد بدأ بداية حسنة لتشريعه، قائلاً إنه هو الرب الذي صنع المعجزات مع شعبه فى مصر، وهو الذي أقام الخليقة كلها في وجه الطغاة، وهو الذي أسقط الأمطار والرعود، وغيَّر عناصر الطبيعة، وهو الذي قتل أبكار المصريين، وهو الذي أحاطهم بظلام لمدة ثلاثة أيام، وهو الذي وهب لمن يريد طريقًا في وسط الأمواج، وسحق الأعداء بدون عناء. لأنه كان يجب علي الذين كانوا تحت نير الوصية أن لا يجهلوا مدى عظمة قوة واضع الناموس، وأنه من الخطر أن يصطدموا به إذ لديه القوة أن يفعل كل شئ بسهولة.

بلاديوس: إنه أمر صالح من جهة واضع الناموس أن يهتم بنا بطريقة تليق بالله. لأن الخوف ينشئ طاعة ويجعل القاسى والعنيد  كأنه طفل مطيع.

[1] تث6: 5، مت22: 37

[2] مت39:22

[3] رو13: 8

[4] 1صم2: 26

[5] 1يو4: 20ـ21

[6] إش8 : 16

[7] انظر تث6: 3ـ9.

[8] عدد37:15ـ41.

[9] انظر مت23: 5.

[10] جامعة7: 15

[11] مز37: 31.

[12] لا26: 3ـ5.

[13] فيلبى4: 7.

[14] تث11: 13–15.

[15] خر19: 17 – 19.

[16] أيوب 5: 11س.

[17] مز18: 11

[18] مز49: 1.

[19] خر19:19.

[20] إش52: 6

[21] مت5: 17–18.

[22] خر19: 20ـ22.

[23] تث5: 31.

[24] خر24:19.

[25] انظر عب 5:3ـ6.

[26] مر9:10.

[27] مت11:13 .

[28] مت 14:15.

[29] مت16:13.

[30] لا45:11 .

 

المقالة7 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج4 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم