آبائياتأبحاث

المقالة9 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة9 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة9 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة9 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة9 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة التاسعة

“الخيمة المقدسة”

“كانت مثالاً لكنيسة المسيح”

 

كيرلس: وحين رأي النبي أن المنارة لها فروع زيتون، ولم يكن ذلك شيئًا معتادًا، سأل عنها، ” فأجبت وقلت له ما هاتان الزيتونتان عن يمين المنارة وعن يسارها؟ وأجبت ثانيةً وقلت له ما فرعا الزيتون اللذان بجانب الأنابيب من ذهب المفرغان من أنفسهما الذهبي؟ فأجابني قائلا أما تعلم ما هاتان؟ فقلت لا يا سيدي. فقال هاتان هما ابنا الزيت الواقفان عند سيد الأرض كلها” (زك4: 11ـ14).

بلاديوس: إذن، ما الضرورة التي ألجئت النبي الطوباوي لأن يسأل مرة أخرى، عندما يقول: ” وأجبت ثانيةً لأقول له“؟

كيرلس: ألم أقل يا بلاديوس أنه برهانٌ للحكمة، إذ يجب على من يريدون أن يتصرفوا دائمًا باستقامة، أن يسألوا عن معلومات دقيقة وصحيحة لهذه الأشياء الهامة؟

بلاديوس: بالتأكيد كُنت تقول هذا؟

كيرلس: إذن، بالرغم من أن النبي رأي فروع الزيتون وهي مملوءة بالأوراق الجديدة والناعمة، فقد سأل عن الزيتون، وليس عن فروع الزيتون. ولكن الملاك صمت منتظرًا السؤال الأكثر أهمية وحقًا. ولأن الفضول قد استولى على النبي فتكلم عن فرعين من الزيتون وترجى أن يعرف إلى أي شيء يرمزان، عرف مباشرةً بإجابة الملاك: ” هاتان هما ابنا الزيت الواقفان عند سيد الأرض كلها“، إنهما يتابعان شعب إسرائيل وشعب الوثنيين الذين، يقول عنهما، واقفين أمام سيد الأرض كلها، شارحًا بوضوح وبطريقة نقية أن الفن المرسوم على المنارة والذي به فرعا الزيتون يمينًا ويسارًا، هو مثالٌ للمسيح. وإنه بوضعهما الدائري هذا ينسكب الزيت فيهما، وهذا الزيت يشير إلى الروح القدس، وهو الذي يروي عقول المؤمنين وفق المكتوب “ مسحت بالدهن رأسي” (مز23: 5).

بلاديوس: ولماذا لم يقل زيتون، بل فضَّل أن يدعوها فروع الزيتون؟

كيرلس: لأنه ـ يا عزيزي ـ كما نقتلع من الزيتونة النبتات الصغيرة والفروع الجافة، هكذا كل الذين يؤمنون، يُعاد تطعيمهم بالإيمان في التقوى، فالبعض آتون من مجمع اليهود، وآخرون آتون من الأمم. لأنه ليس كل الإسرائيليين آمنوا، ولا بالتأكيد أتى إلى الإيمان كل جمع الأمم. إذن، فروع الزيتون هي كل الذين اقتطعوا من جمع اليهود كما من شجرة، وأيضا من الوثنيين، وصاروا داخل النور الإلهي، وينالون الآن ـ بغنى ـ فيض الروح القدس الذي أُعطى لهم. هذا ما أعلن عنه ” فرعا الزيتون اللذان بجانب الأنابيب من ذهب المفرغان من أنفسهما الذهبي” (زك12:4).

لقد تذكَّر هذه الفروع ـ مرةً ـ المُرنم الطوباوى تجاه مخلص الجميع المسيح، قائلاً عن العروس التي أتحد بها، أي الكنيسة وأبنائها اللذين هم ثمار الإيمان ” امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك. بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك” (مز128: 3). ونحن نحيا مشتركين في الروح، آخذين الحياة من مائدة المسيح المقدسة، معلنين إيماننا بالمسيح.

بلاديوس: نعم، إنك تتحدث بالصواب. لأنه يقول:” أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا” (يو35:6).

كيرلس: دعنا الآن نحصر تفكيرنا في هذه الأمور السابقة المتعلقة بالمنارة وكل ما نراه فيها.

حسنا، فلنتحدث الآن عن المذبح النحاس، الذي هو أساسى في عبادة الناموس. لأنه مكتوب:” وتصنع المذبح من خشب السنط. طوله خمس أذرع وعرضه خمس أذرع مربعًا يكون المذبح وارتفاعه ثلاث أذرع. وتصنع قرونه على زواياه الأربع منه تكون قرونه وتغشيه بنحاس. وتصنع قدوره لرفع رماده ورفوشه ومراكنه ومناشله ومجامره. جميع آنيته تصنعها من نحاس. وتصنع له شباكه صنعة الشبكة من نحاس. وتصنع على الشبكة أربع حلقات من نحاس على أربعة أطرافه” (خر27: 1ـ4). إذن سيكون طول المذبح وعرضه خمسة أذرع. وهو ما يعني أن هناك احتياج لقياس ومكان متسع. لأن فوقه تُقطَّع وتُقدم قطعًا من العجول ومحرقة من الخراف والثيران التي سوف تقدم إلى الله. لذلك وُجدت فوقه شبكة من النحاس وقدور ومجامر، وجميع هذه الآنية من النحاس، حتى يستطيعوا أن يقدموا الذبائح وفقًا للناموس، ولا يستهينوا بالنار الآكلة. فلنُضِف أيضًا التاج والقرون إلى جمال التصنيع. لأنه لا شيء يكون بدون فائدة عند الله كُلي الحكمة. والآن دعنا نستعيد حديثنا ثانية عن تلك الأوصاف، على أن يكون حديثنا بدقةٍ شديدة عن كل واحد منها.

لقد أمر أن يصير المذبح متمشيا ومناسبًا للذبائح بحسب الناموس، مع ملاحظة أنه لن يكون هناك أي شيءٌ مصنوعٌ من الذهب كما نرى في التابوت، أو في المنارة، أو في المائدة وما حولها.

بلاديوس: وما معنى هذا؟

كيرلس: ألم نقل يا بلاديوس، إن الذهب يُظهر العظمة بامتياز أمام الكل، وأقصد هنا العظمة والبهاء الذهني، أي البهاء الفائق للطبيعة الإلهية؟

بلاديوس: نعم هذا ما قُلناه.

كيرلس: انتبه إذن، إن مذبح العبادة الناموسية لم يصنع من الذهب، وهذا رمزٌ وضعه لنا الله، وهو رمزٌ واضحٌ جدًا، بمعنى أن الناموس لا يعطي الروح القدس، وإن قوة العبادة الرمزية لم تُكرَّم بهذه النعمة. لأن روح العبودية سادت على الإسرائيليين، بينما العطية (عطية الروح) مُنحت لنا بالمسيح بعد قيامته من بين الأموات. لأنه مكتوبٌ: ” نفخ وقال أقبلوا الروح القدس” (يو20: 22). لذلك، فإن بولس يتوجه إلى الذين آمنوا قائلاً: ” لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبَّا الآب” (رو15:8).

وأمَّا أن العبادة الناموسية لم تكن فيها عطية الروح القدس، لكن أُعطي هذا بالحري لأولئك الذين قد تبرروا بالإيمان، فقد أخبرنا عنها يوحنا الحكيم قائلاً: ” لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد. لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد” (يو7: 39)، أي لأن المسيح لم يكن قد قام بعد. ولكن بعد ذلك تزيَّنت الطبيعة البشرية بالروح وبشركتها مع المسيح. لذلك أمر أن يُصنع المذبح بدون ذهب. ولكن علينا أن نسرع إلى بيان السبب الذي من أجله صار المذبح نحاسًا، وستكون هناك استفادة من ذلك لمحبي التعلم؛ لأن البحث يمكن أن يُخرج إلى النور شيئا مفيدًا كما يقول الحكيم ” في كل تعب منفعة” (أم23:14).

بلاديوس: ماذا عندك أيضًا لتقوله عن هذا الأمر؟

كيرلس: اسمع إذن. يقول الكتاب المقدس إنه بقرار سماوي رُسم هارون كاهنًا ورئيسًا. ولكن قورح وداثان والجمع الشرس الذي تبعهما، أهانوا ـ بغباءٍ ـ القرار السماوي وتمردوا ضد النواميس الإلهية. فقد أحضروا مجامر دون أن يدعوهم أحدٌ، بل اندفعوا ناحية هذا العمل سارقين الكرامة التي لم تُعط لهم. وبغباءٍ شديد ووقاحة، ثاروا على الكاهن الذي أُختير رئيسًا وأُفرز من بين كل الآخرين (عد1:16).

لا شك أن هذه الأمور تعتبر ظلالاً للغباء الذي سيظهره اليهود ضد المسيح. لأن هذا هو رئيس كهنتنا الذي رُسم في هذه الرتبة بقرار من الآب. وإذا كان أولئك (قورح وداثان) قد نالوا جزاءهما من أجل وقاحتهما، فإن اليهود أيضًا ـ الذين صاروا مذنبين ـ من بعد هؤلاء، سينالون جزائهم كمجرمين. فلقد قال الله لموسى النبي: ” قل لألعازار بن هارون الكاهن أن يرفع المجامر من الحريق واذر النار هناك فأنهن قد تقدسن. مجامر هؤلاء المخطئين ضد نفوسهم فليعملوها صفائح مطروقة غشاء للمذبح لأنهم قد قدموها أمام الرب فتقدست فتكون علامةً لبني إسرائيل” (عد 16: 37، 38).

وكتب أيضًا في سفر الخروج عن بصلئيل بن أوري الذي كان من سبط دان (خر1:31)، وهو الذي أشرف على كل الأعمال الفنية لخيمة الاجتماع وما فيها.

بلاديوس: ماذا يعني هذا؟

كيرلس: سوف يفيدنا كثيرًا أن نعرف أن التابوت صُنع كمثال للمسيح، وبالمثل أيضًا الأشياء الأخرى، أقصد المنارة والغطاء والمائدة الذهبية. فطالما أن كل واحد من أفراد الشعب قدَّم وخصص ما تمتلكه يداه، فهم مقبولون عند الله الآب، وبالمثل الذين يثمرون الأعمال الصالحة عند المسيح ويقدمون العطايا الروحية هذه التي كانت تشير إليها تقدمات الإسرائيليين.

إن مذبح العبادة الناموسية كان مذبح الغضب والتمرد ـ وأقول – بل والعصيان الذي أُعلن ضد الكاهن العظيم. لقد كانت عملية تصنيع هذا المذبح تذكيرًا وإعلانًا مسبقًا يُفهم بطريقة سرية وتدبيرية. هل صار واضحًا لك هذا الرمز؟

إن هارون هو مثال للمسيح. وقد قام اليهود ضد مجد المسيح، وهذا ما أشار إليه تمرد اليهود ضد هارون والمذبح الناموسي. ولأن عبادة الظلال توقفت، أصبحنا ـ بالإيمان بالمسيح ـ نرسل إلى الآب طيب الرائحة العقلي. وهذا أيضًا قد أشار إليه بظلال قائلاً: ” وتصنع مذبحا لإيقاد البخور من خشب السنط تصنعه. طوله ذراع وعرضه ذراع مربعا يكون وارتفاعه ذراعان منه تكون قرونه. وتغشيه بذهب نقي سطحه وحيطانه حواليه وقرونه وتصنع له إكليلاً من ذهب حواليه” (خر30: 1ـ3). وعندما أضاف إلى هذا عصوين وحلقتين لتسند المذبح، قال: ” وتجعله قدام الحجاب الذي أمام تابوت الشهادة. قدام الغطاء الذي على الشهادة حيث أجتمع بك. فيوقد عليه هارون بخورًا عطرًا كل صباح حين يصلح السُرُج يوقده. وحين يصعد هارون السُرُج في العشية يوقده بخورا دائما أمام الرب في أجيالكم. لا تصعدوا عليه بخورا غريبًا ولا محرقةً أو تقدمةً ولا تسكبوا عليه سكيبًا. ويصنع هارون كفارةً على قرونه مرة في السنة من دم ذبيحة الخطية التي للكفارة مرة في السنة يصنع كفارة عليه في أجيالكم قدس أقداس هو للرب” (خر30: 6ـ10).

بلاديوس: إذن فهذا هو مثال للمسيح؟

كيرلس: بالتأكيد يا بلاديوس. إنه سرٌ حقيقي بالتأكيد، وسوف يُظهر هذا السر الكريم والعميق، وبسهولة جدا، للذين يريدون أن يفحصوا هذه المسائل بالتفصيل.

لقد صار المذبح من الخشب الذي لا يعتريه الفساد وكان كله مُغَشىّ بالذهب. لأن جسد المسيح هو غير فاسد ويحوي في داخله غنى الطبيعة الإلهية، ” الكلمة صار جسدًا وحل بيننًا” (يو14:1). إذن المسيح هو بدايتنا وأصل جنسنا، جنسنا هذا الذي أعيد خلقه لعدم الفساد وبالإتحاد بالله، وعدم الفساد يمكن أن يُفهم باعتباره استثناءً من جهة الله.

وقرون المذبح هي ـ بطريقة ما ـ أيدٍ مفرودةٍ، ترمز مسبقًا لشكل الصليب المكرم. وإذا قال أحدٌ إن القرون هي أربعة، فلن يعطل ذلك محب التعلم عن أن يفكر باستقامة. لأن المذبح مربعٌ ومتساوِ الأوجه، ومنظر القرون واحد من كل الجهات. وما هو السبب في ذلك؟ إن المسيح المصلوب يُعترف به في كل مكان، وهذا هو فخرٌ مجيدٌ للذين يؤمنون به. فحسنًا يقول بولس العظيم “ وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم” (غلا 14:6).

ولقد أضافوا التاج المشغول على هذه المشغولات ـ والذي يمثل زينةً للمذبح ـ تأكيدًا على أن عمانوئيل هو بالحقيقة ” أبرع جمالا من بني البشر” (مز3:45).

وقد أضافوا أيضًا كل الأمور الأخرى الضرورية مثل العصوين وبعض الأشياء الأخرى لأنه كان يجب أن يُنقل المذبح في حالات التنقل أينما ذهبوا. وهذا ما فعله التلاميذ ناقلين المسيح بكرازتهم بلياقة ونظام، كخدام الله ومدبري أسرار المسيح (انظر 1كو1:4). لأنه يقول: “وتجعله قدام الحجاب الذي أمام تابوت الشهادة. قدام الغطاء الذي على الشهادة حيث أجتمع بك” (خر6:30).

بلاديوس: لكننا نتساءل، ما هي ضرورة تعيين أماكن محددة لهذه الأشياء؟

كيرلس: لا شك أن السبب عميقٌ جدًا وغامضٌ جدًا، لكن سوف أوضِّح رأيي بقدر الإمكان، وأنا أثق في الله الذي يعطي المعرفة للعميان.

يقول، يجب أن يصنع التابوت من خشب السنط الذي لا يعتريه فساد، ومن الذهب الخالص، وداخله كان الناموس، أي الكلمة الإلهية، والشهادة. هذا كان بالتأكيد مثالاً للكلمة المولود من الله والذي سكن بيننا آخذًا شبه الجسد كما في الكتب المقدسة. كما يجب أن يكون هناك ستارٌ يمتد على أربعة قوائم، قال عنه أنه يجب أن يهتز فوق التابوت، واسم الستار “الغطاء” (الكفَّارة)، وهذا يعني المسيح، لأنه مكتوب “ الذي قدَّمه الله كفَّارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله” (رو25:3)، لأنه هكذا يدعوه بولس. وكان الكاروبان مرسومين بطريقةٍ دائرية على الغطاء، حتى ما يُظهر خدمة القوات السماوية لله (لأن الكلمة هو الله)، وبذلك أعلنوا ـ بطريقةٍ حسنةٍ جدًا ـ حضورهم القريب جدًا، وأنهم موجودون بجواره لكي يخدموه. ثم قال الله لموسى: “وأنا اجتمع بك هناك وأتكلم معك من على الغطاء من بين الكروبين اللذين على تابوت الشهادة بكل ما أوصيك به إلى بني إسرائيل” (خر22:25). لكن ـ كما قُلت ـ كان التابوت هو المسيح، الله اللوغوس في جسد غير فاسد، وكان التابوت ـ بالتأكيد ـ فوق الأرض، لكن وحيد الجنس نزل إلى حقارتنا ووضاعتنا. لأنه أخذ الشكل الذي يليق بالعبد ووضع ذاته (في2: 7). هذا أيضًا هو الغطاء الموضوع عاليًا، والقوات السماوية عون له.

ولكن الابن لم يُعرف بالنسبة لنا من طريقة تواضعه فقط، لكن أيضًا من كونه إلهًا وسيدًا للكل. لأنه بالرغم من أنه وضع ذاته بسبب شكله البشري الذي أخذه نازلا بحسب التدبير إلينا، لكن “ رفَّعَهُ اللهُ وأعطاه اسمًا فوق كل أسم” (في2: 9). ولذلك فإن وضع الغطاء عاليًا ومرسومًا عليه الكاروبيم يمينًا ويسارًا يمكن أن يكون مثالاً. لأنه حيث تُعلن الخدمة التي تليق بالله، فهناك ـ فقط بالتأكيد ـ يوجد على أية حال مجد الأُلوهية وعظمة المكانة التي تفوق الكلام. لأن رب الكل يقول: ” وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك من على الغطاء من بين الكاروبين” (خر25: 22)، آمرًا بذلك ألا يُفتَّشُ بين المخلوقات عن الطبيعة التي لا تُوصف، إذ هي أسمى من هذه المخلوقات التي خلقت من العدم. لأن الكلام عن طبيعة الله ومكانته يجب أن يكون لائقًا تمامًا بالله، فهما يشكلان مجالاً أسمى وفوق كل مخلوق. وبالتالي، المكان الذي هو فوق الكاروبيم والموصوف بطريقة محسوسة في الخيمة المقدسة، يجعل الطبيعة الإلهية واضحة لنا كل الوضوح لنا نحن البشر.

وهكذا، أمر أن يُوضع أمام مذبح الذهب، الذي صار نموذجًا للمسيح، وهو الذي يتحدث من فوق الكاروبيم، الأمر الذي يشير إلى أن المسيح سوف يقودنا أمام أعين الله الآب. ولأن الإنسان قد ابتعد واصطدم بالله بسبب المخالفة والخطية الكثيرة، أحضره المسيحُ مرةً أخرى أمام الله كما فعل هو نفسه أولا بذاته. لأنه كما قال بولس الرسول: ” لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية، بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا” (عب9: 24). فالذي هو دائمًا مع أبيه، قيل عنه أنه سوف يظهر أمام أبيه مقدمًا أمامه ما حصل للطبيعة البشرية من تغيير بحسب ما فعل هو لذاته أولاً، مبطلاً ذلك الابتعاد القديم، “لأنه هو سلامنا” وفقًا الكتب المقدسة (عب2: 14).

 

المقالة9 ج3 – السجود والعبادة بالروح والحق ج5 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم