آبائياتأبحاث

المقالة10 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة10 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة10 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة10 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة10 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

تابع المقالة العاشرة

استكمالاً للحديث السابق “عن الخيمة المقدسة، وعن الأشياء الموجودة فيها”

كيرلس: إذًا، طالما أنَّ الحديث عن هذه الأمور كان كافيًا ومرضيًا، دعنا نضيف ـ إذا أردت ـ ما قاله بولس الرسول حيث أعلن ـ بطريقةٍ مناسبةٍ ـ الشهادةَ عن المسكن الأول والثاني. فقد كتب الآتي: ” ثُمَّ إِذْ صَارَتْ هذِهِ مُهَيَّأَةً هكَذَا، يَدْخُلُ الْكَهَنَةُ إِلَى الْمَسْكَنِ الأَوَّلِ كُلَّ حِينٍ، صَانِعِينَ الْخِدْمَةَ. وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي فَرَئِيسُ الْكَهَنَةِ فَقَطْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، لَيْسَ بِلاَ دَمٍ يُقَدِّمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ جَهَالاَتِ الشَّعْبِ، مُعْلِنًا الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهذَا أَنَّ طَرِيقَ الأَقْدَاسِ لَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ، مَا دَامَ الْمَسْكَنُ الأَوَّلُ لَهُ إِقَامَةٌ، الَّذِي هُوَ رَمْزٌ لِلْوَقْتِ الْحَاضِرِ، الَّذِي فِيهِ تُقَدَّمُ قَرَابِينُ وَذَبَائِحُ، لاَ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ وَغَسَلاَتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفَرَائِضَ جَسَدِيَّةٍ فَقَطْ، مَوْضُوعَةٍ إِلَى وَقْتِ الإِصْلاَحِ.  وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، فَبِالْمَسْكَنِ الأَعْظَمِ وَالأَكْمَلِ، غَيْرِ الْمَصْنُوعِ بِيَدٍ، أَيِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ هذِهِ الْخَلِيقَةِ، وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا ” (عب9: 6 ـ 12).

أرأيت إذًا أنَّ الطقوس في المسكن الأول كان يتممها الكهنةُ الذين ليس لهم حق الدخول إلى قدس الأقداس. هكذا تكون العبادة بحسب الناموس؛ لأنها حُصِرت في الظلال.

وهذه الطقوس أيضًا لا فائدة لها من جهة التطهير والاغتسال من الخطايا. فقد سمعت منذ قليل بولس يصرخ قائلاً: ” لاَ يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ الضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ الَّذِي يَخْدِمُ ” (عب9: 9). ولقد حفظوا هذا الطقس إلى أنْ أتى وقت الإصلاح (التقويم) أي تأنُّس وحيد الجنس، حين تركت الظلال مكانها للحقيقة: ” وَأَمَّا إِلَى الثَّانِي فَرَئِيسُ الْكَهَنَةِ فَقَطْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، لَيْسَ بِلاَ دَمٍ يُقَدِّمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ جَهَالاَتِ الشَّعْبِ ” (عب9: 7). وسوف يوضح بولس الرسول هذا الأمر قائلاً عن المسيح: ” إِذْ يَقُولُ آنِفًا:إِنَّكَ ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا وَمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُرِدْ وَلاَ سُرِرْتَ بِهَا. الَّتِي تُقَدَّمُ حَسَبَ النَّامُوسِ. ثُمَّ قَالَ: هنَذَا أَجِيءُ لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ. يَنْزِعُ الأَوَّلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ الثَّانِيَ. فَبِهذِهِ الْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَكُلُّ كَاهِنٍ يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَارًا كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا، الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ الْبَتَّةَ أَنْ تَنْزِعَ الْخَطِيَّةَ. وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَدِ عَنْ يَمِينِ اللهِ، مُنْتَظِرًا بَعْدَ ذلِكَ حَتَّى تُوضَعَ أَعْدَاؤُهُ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْهِ. لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ ” (عب10: 8 ـ 14). لأنه مات مرةً واحدةً بحسب الكتب (انظر رو6: 9). وحيث أنه حمل خطايا كثيرين، ” لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا” (عب9: 24).

بلاديوس: كل ما تقوله واضحٌ. لكن الآن حوِّل اجتهادك إلى أمرٍ آخر. فماذا يعنى أيضًا ذلك الدم الذي كان عادةً ما يقدِّمه عن نفسه وعن جهالات الشعب؟ أريدك أنْ تجيب على هذا السؤال؟

كيرلس: لأنَّ بولس كان عارفًا بالناموس، وكان قد درس بدقة وصايا موسى، تكلم إلى اليهود مقتبسًا دائمًا شواهد كثيرة من الكتاب ليذكِّرهم بأمورٍ معروفةٍ عندهم، لذا تجنَّب السرد الموسَّع المتعلِّق بالأمور التقوية والسرية. وهذا شيءٌ طبيعيٌ باعتبار أنَّ اليهود أيضًا كانوا عارفين بالناموس.

 

سوف أتحدث ـ إذا أردت ـ عن الناموس لمن يتوق إلى معرفة الأمور المفيدة ويبتغي الدقة والمرونة في توضيح الشروحات. مكتوب في سفر اللاويين: ” وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: إِذَا أَخْطَأَتْ نَفْسٌ سَهْوًا فِي شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا، وَعَمِلَتْ وَاحِدَةً مِنْهَا: إِنْ كَانَ الْكَاهِنُ الْمَمْسُوحُ يُخْطِئُ لإِثْمِ الشَّعْبِ، يُقَرِّبُ عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي أَخْطَأَ ثَوْرًا ابْنَ بَقَرٍ صَحِيحًا لِلرَّبِّ، ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. يُقَدِّمُ الثَّوْرَ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الثَّوْرِ، وَيَذْبَحُ الثَّوْرَ أَمَامَ الرَّبِّ. وَيَأْخُذُ الْكَاهِنُ الْمَمْسُوحُ مِنْ دَمِ الثَّوْرِ وَيَدْخُلُ بِهِ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَيَغْمِسُ الْكَاهِنُ إِصْبَعَهُ فِي الدَّمِ وَيَنْضِحُ مِنَ الدَّمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَمَامَ الرَّبِّ لَدَى حِجَابِ الْقُدْسِ. وَيَجْعَلُ الْكَاهِنُ مِنَ الدَّمِ عَلَى قُرُونِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ الْعَطِرِ الَّذِي فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أَمَامَ الرَّبِّ، وَسَائِرُ دَمِ الثَّوْرِ يَصُبُّهُ إِلَى أَسْفَلِ مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ الَّذِي لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. وَجَمِيعُ شَحْمِ ثَوْرِ الْخَطِيَّةِ يَنْزِعُهُ عَنْهُ. الشَّحْمَ الَّذِي يُغَشِّي الأَحْشَاءَ، وَسَائِرَ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الأَحْشَاءِ، وَالْكُلْيَتَيْنِ وَالشَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِمَا الَّذِي عَلَى الْخَاصِرَتَيْنِ، وَزِيَادَةَ الْكَبِدِ مَعَ الْكُلْيَتَيْنِ يَنْزِعُهَا، كَمَا تُنْزَعُ مِنْ ثَوْرِ ذَبِيحَةِ السَّلاَمَةِ. وَيُوقِدُهُنَّ الْكَاهِنُ عَلَى مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ. وَأَمَّا جِلْدُ الثَّوْرِ وَكُلُّ لَحْمِهِ مَعَ رَأْسِهِ وَأَكَارِعِهِ وَأَحْشَائِهِ وَفَرْثِهِ فَيُخْرِجُ سَائِرَ الثَّوْرِ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ إِلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ، إِلَى مَرْمَى الرَّمَادِ، وَيُحْرِقُهَا عَلَى حَطَبٍ بِالنَّارِ. عَلَى مَرْمَى الرَّمَادِ تُحْرَقُ ” (لا4: 1 ـ 12).

 

هذا هو ما أمر به الناموس إذا أخطأ الكاهن عن جهل. أيضًا تصير ذبيحة ثور عن خطايا الشعب عن جهل، ويُذبح الثور عند باب خيمة الشهادة أمام الرب حيث يضع كهنة الخدمة أيديهم فوقه، ويُنقل دمه داخل قدس الأقداس. ولكي أُبسِّط الأمر أقول إنَّ كل ما كان يتمم (سواء بالنسبة للكهنة أو للشعب)، إنما كان يتم بوضع الأيدي فوق الذبيحة كمثل الذبيحة المقدمة عن هارون. أمَّا (معطي) الطهارة بالنسبة للكهنة وللشعب، فهو المسيح؛ “لأنه خلّصنا، وصرنا طاهرين من دنس الخطية بواسطته”. وهذا ما سوف يصير واضحًا لكل واحدٍ منَّا من خلال ما سيجيء من شروحات. لأننا سنتعرَّض بالشرح لكل أمر من الأمور التي كُتبت بالتفصيل. ولسوف يمضي حديثي بوضوح وتوسُّع بقدر المستطاع، ليجيب على ما كان خفيًا في هذه الأمور.

بلاديوس: أنت تتحدث بالصواب.

كيرلس: إذًا يأخذون الثور الذي بلا لوم، وهو يرمز إلى المسيح، الذي هو حقًا بلا لوم لأنه لم يعانِ من جُرح الخطية، لأنه مكتوب:   ” رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ ” (يو14: 30) وهو ” لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ ” كما هو مكتوب (1بط2: 22).

حسنًا، يُساق الثور بالقرب من أبواب الخيمة أمام الرب دون أنْ يعترض على التألمُّ من أجل الخيمة المقدسة، أي الكنيسة التي كرَّس المسيح نفسه لأجلها كرائحةٍ زكيةٍ أمام الله الآب. لذلك قال: ” وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي ” (يو17: 19)، وهو يستخدم “أقدِّس” بدلاً من “أُقدِّم وأُكرِّس تقدمةً بلا لوم لله الآب”. لأنَّ ما يُكرَّس لله مكتوبٌ عنه “يُقدِّس”: ” هُوَ شَرَكٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَلْغُوَ قَائِلاً: «مُقَدَّسٌ»، وَبَعْدَ النَّذْرِ أَنْ يَسْأَلَ ” (أم20: 25). وأمَّا أنْ تكون التقدمة مقبولة وحسنة عند الله، فهو ما تعلنه عبارة “أمام الرب”. هل أدركت الآن ما سبق أنْ كُتِبَ عن الأخوين، أقصد قايين وهابيل؛ لأنه مكتوب: ” فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ، 5 وَلكِنْ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ ” (تك4: 4 ـ 5). فمن الواضح أنه نظر إلى ما يسُرَّه، ولكنه يكره ولا يلتفت إلى العكس. فعندما تستند أيدي ذاك الذي فعل الخطية فوق الثور، عندئذٍ يصير الذبح، وحسنًا “أمام الرب”؛ لأنَّ ” عَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا ” (إش53: 11) وهو مذبوحٌ. اليد هنا هي مثال للعمل والأعمال. هكذا ذبحه يصير أمام الرب، معطيًا بذلك إشارة إلى موافقة الآب في أنه يجب أنْ يموت الابن، ولم يرفع نظره بينما كان يُذبح. لكن على أى حال هو لا يستعذب الألم الذي تعانى منه الذبيحة ويثنى عليه، إلاّ أنه يعرف أنَّ ألم عمانوئيل هو لأجل خلاص العالم.

 

          إذًا، فقد حمل المسيح خطايانا، وتألمَّ لأجلنا مُحتملاً الذبح فوق الصليب الكريم.

 

وبعد ذلك يأخذ الكاهنُ الدمَ بأُصبعه ويرُش سبعُ مراتٍ حجابَ القُدسِ الذي كان يغطي التابوت الذي كان يدعى كفَّارةً. ويمسح قرون مذبح البخور، أي صار المسيحُ كفَّارةً لأجلنا، وذبيحة تكفير. وبدم العهد الأبدي منحنا كمال التطهير. لأنَّ هذا هو ما يقصده برش الدم سبعُ مراتٍ لدى حجاب القُدس؛ لأنَّ العدد سبعة هو رمز الكمال. فقد أفاح موته رائحةَ خلاص العالم الزكية، والإيمان بالاقتراب منه. لأنه طبقًا للكتب المقدسة ” إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ ” (2كو5: 14 ـ 15). بالتالي فإنَّ مسح مذبح البخور بالدم يعلن رائحة الموت الزكية. والدم الباقي يُرشُّ أسفل مذبح المحرقة (أي على قاعدته) الذي يوجد في المسكن الأول. ويُشير الدم طبعًا إلى النفس، وعمانوئيل لم يبذل نفسه لأجل كنيسة الأمم فقط، بل لأولئك الذين عاشوا بالناموس، أي للإسرائيليين. لأن الجميع قد تحرروا بدم المسيح: يونانيون ويهود ويؤكد هذا بولس الرسول حين قال: ” أَمِ اللهُ لِلْيَهُودِ فَقَطْ؟ أَلَيْسَ لِلأُمَمِ أَيْضًا؟ بَلَى، لِلأُمَمِ أَيْضًا لأَنَّ اللهَ وَاحِدٌ، هُوَ الَّذِي سَيُبَرِّرُ الْخِتَانَ بِالإِيمَانِ وَالْغُرْلَةَ بِالإِيمَانِ” (رو3: 29 ـ 30).

 

وبعد نزع الشحم من الأحشاء ووضعها على المذبح، يتم حرق بقية جسد الثور خارج الخيمة. هكذا تكون الذبيحة المقدسة التي تفوح بالفضائل التي رُمز إليها بالأحشاء، لأن الفضائل تكون مختفيةً في داخلنا وساكنةً في ذهننا. هذا هو المسيح الذي عانى خارج الباب، وبموت جسده يطهِّر الأدناس لأنه يقول: ” إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجله مرشوش على المنجسين يقدِّس إلى طهارة الجسد “. بالتالي، تفوح رائحة عمانوئيل الذي هو واحدٌ في الخيام المقدسة، أي الكنائس. لقد تألمَّ أيضًا خارج الباب حيث يجب علينا أن نخرج ونحمل عاره كما قال بولس الرسول (انظر عب13: 13).

 

وكان الثور أيضًا يُقدم من أجل خطايا الشعب عن جهل في درجة مساوية (لما يُقدَّم من أجل الكهنة)، وهكذا كان سبب تقديم الذبيحة واحدٌ للجميع (أي للشعب والكهنة). بنفس الطريقة إذن قدَّم عمانوئيل نفسه للصغار والكبار، للشعب والكهنة. أليس ما أقوله صحيح؟

بلاديوس: كيف لا ؟!!

كيرلس: حسنًا، هل تريد أنْ نرجع بحديثنا إلى الكلام المتعلق بالخيمة؟

بلاديوس: نعم أريد جدًا.

كيرلس: عندما انتهوا من إتمام كل الأعمال بوضع كل آنية من الأواني في مكانها اللائق، أمر الرب أنْ تتقدس هذه الآنية والخيمة قائلاً لموسى: ” وَتَصْنَعُهُ دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ. عِطْرَ عِطَارَةٍ صَنْعَةَ الْعَطَّارِ. دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ يَكُونُ. وَتَمْسَحُ بِهِ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ، وَتَابُوتَ الشَّهَادَةِ، وَالْمَائِدَةَ وَكُلَّ آنِيَتِهَا، وَالْمَنَارَةَ وَآنِيَتَهَا، وَمَذْبَحَ الْبَخُورِ، وَمَذْبَحَ الْمُحْرَقَةِ وَكُلَّ آنِيَتِهِ، وَالْمِرْحَضَةَ وَقَاعِدَتَهَا. وَتُقَدِّسُهَا فَتَكُونُ قُدْسَ أَقْدَاسٍ. كُلُّ مَا مَسَّهَا يَكُونُ مُقَدَّسًا ” (خر30: 25 ـ 29).

 

أرأيت إذًا التابوت ممسوحًا بالزيت المقدس، وطبعًا المائدة والمصباح فوقها، وأيضًا المذبح الذهبي. بالطبع، سبق لنا أنْ أوضحنا ـ بعرضٍ مطوَّلٍ ـ أنها ترمز لعمانوئيل بالفعل.

بلاديوس: هذا حق.

كيرلس: حسنًا تأمل ما يترنم به داود عنه: ” أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِدُهْنِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ ” (مز7:45). أيضًا بولس الرسول يكتب: ” لأَنَّ الْمُقَدِّسَ وَالْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ ” (عب11:2).

 

ويجب أن نعرف ـ طبقًا لهذا القول الذي بلا عيب ـ أنَّ المسيح الذي يمنح القداسة ويعطيها للجميع لأنه إله، مع الله الآب، إنما يتقدَّس معنا كإنسان، وهذا هو الإخلاء (انظر فيلبى 6: 2 ـ 7). فقد قِيل عَمَنْ هو بطبيعته قدوس لأنه الإله: إنه احتاج إلى الله ليقدسه. وهذا ما يقوله بطرس الطوباوي ” يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ ” (أع38:10). إذًا، المسحةُ وتقديس الجسد يخصان بشريته، أي (ناسوت) المسيح الذي هو قدوس لأنه من جهة لاهوته هو واحد مع الله الآب، أمَّا التقديس بالنسبة للمخلوقات، فيأتي من الخارج بقبول النعمة الغنية من الله.

 

إذن، يُمسح مذبح العبادة الناموسية مع كل الأشياء؛ لأنَّ الناموسَ مقدسٌ أيضًا، إذ يدعو إلى معرفة الله، ويمنح مستمعيه معرفة البر، ويرشد أولئك الذين يقودهم إلى بداية الصلاح؛ لأنه يقول: ” بداية الحياة الفاضلة هي أن يفعل المرء البر ” (أم16: 5 س). كما قال بولس الرسول أيضًا: ” إِذًا النَّامُوسُ مُقَدَّسٌ، وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَةٌ ” (رو7: 12). والناموسُ مقدسٌ، ليس طبعًا بكونه ظلاً للخيرات العتيدة، بل بالمفهوم الروحي لتلك الظلال. لأن هذه النماذج والظلال تصرخ عندئذٍ بأنها تشير إلى المسيح قدُّوسُ القدِّيسين حقًا؛ إذ أنه يُقدِّس كالله ماسحًا ـ بالروح نفسه ـ هؤلاء الذين يشاركونه بالإيمان.

 

هكذا أُقيمت الخيمة المقدسة، ومُسحت بالكامل بالزيت المقدس، علينا إذن أنْ نتحدث ـ إذا أردت ـ عما صار بعد هذه الأمور.

بلاديوس: أريد طبعًا.

كيرلس: مكتوب الآتي: ” ثُمَّ غَطَّتِ السَّحَابَةُ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ وَمَلأَ بَهَاءُ الرَّبِّ الْمَسْكَنَ. فَلَمْ يَقْدِرْ مُوسَى أَنْ يَدْخُلَ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ، لأَنَّ السَّحَابَةَ حَلَّتْ عَلَيْهَا وَبَهَاءُ الرَّبِّ مَلأَ الْمَسْكَنَ. وَعِنْدَ ارْتِفَاعِ السَّحَابَةِ عَنِ الْمَسْكَنِ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَرْتَحِلُونَ فِي جَمِيعِ رِحْلاَتِهِمْ. وَإِنْ لَمْ تَرْتَفِعِ السَّحَابَةُ لاَ يَرْتَحِلُونَ إِلَى يَوْمِ ارْتِفَاعِهَا، لأَنَّ سَحَابَةَ الرَّبِّ كَانَتْ عَلَى الْمَسْكَنِ نَهَارًا. وَكَانَتْ فِيهَا نَارٌ لَيْلاً أَمَامَ عُِيُونِ كُلِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ فِي جَمِيعِ رِحْلاَتِهِمْ ” (خر40: 34 ـ 38).

 

عندما جاءت الخيمة المقدسة والحقيقيةـ أي الكنيسة التي من الأمم ـ إلى العالم، واستنارت بنور المسيح، والسحابة كظل روحي من السماء، أغدقت علينا بفرح غني غمر هيكل الله. وعندما يقول إنَّ موسى لم يستطع أنْ يدخل، فهذا يعني أنَّ بني إسرائيل لم يدخلوا لأنهم لم يستطيعوا أنْ يحتملوا النور الإلهي. على الجانب الآخر، لم يفهموا سر المسيح، ولا قَبِلوا الاستنارة الروحية، ولا رأوا ـ بأعين الذهن ـ مجد الرب الذي ظهر في مثال السحابة.

عندما ارتحل الرب من العالم ومضى إلى فوق، نرتحل نحن معه تابعين آثاره الربانية، لأنه دشَّنَ لأجلنا طريقًا جديدًا وحيًَّا، أقصد الطريق الذي يقود إلى فوق، أي إلى السماء. وعندما استراح، استرحنا نحن معه، وظللنا بالقرب منه. هكذا عندما ارتحلت السحابة ارتحل معها الشعب، بينما عندما ظلت في مكانها بقي الشعب لأنه يقول: ” لأَنَّ سَحَابَةَ الرَّبِّ كَانَتْ عَلَى الْمَسْكَنِ نَهَارًا. وَكَانَتْ فِيهَا نَارٌ لَيْلاً أَمَامَ عُِيُونِ كُلِّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ فِي جَمِيعِ رِحْلاَتِهِمْ ” (خر40: 38). وهو ما يعني أنَّ المسيحَ يملأ مَن هم أحياءٌ بغنى المواهب الروحية كأنهم في نور النهار لأنهم اختاروا أنْ يعرفوه بتدقيقٍ واجتهاد، وصار ذهنهم مستنيرًا. كما يعني أيضًا أولئك الذين مازالوا في ظلام الجهل؛ لأن ظلمة الضلال العالمي لا توجد في الكنائس؛ لأنَّ المسيح ينيرها كلها ويُشرق دائمًا بالنور غير المحسوس على الكون، لأننا لسنا أبناء الليل والظلمة لكن أبناء النور والنهار كما هو مكتوب (1تس 5: 5).

بلاديوس: إن ما تقوله صحيحٌ جدًا.

كيرلس: بما أننا تكلمنا عن النواميس الخاصة بالخيمة والتقدمات المقدَّمة من الشعب، وكذلك ارتحال الشعب وسكناه، دعنا إذن نمضي في حديثنا لأنه يسير هكذا في الطريق الصحيح.

بلاديوس: أوافقك.

 

المقالة10 ج4 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم