آبائياتأبحاث

المقالة11 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة11 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة11 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

المقالة11 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم
المقالة11 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم

 

السجود والعبادة بالروح والحق

المقالة الحادية عشر

“عن الكهنوت، وإن الكهنوت بحسب الناموس كان ظلاً للكهنوت بحسب المسيح”

 

كيرلس: لقد تحدثنا حديثًا كافيًا عن الخيمة وكل ما أعلنه الله بخصوصها، وكان حديثنا فعالاً وجاء مناسبًا من جهة الشرح الروحي المفصَّل. علينا أيضًا ـ بحسب رأيي ـ وأظنك توافقني، أنْ نشرح تقدمات الكهنوت، وإنه بكهنوت الظل والناموس أُشير إلى الكهنوت الحقيقي، أي إلى الكهنوت بحسب المسيح، والذي بواسطته تقدَّس الجنس المقدَّس من خلال المسيح. وأقصد بهم أولئك الذين قد استُنيروا بالإيمان، وقد حصلوا على غنى الاتحاد مع الله إذ ظلوا في حالة شركة مع الروح القدس.

بلاديوس: أوافق بالتأكيد، وكلامُك حَسِنٌ.

كيرلس: حسنًا، طالما اكتملت الخيمة المقدسة كما يليق، وتشبَّهت في الشكل بالمثال الذي ظهر لموسى على الجبل، مضى الله في اختيار الكهنة قائلاً: ” وَقَرِّبْ إِلَيْكَ هَارُونَ أَخَاكَ وَبَنِيهِ مَعَهُ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَكْهَنَ لِي. هَارُونَ نَادَابَ وَأَبِيهُوَ أَلِعَازَارَ وَإِيثَامَارَ بَنِي هَارُونَ ” (خر28: 1). إنَّ كل الذين اُختيروا للخدمة الكهنوتية المقدسة، دُعوا بأسمائهم. لأنه وفق المكتوب ” َلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا ” (عب5: 4). إذن، لا أحد يأتي من نفسه إلى كهنوت الله لكن عليه أنْ ينتظر الدعوة، لأنه إنْ شَرَعَ أحدٌ في أنْ يخطف هذه الدعوة السماوية التي ليست له، فسوف يخضع لتأديب داثان وأبيرام. ولا تتشكك في أنَّ الدعوة الذاتية (أي تلك التي يُقحِم الإنسان نفسه فيها) تكون غير لائقة، إذ يكتب بولس عن المسيح قائلاً: ” كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. كَمَا يَقُولُ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ ” (عب5: 5 ـ 6).

 

إذن، الدعوة التي قيلت للمسيح قد أُشير إليها أيضًا فيما قيل مرارًا لموسى: “وقرِّب إليك هرون أخاك وبنيه معه من بين بني إسرائيل ليكهن لي”. ثمَّ ألا تعني كلمة “قرِّب”، “أدعوه وخذه بالقرب منك”؟ لقد دُعيَ المسيحُ ليصير رئيس كهنة بقرار الآب. كما دُعيَ أيضًا وعُيِّن معه التلاميذ القديسين المشاركين له في الخدمة المقدسة. لذلك كرزوا بتعبيرات فائقة للوصف قائلين: ” نحن عاملون مع الله ” (1كو3: 9، رو16: 3)، متجولين في كل المسكونة كارزين للأمم بإنجيل المسيح. فقد دُعوا لرسالتهم بواسطة المسيح والكلمة، وهذا صحيح، لكن هذا الأمر كان على أية حال مسرة الآب، إذ أنَّ فكر الآب وحكمته وإرادته هو الابن.

          هرون إذن، هو مثالٌ للمسيح مقدِّمًا لنا الكهنوت الروحي والحقيقي من خلال الظلال الباهتة. ولاحظ أنَّ موسى أخذ أمرًا بشأن دعوة هرون بالقرب منه، لأنَّ الناموسَ ضعيفٌ وناقصٌ إذا ابتعد عن المسيح. لأنه مكتوب ” لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنَّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا” (عب10: 4). لكن المسيح، إذ قُدِّم ذبيحة لأجل الخطايا، جعل كل الذين تقدَّسوا كاملين إلى الأبد. إذن، فليعرف محبُّو الظل ومكرِّمو الوصايا الناموسية، والذين مازالوا يُصرُّون بغيرةٍ على عبادة الظلال أنه إنْ لم يحضروا بالقرب من رئيس الكهنة ورسول إيماننا يسوع المسيح، فإنهم لن يستفيدوا شيئًا. ما فائدة مفاخر الحياة بحسب الناموس عند الله الذي يُكرِّم الفضائل؟ لذلك بسبب عظمة معرفة المسيح يقول إنه يعتبر أمور العالم نفايةً ويفضِّل الأمور الروحية (انظر في3: 8). وهذا المعنى نراه في أمر الله لموسى بأنْ يدعو هرون بالقرب منه.

بلاديوس: إنني أفهم ما تقوله وحديثك واضح.

كيرلس: مكتوب: ” ادعُ بالقرب منك أخيك هرون ” (خر28: 1)[1]. وأعتقد أن الأمر مفيدٌ روحيًا. انتبه إذن لما أقوله. لقد أُرسِل موسى لكي يُخرِج الإسرائيليين من العبودية في مصر، وقد رأى موسى أنَّ الأمر قد تجاوز بكثير ضعفه البشرى، إذ تخطى ـ بكثير ـ قدرته وفصاحته، عندئذٍ يترجى الله ويقول: ” لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ ” (خر4: 10). عندئذٍ قال له الله: ” مَنْ صَنَعَ لِلإِنْسَانِ فَمًا؟ أَوْ مَنْ يَصْنَعُ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى؟ أَمَا هُوَ أَنَا الرَّبُّ ” (خر4: 11). ولكن موسى وقد تملَّكه الخوف والهلع من حجم العمل المكلف به قال: ” اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلُ ” (خر4: 13). عندئذٍ عيَّن الله مباشرةً، هرون كمثال للمسيح الذي يستطيع أن ينجز كل شيء بسهولة، إذ ليس في الإمكان أنْ يُفدي إسرائيل إنْ لم يُعطَ له المسيح ـ الذي أُشير إليه بشخص هرون ـ معينًا في خوفه وضعفه. لقد أُكمل ضعف الناموس بشخص المسيح، إذ ربط هرون بموسى الطوباوي بعدما اختاره للكهنوت. لأنَّ الناموس لا يكفي للفداء وليس لديه القدرة لكي يقدِّس المفديِّين من الخطية. لكن الفداء طبعًا والقداسة يصيران بالعمل المشترك للقديسين مع المسيح، مثلما ـ بالضبط – فعل موسى مع هرون في مصر، وكذلك أبناء هرون مع هرون نفسه.

 

لقد عَمِل التلاميذ القديسون مع المسيح رئيس الكهنة والقائد، ذاك الذي يمكنه ـ بالتأكيد ـ أنْ يحقق كل شيء، ولكن هؤلاء التلاميذ ـ بعملهم المشترك معه ـ لا يساعدونه لضعفٍ فيه، لكن بسبب أنهم قد دُعوا ليخدموا، فقد اُختيروا كأناسٍ ممتازين، إضافةً إلى أنهم سوف يحصلون منه على القوة التي تجعلهم ينجزون كل شيء. وهذا ما يؤكده بولس الرسول قائلاً: ” أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي ” (في4: 13).

بلاديوس: إذن، فقد دُعِيَ هرون وآخرين بأسمائهم ـ كمختارين ـ إلى الواجب المقدس.

كيرلس: بالإضافة إلى هذا، فقد شرّع أنْ يصنعوا لهؤلاء ملابس بهيةً ولائقةً للقداسة قائلاً: ” وَاصْنَعْ ثِيَابًا مُقَدَّسَةً لِهَارُونَ أَخِيكَ لِلْمَجْدِ وَالْبَهَاءِ. وَتُكَلِّمُ جَمِيعَ حُكَمَاءِ الْقُلُوبِ الَّذِينَ مَلأْتُهُمْ رُوحَ حِكْمَةٍ، أَنْ يَصْنَعُوا ثِيَابَ هَارُونَ لِتَقْدِيسِهِ لِيَكْهَنَ لِي ” (خر28: 2 ـ 3). ولذلك ينصح بولس الحكيم، أولئك الذين خلصوا بالإيمان أنْ يلبسوا اللُباس المقدس الحقيقي والسماوي قائلاً: ” الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ ” (رو13: 14). هذا ما أعلنه أيضًا ـ بالتأكيد ـ النبي إشعياء نيابةً عن الكنيسة قائلاً: ” تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ ” (إش61: 10). إذن، فالمسيح حقًا، هو اللُباس المجيد والبهي والمقدس للجنس الكهنوتي، إنه الزينة البهيّة والفائقة لنفوس القديسين. لأنه يقول: ” كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ ” (غلا3: 27) والقول حقٌ هو.

 

لقد زيَّن الناموس ـ بظلاله ـ هرون في اقترابه من المسيح، آخذًا المجد من زينة المسيح المتنوعة. لأنَّ صناعة الملابس تنطوي على مغزىً سريٍ يُعلِن ـ بطريقة رمزية ـ مجد المخلِّص. ولعلك تلاحظ كيف يقول إنَّ صُنَّاعَ الزينة مملوءون من الفهم الممنوح لهم من الله، أي ذلك الفهم الذي يقودهم إلى طباعة زينة زاهية متنوعة، أي مجد المسيح، فوق الملابس الكهنوتية.

 

والملابس المصنوعة تشمل الصدرة والرداء والجُبة والقميص المخرَّم والعمامة والمِنطقة، وملابس أخرى سوف نتحدث عنها بقدر استطاعتنا في المكان المناسب. لقد قال لأولئك الذين أخذوا على عاتقهم هذه الأعمال: ” فَيَصْنَعُونَ ثِيَابًا مُقَدَّسَةً لِهَارُونَ أَخِيكَ وَلِبَنِيهِ لِيَكْهَنَ لِي ” (خر28: 4 ـ 5). من فضلك، دع فكرك يتأمل فيما قلناه ولاحظ هذا الأمر.

بلاديوس: ما الذي تريد أنْ تقوله؟

كيرلس: ألم يُصنع كل ما هو موجود في الخيمة من ذهب وبوص مبروم وأسمانجوني وأرجوان وقرمز (انظر خر26: 1)، وهذا  يُرمز إلى المسيح؟

بلاديوس: بالفعل، كل شيء يرمز إلى المسيح.

كيرلس: حسنًا، لاحظ أنَّ ثياب الكهنوت صُنعت بنفس المواد لكي تشير ـ كما في صورةٍ ومثال ـ إلى مجد المسيح. لأنَّ الأقوال نفسها، تُظهر جمال المسيح. فالذهب يشير إلى إلوهيته، والأرجوان يشير إلى رتبة المسيح الملوكية، والبوص (قماش أبيض شفاف من اللينوه الرقيق) يشير إلى الكلمة قبل تجسده، والقرمز (الأحمر) يشير إلى الجسد الذي اتخذه، والأسمانجوني (الأزرق السماوي) الذي هو لون الياقوت يشير إلى أنه أتى من فوق، أي من السماء. أليس كلمة الله الآب هو إلهٌ وملكٌ معًا؟

بلاديوس: كيف لا يكون؟!

كيرلس: أليس حقًا أنَّ كلمة الآب الذي هو روح بغير جسد (الرقيق)، اتخذ جسدًا وأتى من فوق؟ (انظر يو 1: 14).

بلاديوس: هذا حق.

كيرلس: هكذا يتفق أمر المواد التي صُنعت منها الملابس، مع كل تلك التي توجد داخل الخيمة المقدسة من جهة هذه الرؤية الدقيقة.

 

لقد حان الوقت لكي نتحدث عن تلك الملابس المتنوعة التي صُنعت لهرون. حسنًا، يقول: ” فَيَصْنَعُونَ الرِّدَاءَ مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِق. يَكُونُ لَهُ كَتِفَانِ مَوْصُولاَنِ فِي طَرَفَيْهِ لِيَتَّصِلَ. وَزُنَّارُ شَدِّهِ الَّذِي عَلَيْهِ يَكُونُ مِنْهُ كَصَنْعَتِهِ. مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ ” (خر28: 6 ـ 8).

 

          وحيث إنه حدد المواد التي تكلّمنا عنها بخصوص الأقمشة أضاف قائلاً: ” وَتَأْخُذُ حَجَرَيْ جَزْعٍ وَتُنَقِّشُ عَلَيْهِمَا أَسْمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. سِتَّةً مِنْ أَسْمَائِهِمْ عَلَى الْحَجَرِ الْوَاحِدِ، وَأَسْمَاءَ السِّتَّةِ الْبَاقِينَ عَلَى الْحَجَرِ الثَّانِي حَسَبَ مَوَالِيدِهِمْ. صَنْعَةَ نَقَّاشِ الْحِجَارَةِ نَقْشَ الْخَاتِمِ تُنَقِّشُ الْحَجَرَيْنِ عَلَى حَسَبِ أَسْمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. مُحَاطَيْنِ بِطَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ تَصْنَعُهُمَا. وَتَضَعُ الْحَجَرَيْنِ عَلَى كَتِفَيِ الرِّدَاءِ حَجَرَيْ تَذْكَارٍ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. فَيَحْمِلُ هَارُونُ أَسْمَاءَهُمْ أَمَامَ الرَّبِّ عَلَى كَتِفَيْهِ لِلتَّذْكَارِ ” (خر28: 9 ـ 12).

بلاديوس: شرحُك عميقٌ. لكن حاول أولاً أنْ تخبرني ماذا يعني الثوب الذي يُدعى “الرداء”؟ وما هو مغزى صناعته؟

كيرلس: لقد أمر أنْ يُصنع ملبسًا شبيهًا بالرداء ويصل حتى الصدر (عظمة القص) موضوعًا فوق الملابس التي كانت بالداخل، وتصل حتى الأرجل مُشعةٌ ببهاء الذهب والأرجوان، يستدعي هذا الرداء منظرًا تقويًا ولائقًا بالقداسة لعيون ناظريه. هذا يُسميه رداءً (صدرة) لأن اللُباس كان صغيرًا وبالكاد يغطي الكتفين. وقد حدد بوضوح أنْ يُوضع على هذا الرداء حجرين جذع زُمرد وتنقش عليهما أسماء أسباط بني إسرائيل الاثنى عشر، ستة في كل واحدة. ما هو السبب؟ هو نفسه يوضح قائلاً:  ” فَيَحْمِلُ هَارُونُ أَسْمَاءَهُمْ أَمَامَ الرَّبِّ عَلَى كَتِفَيْهِ لِلتَّذْكَارِ ” (خر28: 12).

بلاديوس: ما الذي تعتقده بخصوص الحجرين والنقش؟

كيرلس: اسمع إذن. حجر الجذع (الزمرد) هو حجر أزرق نرى فيه أشكال بيضاوية تسبح في العمق ويمتزج فيها النور مع الظلمة، وكأن كل واحد منهما يريد أن ينتصر على الآخر. بالتالي يا بلاديوس، فالعين الجسدية وهي تنظر إلى فوق في الأعالي، وتتفحص عمق الأثير (الغلاف الجوي) والسماء، ألا ترى مثل هذا المنظر؟ لأنَّ الأثيرَ أزرقٌ ومظلمٌ في العمق، يتخلله بصيصٌ من النور.

بلاديوس: إنه كما تقول.

كيرلس: نرى في الكتاب المقدس أنَّ حجر الجذع يشير إلى السماء وأحيانًا يشير الزفير (الياقوت الأزرق) أيضًا إلى السماء؛ لأنه شاحبٌ ويشبه كثيرًا حجر الجذع (الزمرد). مكتوب في سفر الخروج: ” ثُمَّ صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَرَأَوْا إِلهَ إِسْرَائِيلَ، وَتَحْتَ رِجْلَيْهِ شِبْهُ صَنْعَةٍ مِنَ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ الشَّفَّافِ، وَكَذَاتِ السَّمَاءِ فِي النَّقَاوَةِ ” (خر24: 9 ـ 10). هكذا شاهد الإسرائيليون رب الجميع واقفًا والكل تحت رجليه، فهو ربُ السموات، وذلك لأنهم عندما ذهبوا إلى مصر كانوا قد عبدوا الخليقة ودعوا السماء إلهًا، ولأجل خيرهم ظهر لهم هكذا. أرأيت إذن أنَّ الكتاب المقدس يرى في الحجر العقيق الأزرق الشفاف الشاحب اللون الذي يتخلله بصيصٌ من النور مثالاً وصورةً للسماء؟ إذ من طبيعة هذا الحجر أنْ يلمع بلونٍ أزرقٍ!

بلاديوس: لقد عبّرت تعبيرًا حسنًا.

كيرلس: إذن، حجر الجذع هو علامةٌ وإشارةٌ إلى السماء، ومكتوب عليه كل الشعب الإسرائيلي بحسب جنسه، ومكان هذا الحجر هو الرداء، وهذا يقودنا لنتأمل فيمَن اختارهم لكي تُكتب أسماءهم في السماء، كيف أنهم سوف يستريحون على المسيح ويكونون محمولين على أكتافه كأبناءٍ محبوبين. مثل هذا الأمر قاله موسى العظيم مكِّرمًا إسرائيل الذي يحميه الله ” كَمَا يُحَرِّكُ النَّسْرُ عُشَّهُ وَعَلَى فِرَاخِهِ يَرِفُّ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَأْخُذُهَا وَيَحْمِلُهَا عَلَى مَنَاكِبِهِ ” (تث32: 11). أيضًا داود يرنِّم عن كل قديس يتمتع بمعونة الرب قائلاً: ” بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ ” (مز91: 4).

 

الأجزاء التي تقع أسفل العُنق هي الأجزاء التي تحمل، وبالتالي هو يقصد الأكتاف وليس الظهر. وفق ما قاله النبي (انظر هوشع 11: 3)[2] سيقفون فوق أكتافه، وسوف يأخذهم بقبضة يديه، مثل افرايم القويم، هؤلاء هم الذين اختارهم لتُكتب أسماءهم في السماء. هذا الأمر وصفه المخلِّص نفسه على أنه أمر ممجد وعجيب ويفوق المواهب الإلهية حين قال لتلاميذه: ” لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ ” (لو10: 20). سيشاهد الرب أسماء الإسرائيليين المنقوشة فوق الأحجار الثمينة على صدر هارون فيذكر الإسرائيليين دائمًا عند الرب. بمعنى أنَّ الله الآب يقبلنا ويتذكرنا في شخص المسيح، وبواسطة المسيح نصير معروفين ومستحقين أنْ نكون تحت بصره ومكتوبين في كتاب الله (رؤ13: 8).

بلاديوس: أنت تتحدث باستقامة.

كيرلس: يأمر المشرّع أنْ يضيف الزينة الثانية ” وَتَصْنَعُ طَوْقَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَسِلْسِلَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. مَجْدُولَتَيْنِ تَصْنَعُهُمَا صَنْعَةَ الضَّفْرِ، وَتَجْعَلُ سِلْسِلَتَيِ الضَّفَائِرِ فِي الطَّوْقَيْنِ. وَتَصْنَعُ صُدْرَةَ قَضَاءٍ. صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِق كَصَنْعَةِ الرِّدَاءِ تَصْنَعُهَا. مِنْ ذَهَبٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ تَصْنَعُهَا. تَكُونُ مُرَبَّعَةً مَثْنِيَّةً، طُولُهَا شِبْرٌ وَعَرْضُهَا شِبْرٌ. وَتُرَصِّعُ فِيهَا تَرْصِيعَ حَجَرٍ أَرْبَعَةَ صُفُوفِ حِجَارَةٍ. صَفُّ: عَقِيق أَحْمَرَ وَيَاقُوتٍ أَصْفَرَ وَزُمُرُّدٍ، الصَّفُّ الأَوَّلُ ” (خر 28: 13 ـ 17). ثم بعد ذلك، حيث ذكر أسماءهم أضاف قائلاً: ” وتكون الحجارة على أسماء بني إسرائيل اثنا عشر على أسماءهم. كنقش الخاتم كل واحد على اسمه تكون للاثنا عشر سبطًا ” (خر28: 21). ثم بعد قليل يقول ” فَيَحْمِلُ هَارُونُ أَسْمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي صُدْرَةِ الْقَضَاءِ عَلَى قَلْبِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْقُدْسِ لِلتَّذْكَارِ أَمَامَ الرَّبِّ دَائِمًا ” (خر28: 29).

بلاديوس: إنَّ الأمور المتعلّقة بالصدرة غامضة، ويبدو لي أنَّ طريقة صناعتها أيضًا صعبة الفهم جدًا.

كيرلس: إذن يجب أنْ ننتقل بحديثنا إلى هذه الأمور لكي نقترب من الحق حتى لو كانت هناك صعوبة تُعيقنا عن الوصول التام إليها. فالأشياء الغامضة جدًا، من الأفضل أنْ ننظرها كما في مرآه بدلاً من عدم رؤيتها بالمرة. وسوف أشرح هذه الأمور بقدر استطاعتي وبقدر ما يسمح لي عقلي. لقد أمر أن يُصنع طوقين من ذهب بقُطر أكبر من العُملة ولكن بنفس الشكل؛ لأنَّ العُملةَ دائريةٌ. ثم بعد ذلك تُصنع سلسلتين من الذهب النقي بضفائر من الورد. السلسلتان لهما شكلٌ مختلفٌ، وهما ملونتان بألوان وأشكال الورود. وكانت هذه الألوان قُرمزي وأرجوان وذهب مجدول وخيط أزرق وأحمر. بعد ذلك يجب أن يُصنع قماش مربع شبيه بمكعب متساوي الأوجه طوله شبر وعرضه شبر. ويجب أن يُنسج نسجًا جيدًا ويُرصِّع فيها ترصيعُ حجرٍ أربعةُ صفوفٍ حجارة، كل صفٍ ثلاثة حجارة، وتكون الحجارة على أسماء بني إسرائيل أثنى عشر على أسماءهم. وكانت تُصنع على الصدرة حلقتان من ذهب، وتكون الحلقتان على طرفي الصدرة. وضفيرتا الذهب في الحلقتين على طرفي الصدرة، أمَّا طرفا الضفيرتين الأُخريين فتكونان في الطوقين، وكانتا تبدوان موضوعتين عاليًا على الكتفين وتتدلى على الصدر. وتُربط الصدرة بحلقتي الرداء بسلاسل. وكان إعجاب أولئك الذين يرون الرداء عظيمًا، إنه عملٌ عظيمٌ مزينٌ بالأحجار والذهب والمواد الأخرى المتعددة الألوان. وكان الهدف من هذا العمل أنْ يذكر هرون الإسرائيليين أمام الله عندما يدخل إلى القدس. هل اتضحت لك الطريقة التي عُملت بها كل هذه المشغولات؟

بلاديوس: بالطبع صارت واضحة جدًا. لكن لماذا سُمِّي هذا العمل الفني الجميل بصدرة القضاء؟

كيرلس: ونحن لم نقل لماذا سُمِّيَ رداءً عندما تحدثنا سابقًا عنه – فذلك لأنه يمتد ليُغطي الكتفين؟

بلاديوس: نعم. لكن ما علاقة هذا بسؤالنا؟

[1] هكذا ورد النص عند ق كيرلس، والنص هو “وقرّب إليك هرون أخاك وبنيه معه من بين بني إسرائيل ليكهن لي.هرون ناداب وابيهو العازار وايثامار بني هرون”.

2 “وأنا درّجت افرايم ممسكا إياهم بأذرعهم فلم يعرفوا إني شفيتهم”.

 

المقالة11 ج1 – السجود والعبادة بالروح والحق ج6 – ق. كيرلس الاسكنري – د. جورج عوض إبراهيم