آبائياتأبحاث

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص2 ج2 – ق. ذهبي الفم

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص2 ج2 - ق. ذهبي الفم

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص2 ج2 – ق. ذهبي الفم

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص2 ج2 - ق. ذهبي الفم
تفسير رسالة2 تيموثاوس ص2 ج2 – ق. ذهبي الفم

 

المقالة التفسيرية الخامسة

“صادقة هي الكلمة أنه إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه. إن كنا نصبر فسنملك أيضاً معه. إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا. إن كنا غير أمناء فهو يبقى أميناً لن يقدر أن ينكر نفسه. فكر بهذه الأمور مناشداً أقدام الرب أن لا يتماحكوا بالكلام. الأمر غير النافع بشيء. لهدم السامعين”

(2: 11- 14)

التـــحــليـــل

  • نتألم مع المسيح لكي نملك معه.
  • ملاحظة تعاليم الإنجيل النقية. تجنب الأقوال الباطلة الدنسة.
  • ما هي الصفات التي تميز الناس المرتبطين بالإيمان ارتباطاً قوياً.

 

1-نتألم مع المسيح لكي نملك معه

كثيرون من الضعفاء، يتوقفون عن جهاد الإيمان ولا يستطيعون انتظار مهلة الرجاء، فيتعلقون بالحاضر، ويبنون عليه افتراضات للمستقبل، وهذا الحاضر المليء العذابات والسجن والموت يجعلهم يشكون في كلام الرسول عندما يعدهم بالحياة الأبدية.

ولما كان من المتوقع أن يقابل الرسول أناساً غير مؤمنين يوجهون إليه الاستفسارات الآتية: كيف أكون ميتاً وأنا حي، وكيف أكون حياً بينما أنا ميت. 

 

أنت تعدنا بالكثير ولا تعطينا حتى القليل؟

لماذا لا تعدنا بشيء على الأرض بينما وعودك كلها تخص السماء؟

لقد سبق الرسول وأجاب على هذه الأسئلة مستنداً على عدة براهين كتابية منها على سبيل المثال قال: “اذكر يسوع المسيح المقام من الأموات” (2تيمو 2: 8) أي أن موته وآلامه يسبقان قيامته أيضاً يؤكد نفس المعنى بقوله “صادقة هي الكلمة” أن الذي يعيش حياته بسيرة سماوية سيحصل على الحياة الأبدية.

 

ما هو البرهان على ذلك؟

“إن كنا قد متنا مع المسيح يسوع فسنحيا أيضاً معه”

هل ممكن مشاركته في آلامه وأتعابه، ولا نشاركه في سعادته.

 

كيف نموت معه؟

إنه يقصد الموت الذي يتم في الجرن (المعمودية) وفي الآلام إذ يقول: “حاملين في الجسد إماتة الرب يسوع” (2كو 4: 10) “دفنا معه بالمعمودية للموت” (رو 6: 4) “إنساننا العتيق قد صلب معه” “متحدين معه بشبه موته” (رو 6: 5، 6).

لكنه هنا أيضاً يتحدث عن الموت بواسطة المحاكمات، خاصة وأنه كان يعاني منها أثناء كتابته هذه الرسالة. هذا هو ما يقصده بقوله هنا: “إن كنا قد متنا معه فسنحيا معه” هذا أمر لا شك فيه.

“إذا كنا نتألم معه فسنملك أيضاً معه” لم يقل ذلك بصفة مطلقة، بل بشرط هو: “إن كنا نتألم معه” مبيناً بذلك أنه لا يكفي الموت مرة واحدة (هذا الرسول الطوباوي كان يموت كل يوم)، الأمر يستلزم صبراً طويلاً، فضيلة نافعة على الأخص لتيموثيئوس.

“إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا” تكلم الرسول عن جزاء الأبرار الذين يتألمون مع المسيح ثم يقومون ويملكون معه، أما الذين لا يتألمون معه ليس لهم نصيب في هذا الجزاء، لأنه لو كان للخطاة نفس الجزاء، لما كانت هناك تعزية للأبرار.

ولما كان الذين يرفضون الآلام مع المسيح لا يتأثرون كثيراً بحرمانهم من القيامة والملك معه، لجأ الرسول إلى نوع أشد من التهديد فقال: “إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا” تطبيقاً لقول المسيح: “من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضاً قدام أبي الذي في السماوات” (مت 10: 33). وهكذا يكون الجزاء لمن يعمل صلاحاً وأيضاً لمن لا يعمل الصلاح. تخيلوا مقدار الآلام التي سوف تصيب الإنسان الذي ينكره ابن الله في ملكوته. وهنا فرق كبير بين إنكارنا له وإنكاره لنا في ملكوته، فنحن لسنا إلا بشر بينما هو الإله، هذا كل ما يقال للتعبير عن الفرق بين الإنكاريين.

هذا ومن ناحية أخرى نحن نضر أنفسنا أما هو فلا يصيبه ضرر وقد أوضح ذلك بقوله: “إن كنا غير أمناء فهو يبقى أميناً لن يقدر أن ينكر نفسه” بمعنى أنه إن كنا لا نؤمن أنه قام من الأموات فعدم إيماننا لن يضره، وأنه لا يرغب في اعترافنا به إلا لنفعنا نحن.

 

2-ملاحظة تعاليم الإنجيل

وحتى لا يعتقد أن تيموثيئوس فقط هو المحتاج لهذه التعاليم يضيف الرسول: “فكر بهذه الأمور مناشداً قدام الرب أن لا يتماحكوا بالكلام. الأمر غير النافع لهدم السامعين”

 

ماذا تعني “مناشداً”؟

هو يدعو الله أن يكون شاهداً على ما سوف يقوله ويفعله. أنه لأمر خطير، لأنه إذا كانت شهادة الإنسان لها قيمتها فكم وكم بالنسبة لله؟ وعلى سبيل المثال، يستدعى شخص شهوداً جديرين بالتصديق لحضور كتابة عقد أو وصية فهل يمكن لهؤلاء الشهود أن يفشوا يوماً ما هذا الذي أؤتمنوا عليه؟ كلا، فطالما هم أمناء فلابد أن يظلوا حافظين للسر الذي أؤتمنوا عليه كشهود.

“أن لا يتماحكوا بالكلام، الأمر غير النافع لشيء، ويضيف سوي لهدم النافعين” هذه الممحاكات لا تنتج أية فائدة بل خسائر كبيرة. نبه بهذه الإنذارات وسوف يحاكم الله الذين يحتقرونها.

 

ولماذا هذه النصيحة بعدم المماحكة؟

هو يعرف ميل الطبيعة البشرية للنزاع والمناقشات، ولكي يقاومها لا يكتفي بالقول: بعدم المماحكة بل يضيف حتى يكون كلامه أكثر قوة “لهدم السامعين”.

“اجتهد أن تقيم نفسك لله مزكي عاملاً لا يخزى مفصلاً كلمة الحق بالاستقامة”.

عدم الخزي وصية تتردد دائماً.

لماذا هذا الإلحاح من بولس عن الخجل؟

لأنه كان يوجد كثيرون كانوا يخجلون من القديس بولس نفسه، الذي لم يكن سوى صانع خيام، وأيضاً يخجلون من الإنجيل نفسه، حينما يرون هلاك الذين يبشرون به. المسيح مات بالصلب، القديس بولس قطعت رأسه، القديس بطرس صلب منكس الرأس، والذين كانوا ينفذون ذلك هم أحقر الناس وأكثرهم سفاهة. السلطة كانت في يد هؤلاء الناس، هذا هو سبب هذه الوصية “لا يخزى” أي لا تخجل من أن تنفذ كل ما تتطلبه التقوى، حتى لو كان هذا يعرضك للعبودية وكل أصناف العذابات.

 

وكيف نحصل على التزكية؟

بالعمل الذي بلا خجل، بنشر الإنجيل واحتمال كل شئ لأجله.

“مفصلاً كلمة الحق بالاستقامة” هذا النص يجب ألا يخرج عن عما قصده الرسول. يوجد كثيرون يحاولون تحريفه وتزويره بخلطة بأفكارهم الخاصة بهم. هو يريد أن يقول: اقطع ما هو غريب، أمسك بسيف الروح القدس واقطع كل ما هو زائد، كل ما هو غريب عن الكرازة.

 

تجنب الأقوال الباطلة الدنسة

“وأما الأقوال الباطلة الدنسة فأجتنبها” الخطأ لا يعرف التوقف، هم لا يقفون عند هذا الحد، فإنهم إذ يبتدعون شيئاً جديداً ينتجون وراءه بدعاً جديدة على الدوام.

يوجد أيضاً من يجد العسل مراً، ويتذوق بلذة الأغذية المؤذية والضارة.

السبب ليس في طبيعة الأشياء، بل في فساد حاسة التذوق.

الميزان الغير سليم لا يعطي مؤشراً صحيحاً. هكذا النفس البشرية إن لم تتبع الشريعة الإلهية وتسير حسب تعاليمها فلا يمكنها وضع الأمور في نصابها الصحيح.

إذاً فحصنا جيداً الظلم سنقتنع أنه يحتوى على الكثير من مرارة النفس، ليس فقط بالنسبة للذين يعانون منه، بل على الأخص بالنسبة للذين يسببون لهم هذه المعاناة.

ألا يولد الظلم الشجار والشتائم، والعداوة والكراهية التي تؤدي إلى القضايا والمحاكم؟

أليس هو السبب في تأنيب الضمير الذي يُعذب النفس دون توقف؟ كنت أود لو كان ذلك ممكناً أن أخرج. ولو للحظة، النفس الظالمة من غلافها الجسدي، وسوف ترون كم هي في شحوب داكن، ترتعش مغطاة بالخجل والارتباك، قلقة تحاكم نفسها. ولكن على العكس النفس الصالحة لا تعاني من هذه المتاعب، فمع الصلاح لا يوجد المتملقون، ولا قضاة فاسدون تغريهم النقود فتفسد أحكامهم، بل يمنح الجميع حكماً عادلاً من الله، حكماً لا يدع نور العدالة يظلم.

 

الموعظة الخامسة

1-الضمير السيئ لا يعرف الراحة.

2-لا يوجد إنسان لا يخشى الدينونة.

3-يعاقب الله أحياناً الأشرار ابتدأ من حياة الإنسان هنا.

 

1-الضمير السيئ لا يعرف الراحة

صاحب الضمير السيئ لا يعرف الراحة، نومة بمشقة، وصور مزعجة لا تفارق خياله، تذكر الشر الذي ارتكبه يقلق راحته، وعلى سبيل المثال: اغتصب شخص منزلاً لآخر ظلماً، فليس المظلوم هو وحده الذي يتألم بل الظالم أيضاً يئن ويتوجع عندما يتذكر فعله، ويفكر في المحاكمة التي تنتظره، يحيا في قلق دائم، ومن لا يشعر بهذا الشعور فهو على الأقل لا يخلو من الارتباك والخجل والخزى.

 

 

2-لا يوجد شخص لا يخشى الدينونة

في الواقع أنه لا يوجد شخص سواء يوناني أو يهودي أو هرطوقي لا يخشى المحاكمة، فإن لم يقلقه المستقبل فقد يرتعش لتذكره لعقوبات الحاضر، فهو يخشى أن يؤذي ويعاقب في خيراته، في نفسه وصحته، في أولاده، لأن الله لا يمكن أن يترك أولئك الظالمين بدون عقاب عما اقترفوه.

 

3-يعاقب الله الأشرار ابتداء من هذه الحياة هنا

لما كان الاعتقاد بالقيامة وحده غير كافي ليجعلنا نحيا بحكمة وبأمانة، فقد أعطانا الله ونحن في هذه الحياة الدنيا براهين وعلامات وإشارات مميزة تظهر عدالة أحكامه.

هذا اغتنى ظلماً، ولا يوجد عنده أولاد، وذاك فُقدت حياته في الحرب، وآخر فقد عضواً من جسمه فيها، وثالث فقد ولده، هكذا يعيش الإنسان متفكراً في كل ما حدث حوله من مختلف هذه الآلام، وكأنه يتلقى الإنذارات المستمرة.

هل أدركتم الآن ما يعانيه الذين يرتكبون الظلم؟ ألا توجد مرارة في هذه الأمور؟ ولو افترضنا أنه لم يحدث لهم شئ من هذا، ألا يتابعهم باستمرار تأنيب ولوم ومقت وازدراء الناس لهم؟ حتى يضعونهم في مرتبة أقل من مرتبة الحيوانات المتوحشة.

فأي لذة إذن يمكن أن تعطيها ممارسة الظلم؟ لا شئ بالمرة سوى الهم والقلق والمتاعب التي تسببها شهوة الحرص والحفاظ على مقتنيات الظلم! في الواقع إننا كلما زدنا من الثراء كلما زادت أسباب القلق عندنا.

الله لا يهمل حقوق المظلومين الذين أضيروا، ولا ينسى صرخاتهم المستمرة لرفع الظلم عنهم، والتي تسبب قلقاً وفزعاً للظالم، حتى ما إذا أصيب بمرض على غير انتظار فسيقلق من أجل ظلمه ولا سيما عندما يصل بمرضه إلى حالة العجز، وهو في صحته السابقة واستسلامه لشهواته لم يكن يشعر بأي مرارة، ولكن عند اقتراب لحظة خروج نفسه من جسده، يخال نفسه في دهليز المحكمة العنيف، فيستولي عليه الفزع. فاللصوص طالما هم في حجز السجن لا يرتعبون، ولكنهم حالما يُؤتى بهم أمام المحكمة وبمواجهة القاضي، يرتعدون خوفاً.

حقاً إن الخوف من لحظة الموت واستمرار التفكير فيها، إنما هو كالنار التي تبيد كل الأفكار الرديئة في النفس، وتقود الإنسان وتحكمه ليكون حكيماً ويقظاً ليفكر برزانة في الحياة الأخرى الباقية، ويستبعد حب المال، والولع بالثراء وبسائر الرغبات الشهوانية.

إن قسوة القلب ذاتها تلين تحت ضغط الآلام، والحكمة ليس لها عدو مقاوم مثل الملذات والشهوات، وليس لها مساعد ومُدعم أفضل من الألم.

تأملوا حالة البخيل الذي اغتنى ظلماً من خير الآخرين وهو يقترب من ساعته الأخيرة، كيف تكون حالته النفسية عندما يتذكر الذين ظلمهم وسرقهم، وأيضاً كلما يعرف ويدرك أن الآخرين هم المستفيدون من مال ظلمه هذا، وهو الذي سيقدم الحساب ويُعاقب!

إنه في فراش ينزعج، بل يرتعب ويخاف.

فلنفكر يا أخوتي في هذا الرعب الذي سيحدث بالضرورة وقت مرض الموت.

ولنفكر جيداً ونتأمل بعمق كلما نرى آخرين معاقين ومحمولين بالموت وذلك حتى نرحم أنفسنا من الحسرات، ونندم على ما سلمنا نفوسنا له من ملذات وشهوات، يقول الحكيم:

“شر ساعة يُنسى الملذات” (يشوع بن سيراخ 11: 29) هذا بالنسبة لهذه الحياة الحاضرة، أما عن عقوبات الحياة الأخرى، انتقامها عذاباتها، فسوف نكلمكم عنها فيما بعد.

“من له إذنان للسمع فليسمع” (لو 8: 8) نحن نعود لهذا الموضوع ليس لأنه يعجبنا، لكن لأنه مطلوب منا، كما أننا لا نقدر أن نعفي أنفسنا من الكلام معكم في هذه الأمور، نحن نعطيكم الدواء بجرعات خفيفة لكي تشفي نفوسكم من الخطية، طالما أنتم مستمرون في مرضكم، ولن يحدث لنا إحباط في استعمال وسيلة العلاج هذه بصبر شديد.

إذا كان الأطباء عندما يقطعون الأمل في شفاء المريض فإنه يتوسل إليهم ويقول لهم: لا تتوقفوا قط، استعملوا كل الوسائل حتى يصل المريض إلى أن تنهك قواه، ويتنهد التنهدات الأخيرة، أليس بالأحرى أن يُطبق هذا على النفوس المريضة؟ النفس يمكنها أن تصل حتى أبواب جهنم، تصل حتى آخر حدود الرذائل، وتعود بعد ذلك إلى الاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الحق، وتنصلح، وتعود إلى الخير وتحصل على الحياة الأبدية. ألم نرى أن عشرة مواعظ لم تأت بنتيجة والعظة الحادية عشر هي التي حولتهم للمسيحية، وإن كانت العشرة عظات الأولى لم تلمسهم ظاهرياً إلا أنها وضعت في نفوسهم بذرة أتت أخيراً بثمرة. مثل شجرة تضرب بالفأس عشر ضربات دون أن تتزعزع وفي الضربة الحادية عشر تسقط، ومع ذلك نرى أن الشجرة لم تسقط بسبب الضربة الأخيرة، فإذا كانت قد سقطت فالفضل للعشرة الأولى.

وهنا نفس الأمر، الأطباء يستخدمون أحياناً أدوية كثيرة دون الوصول لأي نتيجة، والشفاء يتم في النهاية باستعمال الدواء الأخير. فمع ذلك ليس الدواء الأخير هو الذي تسبب وحده في الشفاء. فالأدوية السابقة كانت قد أعدت للشفاء الذي تم أخيراً. وأنا أثق كل الثقة في أنه إذا كانت التعاليم التي نسمعها لا تعطي في الحال ثمرها، فسوف تعطيها بعد ذلك. لا يمكن أن تكون رغبتكم في سماع كلمة الله بلا أي نتيجة. ليتنا نحن الذين استحققنا سماع تعاليم يسوع المسيح، نحصل على الخيرات الأبدية! آمين.

 

تفسير رسالة2 تيموثاوس ص2 ج2 – ق. ذهبي الفم

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)