الكتاب المقدس والمخطوطات ج1 – الأنبا ابيفانيوس
دراسات كتابية للمتنيح الأنبا إبيفانيوس
الكتاب المقدس والمخطوطات [1]
لمحة تاريخية عن نص العهد الجديد وكيف وصل إلينا
أسباب الاختلافات بين النسخ المختلفة
أولًا: أخطاء غير مقصودة: ثانيا: أخطاء مقصودة
ثالثا: أخطاء بسبب الترجمات
النص المحلي Local Text
تأثير النصوص المحلية على بعضها أهم مخطوطات العهد الجديد
أولا : البرديات:
ثانيا: المخطوطات ذات الأحرف الكبيرة Uncial Manuscripts
ثالثًا: المخطوطات ذات الأحرف الصغيرة Minuscule Manuscripts
رابعًا: كتب القراءات الكنيسة Lectionaries
خامسًا: الترجمات Versions
سادسًا: اقتباسات الآباء Quotations
نصوص أو أنماط النص المحلي
أولا: النص الإسكندري The Alexandrian Text
ثانيًا: النص الغربي Western Text
ثالثًا: النص القيصري The Caesarean Text
رابعا: النص البيزنطي The Byzantine Text
عصر الطباعة
ترقيم آيات العهد الجديد
النص اليوناني المحقق
قوانين يوسابيوس، أو قوانين يوسابيوس وأمونيوس
الترجمة القبطية
تطبيقات
من قراءات النص الإسكندري حسب المخطوط السينائي والفاتيكاني والإفرايمي
الكتاب المقدس والمخطوطات
مقدمة
سنتكلم اليوم عن المخطوطات والكتاب المقدس، أو كيف وصل إلينا الكتاب المقدس المطبوع بين أيدينا الآن. لذلك لن يكون موضوعنا هو الوحي الإلهي أو كيف كُتب نص الكتاب المقدس، لكن كيف وصلت إلينا المخطوطات المكتوب عليها نصوص الكتاب المقدس، خاصة العهد الجديد. [2]
لمحة تاريخية عن نص العهد الجديد وكيف وصل إلينا
في الأيام الأولى لبدء انتشار المسيحية، وبعد أن أرسل الآباء الرسل الرسائل للكنائس المختلفة، وبعد أن تم كتابة الأناجيل المقدسة، بدأ المؤمنون أو الكنائس الأولى بنسخ هذه الرسائل والأناجيل للاستفادة منها، ومن أجل استعمالها في صلواتهم الليتورجية. وبالرغم من الجهود الكبيرة التي قام بها آباء الكنيسة للحفاظ على النص المقدس، والدقة الشديدة التي مارسها النساخ لنقل النص بكل أمانة، فمما لا شك فيه كان هناك بعض الاختلافات الطفيفة بين النسخ المختلفة المنقولة عن النصوص الأصلية.
يُعرف نص العهد الجديد باللغة اليونانية، سواء النص الكامل أو أجزاء منه، في حوالي ٥٤٠٠ مخطوط، علاوة على أكثر من عشرة آلاف مخطوط تحوي الترجمات الأولى للنص، والآلاف من الاقتباسات في كتابات آباء الكنيسة. وبالرغم من وجود بعض الاختلافات في النص بين المخطوطات، سواء اختلافات إملائية أو نحوية أو غيرها، فإن هذه التباينات في مجملها لا تؤثر على الإطلاق في العقيدة المسيحية.
أسباب الاختلافات بين النسخ المختلفة
أولًا: أخطاء غير مقصودة: السبب الأول في القراءات المختلفة التي تقابلنا في نسخ الكتاب المقدس، أن هناك أخطاء شائعة في النساخة، وكثير من الرهبان في الأديرة مارسها أثناء نساخة كتابات آباء الرهبنة، مثل ميامر مار إسحق أو سلم الدرجي أو بستان الرهبان معظم هذه الاختلافات نشأت عن أخطاء غير مقصودة أخطاء العين مثل الخطأ في كتابة حرف أو كلمة مكان حرف وكلمة أخرى مشابه لها، وهناك خطأ شائع عندما يكون هناك سطران في المخطوط ينتهيان أو يبدآن بنفس الحروف، فإن العين تخطئ أحيانًا وتقفز من سطر إلى سطر فتفقد سطرًا كاملًا في النساخة، أو أحيانًا عندما يكون هناك كلمة مكررة في نفس السطر فتقفز العين للكلمة الثانية فتسقط بعض الكلمات في النساخة (هذا الخطأ يُسمى homoeoarton إن كان في أول السطر، أو homoeoteleuton إن كان في آخر السطر).
وأحيانًا يحدث العكس أن يرجع الناسخ مرة أخرى ويكرر كلمة أو بعض الأحرف (وهذا الخطأ يُسمى dittography).
أخطاء الأذن: نوع آخر من أخطاء النساخة تنشأ عندما يكتب النساخ اعتمادًا على إملاء شخص آخر لهم النص، فكان الخطأ ينشأ عندما يكون هناك أحرف متشابهة في النطق، خاصة في الحروف المتحركة (مثل الضمير أنتم ونحن في اليونانية)، فكان يختلط أحيانًا على الناسخ ويكتب الكلمة التي فهمها (هذا الخطأ يُسمى itacism).
هذه الأخطاء غير المقصودة والتي من الممكن حدوثها تنشأ عادة عند نساخة جمل طويلة أو بسبب الإجهاد في النساخة أو بسبب ضعف النظر أو نتيجة مقاطعة الناسخ أثناء عمله.
ثانيًا: أخطاء مقصودة: قد تنشأ بعض الاختلافات في النساخة عندما يحاول الناسخ أن يصحح ما يراه من وجهة نظره خطأ في القواعد أو صعوبة في الأسلوب، أو عندما يحاول أن يزيل غموضًا في المعنى. وأحيانًا يحاول أن يضيف كلمة أو يستبدل كلمة بأخرى اعتمادًا على نص مواز معروف ومع مرور الوقت تتراكم مثل هذه الاختلافات خاصة لو اعتمد النساخ على مثل هذه النسخ الحادث بها مثل هذه التغييرات.
ثالثًا: أخطاء بسبب الترجمات وهناك سبب آخر للتباين بين بعض النسخ وذلك عندما بدأت عملية ترجمة العهد الجديد عن اليونانية إلى لغات أخرى. ففي غضون القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وبعد انتشار المسيحية في سوريا، وشمال أفريقيا، وإيطاليا، ومصر بوجهيها القبلي والبحري، ظهرت الحاجة لترجمة الكتاب المقدس للغة هذه البلاد. وهكذا ظهرت الترجمات إلى السريانية واللاتينية والقبطية بلهجاتها المختلفة. وتبعها في القرن الرابع وما بعده الترجمة للغات الأرمينية والجيورجية والأثيوبية والعربية والنوبية في الشرق، وإلى الغوية (Gothic) وبعدها اللغات الأنجلو سكسونية في الغرب.
وكانت دقة الترجمة لهذه اللغات تعتمد على عاملين هامين: أولا إجادة المترجم للغة اليونانية وأيضًا للغة التي سيترجم إليها. ثانيًا درجة الدقة التي يتبعها المترجم وأمانته في الترجمة ولا نعجب إذا ظهر هناك اختلاف بين النسخ المترجمة، خاصة عندما حاول أكثر من شخص الترجمة إلى لغة ما، ومدى دقة كل منهم، ومدى فهمهم للنص اليوناني، وظهر التباين أكثر بعدما تم نساخة هذه
الترجمات بواسطة بعض النساخ ومدى تدقيق هؤلاء النساخ
النص المحلي Local Text
وبعد ازدياد عدد الترجمات وعدد النساخ، بدأ تدريجيًا في ظهور ما يعرف باسم النص المحلي Local texts للعهد الجديد. فمع ظهور تجمعات مسيحية حول المدن الكبيرة مثل الإسكندرية وأنطاكية والقسطنطينية وقرطاجنة وروما، بدأت الحاجة لإنتاج نسخ كثيرة من الكتاب المقدس لاستعمال هذه الكنائس تعتمد على النص المتداول في تلك المناطق. ومع ازدياد عدد النسخ، تأكدت بعض الاختلافات الطفيفة الموجودة في النص المتداول في كل جماعة مسيحية، كما زاد بالطبع الاختلافات الطفيفة الناتجة عن أخطاء النساخة. والآن يمكننا تتبع النسخ الخاصة للعهد الجديد التي كانت متوافرة في كل كنيسة في تلك الأزمنة، وذلك بمقارنتها بالاقتباسات التي قام بها آباء الكنيسة الذين عاشوا في تلك المناطق الكنسية أو بالقرب منها.
تأثير النصوص المحلية على بعضها ومع مرور الوقت بدأ يحدث بعض التأثير من النصوص الخاصة بالكنائس، أو ما يُعرف باسم النص المحلي، على النصوص المتداولة في المناطق الأخرى. فمثلا إذا انتقل نص أحد الأناجيل من كنيسة الإسكندرية إلى كنيسة روما، بلا شك فإن هذا النص سوف يكون له تأثير على النص المتداول في كنيسة روما. ومن هنا ظهرت بعض الكتب المنسوخة التي تجمع بين تقاليد كنائس مختلفة. وسنذكر لاحقا أهم الأنماط أو النصوص المحلية التي ظهرت في الكنيسة الأولى. لكننا سنعطي هنا معلومات سريعة عن أهم مخطوطات العهد الجديد.
أهم مخطوطات العهد الجديد
أولا: البرديات
عددها حوالي ١١٤ بردية، ويعود تاريخ معظمها من القرن الثاني وحتى الرابع ويُرمز لها بالحرف P بحسب الرسم الإنجليزي القديم (غوطي) بجواره رقم عربي ( p 1, p 2, p). ولم تكتشف البرديات إلا في بدايات القرن العشرين، وأشهرها مجموعتان
- مجموعة تشستر بيتي Chester Beatty وقد حصل عليها عام ١٩٣٠، وهي تضم ١١ بردية سبعة لنصوص من العهد القديم، وثلاثة للعهد الجديد والأخيرة تضم جزءا من سفر أخنوخ حصل بيتي على هذه البرديات من بائع للعاديات في القاهرة، وكانت أصلا مخبأة في إناء فخاري في منطقة أفردتوبولس (أطفيح) أو من منطقة الفيوم والبرديات موزعة الآن بين جامعات دبلن (أيرلندا) ومتشجن وفيينا، وتضم برديات العهد الجديد الآتي:
أ. بردية ٤٥ (45 p) عبارة عن ثلاثين ورقة، وتحوي أجزاء من الأناجيل والأعمال، وتعود للقرن الثالث.
ب. بردية ٤٦ (46 p) وهي ٨٦ ورقة وتحوي معظم رسائل بولس الرسول، وتعود للقرن الثالث.
ج. بردية (٤٧ ) وتحوي سفر الرؤيا، وترجع للقرن الثالث.
- مجموعة مكتبة،بودمر وهي من مقتنيات Martin Bodmer
بسويسرا، وتضم:
أ. بردية ٥٢ (52 p) أقدم بردية وهي قصاصة صغيرة تحوي جزءًا صغيرًا من إنجيل يوحنا ۱۸: ۳۱-۳۳ ۳۷-۳۸، وتعود لأوائل القرن الثاني، وتُعرف باسم بردية جون ريلاندز John Rylands.
ب. بردية ٦٦ (66) p) وهي ١٠٤، ورقة، وتحوي إنجيل يوحنا، وتعود لحوالي سنة ٢٠٠ م.
ج. بردية ٧٢ (72p ) وتحوي رسالة يهوذا ورسالتي بطرس، من القرن
الثالث.
د. بردية ۷۳ (73 p) وتحوي جزءًا صغيرًا من إنجيل متى.
هـ. بردية (74 p) وتتكون من ٢٦٤ ورقة، وتحوي سفر الأعمال ورسائل الكاثوليكون، وتعود للقرن السابع.
وبردية ٧٥ (75) وتتكون من ۱۰۲ ورقة، وتحوي إنجيلي لوقا ويوحنا، وتعود للفترة من ١٧٥ – ٢٢٥م. ويأتي نص الآية يو ١٠: ٧: أنا هو راعي الخراف، بدلًا من أنا هو باب الخراف، وهي بذلك أقدم شهادة للترجمة القبطية الصعيدية لهذا النص. كما أنه في لو ١٦: ١٩ في مثل الغني ولعازر، يأتي اسم الغني Neons وهكذا يأتي في القبطي الصعيدي اسمه نينوى.
ثانيا: المخطوطات ذات الأحرف الكبيرة Uncial Manuscripts
حوالي ۳۰۰ مخطوطة، ويُرمز لها بحرف أبجدي كبير أو برقم عربي يسبقه صفر (05,012,A,B). ومن أهم هذه المخطوطات:
- المخطوط السينائي (א)، في عام ١٨٤٤ أتي تيشندورف Constantin von Tiscendorf، وكان عمره وقتها ثلاثين عامًا، لمنطقة الشرق الأوسط للبحث عن مخطوطات للكتاب المقدس، فزار دير سانت كاترين في سيناء، وتصادف أن عثر على سلة مملوءة بالأوراق، ولما سأل عنها قالوا لها إنها معدة للحريق، وسبق أن تم حرق سلتين في اليوم السابق. فاكتشف بها ٤٣ ورقة لنص يوناني للسبعينية تحوي أجزاء من أخبار الأول وإرميا ونحميا وأستير، فحملهم إلى مكتبة جامعة ليبزج. وفي عام ١٨٤٦ قام بنشر هذه الأوراق تحت اسم Codex Frederico-Augustanus على اسم ملك سكسونيا. وفي عام ١٨٥٣ زار الدير مرة أخرى فلم يمكنه الرهبان من رؤية شيء. فعاد مرة أخرى عام ١٨٥٩ تحت رعاية قيصر روسيا ألكسندر الثاني، فلم يتمكن أيضًا من العثور على شيء، ولما أهدى وكيل الدير نسخة من السبعينية كان قد نشرها حديثًا في ليبزج، أخبره أن عنده في دولاب في قلايته مخطوط يحوي نصا مشابها لذلك الكتاب. وكانت المفاجأة أن عثر على المخطوط الذي بات يُعرف باسم المخطوط السينائي. وهو مخطوط على الرق من القرن الرابع الميلادي يحوي العهدين القديم والجديد باليونانية بالإضافة لرسالة برنابا، والتي لم تكن تعرف إلا في ترجمة لاتينية ركيكة، وأيضًا كتاب الراعي لهرماس والذي لم يكن يعرف سوى اسمه فقط، والنص مكتوب على هيئة أربعة أعمدة حاول شراء المخطوط فلم يفلح، فأتى إلى القاهرة وبمعاونة رئيس الدير أخذ الموافقة على نسخ المخطوط، بشرط أن يُسمح له بالاطلاع على ملزمة واحدة في كل مرة، أي على ثماني ورقات فقط. فأتم النساخة بمعاونة اثنين من الألمان كانا يعملان في القاهرة وعلى دراية ببعض اللغة اليونانية تمكن من نسخ المخطوط في شهرين (١١٠٠٠٠ سطر). وبعد فترة وأثناء غياب رئيس للدير، تمت مباحثات لإهداء المخطوط لقيصر روسيا، بصفته راع للأرثوذكسية، وحتى يساعدهم في اختيار رئيس للدير، الذي أهدى للدير في المقابل تابوت فضي لرفات القديسة كاترين ومبلغا من المال. وفي عام ١٨٦٢ بمناسبة الاحتفال الألفي بتأسيس الإمبراطورية الروسية، صدرت طبعة أنيقة في ليبزج تحوي نص السبعينية، ومطبوعة على نفس شكل المخطوط. وبعد الثورة الشيوعية في روسيا تم بيع المخطوط للمتحف البريطاني الذي أصدر طبعة علمية للمخطوط عام ١٩٣٨.
- المخطوط الإسكندري (A) من القرن الخامس، يحوي العهدين القديم والجديد، كان بحوزة بطريركية الروم الأرثوذكس بالإسكندرية، ولما صار كيرلس لوكار بطريرك الروم الأرثوذكس بالإسكندرية (١٦٠١) بطريركا على القسطنطينية عام ١٦٢٠، أخذه معه، ثم أهداه للملك تشارلز الأول ملك إنجلترا عام ١٦٢٨ وهو محفوظ الآن مع المخطوط السينائي في المتحف البريطاني. تتبع الأناجيل الأربعة النص البيزنطي، أما الأعمال والرسائل فمثلها مثل المخطوط السينائي والفاتيكاني فإنها تتبع النص الإسكندري.
- المخطوط الفاتيكاني (B) من منتصف القرن الرابع، محفوظ في مكتبة الفاتيكان منذ عام ١٤٧٥، وهناك اعتقاد أنه مع المخطوط السينائي كان ضمن الخمسين مخطوطًا التي أمر الإمبراطور قسطنطين بنساختها. يحوي كلا العهدين بالإضافة للأسفار القانونية الثانية ماعدا أسفار المكابيين.
- المخطوط الإفرايمي (C) مخطوط (طرس) من القرن الخامس، تم محو النص في القرن الثاني عشر وكتابة نص ۳۸ عظ نسكية للقديس أفرام السرياني. تبقى من العهد القديم ٦٤ ورقة ومن الجديد ١٤٥. والنص يشابه النص البيزنطي.
- مخطوط بيزا (D) من القرن الخامس أو السادس، ويتميز عن باقي المخطوطات أنه يحوي النص اليوناني في الصفحة اليسرى يقابلها النص اللاتيني. يحوي المخطوط الأناجيل الأربعة والأعمال وجزء من رسالة يوحنا الثالثة. النص به زيادات غير موجودة في باقي المخطوطات. فمثلًا في إنجيل لوقا ٦، يضيف بين الآيتين ٦،٤ تلك القصة: وفي نفس اليوم رأى (يسوع) إنسانًا يعمل في يوم سبت، فقال له يا إنسان إن كنت تعلم ما أنت فاعله، فطوباك وإن كنت لا تعلم فأنت ملعون بسبب تعديك الناموس.
- مخطوط كلارومونتانوس (Codex Claromontanus (D يحوي رسائل بولس الرسول بما فيها الرسالة للعبرانيين، ويشبه مخطوط بيزا أنه من القرن السادس وبه النص اليوناني والترجمة اللاتينية.
ثالثًا: المخطوطات ذات الأحرف الصغيرة Minuscule Manuscripts: حوالي ٣٠٠٠ مخطوطة، ويُرمز لها برقم عربي (1225) والمخطوطات التي تحوي النص بالأحرف الصغيرة يعود تاريخها من القرن التاسع وحتى ما بعد عصر الطباعة، ولدينا منها عشرة أضعاف المخطوطات ذات الأحرف الكبيرة. ومن أمثلة هذه المخطوطات مخطوط 61 نسخ حوالي عام ١٥٢٠، إذ لما طبع إرازموس نص العهد الجديد اليوناني عام ١٥١٦ لم يتضمن آية رسالة يوحنا (١ يو ه: (۷) فرفض الفاتيكان الاعتراف بهذه الطبعة، فأخبرهم إرازموس أنه إن وجد في مخطوط واحد هذه الآية فسوف يضعها. وبعد عدة سنوات أحضروا له هذا المخطوط، وكان قد مر على نساخته أيام فقط، إذ قام راهب كاثوليكي بنساخته فاضطر لتضمين هذه الآية في طبعته الثالثة ١٥٢٢ كما سنرى فيما بعد.
رابعًا: كتب القراءات الكنيسة Lectionaries
وعددها حوالي ٢٠٠٠، ويُرمز لها بحرف L صغير يتبعه رقم عربي 12 (125) والمخطوطات التي تحوي القراءات الكنيسة تسمى السنكساريون Synaxarion، وهناك نصوص الجميع أسفار العهد الجديد ماعدا سفر الرؤيا.
خامسًا: الترجمات Versions
وأهمها الترجمات اللاتينية ويرمز لها بالحروف Later والترجمة السريانية Syr والترجمات القبطية ويرمز لها بالحروف sah boh cop، وهكذا.
سادسًا: اقتباسات الآباء Quotations
وتعتمد على النصوص المحققة لأقوال آباء ومعلمي الكنيسة. مع الوضع في الاعتبار أن كثير من اقتباسات الآباء كانت في العظات، ومعظمها كانت من الذاكرة.
نصوص أو أنماط النص المحلي
أولاً: النص الإسكندري The Alexandrian Text
ويسميه بعض العلماء النص المحايد The Neutral Text، هو أدق نص وأكثر النصوص أمانة للنص الأصلي للعهد الجديد. يتميز هذا النص بالإيجاز والرصانة. بمعنى أنه أقصر النصوص وأكثرها بعدا عن محاولة تنميق النص أو تجميله لغويا أو نحويًا كما هو واضح في النص البيزنطي، أو كما في النص القيصري إلى حد ما. وإلى وقت قريب كان أهم نسختين تحويان هذا النص الإسكندري هما النسخة الفاتيكانية (Codex Vaticanus (B، والنسخة السينائية ( ) Codex Sinaiticus للكتاب المقدس، وهما النصان المحفوظان في مخطوطين من الرق تعود لمنتصف القرن الرابع الميلادي. وبعد دراسة برديات بودمر Bodmer Papyr، خاصة برديتي رقم p66(وتحوي إنجيل يوحنا)، وبردية P75 (وتحوي إنجيلي لوقا ويوحنا) وهما منسوختان في نهاية القرن الثاني الميلادي تقريبًا، يتضح لنا أن النص الإسكندري يعود إلى القرن الثاني الميلادي على أقل تقدير. كما أن الترجمات القبطية الصعيدية والقبطية البحيرية تُعتبر خير من يمثل هذا النص، وهي معلومة هامة سنعود إليها فيما بعد.
ثانيًا: النص الغربي Western Text :
وهو النص الأكثر انتشارًا في إيطاليا وبلاد الغال (فرنسا) وشمال أفريقيا وبعض نواحي مصر، ومن الممكن تتبع أصوله أيضًا حتى القرن الثاني الميلادي. ومن الآباء والكتاب القدامى الذين اقتبسوا من هذا النص ماركيون وتاتيان وإيرينيئوس وترتليانوس وكبريانوس. وله شهادة من مصر في بردية ٣٨ P38 والتي تعود لعام ٣٠٠م ( وتحوي أعمال ۱۸ و ۱۹)، وبردية ٤٨ P48 من نهاية القرن الثالث أعمال (۲۳).
وأشهر مخطوط يمثل النص الغربي هو مخطوط بيزا Codex Bezae (D)، من القرن الخامس أو السادس الميلادي، والذي يحوي الأناجيل والأعمال؛ ومخطوط كلارومنتانوس (Codex Claro montanus (D، من القرن السادس ويحوي رسائل بولس الرسول، ومخطوط واشنطن Codex (Washingtonianus (W)، ويحوي إنجيل القديس مرقس (١: ١ – ٥ ٣٠) ويعود لنهاية القرن الرابع أو أول القرن الخامس. كذلك الترجمات اللاتينية القديمة تشهد لهذا النص الغربي، وهي تقع في ثلاث مجموعات، الأفريقية والإيطالية والأسبانية Hispanic
من أهم مميزات النص الغربي الميل إلى التفسير. فهناك كلمات وربما عبارات تم تغييرها سواء بالحذف أو الإضافة. وربما يكون الدافع وراء ذلك جعل النص أكثر سلاسة وأكثر توافقًا.
ثالثًا: النص القيصري The Caesarean Text
ربما يكون هذا النص قد نشأ في مصر، وتشهد بذلك بردية تشستر بيتي رقم Chester Beauty)، وهي تحوي أجزاء من أناجيل متى ولوقا ويوحنا وسفر الأعمال. ومن المحتمل أن يكون النص قد انتقل إلى قيصرية فلسطين عن طريق العلامة أوريجانوس، حيث استعمله هناك المؤرخ يوسابيوس القيصري وآخرون.
ومن قيصرية وصل إلى أورشليم حيث اقتبس منه القديس كيرلس الأورشليمي والأرمن الذين كانوا يقيمون في أورشليم في مستعمرة خاصة بهم في ذلك الوقت. وقد حمل المبشرون الأرمن النص القيصري عند تبشيرهم جيورجيا، وعنه جاءت الترجمة الجيورجية وأيضًا الترجمات اللاحقة كما نرى في المخطوطات اليونانية من القرن التاسع (6,.(Codex Koridethi
يعود النص القيصري لبدايات القرن الثالث الميلادي، وهو خليط من النص الإسكندري والنص الغربي. وأحيانًا تقابلنا بعض الألفاظ الجمالية كما في النص البيزنطي.
رابعًا: النص البيزنطي The Byzantine Text
ويسمى أحيانًا النص السرياني The Syrian Text، أو النص الكيني أي اليوناني الشائع The one Text، أو النص الكنسي The Ecclesiastical Text، أو النص الأنطاكي The Antiochian Text. وهو نص أحدث من جميع النصوص السابقة. يتميز هذا النص بالوضوح والكمال. والإطار العام الذي يميز هذا النص هو محاولة تجنب أية صعوبة في النص من الناحية اللغوية، مع التوافق مع النصوص المشابهة أو الإزائية. وربما تكون محاولة تحسين هذا النص قد تمت في أنطاكية في سوريا، ثم انتقلت إلى القسطنطينية، حيث انتشرت من هناك لجميع أنحاء الإمبراطورية البيزنطية. وأشهر مخطوط يمثلها اليوم خاصة في نص الأناجيل الأربعة فقط هو المخطوط الإسكندري Codex (Alexandrinus (A، وأيضًا المخطوطات اليونانية المتأخرة ذات الأحرف الكبيرة Uncial manuscripts، وأغلب المخطوطات اليونانية ذات الأحرف الصغيرة Minuscule manuscripts. انتشر هذا النص انتشارًا واسعًا ابتداءً من القرن السادس أو السابع الميلادي حتى وقت اختراع الطباعة (عام ١٤٥٠ – ١٤٥٦م)، وصار النص البيزنطي اليوناني يُعرف باسم: النص الرسمي The Authoritative Text
عصر الطباعة: بعد أن اخترع يوحنا جوتنبرج الطباعة وبدأ انتشار الكتب بطريقة أرخص وأسرع من طريقة النساخة، صار النص البيزنطي هو النص المستعمل للعهد الجديد في الطباعة. وأصبحت النسخ اليونانية التي تحوي هذا النص هي النسخ المتاحة لمن قاموا بعملية الطباعة، وبالتالي أصبح النص البيزنطي اليوناني هو النص المتاح للقارئ العادي بعد ذلك.
تم التجهيز لأول طبعة للنص اليوناني منذ عام ١٥٠٢ بواسطة الكاردينال الأول لأسبانيا فرانشسكو خيمينيس، في طبعة تحمل النص اللاتيني والعبراني والآرامي واليوناني، وذلك في مدينة Alcala والمعروفة باللاتينية Complutum لذلك عُرفت هذه الطبعة باسم Complutensian polyglot لكنها لم تظهر للنور إلا عام ١٥٢٢.
أما الطبعة الأولى للعهد الجديد اليوناني فقد تمت في بازل عام ١٥١٦م، وقام بإعدادها عالم الإنسانيات الهولندي إرازموس Desiderius Erasmus. وبسبب عدم توفر مخطوط يوناني كامل للعهد الجديد بأكمله لدى إرازموس، قام بتجميع النص من عدة مخطوطات. وقد استعمل مخطوطين يرجعان للقرن الثاني عشر الميلادي، أحدهما يحوي الأناجيل الأربعة، والآخر يحوي سفر الأعمال والرسائل. وهذان المخطوطان محفوظان الآن في مكتبة جامعة بازل. وقد قارنهما بمخطوطين آخرين وعمل بعض التصحيحات في النسخة التي قدمها للطباعة. أما سفر الرؤيا فلم يكن لديه غير مخطوط واحد يرجع أيضًا للقرن الثاني عشر الميلادي قام باستعارته من صديق له يُدعي Reuchlin. وكان هذا المخطوط ينقصه الورقة الأخيرة وكانت تحوي آخر ست آيات من سفر الرؤيا. فاضطر إرازموس إلى ترجمة هذه الآيات نسخة القديس جيروم اللاتينية المعروفة بالفولجاتا، أي ترجمها من اللاتينية إلى اليونانية. وكما هو متوقع، فإن نص هذه الآيات الست لا يتوافق مع أي من المخطوطات التي تحوي نص سفر الرؤيا، وما زالت تُطبع في الطبعات اليونانية المختلفة التي تحوي هذا النص، والذي صار يُعرف باسم النص المقبول Textus Receptus، أي النص المقبول أو النص المُستَلَم للعهد الجديد حتى إن أرازموس أضاف بعض العبارات من النص اللاتيني لم تكن موجودة في النص اليوناني، كما سنرى فيما بعد (انظر المثال الرابع والخامس).
الطبعة الثانية: بعد صدور أول طبعة يونانية للعهد الجديد، تلقاها الشعب بحفاوة، وسرعان ما نفدت وصار هناك احتياج لطبعة ثانية، وقد تمت هذه الطبعة عام ١٥١٩م، وفيها تم تصحيح بعض الأخطاء التي حدثت في الطبعة الأولى (وليس كل الأخطاء).
وأهمية الطبعة الثانية أنها النص الذي قام مارتن لوثر Martin Luther بترجمتها للألمانية عام ١٥٢٢، وأيضًا للإنجليزية بواسطة تيندال William Tyndale عام ١٥٢٥م.
الفاصلة اليوحناوية: لم تحظ هذه الطبعة بمباركة الفاتيكان بسبب غياب الآية المعروفة باسم الفاصلة اليوحانية ١ يوه : ٧: فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاثَةُ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ وَهَؤُلاَءِ الثَّلاثَةُ هُمْ وَاحِدٌ. فوعدهم إرازموس أنه إن وجد مخطوطًا واحدًا يونانيا يحوي هذه الآية فسوف يضمنها الطبعة التالية. ولم ينتظر طويلا، إذ أنه في عام ١٥٢٠ أحضروا له نسخة يونانية
من نساخة الراهب فروي Froy تحتوي هذه الآية. فعلم إرازموس أنها أعدت خصيصًا له، فقام بتضمين الآية في الطبعة التالية عام ١٥٢٢ وصرح في الهامش أنه يشك أن هذه النسخة قد تم إعدادها خصيصًا من أجل دحض مزاعمه وهكذا صارت هذه الآية ضمن رسالة يوحنا. ومنذ طباعة هذه النسخة لم يُعثر إلا على ثلاث نسخ يونانية تحوي هذه الآية من بين آلاف النسخ اليونانية، الأولى من القرن الثاني عشر 88 Greg وتحوي الآية في هامش النص ولكنها مضافة بواسطة كاتب في القرن السابع عشر والثانية من القرن السادس عشر .Tisch والثالثة مثلها من القرن السادس عشر 629 Greg. أما أقدم نص على الإطلاق به هذه الآية فهو مخطوط لاتيني من القرن الرابع الميلادي يحمل عظة اسمها Liber apologeticus منسوب للاسقف برسكليان أو الأسقف الذي يليه إنستانتيوس على أسبانيا . ثم ظهرت بعد ذلك في الهامش في نسخة كتاب مقدس باللاتينية القديمة لمخطوط من القرن الخامس، لكنها لم تظهر في الترجمة اللاتينية الفولجاتا إلا في عام ٨٠٠
وفي السنوات التالية صدرت طبعات كثيرة بواسطة دور نشر مختلفة ومحررين مختلفين، لكن بقي النص كما هو ولم يحاول أحد مراجعته إلا في القليل النادر، وبقي النص البيزنطي هو النص المتداول في دور الطباعة. حتى أن شخصية مثل ثيودور بيزا Theodore Beza خليفة المصلح كالفن Calvin في جنيف عندما توصل إلى نسختين يونانيتين للعهد الجديد (النص الغربي) ترجع الأولى للقرن الخامس أو السادس الميلادي (تحوي الأناجيل وسفر الأعمال)، والمعروفة الآن باسمه (05Codex Bezae (D، والثانية للقرن السادس الميلادي (تحوي الرسائل)، والمعروفة باسم Codex (06 Claromontanus (D، لم يستفد منهما إلى قليلا بسبب الاختلافات
الكثيرة التي وجدها، وبسبب شيوع النص المطبوع في ذلك الوقت.
لقد قام بيزا بطباعة حوالي تسع طبعات متتالية للعهد الجديد اليوناني بين سنتي ١٥٦٥ و ١٦٠٤، والطبعة العاشرة صدرت بعد وفاته عام ١٦١١. وترجع أهمية طبعات بيزا أنه ساعد على تأسيس ما يعرف بالنص المقبول Textus Receptus، حتى أن مترجمي الترجمة الإنجليزية المعتمدة أو المعروفة باسم ترجمة الملك جيمس التي صدرت عام ۱٦١١ اعتمدت أساسًا على طبعتي بيزا ١٥٨٨-
١٥٨٩ و١٥٩٨.
هذا النص البيزنطي كان للأسف هو الأساس تقريبًا لجميع الترجمات الحديثة التي صدرت للعهد الجديد حتى القرن التاسع عشر، ومنها بالطبع الترجمة العربية البستاني فاندايك، أو المعروفة باسم الترجمة البيروتية. وقد تمكن العلماء في القرن الثامن عشر من تجميع معلومات هائلة من مخطوطات يونانية مختلفة، وأيضًا من اقتباسات آباء ومعلمي الكنيسة. لكن، باستثناء ثلاثة أو أربعة ناشرين استطاعوا تصحيح بعض الأخطاء الواضحة في النص المقبول، إلا أن هذا النص البيزنطي كان ما يزال يُطبع المرة تلو الأخرى دون تعديل.
بدأ الطبعات العلمية: وفقط في النصف الأول من القرن التاسع عشر، أي في عام ۱۸۳۱ تمكن عالم الأداب الكلاسيكية، الألماني الأصل، كارل لخمان Karl Lachmann من نشر النص اليوناني للعهد الجديد بعد تطبيق طرق النشر العلمية التي كان يتبعها في دراساته للآداب الكلاسيكية وفي طرق نشرها، مما شجع آخرين أن ينشروا نشرات علمية محققة بعد ذلك، خاصة الطبعة التي قام عليها العالم تيشندورف Constantin von Tochendorf، التي أضحت الطبعة الثامنة التي أصدرها عام ۱۸۶۹ – ۱۸۷۲ بمثابة مرجع تذكاري يحوي قراءات مختلفة، وأصبح ذا تأثير مباشر على الطبعة التي أصدرها عام ١٨٨١ وستكوت وهورت B. F. Westcott & F. J. Hort، وهما من أشهر علماء الكتاب المقدس بجامعة كمبردج، واعتبرت الطبعة التي أصدراها هي الأساس الذي تبنته جمعيات الكتاب المقدس United Bible Societiest بعد ذلك في نشر العهد الجديد.
[1] ألقيت هذه المحاضرة في مؤتمر الرهبان والراهبات في فبراير ٢٠١٦.
[2] راجع المخطوطات القديمة ص ٣٢.