آبائياتأبحاث

الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح – د. أنطون جرجس عبد المسيح

الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح - د. أنطون جرجس عبد المسيح

الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح – د. أنطون جرجس عبد المسيح

الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح - د. أنطون جرجس عبد المسيح
الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح – د. أنطون جرجس عبد المسيح

 

(من منظور كتابي وآبائي وليتورجي)

المقدمة

يتناول هذا البحث موضوع ”الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح“ من منظور كتابي، آبائي، ليتورجي، من أجل الوقوف على أفضل تصور ومفهوم لهذا الموضوع المهم للغاية. حيث أن غاية المسيحية في النهاية هي الانجماع الكلي والاتحاد بالله في المسيح من خلال الروح القدس. يلقي هذا البحث الضوء على مفهوم الانجماع الكلي كما ذكره بولس الرسول، وكما شرحه ق. إيرينيؤس أسقف ليون، الملقب بـ ”أبو التقليد الكنسي“.

كما يلقي الضوء أيضًا على مفهوم آباء الكنيسة الجامعة لماهية الاتحاد بين الله والبشرية في المسيح. ويناقش هذا البحث قضية حلول الروح القدس في البشر من منظور كتابي وآبائي وليتورجي عميق جدًا. لقد قمت في هذا البحث بتتبع الإشارات الكتابية، والآبائية، والليتورجية المختلفة، سواء الموجودة في الكتاب المقدس، وفي كتابات الآباء القديسين معلمي الكنيسة الجامعة، وفي التقليد الليتورجي القبطي بصفة خاصة.

أرجو أن يكون هذا العمل سبب بركة وتعزية ورجاء لكثيرين، بصلوات وطلبات القديسة العذراء مريم والدة الإله، وصلوات آبائي الرسل القديسين، وصلوات آبائي القديسين معلمي الكنيسة الجامعة، وصلوات أبينا وراعينا البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.

د. أنطون جرجس عبد المسيح

القاهرة – يناير 2023

 

 

الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح

سوف نناقش في هذا البحث الموجز ماهية الانجماع الكلي في المسيح، وماهية اتحاد البشرية في المسيح من خلال إشارات الكتاب المقدس، وتعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، والليتورجية القبطية. حيث سنتطرق إلى بركات ومفاعيل هذا الاتحاد بين الله والإنسان في المسيح، وكيف شهد الكتاب المقدس في إشارات كثيرة عن هذا الاتحاد الكياني الحقيقي بين الله والإنسان في المسيح، وكيف أنه لم يكن مجرد اتحاد روحي اعتباري كما يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي، بل هو اتحاد حقيقي كياني بين الله والإنسان في المسيح.

ثم سنتطرق إلى شهادات آباء الكنيسة الجامعة عن ماهية وكيفية وطبيعة هذا الاتحاد الحميمي الوثيق بين الله والإنسان في المسيح بعمل الروح القدس الساكن بأقنومه في الإنسان المؤمن الحقيقي. ثم سنعبر في رحلة سريعة بين النصوص الليتورجية القبطية التي تؤكد وتبرهن على حقيقة هذا الاتحاد الحقيقي والكياني بين الله والإنسان في المسيح يسوع ربنا.

الكتاب المقدس

يتحدث إنجيل يوحنا عن أن المسيح جاء ليجمع أبناء المتفرقين إلى واحد في شخصه كما تنبأ رئيس الكهنة في هذه السنة دون أن يدري عن موت المسيح الخلاصي والجامع لأبناء الله المتفرقين إلى الوحدة والاتحاد في المسيح كالتالي: ”وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ“ (يو 11: 51-52 فاندايك).

وهكذا يصلي الرب يسوع في إنجيل يوحنا إلى الله الآب من أجل تلاميذه لكي يحفظهم في اسمه المبارك، ولكي يكونوا واحدًا كما أن الابن والآب هما واحد، وكيف أن المسيح ممجَّد فيهم كالتالي: ”وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ. وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ“ (يو 17: 10- 11 فاندايك).

ويصلي الرب يسوع أيضًا إلى الآب من أجل وحدة واتحاد التلاميذ والمؤمنين بالمسيح بسبب كرازتهم، لكي ما يكونوا جميعًا متحدين وواحد مع الآب والابن كالتالي: ”وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ، لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي“ (يو 17: 20-21 فاندايك).

وهكذا يؤكد الرب يسوع أنه أعطى التلاميذ والرسل والمؤمنين به المجد الذي أعطاه الآب للابن لكي يكونوا واحدًا كما أن الآب والابن واحد، ويؤكد الرب أيضًا على حلول وسكناه واتحاده بهم وفيهم، وهكذا من خلاله يصيرون متحدين مع الله الآب من خلال الابن المتحد بالمؤمنين كالتالي: ”وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي“ (يو 17: 22-23 فاندايك).

ويؤكد سفر أعمال الرسل أن المؤمنين كانوا قلبًا واحدًا ونفسًا واحدةً في المسيح، وكل شيء كان مشترك بينهم كالتالي: ”وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا“ (أع 4: 32).

ويقارن بولس الرسول بين آدم القديم الذي كنا جميعًا واحدًا فيه عندما ملك الموت علينا من خلال هذا الواحد، وكيف سنملك في الحياة من خلال آدم الجديد الذي صرنا واحدًا فيه أي الرب يسوع المسيح كالتالي: ”لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ!“ (رو 5: 17 فاندايك).

ويؤكد بولس الرسول على أننا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، وهذا الجسد هو جسد حقيقي، وليس جسدًا اعتباريًا رمزيًا كما يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي كالتالي: ”فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ“ (رو 12: 4-5 فاندايك).

ويشير بولس الرسول إلى أن مَن يلتصق بالرب هو روح واحد معه قائلاً: ”وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ“ (1كو 6: 17 فاندايك).

ويشدد بولس الرسول على أننا هيكل الروح القدس الساكن فينا، وأننا ملك لله الذي امتلكنا بروحه القدوس الساكن فينا كالتالي: ”أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلهِ“ (1كو 6: 19- 20 فاندايك).

ويشير بولس الرسول إلى حقيقة شركتنا مع الله، وأننا جسد واحد حقيقي باشتراكنا مع المسيح في الخبز الواحد أي جسده المقدس في الإفخارستيا كالتالي: ”كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ“ (1كو 10: 16-17 فاندايك).

ويؤكد بولس على أن موت المسيح لأجل الجميع معناه موت الجميع أيضًا معه كالتالي: ”لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا“ (2كو 5: 14 فاندايك).

ويشير ق. بولس في إشارة قوية وواضحة إلى الانجماع الكلي في المسيح قائلاً: ”إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ“ (أف 1: 9-10 فاندايك).

ويتحدث بولس الرسول عن خضوع الكل تحت قدمي المسيح في إشارة أخرى واضحة إلى الانجماع الكلي في المسيح رأس كل شيء، مشيرًا إلى الكنيسة كجسد المسيح الملء الذي يملأ الكل في الكل كالتالي: ”وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ“ (أف 1: 22- 23).

وهكذا وحَّدنا المسيح في ذاته كما يقول معلمنا بولس الرسول، وهكذا متنا مع المسيح، وصرنا أحياءً في المسيح، وقمنا مع المسيح، ونحن جالسون في المسيح يسوع في السماويات كالتالي: ”اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ ­ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ ­ وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ“ (أف 2: 4-7 فاندايك).

كما يشير بولس الرسول إلى انعتاق الخليقة كلها من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله في المسيح قائلاً: ”لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ“ (رو 8: 21 فاندايك).

ثم يتحدث ق. بولس عن التجديد الشامل والكلي للخليقة في المسيح قائلاً: ”إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا“ (2كو 5: 17 فاندايك).

ويتحدث بولس الرسول في إشارة إلى الخضوع الكلي والنهائي لله الآب في الابن المتجسِّد قائلاً: ”وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ ِللهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ. لأَنَّهُ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَلكِنْ حِينَمَا يَقُولُ: ’إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُخْضِعَ‘ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ. وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ“ (1كو15: 24-28).

 

 

تعاليم آباء الكنيسة الجامعة

ق. إيرينيؤس أسقف ليون

يُعتبر ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي من أكثر آباء الكنيسة الجامعة الذين تحدثوا عن الانجماع الكلي للخليقة كلها في المسيح مقتفيًا أثر بولس الرسول، وهكذا جاء المسيح في تجسُّده بتدبير شامل ليجمع كل الأشياء في نفسه، حيث يقول التالي:

”لذلك، إذ يوجد إله واحد هو الآب كما سبق أن أوضحنا، ومسيح واحد هو المسيح يسوع ربنا، الذي جاء بتدبير جامع وشامل لكي يجمع كل الأشياء في نفسه، ومن ضمن ’كل هذه الأشياء‘ يوجد الإنسان كخليقة الله؛ لذلك فهو يجمع الإنسان أيضًا في نفسه.
فغير المنظور صار منظورًا، وغير المدرَك صار مدركًا، وغير المتألم صار متألمًا؛ والكلمة صار إنسانًا جامعًا كل الأشياء في نفسه. وهكذا، فكما أن أنه هو الأول بين الكائنات السماوية والروحية والأشياء غير المنظورة، هكذا أيضًا هو الأول بين الأشياء المنظورة والمادية. وهو يأخذ الأولية لنفسه؛ وإذ جعل نفسه رأس الكنيسة، فهو سيجذب كل الأشياء إلى نفسه في الوقت المحدَّد“.[1]

ويربط ق. إيرينيؤس الانجماع الكلي في المسيح بتجديد الجنس البشري كله، وتاريخ الإنسانية كلها، وهكذا يعوضنا المسيح في نفسه عما فقدناه في آدم الأول، معطيًا لنا من جديد صورة الله وشبهه قائلاً:

حين تجسَّد، وصار إنسانًا، جمع في نفسه، تاريخ الإنسان الطويل جامعًا الخلاص فيه ليعطينا إياه لنقبل من جديد، في المسيح يسوع ما فقدناه في آدم، أعني صورة الله وشبهه“.[2]

ويتحدث ق. إيرينيؤس أيضًا عن أننا صرنا أعضاءً في جسد الرب ودمه، ونلنا الحياة الأبدية من خلال سر الإفخارستيا كالتالي:

”كيف يمكنهم أن يؤكدوا أن الجسد غير قادر أن يقبل عطية الله، التي هي الحياة الأبدية، ذلك الجسد الذي يتغذى من جسد الرب ودمه، وصار عضوًا فيه“.[3]

ق. ميثوديوس الأوليمبي

يتحدث ق. ميثوديوس الأسقف والشهيد عن الانجماع الكلي للكنيسة في المسيح من خلال الأسرار كالمعمودية، حيث يقترح ق. ميثوديوس إعادة خلق مطلقة وكاملة أكثر بكثير من خلق آدم الأول الذي أخطأ، وهكذا شرع الله في إعادة خلق البشرية كلها بالتجسُّد كالتالي:

”فالكنيسة تتزايد يوميًا في العظمة والجمال والكثرة، بالاتحاد والشركة مع الكلمة، والذي لا يزال يأتي إلينا، وتُدخِله ذكرى آلامه في حالة نشوة؛ وإلا ما استطاعت الكنيسة أن تحبل بالمؤمنين، ولا أن تلدهم ميلادًا جديدًا في جرن التجديد، ما لم يُخلِ المسيح نفسه لأجلهم، حتى يمكنهم أن يحتووه، كما قد قلت، من خلال الانجماع الكلي الذي لآلامه، ليموت ثانيةً؛ إذ يأتي من السماء، ويصبح ’مرتبطًا بزوجته‘، الكنيسة، لكي يمد بقوة معينة تؤخذ من جانبه، لكي ما ينمو كل مَن بُني فيه، أولئك الذين وُلِدوا ثانيةً بغسل الجرن، الذي يقبلون من عظامه ومن لحمه، أي من قداسته ومن مجده“.[4]

كما يؤكد ق. ميثوديوس على حتمية تجسُّد الكلمة، واتحاده بالإنسان ليُعِيد الأشياء فيه إلى حالتها الأولى التي كانت منذ البداية، وذلك بميلاده البتوليّ والعذراويّ من العذراء بالروح القدس، وهكذا كـوَّن الأشياء بنفس الطريقة كما كانت من البداية؛ أي أعاد خلقتها على طبيعتها وحالتها الأولى قبل السقوط قائلاً:

”وكان هذا هو المسيح: إنسان مملوء من النقاء واللاهوت الكامل، وتنازل إلى مستوى الإنسان. لأنه الأكثر ملائمة أن الأقدم من الدهور والأرفع من رؤساء الملائكة، عندما أراد الاتحاد بالإنسان، استقر في أقدم وأول إنسان ’آدم‘. ولذلك عند إعادة هذه الأشياء التي كانت منذ البداية، وتكوينها مرة أخرى من العذراء بالروح؛ فقد كوَّنها الله بنفس الطريقة، كما كانت في البداية، عندما كانت الأرض لا تزال بكرًا، وغير محروثة، أخذ الله الطين، وصنع منه كائن عاقل بدون بذرة“.[5]

ق. أثناسيوس الرسولي

يتحدث ق. أثناسيوس الرسولي عن وجودنا الكياني في المسيح عند موته، ويتحدَّث عن موت الجميع في المسيح مؤكِّدًا على وحدة الجنس البشريّ في المسيح آدم الجديد، حيث يقول التالي:

لكي إذَّا كان الجميع قد ماتوا فيه، فإنه يُبطِل عن البشر ناموس الموت والفناء، ذلك لأن سلطان الموت قد استُنفِذَ في جسد الرب، فلا يعود للموت سلطان على أجساد البشر“.[6]

ويؤكِّد ق. أثناسيوس أيضًا على وحدة البشرية في شخص المسيح، لارتباطنا به في جسده، وصعودنا معه إلى السماء في جسده، وهكذا يصير لنا شركة الحياة الأبدية، لأننا لم نعد بشرًا عاديين، بل صرنا في اللوغوس لوغسيين كالتالي:

ولكن ارتباطنا بالكلمة الذي من السماء، فأننا نُحمَل إلى السموات بواسطته، لذلك بطريقة مماثلة قد نقل إلى نفسه أوجاع الجسد الأخرى لكي يكون لنا شركة في الحياة الأبدية، ليس كبشر فيما بعد، بل أيضًا لأننا قد صرنا خاصين بالكلمة [أي لوغسيون]“.[7]

ويؤكِّد ق. أثناسيوس على أن المسيح أبطل اللعنة وهو كائن فينا أي في بشريتنا كالتالي:

إذ أن لعنة الخطية قد أُبطِلَت بسبب ذاك الذي هو كائن فينا، والذي قد صار لعنةً لأجلنا“.[8]

ويُشدِّد ق. أثناسيوس على نقطة خطيرة جدًا يُنكِرها البعض في عصرنا الحالي وهي أن موت المسيح كان موتنا جميعًا، وقيامته وتمجيده وصعوده للسماء كان هو قيامتنا وتمجيدنا وصعودنا، لأننا في المسيح نفسه أيضًا كالتالي:

”لأجل هذا السبب يُقال إنه إنسان مُجِّدَ أيضًا نيابةً عنا ومن أجلنا، لكي كما بموته قد متنا جميعًا في المسيح، وعلى نفس المنوال أيضًا، فإننا في المسيح نفسه أيضًا قد مُجِّدَنا مجدًا عاليًا، مُقامين من بين الأموات وصاعدين إلى السموات، حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا“.[9]

ويؤكِّد ق. أثناسيوس في عبارة خطيرة جدًا على عدم اندهاش القوات السمائية عندما ترانا نحن المؤمنين بالمسيح أي كنيسته المتَّحِدين به داخلين إلى مناطقهم السمائية كالتالي:

”لذلك لن تُدهَش القوات السمائية حينما ترانا نحن جميعًا -المتَّحِدين معه في نفس الجسد– داخلين إلى مناطقهم السمائية“.[10]

ويشير ق. أثناسيوس إلى وحدتنا في جسد المسيح التي صِرنا بواسطتها هيكل الله، وصِرنا أبناء لله يُعبَد الرب فينا كالتالي:

أنه ليس اللوغوس بسبب كونه لوغوس هو الذي حصل على مثل هذه النعمة، بل نحن لأنه بسبب علاقتنا بجسده فقد صرنا نحن أيضًا هيكل الله – وتبعًا لذلك قد جُعِلَنا أبناء الله، وذلك حتى يُعبَد الرب فينا أيضًا، والذين يُبصِروننا يُعلِنون – كما قال الرسول: ’إنَّ الله بالحقيقة فيكم‘“.[11]

ثم يوضح ق. أثناسيوس أن موت المسيح هو موت جميع البشر كالتالي:

حيث أن الجميع ماتوا بواسطته، هكذا قد تم الحكم إذ أن الجميع ماتوا في المسيح. وهكذا فإن الجميع يصيرون بواسطته أحرارًا من الخطية ومن اللعنة الناتجة عنها، ويبقى الجميع على الدوام قائمين من الأموات، ولابسين عدم موت وعدم فساد“.[12]

كما يؤكِّد ق. أثناسيوس على وحدتنا ووجودنا في المسيح بسبب سُكنى الروح القدس فينا الذي يُوحِّدنا معه، وهكذا نصير في الله ويصير الله فينا كالتالي:

”لذلك فبسبب نعمة الروح الذي أُعطِي لنا نصير نحن فيه وهو فينا، وحيث إن روح الله فينا، لذلك فبواسطة سُكناه فينا وبحسب حصولنا على الروح، نُحسَب أننا في الله، وهكذا يكون الله فينا“.[13]

وهكذا يتحدث ق. أثناسيوس عن الخضوع الكلي في المسيح بسبب اقتنائه للبشرية، ولقد صارت ربوبية المخلص على الكل كالتالي:

”فإنه يملك على الذين هم بالفعل تحت سلطانه الآن. أمَّا وإن كان الرب خالق الكل، وملك أبدي، فعندما صار إنسانًا اقتنانا نحن أيضًا. وبهذا يصير واضحًا أن ما قاله بطرس لا يعني أن جوهر الكلمة مصنوع، بل يعني خضوع الكل له فيما بعد، وأن ربوبية المخلص هي التي قد صارت على الكل“.[14]

ويتحدث ق. أثناسيوس أيضًا عن تحرير المسيح للبشرية كلها وخضوع كل الأشياء للمسيح، مقدسًا الجميع بالروح، لأنه قد صار فاديًا للجميع وربًا للأحياء والأموات كالتالي:

”إلا أن اتخاذه للجسد لم يجعل الكلمة وهو رب الطبيعة أن يكون عبدًا، بل بالأحرى فإن الكلمة بهذا الحدث (اتخاذ الجسد) قد حرَّر كل البشرية، فإن الكلمة نفسه وهو بالطبيعة الرب الكلمة قد جُعِلَ إنسانًا، وصار رب الجميع ومسيحًا من خلال صور العبد، أي لكي يقدس الجميع بالروح […] ولأنه صار فاديًا للجميع، فقد صار رب الأحياء والأموات. ولذلك فإن كل الأشياء تخضع له، وهذا أيضًا هو ما يعنيه داود حينما يترنم: ’قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئًا لقدميك‘ (مز 110: 1)“.[15]

ويؤكد ق. أثناسيوس على أننا ننال التأله بالنعمة من خلال الاتحاد السري بجسد الكلمة ذاته في الإفخارستيا، وبالتالي تُعتبر الأسرار الكنسية ضرورية في نوال نعمة التأله والحياة الأبدية كالتالي:

ونحن إنما نتأله لا باشتراكنا السري من جسد إنسان ما، ولكن بتناولنا من جسد الكلمة ذاته“.[16]

ق. كيرلس الأورشليمي

يؤكد ق. كيرلس الأورشليمي أيضًا على اتحادنا الكياني والحقيقي بالمسيح ونوالنا شركة الطبيعة الإلهية، وذلك من خلال اتحاد جسد ودم المسيح بأعضائنا من خلال الإفخارستيا، فنصير نحمل المسيح داخلنا وفي أعضائنا كالتالي:

”وإذ أنت تشترك في جسد المسيح ودمه، تصبح جسدًا واحدًا، ودمًا واحدًا مع المسيح، وهكذا نصبح نحن حاملي المسيح بما أن جسده ودمه ينتشران في أعضائنا. وبهذه الكيفية نصبح على حد تعبير الطوباوي بطرس ’شركاء الطبيعة الإلهية‘ (٢بط١: ٤)“.[17]

ق. غريغوريوس النزينزي اللاهوتي

يؤكِّد ق. غريغوريوس النزينزي الملقَّب بـ ”اللاهوتي“ على فكرة وجودنا الكياني في المسيح في تدبيره الخلاصي، مؤكِّدًا على المبادلة الخلاصية الشفائية بيننا وبين المسيح، حيث يقول التالي:

بالأمس صُلِبَت مع المسيح، واليوم أتمجَّد معه، بالأمس مُت معه، واليوم نلت الحياة به، بالأمس دُفِنَت معه، واليوم أقوم معه […] وكما تَشبه المسيح بنا، فلنتشبه نحن أيضًا به، صار إنسانًا لكي يُؤلِّهنا، قَبِلَ كل ما هو قابل للفساد حتى يهبنا الأسمى، صار فقيرًا حتى نغتني نحن بفقره، أخذ شكل العبد كي نسترد حريتنا، أتضع كي يرفعنا، جاز التجربة كي نغلب نحن به، أُهِين ليُمجِّدنا، مات ليُخلِّصنا، صعد إلى السماء ليجذبنا إلى نفسه، نحن الذين سقطنا في وهدة الخطية“.[18]

يتحدث ق. غريغوريوس النزينزي عن الخضوع الكلي للخليقة كلها في المسيح لله الآب، بسبب الاتحاد الكياني للخليقة كلها بالمسيح كالتالي:

وهكذا فحين أكون غير خاضع وعاصيًا بنكراني الله وأهوائي، يكون المسيح أيضًا غير خاضع فيَّ. ولكن ’متى أُخضِعَ له كل شيء‘ – وسيُخضَع له بمعرفة الله والتحول – سيقوم هو بالخضوع النهائي فيقدمني لله ناعمًا بالخلاص. وخضوع المسيح يكون – على ما أقول – في إتمام مشيئة الآب. الابن يُخضِع كل شيء للآب، والآب يُخضِعه للابن: الواحد بفعله، والآخر بعطفه، كما ذكرنا ذلك آنفًا. وهكذا فالمُخضِع يقدم لله ما أُخضِعَ له ويجعلنا من خاصته“.[19]

ويؤكد ق. غريغوريوس اللاهوتي على أننا بالمعمودية ننتقل إلى حالة (التأله) من خلال تطهير الروح القدس لنا في أعماقنا الداخلية، وإعادة خلقتنا لنصير من الحالة التي كنا عليها قبل المعمودية إلى حالة (التأله)، ونلبس الإنسان الجديد، ونترك الإنسان العتيق في جرن المعمودية كالتالي:

”بما أننا طبيعة مزدوجة أي من نفس وجسد، وبما أن الطبيعة الأولى غير منظورة [النفس] والثانية منظورة [الجسد]، فعملية التطهير هي مزدوجة أيضًا أي بالماء والروح. وهكذا نتطهّر بصورة منظورة جسديًا وبصورة غير منظورة روحيًا، بالماء شكلاً ورسمًا، وبالروح حقيقةً، لأنه يقدر أن يُطهِّر الأعماق. هذا الروح يأتينا منحة إلى خلقتنا الأولى، ويردنا من العتاقة إلى الجِدّة، ومن الحالة التي نحن عليها الآن إلى حالة التأله، ويصهرنا بدون نار، ويعيد خلقتنا بدون إخفاء الجسد“.[20]

ق. غريغوريوس النيسي

يشير ق. غريغوريوس النيسي إلى وجودنا الكياني في المسيح أثناء عمله الخلاصي، والمبادلة الخلاصية بيننا وبينه، وكيف ألَّه اللاهوت كياننا البشري فيه بالنعمة كالتالي:

”لأنه حتى إنْ كانت طريقة حضور الله فينا ليست هي نفسها كتلك الحالة السابقة، إلا أننا نعترف أن وجوده فينا الآن وآنذاك هو متساوي. فالآن هو يختلط بنا، باعتباره حافظ الطبيعة في الوجود، ومن ثم قد اختلط بكياننا حتى من خلال شركة اللاهوت يصير كياننا مُتألهًا، مُنعتِقًا من الموت، ومُتحرِّرًا من طغيان الخصم. لأن عودته من الموت صارت بداية عودة جنسنا من الفناء إلى الحياة غير المائتة“.[21]

كما يشير ق. غريغوريوس النيسي إلى نوال نعمة الاتحاد بالله والتأله من خلال سر الإفخارستيا؛ حيث يزرع الله ذاته في كل المؤمنين في الإفخارستيا، ويمزج ذاته بأجساد المؤمنين باتحاد حقيقي في الإفخارستيا لينالوا به عدم الفساد (التأله بالنعمة) كالتالي:

”لذلك قَبِلَ ذاك الجسد وهو الوعاء الإلهي، هذا العنصر (السائل) من أجل بنيانه الذاتي، هو الإله الذي ظهر، ولذلك فقد اندمج بنفسه مع الطبيعة الفانية، حتى أنه بشركة اللاهوت تتأله البشرية، لذا فقد غرس نفسه في كل الذين يؤمنون بتدبير النعمة من خلال الجسد الذي يتكوَّن من الخمر والخبز، واختلط بأجساد المؤمنين، حتى باتحاده بغير المائت يصير الإنسان أيضًا شريكًا لعدم الفساد. وهو يمنح هذه (العطايا) بفضل قوة البركة التي من خلالها يُغيِّر طبيعة هذه الأشياء التي تظهر (للحواس) إلى تلك (الطبيعة غير المائتة)“.[22]

ق. هيلاري أسقف بواتييه

ويرى ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقَّب بـ ”أثناسيوس الغرب“ البعد السرائريّ في اتحادنا بالمسيح في سر الإفخارستيا، حيث يقول التالي:

”من ناحية أخرى، قد شهد هو نفسه عن كيف يكون اتحاده بالحقيقة فينا بهذه الطريقة: ’مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ‘ (يوحنا56:6). إذ لن يسكن فيه أحد سوى الذي يسكن فيه بنفسه، لأن الجسد الوحيد الذي قد أخذه لنفسه هو جسد هؤلاء الذين أخذوا جسده، لقد علَّم بالفعل قبلاً عن سر تلك الوحدة الكاملة […] هذا هو سبب حياتنا أننا لدينا المسيح يحيا في طبائعنا البشرية الجسدية بالجسد، وسوف نحيا به كما أنه يحيا بالآب“.[23]

ق. أمبروسيوس أسقف ميلان

يتحدَّث ق. أمبروسيوس أسقف ميلان عن اتحادنا الكياني في المسيح مُردِّدًا ما نُصلِي به في تسبيحتنا ”هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له“ قائلاً:

”إذًا، فقد أخذ منا ما كان يجب أن يُقدِّمه لنا، هكذا لكي يُفِيدنا مما يخصنا، وبعطيته الإلهية يُقدِّم مما يخصه [أي لاهوته]، ما لم يكن خاصًا بنا، إذًا، بحسب طبيعتنا قدَّم ذاته، حتى بهذا يعمل عملاً أسمى من طبيعتنا. التقدمة هي مما يخصنا أما المكافأة فهي مما يخصه، وكثيرًا ما نجد فيه أيضًا أمور بحسب الطبيعة وأسمى من الطبيعة (البشرية)“.[24]

ويستطرد ق. أمبروسيوس في نفس السياق مُتحدِّثًا بكل صراحة عن وجودنا الكياني في المسيح كالتالي:

”إذًا، بما أن جسد الكل أيضًا في المسيح خضع للجروح، كيف تقولون إن ذلك الجسد وتلك الألوهية لهما الطبيعة ذاتها؟“.[25]

أوغسطينوس أسقف هيبو

ننتقل إلى أوغسطينوس أسقف هيبو ولنا وقفة معه، لأن البعض يُهاجِم تعبير ”جسد المسيح السري“ مُعتقدين أنه تعبير حديث مُعاصر قاله أحد الآباء في العصر الحديث، ولكن المفاجأة الكبرى إنه تعبير أوغسطينيّ صرف تعلَّمه أوغسطينوس من قوانين تايكونيوس الدوناتي، واعتاد استخدامه كمفتاح لتفسير المزامير، للتأكيد على مبدأ أن الكنيسة هي جسد المسيح السري، حيث يقول التالي في تفسيره لسفر المزامير:

”هذه النبوة تنطبق على الشيطان وملائكته الذين يقاتلون، لا ضد جسد المسيح السري فحسب، بل ضد كل عضو من أعضائه، ’قصمت أسنان الأثمة‘، لكل منا أعداؤه الذين يلعنونه، فضلاً عن فاعلي الشر الذين يسعون إلى انتزاعنا من جسد يسوع المسيح، لكن للرب الخلاص“.[26]

كما يؤكِّد أوغسطينوس على حقيقة اتحادنا الكياني في المسيح، وعبور المسيح بجسده الكامل أي الكنيسة من الموت إلى الحياة، قائلاً:

”هكذا أيضًا عبر المسيح بجسده الكامل من الموت إلى القيامة وجسده هو الكنيسة (كو١: ٢٤)“.[27]

ويستطرد أوغسطينوس في نفس السياق، مؤكِّدًا على اتحاد مثال بشريته بنا لإزالة مخالفة فسادنا بشركة موتنا من أجل أن يمنحنا شركة الطبيعة الإلهية والتألُّه قائلاً:

”وبالتالي باتحاد مثال بشريته بنا، قد أزال مخالفة فسادنا، وبشركته لموتنا جعلنا شركاء طبيعته الإلهية“.[28]

ويستطرد أوغسطينوس شارحًا كيف يهب المسيح الرأس أعضاء جسده أي كنيسته ما يقبله هو ناسوتيًا من لاهوته المتَّحِد به كالتالي:

فإنه قَبِلَ بين الناس أيضًا كالرأس يُعطِي إلى أعضائه: وهو نفسه قد أعطى وقَبِلَ بين الناس وبدون شك كما في أعضائه الذين من أجلهم أيّ من أجل أعضائه صرخ من السماء قائلاً: شاول شاول لماذا تضطهدني؟ (أع٥: ٤)، والذين من أجلهم أيّ أعضائه يقول: بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم (مت٢٥: ٤٠)، لذا قد أعطى المسيح نفسه من السماء [أي من لاهوته]، وقَبِلَ على الأرض“.[29]

ثم يشرح أوغسطينوس كيفية الاتحاد بين المسيح وبيننا في الجسد الواحد مُستخدِمًا تعبيرات مثل: الانسجام، أو التوافق، أو التناغم، أو التآلف، أو الشركة، للتأكيد على وحدتنا الطبيعية في المسيح المغروسة فينا بصفة خاصة من خلال موته وقيامته بطبيعتنا البشرية كالتالي:

”بينما يُواجِه موته الواحد وقيامته الواحدة ازدواجية وثنائية موتنا وقيامتنا، لأنه بهذا الانسجام أو التوافق أو التناغم أو التآلف أو أي كلمة مناسبة أكثر يمكن التعبير بها، بحيث أن اتحاد الواحد بالأثنين له أهمية كبيرة جدًا في كل الاندماج والاتفاق أو بالحري شركة الخليقة، تمامًا مثلما يحدث لي وهو ما أقصده بدقة بالغة بالشركة التي يدعوها اليونانيون άρμονία أي الانسجام والتناغم، ومع ذلك فهذا ليس المكان لكي ما أستعرض قوة ذلك الانسجام والاتحاد بين الواحد والثنائي الموجود بصفة خاصة فينا والمغروس فينا بصورة طبيعية أيضًا (الذي لا يكون إلا بواسطة خالقنا)؟ الذي لا يفشل حتى الجاهل في إدراكه“.[30]

ق. يوحنا ذهبي الفم

يُصادِق ق. يوحنا ذهبي الفم على نفس كلام الآباء السابقين واتحادنا الكياني في المسيح، وأننا نصير جسد المسيح ليس بالرغبة أو الإرادة فقط، بل في الواقع أيضًا كالتالي:

”إن دور التلميذ هو ألا يفحص بوقاحة في تعاليم مُعلِّمه، بل دوره أن يسمع ويؤمن وينتظر الوقت لذلك لكي ما نصير جسده ليس بالرغبة فقط، بل أيضًا على مستوى الواقع، فليتنا نصير متَّحِدين بذلك الجسد، وهذا بالحق يتم بواسطة الطعام الذي أعطاه لنا كهبة [أي الإفخارستيا]، لأنه أراد أن يُبرهِن على الحب الذي له من نحونا. إذ لهذا السبب أشرك نفسه معنا، وأنزل جسده لمستوانا أي نصير واحدًا معه كاتحاد الجسد مع الرأس، وهذا بالحق هو سمة حبه العظيم“.[31]

ويُحدِّد ق. يوحنا مفهوم التقدمة أو الفدية أو الذبيحة بأن الابن وحَّد نفسه بنا وقدَّمنا كذبيحة في نفسه، لأن الابن كله حلَّ فينا لا بنوع من الطاقة، بل كجوهر كالتالي:

”يقول الرسول وبتشديد أكثر أن كل ما هو للآب هو للابن أيضًا، لأنه صار ميتًا لأجلنا، ووحَّد نفسه بنا. لم يقل الرسول ’باكورةً‘ كما في الثمار، ولم يقل ’قيامةً‘ فحسب، بل قال ’باكورة القيامة‘ مظهرًا أنه قد قدَّسنا كلنا، وقدَّمنا كما لو كنا ذبيحةً. إن البعض يستخدم تعبير ’الملء‘ كنايةً عن اللاهوت، كما قال يوحنا: ’ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا‘ (يو 1: 16). أي مهما كان الابن، فالابن كله حلَّ هناك ليس بنوع من الطاقة، بل كجوهر“.[32]

ويتحدَّث ق. يوحنا ذهبي الفم عن امتزاج المسيح بنا في جسده ليس بالإيمان فقط، بل بجعلنا جسده الحقيقي، حيث يقول:

”فلم يكن كافيًا للسيد أن يصير إنسانًا ويُضرَب ويُقتَل، لكنه بمزج نفسه أيضًا بنا، لا بالإيمان فقط، بل بجعلنا أيضًا جسده بالفعل“.[33]

ويؤكِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على نفس التعبير مُعطِيًا له بعدًا سرائريًا، وهو امتزاجنا بالمسيح في جسد واحد في سر الإفخارستيا كالتالي:

”المائدة التي منها نقتات نحن، التي بها نمتزج ونصير جسدًا واحدًا ولحمًا واحدًا مع المسيح“.[34]

ويُشدِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على نفس مفهوم امتزاج المؤمنين بالمسيح في الأسرار قائلاً:

فالسيد يمزج ذاته بكل واحد من المؤمنين في الأسرار، وهو يُطعِم بنفسه الذين ولدهم ولا يُسلِّمهم لآخرين، مُقنِعًا إياكم بهذا مرةً أخرى أنه اتخذ جسدكم“.[35]

ويُعرِّف ق. يوحنا ذهبي الفم مفهوم شركتنا في جسد المسيح في موضع آخر قائلاً:

”لقد قال: شركة جسد المسيح، ليؤكِّد على أن ما نتناوله حقًا هو جسد المسيح المحيي، فعندما قال: شركة جسد، فإنه أراد أن يقول شيئًا يُعبِّر به عن أن الاتحاد يمضي في طريقه نحو ما هو أكثر، ولذلك أضاف: فإننا نحن الكثيرين خبز واحد وجسد واحد (١كو١٠: ١٧) ولماذا يقول شركة؟ يقول إن هذا الجسد ذاته هو نحن، لأنه ما هو الخبز؟ إنه جسد المسيح. وماذا يحدث للمؤمنين الذين يتناولون منه؟ يصيرون جسد المسيح، وليس أجسادًا كثيرة، بل جسدًا واحدًا“.[36]

ق. كيرلس الإسكندري

يتحدَّث ق. كيرلس الإسكندري مُؤكِّدًا على فكرة وجودنا الكياني في المسيح أثناء صلبه كالتالي:

ونحن قد صُلِبَنا معه لما صُلِبَ جسده الذي كانت فيه كل طبيعتنا“.[37]

ويُؤكِّد ق. كيرلس الإسكندري في موضع آخر على فكرة شركتنا مع المسيح بالطبيعة في عمله الخلاصي، حيث يقول التالي:

”ومن أجل منفعتنا يقول إن الكلمة سكن فينا، لكي يرفع الحجاب عن السر العميق، لأننا نحن جميعًا في المسيح، والجماعة المشتركة في الطبيعة الإنسانية ارتفعت إلى شخصه، وهو ما جعله يُدعَى ’آدم الأخير‘ (١كو١٥: ٤٥) واهبًا بغنى للطبيعة الإنسانية المشتركة كل ما يخص الفرح والمجد“.[38]

كما يُفرِّق ق. كيرلس الإسكندري بين الهرطوقي والأرثوذكسي بشكلٍ واضحٍ في مسألة أننا ككنيسة جسد المسيح الإفخارستي قائلاً:

وحيث أن الهرطوقي في حماقته، يريد أن يُروِّج لآرائه الزائفة، ويقول: ’إنَّ أيّ مُجادلة لن تجعل الذين يُحرِّفون معنى الكلمات التي أمامنا عن معناها السليم، ويَعتبرونها تشير إلى تجسُّد المسيح، لأننا لم نتَّحد به بالجسد، ولا الرسل يثبتون في جسد المسيح كأغصان، ولا هم كانوا مُرتبِطين به بهذا الشكل، بل عن طريق وحدة الفكر والإيمان الحقيقي‘. والآن فلنُجاوِب على هذا الكلام باختصار، ونُبِين للهرطوقي أنه قد انحرف تمامًا، وهو لا يتبع الكتب المقدَّسة باستقامة.

فكون أننا مُتَّحِدون روحيًا بالمسيح بما يتطابق مع المحبة الكاملة، فهذا لا يُنكِره بيان عقيدتنا بأيّ حال، فنحن نعترف أن المعترِض على صواب في قوله من هذه الجهة، ولكن أن يقول إنه لا توجد أي إشارة في المثل إلى اتحادنا بالمسيح بالجسد، فنحن سنُوضِّح أن كلامه هذا يتعارض تمامًا مع الكتب الموحَى بها، لأنه كيف يمكن أن يُجادِل أحد، أو هل يُمكِن لأيّ إنسان ذي فكر مستقيم أن يُنكِر أن المسيح هو الكرمة من ناحية جسده؟ ونحن لكوننا أغصان حسب الرمز [أي رمز الكرمة والأغصان]..

فإننا ننال في أنفسنا الحياة النابعة منه، كما يقول بولس: ’لأننا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، فإننا نحن الكثيرين خبز واحد […] لأننا جميعًا نشترك في الخبز الواحد‘ (أنظر رو١٢: ٥؛ ١كو١٠: ١٧). ما هو سبب هذا وهل يستطيع أحد أن يُعطِينا تفسيرًا بدون الإشارة إلى قوة السر المبارك؟ ولماذا نحن نتناوله ونأخذه داخلنا؟ أليس لكي يجعل المسيح يحل فينا جسديًا أيضًا بالاشتراك في تناول جسده المقدَّس؟ أنه يجيب بصواب قائلاً نعم هو كذلك. لأن بولس يكتب هكذا: أن الأمم شركاء في الجسد، وشركاء المسيح في الميراث (أنظر أف٣: ٦).

كيف يكونون أعضاء في الجسد؟ ذلك بسبب دخولهم [أي الأمم] ليشتركوا في الإفخارستيا المقدَّسة، وهكذا يصيرون جسدًا واحدًا معه مثل أيّ واحد من الرسل القديسين!“.[39]

وأخيرًا، يؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أننا بالإفخارستيا أي ”بشركة جسده الخاص الذي يسكب فينا شركة الله، ويمحو الموت الذي حلَّ بنا من اللعنة القديمة“.[40]

وهكذا نجد التأكيد في شروحات آباء الكنيسة على اتحادنا الكياني في المسيح سواء في تدبير الخلاص أو على مستوى الأسرار، وبالتالي لا يمكن أن يكون جسد المسيح أي جسد البشرية، كما يدَّعي البعض خطاءً، جسدًا اعتباريًا، أو رمزيًا، أو روحيًا فقط، بل جسدًا حقيقيًا بشهادة جميع آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا.

حيث يدحض آباء الكنيسة التعليم غير الأرثوذكسيّ بنظرية الأجساد الثلاثة، وادعاء البعض بأن جسد المسيح الذي أخذه من العذراء غير جسده أي الإفخارستيا، وغير جسده أي الكنيسة، واعتبار جسد المسيح السريّ أي الكنيسة هو مُجرَّد جسد رمزيّ اعتباريّ.

وتتفق في ذلك آراء آباء الكنيسة الغربية اللاتينية مع آراء الكنيسة الشرقية اليونانية، حيث قد وجدنا أنهم يؤكِّدون على وحدة الأجساد الثلاثة، وعدم فصلهم عن بعضهم البعض، مُتفِقين مع أقول آباء الكنيسة اليونانية الشرقية في نفس الموضوع، وأود التنويه إلى أن ما أعرضه من أقوال الآباء وشروحاتهم هو بعض من كل، وقليل من كثير، وعشرات بل مئات من الشروحات تؤكِّد على اتحادنا الكياني في المسيح.

 

الليتورجية القبطية

نجد العديد من الإشارات في نصوص الليتورجية القبطية إلى اتحادنا الكياني بالمسيح، كما سنرى في النصوص الليتورجية التالية.

حيث نجد إشارة واضحة جدًا للاتحاد الكياني بالمسيح في قسمة للابن تُقال في أي وقت، وهكذا يتحدث عن إعطاء الله لنا مشتهيات الألوهية، بعدما خسرنا شجرة الحياة، وهذا يحدث من خلال تناولنا الجسد والدم الأقدسين كالتالي:

”صنعت لي وليمة النعمة، وشفيتني من سم الحية، وسلمتني أدوية الخلاص. لأنه هكذا أيها السيد، عندما عدَّمت نفسي من شجرة الحياة، أعطيتني مشتهيات الألوهية. صيَّرتني واحدًا معك، أعطيتني جسدك ودمك الذي بذلته عن حياة العالم“.[41]

وتتحدث قسمة أخرى للقديس كيرلس السكندري تُقال في أي وقت عن اتحادنا الكياني والحقيقي بالمسيح، حيث عندما نتناول الجسد والدم تشارك نفوسنا مجد الله، وتتحد نفوسنا بألوهيته، ونصير هياكل مقدسة لحلوله، ونتحد به اتحادًا سريًا، وهكذا نتحد بالثالوث القدوس، ويكون واحدًا معنا وفينا كالتالي:

”أجعلنا أهلاً لحلول روحك الطاهر في نفوسنا، أنر عقولنا لنعاين سبحك، نق أفكارنا وأخلطنا بمجدك. حبك أنزلك إلى هبوطنا، نعمتك تصعدنا إلى علوك […] عند استحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك، تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك، وتتحد نفوسنا بألوهيتك […] صيرنا هياكل مقدسة لحلولك […] أهلنا للاتحاد بك خفيةً. وهبت لنا أن نشرب كأس دمك طاهرًا، أهلنا أن نمتزج بطهارتك سرًا. وكما أنك واحد في أبيك وروحك القدوس، نتحد نحن بك، وأنت فينا، ويكمل قولك، ويكون الجميع واحدًا فينا“.[42]

وهكذا نحن نتناول في سر الإفخارستيا الجسد الإلهي والدم الكريم لنتأله، وليس كما يدَّعي البعض أننا نتناول الناسوت دون اللاهوت، حيث نصلي في قسمة تُقال للابن في سبت الفرح التالي:

”وأنعمت علينا بشجرة الحياة، التي هي جسدك الإلهي ودمك الحقيقي“.[43]

كما تتحدث القسمة الوجيزة عن أننا نتناول الجسد الإلهي والدم الكريم، نتناول الجسد الإلهي والدم الكريم، وليس الناسوت دون اللاهوت كالتالي:

”يا الله الذي أنعم علينا نحن الخطاة بميقات الخلاص، وذبيحة ناطقة سمائية التي هي الجسد الإلهي، والدم الكريم اللذان لمسيحك. هذا الذي صار لنا طُهرًا، وخلاصًا، ونعمةً، وغفرانًا للخطايا“.[44]

وتتحدث قسمة الابن السنوي عن اتحادنا الكياني بالمسيح في الإفخارستيا كالتالي:

”وحينما أتقدم لتناول أسرارك، أجعلني مستحقًا لذلك، ومؤهلاً للاتحاد بك“.[45]

ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي في قداسه عن امتلاء الكل سواء البشر أو الملائكة من لاهوت الابن في صلاة الصلح الموجهة للابن في القداس الغريغوري كالتالي:

”وصالحت الأرضيين مع السمائيين، وجعلت الاثنين واحدًا، وأكملت التدبير بالجسد. وعند صعودك إلى السماء جسديًا، إذ ملأت الكل بلاهوتك، قلت لتلاميذك ورسلك القديسين: سلامي أعطيكم، سلامي أنا أترك لكم“.[46]

كما نصلي في الشيرات الثانية في باكر سبت الفرح مخاطبين العذراء مريم القديسة قائلين:

”السلام للممتلئة نعمة، المائدة الروحية التي تعطي الحياة لكل مَن يأكل منها [المقصود هو الإفخارستيا]، السلام للإناء غير الفاسد الذي للاهوت المعطي الشفاء لكل مَن يشرب منه“.[47]

ويتحدث هنا أننا نشرب من إناء اللاهوت غير الفاسد لشفائنا، وأعتقد أنه يقصد أننا نشرب اللاهوت سرائريًا المعطي شفاءً لكل مَن يتناول منه.

كما هناك إشارة واضحة جدًا إلى عقيدة التأله بالنعمة في طرح واطس للأحد الثالث من الخمسين المقدسة، حيث تتحدث عن قيامة المسيح كعربون للتأله والقيامة الأبدية كالتالي:

”قام الملك المسيح من القبور عربون التأله والقيامة الأبدية، له المجد دائمًا“.[48]

وهكذا يصلي الكاهن في صلاة تسريح ماء المعمودية في ختام طقس سر المعمودية المقدسة، متحدثًا عن إضاءة المعمدين بنور اللاهوت بعد معموديتهم، أي أنهم اتحدوا بالنور الإلهي، وصاروا يضيئون ببهاء ونور اللاهوت كالتالي:

”أنت يا سيدنا جعلت هذا الماء طاهرًا بنعمة مسيحك، وحلول روحك القدوس عليه، وصار لعبيدك الذين تعمدوا فيه حميمًا للميلاد الجديد، وتجديدًا من الضلالة القديمة، وأضاءوا بنور لاهوتك“.[49]

ويصلي الكاهن على المعمد أيضًا في صلاة حل زنار المعمدين بوضع يده عليه، بعد التناول من الأسرار المقدسة، متحدثًا عن إضاءة المعمد بنور لاهوت السيد الرب إلهنا، ونواله النور الفوقاني الذي من فوق، النور غير الموصوف، الذي للرب يسوع المسيح مخلصنا كالتالي:

”أيها السيد الرب إلهنا مانح السلام والبركة، ذو الصلاح، وحده محب البشر، الذي باركنا، وقدسنا، وأضاء علينا بنور لاهوته، الذي جعل عبيده مستحقين أن ينالوا النور الذي من فوق، غير الموصوف، الذي لمسيحك يسوع مخلصنا. أنر عليهم بنور البركة، طهَّرهم. باركهم. جدَّدهم بنعمتك من جهة الصبغة التي نالوها بقوة روحك القدوس المحيي“.[50]

كما يصلي الكاهن طلبة في تحليل المرأة أثناء إتمام طقس سر المعمودية المقدسة، حيث يتحدث عن اتحادنا الكياني بشخص المسيح في شركة سرية كالتالي:

”من أجل هذا يارب طهَّرت طبيعتنا، وعتقتنا بالاتحاد في شخصك في شركة سرية. نسأل ونطلب منك يا مُحِب البشر لكي تتطلع على أمتك (فلانة) حتى يتجدد روح قدسك في أحشائها“.[51]

وتتحدث قسمة الابن التي تُقال في أي وقت عن الاتحاد الكياني في المسيح بالروح القدس، حيث صرنا مسكنًا له بالروح القدس الحال فينا بأقنومه كالتالي:

”وأكملت ناموسك عني، ربطتني بكمالات الشريعة. وعزيتني بلبان العلم من قِبل روحك القدوس، منطقتني بالقوة، واتخذتني لك مسكنًا“.[52]

وتتحدث قسمة تُقال للابن في عيد القيامة عن نوالنا لنور قيامة الرب بتجسده وقيامته، وإضاءتنا بشكله المحيي بنور معرفته الحقيقية كالتالي:

”ونحن أيضًا الجلوس في الظلمة زمانًا، أنعم علينا بنور قيامته من قِبل تجسُّده الطاهر. فليضيء علينا نور معرفتك الحقيقية لنضيء بشكلك المحيي“.[53]

ويصلي الكاهن صلاة خضوع للآب قبل التناول في القداس الكيرلسي، تؤكد على أننا ننال بالتناول من الأسرار المقدسة طُهر إنساننا الداخلي كطُهر الابن الوحيد كالتالي:

طهَّر إنساننا الداخلي كطُهر ابنك الوحيد، هذا الذي نريد أن نتناوله“.[54]

ويصلي الكاهن في صلاة القسمة للآب في القداس الكيرلسي، ويتحدث عن تناولنا للجمرة الحقيقية المعطية حياة للنفس والجسد والروح، ألا وهي الجسد المقدس والدم الكريم اللذان للمسيح، وهذه الجمرة بالطبع هي جمرة اللاهوت، لأن إلهنا نار آكلة، وبالتالي يدحض هذا القول بأننا نتناول الناسوت فقط في سر الإفخارستيا، وليس اللاهوت المتحد بالناسوت كالتالي:

”تفضل طهَّر أنفسنا، وأجسادنا، وشفاهنا، وقلوبنا، وأعطنا هذه الجمرة الحقيقية المعطية حياة للنفس، والجسد، والروح، التي هي الجسد المقدس، والدم الكريم اللذان لمسيحك“.[55]

ويصلي الكاهن في صلاة الحجاب لأبينا ق. يوحنا المثلث الطوبى للآب سرًا، في بداية القداس الكيرلسي، ويتحدث عن حلول الروح القدس، النار غير الهيولية (أي غير المادية) فينا، أي يتحدث عن حلول الروح القدس بأقنومه فينا، كالتالي:

”أعطني يارب روحك القدوس، النار غير الهيولية [المادية] التي لا يُفكَّر فيها، التي تأكل كل الضعفات، وتحرق الموجودات الرديئة“.[56]

وهذا ما نصليه أيضًا مخاطبين العذراء القديسة مريم في لبش واطس في باكر سبت الفرح (أو سبت النور) لكي ما ننال الروح القدس لنصير مسكنًا له مثلما حلَّ على العذراء القديسة مريم، وهذا يؤكد الحلول الأقنومي للروح القدس فينا كما حلَّ أقنوميًا على العذراء مريم كالتالي:

”من أجلك أيضًا صرنا مسكنًا للروح القدس الذي حلَّ عليك وقدَّسك“.[57]

ونستنتج من هنا أن الاتحاد الكياني بالمسيح هو عقيدة متأصلة في الليتورجية القبطية التي تُعتبر وعاءً لعقيدة ولاهوت الكنيسة، فنحن ما نؤمن به نصلي به، وبالتالي، نجد عقيدة الاتحاد الكياني والحقيقي بالمسيح متغلغلة في الليتورجية القبطية وصلواتها المقدسة.

 

 

الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر

هناك دائمًا خوف من القول بأن الروح القدس يسكن البشر بأقنومه، لئلا نصير آلهةً مثل الله، وهذا بالطبع خطأ فادح جدًا، ﻷننا لا نستطيع أن نصير مثل الله فى كمال لاهوته بل نصير بالنعمة مشابهين لله وننمو فى صورته، ومثاله، وشبهه، فلابد أن يسكن الروح القدس بذاته، وأقنومه فينا، ﻷنه مثلاً كيف يسكن اﻹنسان مسكنًا بمواهبه وقدراته وطاقاته دون أن يسكن بجوهره وذاته فى هذا المسكن لذا هناك أدلة كتابية وآبائية كثيرة على الحلول اﻷقنومي للروح القدس فى البشر، سنقوم بعرضها فيما يلي.

الكتاب المقدس

  • حيث يتحدث رب المجد لتلاميذه عن أن روح الحق ماكث معهم ويكون فيهم وليست مواهبه كالتالي: ”رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ“ (يو14: 17).
  • ويتحدث بولس الرسول عن أن الله أعطانا روحه، ولم يعط مواهبه فقط: ”إِذًا مَنْ يُرْذِلُ لاَ يُرْذِلُ إِنْسَانًا، بَلِ اللهَ الَّذِي أَعْطَانَا أَيْضًا رُوحَهُ الْقُدُّوسَ“ (1تس4: 8).

  • ويقول يوحنا الرسول أن الله أعطانا من روحه للثبات فيه، ولم يقل من مواهبه كالتالي: ”بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ“ (1يو4: 13).
  • ويتحدث رب المجد عن أن الروح القدس، روح اﻵب هو المتكلم فينا، وليس مواهبه وطاقاته كالتالي: ”لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ“ (مت10: 20).

  • ويقول بولس الرسول أن الروح القدس، روح الابن هو الصارخ فينا إلى اﻵب، وليست مواهبه، وطاقاته، ونعمه كالتالي: ”ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: ’يَا أَبَا الآبُ‘“ (غلا4: 6).
  • ويتحدث بولس الرسول عن أن روح الله يسكن فينا، ولم يقل مواهبه تسكن فينا كالتالي: ”أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟“ (1كو3: 16).

  • ويقول بولس الرسول أن الروح القدس الذى أقام المسيح من اﻷموات ساكنًا فينا، ولا أعتقد أن مواهب ونعم الروح القدس هي التي أقامت المسيح من اﻷموات، بل الروح القدس نفسه كالتالي: ”وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ“ (رو8: 11).

  • ويؤكد بولس الرسول على أن الروح القدس، روح الله وروح المسيح ساكن فينا، ولم يقل طاقاته ومواهبه كالتالي: ”وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ“ (رو8: 9).

  • ويقول بولس الرسول إن جسدنا هو هيكل للروح القدس، وليس هيكلاً لمواهب الروح القدس كالتالي: ”أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟“ (1كو6: 19).

  • ويقول بطرس الرسول إن روح المجد والله يحل فينا، ولم يقل مواهب روح المجد كالتالي: ”إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. أَمَّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَيُجَدَّفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَتِكُمْ فَيُمَجَّدُ“ (1بط4: 14). هناك الكثير من اﻵيات الكتابية التي تؤكد على الحلول اﻷقنومي، لذا أكتفي بهذا القدر.

ق. أثناسيوس الرسولي

ونجد أن هناك العديد من أقوال آباء الكنيسة الجامعة تؤكد على الحلول اﻷقنومي للروح القدس فينا، حيث يتحدث ق. أثناسيوس عن طريقة مشهورة للتفريق بين الروح القدس ذاته ومواهبه في حلوله الأقنومي في البشر كالتالي:

”وواضح هنا أنه عندما يقول الروح فالمقصود هو الروح القدس. وهكذا أيضًا حيث يكون الروح القدس في البشر، حتى إذا ذكرت كلمة الروح بدون أيّ إضافة، فليس هناك مِن شك أنها تعني الروح القدس وعلى اﻷخص عندما تذكر الكلمة مقترنة بأداة التعريف“.[58]

ويؤكد ق. أثناسيوس أيضًا على أن الحلول الأقنومي لأحد أقانيم الثالوث هو بمثابة حلول للثالوث القدوس كالتالي:

”كيف حينما يوجد الروح فينا يُقال أن الابن فينا؟ وحينما يكون الابن فينا يُقال إن اﻵب فينا؟ وعندما يكون الثالوث بحق ثالوثًا، فكيف يفهم أنه واحد. أو لماذا حينما يكون أحد أقانيم الثالوث فينا، يُقال إن الثالوث موجود فينا؟“.[59]

ونجد هنا أن ق. أثناسيوس يسأل محاربي الروح القدس: كيف إذا كان الروح القدس فينا لا يكون الثالوث ساكن فينا؟ ويقول إن كان أحد أقانيم الثالوث فينا، ولم يقل مواهب أحد الاقانيم، فمعنى ذلك حلول الثالوث القدوس كله فينا.

ق. كيرلس الأورشليمي

ويتحدث ق. كيرلس الأورشليمي عن حلول الروح القدس فينا بذاته، وليس بمواهبه فقط، حيث يقول التالي:

”لقد نطق بهذا متنبأ ’حين يجعل الرب روحه عليهم‘. العبارة تقول ’إذ يجعل الرب‘ أي يجعله يحل على الكل […] إنه سيُعطي بسخاء. لقد ألمح فى السر إلى ما كان مزمعًا أن يحدث بيننا في يوم الخمسين، ﻷن الروح القدس بنفسه حلَّ بيننا“.[60]

ق. غريغوريوس النزينزي اللاهوتي

ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي عن الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر في يوم الخمسين، مفرقًا بين حلوله هذا، وحلوله مسبقًا في مناسبات أخرى كالتالي:

وفي المناسبة الثالثة في وقت توزيع الألسنة النارية عليهم الذي نحتفل بذكراه اليوم، ولكن في المناسبة الأولى، كان ظهور الروح القدس بطريقة خافتة، وفي الثانية بطريقة مُعبِّرة وواضحة، أمَّا في الثالثة فبطريقة أكثر كمالاً، حيث أنه لم يعد حاضرًا بالقدرات والطاقات والأفعال كما كان فيما سبق، بل حاضرًا بجوهره يُشارِكنا ويُعايشنا، إذ لا يستطيع أحد أن يقول غير ذلك“.[61]

ق. يوحنا ذهبي الفم

ثم يتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن اختلاف طريقة حلول الروح القدس على الرسل في يوم الخمسين عن حلوله على الأنبياء في العهد القديم، حيث يقول التالي:

”أما بالنسبة للأنبياء فالوضع مختلف إذ لم يحل الروح القدس على أحدهم بالطريقة التي حدثت مع الرسل […] لكن الذي حلَّ هنا هو الروح القدس […] لكن لم ينل أحد منهم الروح القدس بنفس الطريقة التي حدثت للرسل هنا“.[62]

وهكذا يؤكد ذهبي الفم على حلول الروح القدس نفسه ونعمته أيضًا كالتالي:

”ليس أنهم نالوا نعمة الروح القدس فقط، بل امتلأوا منه، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا“.[63]

العلامة ديديموس الضرير

ويتحدث العلامة الإسكندري ديديموس الضرير عن سُكنى الثالوث فينا من خلال سُكنى الروح القدس فينا كالتالي:

الروح القدس يسكن في العقل وفي الانسان الباطن بنفس الطريقة التي يسكن بها اﻵب والابن“.[64]

فالعلامة ديديموس لا يتحدث هنا عن سُكنى مواهب، بل عن سُكنى أقانيم الثالوث فينا. ويتحدث العلامة ديديموس أيضًا فى نفس السياق عن شركتنا في الآب والابن من خلال شركتنا مع الروح القدس كالتالي:

”وهكذا فأيٍّ مَن كان له شركة في الروح القدس؛ يصير على الفور في شركة مع اﻵب والابن“.[65]

وهكذا يتحدث العلامة ديديموس عن شركة مع اﻷقانيم، وليست شركة مع المواهب. وكتابه عن الروح القدس مليء بالأدلة على الحلول الأقنومي للروح القدس فينا ولكنني سأكتفي بذلك.

ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس

ويتحدث ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس الملقب بـ ”صائد الهرطقات“ بكل صراحة عن الوجود الأقنومي للروح القدس في كل هذه الأشياء المعطاة للبشر من مواهب الروح القدس كالتالي:

”فإنه يُعطِي الخير للكل بشكل مختلف (1كو12: 8) ’فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ، وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ‘ […] وهو يُظهِر لنا الوجود الأقنومي للروح القدس من خلال تلك اﻷشياء“.[66]

ق. كيرلس الإسكندري

وهكذا يتحدث ق. كيرلس الإسكندري صراحةً عن حلول الروح القدس بذاته في داخلنا، ولم يقل بمواهبه فقط في سياق إثبات ألوهية الروح القدس في مقابل محاربي الروح القدس من الآريوسيين، والأفنوميين، والمقدونيين كالتالي:

”كيرلس: فمَّن يعمل في داخلنا، ويكمل فينا عمل الله، هل يمكن ألا يكون الله؟ […] كيرلس: […] قُل لي إذًا، بأي طريقة كان يوجد الله في القدماء عندما كان الروح داخلهم؟ أو كيف يمكن أن يأتي في داخلنا نحن عندما يكون الروح ذاته في داخلنا؟ لأنه لا يمكن أن يتحقق فينا وجود الله حسب طبيعته إن كان الروح مختلفًا عن اﻵب في الجوهر“.[67]

كما يُحارِب ق. كيرلس الإسكندري منكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، حيث يقول أننا نتَّحد بالله ونصير واحدًا معه وشركاء الطبيعة الإلهية بشركتنا ووحدتنا مع الروح غير المخلوق في سياق دفاعه عن ألوهية الروح القدس، حيث يقول التالي:

”هكذا أيضًا ذاك الذي صار شريكًا للروح القدس يصير واحدًا مع الرب، وبالتالي الروح القدس هو الله، الذي بواسطته، نلتصق بالله ونصير واحدًا معه، وشركاء الطبيعة الإلهية (أنظر ٢بط ١: ٤)، بشركتنا ووحدتنا مع الروح. فإذا كان الروح هو الله، فكيف يكون مخلوقًا“.[68]

ويُقاوِم ق. كيرلس الإسكندري الأفنوميين الهراطقة مُنكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، حيث يقول التالي:

فإنْ كان الروح يحل ويسكن فينا، وبواسطته يسكن المسيح أيضًا فينا، إذًا، الروح القدس هو قوة المسيح. فإذا كان الأمر هكذا، فكيف يكون مخلوقًا هذا الذي من طبيعته أن يوجد في الابن؟ إنها ساعة إذًا ليقولوا: إن كلمة الله -الذي لا تركيب فيه ولا ازدواج- مركب، وذلك بسبب هذا الشيء الذي يأتي من الخليقة مُضافًا إلى طبيعته. لكن هذا محض عبث، فالروح ليس مخلوقًا ولا مجبولاً، إنما هو يأتي من أعلى، من الجوهر الإلهي، كقوة وفعل طبيعي له“.[69]

ويحارب ق. كيرلس الإسكندري مُنكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، والذين يدَّعون أن شركتنا مع الروح القدس هي شركة مع مخلوق، حيث يقول التالي:

”إذًا، عندما يسكن الروح في غير المرفوضين، يكون المسيح هو ذاك الذين يسكن فيهم، وبالتالي يكون من الضروري أن نقول إن هذا هو الجوهر الإلهي الذي يجعل كل الذين يشاركونه شركاءً. لأنه ما من أحد يملك عقلاً يمكنه أن يقول إن شركتنا مع الله يمكن أن تصير بواسطة مخلوق، طالما كان هذا المخلوق -بحسب رأي الهرطقة- لديه طبيعة مختلفة، وهو مختلف تمامًا عن الآب والابن، وإن هناك فرقًا شاسعًا بين الجوهر المخلوق والجوهر غير المخلوق“.[70]

ويتحدث ق. كيرلس الإسكندري عن عمل الروح القدس فينا كالتالي:

”إنَّ الكلمة الذى من الله الآب يُرقِينا إلى حد أن يجعلنا شركاء طبيعته الإلهية بواسطة الروح القدس. وبذلك صار له الآن أخوة مشابهون له وحاملون صورة طبيعته الإلهية من جهة التقديس. لأن المسيح يتصور فينا هكذا: بأن يُغيِّرنا الروح القدس تغييرًا جذريًا من صفاتنا البشرية إلى صفاته هو. وفي ذلك يقول لنا بولس الطوباوي: ’وأمَّا أنتم فلستم في الجسد، بل في الروح‘ (رو٨: ٩)، فمع أن الابن لا يُحوِّل أحدا قط من المخلوقين إلى طبيعة لاهوته الخاص -لأن هذا مستحيل- إلا أن سماته الروحية ترتسم بنوع ما في الذين صاروا شركاء طبيعته الإلهية بقبول الروح القدس وبهاء لاهوته غير المفحوص يضيء مثل البرق في نفوس القديسين“.[71]

ثم يدحض ق. كيرلس الإسكندري المعتقدين بالحلول المواهبي للروح القدس في البشر في سياق دفاعه ع ألوهية الروح القدس كالتالي:

”أمَّا لو كانت النعمة المعطاة لنا بواسطة الروح القدس هي نعمة منفصلة عن جوهره، فحينئذ لماذا لم يقل موسى النبي (تك٢: ٧) إنه عندما أوجد الخالق الكائن الحي (الإنسان)، إنه نفخ فيه النعمة مع نفخة الحياة، ولماذا لم يقل المسيح لنا: اقبلوا النعمة التي أهبها لكم بعمل الروح القدس؟ والعكس هو الصحيح، لأن موسى قال: نفخة الحياة، ولأننا به نحيا ونتحرك ونوجد.

كما قال بعض شعرائكم أيضًا: لأننا أيضًا ذريته (أع١٧: ٢٨)، بينما دعاه المخلص الروح القدس، وهكذا سكن في نفوس أولئك الذين يؤمنون بالروح الحقيقي نفسه، والذي بواسطته وبه يقودهم إلى هيئتهم الأولى. بمعنى أنه يجعلهم مشابهين له عندما يقدِّسهم، وهكذا يُعيدنا إلى صورتنا الأولى أي إلى حالة ختم الآب. ومن جهة الدقة في وصف وحدة الجوهر، فإن الابن ذاته هو الختم الحقيقي، في الوقت نفسه فإن الروح القدس هو شبه واضح وطبيعي للابن، والذي نتغير نحن بالتقديس بواسطته أي لنأخذ صورة الله […]

إذًا، الروح هو الله الذي يعطينا أن نكون على صورة الله. وهذا لا يتأتى عن طريق النعمة الخادمة، لكن بالاشتراك في الطبيعة الإلهية مانحًا ذاته عينها للمستحقين […] هل يمكن أن تسأل المعاندين: لماذا نُدعى هياكل لله، بل بالحري آلهة، إن كنا بالفعل شركاء مجرد نعمة بسيطة لا كيان لها؟ لكن الأمر ليس كذلك، لأننا هياكل للروح الحقيقي الكائن، ولهذا فنحن نُدعى أيضًا آلهةً، لأنه من خلال اتحادنا به نصبح شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة“.[72]

وبذلك يؤكد ق. كيرلس الإسكندري على الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، وليس مجرد حلول مواهبي أو حلول لنعم مخلوقة كما يدَّعي الهراطقة، ويدحض بشدة ويستنكر الهراطقة القائلين بأننا نتحد بنعمة خادمة (مخلوقة)، أو أننا نتحد بمجرد نعمة بسيطة لا كيان لها، بل يؤكد على اتحادنا بالروح الحقيقي الكائن الذي يصيرنا شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة.

[1] إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019)، 3: 16: 6، ص 81، 82.

[2] المرجع السابق، 3: 18: 1، ص 89.

[3] المرجع السابق، ٥: ٢: ٣، ص 276.

[4] ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، ترجمة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي، (القاهرة، 2009)، الحوار ٣: 8، ص 120.

[5] المرجع السابق، الحوار ٣: ٤، ص 115.

[6] أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، 8: 4، ص 22.

[7] أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، ٣: ٣٣، ص 336.

[8] المرجع السابق.

[9] المرجع السابق، ١: ٤١، ص 109.

[10] المرجع السابق، ١: ٤٢، ص 111.

[11] المرجع السابق، ١: ٤٣، ص 112.

[12] المرجع السابق، ٢: ٦٩، ص 260.

[13] المرجع السابق، ٣: ٢٣، ص 322.

[14] المرجع السابق، 2: 13، ص 173.

[15] المرجع السابق، 2: 14، ص 174، 175.

[16] Athanasius, Letter to Maximus the Philosopher, NPNF Ser. II, Vol. IV, Ch. 2, p. 578-579.

[17] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006)، مقالة ٢٢: ٣، ص 292.

[18] غريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات عيد القيامة (العظة الفصحية الأولى)، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2012)، 44: 4، ص 14.

[19] غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، خطاب 30: 5، ص 111.

[20] غريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، عظة المعمودية المقدسة ٤٠: ١٠، ص 138، 139.

[21] غريغوريوس النيسي (قديس)، تعاليم الموعوظين، ترجمة: د. جورج فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2021)، 3: 25: 2، ص 186، 187.

[22] المرجع السابق، 37: 12، ص 242، 243.

[23] هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2017)، ٨: ١٦، ص 544.

[24] أمبروسيوس أسقف ميلان (قديس)، تجسد الرب، ترجمة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، ٦: ٥٤، ص 77.

[25] المرجع السابق، ٦: ٥٧، ص 80.

[26] أوغسطينوس (قديس)، العظات على المزامير ج1، ترجمة: عبد الله جحا، (لبنان: دار المشرق، 2013)، ٣: ١٠، ص 26.

[27] أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة، 2021)، ٣: ١٠: ٢٠، ص 233.

[28] المرجع السابق، ٤: ٢: ٤، ص 248.

[29] المرجع السابق، ١٥: ١٩: ٣٤، ص 646.

[30] المرجع السابق، ٤: ٢: ٤، ص 248.

[31] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على انجيل يوحنا ج1، ترجمة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 46، تعليق على (يو6: 41- 53)، ص 451.

[32] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي، ترجمة: نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2009)، العظة الثالثة، تعليق على (كو1: 18)، ص 63.

[33] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على إنجيل متى ج4، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، (لبنان، 2008)، عظة ٨٢: ٥، ص 142.

[34] المرجع السابق، ص 142، 143.

[35] المرجع السابق، ص 143.

[36] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ج2، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، عظة ٢٤: ٢، ص 96.

[37] كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير رسالة رومية 6: 6.

[38] كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، ١: ٩، تعليق على (يو ١: ١٤)، ص 133.

[39] كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير انجيل يوحنا مج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، ١٠: ٢، تعليق على (يو15: 1)، ص 259.

[40] كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 3: 6، تعليق على (يو6: 35)، ص 370.

[41] الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس، (القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، ١٩٩٤)، ص ٣٤٣.

[42] المرجع السابق، ص ٢٥٧، ٢٥٨.

[43] المرجع السابق، ص ٢٥٠.

[44] المرجع السابق، ص ٢٤٤.

[45] المرجع السابق، ص ٢٥٩.

[46] المرجع السابق، ص ١٩٥.

[47] ترتيب أسبوع الآلام بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إعداد ونشر مجموعة من المتخصصين في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال، (القاهرة: مؤسسة مينا للطباعة، ١٩٩٤)، ص ٦٨٧.

[48] إبصاليات وطروحات الأعياد السيدية والمواسم الكنسية، تقديم: الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، (وادي النطرون: دير السريان، 2003)، ص 575.

[49] صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، (القاهرة: مكتبة المحبة، ١٩٧١)، ص ٥٦.

[50] المرجع السابق، ص ٦٩.

[51] المرجع السابق، ص ٢٤.

[52] إيسيذوروس البراموسي (قمص)، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة وتقديم: نيافة الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، (القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، ١٩٩٤)، ص ٢٦٤.

[53] المرجع السابق، ص ٢٥١.

[54] المرجع السابق، ص ٢٤٢.

[55] المرجع السابق، ص ٢٤٠، ٢٤١.

[56] المرجع السابق، ص ٢١٩.

[57] ترتيب أسبوع الآلام بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إعداد: مجموعة من الدارسين والباحثين في الطقوس القبطية، تقديم ومراجعة: القس غبريال، (القاهرة: مؤسسة مينا للطباعة، ١٩٩٤)، ص ٦٨٤.

[58] أثناسيوس (قديس)، الرسائل عن الروح القدس، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد و د. موريس تاوضروس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 1: 4، ص 41.

[59] المرجع السابق، 1: 20، ص 77.

[60] تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006) 16: 26، ص 244.

[61] غريغوريوس اللاهوتي (قديس)، عظة عيد الخمسين، ترجمة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2012)، 36: 11، ص 51.

[62] يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على سفر أعمال الرسل، ترجمة: نشأت مرجان، (القاهرة: دار المحبة، 2011)، العظة الرابعة، ص 67، 68.

[63] المرجع السابق، ص 65.

[64] ديديموس الضرير (علامة)، الروح القدس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2015)، 3: 106-109، ص 71، 72.

[65] المرجع السابق، 3: 80، ص 64.

[66] إبيفانيوس أسقف سلاميس (قديس)، أنكوراتوس (المثبت بالمرساة)، ترجمة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2018)، 72: 7، 8، ص 322.

[67] كيرلس الإسكندري (قديس)، حوار حول الثالوث، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، الحوار السابع، ص 350.

[68] كيرلس الإسكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة ٣٤: ٥٠، ص 578.

[69] المرجع السابق، مقالة ٣٤: ٥٥، ص 580.

[70] المرجع السابق، مقالة 34: 56، ص 581.

[71] كيرلس الإسكندري (قديس)، ضد تجاديف نسطور، مقالة 3: 2.

[72] كيرلس الإسكندري (قديس)، حوار حول الثالوث، ترجمة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، الحوار السابع، ص 353-355.

 

الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح – د. أنطون جرجس عبد المسيح