آبائياتأبحاث

وراثة الذنب الشخصي أم وراثة الفساد والموت؟ – د. أنطون جرجس عبد المسيح

وراثة الذنب الشخصي أم وراثة الفساد والموت؟ - د. أنطون جرجس عبد المسيح

وراثة الذنب الشخصي أم وراثة الفساد والموت؟ – د. أنطون جرجس عبد المسيح

وراثة الذنب الشخصي أم وراثة الفساد والموت؟ - د. أنطون جرجس عبد المسيح
وراثة الذنب الشخصي أم وراثة الفساد والموت؟ – د. أنطون جرجس عبد المسيح

 

وراثة الذنب الشخصي

 أم وراثة الفساد والموت؟

(الجدل حول وراثة الخطية الجدية)

 

ملخص البحث

 يُعتبر البحث عن نتائج سقوط الإنسان عند آباء الكنيسة في القرنين الرابع والخامس الميلاديين هو بحث كتابيَّ آبائيَّ ليتورجيَّ في ذلك الموضوع البالغ الأهمية. حيث تتبعنا عقيدة خلق الإنسان على صورة الله ومثاله، ووضع الإنسان قبل وبعد السقوط والتعدي؛ كما استعرضنا أيضًا ماهية الشر والخطية عند المذاهب الفلسفية والدينية المختلفة خاصةً الغنوسية والمانوية، وهي الوسط الثقافيَّ والحضاريَّ والدينيَّ المؤثر على فكر الكنيسة ممثلة في آبائها وليتورجياتها. لقد أردنا من البحث تحديد النتائج المترتبة عن سقوط الإنسان في التعجي والعصيان، وأثر ذلك على الطبيعة البشرية والعالم كله. أردنا تتبع مفهوم الخطية الأصلية أو الجدية عند آباء الكنيسة الجامعة وفي الليتورجية، وهل هو أصيل في الكنيسة أم دخيل على تعليم الكنيسة؟ كما استعرضنا بدقةٍ وعنايةٍ الهرطقة البيلاجية أحد أهم الهرطقات التي ناقشت الجانب الأنثروبولوجيَّ لتدبير الخلاص، وعلاقة الإنسان بالله في ذلك الإطار السوتيرلوجيَّ الأرثوذكسيَّ، وفحصنا علاقة البيلاجية بالنسطورية ومجمع أفسس المسكونيَّ الثالث سنة 431م برئاسة القديس كيرلس الإسكندريَّ عمود الدين، والأسباب التي أدت إلى إدانة التعاليم البيلاجية في ذلك المجمع.

المقدمة

   إنَّ موضوع الخلق على صورة الله ومثاله، ونتائج سقوط الإنسان لهو من أهم وأدق الموضوعات في الأنثروبولوجيا المسيحية. وضع الإنسان ومكانته قبل وبعد السقوط كان محل تأمل وبحث وتدقيق من آباء الكنيسة الجامعة، وأُفرِدَت له العديد من الكتابات لشرح ماهية الشر والخطية، ومكانة الإنسان قبل وبعد السقوط، والنتائج المترتبة على سقوط الإنسان على البشرية جميعًا. نتضرع إلى الله أنَّ يوفقنا ويساعدنا في مناقشة هذا الموضوع الحيويَّ والضروريَّ للغاية.

 

 

منهجية البحث وإطاره النظري

   منهجية البحث هي منهجية استدلالية وتحليلية واستنباطية بالاستدلال بالعديد من المراجع والأبحاث والدراسات الكتابية والآبائية والليتورجية والفلسفية المختلفة، حيث سوف أستعرض من خلالها في هذا البحث

إشكالية البحث

   لقد كانت مشكلة الشر والألم والخطية كنتائج مترتبة عن سقوط الإنسان من أهم القضايا والمشكلات التي تصدى لها آباء الكنيسة الجامعة بالتأمل والبحث والتدقيق والكتابة حولها. وانبثقت الليتورجيات الكنسية من تعاليم وتقاليد الكنيسة حول عقيدة خلق الإنسان على صورة الله ومثاله، ومنزلة الإنسان قبل وبعد التعدي والعصيان والسقوط في الخطية، ولقد كانت هناك العديد من المذاهب والتيارات الفلسفية والدينية تحاول فهم وإدراك ماهية مشكلة الشر والألم في العالم، ولقد تأثر آباء الكنيسة الجامعة وتأثرت الليتورجيات الكنسية بهذه الأفكار والمذاهب المنتشرة في عصرهم. سيحاول هذا البحث تفكيك وتحليل هذه المشكلة للوصول إلى المفهوم المسيحيّ الأرثوذكسيّ السليم حول ماهية الشر والخطية، والنتائج المترتبة على سقوط الإنسان، ومفهوم الخطية الجدية عند آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا.

فروض وتساؤلات البحث

يحاول هذا البحث الرد على عدة تساؤلات هامة وخطيرة لفهم عقيدة خلق الإنسان، وماهية الشر والخطية وسقوط الإنسان والنتائج الناجمة عن هذا السقوط على الإنسان بحسب المنظور المسيحيّ الأرثوذكسيّ، وفي الفلسفات والمذاهب المختلفة، وهي:

  1. ما هو مفهوم الشر والخطية عند الفلاسفة والغنوصية والمانوية؟
  2. ما هو مفهوم الشر والخطية عند آباء الكنيسة الجامعة؟
  3. ما هي ملامح التعاليم البيلاجية المرفوضة من قِبل الكنيسة الجامعة؟
  4. ما هي علاقة البيلاجية بالنسطورية ومجمع أفسس المسكونيّ الثالث 431م؟
  5. ما هو مفهوم الخطية الأصلية أو الجدية عند آباء الكنيسة الجامعة؟

 

 

أهداف البحث

   يهدف هذا البحث الاستقصائيَّ إلى العديد من الأهداف الرامية إلى توضيح وتصحيح بعض المفاهيم الخاصة بماهية الشر والخطية، ومفهوم الخطية الأصلية أو الجدية عند آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، ويهدف أيضًا إلى فهم عقيدة خلق الإنسان على صورة الله ومثاله، وتوضيح ماهية الشر والخطية وسقوط الإنسان، والنتائج الناجمة عن هذا السقوط على الإنسان بحسب المنظور المسيحيّ الأرثوذكسيّ. فحص ماهية الشر في الفلسفات والمذاهب الدينية المختلفة بالخصوص عند الفلاسفة والغنوصية والمانوية، وتوضيح مفهوم الشر والخطية عند آباء الكنيسة الجامعة. يهدف البحث كذلك إلى فحص أهم ملامح التعاليم البيلاجية المرفوضة من قِبل الكنيسة الجامعة، وإظهار ماهية العلاقة بين البيلاجية والنسطورية ومجمع أفسس المسكونيّ الثالث 431م.

ضرورة البحث

   يُعتبر البحث دراسة مُتخصِّصة في عقيدة الخلق بحسب المنظور المسيحيّ الأرثوذكسيّ وسقوط الإنسان ونتائج السقوط وماهية الشر والخطية عند الآباء المعلمين في الكنيسة الجامعة بحسب المنظور المسيحيّ الأرثوذكسيّ. بحث ماهية الشر في الفلسفات والمذاهب المختلفة عن المسيحية. علاوة على ذلك، عرض لأهم هرطقة تعرضت لماهية الشر والخطية ونتائج السقوط على الإنسان وهي الهرطقة البيلاجية.

إجراءات البحث

   سوف نبدأ أولاً بالحديث عن ماهية الشر والفساد كما فهمه الفلاسفة اليونانيون والغنوسيون والمانويون، والذين تأثر بهم آباء الكنيسة في شروحاتهم لعقائد الخلق والسقوط والخلاص، وتفسير ماهية الشر والخطية والفساد والموت.

 

 

مفهوم الشر في الفلسفة اليونانية والغنوصية والمانوية

الفيثاغورية:

   تظهر ماهية الشر عند الفيثاغورية من تفسيرهم لطبيعة النفس بأنها مبدأ أو علة توافق الأضداد في الجسد، وعلة حركة الجسد جميعًا، تهبط النفس بعد الموت إلى الجحيم لتتطهَّر بالعذاب، ثم تعود إلى الأرض تتقمص جسمًا بشريًا أو حيوانيًا أو نباتيًا، ولا تزال مترددة بين الأرض والجحيم حتى يتم تطهيرها، مثلما قالت «الأورفية». [1] ويُروى أنَّ فيثاغورس كان يدَّعي أنه مُتجسِّد للمرة الخامسة، وأنه يذكر حيواته السابقة. [2] الإنسان وخاصةً النفس عند الفيثاغوريين تمر بأزمنة التقمص التي قد حدَّدتها الآلهة من أجل التطهُّر والتنقية. لقد تركزت الأفكار الدينية والممارسات وطقوس الزهد عند الفيثاغوريين حول فكرة النقاء والتطهُّر، ومن الطبيعيّ أنَّ تؤدي عقيدة تناسخ الأرواح إلى ترقية ثقافة النفس، وممارسة الصمت وتأثير الموسيقى، ودراسة الرياضيات -هذه كلها يُنظر إليها على أنها عوامل مساعدة لها قيمتها في تهذيب النفس، ومع ذلك هناك بعض الممارسات ذات الطابع الخارجيّ تمامًا. لقد حرَّم الفيثاغوريون أكل اللحم الطازج بسبب عقيدة تناسخ الأرواح، وعدم أكل الفول، وعدم المشي في الطرق العامة، والتشديد على تقليم الأظافر، وعدم الجلوس على مكيال، وعدم ترك أثار الرماد على القدر… إلخ. [3]

سقراط:

   يقول سقراط إنَّ الإنسان روح وعقل يسيطر على الحس ويُدبِّره، والقوانين العادلة صادرة من العقل، ومطابقة للطبيعة الحقة، وهي صورة من قوانين غير مكتوبة رسمها الآلهة في قلوب البشر (يقصد الضمير). فمَنْ يحترم القوانين العادلة يحترم العقل والنظام الإلهيّ. وقد يحتال البعض في مخالفتها بحيث لا يناله أذى. في هذه الدنيا، ولكنه مأخوذ بالقصاص العادل لا محالة في الحياة المقبلة. ويريد الإنسان الخير دائمًا، ويهرب من الشر بالضرورة، فمَنْ عرف ماهيته الحقيقية وعرف خيره بماهية الإنسان أراد الخير حتمًا. أما الرجل الشهوانيّ فرجل جاهل بنفسه وبخيره، ولا يعقل أنه يرتكب الشر عمدًا. وبالتالي، الفضيلة علم، والرذيلة جهل -وهذا قول مشهور عن ”سقراط“ يدل على إيمانه بالعقل كمعيار للخير والشر وحبه للخير. [4] عند سقراط المعرفة الفضيلة شيء واحد، بمعنى أنَّ الرجل الحكيم هو مَنْ يعرف الصواب، ويفعل ما هو صواب أيضًا. وبعبارة أخرى، لا أحد يفعل الشر وهو يعلم ذلك، ويكون غرضه فعل الشر، فلا أحد يختار الشر في حد ذاته، كما هو كذلك. [5]

أفلاطون:

   الفضائل عند أفلاطون ثلاث تُدبِّر قوى النفس الثلاث؛ الحكمة تدبر فضيلة العقل؛ وتكمله بالحق. والعفة فضيلة القوة الشهوانية؛ تُلطِّف الأهواء فتترك النفس هادئة والعقل حرًا. وتتوسط هذين الطرفين الشجاعة وهي فضيلة القوة الغضبية؛ تساعد العقل على الشهوانية، فتقاوم إغراء اللذة ومخافة الألم. كما يؤكد أفلاطون أنَّ الخير يأت حتمًا؛ حيث أنَّ الإنسان يطلب الخير بالضرورة، ويستحيل عليه أنَّ يؤثر الشر مع علمه بالخير علمًا صحيحًا. أما الذي يعلم الخير ويفعل الشر فعلمه ناقص، وحقيقته أنه «ظن» قلق عارٍ عن الأصول والنتائج، لا يقوى على إغراء اللذة والمتعة. فالفضيلة علم، والإنسان الفاضل هو الذي يعلم الخير، ويعرف ما يجب أنَّ يفعل في كل حالة؛ لأنَّ نظره شاخص دائمًا نحو الخير المطلق (أي الله). أما الرذيلة فجهل بالخير الحقيقيَّ، وغرور بالخير الزائف. [6] لقد تمسك أفلاطون فيما يبدو بفكرة أنَّ الفضيلة علم ومعرفة، وأنَّ الفضيلة يمكن تعلُّمها، وكذلك بفكرة إنه لا أحد يرتكب الشر عمدًا أو عن علم. فعندما يختار الإنسان ما هو شر في الواقع؛ فإنه يختار ما هو أدنى نفعًا. فهو يرغب في شيء يتخيل أنه خير، لكنه في الحقيقة شر. وعندما نستخدم كلمة «شر» فإننا كثيرًا ما نعني بها «خطأ». لكن عندما قال أفلاطون إنه لا أحد يختار فعل ما يعرف أنه شر عمدًا؛ فإنه لم يقصد بذلك أنه لا أحد يختار أنَّ يفعل ما يعرف أنه خطأ. بل لا يختار أحد عن عمد أنَّ يفعل ما يعرف أنه من جميع الجوانب ضار لنفسه. [7]

أرسطو:

   الفضيلة عند أرسطوطاليس من حيث الماهية وسطًا بين طرفين مرذولين هما الإفراط أو التفريط؛ فإنها من حيث الخير حد أقصى وقمة؛ إذ أنَّ الوسط هو ما تحكم الحكمة بعد تقدير جميع الظروف؛ بأنه ما يجب فعله ”هنا والآن“ فهو خير بالإطلاق. مثال فضيلة الشجاعة فالإفراط فيها هو التهور والتفريط فيها هو الجبن، وتقع الشجاعة وسطًا بين الرذيلتين. [8]

الأبيقورية:

   في هذا المذهب، السعادة هي اللذة الجسمية حتمًا، من حيث إنه لا يعترف بغير المادة. ويُقرِّر أبيقور أنَّ غاية الحياة هي اللذة. ولكنه يُعالِج فكرة اللذة بذكاء ومنطق حتى يجعلها نوعًا من السعادة النفسية، ويستبقي الفضائل المعروفة، ويستبعد الرذائل. يقول أنَّ الطبيعة هي التي تحكم بما يلائمها، لا العقل الذي هو في الحقيقة عاجز عن تصوُّر خير مُجرَّد من كل عنصر حسيَّ، وكيف يستطيع ذلك وجميع أفكارنا ترجع إلى إحساسات، ومن ثمة إلى لذات وآلام؟ ولو استبعدنا الحس من الإنسان فلن يبقى شيء. وبما أنَّ اللذة غاية، فالوسيلة إليها فضيلة، والعقل والعلم والحكمة تقوم على تدبير الوسائل وتوجيهها نحو الغاية المنشودة، وهي الحياة اللذيذة السعيدة. فمن الخطأ وصف اللذة بأنها جميلة أو قبيحة؛ فإنَّ كل لذة خير، وكل وسيلة إلى اللذة خير أيضًا، بشرط أنَّ تكون اللذة لذة وتكون الوسيلة مؤدية إلى لذة. ومعنى ذلك أنَّ للذة عواقب، وقد لا تكون جميع عواقبها خيرًا؛ فإن الشره مثلاً يُورِّث المرض؛ فيجب تعديل اللذة بالألم، واجتناب اللذة التي تجر الألم، واعتبارها وسيلة سيئة للسعادة. وللألم عواقب أيضًا، وقد لا تكون جميعها شرًا. فيجب تعديل الألم باللذة، وتقبُّل الألم الذي يجر لذة أعظم. وبهذا يتحول مذهب اللذة إلى منفعة. [9]

الرواقية:

   يضع الرواقيون الحكمة والخير في مطابقة إرادته مع الإرادة الكلية للطبيعة، ويعتبرون الإرادة الصالحة شيء مطلق كالإرادة الكلية، ومُدرَك بالعقل، وهاتان صفتان تميزان الخير عما عداه من شر، فالخير ممدوح لذاته. بينما الإنسان الشرير أو الضال هو الذي غابت عنه فكرة الطبيعة الكلية، فاتخذ نفسه مركزًا للوجود، وانحرفت ميوله عن استقامتها الأولى، فعارض الخير الكليّ بأشباح من الخيرات الجزئية أو المنافع، وحصر سعادته فيها، فتعرض للعديد من الهموم والآلام. أفعاله كلها مناقضة للحكمة كل المناقضة، كلها عصيان للعقل والطبيعة، وتتفاوت العقوبات بهذه الحالة. وتنحرف الميول باتخاذ اللذة الناشئة عن إرضائها غرضًا وغايةً. يرى الرواقيون أنَّ الفضيلة علم والرذيلة جهل، ويقولون إن الانفعال صادر عن قوة غير عاقلة، وأنَّ العقل يصير غير عاقل بتراخي النفس، وجريها وراء الميل المسرِف والحكم الكاذب. [10]

الكلبية:

   سُميت بـ ”الكلبية“ أو بـ ”تلاميذ الكلب“ -ربما استمدوا اسمهم من طريقة الحياة غير المألوفة التي عاشوها، أو من واقعة أن أنتستنيس مؤسس المدرسة الكلبية كان يعلِّم تلاميذه في ساحة تُعرف باسم ”الكلب السريع“. الفضيلة في نظرهم هي ببساطة الاستقلال أو التخلي أو نبذ كل متع الدنيا وثرواتها. الفضيلة وحدها تكفي لتحصيل السعادة، ولا يُطلب شيء آخر غيرها. الفضيلة هي غياب الرغبة، والتحرُّر من الحاجات، وهي الاستقلال التام. الفضيلة هي الحكمة في نظرهم، غير أنَّ تلك الحكمة تعتمد أساسًا على رؤية قيم ومبادئ الغالبية العظمى من البشر. أما الثروات، والانفعالات… إلخ فهي خيرات حقيقية. وليست الآلام، والفقر، والاحتقار شرورًا حقيقيةً. الفضيلة هي الحكمة ويمكن تعلُّمها، رغم أنه ليس ثمة حاجة إلى تفكير أو تأمل طويل لكي نتعلَّمها. الرجل الحكيم لو تسلَّح بهذه الفضيلة لا يمكن أنْ يصيبه أي مما يُسمَى بـ ”شرور الحياة“، حتى ولا عن طريق العبودية. الفضيلة الحقة هي الاستقلال والتحرُّر من الرغبة. [11]

الغنوسية:

   ترى الغنوصية الله هو قمة الوجود والموجود المفارِق اللا مُدرَك، والسكون، والهاوية. صدرت عنه أرواح يسمونها أيونات وأراكنة. صدرت زوجًا فزوجًا، ذكرًا وأنثى، متضائلة في الألوهية كلما ابتعدت عن المصدر. أراد أحدهما أن يرتفع إلى مقام الله فطُرِدَ من العالم المعقول عن هذا الأيون أو الأركون الخاطئ فصدرت أرواح شريرة مثله، وصدر العالم المحسوس الذي لم يكن ليوجد لولا الخطيئة؛ لأنه عالم شر ونقص، صانعه شرير، والمادة المصنوعة منه شريرة. وذلك الأيون هو الذي حبس النفوس الشرية في أجسامها، فكوَّن الإنسان. يميز الغنوسيون الناس إلى ثلاث طوائف متمايزة بالطبيعة لا بالإرادة فقط؛ الطائفة الأولى: الروحيون، وهم من أصل إلهيّ يكفل لهم النجاة من الجبرية المسيطرة على العالم السفليّ، أولئك هم الغنوسيون صفوة البشر، والطائفة الثانية، الماديون مُركَّبون من المادة، وهي تعوقهم عن الصعود فوق العالم السفليَّ، والطائفة الثلاثة، الحيوانيون يؤلفون طبقة وسطى قابلة للارتفاع والسقوط، للنجاة والهلاك. ووسيلة النجاة هي قهر الجسد، وطرح كل ما يثقل النفس ويمنعها من البلوغ إلى المقر الروحانيّ النورانيّ الذي هبطت منه. الغنوسية كمذهب هي محاولة لتفسير الشر والنجاة منه وأغلب أصحابه من الأفلاطونيين. مسألة الشر هي الشغل الشاغل للأديان الشرقية، والمحور الذي تدور حوله، وكلها تبين أنها جازعة من الشر، متشبعة بفكرة التطهير والتكفير. وكانت الثنائية الفارسية قد ظنت أنها وُفِّقَت إلى الحل المنشود بالقول بإلهين أحدهما خير والآخر شرير. وعرض ”أكسانوقراطس“ تأويلاً ثنائيًا لمذهب أفلاطون، فوضع مبدأين أولين؛ أحدهما خير سماه ”الواحد“، والآخر شرير سماه ”الاثنين“. ولكن الغنوسيين رأوا الشر لا يمكن أن يكون ماهية أولى مُقابلة لماهية الخير بالتساوي، بينما قال أفلاطون إن الكمال أول والنقص تضاؤله، فوقفوا عند ثنائية نسبية لا تقول بمبدأين متكافئين، بل تعتبر صانع العالم المحسوس إلهًا ثانويًا صار شريرًا بإرادته بعد أن كان خيرًا بطبيعته. وضع الغنوسيون الخطيئة في إله أدنى وجعلوا منه صانع العالم؛ وبذلك نزَّهوا الله عن الدنس بمساس المادة، وعن نسبة الشر إليه، ووضعوه في مكان بعيد لا يُدرِكه الفكر، وإنما تبلغ النفس إليه بالجذب أو بإشراق فجائيّ. [12]

فيلون اليهودي السكندري:

   يؤوِّل فيلون الاصحاح الأول من سفر التكوين بأنَّ الله خلق عقلاً خالصًا في عالم المثل هو الإنسان المعقول، ثم صنع على مثال هذا العقل عقلاً أقرب إلى الأرض وهو آدم، وأعطاه الحس وهي حواء معونة ضرورية له، فطاوع العقل الحس وانقاد للذة المتمثلة في الحية التي أغوت حواء، فولدت النفس في ذاتها الكبرياء وهو قايين وجميع الشرور، وانتفى منها الخير وهو هابيل ومات موتًا أخلاقيًا. يختلف فيلون عن الأفلاطونية والغنوسية في أنه يجعل الشر هو شر أخلاقيّ. [13]

الأفلاطونية المحدثة:

   ماهية الشر في الأفلاطونية المحدثة فيما ليس موجود، أي في الأشياء المشوبة باللاوجود والعدم، وهي المحسوسات وكيفياتها، وهي مشوبة باللاوجود والعدم؛ لأنها صور مُتحقِّقة في مادة، والمادة لا وجود لها، إنها في ذاتها غير مُصوَّرة وغير مُحدَّدة. فالشر عدم الصورة، وهو عدم الحد والاعتدال، والمادة هي جوهر الشر عينه، إذ يجب أن يكون هناك شر بالذات يرجع إليه الشر بوصفه صفة، كما أنَّ هناك خير بالذات يرجع إليه الخير بوصفه صفة. وليست النفس شريرة بذاتها، ولكن جزءها غير العاقل يتخطى الاعتدال أو يبتعد عنه، وجزءها العاقل مضطرب تمنعه الأهواء من رؤية الحق والخير، وتميل به الأهواء نحو المادة. فالنفس الكاملة هي مفارقة دائمًا، لا تقترب من الشيء الرديء الذي هو المادة. الشر له وجود ذاتيّ، ولكنه ليس إلهًا أو نفسًا، وإنما هو المادة، ويأتي الشر الذي في النفس من اتصالها بهذا الشر بالذات. ولما كانت المادة عنصر ضروريّ في نظام العالم، كان الشر ضروريًا في العالم أيضًا. [14]

المانوية:

   عادت النظرية الثنائية الفارسية إلى الظهور في القرن الثالث الميلاديّ كبدعة مسيحية ثنائية صريحة، وهي المانوية نسبةً إلى مُؤسِّسها ”ماني بن فاتك“ من مملكة بابل (215- 241م). قال ماني بما قاله زرادشت عن أنَّ للعالم مبدأين: أحدهما نور والآخر ظلمة. ولقد أخذت المانوية الكثير من عقائدها عن الغنوسية والفلسفة بصفة عامة، وفي شرحها لماهية الشر والخطية بصفة خاصة. لقد رمى ماني إلى وضع دين جديد تتحَّد فيه سائر الأديان. حيث يدَّعي أنَّ كل الكتب القديمة اندمجت في كتبه الخاصة، فتألَّفت منها الحكمة الكبرى التي لا نظير لها في كل الإعلانات للأجيال السابقة. تغلب على هذا الدين الجديد المسيحية. قال ماني أنه رابع ثلاثة يتقدمهم المسيح ثم زرادشت ثم بوذا، ولكنه يمتاز عنهم بأنه وعظ وكتب، بينما هم اقتصروا على الوعظ فقط. ويقول عن نفسه أنه ”الباراقليط“ أي الروح القدس. يدَّعي أنه جاء بالوحي الذي وعد به المسيح تلاميذه، وأنه أخر الأنبياء. فكان يتصرف في الإنجيل كما يحلو له سواء بالحذف أو الإثبات. وكان يأخذ من الأناجيل الأبوكريفا المنحولة الشائعة في أيامه. يُقسِّم الناس إلى ثلاث طوائف: طائفة الصديقين أو المختارين، وهم أتباعه الأوفياء علمًا وعملاً، وطائفة المستمعين أو السمَّاعين، وهم المعتنقون مذهبه، ولكنهم غير عاملون به بعد، وطائفة الخطاة، وهم أهل الديانات الأخرى، لا يتزوج الصديقون، ولا يتولون مناصب عامة، ولا يحملون سلاحًا ولا يحاربون، ولا يذبحون حيوان ولا يأكلونه، ولا يشربون الخمر، هؤلاء تصعد نفوسهم إلى النعيم توًا بعد الموت. يشارك السامعون في جميع الشعائر، ولكنهم لا يقوون على الجميع بسائر الوصايا والتكاليف، غير أنهم ملزمون -إنْ تزوجوا- بالاقتصار على امرأة واحدة، والاجتهاد في ألا يُعاقبوا من الزواج، وبالإحسان إلى الصديقين تكفيرًا عن تقصيرهم في أن يكونوا مثلهم بدون زواج، وهؤلاء تبقى نفوسهم بعد الموت في هذا العالم، فتدخل جسمًا آخر فآخر حتى تنتهي إلى جسم بار، وتلك هي المرحلة الأخيرة قبل الصعود إلى النعيم. أما الخطاة فهالكون في جهنم. [15] ترى المانوية نشأة الجنس البشريّ من مجامعة شيطان مذكر اسمه ”أشقلون“ وشيطانة مؤنثة مخفية اسمها ”نامارائيل“ فأنجبا آدم وحواء أول المخلوقات البشرية. وهكذا نشأ الجنس البشريّ من مزيج مقزّز للنفس من أعمال آكل لحوم البشر والممارسات الجنسية، وكان جسد الإنسان بمثابة مظهر حيوانيّ صرف للحكام، وكانت شهوته شهوة جنسية مُسيِّرةً له تمشيًا مع خطة المادة للإنجاب والولادة، فهذا هو ميراث الإنسان من أصله الحيوانيّ، لكن عالم النور لم يكن قادرًا ولا راغبًا بترك الإنسان تحت رحمة عالم الشر، فتجمع في آدم الجزء الأكبر من النور المحتجز والمتبقي، وذلك هو السبب في أنه أصبح الموضوع الأول لجهد الفداء من قِبل عالم النور. [16]

   سوف نستعرض الآن أهم هرطقة وتعليم فاسد هاجم عقيدة السقوط وتدبير الخلاص في المسيحية وهي الهرطقة البيلاجية.

الهرطقة البيلاجية

   لقد كان بيلاجيوس الذي سُميت هذه الهرطقة باسمه رجلاً ذا فضيلة وتقوى عظيمة، [17] ومُرشِدًا روحيًا للنفوس بالحري عنه كلاهوتيّ أو حتى باحث لاهوتيّ. لم يتحمل الراهب البريطانيّ بيلاجيوس بصبرٍ أعذار وحجج الخطاة الناشئة عن الضعف البشريّ. لقد كان يرى الاحتياجات للنعمة الإلهية إنها بمثابة دواء وعلاج لضعفنا المزعوم تحت تأثير الكسل والخمول. أصَّر بشدةٍ وثباتٍ على مَن يرشدهم باستخدام القوة التي لا تُقهَر لحرية إرادتنا على مقاومة الشر. أثناء إقامته في روما، وفي السنين الأولى من القرن الخامس الميلاديّ، تعرَّف على كاهن سريانيّ يُدعَى ”روفينوس“، تعلَّم منه إنكار وراثة الخطية الأصلية بحسب ماريوس ميركاتور Marius Mercator. [18] ثم صار له تلاميذ بدوره. كان رئيسهم في ذلك الوقت هو كالستوس، راهب شاب متحمِس وغيور، الذي فور قناعته بعدم البقاء صامتًا أو ساكنًا حيال أخطاء سيده. [19] في عام 417م، كسب بيلاجيوس حليفًا وعضوًا جديدًا في الجماعة بالغ الأهمية وهو يوليان أسقف إكلانوم في إتروريا Etrutia. لقد كان منطقيًا نشيطًا، وكاتبًا غزير الإنتاج، والذي صار المهندس الأساسيّ للنظام كله بحسب تعبير ق. أوغسطينوس. [20] كان ممثلي البيلاجية الثلاثة هم بيلاجيوس وكالستوس ويوليان. لقد كانوا هم مؤسسي ورسل البيلاجية، ونقلوا المعرفة والأخبار عن البيلاجية في قوامها العقيديّ. بالتالي للتعرُّف على البيلاجية، لابد من الرجوع إليهم أولاً في ذلك. لقد ترك بيلاجيوس تعليقات على رسائل بولس الرسول Commentarium in epistulas sancti Pauli والتي كانت أصالتها محل جدال ونقاش. على كل الأحوال، لقد تعرضت البيلاجية للتعديلات والتغييرات الأخرى على مر العصور، [21] وهناك رسالته إلى ديمتريوس Epistula ad Demetriadem التي كتبها حوالي العام 412م أو 413م، [22] وكتيب صغير جدًا عن ”الإيمان“ أرسله إلى البابا الرومانيّ إينوسنت Libellus fidei ad Innocentium papam مؤرَّخ عام 417م. [23] وباقي أعماله الأخرى بالأخص كتابه عن ”حرية الإرادة“ De libero arbitrio عبارة عن اقتباسات قليلة للقديس جيروم وماريوس ميركاتور وق. أوغسطينوس. والاقتباسات التي اقتبسها ق. أوغسطينوس هي أيضًا كل ما تبقى من عمل كالستوس. ويمكن قول نفس الكلام عن عمل يوليان، رغم اختلاف هذه الاقتباسات، حيث إنه في حالة يوليان أسقف إكلانوم، هناك اقتباسات أطول وأكثر عددًا تعيد إنتاج في الحقيقة جزء مهم من مقالتيه ضد أوغسطينوس The Libri IV & Libri VIII Adversus Augustinum. يمكن الإضافة إلى هذه المصار الأولى بعض مقالات فاستيدوس Fastidius البيلاجيّ المكتوبة ما بين 420م و430م، والمعلومات التي أمدنا بها ق. أوغسطينوس نفسه، وآخرون كانوا معارضين للبيلاجية، يمكننا أن نُكوِّن نظرة عامة عن تعاليمها. ولكن بالرغم من ذلك، إنه لمِن الإنصاف ملاحظة إنه في بعض النقاط، لم يكن كل من بيلاجيوس وكالستوس ويوليان موافقين تمامًا على تمامًا. لقد خضع النسق اللاهوتيّ للبيلاجية لتطوير معيَّن الذي أكتسب منه تعبيره المُحدَّد.

   المبدأ الرئيسيّ والهام جدًا في البيلاجية بكل وضوح هو المفهوم الرواقيّ للطبيعة البشرية. لقد خُلِقَ الإنسان حرًا، وتتمثل هذه الحرية في القدرة على الاختيار بين الممارسة أو الامتناع عن الخطأ؛ وإنها انعتاق وتحرُّر من الله، يصير من خلالها الإنسان سيد قراره، ويفعل ما يرضيه. [24] وبالرغم من ذلك، قدرة الإنسان على الاختيار نابعة من عند الله، ولازال يلزمنا جدًا ألا نوجد بدون حرية الإرادة. لأنَّ بيلاجيوس قال إنه ينبغي تمييز ثلاثة أمور في الفعل الحر، وهي الإمكانية posse والأمنية velle والكينونةesse . قد لا أكون الآن بالطبع صالحًا، ولا أفعل الصلاح، ولكنني لا يمكن أنَّ أكون بدون القدرة على إرادة وإمكانية الصلاح وفعله. من ناحية أخرى، يعتمد كل من الإرادة والفعل عليَّ أنا، وأنا الذي أعطيهما لنفسي؛ ويأتي الاستحقاق من ذلك، والمكافأة والمجازاة على أعمالي. [25]

   يُثار الاعتراض ضد هذه القدرة المطلقة على حرية الاختيار بأنَّ هذه الملكة والميزة قد ضعفت من البداية، وانحرفت نحو الشر. وهذا ما ينكره البيلاجيون؛ لأنه بالنسبة لهم، الحرية بمثابة الميزان والمعيار الذي تُحرِّكه الإرادة فقط. [26] لقد كان الإنسان قادرًا دائمًا أبدًا على الامتناع عن الشر، وتمييز الوصايا الإلهية، وبالتالي يمكن الحديث بقوةٍ عن قدرته على الحياة بلا خطية بإرادته. [27] وفي الحقيقة، لم يجرؤ بيلاجيوس دائمًا على التأكيد على هذا الأمر كحقيقة، [28] ولكنه لم يخش أحيانًا من التأكيد على ذلك الأمر، سواء قبل أو بعد مجيء المسيح. لقد مارس فلاسفة كثيرون الفضيلة باستمرار وثبات دائمًا، وصاغ بيلاجيوس قوائم من الشخصيات الكتابية البارزة التي لم تخطئ أبدًا وفقًا له. [29]

   لذلك الخطية هي فعل الإرادة الحرة في الأساس، [30] ومن خلال هذه المقدمات المنطقية، يستحيل طبعًا الإقرار بالخطية الأصلية. إنه أمر لا يدعو للدهشة من إنكار البيلاجيين للخطية الأصلية بشكلٍ مطلقٍ. ينكرون الخطية الأصلية، لأنه لو كانت الخطية الأصلية موجودة، فينبغي أن يكون لها سبب، ولا يمكن أن يكون هذا السبب الآن هو إرادة الطفل، بل ينبغي أن تكون إرادة الله هي السبب، وبالتبعية، سيكون لدينا خطية الله لا خطية الطفل. [31] ينكرون الخطية الأصلية؛ لأنه بالاعتراف بها، ينبغي الإقرار بخطية الطبيعة أي الطبيعة الفاسدة والشريرة، وهذا هو التعليم المانويّ. [32] وينكرون الخطية الأصلية؛ لأنَّ خطية الطبيعة تلك من الصعب محوها، لأنَّ كل مَنْ يحملون كينونة هذه الطبيعة سيبقون بهذه الطبيعة دائمًا. [33]

   أخيرًا، ينكرون الخطية الأصلية؛ لأنه لو أمكن لآدم أن ينقل خطيته إلى سلالته وأحفاده المنحدِرين منه، فلماذا لا يستطيع الإنسان البار أن ينقل بره إلى أولاده أيضًا؟ ولماذا لا تستطيع الخطايا الفعلية الأخرى أن تنتقل أيضًا؟ [34] وبالتالي لا توجد خطية تنتقل بالتناسُّل ex traduce الضرر الوحيد الذي نقله أبونا الأول إلينا هو مثاله السيء، ولابد من تفسير آية بولس الرسول في رسالة رومية (رو5: 16) عن انتقال اللعنة من آدم بهذا المعنى. [35] حتى إنهم، على الرغم من ذلك، ينكرون تسمية الخطية الأصلية هكذا بشكلٍ لائقٍ، بل يقبل البيلاجيون بالحري التعليم عن السقوط، ولقد أقروا بأنَّ الموت والضعف والجهل والشهوة كانوا نتيجة زلة آدم. ولكن كان الاعتراف بهذا العيب والخلل وضعف طبيعتنا شيئًا لازمًا في نظرهم لخطية آدم، بل وينبغي القبول بخلق آدم في حالة أرقى من حالتنا الحالية، وهذا ما لا ينكرونه جميعًا، لقد خُلِقَ آدم مائتًا. [36] ويبرهن على ذلك نظام الزواج؛ حيث مُقدَّر ومُعَّد له منذ البدء أن يملأ الفراغات التي يُحدِثها الموت. ويثبت ذلك أيضًا حقيقة أنَّ الفداء لم يقض على الموت. إن كان الموت مبني على الخطية. [37] وبالتالي لا يشير تعبير ”البشر المائتون“ إلى الموت الجسديّ الماديّ، بل يُعلِن عن نهاية مأسي هذه الحياة، وتصبح هذه الكلمات رسالة تعزية. وإن كان التشديد والجدل حول زيادة آلام وأحزان آدم وحواء كما تبدو من (تك3: 17- 19) بمثابة عقوبة لهما على خطيتهما، فالعقوبة تقع عليهما شخصيًا، وليس على جنسهما. [38] ونفس الكلام يُقال عن الشهوة إنها كانت موجودة في أبوينا الأولين كما هي موجودة فينا؛ لأنهما أخطئا باشتهاء الشجرة المُحرَّمة. لقد خلق الله الشهوة الجنسية بالأخص في الجسد، ولقد كانت موجودة في يسوع؛ ولا يوجد أحد سوى المانويّ الذي يرى الشهوة شرًا وشهوةً للخطية. [39] ولكن بالرغم من ذلك، تظل المعضلة موجودة. إنه لو كان لا يوجد أي شيء فاسد فينا، وإن كنا مثل آدم عندما خُلِقَ بيدي الله، وإن كانت الإرادة الحرة كافية لتحفظنا من أي خطية، لماذا نسقط هكذا غالبًا؟ ولماذا الخطية منتشرة بهذه الصورة؟ التفسير الوحيد الذي أعطاه بيلاجيوس هو إننا من مرحلة الطفولة قد تورَّطنا في عادة الخطية، ولقد صارت العادة فينا طبيعةً ثانيةً. [40] علاوة على ذلك، لقد أقَّر بيلاجيوس بارتباط البشر بالشهوة الأرضية والموت. [41] ولم يبحث بيلاجيوس علة هذه النزعة الطاغية التي لا تُقهَر وراء الأفعال المستقلة والشاذة للإرادة الحرة. لقد رأى بيلاجيوس مُجرَّد أفراد مذنبين فقط، وليس جنس بشريّ خاطئ بأكمله.

   علاوة على أنَّ إنكار الخطية الأصلية قد أقتضى تغييرًا ضروريًا في الرأي حول معمودية الأطفال التي كانت تُمارَس بشكلٍ عامٍ. لماذا مازالنا مُصِّرين على إعطاء غفران الخطايا، بينما الأطفال بلا ذنب وبلا خطية؟ لم يُبقي البيلاجيون على ذلك. ولكنهم بالرغم من ذلك، لم يقترحوا إلغاء معمودية الأطفال؛ لقد كانوا يحرمون ويهرطقون أولئك الذين لا ينظرون إلى معمودية الأطفال على أنها ضرورية؛ [42] ولكنهم أضافوا إنه بينما تُعتبر المعمودية واحدة في حد ذاتها، ولكنها متعددة ومتنوعة النعم والبركات، وتُكيِّف وتوائم نفسها مع احتياجات مَنْ ينالونها. عند البعض من البيلاجيين، النعمة هي أحد طرق العلاج والتجديد، وعند البعض الآخر، إنها مُجرَّد تنقية وتطهير وتقديس ونمو في شبه المسيح، الذي يمتلكونه بالفعل. وهذا ما حدث في حالة معمودية الأطفال، لقد نال الأطفال الأثار والمفاعيل الإيجابية للمعمودية. وهذه النقطة الأخيرة بالخصوص كانت ضرورية وبالغة الأهمية. يُفرِّق البيلاجيون بين الحياة الأبدية وملكوت السماوات؛ حيث يعلِّمون بأنَّ المعمودية ضرورية للحصول على ملكوت السماوات فقط، وليس الحياة الأبدية. [43] ينبغي على الإنسان أنَّ يكون ابنًا لله من أجل وراثة الملكوت كما جاء في (يو3: 5)، وهذا يتم فقط من خلال المعمودية. ولذلك يمكن تبرير قبول هذا السر من أجل ذلك، حتى في حالة الأطفال المولودين حديثًا من أجل ميراث الملكوت. [44]

   ولكن بالرغم من ذلك، مازال الاعتراض قائمًا؛ إنه فيما عدا غفران الخطايا الفعلية، تصير بذلك كل نعمة شفائية بلا قيمة تمامًا؛ لأنَّ الطبيعة البشرية كانت سليمة وكاملة. ولكن هل كانت النعمة ضرورية للامتناع عن الشر وممارسة الخير؟ أقَّر بيلاجيوس بشكلٍ عامٍ أنَّ نعمة المسيح ضرورية من أجل ذلك. [45] بينما على العكس، أنكر كالستوس مثل هذه الضرورة. [46] وأقَّر مثله مثل يوليان بأنَّ البشر يحتاجون إلى النعمة على وجه الخصوص في الأعمال المعجزية الفائقة للطبيعة. [47]ولكننا بالرغم من ذلك، ينبغي علينا النظر بعمقٍ فيما وراء ظاهر الكلام، ونضع في أذهاننا، كل من الحيطة والتكتًّم الخاص بالمُبتدعين، وخضوع عقيدتهم للتطور بحسب ما تقتضيه متطلبات الحوار والجدل.

   أولاً، أعترف بيلاجيوس بضرورة هذه النعمة (أي نعمة المسيح)، وليس بشكلٍ جزئيّ، بل بشكلٍ بسيط جزئيًا. [48] إذًا، يقصد البيلاجيون بالنعمة أمور كثيرة، ولكنها ليست هي النعمة الداخلية المانعة، بل نعمة الإرادة كما ينبغي فهمها كذلك. خلقتنا هي نعمة، وما يميزنا عن الحيوانات هو امتلاك العقل والإرادة، وحرية الإرادة هي نعمة أيضًا، وعطايا العناية الإلهية اليومية هي نعم أيضًا، والناموس الموسويَّ كان نعمةً أيضًا وقوةً وحصانةً، وبالطبع التجسُّد الإلهيّ هو نعمة، لقد أعطيت لنا نعمة التجسُّد من أجل تحفيز محبة الله في داخلنا. [49] عندما أُتهِمَ بيلاجيوس بالإشارة إلى نعمة الإرادة الحرة نفسها، تراجع عن آرائه في مجمع ديوبوليس Diopolis. [50] ولكنه أعطى أيضًا نفس المُسمَى (أي نعمة) لكل من الناموس والإنجيل. تكفي حرية الإرادة لتحفظ الإنسان طويلاً جدًا في طريق الحق؛ ولاحقًا، بعدما صارت الطبيعة فاسدة بسبب نمط الفعل الفاسد والشرير، وبسبب الجهل. لقد أعطى الله الناموس بمثابة عون ومساعدة للضعف البشريّ؛ ولكنه صار بدوره غير مؤثر وغير فعَّال، وتم استبداله بالفداء. [51] طهَّرنا المخلص والفادي بدمه، ووُلِدَنا بواسطته إلى حياة أفضل، وترك لنا أيضًا تعليمه ومثاله بمثابة دوافع وحوافز لنا على الفضيلة. [52] تعتمد الإرادة والفعل علينا، وبهذين الشيئين لا نحتاج لأية مساعدة أيًا كانت على الإطلاق، ولا يُقصَد من الصلاة الحصول على المساعدة والمعونة لأجلنا، بل تحصل قدرتنا وقوتنا على المساعدة والمعونة من التعليم والناموس، وبالخصوص أكثر لا تزال نعمة نماذج وأمثلة يسوع ترشدنا. [53] خلاصة الأمر، اعترف البيلاجيون بنعم الإرشاد والتعليم الخارجية، والنموذج والمثال، وربما حتى بالنعم الداخلية للاستنارة؛ [54] ولكنهم لم يعترفوا بنعمة الإرادة الداخلية المانعة؛ حيث لا تنفذ الطاقة الإلهية وتخترق قلب طاقتنا عينه لنمو القلب وتغييره.

   علاوة على ذلك، علَّم البيلاجيون باستحقاق نعمة الاستنارة والمثال هذه، وإنها مستحقة بممارسة حرية الإرادة المنطلقة في ذاتها. [55] لقد نادى كالستوس إنه حتى التوبة هي استحقاق غفران الخطايا؛ [56] وهذا الرأي رغم ذلك كان رأيه الخاص. [57]

   مِن الواضح إنه في مثل هذا النسق اللاهوتيّ، لا يوجد مكان للتعليم عن سبق التعيين في مجمله؛ سواء للنعمة أو للمجد أي ”الاستحقاق المُسبَق“، بما أنَّ النعم الأولى مُستحَقة، ويتم تنفيذ أعمال الخلاص الأولى بواسطة قوى الطبيعة فقط. وبالتالي لم يعترف البيلاجيون بأي سبق تعيين كما يُدعَى بالضبط هكذا؛ لقد اعترفوا بالدينونة الأخيرة فقط النابعة من التصوُّر السابق للاستحقاقات أو عدم الاستحقاقات لكل إنسان؛ وتُحسَم وتُقرَّر كما لو كانت مصيره. [58] ولكن عندما سُئلوا عن تفسير لماذا يكون سبق تعيين الطفل الذي يموت فورًا بعد معموديته؟ لم يستطيعوا الإجابة على ذلك؛ لأنه في هذه الحالة بالأخص، لا يوجد تصوُّر مُسبق عن أية استحقاقات أو عدم استحقاقات. [59]

   أخيرًا، حتى لا ينقُصنا شيئًا، نلاحظ الصرامة الشديدة التي يُعلِّم بها، لا بيلاجيوس الذي اعترض دائمًا على تهمة نشره لمثل هذا التعليم، بل كالستوس كان هو مَنْ قال إنه حتى لو أعطى وتبرع المسيحيون الأغنياء بكل ثرواتهم، لن ينالوا أي استحقاق من الخير الذي يبدو لهم أنهم يفعلونه، ولن يستطيعوا دخول ملكوت السماوات. [60] تتفق هذه المغالاة والمبالغة الشديدة تمامًا مع الصفة المتزمتة والصارمة للمبادئ الأخلاقية التي علَّم بها البيلاجيون.

   هذه هي الملامح الأساسية للتعليم الذي حاول وسعى الراهب البريطانيّ ورفيقيه لنشره أثناء الربع الأول من القرن الخامس الميلاديّ. ولقد تم صياغته في ست مقترحات منسوبة إلى كالستوس التي أكَّد عليها ق. أوغسطينوس، وأثبتها عليه بعض المؤمنين في جزيرة صقلية، وهم كالتالي:

  1. بأنَّ آدم خُلِقَ بطبيعة فاسدة. ولذلك فإنَّ الموت كان سيحدث حتى بدون السقوط في الخطية الأصلية. ولكن بحسب الرؤية الأرثوذكسية، آدم لم يكن يحمل طبيعة غير مائتة، لأنَّ الله وحده الذي له طبيعة خالدة غير مائتة. لقد خُلِقَ آدم ليسلك في مسيرة نحو الخلود. الخطية الأصلية هي فشل في الاستمرار في هذه المسيرة، ولهذا بقا في حالة الفساد، خارج حالة السعادة التي للحياة الأبدية.
  2. وبأنَّ خطية آدم لم تؤثر مُطلقًا على نسله، فهي خطية شخصية خالصة.
  3. وبأنَّ الأطفال يُوجدون في حالة براءة، مثل الحالة التي كان يوجد فيها آدم قبل السقوط.
  4. وإنَّ موت آدم لم ينسحب على الإنسانية، ولا قيامة المسيح معناها أنَّ البشر سيقومون.
  5. إنَّ الناموس يدعو إلى ملكوت الله، وهو في ذلك يماثل الإنجيل الذي يدعو لملكوت الله.
  6. القول بأنَّ قبل مجيء المسيح في الجسد، كان هناك أُناس أبرار بلا خطية. [61]

نحتاج بضعة كلمات لعرض النزعة الطبيعية لهذا النسق اللاهوتيّ. تبدو روح المذهب العقلانيّ واضحة تمامًا بالأخص في أعمال وكتابات يوليان الذي يساوي ولعه الشديد بالفلسفة ازدرائه بالتقليد، وبمشاعر وعاطفة المؤمنين المشتركة التي تمثل الفيصل والمعيار الذي ينبغي أن يحكم المرء به على حقيقة تعليم الكتاب المقدس بالإضافة إلى تعليم الآباء. [62] ومن ناحية أخرى، إنكار الخطية الأصلية بادعاء أنه لا يوجد أي شيء فاسد في طبيعتنا، وأنَّ الحرية عبارة عن زوج من المعايير يكون بريقهما أفقيّ بالكامل. تُقدِّم البيلاجية معرفة سطحية وضئيلة جدًا عن النفس البشرية، وفشلت تمامًا وبوضوح في تبرير شذوذ الخطية في العالم. علاوة على ذلك، فور إنكار السقوط، لا يمكن فهم وإدراك الفداء. لأنه في نسق بيلاجيوس اللاهوتيّ، يحتاج الأشخاص حقًا إلى الفداء، ولكن عدم سقوط الطبيعة البشرية في أبوينا الأولين، لا يحتاج ذلك الفداء. ويصير اتحاد الكلمة بذاته مع تلك الطبيعة لاستعادتها وتجديدها فيه باطلاً، وبالنسبة للارتباط به للقداسة وعدم الموت (الخلود)؛ لن يصير يسوع فيما بعد آدم الثاني للبشرية الذي أصلح ما قد هلك. ربما ينال الطفل في المعمودية تجديد فائق بحسب البيلاجيين، ولكنه لا يمكن الحديث عن تجديد الطفل وإعادة ولادته من الموت إلى الحياة؛ وهكذا كانت اللغة المسيحية باطلة. وبالتالي لن تكون نعمة المسيح أيضًا مبدأ أساسيّ وحيويّ لهذه الحياة الجديدة. في النسق اللاهوتيّ البيلاجيّ، تعمل النعمة في المسيحيّ من الخارج، ولا تحييه وتقويه من الداخل. ويظل المسيح حقًا السيد لكل أولئك الذين ينبغي أن ينصتوا له، والنموذج والمثال لكل مَن ينبغي أن يكونوا مثله. ولكنه لن يعود فيما بعد القوة التي ترتقي بالنفس فوق ذاتها، ولن يكون اللهب الذي يغذي محبتها. وستصير الحياة في المسيح بلا معنى تمامًا وكاملةً بحسب القديس بولس الرسول.

   والأدهى من ذلك، إنه في إيضاح اكتفاء الإنسان من ذاته على فعل الخير، وتمثيله بإنه مُحرَّر من قِبل الله بحرية إرادته. تُقوِّض البيلاجية فكرة الدِّين نفسه الكامنة بشكلٍ خاصٍ في حاجة الإنسان الدائمة للمعونة الإلهية. لأنَّ الخلاص هو من خلال النعمة والرحمة الإلهية، وبالتالي سيتم استبداله بمنهج أخلاقيّ عام ومبتذل. لابد على الإنسان بالطبع تمييز وطاعة الناموس وإيفائه حقه، ولكن ينبغي أن يرى الله أو لا يرى ببساطة تنفيذ الحق وإتباع الناموس، حيث هناك أمر بسيط بين الدائن والمدين من الأصول والمسئوليات. فلا يوجد مكان لمثل هذا المفهوم في محبة ورأفة وصلاح الخالق، أو بركات الفداء للبشرية بالثقة والخضوع الذاتيّ للنفس من أجل الصلاة. إنها النهاية لكل دِّين حقيقيّ. لقد رأت الكنيسة الخطر، لذلك تصدت له ودافعت حالاً ضده للقضاء عليه تمامًا.[63]

الهرطقة البيلاجية ومجمع أفسس المسكوني الثالث 431م:

   لقد كان الهدف من انعقاد المجمع المسكوني الثالث في أفسس، هو النظر في أمر الهرطقة النسطورية التي هدَّدت سلام الكنيسة ووحدتها، إلا أنَّ المجمع لم يُدن فقط الهرطقة النسطورية، لكنه أدان أيضًا الهرطقة البيلاجية. وهي من الهرطقات الخطيرة التي كما سبق وشرحنا أتت من الغرب، وكان اهتمامها مُنصبًا على الجانب الأنثروبولوجيّ في موضوع الخلاص. في البداية ينبغي الإشارة إلى آمرين أساسين:

  1. الأمر الأول هو إنه من بين الثلاثة والأربعين أسقفًا الذين أتوا إلى المجمع تحت رئاسة يوحنا الأنطاكيّ، والذين عقدوا مجمعًا موازيًا للمجمع المسكونيّ الثالث، بسبب موقفهم المضاد من المجمع، كان بعضًا منهم من أتباع بيلاجيوس وكالستوس.
  2. الأمر الثاني هو أنَّ النموذج الأمثل لديهم، يتمثل في تلك الروح القانونية السائدة في كنائس أفريقيا وروما.

لقد أُدِينَت التعاليم البيلاجية في مجمعين مكانين بمدينة قرطاجنة سنتي 411م و418م. حيث أدان المجمع الأول 411م التعاليم البيلاجية التي سبق عرضها، وأدان المجمع الثاني نفس التعاليم السالف ذكرها مع إصدار ثمانية قوانين ضد البيلاجية. أنتهى المجمع المسكونيّ الثالث إلى أنَّ البيلاجية هي من الهرطقات الخطيرة، والتي لها علاقة أساسية بالنسطورية، وهكذا أُدِينَت النسطورية والبيلاجية معًا. لقد أُدِينَت البيلاجية بحسب الرؤية الأرثوذكسية، لأنها تجاهلت شركة المخلوق مع الخالق. أعقب ذلك إرسال المجمع المسكونيّ رسالة إلى كلستينوس أسقف روما، لكي يبلغوه بقرار الإدانة ضد التعاليم البيلاجية، وأشاروا إلى أنَّ القانونين الأول والرابع للمجمع يحتويان على إدانة مُوجَّهة إلى كالستوس، الذي يُعد نصير قوي للهرطقة البيلاجية.

   كانت إدانة البيلاجية والحكم عليها من مجمع مسكونيّ، تعني أنَّ هذه الهرطقة اكتسبت قوة كبيرة وخطيرة. كذلك فالربط بين النسطورية والبيلاجية، يُظهِر كيف أعتبر الآباء المجتمعون في مجمع أفسس 431م أنَّ البيلاجية تقضي بالأساس على عقيدة الخريستولوجيّ والنتائج المترتبة عليها. لأنها ترفض الجانب الشفائيّ لعمل المسيح الخلاصيّ. حيث ترى الرؤية الأرثوذكسية أنَّ السبب في تمتُّع الإنسان بالمجد، ونواله الشفاء، راجع إلى عمل المسيح الخلاصيَّ. بينما السائد في التعليم اللاهوتيّ الغربيّ أنَّ وضع الإنسان هو وضع قانونيّ، ويرى أنه يجب أن تتوفر الطرق والوسائل التي تُعِيد الانسجام، وتضبط تلك العلاقة القانونية بين الإنسان والله. ظهر هذا الاتجاه القانونيَّ في العلاقة بين الله والإنسان منذ القرن الثاني في كنيسة أفريقيا من خلال ظهور نظام قانونيّ صارم يُحدِّد ملامح طبيعة هذه العلاقة. هكذا صارت كنيسة أفريقيا هي النموذج الواضح للكنيسة القانونية التي يحكمها هذا القانون الصارم. ولقد تشكَّلت الأفكار اللاهوتية لهذه الكنائس من خلال تبنيها لهذه النماذج القانونية. فالتوبة كما حدَّدها العلامة ترتليانوس في كتابه ”التوبة“ تعني قيمة مدفوعة من أجل خلاص الإنسان، وعلى هذا الأساس فإنَّ المكافأة والعقاب يتوقفان على إرادة الإنسان نحو التقدم في مسيرة الكمال الأخلاقيّ. بينما التوبة في مفهومها اللاهوتيّ الصحيح هي عمل مستمر ومتكرر من أجل تصحيح المسيرة الإيمانية للإنسان المسيحيَّ. هذه الروح القانونية وجدت لها صدى في روما، رغم وجود كثير من الاختلافات بين الكنيستين. لقد تبنت كنيسة أفريقيا فكرة التعيين المُسبق، وبحسب رؤيتها فإنَّ المختارين هم فقط أولاد الله، فعندما يظهر أنَّ بعض أعضاء الكنيسة في الواقع يعيشون بشكلٍ غير لائق، فهذا يعني أنهم غير مستحقين، وغير مُعيَّنين للانضمام للكنيسة. يتحدَّد هذا التعيين المُسبق على أساس قانونيَّ، وليس من خلال المعايير الخلاصية.

   وفي هذه الحالة، فإنَّ تعاليم بيلاجيوس عن الخلاص، تُمثِل اتجاهًا خاصًا يتعلق بأساسيات أو شروط التعيين المُسبق. وهذا الاتجاه التعليميّ لبيلاجيوس يتم داخل إطار نفس المناخ القانونيّ المشار إليها سابقًا. لأنَّ مطلب بيلاجيوس نحو مسئولية الإنسان تجاه القانون الإلهيّ يتطلب العمل في إطار يلتزم فيه كل عضو بوصايا وأوامر هذا القانون، ولذلك تتطلب العدالة مكافأة البار ومعاقبة الظالم. ومع هذا فإنَّ هذا المطلب يتطلب حرية كاملة للإنسان كي يُحقِّق مطالب هذه العدالة. وبناءً على ذلك، تتحدَّد العلاقة القانونية التي تربطه بالله. هذا معناه تأثُّر بيلاجيوس بالفكر الفلسفيّ (الرواقيّ) بشأن حرية الإنسان ومسئوليته الأخلاقية، الذي يرى أنَّ التقدم في الحياة الأخلاقية يعتمد أساسًا على الإرادة الإنسانية. [64]

   سنتتبع الآن نتائج سقوط الإنسان عند كل أب من آباء الكنيسة في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، لنرى أهم ملامح فكر كل أب من هؤلاء الآباء حول نتائج سقوط الإنسان.

 

 

نتائج سقوط الإنسان عند آباء القرنين الرابع والخامس الميلاديين

القديس أثناسيوس الرسولي:

   سنفحص معًا نتائج سقوط الإنسان عند القديس أثناسيوس الرسولي من خلال كتاباته، وينبغي الإشارة إلى أنَّ ق. أثناسيوس أحد أهم آباء ومُعلِّمي الكنيسة الجامعة عامةً وكنيسة الإسكندرية خاصةً، ويُعتبر ق. أثناسيوس هو معيار الأرثوذكسية والإيمان المسيحيّ القويم.

   يتحدث ق. أثناسيوس عن نتائج سقوط الإنسان موضِّحًا فقدان النعمة الإضافية التي أعطاها الله للإنسان وسماها ”ظل اللوغوس“ أو الشركة في قوة اللوغوس، وتحدث عن فقدان الإنسان للسعادة والحياة الحقيقين، وفقدانه لحياة القديسين في الفردوس. [65] كما فقد الإنسان الحياة الفردوسية بدون حزن أو ألم أو هم، وفقد الخلود في السماء، وجلب الموت الطبيعيّ على نفسه، والموت خارج الفردوس، والبقاء الأبديَّ في الفساد والموت. [66]

   كما كان مِن أثار السقوط أيضًا على الإنسان احتقار التفكير في الله ورفضه، وابتداع التفكير في الشر، تقوده أفكاره إلى الفساد وسيادة الموت عليه، كما أعاده تعدي الوصية إلى حالته الطبيعية العدمية، حتى إنه كما خُلِقَ من العدم، يلحقه الفناء هكذا أيضًا بمرور الزمن. [67]

   الرجوع إلى الحالة الطبيعية أي حالة عدم الوجود والعدم بعد فقدان كل معرفة الله؛ لأنَّ كل ما هو شر فهو عدم، وكل ما خير هو موجود، وحرمان الإنسان من الوجود الأبديَّ الذي حصل عليه من الله الكائن، وهذا معناه انحلاله وبقائه في الموت والفساد (الفناء). [68] فقد الإنسان مقاومة قوة الفناء الطبيعيّ، والبقاء في عدم الفناء بفقدان معرفة الله، وفقد وجوده في حالة عدم الفساد، حيث كان ممكنًا أن يعيش منذ ذلك الحين كالله؛ أي فقد حالة التألُّه بالنعمة (مز82: 6، 7). [69]

   تحويل البشر وجوهم عن الأمور الأبدية وبمشورة إبليس تحوّلوا إلى أعمال الفساد الطبيعيّ، وتحولوا هم أنفسهم العلة فيما يحدث لهم من فساد الموت، كما فقدوا نعمة الاشتراك في الكلمة للإفلات من الفساد الطبيعيّ، لو بقوا صالحين، كما فقدوا سكنى الكلمة فيهم، فصاروا إلى فسادهم الطبيعيّ. صارت سيادة الفساد على البشر جميعًا أقوى من سيادته الطبيعية نتيجة العصيان والمخالفة. عدم الوقوف عند حد معين في الخطايا، بل التمادي في الشر تجاوز كل الحدود، بل والأدهى من ذلك هو اختراع الشر حتى جلبوا على أنفسهم الموت والفساد. التوغل في الظلم والمخالفة، وعدم التوقف عند شر واحد، بل يقودهم كل شر إلى شرٍ جديدٍ حتى النهم في فعل الشر. انتشار الزنا والسرقة والنهب والقتل في كل الأرض، ممارسة الشرور بكل أنواعها أفرادًا وجماعات، ونشوب الحروب، وتمزُّق المسكونة كلها بالثورات والحروب، والتنافُّس في أعمال الشر، عدم البعد عن الخطايا التي ضد الطبيعة. [70]

   سيادة الموت سيادة شرعية (قانونية) على البشر بسبب التعدي والتهرب من حكم الناموس الذي وضعه الله، تنفيذ حكم الموت على الإنسان بالتعدي لئلا يكون الله كاذبًا فتبطل كلمة الله، وسيكون الله كاذبًا، لو لم يمت الإنسان بعد قول الله إنه سيموت. [71]

   هلاك الخليقة ورجوعها إلى العدم بالفساد، بعدما خُلِقَت عاقلة، وكان لها شركة في اللوغوس، وفناء الخليقة هكذا بسبب غواية البشر هو ضد صلاح الله، كما حدث تلاشي صنعة الله بيد البشر بسبب إهمالهم أو غواية الشياطين، وانتزاع نعمة مشابهة ومماثلة صورة الله. [72]

   كما حدث عجز كبير في قدرة المخلوقات على إدراك ومعرفة خالقها، وانحصار المعرفة في معرفة الأرضيات ومشابهة المخلوقات غير العاقلة في ذلك. [73] لقد صار البشر كالحيوانات غير العاقلة، وسادت غواية الشيطان في كل مكان حتى احتجاب معرفة الإله الحقيقيّ. [74] ضلال واضطراب نفوس البشر بسبب غواية الأرواح الشريرة، وأباطيل الأوثان. [75] ترك البشر التأمل في الله، وانحطاط نظرة البشر إلى أسفل، وغوصهم في الأعماق باحثين عن معرفة الله في عالم المحسوسات، صانعين لأنفسهم آلهةً من البشر المائتين (عبادة الأسلاف) ومن الشياطين (الوثنية). [76] نجد أن ق. أثناسيوس يستخدم مصطلح ”المعصية الأولى“ للإشارة إلى تعدي وعصيان الوصية الذي أدخل الموت والفساد على الطبيعة البشرية كما ذكرنا سلفًا، وليس بالمفهوم الأوغسطينيّ الذي سنشرحه بعد ذلك بالتفصيل. [77]

   يشرح ق. أثناسيوس ماهية الشر والخطية بالتأكيد على عدم وجود الشر منذ البدء، ويستدل بوجود القديسين في عصره، لأنَّ الشر بالنسبة للقديسين غير موجود، الشر هو اختراع بشريّ حسب تصوُّرات البشر حاسبين غير الموجود كأنه موجود، وبالتالي يؤكد ق. أثناسيوس على عدمية الشر والخطية، فكيف يمكننا أن نرث شيء عدميّ ليس له وجود. [78] ثم يؤكد على المعرفة الحقيقية في مقابل معرفة الشر وهي حينما لا يفكر الذهن البشريَّ فيما هو جسديّ، ولا تؤثر عليه الشهوات الآتية من خارجه، بل يكون ساميًا بالتمام فوق كل هذا، مكتفيًا بقدرته الذاتية كما خُلِقَ في البدء، فيتجاوز كل المحسوسات والبشريات ويرتفع عاليًا فوق كل العالم الماديّ، ويرى اللوغوس ويرى فيه الآب أبو الكلمة، فيمتلئ ببهجة التأمل فيه، ويتجدَّد بانجذابه نحوه. [79]

   يعود ق. أثناسيوس لعرض نتائج السقوط من الناحية السيكولوجية في الإنسان، حيث يؤكِّد على سيطرة أحاسيس الجسد على النفس كالخوف والملذات والأفكار المميتة، مثل: خوف النفس عن التخلي عن الشهوات، وخشيتها من الموت والانفصال عن الجسد، وصارت عندما تشتهي ولا تستطيع إتمام شهواتها تمارس القتل والظلم. [80] يستكمل ق. أثناسيوس أثار السقوط السيكولوجية في الإنسان بسوء استعمال النفس لحقها في حرية الاختيار مما أدى إلى انحدار النفس تدريجيًا من الحق إلى الباطل، وإلى عشق النفس للملذات والتمتع بها بطرقٍ كثيرةٍ، وابتعادها عن الخير والفضيلة ورؤية الله للتفكير في أمور لا وجود لها؛ مُحوِّلةً قوة حرية الإرادة التي تملكها في داخلها لتسيء استخدامها في شهوات تخترعها. [81]

   يعاود ق. أثناسيوس لتوضيح ماهية الشر والخطية بقوله أنَّ ما له كينونة هو الخير، وما لا كينونة له فهو الشر، ويعلّل بأنَّ ما له كينونة فهو الخير، لأنه يجد له نموذجًا في الله الكائن، وما لا كينونة فهو الشر، لأنه غير موجود في الواقع، بل تم اختراعه بالخيالات داخل أفكار البشر، فكيف بناءً على ذلك، يمكن توارث ما لا كينونة له بين البشر، بل ماهية الخطية هي انحراف النفس، وابتعادها عن التأمل في الخير، والتحرك في محيط الخير، فبدأت في الانحراف والتحرك تجاه ما هو عكس الخير، [82] وهنا يؤكد ق. أثناسيوس على أن الخطية فعل إراديّ يستلزم وجود الإرادة الذاتية في النفس لتحريك النفس وانحرافها نحو الشر العدميَّ.

   يعلن ق. أثناسيوس ضلال بعض اليونانيين (يقصد الغنوسيين والمانويين والأبيقوريين والأفلاطونيين) عن طريق معرفة المسيح وأوضَّحوا أن للشر كيان ووجود مستقل، ويوضح خطورة ذلك أنهم بالتالي ينكرون على الخالق خلق كل شيء، أو لو كان خالق كل شيء فسيكون خالقًا للشر، لأنَّ الشر كائن ضمن الموجودات بحسب اعتقادهم وبالتالي يمكن توارثه. يدحض ق. أثناسيوس تعليم أتباع ماركيون وباسيليدس وفالنتينوس الغنوسيين مؤكدًا على أنَّ الشر لا يمكن أن يأتي من الخير، ولا يوجد داخله ولا من خلاله، وإلا ما كان الخير خيرًا لو كانت طبيعته مختلطة بالشر، أو كان سببًا لوجود الشر. [83] كما يؤكد أيضًا بأنهم اخترعوا مثل هذه التصورات؛ لأنهم يعتقدون أنَّ مصدر الخطية هو الجسد، وليس الانحراف الذي أصاب الإرادة. [84] ويدحض أيضًا فكرة أنَّ الخطية جزءًا من تركيب أو تكوين الطبيعة البشرية، لأنَّ هذا هو نفس تجديف المانويين. [85] فالشر لم يكن من عند الله أو في الله، ولا حتى كان منذ البدء، كما أنَّ لا كيان له، لكن البشر وبسبب قصورهم عن تصوُّر معنى الخير، بدأوا يتوهمون ويخترعون لأنفسهم وبحسب رغباتهم ما لم يكن له وجود، فكرة الشر وتدبيره هو من عمل البشر منذ البداية. [86] وإن كانت الخطية ليست جزءًا من تكوين الطبيعة البشرية؛ فكيف يمكن توارثها بالتزاوج والتناسل بين البشر؟

   يُعلِّق البروفيسور جون كيلي J. Kelly على تعاليم ق. أثناسيوس الخاصة بسقوط الإنسان وتشوه صورة الله في الإنسان، بأنَّ الصورة لم تختف وتضمحل أكثر منها فقدانًا للرؤية، مثل صورة مُغطاة بالتراب (تجسد الكلمة: 14). ولكن أحد نتائج معصية آدم هي أنَّ الخطية سارت إلى جميع البشر (ضد الآريوسيين 1: 51)، وهذا يتضمن هزيمة الطبيعة البشرية التي سبَّبها آدم. ولكن لم يُشِر أثناسيوس أبدًا إلى أننا قد شاركنا في ذنب آدم أي ذنبه الأخلاقيّ، ولكنه لا يستبعد إمكانية أن يعيش البشر أبرارًا. ففي فقرة ما، على سبيل المثال، ينادي بأنَّ إرميا ويوحنا المعمدان قد فعلوا ذلك بالفعل. [87]

   يستطرد البروفيسور جون كيلي Kelly مُتحدثًا عن تأثير أفكار ق. أثناسيوس عن كمال وغبطة الإنسان في حالته الأولى بشكلٍ كبير وبعيد على كنيسة الشرق في القرن الرابع الميلاديّ. ويسرد أفكاره عن تشوُّه صورة الله، ويقول إنه بالجدال كذلك يحاول هؤلاء المُفكِّرون (أي الآباء اليونانيين) دحض المانوية بنفي توجيه مسئولية الشر إلى الله. ويتساءل جون كيلي J. Kelly ولكن هل شهدوا (أي الآباء اليونانيين) بإنه إلى جانب نتائج ما بعد السقوط المأساوية، هل نقل آدم إثمه الفعليّ أي ذنبه إلى ذريته؟ الإجابة المُعطاة عادةً هي بالنفي. ويستكمل يبدو أنَّ هناك أكثر من دليل للوهلة الأولى يدعم ذلك. الآباء اليونانيون في إصرارهم على بقاء حرية الإرادة الإنسانية كما هي سليمة، وإنها هي جذر وأصل الذنب الفعليّ الإراديّ (باسيليوس، عظة 8: 3: 8؛ ويوحنا ذهبي الفم، عظة لشعب أنطاكية 2: 2؛ وعظته على سفر التكوين16: 5؛ وراجع 17: 2)، كانت لديهم نظرة متفائلة أكثر من الغرب. إنه لمِن السهل جمع الفقرات من كتاباتهم وأعمالهم التي على كل حال وفي ضوء الأرثوذكسية اللاحقة، يبدو أنها تنفي أي تعليم عن وراثة الخطية الأصلية. لقد علَّم كل من ق. غريغوريوس النزينزيّ وق. غريغوريوس النيسيَّ، على سبيل المثال، بالإضافة إلى ق. يوحنا ذهبي الفم بأنَّ الطفل المولود حديثًا هو بلا خطيئة. ويُفسِّرون في الأخير، بالإضافة إلى ذلك، قول بولس الرسول (رو5: 19) بأنَّ الكثيرين قد صاروا خطاةً بمعصية الإنسان الواحد، بمعنى أنهم صاروا خاضعين للعقوبة والموت (ق. غريغوريوس النزينزي، عظة40: 23؛ ق. غريغوريوس النيسي، الموت المبكر للأطفال، PG 46, 177- 180؛ ق. يوحنا ذهبي الفم، عظة 28: 3 على إنجيل متى؛ وعظة 10: 2 على رسالة رومية). [88] يستطرد البروفيسور جون كيلي J. Kelly بأنَّ الرأي التقليديَّ المألوف والمعتاد، يبدو مع ذلك ظالمًا للآباء اليونانيين، ربما لأنه مبني على افتراض إنه لا يُعرِّض نظرية الخطية الأصلية للنقد إلا التعليم اللاتينيّ الكارثيّ للغاية. يلزمنا التخلص من الإجحاف والحكم المُسبق والانحياز. يوجد بصعوبة شديدة وعلى نحو لا يمكن إنكاره أية إشارة أو تلميح عند الآباء اليونانيين بأنَّ الجنس البشريّ ككل اشترك في خطية أو ذنب آدم أي ذنبه الأخلاقيّ. ويُفسِّر ذلك جزئيًا معارضتهم ومقاومتهم للحديث عن توريثه (أي آدم) الخطية لنا، ويجعل بالطبع سلوكهم المُتساهل والمُتسامح مع موت الأطفال بدون معمودية مفهومًا. ولكن يوجد لديهم على أقصى احتمال شعور حيال الاتحاد السريّ والوحدة السرية بين الجنس البشريّ وجده الأول. وهذا هو التعليم القديم عن انجماع الكل، والذي بسببه، قد افترضوا بما لا يدعو مجالاً للشك أنَّ سقوطنا كان في سقوط آدم. وغايتهم هي إظهار الخطية الأصلية إنها بمثابة جرح أصاب طبيعتنا. وإن وضعنا هذه النقاط في أذهاننا، وأيضًا حقيقة أنَّ تعاملهم مع الموضوع كان غالبًا عرضيّ وطارئ دائمًا، نستطيع بذلك ربما أنَّ نتفهم ونتعرف على موقفهم. أولاً، لقد قالوا بإنه ينبغي الاعتراف بأنَّ جميع البشر قد تورَّطوا في فعل آدم للعصيان. لأنَّ باسيليوس، على سبيل المثال، قال بأنَّ الغاية من شجرة المعرفة في الجنة كانت ”اختبار طاعتنا“ (عظة9: 9)، وتصوَّر ق. غريغوريوس النزينزيّ الجنس البشريّ كله كمُشارِك في خطية وسقوط آدم (عظة33: 9)، ونادى بوضوح إنه الضعف الذي أظهره الإنسان الأول في الجنة هو بمثابة ضعفه الخاص (عظة45: 8)، وق. غريغوريوس النيسيّ بعد قوله بأننا قد لبسنا الجلود ”كما عاش آدم فينا“، يضيف إنه ينبغي على البشر أن يطلبوا الغفران يوميًا، لأنهم مُشارِكون في سقوط آدم(De Or. Dom. Or. 5 PG.44, 1148). ثانيًا، بجانب اعتقادهم عن حرية الإرادة، لقد شهدوا بوضوح أنَّ السقوط أثَّر على طبيعتنا الأخلاقية. تشمل قوائمهم عن الشرور الناجمة عن السقوط الاضطرابات المنسوبة إلى إطلاق العنان للشهوة والطمع (E.g. Gregory of Nazianzen or. 14, 25; 19, 13 f). كما يُرجِع ق. غريغوريوس النزينزيّ ضعفه الموروث في الإرادة إلى السقوط (Carm., 2,1, 45, vv. 95- 107). ويقول ق. غريغوريوس النيسيّ أنَّ الطبيعة البشرية ضعيفة في عمل الصلاح، وصار الجميع عاجزين مرةً بالضعف(De Or. Dom. Or. 4 PG 44, 1164) . ويجيب ق. يوحنا ذهبي الفم بأنَّ الموت فُرِضَ كعقوبة على الجنس البشريّ الوارث للشهوة. ثالثًا، لا توجد مع ذلك أية فقرات ناقصة تُشِير إلى أنَّ آباء مُعينِّين قد تصوَّروا انتقال الخطية نفسها. ثم يستخلص البروفيسور كيلي Kelly إنه بالرغم من الفشل في تلبية احتياجات العقيدة الأوغسطينية ودعمها، لقد كان هناك نظرة لنظرية حقيقية عن الخطية الأصلية. ربما قد أشبع الآباء هذه النظرية جيدًا مُعطين إياها تعريف حاد الذي خضع للفحص الدقيق في أيامهم. النقطة التي اتفقوا عليها جميعًا هي بقاء حرية الإرادة الإنسانية، وأننا مسئولون عن أفعالنا، وهذا كان ضروريًا وحيويًا في دعاوهم ضد المانوية. [89]

   يتساءل أيضًا البروفيسور جون تكسرون J. Tixeront هل يذهب الآباء اليونانيون إلى أبعد من ذلك، ويعتقدون بأنَّ آدم لم ينقل إلينا فقط المآسي التي هي عقوبة خطيته، بل نقل أيضًا خطيته نفسها؟ هل يؤمنون أننا ذريته لم نُولَد حزانى وتعساء فقط، بل ومُذنِبين أيضًا؟ بكلمة واحدة، هل يقرون ويعترفون بالخطية الأصلية كما تُدعَى كذلك بدقةٍ؟ يعرف الجميع كيف أنهم بعد ذلك، حينما واجه يوليان أسقف إكلانوم ق. أوغسطينوس بسكوتهم وصمتهم، بل وحتى تعليمهم المعارض والمضاد لهذا لسؤال، وكيف حاول ق. أوغسطينوس بدوره إثبات أنهم يشهدون لصالحه. في الحقيقة لم يكن كلاهما على حق. ويستخلص البروفيسور تكسرون Tixeront إنه بينما حقيقة أنَّ اعتقاد جميع الكُتَّاب اليونانيين في القرن الرابع الميلاديّ عن سقوط الجنس البشريّ كنتيجة زلة آدم غير قابل للتساؤل، ينبغي الاعتراف بأنَّ فكرتهم عن هذا السقوط تأتي قطعًا بشكلٍ مُوجزٍ عن فكرته المُعتادة والمُحبذة في ذلك الوقت في الغرب. وإنها أقل كمالاً وتحديدًا. ثم يُصرِّح البروفيسور تكسرون Tixeront إنه بالرغم من ذلك، تختلف تعاليم كل من ق. غريغوريوس النزينزيّ وق. يوحنا ذهبيّ الفم تمامًا وبشكلٍ واضح عن النتائج التي تبناها ق. أوغسطينوس. [90]

القديس كيرلس الأورشليمي:

   يتحدث ق. كيرلس عن نتائج سقوط الإنسان في سياق عظاته للموعوظين عن ضرورة المعمودية لهم، فيُوضِّح أنه بعد السقوط صار الإنسان عبدًا للخطية، [91] ويرى أنَّ عصيان الإنسان هو مرض النفس الوبيل، وأنَّ الشر هو نتاج إرادة الإنسان، وأنَّ الخطية شر مرعب للغاية، لأنَّ الخطية مرض، والخطية هي حرق طاقات النفس، وتكسير عظام الذهن الروحية، وظلمة نور القلب. [92]

   يؤكد ق. كيرلس أنَّ ماهية الخطية هي بُرعُم يبزغ في داخل نفس الإنسان، وأنَّ الشيطان هو صانع الشر والمصدر الأول للخطية وأب الأشرار، ولم يخطئ أحد من قبله، ولكنه لم يخطئ عن إلزام، كأنَّ فيه نزوع طبيعيّ، وإلا ارتدت علة الخطيئة إلى خالقه أيضًا، إنما خُلِقَ صالحًا، وبإرادته الحرة صار إبليس، مُتقبلاً هذا الاسم من عمله. [93] وهنا يتفق ق. كيرلس مع ق. أثناسيوس أنَّ الشر والخطية فعل إراديّ يستلزم الإرادة الذاتية في الكائنات العاقلة سواء ملائكةً أو بشرًا لفعله، ولو كان هناك أي نزوع طبيعيّ نحو الشر والخطية في الكائنات العاقلة سواء ملائكةً أو بشرًا، فسوف ترتد علة الخطية والشر إلى الله خالقهم حاشا!

   يؤكد ق. كيرلس على غواية إبليس لأبوينا بالعصيان كسبب أدى إلى سقوط الإنسان، كما يُصرِّح أنَّ الخطية مرض مزمن، وأنَّ الله لم يفرض الموت على الإنسان فورًا، بل طرده من الفردوس في محبته العظيمة له، وأنَّ الخطية مرض يحتاج إلى الشفاء. [94] ويشدد ق. كيرلس أيضًا على أنَّ الخطية هي فعل النفس الإراديّ: ”فأنت لا تخطئ حسب تاريخ ميلادك“، ويدحض ق. كيرلس التعاليم الأفلاطونية والأفلاطونية المحدثة وغيرها من التعاليم الغنوسية والمانوية، والتي للأسف اندست بين التعاليم الأوريجانية بوجود النفس السابق قبل سجنها في الجسد كعقوبة لما اقترفته من خطايا في حياتها السابقة؛ موضِّحًا أنَّ النفس لم ترتكب خطيئة قبل مجيئها، بل جاءت النفس بلا خطيئة، وإنما أخطأنا بإرادتنا الحرة، وبذلك يقطع الشك حول توارث الشرور في النفوس من حياة سابقة لها، ويدحض التعليم بالقدرية والجبرية وسبق التعيين لنفوس الأبرار والأشرار في هذه الحياة لوجودها السابق في حياة سابقة قبل التصاقها بالجسد، كما أنه يؤكد على عدم وجود أنواع معينة من النفوس، نوع يخطئ بالطبيعة، وآخر يمارس البر بالطبيعة، بل كلها تعمل بحريتها.

   كما يؤكد ق. كيرلس على عرض واقتراح إبليس للخطية على النفس، ولكنه لا يلزمها بشيء ضد إرادتها، ويواجه التعاليم المانوية مؤكدًا على عدم خطأ الجسد: ”أي خطأ يجدونه في هذا الجسد العجيب؟! ماذا ينقصه في كماله؟! أما يحمل تكوينه مهارة كاملة؟!“. فالجسد ليس علة الخطية، الجسد مُجرَّد آلة، والنفس هي محرِّك الجسد وراء القداسة أو الخطية. [95]

   يكرر ق. كيرلس أيضًا أنَّ الشر هو شر إراديّ، [96] وأنَّ الشيطان أبًا للأشرار وفق إرادتهم الحرة، وأنَّ الاختيار بين فعل الخير أو الشر نابع من حرية إرادتنا، وليس عن سبق التعيين سواء لفعل الخير أو الشر، الفضيلة أو الرذيلة، فنحن ندخل في بنوة مقدسة لله ليس عن إلزام، بل عن اختيار. [97] يشير ق. كيرلس إلى سماح الله للشياطين بالعيش لتخزي نفسها بنفسها، ولكي يتكلَّل البشر بالنصرة عليهم، واستخدام الله نية الشرير كأساس لخلاص المؤمنين. [98]

   يواجه ق. كيرلس التعاليم الغنوسية والمانوية التي تنادي بلعنة الجسد البشريّ، ثم يشير إلى وجود آدم في الفردوس بلا ملابس، فليس بسبب أعضائه طُرِدَ من الفردوس، لأنها ليست سبب الخطية، بل الاستخدام الخاطئ لها من قِبل البشر، فليس عضو من الأعضاء التي خلقها الله منذ البدء نجسًا. [99] كما يؤكد ق. كيرلس أن النفس الخاطئة هي علة مرض الجسد، وشفاء النفس سبب في شفاء الجسد وذلك من خلال المسيح الطبيب الشافي، مما يدل على أن مرض الخطية هو فعل إراديَّ يبدأ من النفس، وينعكس على الجسد بالمرض. [100]

   يشير ق. كيرلس إلى الميلاد العذراويّ والبتوليّ للمسيح من العذراء مريم على أنه دَّين جنس المرأة للرجل، ودفعت العذراء مريم ذلك الدَّين وحبلت بدون رجل على أساس خلقة المرأة من جنب الرجل واحتياجها إليه، كما يؤكد على طهارة الولادة بحلول الروح القدس لتطهير أحشاء العذراء من أي فساد. [101]

   يشير ق. كيرلس إلى أنَّ عصيان آدم جلب الموت على العالم (رو5: 17)، وجلب الإنسان الترابيّ الموت العام على البشرية كلها، وإنه بإنسان واحد دخل الموت، وهكذا بإنسان واحد تكون الحياة أي بالمسيح. [102] أفسد الإنسان شبه الله بالعصيان، ثم استرد الشبه ثانيةً في المسيح، طُرِدَ من الفردوس بالعصيان، وعاد إلى الفردوس بالطاعة. [103]

القديس غريغوريوس النزينزي:

   يُوضِّح ق. غريغوريوس ماهية الشر إنه ابتداع من يوسيفوروس (زهرة بنت الصبح) وقواته بعد سقوطهم، حيث جلبوا الشر عليهم بابتعادهم عن الخير، وإنَّ الملائكة الأبرار لا تستطيع التحرك نحو الشر، بل نحو الخير، لأنهم طبائع صافية لا اختلاط فيها، موجودون حول الطبيعة الأولى أي الله، وبالتالي يصعُب عليهم التحرُّك نحو الشر. يشير ق. غريغوريوس إلى أسباب سقوط الإنسان بسبب حسد إبليس وغواية المرأة بسبب ضعفها وتحريضها لآدم على السقوط. كما يؤكد على انتقال الضعف من آدم لبنيه: ”ضعف أبي الأول هو ضعفي أنا الخاص“. طُرِدَ آدم من الفردوس في الحال ومن قدام الله بسبب شره، ولبس الجسد المائت، ولبس أقمصة جلدية. يشير ق. غريغوريوس أيضًا إلى نتائج سقوط الإنسان من الخزي والعار والخجل، والاختفاء من وجه الله، وربح الموت، ولذلك قام الله بقطع الخطيئة لئلا يصير الشر خالدًا، وهكذا يكون العقاب على التعدي إحسانًا بالبشر.

   كما يؤكد ق. غريغوريوس على أنَّ الخطايا غَرَسَت جذر الشر في الإنسان، ويُشبِّهها بالأمراض المُزمنة الرهيبة. [104] يُوضِّح ق. غريغوريوس حقيقة الميلاد البتوليّ للمسيح من العذراء مريم التي طهَّر الروح القدس نفسها وجسدها أولاً من الطبيعة الفاسدة. [105]

   يشير ق. غريغوريوس إلى تفاوت النقاوة والقداسة بين البشر، لأنَّ الجسد الماديّ والعقل السجين فَقَدَ معاينة ورؤيا الله بعد الابتعاد والانفصال عنه. [106]

   يُؤكِّد ق. غريغوريوس أنَّ سقوطنا سببه الخطية والانقياد إلى الشهوة حتى الوصول إلى عبادة الأوثان وتقديم الذبائح المُحرَّمة، وبالتالي تحتاج عودتنا إلى الحالة الأولى قبل السقوط بواسطة رحمة الله أبينا إلى العلاج القاسي لهذه الخطايا والشهوات، والشفاء من الطعنات والنقائص وأدناس الشر بواسطة المسيح الذي حَمَلَ ضعفاتنا، ولم يحتاج إلى علاج؛ لأنه القدوس بلا خطية. [107]

   يشير ق. غريغوريوس إلى أنَّ الحواس هي مراكز دخول الخطية الخمسة، والتي منها جاءت الزلة، أي زلة الإنسان الأولى، وحولها تدور رحى الحرب؛ لأنها مراكز دخول الشر والخطية. يمكن منع الخطية من الدخول بغلق وفتح حركات وأفعال العقل جيدًا بالتأمل كمقياس إدراك العقل، وتجنب رخاوة وهشاشة الجسم، وختم العادة والفعل والأبواب بالروح. نحن الذين ندين أنفسنا على أسباب الخطايا، كما لو اقترفناها فعلاً ونعيش في عذابها، بسبب فضول العين والنظرة الشريرة التي تثير الشهوة. يكبح التأمل في الله الشهوات. [108]

   يتحدث ق. غريغوريوس عن عدم جهل الله بسقوط الإنسان ومع ذلك خلقه، لأنه سنَّ ناموس حرية الإرادة، وبالتالي سُحِقَنا بحسد إبليس، وسقطنا بالتعدي، غلبتنا شجرة المعرفة. [109] صرنا إلى الوثنية وضبابية رؤية الله الناتجة عنها، كما أدت الشهوات إلى الوثنية وضعف رؤية الله، وخداع الشيطان الخبيث لمَن لديهم طبيعة عاقلة وتلقوا نعمة الله، وفضَّلوا الأسوأ على أنه الأفضل، لقد قاد الشيطان البشر إلى الهوة السحيقة للوثنية، بفعل انكباب العقل على المنظورات وعدم التوقف عنها. [110]

   يؤكد ق. غريغوريوس على دخول الموت بالخطية إلى الإنسان جسدًا ونفسًا وروحًا، كما تدرج الله في معالجة مرض البشرية أي الخطية، ويشير ق. غريغوريوس إلى فقدان الحالة الأولى من البر والقداسة واستعادتها بالروح القدس. [111]

   يشير ق. غريغوريوس إلى أنَّ هدف تجسُّد الابن هو إزالة لعنة الخطية وهي الفساد والموت مُقدِّسًا الشبيه بالشبيه، أي أتخذ طبيعة بشرية كاملة. لقد حملت الروح في آدم أعراض الشر الأولى، وتجاوزت الوصية، الروح هي التي دفعت آدم إلى الخطية. [112] يُوضِّح أيضًا أنَّ الابتعاد عن الوجود الطوباويَّ السعيد هو بسبب خطيئتنا، وأنَّ الآكل من الشجرة المُحرَّمة جلب الدينونة، ولكننا تبرَّرنا من الدينونة بآلام المسيح، ويشير إلى مرض طبيعتنا البشرية بالخطية وشفائنا وإعادة خلقتنا في المسيح. [113] ويشير إلى ماهية الخطية كمُركَّب إنسانيّ، وخاصة بطبيعة الإنسان السفلى المُركَّبة، لأنَّ التركيب هو أصل الشذوذ والفوضى. كما يؤكد أنَّ المعمودية تمنحنا الشفاء من مرض خطايانا، وأنَّ إبليس هو مخترع الشر. [114]

   يرفض ق. غريغوريوس تأجيل الأمهات لمعمودية أطفالهن بحجة ضعف طبيعتهم، بل يحثهن على معمودية الأطفال لنوال نعمة الثالوث القدوس كأفضل وقاية وحماية. [115] كما يتحدث عن الأطفال المعذورين في عدم معموديتهم لأسباب فوق العادة، فيؤكد أنه ليس عليهم عقاب أمام الديان العادل، كما أنه ليس لهم مجد وبهاء بسبب حرمانهم من المعمودية، لأنَّ مَنْ يشتهي المعمودية ولم يحصل عليها لسببٍ ما، فكأنه حصل عليها. [116] وعندما سُئِلَ ق. غريغوريوس عن معمودية الأطفال الذين لا يشعرون أيضًا بنعمة المعمودية ولا بخسارتها، أجاب بأنه يجب تعميدهم خُصوصًا لو كَان هُناك خطر مِن الأخطَار عَلى حياتِهُم، فمِن الأفضل أنَّ يُعمَّدوا مِن غير أن يشعروا، مِن أنَّ يذهبوا مِن العَالمِ غير مُشارِكين في سر النعمة والكمال المقدس عابرين وغير مختونين. [117]

   يشير ق. غريغوريوس إلى ولادة الإنسان بالفساد وفقدانه للباس الخلود وعدم الموت، وفساد الحواس البشرية بالشهوة والخطية، والحاجة إلى تطهيرهم للعودة إلى خلقتنا الأولى، لذا ينبغي الإسراع إلى المعمودية والميرون للتخلص من الولادة الفاسدة، وتنقية العقل المُحرِّك للمشاعر والأحاسيس، لأنَّ الهدف من المعمودية هو التمتع بشفاء المسيح لنا من جراح الخطية، والتحرُّر من عبودية إبليس، ونوال لباس الخلود بعد لباس الموت. [118]

   يؤكد ق. غريغوريوس أنَّ الشيطان هو مخترع الشر، وسقوطنا كان بالابتعاد عن الله بحسد إبليس. بعدما طردنا إبليس من الفردوس، هاجم عقلنا وفتح أبواب أهوائنا، مما أدى إلى إهانة صورة الله في البشر، وفقدان الوصية، واستلام إرادة الضلال المطلقة، وهكذا صرنا منبعًا لكل أنواع الشرور، وحدث تدمير للإنسان الداخليّ (الروح). [119] كما يُوضِّح ق. غريغوريوس أنَّ الشر ليس له أصل من صُنع الله، إنما الشر منا ومن الشرير، دخل فينا بسبب إهمالنا وعدم احتراسنا، وليس له علاقة بالله البتة. الخطية هي فعل إراديّ يصدر من النفس إلى الأعضاء الجسدية لفعل الخطية. [120]

   يتحدث ق. غريغوريوس عن ثلاثة أنواع من الحياة السابقة للمُعمَّدين قبل المعمودية، وهم: الأول، كانوا غرباء تمامًا عن الله والخلاص، وجرَّبوا كل أنواع الرذائل وسعوا إليها، سعوا لبلوغ الصلاح بعد المعمودية والحفاظ عليه، الثاني، أنصاف أرذال يعيشون بين الفضيلة والرذيلة، اقترفوا الشر ولكنهم لم يوافقوا ضمنًا على ما اقترفوه وهم أفضل حالاً من النوع الأول بعد المعمودية، الثالث، كانوا أنقياء بطبيعتهم وسجيتهم والبعض منهم أنقياء بالجهاد الأخلاقيّ، فهيأوا أنفسهم للمعمودية مُنقِّين أنفسهم، فصاروا بعد المعمودية أرسخ في الفضيلة وأفضل من النوعين السابقين. مما يؤكد على فكرة التآزر أو السينرجيا بين النعمة والعمل البشريّ، وهذا ما أكَّد عليه ق. غريغوريوس أنَّ الإيمان بدون أعمال ميت والعكس صحيح. [121] كما يرفض ق. غريغوريوس فكرة سبق التعيين مؤكدًا على أنه ما قيمة الأعمال الصالحة لو كان الخلاص بسبق الاختيار؟! وبالتالي يرفض فكرة الوجود السابق للنفوس قبل حلولها في الأجساد، وتناسُّخ الأرواح بانتقالها من جسد لآخر، والحكم عليها بحسب حياتها السابقة، بل يؤكد على أهمية حرية الإرادة، وضرورة حالة الجهاد ضد أهواء الجسد الطبيعية، الارتقاء بالعقل ليصير سماويًا فوق الجسد كحالة أفضل. [122]

القديس باسيليوس الكبير:

   يُناقِش ق. باسيليوس ماهية الشر والخطية، فيشبه خطية الإلحاد مثلاً إنها مرض نسيان الله، ويشبه مَنْ يدَّعي أنَّ الله هو علة الشرور لا يملك عقل ولا حكمة. الإنسان هو المُتسبب في فعل الخطية أو رفضها، كما يشير إلى انخداع الخطاة بطعم لذة الخطية، الخطايا هي تلويث للنفس المخلوقة على صورة الله خالقنا، هناك شرور تتوقف علينا نحن مثل: القتل والحسد والانحلال الخلقيّ والظلم… إلخ، الشر هو كل أمر متعب كالمرض الجسديّ والجروح والعار والفضيحة، الشر الحقيقيّ هو الخطية، وارتكابها يتوقف على إرادتنا، والخطية هي بالحق شرًا، ونستطيع بإرادتنا الابتعاد عن الشر أو فعل الشر. الشر ليس له وجود خاص به؛ لأنَّ الشر ليس شيئًا موجودًا مثل أي كائن حي. الشر ليس له جوهر، الشر هو غياب الصلاح، كما أن العمى هو غياب نتيجة الإبصار تلف العينين، هكذا الشر ليس له وجود خاص به، لكنه يأتي بعد مرض النفس. الشر ليس غير مولود كما ينادي الغنوسيون جاعلين طبيعة الشر وطبيعة الصلاح على نفس المستوى. لا يأتي السوء من الصلاح، ولا الشر من الفضيلة، الشر غير مخلوق مع الصلاح في آنٍ واحدٍ، ولم تكن الأرواح المخلوقة مُمتزجة بالشرور، عندما خلقها الله وآتى بها إلى الوجود، لأنه إن كانت الأجساد المادية ليس لها طبيعة شريرة بداخلها، فكم بالأولى الأرواح التي تتميَّز جدًا بالنقاوة والقداسة ليس لها وجود مُشترك مع الشر. [123]

   يرد ق. باسيليوس على اعتراض رؤية وجود الشر وفعله الظاهر وانتشاره في العالم، بأنَّ المرض هو انحراف الأعضاء عن أداء وظيفتها الطبيعية، الله خلق الجسد وليس المرض، لقد خلق الله النفس، ولم يخلق الخطية، وبالتالي وجود الشر بسبب قبول النفس للشر وابتعادها عن حالتها الطبيعية، كان مكان النفس بجوار الله، وكان الخير بالنسبة لها هو الاتحاد بالله بالمحبة، ثم سقطت من هذا المكان، وعانت أمراض كثيرة. نفس الإنسان لها حرية إرادة لقبول أو رفض الشر بحسب خلقتها على صورة الله. نالت النفس الصلاح، وتعرف جيدًا الاستمتاع به، ولديها القدرة على الحفاظ على حياتها الطبيعية، طالما تظل في الاستمتاع بالروحيات، ولديها القدرة على رفض الصلاح. بينما تنحاز النفس إلى الجسد بسبب حب الملذات والشهوات، حيث تنفصل عن السماويات للالتصاق بمباهج العالم. [124]

   لقد كان آدم في السماء بالمفهوم الروحيّ وليس المكانيّ، شعر بشبع زائف من هذه الخيرات السمائية، وفضَّل مباهج العيون الجسدية عن الجمال الروحيّ، بدل الاستمتاع بالروحيات، فضَّل ملء بطنه، فطُرِدَ خارج الفردوس، وخارج ذلك المحيط الطوباويّ، وصار شريرًا لا عن إجبار، بل عن عدم استنارة، ووقع في الخطية باختياره السيء، ومات بسبب الخطية. كل مَن يبتعد عن الله الذي هو الحياة، يقترب من الموت، وغياب الحياة هو الموت. هكذا صنع الإنسان الموت بابتعاده عن الله، الله ليس خالق الموت، بل نحن جلبناه على أنفسنا بالإرادة الشريرة، ولم يوقف الله الانحلال الذي يحمله الموت حتى لا يظل المرض (الخطية) بلا نهاية. [125]

   يدحض ق. باسيليوس تعاليم القدرية وسبق التعيين بالتأكيد على أنه لا يجب تنفيذ أمر الله بالإجبار، بل بالحرية التوَّاقة إلى فعل الخير واكتساب الفضائل، تتحقق الفضيلة بالإرادة الحرة لا بالإجبار، بينما تتوقف الإرادة الحرة على مدى استعدادنا الداخليّ، وهذا الاستعداد هو الحرية الداخلية. ثم يرد ق. باسيليوس لماذا لما يخلق طبيعتنا مُسيَّرة نحو الخير بأنَّ مَن يُفضِّل الطبيعة غير العاقلة (المُسيَّرة) مُحتقرًا الطبيعة العاقلة (المُخيَّرة) هو مَن يريد طبيعة غير ميَّالة للخطية. [126]

   يُفسِّر ق. باسيليوس علة وجود الشيطان بأنَّ استعداده الشخصيّ هو الذي جعله شريرًا، كان لديه حرية بمقدرته أنَّ يظل بالقرب من الله، أو يتغرب عن الله الصالح، اختيار الشيطان الحر هو الذي جعله يلقي بنفسه لأسفل؛ لأنَّ الشر هو الاغتراب والابتعاد عن الله الذي جعله مطرودًا. الشيطان شرير بإرادته، ولم يصر ضد الصلاح بطبيعته. [127]

   يشير ق. باسيليوس أسباب سقوط الإنسان وهي حسد إبليس الذي أوقعنا، وجعل عداوة الله داخلنا، وكانت النتائج هي: اعتياد فعل الشرور الذي ينشيء في النفس شرورًا أعظم حتى لو كان الضرر غير مباشر، بالإضافة إلى التلذذ بمنظر العري والاهتمامات الجسدية الضارة. فقدان أغطية النعمة بممارسة الرذيلة تحت تأثير إبليس، أي نعمة الله التي يلتحف بها الملائكة. [128]

   يؤكد ق. باسيليوس أنَّ الآب صالح والابن صالح، أما الظلام والموت والضعف تُنسَب إلى الشيطان رئيس هذا العالم والأرواح الشريرة وكل مَن يعادي قوة الطبيعة الإلهية، لا تحمل هذه الأمور في جوهرها التضاد مع الصلاح؛ لأنه هكذا ترتد الإدانة إلى الله، بل هو وحدهم في حرية إرادتهم انجذبوا إلى الشر، لأنهم فقدوا الصلاح. تتمتع المخلوقات بحرية إرادة الاتجاه نحو الخير أو الشر، وتنال القداسة كمكافأة للنمو الروحيّ. [129]

   يشير ق. باسيليوس أيضًا إلى انتقال الموت إلينا من آدم الأول الساقط لأنه فينا، ولأننا تناسلنا منه، وسوف تظل الإنسانية كذلك حتى نهاية الدهور، الكل يتناسل من آدم، لذلك قيل في آدم يموت الجميع، وظلَّ قانون الموت ساريًا علينا حتى مجيء المسيح آدم الثاني، وتدبير المخلص باسترجاع الإنسان من السقوط والعودة من الاغتراب بسبب المعصية إلى شركة الله، حيث نهاية الحياة الأولى الساقطة بالمعمودية، وولادة الإنسان من جديد بدفن أجساد المُعمَّدين في الماء، ودفن أعمال الإنسان العتيق، وتطهير النفس من دنس الخطايا التي تنمو داخل النفس بسبب انغماس العقل في اللذات الجسدية. المعمودية لها فاعلية مزدوجة وهي: القضاء على جسد الخطية والموت، والحياة بالروح التي تُثمِر القداسة. [130]

   كما يشير ق. باسيليوس إلى إرادة الله في إعادة تجديد الإنسان ورد نعمة الروح القدس إليه التي حصل عليها بنفخة الله؛ ثم فقدها، ولذلك نفخ المسيح في وجوه تلاميذه ”اقبلوا الروح القدس […]“ (يو20: 22، 23). وهنا يؤكد ق. باسيليوس على سكنى الروح القدس في الإنسان قبل السقوط وانفصاله عن الإنسان بعد السقوط، وإعادة المسيح له بعد ذلك بنفخته في التلاميذ كباكورة البشرية المُخلَّصة، وهذا ما ذكره ق. كيرلس الإسكندريّ وأكَّد عليه كثيرًا. تمتلك النفس بجملتها الإرادة الخاطئة، وتستعين بالجسد لعمل الشر، وذلك بانفصال النفس عن الروح القدس. ويشير ق. باسيليوس أيضًا إلى تثبيت الروح القدس للقوات السمائية بعدم الانفصال عن الصلاح، حيث تشترك هذه القوات مع الله بالروح، وعدم التغيُّر نحو الشر، والبقاء في السعادة. بينما سبب معصية القوات السمائية هو التمرد على الخالق، وبالتالي الانفصال عن الروح. [131]

   يؤكد ق. باسيليوس أنَّ الخطية مرض، والرغبة في ارتكاب الخطايا تُنشِئ داخل النفس عادة راسخة، ومتى تأصَّلت وتجذَّرت شهوة النفس القديمة وممارسة الخطية، تصبح مع مرور الزمن غير قابلة للشفاء أصلاً، لأنَّ العادة تتحوَّل إلى طبيعة، لذا ينبغي الصلاة لعدم التلامس مع الخطية في المرحلة الثانية، وتجنب ارتكاب الخطايا مُباشرةً. لأنَّ الألفة مع الشر وباء، والخطية مرض معديَّ، وبالتالي المسيح كطبيب صالح يوقف مرض الخطية الممتد. كما يشير إلى أنَّ العقوبة المفروضة على الإنسان هي بإرادته. ويوضح أيضًا ق. باسيليوس بركات المعمودية وهي: غسل كل الدنس السابق (الشخصيّ)، وغسل النفس من خطاياها، وتنقية الإنسان العتيق تمامًا، سكنى الله في الإنسان بالروح. [132]

   يشرح ق. باسيليوس حالة الإنسان قبل وبعد السقوط، حيث كان الإنسان حسنًا وصالحًا بالطبيعة، ولكنه ضعيف؛ لأنه سقط في الموت بالخطية بخداع الحية رأس الخطية ورئيس الخطية. كما يؤكد على أنَّ الاضطراب النفسيّ هو تشوُّه وضعف نفسيّ ناتج عن الابتعاد عن الله. يُشبِّه ق. باسيليوس الخطية بالورم، حيث يستخدم المسيح الطبيب المُجتهِد المشرط معه للتخلص منه. يُرجِع ق. باسيليوس سبب الشرور والآلام في العالم إلى شهوة وإرادة فعل الخطيئة. يُشدِّد ق. باسيليوس على أنَّ الشر والخطية إراديين، حيث خلق قلوب البشر بسيطة لحفظ صورتها الخاصة، ولكننا ربطناها بالشهوات الجسدية بعد ذلك، جعل القلب مكانًا للشك، وحطَّمنا الصورة الإلهية والبساطة والوضوح والنية الخالصة. يشير إلى لزوم النعمة والأعمال للخلاص. [133]

   يؤكد ق. باسيليوس ثبات الملائكة في الله بدون تغيير، ولكن الإنسان يتغيَّر بسبب تغيير جسديّ أو نفسيّ نظرًا لفساد طبيعة الإنسان الذي يُشبِّه ذبول الزهور. يوضح أيضًا نتائج السقوط كتشوُّه صورة الله في الإنسان، وملك الموت على آدم حتى الناموس الموسويّ، وسكنى الخطية في الإنسان التي تفقده ذاته، وتجعله يشبه الحيوانات. كما يشير ق. باسيليوس إلى أنَّ طبيعة الإنسان طبيعة مُركَّبة تميل وتنحني بالخطية، وبالتالي كان السقوط حتميّ بسبب الخطية. [134]

   يُشدِّد ق. باسيليوس أنَّ مرض الخطية مُستوطِن في نفوس الفجار والفسقة بسبب حياتهم الشريرة، كما خلق الله في داخل الإنسان ميزانه الخاص (ميزان تمييز الخير والشر) لمعرفة طبيعة الأمور كافة، هناك طبيعتان مُتضادتان فيما بينهما هما: الخير والشر، الحياة والموت، الفضيلة والرذيلة، وعلى الإنسان التمييز بينهما بحسب ميزانه المخلوق داخله. [135]

القديس غريغوريوس النيسي:

   يشير ق. غريغوريوس إلى أنَّ نتائج سقوط الإنسان هي: تشوُّه صورة الله بالخطية، وسبب الخطية الرئيسيّ هو عدم مراعاة تنفيذ الوصايا الإلهية من البشر في سعيهم لإتمام عملهم، والنفي من الفردوس، والبعد عن شجرة الحياة (أي المسيح)، والغرق في مستنقع الحياة المادية. [136]

   يؤكد ق. غريغوريوس على أنَّ الله لا يصنع الشر، ولا يقتل الإنسان، بل يزيح الشر عنه كما في سفر الحكمة: ”ليس الموت مِنْ صُنع اللهِ“ (حك1: 13). الشيطان هو أبو الشر، وهو الكذَّاب، ويصير أبو الكذَّاب الناشئ في كل شخص، وهو الخطية وأبو الخطية. كما يوضِّح تخلي الإنسان عن وطنه السماويّ (الوطن الضائع) بارتكاب الخطية مما أدى إلى الحرمان من الحلة الأولى بسبب العصيان والآكل من الثمرة المُحرَّمة، فصار عريانًا. فنحن نُفضِّل الفضيلة على الشر بالعقل، وهكذا الانفصال عن الشر كامن في إرادة الإنسان فقط، ويتحقَّق بميل الرغبة واختيار الشر. كما يشير ق. غريغوريوس إلى تآزر النعمة والأعمال معًا في الإنسان، حيث يعجز الإنسان عن كسب الخير داخله، لو لم تتحقَّق القوة الإلهية للخير (النعمة) بداخله. [137]

   يشرح ق. غريغوريوس كيفية سقوط الإنسان، حيث تم خداع الإنسان في الحكم على الخير بالغواية، وأخذت إرادته ميلاً نحو الشر، وسيطَّر كل شر على حياة الإنسان، وحُكِمَ بالموت على الطبيعة البشرية بطرقٍ عديدةٍ، لأنَّ كل شكل من أشكال الشر يؤدي إلى الموت، وُجِدَ الإنسان تحت نير طاغية (إبليس)، وخضع بثورة الشهوات للموت، وطغيان الشر والفساد، والأسر للخطية وقيود الخطية. فالخطية ظلمة لا تحتمل النور، ومرض لا يحتمل الصحة. وبالتالي علاج السبب المرضيَّ للخطية هو إعادة العناصر المنحرفة إلى مكانها الطبيعيّ، لأنَّ تحرُّك عنصر من العناصر بعشوائية أكبر يُضعِف بسيطرته تأثير عنصر الصحة المقابل له، لذا ينبغي التوازن بين العناصر لعودة الصحة إلى الجسد، وعدم إخلال العناصر الممتزجة بالتوازن الطبيعيّ بين المرض والصحة. [138]

   يُفسِّر ق. غريغوريوس ماهية الخطية في الإنسان، حيث في البدء كان عقل الإنسان في صحة تامة، وكانت حركات الروح مُوزَّعة داخلنا باتزان حسب الفضيلة، ولكن بسيطرة الرغبات على باقي العناصر وخضوعها لها باعتبارها الأقوى، تلك الميول المعارضة له أي الطهارة والبتولية، لم يكن هناك ما يمنع الرغبة للتحرُّك نحو الأمر المُحرَّم، وتجسَّدت الخطية من الرغبة في الطبيعة الإنسانية، أي المرض الجالب للموت. لذا يعيدنا الطبيب الحقيقيّ الذي صار بشرًا إلى الصحة الروحية من جديد بانتزاعه لأسباب توليد المرض. صحة الروح هي إتمام الإرادة الإلهية (النعمة)، وبالتالي مخالفة الإرادة الإلهية هي مرض الروح الذي يقود للموت، لقد مَرِضَنا بإهمالنا لنعيم الفردوس، عندما شربنا سم العصيان، فخضعت الطبيعة البشرية لهذا المرض المميت. ولكن بجذب البشر نحو الإرادة الإلهية (عمل النعمة)، عالج الطبيب الحقيقيّ أسباب مرض الخطية بنقيضه. حيث تُوقِف الحكمة الإلهية العقل المتحرك نحو الشر والنزوات، وهكذا تختفي كل نزعة شريرة مُحرَّمة للإرادة. فالشر يكتمل تلقائيًا ضمن إرادتنا، ولا تقوى الطبيعة البشرية على صُنع الخير بسبب تجريد الشيطان لها من قواها بالشرور ومرض الخطية. [139]

   كما يشير ق. غريغوريوس إلى الحياة المزدوجة للطبيعة العقلية وهما: طبيعة غير جسدية تأخذ الطوباوية السماوية نصيبًا لها، وطبيعة جسدية تدور حول الأرض لقربها منها. ولكن الرغبة في الصلاح مزروعة في صميم كل طبيعة بنفس الدرجة، لكل واحدة من الطبيعتين مُطلق الحرية أنعم الله عليها بالمنطق والفكر وحرية الإرادة لتختار سواء الحياة السماوية النقية وغير السلبية، ولا يوجد بها شر البتة، أو الحياة الأرضية المليئة بكل نزعة نحو الخطية. [140]

   يُشبِّه ق. غريغوريوس الشهوات والملذات بتشبيه معتاد عنده يستخدمه في معظم كتاباته، وهو رأس الحية وجسمها. حيث الرغبة نحو الملذات عبارة عن حيوان، تختلط الملذات بحياة الإنسان مُستخدمةً الأحاسيس لهذا الهدف، وهي الحراشيف التي تغطي جسم حية الملذات، لذا الانتباه لرأس الحية كقول الرب: ”تسحقين رأسها“ أي عدم ترك مدخل للحية الزاحفة من اللحظة الأولى، لأنه لا يمكن سحب الحية بسهولة من ذيلها لإخراجها من جحر النفس الذي دخلته برأسها بسبب مقاومة حراشيف ظهرها لمَنْ يسحبونها. [141]

   يُعدِّد ق. غريغوريوس نتائج سقوط الإنسان كالتالي: استبدال حريته بالعبودية الشريرة في الخطية، وتفضيله تحمُّل طغيان القوة المُفسِدة لكل شيء على القرب من الله، وتفضيله النظر في بشاعة الخطية عن التطلُّع في جمال الخالق، وتجاهُّل الخيرات الإلهية، وتفضيله الوقوع في فخ الشرير، واحتقار الصورة الإلهية، وفساد الهيئة الإلهية المصنوعة داخله منذ بدء التكوين، وعدم طهارة الطبيعة البشرية. [142]

   يُؤكِّد ق. غريغوريوس أنَّ آدم يعيش فينا كلنا نحن البشر، فنرى حول أنفسنا لباس الجلد، وأوراق الحياة الجسدية التي قمنا بخياطتها بسوء عند تعرينا من الملابس الرائعة، أي المتع والأمجاد والشرف المؤقت والملذات الجسدية التي تموت سريعًا، عندما لبسناها بدلاً من الملابس الإلهية. نعيش تحت الظل الرديء بهذه الحياة لابتعادنا عن الله، واستسلامنا إلى الحية للزحف فوق الأرض، أي الملذات الجسدية، والزحف بقلوبنا وأفكارنا فوق الأمور السفلية الرخيصة، والاهتمام بحياة الملذات. طالما أننا إنسان كل منا يشارك طبيعة آدم، ويشارك بالتأكيد في المنفى والموت في آدم. [143]

   يُؤكِّد ق. غريغوريوس على ارتكاب الخطايا بالنفس والإرادة، حيث تنطلق الأفكار الشريرة من داخل الإنسان، النجاسة بالنسبة للنقاء الروحيّ هي اللذة الممتزجة بالحياة الإنسانية بطرقٍ كثيرةٍ، كما تمتزج بالروح والجسد والأفكار والأحاسيس والتحركات والإرادة والأعمال الجسدية. كل مَنْ يشارك في الطبيعة فهو يشارك بالضرورة وبالكامل في خطايا الطبيعة. [144]

   كما يرى ق. غريغوريوس أنَّ الأطفال يُولدون بدون أي ذنب أو خطية تستوجب العقوبة، فالطفل بمُجرَّد ولادته هو خالي من أي ذنب يستوجب العقوبات، هكذا أيضًا طفل الولادة الجديدة (المُعمَّد) تعيده الكنيسة مرة أخرى إلى براءة الطفولة. [145] كما يرى ق. غريغوريوس أنَّ الأطفال يُولدون بدون وباء الخطية، لأنَّ الطفل بريء ليس فيه مثل هذا الوباء قبل أنَّ يُغطِّي عين نفسه قياسها من النور، وهكذا تستمر في الوجود في هذه الحياة الطبيعية، ولا تحتاج إلى الصحة الآتية من التطهير، لأنها لم تسمح أبدًا بدخول الوباء إلى نفسه مُطلقًا، [146] كما يرى أنَّ مصير الأطفال سيكون الملكوت حتى لو ماتوا مُبكرًا قبل العماد؛ لأنه في حالة الأطفال الذين يموتون مبكرًا، فلا يوجد فيهم أي شيء من هذا القبيل، بل أنهم ينطلقون نحو نصيبهم من السعادة فورًا. ولكنه يُوضِّح أنَّ الطفل الذي يموت بدون معمودية لن ينال نفس القسط من السعادة التي ينالها الرجل الناضج الذي قد نال العماد، وكان بارًا طوال حياته، رغم أنَّ الاثنين قد يكونان بلا خطيئة أو ذنب؛ لأنه ليس من العدل القول بأنَّ الرجل والطفل يكونان في نفس الحالة، على الرغم من أنَّ كليهما قد يكون حرًا من أي اتصال أو احتكاك بالمرض، بل على العكس، على الرغم من غياب أي تأثير من المرض قد يُنسَب إلى الاثنين، إلا أنَّ الاثنين مُتشابِهان على حد سواء في كونهما بعيدين عن مدى تأثيره. [147] وهذا ما يؤكده أيضًا في موضع آخر، حيث تخلو الطفل حياته من كل ميل شرير، ولا يملك تمييز الخير والشر، فكيف يُعاقَب الطفل عوضًا عن الأب المُذنِب؟! الطفولة تجهل الشهوة. وهذا يؤكد على عدم وراثة الابن لأي ذنب شخصيّ من الأب، بل كل نفس تخطئ هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والعكس صحيح (حز18: 20). [148]

   يشير ق. غريغوريوس إلى طبيعة الأثار السيكولوجية لسقوط الإنسان، حيث أنَّ كل الانفعالات المتعلقة بالنفس كالغضب والشهوة، ولكنها ليست النفس ذاتها، هي مثل زوائد تنمو من الجانب المُفكِّر من النفس، وتُعتبر أجزاءً من النفس، ولكنها لا تمثل جوهر النفس، فالانفعالات مثل: الخوف أو الغضب أو غيرها من نزعات النفس تُعتبر بمثابة أشياء التصقت بالنفس من الخارج، لأنَّ مثل هذه السمات لا توجد في جمال الأصل. نزعات الغضب والخوف والرغبة وغيرها عندما توجد فينا، نسميها ”أهواءً“ والتي لم تُقدر للحياة البشرية لغرض شرير، لأنَّ الخالق سيكون في هذه الحالة هو علة الشر، لو غُرِسَ في طبيعتنا إكراه على ارتكاب الخطأ، في المقابل، تصبح هذه الانفعالات التي للنفس أدوات للفضيلة أو الرذيلة بناءً على طريقة اختيارنا. لو لم نُوجِّه نزعاتنا بالعقل في الاتجاه الصحيح، وطغت الأهواء على سيادة العقل، يتحوَّل الإنسان من كونه عاقلاً مشابهًا لله إلى كائن غير عاقل وغير مُفكِّر، وينحدر إلى مستوى الحيوان بقوة هذه الأهواء. [149]

   يتحدث ق. غريغوريوس عن طبيعة الحياة الأولى التي خلقها الله قبل السقوط إنه لم يكن فيها شيخوخة على الأرجح، ولا طفولة، ولا أي معاناة من أمراضنا المتنوعة، ولا أي من الأوجاع الجسدية الأخرى؛ لأنه من غير المحتمل أنَّ يخلق الله مثل هذه الأمور. إنما كانت الطبيعة البشرية متألهة بدرجةٍ ما قبل استسلام البشرية لدافع الشر، فجاءت كل هذه الأشياء إلينا مع دخول الشر، وبالتالي الحياة الخالية من الشر ليست تحت ضرورة ما لتوجد في تلك الحالات التي ظهرت بسبب الشر. وهنا يدحض ق. غريغوريوس أي إشارة إلى قدرية أو جبرية أو سبق تعيين مُسبق. [150] وهذا ما يقرره أيضًا في موضع آخر، حيث أنه غير صحيح تعليق الاختلافات عند كل إنسان سواء نحو الفضيلة أو الرذيلة بقدَّر فائق الطبيعة أو بإرادة إلهية؛ لأنَّ هذا أمر يخص حرية الإرادة البشرية، فلم تُحدِث الإرادة الإلهية القسوة في نفس فرعون، بل الحرية بانحرافها نحو الشر. الله ليس سبب الآلام التي عاناها مستحقوها، بل كل واحد هو لنفسه سببًا للشقاء الذي ألَّم به، فما الشر يحدث بمعزل عن إرادتنا. [151]

   يشير ق. غريغوريوس إلى مفهوم الفضيلة على أنها في الوسط، وكل شر يحدث إما بزيادة أو بنقصان بالنسبة للفضيلة، وهو مفهوم أرسطيّ محض لماهية الفضيلة والرذيلة، مثل: فضيلة الشجاعة نقصانها جُبن، وزيادتها تهور وكلاهما رذيلة. [152]

   يشير ق. غريغوريوس إلى أمر بالغ الخطورة، وهو لو كانت الخطية موجودة في الحياة الجسدية، فالله هو خالق الجسد، وبالتالي لابد أن يقع عليه اللوم بالضرورة، ولكن بالعكس، الحياة المهيأة حسب الطبيعة الإلهية تليق بالبشر وطبيعية لهم، ولكن حياة الإدراك الماديَّ المعاش بنشاط الحواس ممنوحة إلى تلك الطبيعة لمعرفة العالم المرئيّ لتُرشِد النفس إلى معرفة الأمور غير المنظورة. [153]

   يُوضِّح ق. غريغوريوس ماهية الشر أنه ليس له كيان؛ لأنه يأخذ كيانه من غير الموجود، ولأنه ما يأتي من العدم لا يوجد أبدًا على الإطلاق في مصطلحات طبيعته، بل يتسلط الباطل على الأشياء التي صارت مثله. ويتساءل ق. غريغوريوس كيف صارت الأرض عبدةً للعدم واللا كيان؟ وكيف تسيَّد الوهم على الكينونة؟ ولكن بذلك سيعتقد البعض أنَّ الله هو مصدر الشر المؤلم والمتعب لبني البشر؛ لأنَّ مسئولية الأمراض ستقع عليه، ولكن الله مصدر كل صلاح، ولا يصدر منه شر البتة. الشر غير موجود في حد ذاته، بل ينشأ من انعدام الخير. حيث أنَّ الخير كما هو دائمًا هو مستقر وثابت، ولا ينشأ من انعدام أي شيء سابق عليه؛ لأنَّ الشر أساسًا كشيء مُدرَك كنقيض هو عدم ولا شيء، وهو شيء غير موجود، وهكذا الفرق بين النور والظلمة، هو نفسه الفرق بين الحكمة والجهل. الشر هو اسم مُعطَى لأي شيء مُدرَك خارج الخير، الشر هو نقيض الخير، وهو عدم بالمقارنة مع الوجود. لذا عندما نبتعد عن الخير بإرادتنا الحرة وميولنا، نصير مثل الذين يغلقون عيونهم في وضح النهار، ويقولون إننا نرى الظلام- لأنَّ رؤية الظلام هي نمط رؤية العدم- تأخذ الطبيعة غير الحقيقية للشر جوهرها وكيانها في المبتعدين عن الخير، وتأخذ وجودها كلما كنا خارج الخير، فالشر يأخذ كينونته من فاعلي الشر بمُمارستهم له. [154]

   يُشدِّد ق. غريغوريوس على أنَّ حرية الإرادة هي عطية صالحة من الله، ولكنها صارت تعني الخطية بسبب سوء استعمال الجنس البشريّ لها، الإرادة الحرة غير المُقيَّدة هي خير بالطبيعة، ولا يوجد أي شيء من الأمور الصالحة مُقيَّد بعبودية الحتمية والضرورة. [155]

   يشير ق. غريغوريوس إلى ماهية الخطية إنها في الحقيقة سقوط لا ميزة من مميزات طبيعتنا البشرية، كما أنَّ المرض والتشوُّه لم يلازما طبيعتنا منذ البدء، ولكنهما يحدثان خلافًا للطبيعة، وكذلك الدافع الذي يدفعنا نحو الشر هو انحراف للخير في طبيعتنا، وليس له وجود ذاتيّ، وإنما هو غياب الصلاح. [156]

القديس يوحنا ذهبي الفم:

   يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أنَّ الأطفال بلا خطية، وأنهم يُعمَّدون لينالوا عطايا البر والتقديس والتبني وسكنى الروح القدس فيهم، وليس بسبب وراثة الخطية الأصلية، حيث يقول:

”ولهذا السبب نفسه نُعمِّد حتى الأطفال، ولو أنهم بلا خطية، ولكن لكي ما ينالوا بقية العطايا من تقديس وبر واختبار للتبني والميراث حتى يشَّبوا إخوةً وأعضاءً، ويصيروا هيكلاً للروح“. [157]

   كما يؤكد ذهبيّ الفم على حقيقة أنَّ نفوس الأطفال ليست شريرة مثلها مثل نفوس الأبرار. [158] ويشير ق. يوحنا إلى موت آدم في اليوم الذي آكل فيه الشجرة بحسب منطوق الحكم: ”لأنك يوم أنَّ تأكل منها موتًا تموت“ (تك2: 17)، ومع ذلك، بقا حيًا بالجسد، فكيف مات؟ إنه مات بمنطوق الحكم، وبطبيعة فعلته. لأنه جعل نفسه خاضعًا للعقوبة، فهو قائم إن لم يكن في الواقع الفعليّ، فعلى الأقل بمنطوق الحكم الواقع تحته. [159] يرفض ق. يوحنا وراثة الأبناء لذنوب الآباء الشخصية؛ لأنه من المستحيل إنْ أخطأ واحد يُعاقَب آخر بسببه، وبالتالي لا يمكن أن يُعاقَب أي شخص بسبب والديه، ولو سلَّمنا بهذا المبدأ فسنقبل أيضًا بالافتراض الآخر، وهو أنه قد أخطأ قبل ولادته. ويستشهد ق. يوحنا بآية (حز18: 2، 3) و (تث24: 16) ليدحض ذلك التعليم الخاطئ. [160] كما يُؤكِّد ق. يوحنا على خضوعنا لعقوبة الموت بسبب الخطية الأولى، لذلك لم يأت الروح القدس قبل انطلاق المسيح للسماء؛ لأنَّ اللعنة لم تكن قد رُفِعَت بعد، ولم تُغفَر الخطية الأولى، بل كل الناس كانوا لا يزالوا خاضعين تحت عقوبتها (أي الموت). وبالتالي ينبغي مُلاشاة العداوة، والتصالُّح مع الله، ثم نوال عطية الروح القدس. [161]

لذا يتحدث عالم الآبائيات جوهانس كواستن (لاهوتي كاثوليكي) عن مفهوم الخطية الأصلية عند ق. يوحنا ذهبي الفم، موضحًا الاختلاف الشديد بين القديسين يوحنا ذهبيّ الفم وأوغسطينوس في مفهوم وراثة الخطية الأصلية كالتالي:

”يشير ق. ذهبي الفم بالتفصيل في عظته «إلى المعمدين الجدد» Ad neophytos التي أعاد هايداشر اكتشافها إلى مفاعيل المعمودية قائلاً: «وبالتالي هل نعمد أيضًا الأطفال الصغار، بالرغم من أنهم ليس لديهم خطايا άμαρτήματα». وقد استخلص يوليانوس أسقف إكلانوم البيلاجيّ أن ق. ذهبي الفم قد أنكر الخطية الأصلية، ويرد ق. أوغسطينوس في (Contra Julianaum 1, 22) أن كلا من الجمع «خطايا» والسياق يثبتان أن ق. ذهبي الفم قد قصد الخطايا الشخصية propria peccata ويدعم حجته بثمان اقتباسات إضافية من أعمال أخرى للقديس يوحنا ذهبيّ الفم ليوضح بأنه قد علّم بوضوح بوجود الخطية الأصلية. ومع ذلك، ففي كل هذه الفقرات، لا يتطابق مفهوم ق. يوحنا ذهبي الفم تمامًا مع أفكار ومصطلحات ق. أوغسطينوس“. [162]

ويستطرد البروفيسور جوهانس كواستن في نفس السياق عن الفرق بين مفهوم ق. يوحنا ذهبي الفم ومفهوم ق. أوغسطينوس حول موضوع الخطية الجدية كالتالي:

”بالرغم من أن ق. ذهبي الفم يؤكد مرارًا وتكرارًا أن نتائج وعواقب خطية آدم لم تؤثر فقط على والدينا الأولين، ولكن أيضًا على نسلهما، إلا أنه لم يذكر صراحةً أن ذريتهم قد ورثوا الخطية نفسها، وأنها قد أصبحت موروثة في طبيعتهم. وهو يعلّق على (رو٥: ١٩) على سبيل المثال قائلاً: «ما هي المشكلة؟ هي القول إنه بمعصية واحد جُعل كثيرون خطاة. لأن المبدأ أنه حينما أخطأ (آدم) وأصبح فانيًا، فهؤلاء الذين من نسله يجب أن يكونوا كذلك، ليس شيئًا غريبًا. ولكن كيف يكون أنه بمعصيته (آدم) يصبح آخر (المسيح) خطية؟ لأنه في هذه الحالة، لا يستحق كهذا عقابًا، لأنه لم يصبح خاطئًا من نفسه. إذًا، ماذا تعني هنا كلمة «خطاة»؟ بالنسبة لي يبدو أنها تعني خاضعًا لحكم الدينونة ومحكومًا عليه بالموت» (Hom. 10 in Rom. 1. 2. 4, LFC)“. [163]

القديس كيرلس عمود الدين:

   يدحض ق. كيرلس عمود الدين وراثة ذنوب الآباء للأبناء في سياق شرحه لآية (يو9 :2-3)، حيث يقول:

”وهو يدحض (أي المسيح) التعليم اليهوديَّ بقوله إنَّ الرجل لم يُولَد أعمى بسبب أي خطية سواء منه، أو من أجداده، ولا حتى من أبيه وأمه، وهو يطرح بعيدًا أيضًا حماقة الآخرين السخيفة؛ القائلين إنَّ النفوس تُخطِئ قبل وجودها في الجسد“. [164]

كما يشرح ق. كيرلس كيف نقل آدم اللعنة أي لعنة الفساد والموت إلى نسله من جراء مُخالفته، فيقول:

”بما أننا آتينا من (الطبيعة) الفاسدة، نحن وارثون لعنة آدم بهذه الطريقة. لكن على أية حال لم نُعاقَب لأننا مُذنِبين مع آدم وخالفنا الوصية التي أُوصِيَ بها ذاك، لكن -كما قلت- لأنَّ الإنسان حين صار مائتًا نقل اللعنة للأولاد الذين وَلدَهم؛ أي صرنا فانين من الفاني […] نستنتج إذًا، أنَّ اللعنة الجامعة والعامّة لِمُخالفة آدم هي الفساد والموت“. [165]

يُؤكِّد هنا ق. كيرلس على وراثة الفساد والموت من جراء مُخالفة آدم، ويرفض بشكلٍ واضح وراثة الذنب الشخصيَّ أو الأخلاقيّ من آدم إلى بنيه.

   يسير ق. ساويرس الأنطاكيّ عَلى نفس خُطى ق. كيرلس الكبير، حيث يُؤكِّد على أنَّ الخطيئة ليس لها كيان، ولا تنتقل طبيعيًا بالتناسل من الآباء إلى أطفالهم، فيقول:

”ويترتب على كل هذا أنَّ خطيئة أولئك الذين أنجبونا؛ أي خطيئة آدم وحواء ليست مختلطة بالطبيعة مع كياننا (جوهرنا)، كمثل الرأي المُنحرِف والفاسد لجماعة المُصلِين، أو كقول غيرهم من المانيين، ولكن لأنهما فقدا نعمة الخلود بسبب الخطية والتعدي، ومن ثم فإنَّ الإدانة والأحكام قد بلغت إلينا، لذا فإنه وفقًا لقانون الطبيعة، فإننا نُولَد مائتين، باعتبار أننا وُلِدَنا من آبائنا مَائِتين، ولسنا خُطأة لأننا وُلِدَنا من آباء خَاطِئين. وذلك لأنَّ الخطية ليس لها كيان، ولا تنتقل طبيعيًا بالتناسُّل من الآباء إلى أطفالهم“. [166]

وبالتالي يتحدث البروفيسور لويس بيركهوف (لاهوتي بروتستانتي) عن مفهوم آباء الشرق اليونانيين للخطية الأصلية؛ الذي يختلف تمامًا عن المفهوم اللاتينيّ الغربيّ كالتالي:

”لقد تأثرت نظرتهم للخطية أولاً -على وجه التحديد- كثيرًا وبشكلٍ واسعٍ بمعارضتهم ومقاومتهم للغنوصية وتأكيدها على الحتمية المادية للشر؛ وإنكارها لحرية الإرادة. لقد ركزوا على حقيقة أن خلق آدم على صورة الله لم يؤثر في كماله الأخلاقيّ، بل في الكمال الأخلاقي لطبيعته فقط. يستطيع آدم أن يخطئ، ولقد فعل الخطية، وهكذا صار تحت سلطان إبليس؛ والموت؛ والفساد الشرير. لقد انتقل هذا الفساد المادي في الجنس البشريّ، ولكنه ليس الخطية نفسها، ولم يؤثر في الجنس البشريّ بالذنب. لا يوجد أي خطية أصلية بالمعنى الدقيق للكلمة. لم ينكروا اشتراك وتضامن الجنس البشريّ؛ بل اعترفوا بارتباطه المادي مع آدم. ويتعلق هذا الارتباط بالرغم من ذلك بالطبيعة المادية والحسية فقط؛ التي تنتقل بالولادة من الأب إلى الابن، ولا يتعلق بالجانب الأسمى والعاقل للطبيعة البشرية؛ الذي يكون في كل حالة هو خلق مباشر من الله. لم تمارس (الطبيعة) أي تأثير مباشر على الإرادة؛ بل تؤثر فقط على تلك (الإرادة) بشكل متوسط من خلال العقل، تنبع الخطية دائمًا من الاختيار الحر للإنسان؛ ونتيجة للضعف والجهل. وبالتبعية؛ لا يمكن اعتبار الأطفال مذنبين؛ لأنهم قد ورثوا فقط الفساد الماديّ“. [167]

البروفيسور لويس بيركهوف هو مِن أهم شُراح تاريخ العقيدة؛ الذين لهم وزنهم الكبير في العالم، ويؤكّد بكل حيادية وموضوعية على أنه لا يوجد ما يُسمى بـ ”وراثة الخطية الأصلية“ بمفهومها الغربيّ عند آباء الشرق اليونانيين.

سأستعرض أيضًا رأي واحد من أهم شُراح تاريخ العقيدة في العالم؛ وهو البروفيسور جوزيف تكسرون (ﻻهوتي كاثوليكي) عن اختلاف وجهة نظر آباء الشرق اليونانيين عن المفهوم اﻷوغسطينيّ في موضوع ”وراثة الخطية اﻷصلية أو الجدية“، حيث يقول التالي:

”من ناحية أخرى، أكّد مجمع أفسس في خطابه إلى البابا كلستينوس على الحرمان الذي أصدره زوسيموس ضد البيلاجيين (epist. XX,3, 6, PL., L, 518, 522)، وتبين هاتان الحقيقتان إنّ الشرقيين -منذ مجمع ديوبوليس- قد انتبهوا بعض الشيء إلى تلك المسألة، ولكننا بالرغم من ذلك، سنرى حالاً إنهم في العموم كانوا بعيدين جدًا عن المشاركة في آراء ق. أوغسطينوس“. [168]

يؤكد البروفيسور جوزيف تكسرون هنا على اختلاف اللاهوت الشرقي عن الغربي في موضوع ”وراثة الخطية الجدية“، بمعنى أن هذا الموضوع محسوم في اﻷوساط اﻷكاديمية، وأنه ليس ادعاءات من النيوباترستيك neo-patristics بحسب ادعاء البعض.

يكمل جوزيف تكسرون الحديث عن الفرق بين المفهومين الشرقيّ اليونانيّ والمفهوم الغربي اللاتينيّ حول موضوع ”الخطية الجدية“ وآثارها على الجنس البشريّ المنحدر من آدم قائلاً:

”ينطوي السقوط في النظرية اﻷوغسطينية واللاتينية عن الخطية اﻷصلية على مرحلتين ودرجتين، أو بكلمات أخرى، سقوطين مختلفين. حيث لم يرث أبناء آدم ببساطة المأسي المادية (الموت واﻷلم …إلخ) والمأسي اﻷخلاقية (الجهل والشهوة) التي هي عقوبات الخطية، بل يرثون الخطية نفسها: إنهم مولودون خطاةً، ﻷنه بالنسبة لهم، ﻻ يوجد سقوط فقط، بل ذنب أيضًا“. [169]

يؤكد جوزيف تكسرون هنا على أن أوغسطينوس واللاتين يؤمنون بوراثة الخطية نفسها، يعني يؤمنون بوراثة الذنب الشخصيّ ﻵدم.

ولكن يضيف البروفيسور جوزيف تكسرون عن اللاهوتيين اليونانيين قائلاً:

”ثم بناءً على هذه النقطة، ﻻ توجد أية صعوبة، بل إن نفس اللاهوتيين (اليونانيين) الذين يؤكدون بكل وضوح أننا نقاسي عقوبة خطية آدم، هم أقل تأكيدًا إلى حد بعيد جدًا في التشديد على أننا نرث تلك الخطية عينها“. [170]

يؤكد جوزيف تكسرون هنا أن اﻵباء اليونانيين ﻻ يؤمنون بوراثة الخطية اﻷصلية كما شدّدنا كثيرًا على ذلك مرارًا كثيرة. ثم يتحدث جوزيف تكسرون عن الكُتاب الانطاكيين في المدرسة اللاهوتية الأنطاكية قائلاً:

”الكُتاب الأنطاكيون -على وجه الخصوص- الذين كانوا مشغولين جدًا بدعم وتأييد حقوق وسلامة الطبيعة البشرية، ﻻ بد أنهم قد شعروا بالنفور أكثر من تبني وجهة النظر الأوغسطينية“. [171]

يؤكد البروفيسور جوزيف تكسرون هنا على أن اللاهوتيين الأنطاكيين قاوموا وعارضوا المفهوم الأوغسطينيّ حول ”وراثة الخطية الأصلية“ ويعتقد البعض أن المدرسة الأنطاكية كانت تؤمن بوراثة الخطية الأصلية كما شرحها أوغسطينوس، وهذا للأسف عكس منهجية تلك المدرسة في التشديد على عدم وراثة الخطية الأصلية.

القديس أوغسطينوس أسقف هيبو:

   يتحدث ق. أوغسطينوس عن نتائج سقوط الإنسان، حيث يؤكّد على تعرض الإنسان لنوعين من الموت هما: موت النفس وهو الفجور بسبب الخطيئة الأصلية (تعدي الوصية)، وانفصالها الإراديّ عن الله بالخطية، وموت الجسد وهو القابلية للفساد نتيجة انفصال النفس عن الجسد لا إراديًا بسبب عقوبة الخطيئة الأصلية. [172] ويتحدث عن وصول البشر إلى الحالة البائسة للطبيعة الناشئة عن الخطيئة الأولى، وبرفضهم خلاص المسيح لهم سيُطرَحون إلى الموت الثاني الأخير (الأبديّ) مع إبليس؛ لأنهم فضَّلوا الشيطان على المسيح. [173] لقد صرنا غير ثابتين في الأبديات، لأنَّ فساد الخطية يجذبنا لأسفل، وصرنا تحت قبضة الفساد بمحبة الزمنيات المغروسة فينا، كما لو كان فساد الخطية مغروس بالطبيعة من جذر الموت. يتحدث أيضًا إنه بعدما أسقط الشيطان الإنسان في الخطية، تم إبعاد رؤية الحقائق الأزلية عن رأس الإنسان، فصار الرأس يتغذى على المُحرَّمات، وهكذا صارا أبوينا مُجرَّدين من استنارة الحقيقة، وانفتح عينا ضميريهما للنظر في عريهما وخزيهما. [174] كما يتحدث عن شهوة الإنسان الفاسدة للتألُّه بالطبيعة ومشابهة الله، وصولاً إلى مشابهة البهائم، والعري من حلتهما الأولى، ونالا بالموت الأقمصة الجلدية، أفتقد الإنسان الفخر الحقيقيّ المتمثل في صورة وشبه الله، لأنه كلما أحب الإنسان ذاته أكثر ابتعد عن الله. أسقط الإنسان نفسه في شهوة اختبار قوته، فنزل إلى مرتبة متوسطة بين الملائكة والبهائم، وهكذا عندما أراد أن يصير كالله، دفع ذاته إلى العدم، وسقط في منزلته المتوسطة. صار بالعقوبة إلى المنزلة الأدنى أي الأمور البهيمية. [175]

   يشرح ق. أوغسطينوس ماهية الخطية إنها القبول بالاستمتاع الشرير بالأمور المُدرَكة بالحواس الجسدية، ودفع الإحساس الحيوانيّ غاية الذهن التي تستخدم القوة الحيوية للعقل في الزمنيات والجسديات، لتنفيذ وظائفه بباعث إمتاع ذاته كما لو كان خير خاص بذاته، وليس خير عام ثابت ومشترك وصالح، وهكذا قبلت حواء الإغراء بالآكل من الشجرة المُحرَّمة. [176]

   يتحدث ق. أوغسطينوس عن سماح الله بتسليم الجنس البشريَّ إلى سلطان إبليس بالعدل الإلهيّ بشكل ما، وعبور خطيئة الإنسان الأول إلى كل الجنسين أصلاً، وفي ولادتهما عن طريق التناسل والزواج، وقيَّد إبليس نسلهما جميعًا. [177] لقد صار البشر جميعًا أصلاً تحت سلطان إبليس أصلاً أي بالطبيعة الفاسدة بالخطية صاروا أبناء الغضب، كما قال بولس الرسول، سمح الله بعدلٍ بتسليم الإنسان إلى سلطان إبليس. لم يفصل الله الإنسان عن سيادة سلطانه وصلاحه، عندما سمح أن يكون في سلطان إبليس، لأنَّ إبليس نفسه تحت سلطان الله، حيث لا تحيا الشياطين بدون الله، الذي يحيي كل شيء، أخضع ارتكاب الخطايا الإنسان إلى سلطان إبليس بسبب غضب الله العادل. وهذا يتعارض مع ما قاله الآباء اليونانيون عن تسليم الإنسان نفسه إراديًا بالعصيان إلى الشيطان، وليس لله دخل في ذلك! وهكذا بحسب تعليم أوغسطينوس استخدم الله الشر والشيطان كأداة عقابية للإنسان. [178]

   يوضّح ق. أوغسطينوس أننا مُقيِّدين بخطية وموت آدم الإنسان الأول كشرور موروثة؛ لأنَّ إبليس من أجل الواحد قيَّد جميع المولودين من شهوته (الجنسية) المادية الفاسدة. [179] يُؤكِّد ق. أوغسطينوس على مفهوم وراثة الخطية الأصلية بتقييد آدم لجنسه البشريّ بخطيته، لذلك رأي الله إنه من الأفضل أنَّ يتخذ له إنسان يهزم به عدو الجنس البشرىّ من نفس الجنس المهزوم نفسه، وأن يفعل هذا مِن عذراء يعلو ويفوق حبلها بالروح لا بالجسد، بالإيمان لا بالشهوة. وفعل هذا بدون تدخُّل شهوة الجسد التي تُحرِّكها الخطيئة الأصلية التي يتوالد ويحبل بها باقي البشر، بل صارت العذراويَة المُقدَّسة حُبلى لا بالزواج بل بالإيمان -بدون شهوة تمامًا- لكي يقود ذاك المولود من جذر الإنسان الأول؛ أصل الجنس الوحيد بدون خطية أيضًا، لأنَّ ذاك المولود كان بدون الطبيعة الفاسدة بمرض الخطية وكان العلاج الوحيد لكل فساد. [180] يُؤكِّد ق. أوغسطينوس هنا على انتقال الخطية الأصلية بالشهوة الجنسية من الآباء للأبناء، وأنَّ الله بتجسُّده من العذراء بدون شهوة، قد أوقف هذه السلسلة من توارث وانتقال الخطية، وصار أصلاً جديدًا للبشرية المُنتصِرة على إبليس في شخصه بهذا الحبل المُقدَّس. وإنْ كان أوغسطينوس يُؤكِّد أيضًا على طهارة الزواج والاستخدام السليم لهذه الشهوة المادية الكائنة في أعضائنا، ولكنها لِلأسف تحت الضغوط اللاإرادية للشهوة لم تكن قادرة على البقاء في الفردوس حتى قبل السقوط في الخطية، أو إنْ فعلت ذلك، فلا تقدر أحيانًا على مُقاومة تلك الرغبة. [181] كما يشير أوغسطينوس إلى غلبة المسيح آدم الثاني على قاهر آدم الأول المُقيِّد للجنس البشريّ؛ مُحرِّرًا الجنس البشريّ من الذنب البشريّ. [182] وهكذا يؤكد أوغسطينوس هنا على وراثة الذنب البشريّ التي رفضها الآباء اليونانيون؛ لأنَّ الذنب البشريّ هو فعل إراديّ يُحاسَب عليه فاعله إراديًا فقط، وليس نسله.

   يتحدّث أوغسطينوس عن أنَّ الإيمان ليس من فعل الإرادة الحرة فقط دون أن يكون عطية من الله، ويتساءل لماذا الصلاة لأجل الذين لا يريدون أنَّ يؤمنوا لكي يؤمنوا؟ فهذا يكون باطلاً، ما لم نؤمن إيمانًا كاملاً أنَّ الله القدير يستطيع أن يُغيِّر الإرادات المضادة المقاومة للإيمان حتى تؤمن! [183] تتضح هنا ملامح تعليم أوغسطينوس بالجبرية والقدرية، حيث يتدخل الله مانح حرية الإرادة لتغيير إرادات البشر؛ فأين تكون حرية الإرادة بتدخله في إرادات البشر؟! ويتساءل أوغسطينوس كيف يكون عمل الإرادة الحرة والنعمة في تغيير القلب؟ كيف يوصي الله بأمر لعمله ما دام هو الذي يعطيه؟ ولماذا يعطي إن كان الإنسان هو العامل إلا إذا كان يعطي ما يأمر به بإعانته للإنسان حينما يأمره به؟! [184] نتساءل هنا أين هو دور الإنسان إن كان الله يأمر وينفذ أمره في الإنسان؟! ويستكمل في نفس السياق إننا نحن نريد بالتأكيد حينما نريد، لكن الرب هو الذي يجعلنا نريد، إذ الإرادة تُعد من قِبل الرب، فنحن بالتأكيد نعمل حينما نعمل، ولكن الرب هو الذي يجعلنا نعمل بطلب قوة فعَّالة لإرادتنا، هو الذي يجعلنا نعمل ذاك الذي يريد الإنسان فعله، ويصلي لأجله متوسلاً. [185] يشير إلى عمل الرب في البداية فينا، حتى تكون لنا الإرادة، ويكمل معنا العمل حتى تكون لنا الإرادة القوية الكاملة، يعمل بدوننا لكي نريد، وإذ نريد لكي نعمل، يشترك هو معنا في العمل في داخلنا؛ نحن لا نستطيع بأنفسنا أن نفعل شيئًا صالحًا بدونه. يؤدي هذا التعليم بالضرورة إلى التواكل والاتكالية على الله في كل شيء، وهذا ما رفضه آباء الشرق جملةً وتفصيلاً.

   يشير أوغسطينوس إلى أنَّ هناك بعض الخطايا بمثابة عقوبة لخطايا أخرى يسمح بها الله باعتبارهم أوان للغضب! مثل تقسية الله لقلب فرعون. [186] وهذا التعليم ضد صلاح الله. يورِد أوغسطينوس مثال ابن جيرا البنيامينيّ الذي سب داود، ويؤكد أنَّ الله لم يأمره بسب داود بوصية، وإلا كان مستحقًا المديح؛ لأنه أطاعه، بل الله مال بإرادة ذلك الإنسان التي انحطت بضلاله لكي يرتكب هذه الخطية، وكان ذلك بأحكام الله السرية وعدله. يستخدم الله حتى قلوب الأشرار لمدح الصالحين وإعانتهم. [187] يذكر أوغسطينوس استخدام الله يهوذا لخيانة المسيح، واستخدامه اليهود في صلبه لبركة الأمم المؤمنة، واستخدامه لأشر عدو -الشيطان نفسه- لكن بأفضل وسيلة لامتحان إيمان الصالحين وورعهم لا لنفسه. استخدم الله إبليس لإتمام مشورته الصالحة. [188] يستخدم الله شر الأشرار للخير دون إعفائهم من مسئوليتهم عن شرهم. كل شيء شرير تم بإرادة الإنسان واختياره، ولكن السبب كان من قِبل الرب، يعمل الله في القلوب البشرية ليغير إرادتهم لما يريده، سواء للخير بحسب رحمته، أو للشر بحسب استحقاقاتهم، ويحدث هذا بعدله الواضح أحيانًا، والخفي أحيان أخرى. [189] كما يؤكد على وراثة الذنب والشر المرفوضة من الآباء اليونانيين، حيث يدعو إلى النظر إلى الحالة الأولى التي يشترك فيها جميع الأطفال الصغار بالطبع، الذين يرثون الشر من آدم. [190] يتحدّث أوغسطينوس أيضًا أنَّ الله سيجازي كل واحد حسب عمله الشر بشرٍ، لأنه عادل، والشر بالخير؛ لأنه صالح، والخير بالخير؛ لأنه صالح وعادل. [191]

   يتحدث ق. أوغسطينوس عن القدرية وخضوع الأجساد بعضها لإرادتنا، والبعض الآخر للملائكة الخاضعة جميعًا لإرادة الله السامية التي تتعلق بها كل إرادة، ومنها تستمد القوة التي يمدها بها، فالله هو العلة المطلقة غير المخلوقة التي تعمل كل شيء. [192] ويستكمل بأنَّ إرادتنا لا تتمتع بالقدرة بقدر ما أراد الله لها ورسم، ولهذا فكل ما تستطيع بكل تأكيد، وكل ما عليها عمله تعمله بحقٍ، لأنَّ كل ما لها من قدرة وفعل، فمنه (أي من الله) استمرت كل ذلك، ولو كان لي استعمال كلمة ”قدر“ لقلت قدر الضعيف إرادة الأقوى الذي يتعلق الضعيف به. [193]

   يتحدث ق. أوغسطينوس عن ماهية الغضب الإلهيّ، وإنه لا توجد فيه شهوة البتة، بل الغضب الإلهيّ هو تعبير عن الانتقام، ولا يعني اضطراب النفس بالشهوة. يا لها من نظرة مأساوية جدًا لله! [194]

   يوضِّح أوغسطينوس أننا كنا في صلبِ آدمِ عِندمَا أخطأ وأننا خَرَجنا مِن بذرة آدم المُشوَّهة بالخطيئة، وأنه نقل إلينا فساده وعقابه، وهنا يستخدم أوغسطينوس نظرية ”العلل البذرية“ الرواقية عن الخلق، ليُفسِّر بها كيفية انتقال خطية آدم منه إلى بنيه، فيقول:

”ولكن الإنسان قد أخطأ بحريته، فعُوقِبَ بعدلٍ، وانتقل إلى ذريته فساده والعقاب، لأننا جميعنا كنا فيه عندما كان وحده يمثلنا جميعًا. لقد سقط في الخطيئة بواسطة المرأة التي أُؤخِذَت مِن جنبه قبل الخطِيئة […] بيد أنَّ البذرةَ التي كَاَن عَلينا أنَّ نخرج منها قد شوَّهتها الخطيئة، وحَمَلت أثقال الموت بحُكمٍ عادلٍ، جَعَلت الإِنسان مولود الإنسان في الحَالَة عينها“. [195]

كمَا يُوضِّح أوغسطينوس سبب توارث الخطية الأصلية في موْضِع آخَر، فيَقولُ:

”لأنَّ اِسم الزوجة يضع في أفكار الرجل العلاقة الفاسدة التي تتشكَّل في إنجاب الأطفال“.[196]

   يُؤكِّد القديس أوغسطينوس أيضًا في أكثر من موْضِع مِن كتاباته عَلى عدمِ دُخُولِ الأطفالِ الّذين يموتون قبْل المعمُوديّة لِلملكُوت بِسبب وِراثة الخطيّة الأصليّة، حيْث يُخاطِب القِديس جِيروم قائِلاً:

”أسأل أيْن تُصاب النّفس بِالخطيئة الّتي بِنتيجتِها تسقُط في الهلاك الّذي لا يُعفى مِنه طِفل يموت بِدون نوال نِعمة المسيح بِالعِماد؟ لِأنّك لست مِن أولئِك الّذين ينطِقون بِأشياء جديدة، ويَذهبون إلى حدّ القوْل بِأنّه ليْس مِن خطيئة أصليّة يُعفى مِنها الطِّفل بِالعِماد“.[197]

ويَقول نفس الكلام في موْضِع آخر:

”فهذا الذّنب الوَحيد فقطّ يُسري عَلى الكلّ بِما فيهِم ذلِك الطِّفل، ولِذلِك لا يُسمح له بِالدُّخول إلى ملكوت السّماوات ليْس لِأنّه غير مسيحيّ فقط، بل وحتى لأنه غير قادِر أنَ يَكُون مسيحيًا“. [198]

   كما يعترف ق. أوغسطينوس بأنَّ الخطية ليست مادة ولا كيان لها، بل اسمها ينطوي على مُجرَّد فعل يتسم بِالخطأ، فيقول:

”كيْف أَمكِنَ لِهَذا الفساد أنَ يحدُث بِالخطيئة، عِلمًا بِأنّ الخطيئة ليْست مَادة وَلَا كيانًا؟ فلنوضِح المسألة بِمِثل آخَر قد يقرُب المَعنّى: هل عدم أكل الطّعام مادّة وكيان؟ بِالطّبع لا، لِأنّ الطّعام في حدّ ذاته هو المادّة والكيان، فعدم الأكل إذًا ليْس مادّة ما، ولكِنّ اِستِمرار العُزوف عَن الطّعام بِصورة حادّة يُحدِث سوء التغذية، وذبولاً في البدن، وتدهورًا في الصِّحّة، ووهنًا في القوة، والضعف الشديد ثم الإعياء فالاِنهيار، هذا لو أستطاع الإنْسَان الاِستِمرار على قيْد الحيَاة، وحتى لو حاوَل بعْد هذا استعادة صِحّتِه باستعمال الأطعمة التي عزفَ عَن تناولها، فقد يتأذى وتزدَاد حَالتُه سوءًا، لأنَّ جهازه الهضميّ قد اعترته الأمراض والفساد، هكَذا بِنفس الطريقة: حقًا أنَّ الخطيئة ليْست كيانًا ولا هي وجود، ولكن الله هو الكيان الواجِب الوُجود، وحِينمَا عزفَ الإنْسَانُ عَن الله بِالعِصيان زمنًا طويلاً، دب الفساد في طبعه البشريّ، حتى أنه لم يعد قادرًا أنَّ يبتهج بإلهه مِن شدة الضعف“. [199]

نستعرض رأي البروفيسور أدولف فون هارناك Harnack (لاهوتي لوثري بروتستانتي) وهو أحد شراح العقيدة المسيحية المعتبرين في العالم؛ حيث يشرح المفهوم الأوغسطينيّ عن ”وراثة الخطية الأصلية“ كالتالي:

”رُسِم تعليم الخطية والسقوط والحالة الأولى من وجهة نظر النعمة الحرة والمسبقة، إنه يتبع تعليم النعمة؛ حيث أن الخطية تصف الجنس البشري كما هم موجودون حاليًا. تعلن الخطية عن نفسها بالأساس كوجود من دون الله (انعدام وجود الله Carentia dei) نقص إرادي في القدرة على الوجود والكينونة، والفشل في امتلاك معية الله أي انعدام الخير (Privatio boni)؛ وتمثل الخطية عدم ملازمة الله، وبالتالي يكون بالحقيقة المفهومان – المفهوم الميتافزيقي أن الخطية هي نقص الكينونة، والمفهوم الآخر الأخلاقي الذي هو نقص الصلاح- متطابقين كما نفكر فيهما؛ تمامًا كما عند فحص النعمة يتألف ويتفق دائمًا العنصران الميتافزيقي والأخلاقي الديني (أي إيجاد الوجود من العدم). تلك الخطية هي حالة: حيث تعجز الحتمية البائسة الرديئة عن الامتناع عن ممارسة الخطية. الحرية بمعنى «حرية الاختيار» لم تتلاشى تمامًا؛ بل الحرية التي مازالت موجودة دائمًا ما تقود إلى الخطية؛ وتلك الحالة هي الأكثر رهبةً وبغضةً بالتمام. حيث توجد معرفة محددة بالخير، بل وحتى رغبة ضعيفة له؛ ولكنها مستسلمة دائمًا. (نجد عند أوغسطينوس مسألتين هما: أن الخاطئ لا يريد الصلاح؛ وإنه مازال تحت تأثير حافز أعمى يسعى نحو النعم والبركات، بل وحتى نحو الخير، ولكن من دون الحصول عليهم أبدًا). الشيء الإيجابي، مع ذلك، أن حالة الخطية تعلن عن نفسها إنها بمثابة سلطان إبليس على البشر من خلال الكبرياء (الكبرياء هو الميل إلى اللا كينونة والعدم وهو دائمًا في نفس الوقت السعي نحو الاستقلالية والانفصال؛ ويعتبر شيئًا خاطئًا؛ وينتهي بلا نتيجة) والشهوة (الكبرياء هو شهوة النفس، بينما الشهوة هي بالأساس شهوة الجسد التي تسود على النفس؛ والتطور الداخلي للخطية من انعدام الخير إلى الجهل والشهوة والإثم والحزن والخوف واختيار الموت “أنظر الانخيريديون : ٢٣” وما كان يعتبره أوغسطينوس كثيرًا في الخطية هو المرض والجرح). ينتج من هذا الأساس إنه ينبغي خلاص الإنسان من الخارج بحيث يمكن مساعدته (عمل مسيح التاريخ هو بالأساس الخلاص من سلطان إبليس). الكبرياء هو فيما يتعلق بالله، وتبين الشهوة أن الإنسان خاطئ نفسًا وجسدًا؛ ومازال التأكيد إلى الآن يقع على الشهوة (يدخل هنا العنصر الجامع الشائع والمنتشر؛ ومازال يبرزه أوغسطينوس بالأكثر على الرغم من ذلك كما جاء في الانخيريديون: ١١٧). إنها الرغبة الدنيئة والشهوة الحسية التي تعلن عن نفسها فوق كل شيء في شهوة الجسد. تعلّمنا الحركة الجنسية المعتمدة على الإرادة أن الطبيعة فاسدة، ولكنها لم تصبح رذيلةً أو فسادًا؛ بل فاسدة natura vitiata. المقالات المنفرة جدًا عن الزواج والشهوة في الكتابات الجدلية ضد يوليان؛ كذلك أيضًا في مدينة الله: ١٤ هي -كما فهم الأخير (يوليان) حقًا- مستقلة بشدة عن مانوية أوغسطينوس: (أقتفى يوليان أثر النظرية التوالدية traducianism وأرجعها إلى المانوية see op.imperf.III. 172) علاوة على ذلك، تظهر المانوية بالفعل عند الحديث عن تعليم «الخلق من العدم» Ex nihilo كما لو كانت كيانًا شريرًا -وفي رأيي- لم تشرح الأفلاطونية المحدثة وحدها ذلك المفهوم؛ حيث لا يمكن إثبات الركيزة أعلاه بدقة (See Loofs, D. Gesch., 3Ed., p. 215) وليست المقالات بالتأكيد مجرد عمل في النسق الأوغسطيني؛ بل تخص محوره ومركزه. الصفة المميزة جدًا في نطاق النشاط الجنسي كانت – في رأيه- لا إرادية الحافز؛ ولكن بدلاً من استنتاج إنه لا يمكن أن يكون خاطئًا بالتالي – ولا ينبغي أن يكون ذلك هو الاستنتاج بالحفاظ على المبدأ القائل: كل خطية هي من الإرادة- يستنتج (أوغسطينوس) بالحري إنه هناك خطية خاصة بالطبيعة أي خاصة بالطبيعة الفاسدة، ولا تخص نطاق الإرادة. وتبعًا لذلك؛ يفهم الخطية على أنها متجذرة في الطبيعة بالتأكيد في الشكل الذي قد اتخذته؛ الخطية التي تنقل نفسها عن طريق الولادة في طبيعتنا، وإنه لمن السهل الآن إثبات إنه أثناء التفكير في الخطية الموروثة، كان ينظر بشكل رئيسي لتلك الخطية عينها أنها شهوة الإنجاب؛ ولكنه من غير العملي اقتباس تلك المادة هنا، وبالتالي فإنه من الواضح أن الخطية الموروثة هي أساس كل شر؛ وإنها في وضع مختلف تمامًا عن الخطايا الفعلية؛ لأنه في الخطية قد صارت الطبيعة شريرة؛ وتصيب الكيان بأكمله. ولكنه من الواضح أن هذه كانت رواية مجهولة في الكنيسة، ولابد من شرحها وتفسيرها بالرجوع إلى المانوية. لم يقصد أوغسطينوس بالطبع أن يكون مانويًا؛ إنه يميز بوضوح بين الفساد والطبيعة الفاسدة (الزواج والشهوة: ٣٦؛ op. imp. III. 188 etc., etc.,) لقد كان يحاول إدخال ”الإرادة“ حتى إلى الخطية الموروثة (الاستدراكات ١: ١٣: ٥) ولكن لم يتم التغلب ببساطة على الثنائية dualism بالاعتقاد أن الطبيعة قد صارت شريرة mala ومازالت تنقل نفسها بالتناسل كشر، والإرادة هي مجرد تأكيد. تقع الثنائية في الاعتقاد أن الأطفال لديهم خطية أصلية؛ لأن أبويهم قد أنجبوهم بالشهوة -ومن خلال هذا الاعتقاد الذي يتوقف على تعليم الخطية الأصلية (الزواج والشهوة ٢: ١٥)، وبالتالي المسيح لديه أيضًا عصمة من الخطية منسوبة إليه؛ لأنه لم يُولد من زواج (الانخيريديون ٤١: ٣٤)؛ وتصوّر أوغسطينوس الزواج الفردوسي في جنة عدن؛ حيث يُولد الأطفال بلا شهوة، أو كما يقول يوليان ساخرًا، بالاهتزاز من الأشجار. وكل ما يؤكده ويثبته هنا قد فهمه منذ زمن بعيد ماركيون والغنوسيون. حيث قد يكون المرء -في الحقيقة- فظًا جدًا وعاجزًا عن -أي من دون المانوية- الانسجام مع هذا الشعور؛ بل للتسليم به كما فعل أوغسطينوس من دون رفض الزواج بالتبعية- يمكن أن يحدث فقط في الوقت حينما كانت التعاليم مشوّشة في القرن الخامس. ولقد زاد أولئك بالحقيقة التشويش أكثر حتى الآن؛ الذين قد اعتقدوا إنهم يستطيعون الحفاظ على تعليم أوغسطينوس عن الخطية الموروثة، بينما يرفضون تعليمه بخصوص الشهوة. ولكن تاريخ العقيدة هو تاريخ المشوشات المتزايدة دائمًا والاختلافات الناجمة ليس عن الجهل فقط؛ بل وعن التناقضات أيضًا؛ لأن الكنيسة كانت قادرة بصعوبة فحسب على التخلي عن كل شيء موجود في التقليد. ويصعب القول أيضًا أن أوغسطينوس بنظريته قد عبّر ببساطة عن النزعة النسكية (قد ذهب چيروم في الحقيقة بعيدًا تمامًا في رفضه للزواج «أنظر مقالة ضد جوفينيان» See lib. Adv. Jovin.) لأن تلك كانت نزعة وليست نظرية. تقع النقطة المنطقية في تعليم أوغسطينوس في الدينونة التي يمر بها ابن الله في نفسه أي إنه يصير بائسًا من دون الله؛ وهذا البؤس هو الذنب، ولكن هذا التناقض الظاهريّ في رأي الإيمان ليس المفتاح لفهم التاريخ. وبالتالي فإنها (الطبيعة) تنقل الخطية بالولادة“. [200]

تفسير نص آية (رو5: 12)

نرى أيضًا أنه يُثار دائمًا أيضًا حول موضوع ”الخطية الجدية“ تفسير معنى نص آية (رو٥: ١٢):

”مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ“.

وسأورد النص الانجليزي كالتالي:

“Wherefore, as by one man sin entered into the world, and death by sin; and so death passed upon all men, for that all have sinned”.

وسأورد النص اليوناني كالتالي:

“δια τουτο ωσπερ δι ενος ανθρωπου η αμαρτια εις τον κοσμον εισηλθεν και δια της αμαρτιας ο θανατος και ουτως εις παντας ανθρωπους ο θανατος διηλθεν “εφ ω” παντες ημαρτον”.

وسأورد النص اللاتيني بحسب الفولجاتا كالتالي:

“propterea sicut per unum hominem in hunc mundum peccatum intravit et per peccatum mors et ita in omnes homines mors pertransiit “in quo” omnes peccaverunt”.

ثم سأستعرض الآن تعليقات وآراء الباحثين والدارسين المعتبرين في العالم حول تفسير نص (رو٥: ١٢) واستخدام أوغسطينوس له ومن قِبله أمبروسياستير؛ الذي تأثر به أوغسطينوس في تعليمه حول ”وراثة الخطية الأصلية“ كالتالي:

 يؤكد البروفيسور نورمان ويليامز N. P. Williams على ضعف الأساس الكتابي الذي ترتكز عليه رؤية ق. أوغسطينوس في تفسيره لنص (رو٥: ١٢)، حيث يقول التالي:

”حيث أن القارئ العادي يدرك أن النصوص الكتابية الخمسة التي يرتكز عليها مفهوم أوغسطينوس للخطية الأصلية ثلاثة منها على الأقل هي عبارة عن أخطاء في الترجمة اللاتينية الشعبية (Itala) الإيتالا التي كان يعتمد عليها ق. أوغسطينوس وكان دائم الشكاوى منها خاصةً في خطاباته المتبادلة مع جيروم وبالرجوع إلى التقليد نلاحظ أن أغلب الآباء الذين اعتمد عليهم أوغسطينوس في تفسيره كانوا غربيين“. [201]

كما يؤكد البروفيسور جون رايست J. M. Rist على ذلك قائلاً:

”لقد أسأ أوغسطينوس بصورة متكررة اقتباس الآيات من عند ق. بولس الرسول عن أثر الخطية على الجميع في آدم“. [202]

يتحدث البروفيسور جون كيلي J. Kelly عن أمبروسياستير الذي تأثر أوغسطينوس بعد ذلك به في تفسيره لنص (رو٥: ١٢) قائلاً:

”تعليم أمبروسياستير يستحق الملاحظة والتمعن فيه بشكل خاص ومحدد لأنه مبني على تفسير نص (رو٥: ١٢) الذي رغم ذلك خاطئ ويعتمد على قراءة خاطئة صارت المحور الأساسيّ لعقيدة الخطية الأصلية. يسير نص ق. بولس اليوناني كالتالي: وهكذا سار الموت إلى جميع البشر لأن έφ ώ الجميع ولكن الترجمة في النسخة اللاتينية القديمة التي استخدمها أمبروسياستير كانت تحتوي على ترجمة خاطئة كالتالي: فيه in quo أخطئ الجميع وبالتالي نجد تعليقه على نص (رو٥: ١٢) «فيه» أي في آدم أخطأ الجميع“. [203]

ويعلق البروفيسور جون كيلي في موضع آخر عن أوغسطينوس قائلاً:

”لقد وجد (أوغسطينوس) برهانًا كتابيًا عن الخطية الأصلية في (رو٥: ١٢) [حيث مثله مثل أمبروسياستير يقرأها فيه]“. [204]

كما يعلق البروفيسور جوزيف تكسرون J. Tixeront في نفس السياق قائلاً:

”لأنه «فيه» بعد التردد قليلاً لقد أشار (أوغسطينوس) بها إلى الإنسان لقد أصر دائمًا على ترجمتها «فيه» أي في آدم مهمِلاً المعنى الدقيق“. [205]

ويعلق البروفيسور جوزيف تكسرون في حاشية رقم ١٢٥ من ص ٤٦٣ على هذا الموضوع قائلاً:

”قُرائنا الآن يعرفون أن المفسّرين والمعلّقين لا يتفقون مع أوغسطينوس في هذه النقطة“.[206]

الخلاصة من ذلك، لقد اعتمد ق. أوغسطينوس على ترجمة خاطئة في إثبات مفهومه وطرحه وعقيدته حول وراثة الخطية الأصلية.

معمودية الأطفال

يُثار دائمًا حول موضوع ”وراثة الخطية الجدية“، ويرتبط به ارتباطًا كبيرًا موضوع سر ”المعمودية“، وبالأخص ”معمودية الأطفال“، ولماذا نعمِّد الأطفال رغم أنهم لم يفعلوا أي خطية أو ذنب فعليّ أو شخصيّ أخلاقيّ؟

يشرح ق. كيرلس الأورشليمي مفاعيل سر المعمودية في عظاته للموعوظين فيقول إن المعمودية فداء للأسرى ومغفرة للتعديات وموت الخطية والميلاد الثاني للنفس وثياب النور وختم مقدس لا ينحل مركبة إلى السماء وفرح الفردوس وعربون الملكوت ونعمة التبني فالمعمودية تعطينا عطية الروح القدس وهي أيضًا مثال كامل لآلام المسيح لأنها شركة آلام المسيح الحقيقية. [207] ولم يأت ق. كيرلس طوال عظاته للموعوظين على ذكر إزالة المعمودية للخطية الجدية الموروثة من آدم!

 ويتحدث ق. يوحنا فم الذهب عن غاية ”معمودية الأطفال“ قائلاً:

”ولهذا السبب نفسه نعمَّد الأطفال ولو أنهم بلا خطية، ولكن لكي ما ينالوا بقية العطايا من تقديس وبر، واختبار للتبني، والميراث حتى يشَّبوا أخوة وأعضاء ويصيروا هيكلاً للروح“. [208]

يحدَّد ذهبي الفم هنا غاية معمودية الأطفال لنوال التقديس والبر واختبار التبني لله وميراث الحياة الأبدية ولكي يصيروا هيكلاً للروح القدس أعضاء في جسد المسيح الواحد (أي الكنيسة) ولم يتحدث عن إزالة الخطية الجدية من الأطفال بالمعمودية. يؤكد ق. يوحنا أيضًا أن العماد هو الصليب ما قد حدث بالنسبة للمسيح في الصلب والدفن يصنعه العماد معنا بنفس الطريقة. كما يؤكد ذهبي الفم على حقيقة أن نفوس الأطفال ليست شريرة مثلها مثل نفوس الأبرار. [209] ونجد ق. يوحنا في جميع عظاته للموعوظين الأثنى عشر لم يأت على ذكر إزالة المعمودية للشر الموروث من آدم بالخطية الجدية!

يتحدث ق. باسيليوس الكبير في كتابه ”المعمودية“ عن أن معمودية الماء هي مثال للصليب والموت والدفن والقيامة من الأموات؛ فالمعمودية تشمل عمل الخلاص كله في كافة أبعاده فهي التبرير والتقديس والخلق الجديد والتطهير والاغتسال والموت والدفن مع المسيح لأن المعمودية كافية للتجديد ولكن ما هو مطلوب هو الاستمرار في البقاء في إطار عمل الله في المعمودية. يقول ق. باسيليوس أن العماد ليس فقط دفن مع المسيح للاتحاد به بل هو أولاً صلب معه الأمر الذي ينبغي تعلمه أيضًا. ولكم أن تتخيلوا يا أحبائي إن ق. باسيليوس طوال كتابه عن ”المعمودية“ لم يأت أبدًا على ذكر أثر المعمودية في إزالة الخطية الأصلية الموروثة من آدم! [210]

كما يرفض ق. غريغوريوس النزينزي تأجيل الأمهات لمعمودية أطفالهن بحجة ضعف طبيعتهم بل يحثهن على معمودية الأطفال لنوال نعمة الثالوث القدوس كأفضل وقاية وحماية. [211] كما يتحدث ق. غريغوريوس عن الأطفال المعذورين في عدم معموديتهم لأسباب فوق العادة قائلاً:

”أما الأطفال والمعذورون في عدم معموديتهم (لأسباب فوق العادة) فهؤلاء ليس عليهم عقاب أمام القاضي العادل، كما أنه ليس لهم مجد وبهاء (بسبب حرمانهم من المعمودية). لأن مَنْ يشتهي المعمودية، ولم يحصل عليها لسبب ما، فكأنه حصل عليها، ولكن لماذا لا نحصل عليها فعلاً؟ ولأقل لك هذا: إذا كان يكفيك أن يكون عندك الشوق لكي تظهر فيك قوة المعمودية“. [212]

 ويؤكد ق. غريغوريوس هنا على الحالة المتوسطة التي يظل فيها الطفل الذي يموت قبل المعمودية فهو لا يُعاقب من الله الديان العادل ولكنه لا يُمجّد في نفس الوقت وإنه بالرغم من ضرورة معمودية الأطفال ولكنه لوجود أسباب قهرية تمنع معمودية الأطفال (مثل الموت المبكر أو أي سبب آخر) فالرغبة في المعمودية تعادل الحصول عليها والشوق إلى المعمودية يكفي لظهور قوة المعمودية في المشتاق إليها. وعندما سُئل النزينزي عن معمودية الأطفال الذين لا يشعرون بنعمة المعمودية ولا بخسارتها أجاب بأنه يجب تعميدهم خصوصًا لو كان هناك خطر من الأخطار على حياتهم فمن الأفضل تعميدهم من غير أن يشعروا من أن يذهبوا من العالم غير مشاركين في سر النعمة والكمال المقدس عابرين وغير مختونين. [213] يشير ق. غريغوريوس إلى أنه ينبغي الإسراع في المعمودية والميرون للتخلص من الولادة الفاسدة وتنقية العقل المحرك للمشاعر والأحاسيس لأن الهدف من المعمودية هو التمتع بشفاء المسيح لنا من جراح الخطية والتحرر من عبودية إبليس ونوال لباس الخلود بعد لباس الموت. [214] لم يأت ق. غريغوريوس اللاهوتي على ذكر موضوع ”وراثة الخطية الجدية“ وإزالتها بالمعمودية في سياق حديثه عن مفاعيل وآثار سر المعمودية سواء على الأطفال أو الكبار. يتحدث ق. غريغوريوس أيضًا عن ثلاثة أنواع من الحياة السابقة للمعمدين قبل المعمودية وهم: الأول، كانوا غرباء تمامًا عن الله والخلاص وجربوا كل أنواع الرذائل وسعوا إليها ثم سعوا لبلوغ الصلاح بعد المعمودية والحفاظ عليه. الثاني، أنصاف أرذال يعيشون بين الفضيلة والرذيلة اقترفوا الشر ولكنهم لم يوفقوا ضمنًا على ما اقترفوه وهم يصيرون أفضل حالاً من النوع الأول بعد المعمودية. الثالث، كانوا أنقياء بطبيعتهم وسجيتهم والبعض منهم أنقياء بالجهاد الأخلاقي فهيأوا أنفسهم للمعمودية منقين أنفسهم فصاروا بعد المعمودية أرسخ في الفضيلة وأفضل من النوعين السابقين. [215] ونتساءل أيضًا لما لم يأت أي ذكر لموضوع إزالة الخطية الجدية الموروثة من آدم في خضم حديث ق. غريغوريوس عن المعمودية عامةً ومعمودية الأطفال خاصةً؟!

كما يتحدث ق. غريغوريوس النيسي عن مفاعيل المعمودية قائلاً:

”بل أن ذاك الذي تركت الخطايا أثارها عليه وتقسَّى وتوحش بسبب الأعمال الشريرة، نعيده بالمعمودية إلى براءة الطفولة مرة أخرى، أي كما أن الطفل بمجرد ولادته، هو خالي من أي ذنب يستوجب العقوبات، هكذا طفل الولادة الجديدة، فليس هناك ما يجعله يدافع به عن نفسه تجاه أي شر بعدما تخلَّص وتحرَّر بالنعمة الملوكية من كل ما يعرِّضه للمساءلة والحساب والعقاب“. [216]

ويشرح ق. غريغوريوس النيسي هنا إن الطفل ليس عليه عقوبة من خطية عند معموديته، بل هو خالي من أي ذنب يستوجب العقوبات ولكن المعمودية لازمة له من أجل الولادة الثانية والخلاص والتحرر بالنعمة. كما يرى ق. غريغوريوس أن الأطفال يُولدون بدون وباء الخطية لأن الطفل بريء ليس فيه مثل هذا الوباء قبل أن يغطي عين نفسه قياسها من النور وهكذا تستمر في الوجود في هذه الحياة الطبيعية ولا تحتاج إلى الصحة الآتية من التطهير لأنها لم تسمح أبدًا بدخول الوباء إلى نفسه مطلقًا. [217] كذلك يرى ق. غريغوريوس النيسي أن مصير الأطفال سيكون الملكوت حتى لو ماتوا مبكرًا قبل العماد لأنه في حالة الأطفال الذين يموتون مبكرًا لا يوجد أي شيء من هذا القبيل بل أنهم ينطلقون نحو نصيبهم من السعادة فورًا ولكنه يوضح أن الطفل الذي يموت بدون معمودية لن ينال نفس القسط من السعادة التي ينالها الرجل الناضج الذي قد نال العماد وكان بارًا طوال حياته رغم أن الاثنين قد يكونان بلا خطيئة أو ذنب لأنه ليس من العدل القول بأن الرجل والطفل يكونان في نفس الحالة على الرغم من أن كليهما قد يكون حرًا من أي اتصال أو احتكاك بالمرض بل على العكس على الرغم من غياب أي تأثير من المرض قد يُنسب إلى الاثنين إلا أن الاثنين متشابهان على حد السواء في كونهما بعيدين عن مدى تأثيره. [218] وهذا ما أكده ق. غريغوريوس النيسي في موضوع آخر حيث تخلو حياة الطفل من كل ميل شرير ولا يملك تمييز الخير والشر فكيف يُعاقب الطفل عوضًا عن الأب المذنب؟! الطفولة تجهل الشهوة كما يؤكد ق. غريغوريوس على عدم وراثة الابن لأي ذنب شخصي من الأب بل كل نفس تخطئ هي تموت الابن لا يحمل من إثم الأب والعكس صحيح (حز١٨: ٢٠). [219] وبالتالي أيضًا لم يأت ق. غريغوريوس النيسي على ذكر أي شر موروث من آدم تزيله المعمودية بل على العكس صرّح بدخول الطفل مباشرةً للملكوت لأنه بدون أي شر موروث أو فعليّ.

 

([1]) الأورفية: ديانة إغريقية سرية قديمة تركزت حول شخصية «أورفيوس» وهو بطل شبه أسطوريّ، وأكَّدت أن الروح جوهر إلهيّ، وأنها لا تبلغ إلى مرتبة الحقيقة إلا بعد مفارقتها للجسد، كما ذهبت إلى أن الأرواح تتناسخ متخذةً أشكالاً أعلى وأدنى تبعًا لأعمال صاحبها في الدنيا، وهي تزدري الجسد، وتمجد الحياة الأخرى، وتحث على النقاء الأخلاقي. أثرت الأورفية في الفيثاغورية، وأفلاطون، والغنوسية، والأفلاطونية المحدثة، كما ظهرت مكتشفات في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين توحي بوجود تقارب بين شذرات الأورفية وشذرات هيراقليطس.

([2]) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، إصدار الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، طبعة 2017، ص36، 37.

([3]) فريدريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة مج1 (اليونان وروما)، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح إمام، إصدار المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، ص 66.

([4]) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، إصدار الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، طبعة 2017، ص67.

([5]) فريدريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة مج1 (اليونان وروما)، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح إمام، إصدار المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، ص 167، 168.

([6]) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، إصدار الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، طبعة 2017، ص 111، 113.

([7]) فريدريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة مج1 (اليونان وروما)، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح إمام، إصدار المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، ص 305، 306.

([8]) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، إصدار الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، طبعة 2017، ص 209.

([9]) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، إصدار الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، طبعة 2017، ص241.

([10]) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، إصدار الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، طبعة 2017، ص 251- 254.

([11]) فريدريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة مج1 (اليونان وروما)، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح إمام، إصدار المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، ص 179- 181.

([12]) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، إصدار الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، طبعة 2017، ص 269، 270.

([13]) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، إصدار الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، طبعة 2017، ص273، 275.

([14]) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، إصدار الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، طبعة 2017، ص320.

([15]) يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، إصدار الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة، طبعة 2017، ص 283، 284.

([16]) جيووايدنغرين، ماني والمانوية، ترجمة: د. سهيل ذكار، إصدار دار حسان للطباعة والنشر بسوريا، ص82.

([17]) Augustine, De peccator merit et remiss., III, 5: 1.

([18]) Liber Subnotationum, praefatio, 2; Cf. Augustine, De gratia Christ. Et de pecc. Orig., II, 3.

([19]) لقد درس القانون، وكان بحسب كلام ماريوس ميركاتور فصيح اللسان وبليغ بشكلٍ مذهلٍ (Liber Subnotationum praefatio, 4)، وكان ق. أوغسطينوس يميزه عن بيلاجيوس (De gratia Christi. Et de pecc. Orig., II, 13).

([20]) Contra Iulian, VI, 36.

([21]) P. L, V, XXI.

([22]) P. L, V, XXX also in V, XXXIII.

([23]) P. L, V, XIV also in V, XLVIII.

([24]) Julian ap. Augustine, Contra Iulian. Op. imperf., I, 78,79; Pelagius, Libell. Fidei, 13.

([25]) Augustine, De gratia Christi et de pecc. orig., I, 5.

([26]) Definitiones Caelestii apud Augustinum, De perfect. Iustitiae hominis, 4; Contra Iulian opus imperf., III, 110, 117.

([27]) Pelagius, ap. Augustine, De natura et gratia, 8; De gratia Christi et de pecc. Orig., I, 5; De gestis pelagii, 16; Etc.

([28]) De gratia Christi et de pecc. Orig., I, 5; De gestis pelagii, 16.

([29]) Ad Demetriadem, III, 7; De natura et gratia, 48.

([30]) Definitiones Caelestii, ap. Augustinum, De perfect. Iustitiae, II, 6; De gratia Christi et de pecc. Orig., II, 6; Contra Iulian op. imp., I, 48, VI, 21.

([31]) Definitiones Caelestii, ap. Augustinum, De perfect. Iustitiae, II.

([32]) Julian, ap. Augustinum, Contra Iulian, op. imp. VI, 8 & foll., 21.

لم يفوت البيلاجيون بالطبع فرصة عرض تعليم ق. أوغسطينوس على إنه بمثابة بقايا التعاليم المانوية في عقله التي كان يعتنقها في السابق.

([33]) Julian, ap. Augustine, Contra Iulian, op. imp. I, 61.

([34]) Pelagius, ap. Marius Mercator, Commonitorium, II, 10; Julian, ap. Augustine, Contra Iulian op. imp., VI, 21.

([35]) Julian, ap. Augustine, Contra Iulian, op. imp., II, 107; De gratia Christi et pecc. orig. II, 3; De peccator merit et remiss., I, 9.

([36]) Caelestius, ap. Augustine, De gestis pelagii, 23.

([37]) Julian, ap. Augustine, Contra Iulian, op. imp., II, 93; VI, 30; Caelestius, ap. Augustine, De gestis pelagii, 23.

([38]) Julian, ap. Augustine, Contra Iulian, op. imp., VI, 27, 25; De pecc. Merit. Et remiss., I, 2.

([39]) Julian, ap. Augustine, Contra Iulian, op. imp., I, 71; III, 212; IV, 45- 64.

([40]) Ad Demetriadem, VIII, 17.

([41]) Ap. Augustine, De gratia Christi et de pecc. Orig., I, II.

([42]) Julian, ap. Augustine, Contra Iulian op. imp., I, 53; Pelagius, Libellus fidei, 7; Contra duas epist. Pelag., IV, 2.

([43])Julian, ap. Augustine, Contra Iulian op. imp., I, 53; V, 9; VI, 36; Cf. Contra duas epist. Pelag., VI, 2.

([44]) De gestis pelagii, 23, 24; Contra duas epist. Pelag., II, 7; De pecc. Merit. et remiss., I, 26; De praedestin. Sanctorum, 25.

([45]) Ap. Augustine, De gratia Christi et de pecc. Orig., I, 2, 8, 36; De gestis pelagii, 31; Ad Demetriadem, 3.

([46]) Ap. Augustine, De gestis pelagii, 42.

([47]) Ap. Augustine, Contra Iulian op. imp., III, 106; Cf. I: 52.

([48]) Ap. Augustine, De gratia Christi et pecc. Orig., I, 27- 30; Cf. Contra duas epist. Pelag., II, 17.

([49]) Julian ap. Augustine, Contra Iulian op. imp., I, 94.

([50]) Ap. Augustine, De gestis pelagii, 22.

([51]) Pelagius, ap. Augustine, De gratia Christi et pecc. orig., II, 30; Ad Demetriadem, 8.

([52]) Pelagius, Ad Demetriadem, 8.

([53]) وهذا ملخص كتاب بيلاجيوس De libero arbitrio كما لخصه أوغسطينوس في كتابه

De gratia Christi et pecc. Orig., I, 45; Cf. Contra duas epist. Pelag., IV, II.

([54]) De gratia Christi et pecc. orig., I, 8.

([55]) Pelagius, ap. Augustine, De gratia Christi et pecc. orig., I, 34, 27; Contra duas epist. Pelag., II, 17; Contra Iulian, IV, 15.

([56]) Ap. Augustine, De gestis pelagii, 42.

([57]) De gestis pelagii, 43; De gratia et libero arbitrio, 15.

([58]) Augustine, De praedestin. Sanctor., 36 & Cf. 35-37; Epistle CXCIV, 35.

([59]) Contra duas epist. pelag., II, 15, 16.

([60]) De gestis pelagii, 24.

([61]) د. سعيد حكيم، الآباء والعقيدة، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، ص 198.

([62]) Julian, ap. Augustine, Contra Iulian, I, 29.

يمكن الرجوع في هذه النقطة إلى

 Cf. Harnack Lehrb. Der DG, III, P.188; History of Dogma, Vol. 5, P.190, n. I.

والنصوص المقتبسة في المرجع السابق.

([63]) J. Tixeront, History of Dogmas Vol. II (From St. Athanasius to St. Augustine “318- 430”), Trans. By H. L. B., St. Louis, Mo., 1914, Pub. By B. Herder (London & U. S. A.), P. 432- 454.

([64]) د. سعيد حكيم، الآباء والعقيدة، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، ص 196- 200.

([65]) القديس أثناسيوس، تجسد الكلمة، ترجمة: د. جوزيف موريس فلتس، مراجعة: د. نصحي عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، 3: 3، ص 8.

([66]) المرجع السابق، 3: 4، ص 9.

([67]) المرجع السابق، 4: 4، ص10، 11.

([68]) المرجع السابق، 4: 5، ص 11.

([69]) المرجع السابق، 4: 5، ص 11، 12.

([70]) المرجع السابق، 5: 1- 5، ص13، 14.

([71]) المرجع السابق، 6: 1- 3، ص15.

([72]) المرجع السابق، 6: 4- 6، ص16.

([73]) المرجع السابق، 11: 1، 2، ص28، 29.

([74]) المرجع السابق، 13: 1، ص 35.

([75]) المرجع السابق، 14: 4، ص 41.

([76]) المرجع السابق، 15: 2، ص 43.

([77]) المرجع السابق، 20: 2، ص 57.

([78]) القديس أثناسيوس، ضد الوثنيين، ترجمة: د. جوزيف موريس فلتس، مراجعة: د. نصحي عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، 2: 1، ص6.

([79]) المرجع السابق، 2: 3، ص 8.

([80]) المرجع السابق، 2: 3، ص 11، 12.

([81]) المرجع السابق، 4: 2، ص 13.

([82]) المرجع السابق، 4: 4، ص 14، 15.

([83]) المرجع السابق، 6: 1، 2، ص 18.

([84]) القديس أثناسيوس، ضد أبوليناريوس (تجسد ربنا يسوع المسيح)، تعريب: د. جورج حبيب بباوي، إصدار دار جذور للنشر والتوزيع بالقاهرة، طبعة 2016، 1: 12، ص39.

([85]) المرجع السابق، 1: 14، ص 43.

([86]) القديس أثناسيوس، ضد الوثنيين، ترجمة: د. جوزيف موريس فلتس، مراجعة: د. نصحي عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، 7: 3، ص 22.

([87]) J. Kelly, Early Christian Doctrines, Adam & Charles Black London, Fourth Edition (1968), P.347- 348.

([88]) Ibid, P. 349.

([89]) Ibid, P.350- 352.

([90]) J. Tixeront, History of Dogmas Vol. II (From St. Athanasius to St. Augustine “318- 430”), Trans. By H. L. B., St. Louis, Mo., 1914, Pub. By B. Herder (London & U. S. A.), P.140- 147.

([91]) القديس كيرلس الأورشليمي (حياته – مقالاته لطالبي العماد – الأسرار)، إعداد القمص تادرس يعقوب ملطي، إصدار كنيسة سبورتنج بالإسكندرية، طبعة ثانية 2006، مقالة 1: 2، ص53.

([92]) المرجع السابق، مقالة 2: 1، ص 57.

([93]) المرجع السابق، مقالة 2: 2، 3، ص 58، 59.

([94]) المرجع السابق، مقالة 2: 4، 6، 7، 14، ص 59-0 63.

([95]) المرجع السابق، مقالة 4: 18- 23، ص 85- 88.

([96]) المرجع السابق، مقالة 6: 28، ص 119.

([97]) المرجع السابق، مقالة 7: 13، ص 129، 13.

([98]) المرجع السابق، مقالة 8: 4، ص 133.

([99]) المرجع السابق، مقالة 9: 15، ص 142.

([100]) المرجع السابق، مقالة 12: 1، ص 150.

([101]) المرجع السابق، مقالة 12: 29، 32، ص 178، 179.

([102]) المرجع السابق، مقالة 13: 2، 28، ص181- 193.

([103]) المرجع السابق، مقالة14: 10، ص 203.

([104]) القديس غريغوريوس النزينزي، العظة الفصحية الثانية، ترجمة: القس لوقا يوسف، تقديم: نيافة الأنبا إرميا الأسقف العام، إصدار المركز القبطي الأرثوذكسي بالقاهرة، 36: 5- 9، ص22- 25.

([105]) المرجع السابق، 36: 9، ص 26.

([106]) المرجع السابق، 36: 10، ص 28.

([107]) المرجع السابق، 36: 12، ص 28.

([108]) المرجع السابق، 36: 14- 18، ص 30- 35.

([109]) المرجع السابق، 36: 28، ص 45.

([110]) القديس غريغوريوس النزينزي، الخطب 27- 31 اللاهوتية، ترجمة: الأب يوحنا الفاخوري، إصدار المكتبة البولسية بلبنان، 28: 14- 16، ص 45- 57.

([111]) المرجع السابق، 30: 21، 25، 28، ص 131- 164.

([112]) القديس غريغوريوس النزينزي، رسائل لاهوتية، ترجمة: الأب يوحنا الفاخوري، إصدار المكتبة البولسية بلبنان، الرسالة الأولى إلى كليدونيوس، ص 25.

([113]) القديس غريغوريوس النزينزي، مختارات القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف استفانوس حداد، إصدار منشورات النور بلبنان، عظة الميلاد، ص 132.

([114]) المرجع السابق، عظة المعمودية المقدسة، ص 138- 144.

([115]) المرجع السابق، عظة المعمودية المقدسة، ص 145.

([116]) المرجع السابق، عظة المعمودية والمعمدون، ص 150.

 ([117])المرجع السابق، عظة المعمودية والمعمدون، ص 154.

([118]) المرجع السابق، عظة المعمودية والمعمدون، ص156- 161.

([119]) المرجع السابق، عظة الظهور الإلهي في عماد المسيح، ص 169.

([120]) المرجع السابق، عظة المعمودية والمعمدون، ص 164.

([121]) المرجع السابق، عظة المعمودية والمعمدون، ص 149.

([122]) المرجع السابق، عظة على هامش الإنجيل، ص 127.

([123]) القديس باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. جورج عوض، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، ص 19- 31.

([124]) المرجع السابق، ص 32، 33.

([125]) المرجع السابق، ص 34.

([126]) المرجع السابق، ص 34، 35.

([127]) المرجع السابق، ص 36.

([128]) المرجع السابق، ص 38- 40.

([129]) القديس باسيليوس الكبير، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم، مراجعة: د. نصحي عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، مقالة 2: 27 ومقالة 3: 2، ص182، 212.

([130]) القديس باسيليوس الكبير، الروح القدس، ترجمة: د. جورج حبيب بباوي، إصدار جذور للنشر والتوزيع بالقاهرة، 14: 31و 15: 35، ص 106- 111.

([131]) المرجع السابق، 15: 36و 16: 38، 39، 40، ص 112- 119.

([132]) القديس باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج1، ترجمة: د. سعيد حكيم، مراجعة: د. نصحي عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، ص 66- 152.

([133]) المرجع السابق، ص 171- 207.

([134]) القديس باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2، ترجمة: د. سعيد حكيم، مراجعة: د. نصحي عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، ص 22- 145.

([135]) المرجع السابق، ص 149- 151.

([136]) القديس غريغوريوس النيسي، شرح الصلاة الربانية، ترجمة: د. عصام زكي، تقديم: نيافة الأنبا غبريال، إصدار مكتبة المحبة بالقاهرة، 1: 1- 3، ص 25- 29.

([137]) المرجع السابق، 1: 5 و 2: 3، 4 و 3: 2، ص 39- 63.

([138]) المرجع السابق، 3: 4 و 4: 1، ص 67- 75.

([139]) المرجع السابق، 4: 2، ص 77، 78.

([140]) المرجع السابق، 4: 3، ص 80، 81.

([141]) المرجع السابق، 4: 3، 5، ص82- 88.

([142]) المرجع السابق، 5: 3، ص 100، 101.

([143]) المرجع السابق، 5: 3، 4، ص 101- 103.

([144]) المرجع السابق، 5: 5، ص 106.

([145]) القديس غريغوريوس النيسي، اعتمدنا لموته وقيامته (عظة عيد الأنوار)، ترجمة: د. سعيد حكيم، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، ص 26.

([146]) Gregory of Nyssa, Early death of infants, NAPNF II, Vol. 5, Trans. By William Moore & Henry Austin Wilson, Edit by Henry Wace & Philip Schaff, T & T Clark, Edinburgh, Grand Rapids, Michigan P.698.

([147]) Ibid, P 699.

([148]) القديس غريغوريوس النيسي، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة، ترجمة: الأب يوحنا الفاخوري، إصدار المكتبة البولسية بلبنان، القسم الثاني، ص68.

([149]) القديس غريغوريوس النيسي، عن النفس والقيامة، ترجمة: د. عادل ذكري، إصدار دار رسالتنا بالقاهرة، 3: 30، 35، 44، 50، ص43- 48.

([150]) المرجع السابق، 10: 70، 71، ص 119.

([151]) القديس غريغوريوس النيسي، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة، ترجمة: الأب يوحنا الفاخوري، إصدار المكتبة البولسية بلبنان، القسم الثاني، ص 67.

([152]) المرجع السابق، ص130.

([153]) Gregory of Nyssa, Homilies on Ecclesiastes, Trans. By Stuart G. Hall & Rachel Moriarty, Edit. By Stuart G. Hall, De Gruyter, Berlin, New York (1993), 1: 12, P31- 145.

([154]) Ibid, 5: 4, 7: 26, P.31-145.

([155]) Ibid, 2: 7, P.31- 145.

([156]) القديس غريغوريوس النيسي، رسائل غريغوريوس النيسي (الرسالة إلى أوسطاثيا وأمبروسيا وبازيليسا)، ترجمة: الأب يوحنا الفاخوري، إصدار المكتبة البولسية بلبنان، ص 49.

([157]) القديس يوحنا ذهبي الفم، عظات على المعمودية، ترجمة: القمص مرقريوس الأنبا بيشوي، 3: 6، ص 64.

([158]) القديس يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج2، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، طبعة 1998، 28: 3، ص 51.

([159]) القديس يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: راهب من برية شيهيت، مراجعة: القمص يوحنا فوزي، إصدار مكتبة المحبة بالقاهرة، عظة 28، ص265.

([160]) القديس يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج2، ترجمة: راهب من برية شيهيت، مراجعة: القمص يوحنا فوزي، إصدار مكتبة المحبة بالقاهرة، عظة 56، ص99، 100.

([161]) القديس يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3، ترجمة: راهب من برية شيهيت، مراجعة: القمص يوحنا فوزي، إصدار مكتبة المحبة بالقاهرة، عظة 78، ص 105.

[162]) جوهانس كواستن، علم الآبائيات ”باترولوجي“ مج ٣، ترجمة: الراهب غريغوريوس البراموسي ود. نادر مدحت، مراجعة: د. جوزيف موريس ود. عماد موريس، (القاهرة: مركز باناريون للتراث الآبائي)، ص623، 624.

[163]) المرجع السابق.

([164]) القديس كيرلس الإسكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، 6: 1، ص 654-655.

([165]) القديس كيرلس عمود الدين، ضد الذين يتصورون أن الله له هيئة بشرية، ترجمة: د. جورج عوض ابراهيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، ص.67، 68.

([166]) القديس ساويروس الأنطاكي، الخطية الجدية بحسب تعاليم القديس ساويرس الأنطاكي، ترجمة وتعليقات: د. جورج فرج، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة، ص 45.

([167]) Berkhof, Louis, The History of christian doctrines – Anthropology of the Greek fathers, p.80.

[168] Tixeront, Joseph, History of dogmas vol.3 p198-199.

([169]) Ibid, p2oo.

([170]) Ibid, p201.

([171]) Ibid, p201.

([172]) القديس أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 4: 3: 5، ص 250. القديس أوغسطينوس، مدينة الله مج2 (الكتب 11- 17)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق بلبنان، 13: 23، ص143، 144.

([173]) القديس أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 4: 13: 18، ص 271.

([174]) المرجع السابق، 4: 18: 24، ص 279.

([175]) المرجع السابق، 12: 11: 16، ص 495.

([176]) المرجع السابق، 12: 12: 17، ص 496.

([177]) المرجع السابق، 13: 12: 16، ص 532.

([178]) المرجع السابق، ص 533.

([179]) المرجع السابق، 13: 16: 21، ص 543، 544.

([180]) المرجع السابق، 13: 18: 23، ص 547.

([181]) المرجع السابق، 13: 18: 23، ص 547.

([182]) المرجع السابق، ص 548.

([183]) القديس أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، إصدار كنيسة سبورتنج بالإسكندرية، طبعة 1969، ص54.

([184]) المرجع السابق، ص 56.

([185]) المرجع السابق، ص 60.

([186]) المرجع السابق، ص 69.

([187]) المرجع السابق، ص 70.

([188]) المرجع السابق، ص 71.

([189]) المرجع السابق، ص 73.

([190])Augustine, On Grace and Free Choice & others, Edit. & Trans. By Peter King, (Cambridge University Press, New York: 2010), 23: 45, P. 183.

([191]) Ibid, P.184.

([192]) القديس أوغسطينوس، مدينة الله مج1 (الكتب 1- 10)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق بلبنان، 5: 9، ص 235.

([193]) المرجع السابق، ص 236.

([194]) المرجع السابق، 9: 5، ص 427.

 ([195])القديس أوغسطينوس، مدينة الله مج2 (الكتب 11- 17)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق بلبنان، 13: 14، ص 126.

([196]) القديس أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 12: 5:5، ص 484.

 ([197])القديسين هيرونيموس وأوغسطينوس، الرسائل المتبادلة بين هيرونيموس وأوغسطينوس، ترجمة: سعد الله جحا، دار المشرق بلبنان، ص116.

([198]) القديس أوغسطينوس، الطبيعة والنعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، ص 17-18.

([199]) المرجع السابق، ص32-33.

[200] Harnack, A. V., History of dogma Vol. 5, Ch. IV, p 210-212.

([201]) The ideas of the fall and Original Sin, London 1927, P. 379.

([202]) Journal of Theological Studies XX 1969, P 430.

([203]) Early Christian Doctrines, 1964, p 354

([204]) Ibid, p 363.

([205]) History of Dogmas II, p 462, 463.

[206] Ibid, p 463, n. 125.

[207] المقالات للموعوظين ١: ١٦؛ ٢: ٦.

[208] العظات للموعوظين ٣: ٦.

[209] عظات شرح إنجيل متى ٢٨: ٣.

[210] القديس باسيليوس الكبير، المعمودية، ترجمة: نشأت مرجان، (القاهرة: إصدار مكتبة المحبة).

[211] القديس غريغوريوس النزينزي، مختارات من خطب القديس غريغوريوس النزينزي اللاهوتي، ترجمة: الأب استفانوس حداد، (لبنان: مكتبة النور)، عظة المعمودية المقدسة.

[212] المرجع السابق، عظة المعمودية ٤١: ٧.

[213] المرجع السابق، عظة المعمودية والمعمدون.

[214] المرجع السابق.

[215] المرجع السابق.

[216] عظة عيد الأنور.

[217] عظة الموت المبكر للأطفال.

[218] المرجع السابق.

[219] حياة موسى: 2.

 

وراثة الذنب الشخصي أم وراثة الفساد والموت؟ – د. أنطون جرجس عبد المسيح

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !