آبائياتأبحاث

هل الله هو الأول في حياتك؟ ج2 – الأب أنتوني م. كونيارس

هل الله هو الأول في حياتك؟ ج2 - الأب أنتوني م. كونيارس

هل الله هو الأول في حياتك؟ ج2 – الأب أنتوني م. كونيارس

هل الله هو الأول في حياتك؟ ج2 - الأب أنتوني م. كونيارس
هل الله هو الأول في حياتك؟ ج2 – الأب أنتوني م. كونيارس

 

 

هل الله هو الأوَّل في حياتك؟

اطلبوا أوَّلاً ملكوت الله وبرَّه، وهذه كلُّها تُزاد لكم

 

ماذا يحدث عندما نضع ذواتنا أولاً؟

يوجد مثال آخر لهذا الإحباط والفشل اللذين يحدثان لنا عندما نَدَع أشخاصًا أو أشياءَ تأخذ مكان الله وعرشه, حدَّثنا عنه “إيرل جاباى” Earl Jabay  الذي وضع كتابًا بعنوان: “مملكة الذات”, يقول فيه:

”القيام بأعمال تحليل الأمور, ومجموعات المعارك في السباقات, وأمور كثيرة مثل التأمُّل في الأمور الفائقة المُبهَمَة, وتدريب الحواس؛ هذه كلُّها لا تُقدِّم دائمًا حلولاً مريحة, لأنَّها لا تتعامل مع مشكلة الإنسان العظمى: “العوائد المتأصِّلَة, الذات الشَّرِهَة والنَّهِمَة”, ومِن الحق أن نقول إنَّك أنتَ وأنا لسنا بخير ولسنا على ما يُرام, طالما أنا وأنت نجلس على العرش الأعظم في مملكة الذات. لأنَّ البقاء دائمًا على العرش في مملكة الذات هو أمر مستحيل, وهو محفوفٌ ومُحاطٌ بالإحباط والغيظ والاستياء والغضب القاتل, وفي النَّهاية الاكتئاب والمرارة“.

حينما نُتوِّج الذات, مثل مَلِك على إنساننا الدَّاخلي, فسننتهي إلى حياة مُتْعِبَة ومُرَّة ومُحْبِطَة وفارغة. ولكن فقط, عندما نُتْوِّج الله وليس الذات أولاً: فكل هذه الأمور تُعطَى لنا وتزاد كما قال السيِّد المسيح, والأمور الأقل أهميَّة سوف تأتى بعد الأولويَّات ذات الأهميَّة القصوى.

ماذا يحدث عندما نفشل في أن نجعل الله أولاً؟

ماذا يحدث عندما نفشل في أن نجعل الله أولاً, ونترك أمورًا أخرى تصعد إلى أعلى على قائمة أولويَّاتنا؟ هل ننهزم؟ هل نتقدَّم بأوراق المواطنة في ملكوت الله ونتركها؟ بالطبع لا. علينا أنْ نستمرَّ في المحاولة, من خلال التوبة اليوميَّة، نسقط ونقوم, حتى أخيرًا, وبنعمة الله نقوم أكثر من أن نسقط. لا يوجد شخص منَّا يُحقِّق مستوى 100 % ويجعل الله أوَّلاً كل الوقت, ولكنَّنا نظل نجاهد, نسقط ونقوم. علينا ألاَّ نكف عن تصحيح أولويَّاتنا بأن نستمر في دَفع أولويَّة الله في حياتنا إلى أعلى, باستمرار وبثبات, حتى يصبح الله على القِمَّة, ويكون هو: “الكل في الكل”.

البندقيَّة أولاً, مسيحيُّون ثانياً

نادرًا ما سَمَحَت البندقيَّة, مدينة العصور الأولى, للإيمان أنْ يتدخَّل مع شهوتهم للثَّروة. كان شعارهم: “نحن بنادقة أولاً ثمَّ نحن مسيحيُّون بعد ذلك”. ولهذا السبب, فقد ارتكبوا العديد من الخطايا مثل الزنا والاغتصاب والشذوذ, كما احتلُّوا القسطنطينيَّة في القرن الثاني عشر, ودمَّروا الكنائس, وهكذا أضعفوا المدينة إلى أنْ سقطت غنيمة للأتراك العثمانيِّين بعد فترة وجيزة من الزمن. عندما تزور كاتدرائيَّة القدِّيس بطرس في البندقيَّة اليوم, فإنَّك ترى الأيقونات والكنوز الأخرى التي نهبها البندقيُّون من القسطنطينيَّة. قال أحد الأشخاص: “إنَّ ثِقَل هذه الغنائم هو المسؤول جزئيًّا عن أنَّ البندقيَّة تغرق الآن ببطء”. هل كان سيحدث هذا الأمر لو كانوا مسيحيِّين أولاً ثمَّ بنادقة ثانيًا؟ مرَّة أخرى, الحياة مسألة أولويَّات. تتحدَّد جودة الحياة التي نعيشها ونوعيَّتها بهذه الأشياء التي نعطيها المرتبة الأولى في حياتنا. ومع ذلك يحدث مع الكثير منَّا أن الأمور الأولى تأتي أخيرًا, والأمور الأخيرة تأتي أولاً. ولذلك يظل التحدِّي الأكبر أمامنا هو أن نُعِيد ترتيب أولويَّاتنا. «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه».

الزواج: مسألة وضع الطَّرَف الآخَر أولاً

يُشبِّه الإنجيل علاقتنا مع الله بالزواج. عندما يقترن شخصان معًا, لابدَّ أن يضع كل واحد الطرف الآخَر أولاً. في كلمة الزواج بالإنجليزيَّة wedding تأتي كلمة نحن we قبل كلمة أنا I. لابدَّ أنْ يترك الزوجان كل شيء آخَر ويقترنان معًا إلى أن يفرق بينهما الموت. عندما نَدَع شخصًا آخَر يأخذ مكان الطرف الآخَر في الزواج, نسمِّي ذلك: “زنا”. هكذا هو الحال في علاقتنا مع الله في المسيح. حينما نَدَع أي شخص أو أي شيء يأتي في المرتبة الأولى في مشاعرنا قبل المسيح, وعندما لا يكون المسيح أولاً, وعندما لا يشغل الرب المرتبة الأولى في حياتنا, يحدث الزنا الرُّوحي, لأنَّنا نحن المسيحيِّين مرتبطون بالمسيح: «أنتم أيضًا قد متُّم للناموس بجسد المسيح, لكي تصيروا لآخَر, للذي أُقيم من الأموات لنُثمِر لله» (رو7: 4). كما أنَّه لا يوجد أي أولويَّة أرضيَّة قبل الزوج والزوجة, كذلك فإنَّ ربَّنا لن يقبل أن يُشارِك عرش قلوبنا وعقولنا مع آخَر؛ فهو إلهٌ غيور, لا يقبل أن تكون هناك آلهة أخرى أمامه. «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه».

التغلُّب على المشقَّات

الذي يمنع الكثير منَّا أن نطلب الله أولاً هو أنَّنا مُشتَّتون, فالشَّيطان يتصرَّف مثل الرجل المسؤول عن التحويلة, فهو يحب أن يُشتِّت أولاد الله عندما يخدمون الله بنشاط ليمنعهم من تحقيق أهدافهم الروحيَّة الأولى, فهو يرى أنَّ بإمكانه أنْ يشغل أذهاننا بشيءٍ ما لكي يُشتِّت انتباهنا ويضعف قوَّتنا, وهذا الشيء ممكن أن يكون إزعاجًا صغيرًا أو حزنًا قليلاً, أو قد يكون خوفًا أو قلقًا. ولكن قبل أن نتعرَّف على هذا الشيء, فغالبًا ما تكون أفكارنا وطاقاتنا مُركَّزة على أمور ثانويَّة, نُركِّز على الأمور الصغيرة بدلاً مِن أن نطلب أولاً إرادة الله. نحن نسمح للشيطان أن يُشتِّتنا ويُحوِّلنا بعيدًا عن الطَّريق الرئيسي. توصَّل آباء البريَّة إلى بصيرة قويَّة عن الطَّريقة التي يعمل بها الشَّيطان ليُشتِّتنا عن الصلاة.

سأل الإخوة الأب أغاثون Abba Agathon قائلين:

”مِن بين كل الأعمال الصَّالحة, ما هي الفضيلة التي تطلب جهدًا أعظم؟

أجاب الأب: سامحوني, ولكنِّي أظن أنَّه لا يوجد عمل أعظم مثل الصلاة لله, لأنَّ كل مرَّة يريد الإنسان أن يُصلِّي, فإنَّ أعداءه (الشياطين) يريدون أن يمنعوه من الصلاة, لأنَّهم يعلمون جيِّدًا أنَّهم بإبعاده عن الصلاة يمكنهم إعاقة رحلة الإنسان. أيُّ عمل صالح يمكن للإنسان أن يتعهَّد به, إذا ثابر فيه فسيحصل عليه, أمَّا الصلاة فهي حربٌ حتى النَفَس الأخير“.

الصلاة: “حربٌ حتى النَفَس الأخير”, لأنَّ الشَّيطان دائمًا يحاول أن يُشتِّتنا ليبعدنا عن الطريق ويفصلنا عن الهدف الرئيسي في الحياة.

قلبًا نقيًّا اخلُق فيَّ يا الله

في الأيام التي سبقت ظهور الحاسوب, حيث كانت الآلات الكاتبة ما زالت تُستخدم, كان شخصٌ يكتب مزمورًا, وكان يريد أن يكتب آية: «قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله», إلاَّ أنَّه ضغط على المفتاح الخطأ وانتهى به الأمر إلى كتابة: “قلبًا صافيًا clear” بدلاً مِن قلبًا نقيًّا clean, فقد كتب كلمة clear بدلاً من كلمة clean. قال الشَّخص مُعلِّقًا لمن اعتبره قد أخطأ الكتابة: “لا أظن أنَّني قد ارتكبتُ خطأً كبيرًا, فالقلب يحتاج إلى أن يُصفَّى من المُشتِّتات مِن قبل أن يستطيع أنْ يسمع كلمة الله تدعوه أنْ يطلبه أولاً”.

قال لويس C.S. Lewis:

”نحن نُركِّز دائمًا على الإطار الخارجي للموضوع بدلاً من لُب الموضوع وجوهره“.

تمَّ مؤخَّرًا إجراء استطلاع رأي للتعرُّف على ضروريَّات الحياة الأهم للأمريكان. قال البعض: “لا يمكنني الحياة بدون أدوات المطبخ”. قال 79% من العيِّنة إنَّهم لا يمكنهم الحياة بدون فُرن الميكروويف, وقال 49% إنَّه لا يمكنهم الحياة بدون آلة الرد الآلية للتليفون, 36% قالوا إنَّ أهم شيء لديهم هو جهاز الفيديو, وقال آخَرون إنَّه لا يمكنهم الاستغناء عن نظامهم الغذائي القائم على الأطعمة المجمَّدة. قال آخرون إنَّ الهاتف المحمول لا غِنَى عنه لهم, وقال البعض عن أهميَّة وجود كرسي مُريح بالمنـزل. يا لها مِن قائمة أولويَّات شيِّقة للمنشغلين بأمور الدنيا التافهة, ولكن القصَّة التالية تستحق بالفعل الفوز بجائزة الاستطلاع.

حذائي ثمنه مائتا دولار

قصَّة:

ذات مرَّة تحطَّم قطار, وقُتِل الكثيرون وجُرِح العديد, وكان صوت الصراخ وآهات الألم تُسمَع من تحت الحطام, والقليلون الذين نجوا حاولوا باستماتة إنقاذ الآخَرين. وسط كل هذا كانت هناك سيِّدة تجلس بجوار حقيبتها التي تمزَّقَت, وكانت تبكي وتصرخ: “حذائي الذي سعره مائتا دولار فُقِد”. كان الحذاء هو مركز اهتمام تلك المرأة وسط هذا المشهد المأساوي الرَّهيب لتحطُّم القطار, بينما المرأة تصرُخ طالبة المساعدة من كلِّ ناحية حولها.

ألا يُصوِّر هذا بوضوح ما يحدث لنا عندما لا نطلب ملكوت الله وبرَّه أولاً في حياتنا؟ فنترك أنفسنا لتصبح مشغولة أو بالأحرى تُسيطِر عليها أمور شخصيَّة تافهة, فنفقد الموضوع العظيم والغرض الكبير الأسمى من الحياة؛ وفي النهاية يصير الأمر مُضحكًا. فيما نرى حولنا أنَّ العالم يُدَمَّر والجميع يصرخون طلبًا للنجاة, نجد مَن يتحسَّر على خسارة حذاء ثمنه 200 دولار.

سُئِل أحد الأشخاص عن الوصفة التي يمكن بها أن يصير الإنسان مليونيرًا فقال: “عليك أن تتفكَّر في المال ليل نهار. عليك أن تحلم بالمال أثناء نومك كما أفعل أنا”.

هذا ما يمكن أن يحدث لو جعلنا المال والقِنيَة والممتلكات أولويَّات الحياة بدلاً من أنْ نطلب أولاً ملكوت الله وبرَّه. لدينا حياة واحدة, وهذه الحياة سنُكمِلها, وسوف نقضيها مرَّة واحدة. هذه الحياة سوف نعيشها على أفضل حال عندما لا نتشتَّت في أمور تافهة. الحياة قصيرة جدًّا على أن نقضيها في أمور جيِّدة, ولكن ليست جيِّدة بالقدر الكافي, يجب أن نقضيها في أمور جيِّدة جدًّا لا غبار عليها. عندما يسألني الناس: “لماذا لا تلعب الجولف؟”, أقول لهم: “بالنِّسبة لي كخادم للمسيح, فإنَّ لِعبة الجولف تستغرق فترة طويلة والحياة قصيرة جدًّا, ولم يحدث أنَّ قائمة أولويَّات حياتي كان بها الوقت الكافي لهذه اللعبة.

الحياة, بالتَّأكيد, هي قصيرة جدًّا لا تحتمل أن نُضِيعها في أنشطة ضارَّة تأخذنا بعيدًا عن الله. ماذا عن حياتك؟ وماذا عن حياتي؟ إنْ لم نُفكِّر في عمل أولويَّات لحياتنا, فإنَّنا بالتأكيد سنضيعها. أولئك الذين لا يطلبون الله أولاً ويبحثون عنه, ينتهي بهم الأمر بأنَّهم لن يطلبوه على الإطلاق.   

انتحار المُراهِقين ـ السبب الحقيقي

عندما نُفكِّر في الظاهرة المأساويَّة للزيادة المخيفة في انتحار المراهقين, نجد مَن يلوم المخدِّرات أو الكحول أو الجنس غير المشروع والإيذاء البدني للأطفال وانتهاك حُرمتهم, ومُشاهدة التلفاز لأوقات طويلة, والأسلحة الناريَّة والأفلام التي تتَّصف بالعنف. قد تكون هذه أسباب ولكنَّها ليست السَّبب الحقيقي. السَّبب الحقيقي لانتحار المراهقين هو أنَّنا أدرنا ظهرنا لله. إنَّنا في حفلٍ صاخب, نضع فيه الماديَّة وتدليل النَّفس في قمَّة هَرَم القِيَم الخاصَّة لحياتنا؛ ووضعنا أسفل الهرم الطبيعة الروحيَّة للإنسان. نحن نكلِّم أولادنا مرَّة ومرَّات عديدة عن الأشياء التي تجلب السعادة, وأنَّ هذه السَّعادة هي جُلُّ الهدف من الحياة. نحن أنشأنا الشباب وربَّيناهم على كذبة كبيرة قد تؤدِّي بهم إلى اليأس والقنوط. علينا أن نفضح الهيدونيزم hedonism التي هي محبَّة اللذَّات والتعبُّد لها؛ إنَّها كذبة كبيرة وسراب دائمًا ما يتبخَّر. الحقُّ موجودٌ في كلمة الله: «مَن يجدني يجد الحياة» (أم8: 35).

كيف نطلب الله أولاً؟

من السَّهل أن نتحدَّث عن وضع الله في المكانة الأولى في حياتنا, ولكن كيف يمكننا أن نُحقِّق هذا في حياتنا؟ يُقدِّم لنا القدِّيس بولس مثالاً في رسالته إلى أهل فيلبي عندما يقول: «ولكنِّي أفعل شيئًا واحدًا… أسعى نحو الغرض لأجل جَعالة (مكافأة) دعوة الله العُليا في المسيح يسوع» (في3: 13و14). لَمْ يعِش القدِّيس بولس حياة عشوائيَّة, لكنَّه وَضَع الله أولاً في حياته وحافَظَ على أوَّلاً في حياته. يقول الرسول: «ولكنِّي أفعل شيئًا واحدًا… ». متى نصبح أصحَّاء وقدِّيسين ونبدأ في أنْ نحيا حياة متوازِنَة؟ عندما نضع السيِّد المسيح في المكانة الأولى في حياتنا, عندما نُنظِّم حياتنا حول هذا المركز الحيوي الديناميكي؛ عندها نكون كاملين ومُقدَّسين.

ضابط المرور في عمله

عندما يصبح المسيح هو الأوَّل في حياتنا, فهو يُنظِّمها. يصبح مثل شرطي المرور الذي يقف في عمله في منطقة تقاطع الطُّرُق والشوارع ويُنظِّم تدفُّق السيارات والمشاة. عندما لا يتواجد ضابط مرور في هذا المكان, توجد الفوضى وحوادث التصادم, ويسيطر على المشهد الهرج والمرج. لا يحدث هذا عندما نسمح للسيِّد المسيح أن يوجِّه مرور أفكارنا في عقولنا وقلوبنا, حيث يوجد في حياتنا التنسيق والتناغم والتوازن والسلام والفرح وتصبح الحياة تُمجِّد الله. أُقدِّم لك بعض الأمثلة:

قال لاعب كرة قدم شهير: “عندما لا ألعب كرة القدم, فإنَّني أتحدَّث عن كرة القدم, وعندما لا أتحدَّث عن كرة القدم أُفكِّر في كرة القدم. كانت كرة القدم هي العاطفة المسيطِرة في حياته, بل كانت هي كل حياته. وهذا هو الحال, فلن يصبح الإنسان خبيرًا في أي شيء إلاَّ إذا أصبح هذا الشيء هو العاطفة المسيطِرة في حياته ويمكنه أن يقول عن هذا الشيء: “بالنِّسبة لي الحياة هي كرة القدم, أو العمل, أو عائلتي, أو أي شيء آخَر”.

ماذا كان يعني عند القدِّيس بولس الرسول أن يقول: «ليَ الحياة هي المسيح» (في1: 21)؟ كان المعنى هو أن يُبشِّر بالإنجيل في كلِّ العالم الذي يُسيطِر عليه الرومان وقتئذٍ.

ماذا كان الأمر يعني بالنِّسبة للأخ لورانس Brother Lawrence أن يقول: «لِيَ الحياة هي المسيح»؟ كان يعني أنَّه كان يشعر بحضور المسيح عندما كان يغسل الأطباق, تمامًا مثل نفس الشُّعور عندما كان يتناول من الأسرار المقدَّسة.

ماذا كان الأمر يعني للأم ماريا سكوبسوفا Maria Skobsova أن تقول: «لِيَ الحياة هي المسيح»؟ كان يعني هذا خدمة الفقراء والجياع, كان يعني أن تبني مطبخًا تُقدِّم فيه الحساء لهم. كان الأمر يعني أن تُضحِّي بحياتها لتنقذ امرأة يهوديَّة في معسكر للنازيين.

كان أحد المؤمنين يبدأ حياته كل صباح بهذه الصلاة:

”يا إلهي, أنتَ هو الهدف الحقيقي لحياتي.

في كل أمور عملي هذا اليوم, لا تسمح أبدًا ألاَّ أراك.

أرِني كيف أجعل كل أنشطتي هذا اليوم خطوة نحوك.

لو كان أي وقت أو أي حَدَث في حياتي أو عادة تأخذني في اتِّجاه آخَر,

أرِني ما هو هذا الأمر وساعدني على التخلُّص منه“.

شخصٌ آخَر كان يحتفظ بأيقونة للسيِّد المسيح على منضدة المطبخ, وكان يقول إنَّ الأيقونة توضِّح توجُّهه في الحياة, وتعطيه نوعًا من التَّركيز, وتُمكِّنه من عمل أولويَّات لحياته مع الاحتفاظ بإرادة المسيح أن تكون الأولى في كل ما يفعله“.

جِني لِند Jenny Lind

مثال آخَر هو مُطربة الأوبرا الشَّهيرة “جِني لِند”, فهذه تَرَكَت المسرح في أوج شهرتها ولم تعد إليه أبدًا. وجدها صديق لها ذات يوم على الشَّاطئ والكتاب المقدَّس موضوعٌ على ركبتيها وانتباهها كله موجَّهٌ نحو غروب الشمس الرائع, فسألها كيف حدث هذا أن تتركي المسرح في أوج شهرتك؟ أجابته ” جِني لند”: “عندما جعلني هذا أفكِّر أقل وأقل في هذا (وأشارت إلى الكتاب المقدَّس), كما لم أُفكِّر أبدًا في هذا (وأشارت إلى غروب الشَّمس), فماذا يمكنني أن أفعل؟! لقد رتَّبَت ” جِني لِند” أولويَّتها في الحياة, وجَعَلَت ملكوت الله وبره أولاً.

قال شخص آخَر: “اهتممتُ بألاَّ أُربِك حياتي بأشياء لا معنى لها, فعلتُ هذا عندما كنتُ أسأل نفسي ليس فقط: “هل أحتاج لهذا؟” ولكن أيضًا: “هل هذا له معنى وأهميَّة في حياتي؟”. إذا لم يكن مُهمًّا كنتُ أتركه, كنتُ أحاول ألاَّ أُربِك نفسي بأنشطة وأمور لا معنى لها, من شأنها أن تبعدني عن الغرض الأساسي لحياتي, وبهذا كنتُ أجد وقتًا لأستمتع بأسرتي وأن أعمل الأشياء التي تهمُّ فعلاً في الحياة”.

إهمالٌ مُخطَّطٌ له

شخص آخَر كانت عازفة كمان مشهورة, سُئِلَت ذات مرَّة كيف أتقَنَت العزف على آلة الكمان؟ أجابت على هذا السؤال بكلمتين: “إهمالٌ مُخطَّط”. ثمَّ أخذت تشرح قائلة: “هناك أشياء عديدة كانت تأخذ وقتي. عندما كنتُ أذهب إلى حجرة النوم بعد تناول الإفطار, كنتُ أُرتِّب السَّرير وأُعيد تنظيم الحجرة وأنفض عنها التراب وأعمل كل ما يبدو ضروريًّا, وعندما كنتُ أفرغ من أعمالي أتوجَّه إلى آلة الكمان. مثل هذا النظام والترتيب كان يمنعني من إنجاز ما كنتُ أتمنَّاه في العزف على الكمان. لذلك عكستُ ترتيب الأمور, فخطَّطتُ عن عمد أن أتجاهل عَمَل أي شيء آخَر إلى أن أنتهي من تدريبي على الآلة. كان برنامج الإهمال المُخطَّط له هو سرَّ نجاحي”. يمكننا عن طريق الإهمال المُخطَّط له للأمور التافهة أن نعطي الأولويَّة الأولى في حياتنا للسيِّد المسيح. «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه, وهذه كلُّها تُزاد لكم».

هنري فورد Henry Ford

قصَّة:

هناك قصَّة تُروَى عن هنري فورد أنَّه ذات مرَّة طلب من مهندس سيَّارات شاب أن يُخبره عن طموحه الرَّئيسي في الحياة, فأخبره المهندس الشاب بأنَّه يريد أن يصير غنيًّا, وغنيًّا جدًّا, وكل شيء آخَر بالنِّسبة له هو أمرٌ ثانوي. سلَّم هنري فورد المهندسَ بعد يومين حقيبة صغيرة, وعندما فتحها وجد فيها نظَّارة, وكانت العدستان عبارة عن دولارين من الفضَّة. قال له هنري: “اِلبس هذه النظَّارة”, فلبسها الشاب, فسأله هنري: ماذا تَرَى؟” أجابه المهندس: “لا أرى شيئًا. النقود تحجب عنِّي كل شيء”. قال له هنري: “ربَّما يتعيَّن عليك أنْ تُعِيد التفكير في طموحك. لو ارتديتَ نظارة بها عدستان تُمثِّلان أهم شيء في حياتك, ماذا سترى؟ هل ستكون قادرًا على الرُّؤية؟ هل ستُعاق رؤيتك لله ولملكوته؟ هل سيكون قلبك طاهرًا ونقيًّا بالقدر الكافي أن ترى الله وتضعه في المرتبة الأولى في حياتك؟ قال الشاب المهندس: “النقود تحجب كل شيء عنِّي”, وأشياء أخرى كثيرة تفعل نفس الشيء أيضًا.

العشاء الأخير ليوناردو دا فينشي Leonardo Da Vinci

مثال آخَر يساعدنا في فهم كيفيَّة إعطاء السيِّد المسيح الأولويَّة العُظمى في حياتنا مُرتبِطٌ بلوحة العشاء الأخير التي رسمها ليوناردو دا فينشي. بعد أن انتهى دافنشي من رسمها, طلب رَأْي أحد أصدقائه فيها. أُعجِب هذا الصَّديق باللوحة ومدحها جدًّا وقام بشرح إيجابيَّات ونقاط القوَّة الموجودة باللوحة بما فيها الكأس التي كان المسيح يحملها في يده. كانت الكأس تبدو كما لو كانت حقيقيَّة جدًّا لدرجة تجعل الفرد لا يقدر أن يُحوِّل نظره عنها. قال دا فنشي: “إنْ كانت الكأس بهذا الشكل, فلا يجب أن يوجد شيء يُشتِّت الانتباه عن شكل المسيح”. وبسرعة قام دا فنشي برسم كأس أقل جمالاً.

لا شيء ولا أحد يجب أنْ يُشتِّت الانتباه عن المسيح. يجب أن يكون السيِّد المسيح هو المركز الرئيسي في الحياة. لا يجب أن يوجد أي شيء يُحوِّل الانتباه بعيدًا عن الله الذي هو رب الكل. «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه, وهذه كلُّها تُزاد لكم».

الكلب والأرنب

قصَّة:

يروي آباء الكنيسة قصَّة كلب وأرنب ليشرحوا لنا كيف يكون تلميذ الرب واضح الرُّؤية عندما يرى المسيح, بمعنى أن يختبر حضوره وقوَّته في الحياة. عليك أن تتخيَّل كلاب الصَّيد التي تُطارد الأرانب البريَّة. تخيَّل واحدًا من هذه الكلاب يرى أرنبًا على مسافة وفي الحال يقوم بمطاردته, والكلاب الأخرى التي مع ذلك الكلب تراه يجري فتجري معه بالرغم من أنَّها لم تَرَ الأرنب. سوف تستمر في الجري مع الكلب ولكن لفترة من الزمن. عندما تُجهَد الكلاب من التعب, فإنَّها تتوقَّف عن المطاردة وترجع إلى الوراء. ومع ذلك, فإنَّ الكلب الذي رأى الأرنب سوف يستمر في مطاردته بنفسه. لن يسمح للجهد أو للتعب أن يمنعاه من تكميل المشوار, بل سيخاطر بحياته ولا يعطي نفسه أيَّة راحة. لن يسمح لرجوع الكلاب المحيطة به أن يُعطِّله. سوف يستمر في الجري حتى يمسك بالأرنب الذي رآه. لن يعبأ الكلب بالحواجز المُعْثِرَة في طريقه سواء كانت حجارة أو أشواكًا أو جروحًا أصابته.

بمجرَّد أنْ يضع التلميذُ المسيحَ أولاً في حياته, وبمجرَّد أن يرى المسيح ويختبر حضوره, فإنَّه يكون كمن وجد ضالَّته المنشودة ويجاهد مهما كانت الصُّعوبات للحصول عليها ونوالها. سيستمر في الجهاد إلى النهاية ولن يهتم بشيء آخَر. سوف يطلب المسيح برأي واحد بِغَضِّ النظر عن كم من الناس سقطوا في السِّباق. لن يسمح بأي شيء أن يقف في طريقه حتى يحصل على هدفه وهو أن يتَّحد بالمسيح, لماذا؟ لأنَّه الجائزة الحقيقيَّة بالنِّسبة له, لأنَّه اختبر المسيح ورآه بعينيه.

يسوع هو الرب

أحد تعاليمنا الأساسيَّة في الإيمان هي أنَّ: “يسوع رب”, هذا يعني أن نعطيه الأولويَّة رقم: “واحد” في حياتنا. واحدة من العقائد الأولى في الكنيسة هي: “المسيح رب Christos Kyrios”. نعترف في قانون الإيمان النيقاوي ونقول: “نؤمن برب واحد يسوع المسيح… نور مِن نور… إله حق مِن إله حق, مُساوٍ للآب في الجوهر… الذي به كان كل شيء… تألَّم وقُبِر وقام مِن بين الأموات كما في الكتب, وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب, وأيضًا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات, الذي ليس لمُلكه انقضاء”.

“المسيح رب Christos Kyrios”وله الأولويَّة في حياتنا. الأولويَّة رقم: “واحد” في حياة كل أحد منَّا هي أن يتعرَّف على حقيقة أنَّ يسوع رب, وأنْ يُقرَّ بسيادته, وأنْ يعبده كرقم: “واحد”, ويحبَّه كرقم: “واحد”, ويخدمه كرقم: “واحد” ويطيعه كرقم: “واحد”. قبل صعود الرب يسوع إلى السماء بقليل قال لتلاميذه: «دُفِعَ إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض» (مت28: 18). هو الرب. يقول بولس الرسول عنه: «الكل في الكل». له كل سلطان في السماء وعلى الأرض؛ وهذا هو السبب الذي لأجله يعترف الأرثوذكس بأنَّ: “المسيح رب Christos Kyrios”.

هل كانت الإمبراطوريَّة الرومانيَّة غير متسامحة؟

ولكن هذه العقيدة البسيطة: “المسيح رب Christos Kyrios” سرعان ما تحوَّلَت إلى أمرٍ خطير, حيث مات عددٌ لا يُحصى من المسيحيِّين لأنَّهم اعترفوا بها. حدث هذا ليس لأنَّ الإمبراطوريَّة الرومانيَّة كانت غير متسامحة, بل هي كانت متسامحة بالفعل في كثير مِن الأوجه. كانت الإمبراطوريَّة مُتسامحة مع وجود أي إله أو أي إلهة مِن أي دين, وعندما كان يظهر أي إله جديد أو إلهة جديدة, لم يكن الرومان يهاجمونه, بل كانوا يضيفونه إلى البانثيون Pantheon (هيكل كل الآلهة) الذي كان بمثابة تجميع لآلهة مختلفة من كل أنحاء العالم. لذلك, عندما جاء المسيحيُّون وبدأوا يعبدون السيِّد المسيح كربٍّ, مِن المحتمل أنَّ الرومان أضافوه إلى مجموعة الآلهة. كانت المُشكلة هي أنَّ المسيحيِّين رفضوا إضافة المسيح إلى أي مجموعة من الآلهة المختلفة, وأصرُّوا على حقيقة أنَّه لا توجد آلهة كثيرة ولكن إله واحد فقط: “المسيح رب Christos Kyrios”, وجعلوا الأمر واضحًا جدًّا أنَّ المسيح لن يُشاركه أي شخص آخَر في ربوبيَّته وألوهيَّته, ولم يُقدِّموا المسيح على أساس أنَّه واحد مِن طُرُقٍ كثيرة نحو الخلاص: «وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسمٌ آخَر تحت السماء, قد أُعطِيَ بين الناس, به ينبغي أن نخلص» (أع4: 12). وكان هذا هو السبب الذي جعل المسيحيِّين الأوَّلين ينشدون في واحدة من ترنيماتهم الأولى التَّسبحة التي كتبها بولس الرسول مُرفِّعًا فيها المسيح إلى الأولويَّة. اِقرأ له:

«رفَّعَه الله أيضًا, وأعطاه اسمًا فوق كل اسم, لكي تجثو باسم يسوع كلُّ ركبة ممَّن في السماء ومَن على الأرض, ومَن تحت الأرض. ويعترف كلُّ لسان أنَّ يسوع هو ربٌّ لمجد الله الآب»

(في2: 9- 11).

ربَّما كانت الإمبراطوريَّة الرومانيَّة متسامحة, ولكن لم يكن ممكنًا على الإطلاق أن تَقْبَل الدَّولة بأن يكون اسم المسيح اسمًا فوق كل الأسماء الأخرى, وأنْ تجثو كل ركبة أمامه. كان لسان حالها: يمكنك أن تعبُد أي إله يُسعدك طالما أنَّك تُقر بأنَّ كل الأديان الأخرى صحيحة, وطالما تقول: “قيصر رب Caesar is Lord” وتَقبَل بألوهيَّته عليك. يمكنك أن تنتمي لأيِّ دِينٍ يعجبك طالما أنتَ مُستعد أن تقول: “قيصر رب Caesar is Lord”.هذا بالضَّبط ما رفض المسيحيُّون الأوائل أن يقولوه وامتنعوا عنه ودفعوا حياتهم ثمنًا له. أن يقول المسيحي: “المسيح رب Christ is Lord” يعني أنَّ له الأولويَّة رقم واحد على كلِّ حياته.

عندما أقول: “المسيح رب Christos kyrios-Christ is Lord”, فأنا أقول إنَّه ليس المال ولا النجاح ولا إمبراطور روما, ولكن يسوع المسيح هو فقط الرب, ليس هناك رب آخَر, ولا أي مَلِك أرضي ولا أي إله آخَر أو آلهة أخرى. يسوع المسيح فقط هو الذي يقدر أن يُخلِّصنا من الخطيَّة والموت. يسوع المسيح فقط هو الذي يقدر أن يعطينا عطيَّة الحياة الأبديَّة. يسوع المسيح هو الوحيد الذي له الحق في امتلاك ولائنا له. يسوع المسيح فقط هو الذي قال: «أنا هو الطَّريق والحق والحياة. ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلاَّ بي» (يو14: 6).  

الرب يسوع ينسب لنفسه الأولويَّة

نَسَب الرب يسوع لنفسه الأولويَّة كإله عندما قال:

«فأجاب بطرس حينئذٍ وقال له: “ها نحن قد تركنا كلَّ شيءٍ وتبعناك. فماذا يكون لنا؟” فقال لهم يسوع: “الحقَّ أقول لكم: إنَّكم أنتم الذي تبعتموني, في التَّجديد, متى جلس ابن الإنسان على كرسيِّ مجده, تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًّا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر. وكلُّ مَن ترك بيوتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أُمًّا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً مِن أجل اسمي, يأخذ مئة ضعفٍ ويرث الحياة الأبديَّة. ولكن كثيرون أوَّلون يكونون آخِرين, وآخِرون أوَّلين”»

(مت19: 27-30).

«فكلُّ مَن يَعترِف بي قدَّام الناس أعترف أنا أيضًا به قدَّام أبي الذي في السماوات. ولكن مَن ينكرني قدَّام الناس أُنكره أنا أيضًا قدَّام أبي الذي في السموات»

(مت10: 32-33).

«مَن أحبَّ أبًا أو أُمًّا أكثر منِّي فلا يستحقُّني, ومَن أحبَّ ابنًا أو ابنة أكثر منِّي فلا يستحقُّني. ومَن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقُّني. مَن وجد حياته يُضِيعُها, ومَن أضاع حياته مِن أجلي يجدها. مَن يَقْبَلكم يقْبَلني, ومَن يَقْبَلني يَقْبَل الذي أرسلني»

(مت10: 37-40).

أمَّا بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية, فنجده يكتب بهذا الخصوص:

«لأنَّك إنِ اعترفت بفمك بالرب يسوع, وآمنت بقلبك أنَّ الله أقامه مِن الأموات, خَلَصت. لأنَّ القلب يُؤمَنُ به للبِرِّ, والفمُ يُعتَرَفُ به للخلاص… لأنَّ ربًّا واحدًا للجميع, غنيًّا لجميع الذين يَدعون به. لأنَّ: “كلَّ مَن يدعو باسم الرب يخلُص»

(رو10: 9-13).

الأولويَّة الأعلى والأسمى

الأولويَّة الأسمى في الحياة هي أنْ تعرف الله في المسيح, وأنْ تثق فيه, وأن تطمئن إليه, وأنْ تسلك الطريق الضيِّق معه. إنَّها تَقَبُّل كل ما تحمله الحياة بكلِّ الثقة والإيمان في المسيح. إنَّها تقبُّل المُر ولندع المسيح يُحوِّله إلى الأفضل. إنَّها أنْ نسلك الطريق السَّليم الذي يريدنا المسيح أن نسلك فيه بدلاً من الطرق الأخرى التي قد تبدو جذَّابة, ولكنَّها في نهاية الأمر تظهر أنَّها مميتة ومُحبِطَة ومُدمِّرَة.

كتبت واحدة من الأعضاء في كنيستنا كتابًا بعنوان: “كنتُ أعتقد أنَّ هناك طريقًا”. جاءت فكرة الكتاب بعدما قاد ابنها ذو الأربعة عشر عامًا سيَّارة العائلة في طريق ثلجي وتعلَّق في جسر فيه, ممَّا اضطرهم أن يقطروا العربة ليخرجوها. عندما سُئِل الفتى كيف حدث هذا, أجاب والدته قائلاً: “كنتُ أظنُّ أنَّ هناك طريقًا”. كم فرد منَّا انتهى به الأمر عالقًا في جسرٍ ثلجي, أو في وحل, أو في طريق مُغلَق لأنَّه اعتقد أنَّه يوجد هناك طريق؟

كتبت لين Lynn Assimacopoulos في كتابها تقول:

”الله دائمًا مُستعِد, منتظرٌ دعوتنا ونداءنا له لينقذنا مِن: “كنتُ أظُن أنَّ هناك طريقًا”, بسيَّارة روحيَّة تقطرنا لتُخرِجنا خارجًا. لن يسألنا الله بصوتٍ عالٍ غاضِب: “هل قلتُ لكم إنَّه يوجد طريقٌ هناك؟” أو: “هل أعطيتكم علامة لتذهبوا فيه؟” أو: “هل رأيتم ضوء هدايتي مُشرقًا لكم فيه؟” لا, لن يفعل هكذا, ولكنَّه قد يهزُّ رأسه في هدوء ويُخرجنا من المشكلة, ثمَّ يبتسم ويتمنَّى لنا أن نسير في الطريق السَّليم مرَّة أخرى“.

الرب يسوع هو وحده الطريق, وله الأولويَّة رقم: “واحد”.

الله يُحبُّنا في ابنه أكثر ممَّا نُفكِّر أو نتصوَّر, هو يُحبُّنا حبًّا جمًّا, حبًّا لا يُدرَك ولا يُقاس مداه, حبًّا قد يُقال إنَّه حبٌّ لا يُصدِّقه عقل؛ هذا الحُب الذي تجلَّى في المسيح يسوع, الذي مات لأجلنا, كي لا يحيا أولئك الذين آمنوا به فيما بعد وعاشَروه وتعلَّقوا به من أجل أولويَّات تافهة, مُربِكَة ومُرتبِكَة, ولكن بالإيمان والثقة فيه, ذاك الذي مات لأجلهم وقام ثانية. السيِّد المسيح ترك كل شيء لأجلك ولأجلي ولأجل كل واحد منَّا شخصيًّا. إنَّه يستحق أن نعطيه كل كياننا, وهو وحده الذي يستحق أن نعطيه المرتبة الأولى, الأولويَّة رقم: “واحد”. «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه, وهذه كلُّها تُزاد لكم».

ولاءات مُنقسِمَة

ما يمنعنا مِن أن نجعل للسيِّد المسيح الأولويَّة في حياتنا ليس فقط الأمور المُشتِّتَة الكثيرة التي ذكرناها من قبل, بل توجد أيضًا ولاءاتنا المنقسمة. قال أحد الأشخاص: “مأساة العالم هي أنَّ الناس أعطت ولاء الدرجة الأولى للقضايا ذات المرتبة الثانية, وهذه القضايا خانتهم”. غالبًا ما يكون الاهتمام الزائد بقضايا المرتبة الثانية هو الذي يرسم على جباهنا تلك الخطوط, والأعباء والهموم على قلوبنا. إنَّ اهتمامنا بهذه الأمور الأخرى كما قال السيِّد الرب هي التي تلقي بنا في مشكلة القلق: «فإنَّ هذه كلَّها تطلبها الأمم. لأنَّ أباكم السماوي يَعلم أنَّكم تحتاجون إلى هذه كلِّها» (مت6: 32). نحن نقلق بزيادة, وبشكلٍ مُبالَغ فيه يؤثِّر على صحَّتنا وعلى حال الذين نحبهم. نحن نقلق أيضًا على الأمور الماديَّة, ونقلق بكثرة على سُمعتنا والقيل والقال وما يعتقده الناس فينا. نحن نقلق أيضًا بشكلٍ كبير على النجاح فيما نعمله. هذا قليل من أمور كثيرة تُقلِقنا. وهنا بالضَّبط, كما يقول الرب, يكمن سر مشاكلنا. هذه الأشياء ليست ذات أهميَّة كبيرة. شيء أكبر وأعظم يجب أن يشغل مركز حياتنا. علينا أن نجعل ملكوت الله في تفكيرنا اليومي وحياتنا, وعندئذٍ فقط, ستكون حياتنا في اهتمام روحي أكثر عُمقًا ونرى الأشياء في وضعها الصحيح, وعندئذٍ سوف نَكُفُّ عن عمل جبال من لا شيء, حيث نُحوِّل اللاشيء إلى جبال. وسنكف عن الشَّكوى مِن أكبر مشاكلنا, ثم نقول لمشاكلنا: “كم أنَّ إلهنا كبير”.

مريم ومرثا

عندما كان الرب يسوع مع مريم ومرثا في منـزلهما, جلست مريم عند قدميه وهي تصغي بانتباه لكلِّ كلمة يقولها الرب. أمَّا مرثا فكانت في الناحية الأخرى مُشتَّتة بأمور كثيرة في المطبَّخ, لدرجة أن أتتها الشَّجاعة لتعطي الأوامر للسيِّد المسيح وتقول له: «يا ربُّ, أَمَا تُبالي بأنَّ أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقُل لها أن تُعينني» (لو10: 40), ولكنَّني أدعوكم الآن ألاَّ تكونوا قساة على مرثا؛ ألا نفعل نحن نفس الشيء؟ ألا نعطي أحيانًا الأوامر للسيِّد كما فعلت مرثا, بل ونخبره بالضَّبط ماذا يجب أن يفعله لأجلنا, لكن الرب أجابها قائلاً: «مرثا, مرثا, أنتِ تهتمِّين وتضطربين لأجل أمور كثيرة, ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النَّصيب الصَّالح الذي لن يُنـزَع منها» (مت10: 41-42). مرثا, كما يقول القدِّيس أغسطينوس, تُمثِّل الحالة التي نحن عليها, أمَّا مريم فهي تُمثِّل ما يجب أن نكون. الحاجة إلى واحد. لا تضطرب لأجل أمور كثيرة. اختارت مريم النصيب الذي لن يُنـزَع منها. اختَر النصيب الصالح. لا تستطيع أن تقوم بهذا بدون ترتيب الأولويَّات في الحياة أولاً. قال الرب لمرثا: «الحاجة إلى واحد».

ما هو هذا الشيء الواحد؟ إنَّه السيِّد المسيح الذي يجب أن نُركِّز عليه كل رغبتنا وانتباهنا. كتب القدِّيس يوحنا كاسيان John Cassian بخصوص أنْ يكون الله هو الأوَّل في حياتنا, فقال:

”يصبح الله حبَّنا كله ورغبتنا كلها. درسنا وعملنا, وكل فكرنا وحياتنا وكلامنا وتنفُّسنا. سنرتبط به حتى يصبح اشتياقنا وتفكيرنا فيه وحده“.

أليس هذا ما فعله زكا وهو على الشَّجرة. كان زكا يُركِّز عينيه على المسيح, عليه وحده, فنال بَرَكَة أن يسمع المسيح يقول له: «يا زكَّا, أسرِع وانـزل, لأنَّه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك» (لو19: 5). «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه, وهذه كلُّها تُزاد لكم».

لماذا يجب أن نجعل للسيِّد المسيح الأولويَّة في حياتنا؟

بدأتُ ذات يوم أن أتأمَّل في هذا السؤال: لماذا يجب أن نجعل للسيِّد المسيح الأولويَّة في حياتنا؟ تأمَّلتُ في هذا الأمر وصلَّيت, إليك بعض الإجابات :

تحدَّث القدِّيس يوحنا ذهبي الفم عن حقيقة أنَّ الله في حبِّه العظيم لنا جعل مِن كلِّ واحدٍ منَّا أولويَّة لشخصه الإلهي, فنحن أوَّل مَن ذُكِرنا في كتابه المقدَّس. عبَّر القدِّيس يوحنا ذهبي الفم John Chrysostom عن هذه الحقيقة عندما وَضَع الكلمات التالية على لسان السيِّد المسيح:

”أنا أبٌ لك, وأخٌ وعريس ومنـزل, وطبيبٌ وثوب, وأصل وحجر زاوية. مهما يكن ما تريده فأنا هو لك. لا أريد أن تكون في احتياج لأي شيء. سوف أخدمك لأنَّني لم آتِ لأُخدَم بل لأخدِمكَم, أنا صديق ورأس وأخ وأخت وأم. أنا كل شيء لك, ولكن كُن فقط على صِلة بي. أنا افتقرتُ لأجلك وبحثتُ عنك. صُلبتُ وقُبرتُ لأجلك؛ وهناك عند الآب أشفع فيك, وهنا على الأرض سفيرٌ أرسله الآب لك. أنت كل شيء لي؛ أخ ووريث وشريك وصديق وعضو في جسدي. ماذا ترغب أكثر مِن هذا؟“

إذا كان الله قد جعلنا أولويَّة له بهذا النطاق الواسع كما وصفه القدِّيس ذهبي الفم, ألا ينبغي أن نجعله أولاً لنا؟ ألن نكون حَمْقَى إذا جعلنا لنا أولويَّة غير الله؟ «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه, وهذه كلُّها تُزاد لكم».

حُب بهذا العُمق, وهذا العلو, وهذا الاتِّساع

هناك سبب آخَر لجعل ملكوت الله وبره أولويَّة حياتنا يشرحه لنا الكاتب الرُّوحي الغربي توما الكمبيسي Thomas A. Kempis في قصيدة رائعة عن محبَّة الله, والتي صيغَت منها فيما بعد ترنيمة. عنوان هذه القصيدة: “حبٌّ هكذا عمقه, وهكذا علوُّه, وهكذا اتِّساعه”. يقول الكاتب فيها:

”أيُّها الحُب, كم أنتَ عميقٌ وواسعٌ وعالٍ,

أيُّها السِّر العظيم والرائع!

لدرجة أنَّ ابن الله,

يتَّخذ لنفسه هيئة ميِّتَة من أجل الأموات!

لم يُرسِل ملاكًا لجنسنا,

ذا مرتبة عالية أو منخفضة,

ولكنَّه هو نفسه أتي إلى العالم,

ولبس ثوب الإنسانيَّة.

لأجلنا اعتمد! وقاده الرُّوح بعد ذلك,

وذاك الذي أطعم الألوف صام,

لأجلنا قبِل مِن المُجرِّب تجارب قاسية,

ولأجلنا غلب المُجرِّب.

لأجلنا صلَّى, ولأجلنا علَّم,

لأجلنا قام بكلِّ عمل.

وبالكلمات والآيات والأفعال,

لا زال يبحث لا عن نفسه ولكن عنَّا.

لأجلنا ارتضى أنْ يُسلِّمه أُناس أشرار للصَّلب,

وجُلِد, وهُزِء به,

ولبس إكليل شوك,

ولأجلنا أسلم الرُّوح.

لأجلنا قام من الأموات ثانية,

لأجلنا ارتفع إلى العُلا ومَلَك,

لأجلنا أرسل الرُّوح القُدُس هنا,

ليرشدنا ويُقوِّينا ويُفرحنا.

كل المجد لربِّنا وإلهنا.

لأجل هذا الحب,

الذي هكذا عمقه, وهكذا علوُّه, وهكذا اتِّساعه,

الثالوث القدُّوس,

المعبود إلى الأبد وأبد الآبدين“.

(توما الكمبيسي 1380- 1471  Thomas A. Kempis 1380 – 1471)

إذا كان الله يحب كل واحد منَّا, ألا يجب أن نبادله الحُب إلى الدَّرجة التي نودُّ بها بكلِّ الصدق أن نجعل لملكوته ولبرِّه الأولويَّة فوق كل شيء؟

الرب يسوع يتوسَّل مِن على الصليب

ما زال هناك سبب آخَر لجعل السيِّد المسيح أولويَّة حياتنا. في الكتاب التَّكريسي الرَّائع: “حوار مع المُخلِّص”, والذي كتبه الراهب الأرثوذكسي ليف جيليه Fr. Lev Gillet, يقول فيه:

”تعالَ يا ابني المحبوب وابنتي المحبوبة!

غُفِرَت خطاياكم. عَبَر صليبي المسافة بيني وبينكم.

دفعتُ الثمن الذي لك, ليس ذهبًا ولا فضَّة بل دمي الغالي.

تعالَ لكي أفرح بك.

تعالَ حتى أضع عليك تاج الخلاص,

وأسكب عليك حُبِّي وروحي وأُقدِّمك إلى أبي.

أنتَ أغلى خرافي, وجعلتُ ثمنك هو دمي.

نقلتُك مِن سُلطان الظَّلمة حيث كنتَ في قيود الشَّيطان,

إلى مملكة النُّور.

لقد حميتُك بنعمتي, أعنتُك بيمين خلاصي,

ونقشتُ اسمك على راحة يدي اليمنى“

(إش49: 16).

طالما حب الله عظيمٌ هكذا, وموجَّه نحونا شخصيًّا, فكيف لا نجعل ملكوت الله وبرَّه أوَّلاً؟

الصليب, القبر, القيامة

يوجد سببٌ آخَر لجعل ملكوت الله وبرِّه أول شيء لنا. يُصلِّي الكاهن قُرب نهاية الليتورجيا صلاة رائعة يُقدِّم فيها الشُّكر والتَّسبيح لله لِمَا صنعه مِن أجلنا… كل ما اجتازه مِن أجلنا: الصَّليب, القبر, القيامة في اليوم الثالث, الصُّعود إلى السموات والجلوس عن يمين الآب, ومجيئه الثاني المخوف المملوء مجدًا؛ ثمَّ يسترسل في الصلاة ويقول: ”نُقدِّم لك قرابينك ممَّا لك, على كلِّ حال, ومِن أجل كلِّ حال, وفي كلِّ حال“.

هذه الأفعال الخلاصيَّة تُلخِّص لنا كل ما عمله المسيح لأجلنا؛ فالابن أخلى ذاته من المجد الذي كان له مع الآب منذ الأزل آخذًا جسد بشريَّتنا ليعطينا مجده ويُشرِكنا فيه. لأجلنا صار خادمًا وعبدًا, فغسل أرجل تلاميذه. لم يكن السيِّد الرب مُجبَرًا على ذلك, لكن بسبب حبِّه لنا عمل هذا طواعية: “مِن أجلنا, ومِن أجل خلاصنا”. هو حَمَل الصَّليب كي ننال غفران الخطايا والحياة الأبديَّة وشركة الطبيعة الإلهيَّة. نحن البَشَر الذين أخطأنا, وكان يجب أن نُصلَب وليس هو الذي بلا خطيَّة؛ ومع ذلك فقد ذهب ليُصلَب عنَّا, فأنقذنا: «مِن سُلطان الظَّلمة, ونقلنا إلى ملكوت ابن محبَّته» (كو1: 13), هذا الذي: «أحبَّني وأسلم ذاته لأجلي» (غل2: 20).لم يمُت الرب فقط مِن أجل آثامنا, ولكنَّه حملها أيضًا إلى القبر ودفنها معه كما دُفِنَّا معه في المعموديَّة. وبعد ثلاثة أيَّام قام ثانية وغلب الموت بموته. لم يقُم الرب فقط, بل أيضًا: «أقامنا معه» (أف2: 6) بنعمته الغافرة. لا توجد خطيَّة لا تُغفَر, لأنَّه إن تُبنا: «واعترفنا بخطايانا, فهو أمينٌ وعادل, حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهِّرنا مِن كلِّ إثم» (1يو1: 9). وبعد قيامته المقدَّسة صعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب.

يقول القدِّيس بولس إنَّه: «أجلسنا معه في السماويَّات» (أف1: 6), وذات يومٍ سوف نصعد هناك لنكون معه.

يقول الأب بيتر جيلكويست Fr. Peter Gillquist:

”العالَم ليس هو مكان إقامتنا الأساسي. هويَّتنا هي مع المسيح في ملكوت الله. لدينا عنوانٌ مكتوب عنده: إنَّه أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات“.

عندما نموت, فإنَّ وطننا الأخير ليس حفرة في الأرض ولكن منـزلاً في السماء. وفي نفس الوقت, ومن خلال القدَّاس الإلهي, في الإفخارستيا والصلاة, نستمر في الصعود معه.

ماذا تكون الصلاة؟ ما هي الليتورجيا؟ ماذا يكون سر التناول إلاَّ صعودًا إلى حيث الله موجود. عند اليوم الأخير, سيأتي المسيح ثانية ليُدخِلنا إلى ملكوته حيث يكون هو لنكون معه إلى الأبد. كل هذه الأمور المذكورة في صلاة القدَّاس الإلهي فَعَلَها المسيح لأجلنا:

الصليب. القبر. القيامة في اليوم الثالث. الصُّعود إلى السماء, الجلوس عن يمين الله الآب. والمجيء الثاني المُمجَّد.

كل هذا لأجلنا, لأجلك, لأجلي, لأجل خلاصنا. ونحن نحتاج أن نَذكر المجيء الثاني للسيِّد المسيح مثل دقَّة القلب, كما كتب لويس يقول:

”في طرفة عين, وفي وقت قصير جدًّا, وفي أي مكان, وفي أي موضع كان يبدو أنَّه يفصلنا عن الله سيهرب في الحال, ويختفي ويتركنا عرايا أمامه؛ مِثل الإنسان الأوَّل, مِثل الإنسان الوحيد, كما لو كان لا يوجد سوى هو وأنا فقط معًا. وبما أنَّه لا يمكن تحاشي هذا اللقاء, وبما أنَّه يعني إمَّا البركة أو الرُّعب, ففيما أنت تهتم بأمور حياتك, يجب أن تستعد للأبديَّة“.

ليس فقط أن: “تهتم بأمور حياتك”, ولكن أيضًا أنْ تُعطي الرب يسوع الأولويَّة رقم: “واحد”. ماذا يكون أكثر حماقة مِن أن تجعل ما هو في المرتبة الثانية ليصبح الأفضل؟ كل ما نعتبره: “فاضلاً” في هذه الحياة يحتاج أن ينحني أمام: “الأفضل”, “دعنا نُكرِّس أنفسنا وحياتنا كلَّها للسيِّد المسيح إلهنا”. «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه, وهذه كلُّها تُزاد لكم».

مَن هو المسيح؟

استكمالاً لمناقشة فكرة لماذا يجب علينا أن نجعل للسيِّد المسيح الأولويَّة العظمى في حياتنا, أُذكِّركم بجملة: “أنا هو” التي كان يُردِّدها المسيح كثيرًا:

«أنا هو خبز الحياة. مَن يُقبِل إليَّ فلا يجوع. ومَن يؤمِن بي فلا يعطش أبدًا» (يو6: 35).

«أنا هو نور العالم. مَن يتبعني فلا يمشي في الظُلمة بل يكون له نور الحياة» (يو8: 12).

«أنا هو الباب. إنْ دخل بي أحد فيخلُص ويخرُج ويجد مرعى» (يو10: 9).

«أنا هو الراعي الصالح» (يو10: 14).

«أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيَّ وأنا فيه, هذا يأتي بثمرٍ كثير» (يو15: 5).

«أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلاَّ بي» (يو14: 6).

«أنا هو القيامة والحياة. مَن آمَن بي ولو مات فسيحيا. وكلَّ مَن كان حيًّا وآمَن بي فلن يموت إلى الأبد» (يو11: 25-26).

«أنا هو الألف والياء, الأول والآخِر, البداية والنهاية» (رؤ22: 13).

بالنَّظَر لهذه التَّصريحات الرَّائعة, كيف لا نُعطي المسيح الأولويَّة في حياتنا؟

كَتَب لويس C. S. Lewis قائلاً:

”ما يقوله السيِّد المسيح يختلف تمامًا عمَّا يقوله أي مُعلِّم آخَر. ويقول آخَرون: “هذا هو الحق بخصوص الكون, هذه هي الطَّريقة التي يجب أن نسلكها”. أمَّا الرب فيقول: «أنا هو الطريق والحق والحياة», ولا يستطيع أحد أن يبلغ الحقيقة المُطلَقَة إلاَّ عن طريقي (بي). حاوِل أن تحتفظ بحياتك فستُهلكها, ولكن إنْ أضعتها مِن أجلي فستجدها. إذا خجلتَ منِّي عندما تسمع هذه الدَّعوة, وذهبتَ في الطريق الأخرى, فأنا سأدينك لأنَّك ذهبت بعيدًا عنِّي عندما آتي ثانية كإله دون إخفاء. إذا كان هناك شيءٌ يبعدك عنِّي, مهما يكن هذا الأمر, فأَلْقِهِ بعيدًا. إن كانت عينك فاقلعها, وإن كانت يدك فاقطعها. إنْ جعلتَ نفسك أولاً ستكون أخيرًا. تعالَ إليَّ يا كلَّ مَن حِمله ثقيل, فسأضع الأمر في نصابه الصَّحيح. خطاياكم كلَّها مسحتها, فأنا قادرٌ أنْ أفعل هذا. أنا هو واهب الولادة الجديدة, أنا هو الحياة. كُلني, اشربني فأنا طعامك. وفي النهاية وأخيرًا لا تخف, فقد غلبتُ العالم. هذا هو الأمر كله“.

ويستمر لويس قائلاً:

”المسيحيَّة هي أمرٌ واقع, إنْ كان زائفًا, فالمسيحيَّة ليست بذات أهميَّة. وإنْ كان صحيحًا, فهي تكون في غاية الأهميَّة, بل لها الأهميَّة المُطلَقَة. ولكن الشيء الوحيد الذي لا تكونه المسيحيَّة هو أن تكون ذات أهميَّة متوسِّطة“.

 

هل الله هو الأول في حياتك؟ ج2 – الأب أنتوني م. كونيارس

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !