أبحاث

الثعلب ابن السفاح والأفعى بنت الحية ف15 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

الثعلب ابن السفاح والأفعى بنت الحية ف15 - الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

الثعلب ابن السفاح والأفعى بنت الحية ف15 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

 

الثعلب ابن السفاح والأفعى بنت الحية ف15 - الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض
الثعلب ابن السفاح والأفعى بنت الحية ف15 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

اقرأ وافهم
روايات إيمانية

الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

 

 

الفصل الخامس عشر: الثعلب إبن السفاح والأفعى بنت الحيَّة

 

          الساعة نحو الثامنة من صباح يوم الجمعة ، ورؤساء الكهنة وبقية القيادات الدينية في حالة مزاجية سيئة للغاية 00 يشعرون أن الوقت يتسرب من بين أصابعهم ، ويخشون لئلا يودعه هيرودس السجن كما فعل من قبل مع يوحنا ، فكيف ستمر فترة الأعياد ؟! 00 وماذا سيفعل أتباع الناصري ؟! 00 هب أنهم أشعلوا نيران الثورة ونجحوا في إخراجه من سجنه 00 هل سيتركوننا ؟! 00 ياليتنا ما تسرعنا في القبض عليه ، ووضعنا أنفسنا في هذا المأزق الضيق 00 إنها مشورة يهوذا اخيتوفل 00 لينتقم الله منك أيها الخائن0

          وتقدم قائد المئة الموكب الضخم وجنوده يحيطون بالأسير خوفاً عليه من إنتقام الجماهير ، وإذ كانت المدينة أورشليم تموج بآلاف البشر ، وكثيرون يتساءلون عن هذا الموكب الذي يجمع رؤساء الكهنة مع الفريسيين رغم أن بينهما ما صنع الحداد ، ويجمع اليهود مع الرومان رغم أن كل منهما يتمنى فناء الآخر ، أما الذين كانوا ينتظرون يسوع نبي الناصرة ليعلن نفسه ملكاً في هذا العيد ، ويحرر البلاد من سلطة الرومان ، وفهموا ما يجري إندهشوا : كيف صار أسيراً في قبضتهم ؟!! 00 رؤساء الكهنة يطلقون الإشاعات فتسري مثل النار في الهشيم ويعلو دخانها : إنه يريد هدم الهيكل 00 فكيف يكون هو المسيا ؟! 00 ألم يُكسِر السبت ؟ 00 ألم يجدف على إسم الله المبارك ؟ 00

          وإقترب الموكب من قصر هيرودس 00 هذا القصر المكسو بالمرمر الأبيض ، والذي يحط بجناحيه مثل طائر ضخم على أرض أورشليم ، وبينما كان نظام الحكم في اليهودية يتم بالتعيين منذ سنة 63 ق0م حيث تولى بيلاطس البنطي كخامس والي على اليهودية ، فإن الحكم في الجليل كان قاصراً على العائلية الهيرودسيَّة ، والملك الحالي هو هيرودس أنتيباس الذي دعاه المعلم بالثعلب ، وهو إبن هيرودس الكبير الذي دُعي بالسفاح ، ومما يذكر عن هيرودس الكبير أنه كان سياسياً بارعاً قادراً على كسب ثقة الأعداء قبل الأصدقاء ، وهو الذي قام بتجديد الهيكل ، إلاَّ أن الأنانية سيطرت عليه فخلقت منه سفاحاً ، فبسبب خوفه على ملكه قتل أخته سالومي وزوجها ، وقتل زوجته المحبوبة مريم إبنة سمعان رئيس الكهنة حفيدة يوحنا هركانوس مع  ألكسندرا زوجة سمعان ، وأمر بقتل أطفال بيت لحم 00 وكان قصره هيرودس يعتبر مسرحاً للدسائس والمؤامرات من قبل زوجاته العشرة وأسراتهنَّ ، ولما عاد إبناه ” الكسندر ” و ” أرسطوبولس ” من روما وعلما بمقتل أمهما مريم ، أرادا الإنتقام من أبيهما ، وعلم أبيهما هيرودس بهذا فقتلهما بإيعاز من إبنه الأكبر ” أنتيباتر ” ، ولما خشى أن يغتصب إبنه ” أنتيباتر ” المملكة قتله أيضاً ، حتى قال ” أكتافيوس قيصر ” إن خنازير هيرودس تتمتع بالأمان والسلام أكثر من أولاده ” ، وظل في ملكه أربعين سنة ( 37 ق0م – 4 م ) وبلغ السبعين من عمره ، وعندما شعر بدنو أجله أمر بالقبض على عدد كبير من عظماء وأثرياء وقادة المملكة ، وأمر بقتلهم عند موته حتى يعم الحزن أرجاء المملكة0

          أما هيرودس أنتيباس فقـد ملك نحـو ثلاثة وثلاثين سنة ( 4 م – 39 م ) وتزوج بإبنة أريتاس Aretas ملك البنطية ، وفي سنة 28م إلتقى في روما مع ” هيروديا ” زوجة أخيه فيلبس ملك إيطورية وكورة تراخونيتس بسوريا ، فتركت هيروديا زوجها فيلبس ، وإلتصقت به ، وعندما رقصت أمامـه سالومي إبنة هيروديا ، أعطاها وعداً بتلبية أي طلب تطلبه حتى نصف المملكة ، وإستشارت أمها هيروديا الحيَّة العتيقة 00 طلبن رأس يوحنا المعمدان صوت الحق الذي طالما بكَّتها على خطيتها ، وكان هيرودس قد أودعه السجن ، فلأجل الأقسام والمتكئين أرسل فقطع رأس يوحنا ، وقدمها إلى سالومي على طبق ، وحملت الأفعى بنت الحيَّة رأس يوحنا على طبق ، وقلبها يرقص ثقة بنفسها ، وصارت أمها في طرب عظيم ، وإذ أرادا أن يلهيا بالرأس المقدَّسة ، وإذ بالشعر يُحلّق حاملاً الرأس بعيداً عن قصر الدسائس ، وصوت السابق الصابغ يدوي : يا هيرودس لا يحل لك أن تأخذ هيروديا زوجة أخيك 00 صرخت سالومي ، وسقطت هيروديا على الأرض مرتعبة0

          وكان هيرودس منذ أيام يفكر في قتل يسوع أيضاً ، فقال بعض الفريسيين ليسوع إذهب وأخرج من ههنا لأن هيرودس يريد أن يقتلك ،  فقال لهم : إمضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أُخرج شياطين وأُشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أُكمل 00 لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً من أورشليم0

          جاء هيرودس من الجليل إلى أورشليم للإحتفال بالأعياد ، وقد إفتتح عدة صالات جمنزيوم ، بالإضافة للمسرح الكبير لتقديم المسرحيات ، ومدرج الألعاب الذي يسع الآلاف ، والمسرح الدائري بجدرانه المزينة ببعض النقوش الذهبية والفضية ، والذي كانت تُقام فيه حفلات المصارعة بين المحكوم عليهم بالإعدام والوحوش الضارية الجائعة0

          وبعد أن وصل الموكب الذي كان أشبه بمظاهرة شعبية إلى قصر هيرودس ، بيت القصيد ، ظلت الجماهير خارج القصر ، ودخل قائد المئة وبعض جنوده مع رؤساء الكهنة ومشايعيهم يحيطون بالأسير ، وقد إرتضى هؤلاء الرؤساء دخول قصر هيرودس الأدومي المُتهوّد ، بينما رفضوا دخول قصر بيلاطس الأممى لئلا يتنجسوا 00 جلس هيرودس على عرشه بملابسه الملوكية الموشاة بالذهب ، وبريق الذهب مع لمعان الألماظ المرصَّع به التاج الملكي يبهران الأنظار ، وتلاقت عيني يسوع المتورمتين بعيني ذلك الثعلب بن السفاح ، وأحس هيرودس أن تلك العينان تفحصان كل شئ حتى خبايا القلوب ، ولم يكن هيرودس يتوقَّع وهو خارج ولايته أن تعرض عليه مشكلة بهذه الضخامة والتي يمثل رؤساء الكهنة وأعضاء مجمع السنهدريم وجميع القيادات اليهودية مع إختلاف إتجاهاتهم بالإضافة إلى جماهير الشعب طرفاً فيها ضد الطرف الآخر وهو مُعلّم الجليل بمفرده ، ومع ذلك فإن كل ما كان يشغله هو قوة وجبروت هذا الرجل ، فأخذ يُمني نفسه بمشاهدة عرضاً يسوعياً يخلب الألباب ، وربما يدفع هذه الثيران الهائجة للتنازل عن شكواهم طوعاً وإختياراً0

          وقدَّم قائد المئة الروماني تقريراً شفهياً لهيرودس الذي كان يتتبع أخبار يسوع أول بأول ، وبالرغم من أن هيرودس كان يفكر في قتله لكنه كان في لهفة من لقائه بسبب ما سمعه عنه ، وعن كم المعجزات التي أجراها بقوته الشخصية بدون تضرع لله ولا توسل ولا صلاة ولا طلبة ، وعلى رأس هذه المعجزات جميعها إقامة الميت بعد أربعة أيام من موته0

ونظر هيرودس نحو يسوع بدهاء الثعلب قائلاً : إسمع يايسوع 00 لقد إدَّعيتَ إنكَ إبن الله ، ولكَ سلطان عظيم يفوق الطبيعة ، فهل تثبت لنا صدق أقوالك ؟ 00 أتُجري أمامنا معجزة لأتأكد بعيني ما سمعته عنك بأذنيَّ ؟!

وصمت يسوع صمتاً مطبقاً 00

هيرودس : هيا ياجبار البأس 00 ألا تريد أن تخرج من هنا حراً طليقاً ؟!00 أي معجزة تشاءها 00 أي أعجوبة تريدها0

          ولم ينجح تشجيع وإغراء هيرودس في إخراج يسوع عن صمتـه ،  وهيرودس يتلهف نحو معجزة كطفل تسعده رؤية الحاوي ، ثم قال له : يايسوع 00 ألم تقل عني إنني ثعلب 00 أنا مستعد أن أغفر لك هذا ، لقاء أن تُجري لنا معجزة ، وأنا أعدك بأنني سأطلقك 0

أما رؤساء الكهنة فبدأ عليهم التذمر واضحاً ، ومع إنه لا يروق لهم ما يجري ، لكنهم يتحاشون الصدام مع هيرودس00 إذاً فلينتظروا على مضض ، وما كان يعزيهم في مصيبتهم ويطمئنهم بعض الشئ صمت يسوع رغم إغراء هيرودس له بالإطلاق ، ولم يدرك هيرودس أن يسـوع لـم يسعَ قط للهرب والفكاك من الصليب 00

ولم يدرك أنه جاء للموت بأقدامه لا يسوقه قدره السئ ، إنما تدفعه محبته الفياضة للإنسان الجريح العريان المطروح وسط زحام الشياطين 00

ياللي محبتك يايسوع0

وظل هيرودس في محاولاته وهو يقول في نفسه : لو أنني ربحتُ يسوع هذا لربحتُ من ورائه آلاف المشايعين له 00 أليس هو من ولايتي ويجب أن يكون ولائه لي أولاً ، ويعمل لحسابي ، ولكن يسوع ملك الملوك لم يكن قط مشايعاً لملك ما ، ولم يعمل قط لحساب ملك أو رئيس كهنة أو زعيم 00 إنما كان يعمل دائماً لحساب خاطئ تائب ، لحساب جريح سقط بين اللصوص 00 لحساب امرأة منكسرة أُمسكت في ذات الفعل ، لحساب زكا العشار والمجدلية والكنعانية ونازفة الدم 00 وأيضاً لم يكن يسوع يوماً حاوياً ولا ساحراً ، ولم يجري معجزة قط من أجل البهرجة والفرجة والتسلية ، إنما جميعها كانت احشاء رأفات ومحبة للبشر 00 وقف يسوع يُحاكم أمام الملك هيرودس تحقيقاً لنبؤة داود الملك  ” قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه قائلين لنقطع قيودهما ولنطرح عنا ربطهما ” (مز 2 : 2 ، 3) 0

          وظل يسوع أمام هذا الوحش الآدمي صامداً صامتاً ، لم يجب على سؤال واحد ، ولم ينطق ببنت شفه ، فكلام يسوع كلام ثمين وغالي لا يُهرَق في الهواء جزافاً ، وبدأ هيرودس شيئاً فشيئا يفقد أعصابه ، بالرغم من أنه يتظاهر بالصبر والجَلَد ، فهكذا هي سياسة الملوك 00 تحوَّل هيرودس عن يسوع ونظر إلى مشيريه ، وظل يثني على يسوع كمواطن جليلي يُشرّف وطنه ، وأخذ يمدح تعاليمه السامية 00 لقد وضع الملك في نفسه أنه لابد أن ينتصر ويكسب الجولة ، بإخراج يسوع عن صمته ، ولكيما يجري معجزة ما ، ووضع الأسير في قلبه أن لا يجيب 00

وأخيراً رفع هيرودس الراية البيضاء 00 ألاَّ يقدر الملك على حمل أسير على الكلام ؟! 00 ياللمهزلة 00 إحمرَّ وجه هيرودس ، ولاح أمام عيناه صـورة يوحنـا الذبيح قريب هذا الأسير ، وتمنى لو أنه سبق وذبح يسوع بدلاً من يوحنا القديس !! وبينما هيرودس يغوص في أفكاره هذه ، لم يكف رؤساء الكهنة عن الإشتكاء ضد يسوع بشدة ، ولم ينقطعوا عن الثرثرة بكلمات كثيرة ، ولكن هيرودس العالم بأمورهم قد سدَّ أذنيه تجاههم ، وحدجهم بنظراته الحادة ، فتحوَّلت ثرثرتهم إلى همسات : ما هذا اليوم الأغبر ؟! أجئنا للحكم على يسوع أم لنلقى السخرية من هيرودس ؟! 00 نحن قادرون على مواجهة هذا الهيرودس ومن خلفنا الجهات الشعبية ، ولكن ليس الآن ، فالوقت كله والمجهود كله يجب أن يُكرس من أجل قتل يسوع0

          ونهض الثعلب الماكر من على عرشه ودار حول الفريسة ببطء يتفحصها ، وإذ بالوجه مُتورّم تعلوه آثار الكدمات والجروح ، والملابس ملطخة بالدماء ، فأطلق ضحكته الساخرة ، وسُمع في القصر صوت قهقهته : أأنت ملك اليهود ؟!

أين شعبك وأين جيشك ياملك ؟!

وأحضر أحد الجنود ثوباً لامعاً ألقاه عليه : سلام لسيدي الملك 00

وسخروا منه وإستهزأوا به 00 وعاد هيرودس إلى عرشه ، وتقدم منه قائد المئة ليحصل على التقرير النهائي شفاهة : عُد به إلى سيدك بيلاطس 00 فإن الإتهامات غير ثابتة عليه 00

وعلى كلٍ سعد هيرودس بتقدير بيلاطس له ، وإعتبر أن هذا التقدير يعد بمثابة إعتذار غير مباشر من بيلاطس الذي ذبح الجليليين ، وعادت حمائم السلام ترفرف بين الإثنين بفضل يسوع ملك السلام0

          وعادت الجماهير من حيث أتت ، وإندفع الموكب في شوارع أورشليم بين أناس يفرحون ويلهون ويستعدون لذبح خروف الفصح ، وأناس يصعدون إلى الهيكل وهم يرنمون مزامير المصاعد ، وأناس يبيعون ويشترون ، وكان على جند بيلاطس دفع الناس دفعاً ليعبر الموكب إلى قلعة أنطونيا ، ورؤساء الكهنة ومشايعيهم في حزن وكمد لأنهم فشلوا في إنتزاع حكم الموت على يسوع من هيرودس ، كما فشلوا في الحصول عليه سلفاً من بيلاطس ، والشمس تسرع في طريقها مثل جبار ، مما أشعر القيادات الدينيَّة بأنها باتت في مأزق ، فأخذوا يلعنون يهوذا الذي أغراهم بالقبض على يسوع في هذا الوقت الحرج ، ويلعنون بيلاطس الذي يرفض تنفيذ قرارات المجمع المقدَّس ، ويلعنون هيرودس الذي إنتهرهم ، ويلعنون يومهم الأغبر هذا00

 

الثعلب ابن السفاح والأفعى بنت الحية ف15 – الأربعة والعشرون ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !