أبحاث

الأمومة ج2 – المرأة في الكتاب المقدس ج18

الأمومة ج2 - المرأة في الكتاب المقدس ج18

الأمومة ج2 – المرأة في الكتاب المقدس ج18

 

الأمومة ج2 - المرأة في الكتاب المقدس ج18
الأمومة ج2 – المرأة في الكتاب المقدس ج18

 

 

ليس من شك في أن كل أمومة هي حدث جليل الشأن،  بل هي فرصة لتمجيد الله فيها – أو ليس من العجيب أن يتكون الإنسان من خلية وأن يبرز إلى الوجود طفلاً رضيعاً ضعيفاً عاجزاً فينمو ويكتمل ويصير شخصاً مفكراً ذا إرادة وصاحب آمال وأحلام ؟

إن في هذا عجباً وأي عجب ولو أننا فقدنا الإحساس بهذا العجب لأن الولادة أمر يتم كل ساعة بل كل ساعة – فتكراره جعلنا ننسى ما فيه من عجب ولو أننا عدنا بخيالنا إلى الإنسان في حالته البدائية لرأيناه يركع أمام السيدة الحامل – وهذا الخشوع أمام روعة الأمومة لا يزال يملأ قلوب من امتلئوا روحانية فقد قرأت عن إحدى الراهبات أنها كانت تركع على ركبتيها وترفع الشكر لله  كلما وجدت نفسها في حجرة أم على وشك الولادة.

وعند تناولنا الحديث عن الأمهات لنسمع إلى ما نصح به سليمان الحكيم حيث قال ” اسمع يا ابني تأديب أبيك ولا تنس شريعة أمك لأنهما إكليل نعمة لرأسك وقلائد لعنقك ( أم 1: 8 ) ثم يوضح حقيقة عجيبة إذ يعلن ” الابن الحكيم يسر أباه والابن الجاهل حزن أمه ” ( أم 10: 1 ).

ولنمعن النظر في تقدير الله لمحبة الأمهات إذ يقول لنا الوحي على لسان أشعياء ” هل تنسى الأم رضيعها فلا ترحم بطنها ” ويستكمل هذا التساؤل المنطوي علـى الدهشــة لقوله ” حتــى هؤلاء ينسين وأنا لا أنســاك ” ( أش 49: 11 ).

وما دمنا في صدد الحديث عن الأمهات نذكر أن رب المجد حين بكى على أورشليم شاء أن يوضح حنانه عليها بصورة بسيطة للغاية فقال: ” كم مرة أردت ا، أجمع أولادك كما تجمـع الدجاجـة فراخـها تحـت جناحيها ” ( لو 13: 34 ) فهو – له المجد – اتخذ من حنان الدجاجة ( الأم ) على فراخها صورة لعطفه اللانهائي لكي يوضح للناس أن أسمى صورة إنسانية للعاطفة هي صورة الأم حتى حينما تكون هذه الأم دجاجة.

ثم حين يتحدث سيدنا عما يصيب العالم من أهوال أبدى شفقته بصورة خاصة على الأمهات إذ قال ” ويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام – فهو تبارك اسمه أشفق عليهن لعلمه بأنهن لا يفكرن في أنفسهن فقط بل يفكرن في أولادهن أيضاً فتتضاعف مخاوفهن لهذا السبب.

أليس كل هذه الأحداث وهذه الأقوال جديدة بالتأمل في هذا العصر ؟

ولنتأمل بعض الأمثلة من الأمهات الحكيمات ونقابلها ببعض الأمهات التي كانت تعوزهن الحكمة،  لنرى نتيجة ذلك على أولادهن ونوقن أن الأم هي المدرسة الأولى والمدرسة العظمى التي تظل تعاليمها باقية رغم كل الأحداث والمؤثرات – نتأمل هذه الأمثلة في عرض موجز لنعود نذكر تفاصيل قصة كل أم على حدة:

أولا: الأمهات الأوائل: زوجات الآباء البطاركة:

سارة – هاجر – قطورة – رفقة – ليئة – راحيل – بلهة – زلفة

ســــــارة

إننا لنجد سارة تسلك المسلك التقليدي الذي أسسته أمنا حواء فتتجه نحو الله حالما يولد طفلها،  فقد هتفت حواء عند مولد قايين ” اقتنيت رجلاً من عند الرب “،  أما سارة فهتفت ” قد صنع الله إلى ضحكاً،  كل من يسمع يضحك لي ” ( تك 21: 1 ). والطريف في هذا الهتاف أنه مخالف للمألوف فقلما يخطر على بال أحدنا أن الله يصنع لنا ضحكاً. أما هذه ” الشيخة ” التي رزقها الله ولداً بعد أن فات الأوان قد ابتهجت إلى حد أنها سبحت بما صنعه الله لها ” من ضحك “.

هــاجـــر

هذه الأم التي عندما خرجت من بيت إبراهيم ( زوجها ) وفرغ الماء الذي معها لم تفكر في نفسها بل تركز كل تفكيرها وقلقها في ابنها.

قطــــورة

الزوجة الشابة التي تزوجت كهلاً،  وهذا يؤكد حبها وتعاونها مع زوجها متحلية بإنكار الذات الذي يجمع حب الزوجة مع حب الابنة،  إنه زواج مبني على عاطفة حب مؤسسة على صخرة الصفات الأخلاقية الطيبة لقطورة – ولقد كافأها الله بأنها أنجبت من إبراهيم ستة أولاد فأصبح إبراهيم جداً للستة القبائل العربية في جنوب وشرق فلسطين.

رفقــــة

وقبل أن نتحدث عنها كأم لنتأملها وهي عذراء ذاهبة لتملأ جرتها ماء وما أبدته من حسن الضيافة لعبد إبراهيم ،  لنتأمل تدبير الله العجيب للمتكلين عليه،  ورفقة وهي حامل سألت الرب عما في أحشائها فأنبأها بأن في بطنها أمتين ومن أحشائها يفترق شعبان ( تك 25: 22 – 23 ) ولكن رغم أنها كانت خائفة الرب فقد اتبعت سياسة التحزب مع ولديها حتى قال عنها الكتاب ” أنها كانت تحب يعقوب ” ( تك 25: 28 ).

 

ليئـــــة

جاء الحديث عنها بالتفصيل في موضوع جدات السيد المسيح.

هذه الأم التي كانت تهتف بالتسبيح لله كلما ولدت ولداً،  شأنها في ذلك شأن جدتها،  وحينما ولدت يهوذا كان هتافها ” أحمد الرب ” ( تك 29: 31 ) ولا شك في أن الوحي نطق على لسانها بهذه التسبحة لأم يهوذا جد السيد المسيح له المجد،  ومن هنا يبدأ تعجبنا: فالجدة الأولى لمخلص البشرية كان امرأة غير جميلة وغير محبوبة،  ولكن عطايا الله لا تقاس بهذه الأشياء. 

راحيــــل

إحدى نجمات الكتاب المقدس التي أحبها يعقوب،  وهي السيدة الأولى التي ذكر الكتاب المقدس أنها ماتت عند ولادتها… لقد كانت صرخة راحيل من أجل أطفال بيت لـحم نبوة عـن ذبـح الأبـرياء عندماولد السيد السميح ( مت 2: 16 – 18 )… فقد صور أرميا النبي بروح النبوة راحيل كأنها قامت من القبر لتبكي على أولادها  ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين. ( أر 31: 15 ).

إن الغلبة والحياة الأبدية صارت ثمرة مأساة راحيل وأولادها.

ثم تأتي بلهة جارية راحيل ،  وزلفة جارية ليئة والاتي تزوجهن يعقوب وأصبحن أمهات للأسباط دان ونفتالي وجاد ,اشير.

وهنا يجدر بنا أن نلحظ كيف أن الكتاب المقدس قدم لنا الناس على طبيعتهم بما فيهم من خير وشر من غير مواربة،  وقد شاء الله أن يكون الكتاب المقدس على هذا النحو لنتعلم نحن من كلا الأمرين،  فنقتدي بالخير ونتجنب الشر.

كان هذا عرض موجز عنهن — نسرد الآن قصة كل أم على حدة:

ســـــارة

الشاهـد الكتابـي: ( تك 11- 29 – 31 )

يطلق على بعض الأسماء المذكورة في الكتاب المقدس لقب الأسماء المقدسة،  لأن الله سماها بنفسه،  أو سماها عن طريق الوحي الإلهي أو الإلهام المقدس،  لينفذ وعداً خاصاً،  أو عهداً مقدساً،  أو إعلاناً إلهيا،  وليطابق الاسم أخلاق وطباع أو رسالة الشخص الذي سيطلق عليه،  فالاسم 

أمامنا الآن شخصيتان في الكتاب المقدس يحملان أسماء مقدسة هما إبراهيم وسارة فكل اسم منهما يعبر عن غرض الله المقدس كمن وعده الصادق بتكوين شعب له.

سارة زوجة إبراهيم كان اسمها قبلاً ساراي ومعناه ” أميرة ” ويقول البعض المفسرين أن ساراي تعني ” المشاكسة ” أو ” المخادعة “،  غيّر الله بنفسه الاسم إلى سارة ( تك 17: 15،  16 )  وأعطاها عهداً بوعد.

أما العهــــــد:

فهو أن تكون سارة أماً لملوك وشعوب منها يكونون،  إنها اشتركت مع زوجها في بركات الوعد الإلهي فكما غير الله اسمها غير اسم زوجها فصار اسمه إبراهيم بدلاً من إبرام،  ومعنى إبرام ” الأب الرفيع أو الأب المكرّم ” ومعنى إبراهيم ” أو جمهور ” ( تك 17: 5 ).

لقد أوضحت سارة معنى اسمها الجديد بتقديم ذاتها مثلاً للشخصية الروحية المخلصة،  ففي سني حياتها الطويلة مع إبراهيم سيطر على خيمتها الهدوء والتقوى والإخلاص والسلام والمشاركة في الآلام والتفاهم في حل المشاكل بروح الحب.” فإنه هكذا كانت قديماً النساء القديسات أيضـاً المتوكلات على الله يزيـنّ أنفسـهن خاضعات لرجـالهن كمـا كانت سـارة… ” ( 1 بط 3: 5،  6 ).

في تقوى وطاعة وحب دعت سارة رجلها إبراهيم ” سيدي ” هي لم تتزين بالزينة الخارجية من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب التي لا تمجد الله والتي تساعد على ازدياد الفساد ونمو مملكة الشيطان،  بل تزينت بالاتكال على الرب ” إنسان القلب الخفي في العديمة الفساد،  زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن ” ( 1 بط: 3 – 4 ).

كانت لسارة شخصية فريدة وقوية،  إنها العبرانية الأولى وأم جميع العبرانيين.

لقد ذكر الكتاب المقدس سيدتين فقط بين أبطال الإيمان هما سارة وراحاب فقال بولس الرسول عـن سارة ” بالإيمان سـارة نفسـها أخذت قدرة على إنشاء نسل وبعد وقت السن ولدت إذ حسبـت الذي وعـد صـادقاً ” ( عب 11: 11 ).

كمــا ذكـر الكتـاب المقـدس عن سارة أنها امرأة حسنـة المنظـر جداً ( تك 12: 11،  14 ).

تعرضهــا للأخطــــار:

عندما حدث جوع في الأرض انحدر إبرام وسارة إلى مصر ليتغربا هناك لأن الجوع في الأرض كان شديداً وعندها خاف لإبرام على نفسه من المصريين أن يقتلوه ويستبقونها لأنها كانت حسنة المنظر،  ضعف إيمانه بالله الذي دعاه بالخروج من أرو الكلدانيين لحمل رسالة أعدها الله لهما.

لقد أخطأت سارة بخضوعها لخدعة زوجها الروائية ومؤامراته وكان عليها أن ترفض بشدة وتبصره بالأضرار الناتجة عن فكرة ورده إلى صوابه.

محنتهــــا:

إن عدم إنجاب إبرام وساراي نسلاً طول حياتهما المديدة سبب لها ألماً وعاراً وخزياً نفسياً،  فالمرأة العبرانية تعتبر عدم وجود أولاد لها إزدراء وغضب إلهي وإخفاق في الحياة الزوجية.

خطــأهــا:

إن سارة فكرت بصغر النفس والضعف،  لعدم إنجابها نسلاً،  أن تقدم حلاً للمشكلة وتكون هي فدية لزوجها فأعطت هاجر لزوجها لتقيم له نسلاً،  ونسيت أن الذي وعد صادق ويستطيع أن يتمم وعده،  كثيراً ونحن في عهد النعمة والخلاص نكرر نفس خطأ  سارة بالبحث عن حل منطقي لمشاكلنا ناسيين الالتجاء لله ليحل لنا مشاكلنا ” حقاً في أشياء كثيرة نعثر جميعنا “.

فرحهـــا:

عندما سمعت شارة البشرى الإلهية وهي في باب الخيمة،  وكان إبراهيم وسارة شيخين متقدمين في الأيام،  وقد انقطع أن يكون لسارة عادة كالنساء،  ضحكت سارة في باطنها قائلة ” أبعد فنائي يكون لي تنعم وسيدي قد شاخ ” لقد ضحكت سارة لأنها شكت في كلام الله.

صدق الله وتمم وعده،  وحبلت سارة،  وولدت ابنا سمته اسحق ويعني ” ضحك “،  لقد لازم سارة الضحك من وقت الوعد باسحق إلى ما بعد الولادة.

سارة سيدة معمــرة:

سارة السيدة الوحيدة التي ذكر الكتاب المقدس سنها بالضبط هي وابنة يايرس الشابة الوحيدة التي ذكر سنها بأنه اثنتا عشرة سنة ( لو 8: 42 ).

عاشت سارة 127 سنة،  وعاش زوجها 157 سنة (تك23: 1،  2 ) و ( تك 25: 7،  8 ). وكانت حياتهما الزوجية السعيدة وحبهما العميق لبعضهما وعلاقتهما بالله رغم كل المشاكل والضيقات التي حلت عليهما سبباً في طيلة عمرهما،  وماتا بشيبة صالحة شيخين،  في حياتهما كانا في وحدة قلبية كاملة،  وطاعة بعضهما البعض،  وفي مماتهما لم ينفصل جسديهما فقد دفنا في مغارة المكفيلة التي اشتراها إبراهيم ليدفن سارة فيها.

لقد كان قبر سارة أول قبر ذكر في الكتاب المقدس.

ســارة الرمــــز:

سماها بولس الرسول: الحرة،  وأورشليم العليا،  أمنا جميعاً.

عندما أراد بولس الرسول أن يوضح الفرق بين الناموس والنعمة وأنهما لا يجتمعان سوياً،  شبه ذلك بابني إبراهيم ” وكان لإبراهيم ابنان واحد من الجارية والآخر من الحرة،  لكن الذي من الجارية ولد حسب الجسد أما الذي ولد من الحرة فبالوعد،  وكل ذلك رمز لأن هاتين هما العهدان أحدهما جبل سيناء الوالد للعبودية الذي هو هاجر… ولكنه يقابل أورشليم الحاضرة فإنها مستعبدة حالياً مع بينها،  وأما أورشليم العليا التي هي أمنا جميعاً فهي حرة ” ( غل 4: 23 – 26 ).

وقال عنها أنها واحدة من سحابة الشهود: ” بالإيمان سارة نفسها أيضاً أخذت قدرة على إنشاء نسل وبعد وقت  السن ولدت إذ حسبت الذي وعد صادقاً ( عب 11: 11،  12 ).

فلو كان إبراهيم أب المؤمنين فسارة زوجته أم المؤمنين(رو4: 11 ) و ( غل 3: 7 )

وأطلق عليها بطرس الرسول المطيعة،  وصانعة الخيرات فقال: ” فإنه هكذا كانت قديماً النساء القديسات أيضاً المتوكلات على الله يزين أنفسهن خاضعات لرجالهن،  كما كانت سارة تطيع إبراهيم داعية إياه سيدها التي صرتن أولادها صانعات الخبر وغير خائفات البتة ” ( 1 بط 3: 5،  6 ).

لقد كانت سارة رمز للسيدة المطيعة المشتركة مع زوجها بفرح في وحدة الحياة،  ووحدة القلب،  فصارت رمزاً لكل السيدات المؤمنات وتعلم الأمهات قائلة: ” الإنسان يفكر والرب يدبر “.

هــاجــر

الشاهد الكتابي: ( تك 16: 1 )

معني الاسم: اسم مصري قريب الشبه من الأصل في اللغة العربية ” هروب “،  وقد يبدو أنه أدخل تعديل على اسمها الأصلي بسبب الظروف الرئيسية في حياتها،  ويفهم منه أنه يعني ” هارب أو مهاجر “،  وهذا ما حدث لهاجر.

سلسلة نسب العائلة:

في حين لا يعطينا الكتاب المقدس أي سجل لسلسلة نسب هاجر،  إلا أن الروايات قدمت لنا شجرة عائلتها على إنها ابنة فرعون،  ملك مصر،  نفس الملك الذي كان يطمع في الاستيلاء على سارة دون جدوى،  ويؤكد هذا المصدر القائم على الأساطير أن الأميرة المصرية أصبحت وثيقة الصلة بسارة لدرجة أنها أخبرت والدها الملك أنها سوف تذهب معها عندما تعود هي وإبراهيم.

كانت هاجر جارية لسارة  التي كانت تتصرف وفقاً للقانون أن تفعل بها ما يحلو لها،  فلما علمت أنه يستحيل عليها وفقاً للمفهوم البشري أن تنجب أطفالاً من إبراهيم،  فقد أعطت جاريتها له،  لتنجب أطفالاً منها.

لقد تسرعت سارة واستبقت الخطط الإلهية بإعطاء وثنية أممية من دولة وثنية لإبراهيم لتنجب النسل الموعود،  لقد أصبحت ضحية عاجزة لسارة الماكرة،  وقد كان الأمر كله خطية في نظر الله – خطية اشترك فيها الثلاثة جميعهم:

لم تكن سارة تثق بالله عندما لجأت لهذه الحيلة الشريرة،  فكابنة مؤمنة،  ألم تكن تعلم أن الله قادر أن يقيم من الحجارة أولاداً لإبراهيم ؟ وأما عن ” خليل الله “،  فعلى الرغم من التقاليد السارية في ذلك الوقت،  كان يجب أن يرفض بإصرار خطة سارة ويطيع ناموس الله،  ويؤمن أن الوعد الإلهي خاص به،  وأن محاولة الحصول على ابن الموعد من هاجر كان نتيجة لعدم الإيمان بقدرة الله الكلي القدرة.

ثم مع أن هاجر أقل منهما حرية ومسئولية،  إلا أنها ما كان يصلح لها أن تستسلم لهذا التحالف غير المقدس لمجرد إشباع أي طموح كان لديها،  فكم حصدت هاجر من ألأم وعذاب ووحدة،  لموافقتها على هذه الخطة باتخاذ إجراءات مسبقة لتحقيق وعد الله بإيجاد وريث لإبراهيم  ( تك 15: 4،  5 ).

ومع أن الإصحاح الذي يسجل هذه الوسيلة الجائرة بمحاولة إتمام الغرض الإلهي قصير،  لإلا أنه كأقصر إصحاح في الكتاب المقدس،  مليء بالدموع /، إن الإصحاح السادس عشر من سفر التكوين يتكون من 16 عدد فقط،  ونجد فيه هذه الملامح الثلاثة فقط:

حماقة سارة – هروب هاجر – النبوة الخاصة بإسماعيل

يبقى فقط الإشارة إلى أن بولس الرسول يستخدم  قصة هاجر كرمز للتمييز بين الناموس والنعمة ( غل 4: 21 – 31 ) فهو يقارن بين هاجر الجارية وسارة الأم،  وبين إسماعيل الذي ” ولد حسب الجسد ” وإسحق الذي ولد طبقاً ” للوعد “،  ولذلك فالحرية والنعمة تبدوان صفتين تميزان المسيحية،  وهاجر تمثل العهد القديم،  وتمثل سارة العهد الجديد الذي يتفوق على القديم بطقوسه.

طبقاً للنعمة فجميع الذين في حظيرة الإيمان يعيشون بالإيمان،  وسارة تمثل ” أورشليم العليا “،  ” أمنا “،  وهي المدينة الروحية الحرة التي ينتمي إليها كل أبناء الموعد ( في 3: 21 ).

 

قطـــــورة

    الشابة التي تزوجت كهلاً

معنى اسم قطورة: بخور أو رائحة ذكية.

اتخذ إبراهيم قطورة زوجة – بعد موت زوجته المحبوبة سارة،  وكانت قطورة في ذلك الوقت شابه وقد تزوج اسحق برفقة.

عندما تزوج إبراهيم قطورة كان مسناً ووحيداً واضطر للزواج من أجل العشرة والرفقة لذلك دعيت قطورة بالخليلة أو المحظية وكانت اسماً على مسمى فهي رائحة بيت إبراهيم الذكية.

لقد أنجبت من إبراهيم ستة أولاد زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا فأصبح إبراهيم جداً للستة القبائل العربية في جنوب وشرق فلسطين.

لقد أحاطت قطورة إبراهيم في سنوات عمره الأخيرة بالرعاية والحب وولدت ستة من الأبناء ومع ذلك ذكر الكتاب المقدس أن إبراهيم أعطى اسحق كل ما كان له وأمـا بنو السراري اللواتـي كـانت لإبراهيم فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفـهم عـن اسحق ابنه شرقاً إلى أرض المشرق وهـو بعـد حي ( تك 25: 5،  6 ).

إن قرار إبراهيم يبدد أي ظن بأن قطورة وافقت على الزواج من إبراهيم ناظرة  إلى ماله وغناه،  وهو في الحقيقة زواج مبني على عاطفة حب  مؤسسة على صخرة الصفات الأخلاقية الطيبة لقطورة.

كانت شابة وخدمت كهلاً وهذا يؤكد حبها وتعاونها مع زوجها متحلية بإنكار الذات الذي يجمع حب الزوجة مع حب الابنة،  لقد فعلت كما تفعل الابنة الكبرى في العائلة مع أبيها.

إن قطورة مثلاً طيباً لكل النساء اللواتي يتزوجن رجالاً يكبرهن سناً،  يجب أن يعشن في تلك البيوت بإنكار الذات،  وتكريس النفس للخدمة والتضحية،  فيربطن الحب المقدس الزوجي،  بروح الوحدة والمساعدة والمشاركة.

رفقــــــة

الشاهد الكتابي: ( تك 24: 67 )

رفقة اسم عبري معناه: رباط أو حبل ( قيد )

هي ابنة بتوئيل الأرامي ابن ملكة امرأة ناحور أخي إبراهيم لذا فرفقة هي ابنة ابن عم اسحق ( تك 24: 67 )،  ( تك 22: 20 – 23 ). عاشت فترة في حاران شمال العراق،  هي أخت لابان.

إبراهيم عنـدما فكـر أن يزوج ابنـه اسحق وضع الأمر بين يدي الله ( تك 24: 7 ).

بعد موت سارة أوصى إبراهيم خادمه أليعازر الدمشقي أن يختار زوجة لاسحق من عائلته وليست من الكنعانيات،  لئلا يُرجعنه للأصنام وأوصاه أن لا يعود باسحق لأرو الكلدانيين،  وفي حاران تقابل إليعازر مع رفقة.( كما فعل إبراهيم هكذا فعل أليعازر الدمشقي،  فقد وضع الأمر بين يدي الله عندما ذهب ليختار زوجة لاسحق ) (تك: 24: 12 – 14،  27،  56 ).

 

وفي زواج رفقة باسحق رمز جميل للكنيسة عروس المسيح:

فإبراهيم  يرمز – مع الفارق – لله الآب.

وسارة التي ماتت ارمز للأمة اليهودية التي ماتت روحياً لصلبها للابن الوحيد يسوع المسيح.

واسحق الذي وضعه أبوه على مذبح المريا حتى يعود إبراهيم واسحق من فوق الجبل – إشارة إلى الناموس والأنبياء الذين تنبأوا عن موت المسيح.

رجوع اسحق حياً إليهم رمز لقيامة الرب من الأموات.

أليعازر الدمشقي يرمز – مع الفارق – للروح القدس الذي يختار الكنيسة – العروس – من العالم ويُغنيها بعطاياه،  ويعزيها في طريق الغربة ويأتي بها بلا عيب للمسيح.

رفقة ترمز للكنيسة وإن كانت فقيرة في الأمور الزمنية قبل زواجها باسحق إلا أنها اغتنت إشارة إلى غنى المسيح ” أنا سوداء وجميلة “. ” كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء “.

المقابلة بين أليعازر ورفقة كانت عند البئر،  ومياه البئر ترمز لكلمة الله ومياه النعمة وسر العماد المقدس وقال القديسون ” المسيح يجد الكنيسة والكنيسة تجد المسيح في سر العماد المقدس.

إليعازر الدمشقي قدم ما تحمله جماله العشرة لرفقة رمز لمواهب وثمار الروح القدس في القلب.

وصلت رفقة بصحبة أليعازر الدمشقي عند وقت المساء وكان اسحق يتأمل في الحقل،  والروح القدس يعزي الكنيسة ويسير بها في عالم الغربة ليوصلها للمسيح عروساً بلا عيب ولا دنس عند مساء نهاية العالم الحاضر وفجر الأبدية والرب أعد لها مكان العرس والفرح الأبدي ” خطبتكم لأقدم عذراء عفيفة للمسيح “.

عاشت رفقة في حياتها الزوجية سعيدة،  إذ أحبت حماها إبراهيم وأحبت رجلها اسحق ورافقته في غربته دون تذمر،  وإذ تأخرت 20 سنة عن الولادة مضت لتصلي،  عاشت ولها رؤى روحية،  فقد أعلن لها الرب قائلاً: ” في بطنك أمتان – ” عيسو ويعقوب ” – ومن أحشائك يفترق شعبان،  شعب يقوى على شعب وكبير يستعبد لصغير ” ( تك 25: 46 ).

كانت رفقة تحب يعقوب أكثر من عيسو… فقد اعتقد البعض بأن رفقة أحبت يعقوب،  واسحق أحب عيسو،  نظراً لاختلاف الشخصية…. فاسحق الهادئ المتأمل ( تك 24: 63 ) أحب عيسو القوي،  أما رفقة قوية الشخصية فأحبت يعقوب لأنه هادئ بطبعه لا يذهب للصيد بل يجلس في الخيام ( تك 25: 27 – 28 ).

لكن رفقة تمررت حياتها بسبب تجاهل عيسو ابنها الأكبر لها،  وزوجاته الشريرات ضايقنها ولم يردعهن حتى قالت لاسحق ” مللت حياتي من أجل بنات جت ” ( تك 24: 46 )،  وهي لذلك شجعت اسحق لإرشاد ابنه يعقوب للزواج من بنات شعبها التقيات.

قد دبرت رفقة ليعقوب الخطة حتى ينال البركة من والده بدلاً من عيسو بأن شجعته على التنكر في ثياب عيسو لأخذ بركة اسحق قبل موته بدل عيسو ولكنها دفعت الثمن إذ حُرمت من يعقوب وعيسو كليهما.

صفــــــات رفقــــة:

  • جميلة: كما ذُكر في ( تك 24: 16 )، ويعتقد البعض أن جمال رفقة مثل جمال سارة والدة اسحق.
  • طموحة: فقد كانت رفقة من أهل إبراهيم والذين كانوا يعرفون غنى إبراهيم… ولأن رفقة طموحة قبلت الغُربة حتى تعيش في حياة أفضل في ظل زوجها الغني والتي سمعت عن غنى والده من عائلتها.
  • جريئة: فقد استضافت إليعازر والجمال عندهم في البيت دون أن تعرفه ( تك 24: 24 ) كما أنها لم تخف من شخص لم تعرفه بل وافقت على السفر معه بمفردها وبدون أهلها ( تك 24: 58 ).
  • نشيطة: عندما طلب منها أليعازر ماء أعطت له من جرتها ولم تكتفي بذلك ولكنها سقت جماله أيضاً وعندما فرغت جرتها ذهبت لتملأها ورجعت بالجمال مرة أخرى حتى تسقيهم وعندما انتهت منهم استضافته وهذا بالطبع يعني إعداد الطعام له ومكان مريح يجلس فيه ومكان للجمال ( تك 24: 18 – 20).

سلبيــات رفقــــة:

  • عدم احترام زوجها: بمرور السنين فقدت رفقة احترامها لزوجها، حيث لم تحترم وعده لعيسو بإعطاء البركة له وذلك بإصرارها أن تعطيها ليعقوب بالحيلة والخديعة على زوجها،  كما أنها لم تحتر شيخوخته وعجزه عن يرى ودبرت الخطة واعتمدت في نجاحها على عجز زوجها.
  • أم متحيزة: كانت تتحيز ليعقوب دائماً وتحبه أكثر من عيسو.
  • قدوة سيئة كأم: فقد قامت بعدة أفعال سيئة: منها التصنت على زوجها وابنها البكر.، خداع زوجها، سرقة البركة من ابنها،  وبهذا نجد رفقة قدوة سيئة لابنها يعقوب.
  • زرعت الكراهية بين الأخوة.

الحصاد: إن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد:

تزوج عيسو من بنات خارج عشيرته مما سبب مرارة نفس لها ولزوجها ( تك 24: 34 ).

هرب يعقوب من عيسو خوفاً منه وتركها فلم تستطع أن تفرح بزواجه وبأولاده وظل يعقوب بعيداً عنها ولم تراه مرة أخرى لأنها ماتت قبل أن يرجع.

راحيــــل

الشاهد الكتابي: ( تك 35: 19 )

راحيل معنى اسمها شاة

راحيل هي الشخصية الأولى في الكتاب المقدس التي لها اسم مشتق من الخليقة الحيوانية،  ويًقال أن السبب في إطلاق اسم حيوان على إنسان هو وجود خاصية أو ميزة في الإنسان متصلة بالحيوان أو رغبة والديه أن يتقمص المولود صفة طيبة من صفات هذا الحيوان.

فاسم راحيل زوجة يعقوب المحبوبة يعني نعجة أو شاة،  ويستخدم كدليل للمعزّة والمحبة تماماً مثل كلمة حمّل في المسيحية،  لقد كان لابان أبوها راعياً للغنم،  وكان يهتم بضعاف النعاج عند ولادتها ويعاملها برقة لذلك فكر في أن يكون اسم شاة هو أنسب اسم لابنته الثانية.

كانت راحيل ابنة لابان بن يتوئيل وأخ رفقة،  وأصبحت راحيل الزوجة الثانية لابن عمتها يعقوب،  وأماً لوالديه يوسف وبنيامين.

كانت راحيل إحدى نجوم الكتاب المقدس،  فهي الزوجة التي أحبها يعقوب أكثر،  وهي أم يوسف منقذ إسرائيل وبنيامين،  إنها ليست امرأة عادية لأنها تبدو بمجد ينعكس عليها.

وبالتأمل في حياتها وسلوكها نقول:

كانـت جميـلة الــخلقة:

يبدو أنه كان لراحيل كل محاسن عمتها رفقة فيقول الكتاب المقدس عنها أنها كانت جميلة وجذابة بينما أختها لها عينان تغطيهما العتامة التي جعلتها أقل جاذبية من راحيل. ( تك 31: 17 ).

كانت راحيل حسنة الصورة وحسنة المنظر،  إلا أن الله لا ينظر إلى الشكل الخارجي فحسب ببل إلى القلب ” لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب ” ( 1 صم 16: 7 ).

وراحيل مع وجهها الجميل وشكلها المتناسق وحب زوجها الدائم لها لم تجد نعمة أمام الله،  فلم تكن السلف الأكبر للمسيح أما ليئة ذات العينين الضيقتين هي التي من نسلها لأتى السيد المسيح،  ويقول سليمان الحكيم ” الحسن غش والجمال باطـل،  أما المـرأة المتقيـة الـرب فـهي تُمـدح ” ( أم 31: 30 ).

معــونة الله قــادت حيــاتها:

لم يكن الأمر مصادفة بل بتدبير إلهي فقد ذهبت راحيل لتسقى الماء لأغنام أبيها،  في ذات اليوم وصل يعقوب،  ويجب ألا ننسى أن الأحداث التي تبدو طبيعية في الحياة تلائم وتواكب الخطة الإلهية،  وبهذا تكون كل أمورنا وتصرفاتنا صغيرها وكبيرها تتم طبقاً للتدبير الإلهي،  هذا الإيمان يقود النفس الإنسانية إلى عشرة مقدسة مع الرب ثم إلى مجد عظيم.

كــان يعقــــوب يحبــها بعمــــق:

لقد قيل أن ” يعقوب أحب راحيل ” وأن السنوات السبع التي خدم فيها لابان لأجل ابنته لم تكن إلا أياماً قليلة بسبب الحب الذي يكنه لها ( تك 29: 18،  20 ) وحتى عندما اكتشف يعقوب أن لابان قد خدعه وزوجه ليئة بدلاً من راحيل،  عمل سبع سنوات أخر لأنه ” كان قد أحبها اكثر من ليئة ” ( تك 29: 30 ).

خُدعــت راحيــل بقســـوة:

لم تعترض راحيل عندما أدركت أن ليئة قد أعطيت ليعقوب بدلاً منها،  إنها قمعت استيائها،  لقد تمتعت برباطة جأش عندما تمت طقوس الزواج مع ليئة،  وبدون تذمر انتظرت سبع سنوات أخر. إن الحب الراسخ في قلب يعقوب لراحيل كان له صداه في قلب راحيل.

كانت عاقــراً وأعطـــاها الله نســـلاً:

بمجرد أن أصبحت راحيل زوجة يعقوب الثانية،  تولد في روحها ونفسها إحساس بالكآبة وعد الصبر نتيجة لعقمها الدائم،  كانت تزداد كرباً عندما ترى أطفال ليئة سعداء بأمهم،  عبّر الكتاب المقدس عن هذه المشاعر بقوله ” ولكن راحيل عاقر ” ( تك 29: 31 ).

إن راحيل كانت تسخر من ليئة لأنها لم تستحوذ على حب زوجها،  بينما كانت ليئة تثأر من منافستها لعدم إنجابها نسلاً.

كان كيان راحيل مرتبطاً بالرغبة في أن تصبح أماً لذلك صرخت في وجه يعقوب زوجها ” هب لي بنين وإلا أنا أموت ” ( تك 30: 1 )،  كان من الواجب أن تصرخ راحيل إلى الله واهب الحياة بدلاً من يعقوب الذي غضب غضباً شديداً بسبب طلبها المستحيل.

أحب يعقوب راحيل بكل الحب الصادق الحاني،  وتضايق لأجل مرارتها،  ولعدم إنجاب نسل،  وخيبة أملها وكان من الواجب أن يرشدها بالتمسك بالعناية الإلهية.

بلهــــة

الشاهد الكتابي: ( تك 29: 29،  33: 3 – 7،  35: 22 )

هذه الجارية كانت خادمة راحيل،  الزوجة التي أحبها يعقوب  كثيراً،  والتي أعطاها لابان لابنته عندما تزوجت يعقوب.

ولما كانت راحيل بلا بنين سنين عديدة،  أعطت بلهة ليعقوب ليدخل عليها حتى يكون لها بنون منها،  ولدت بلهة ليعقوب ابنين: دان الذي جاء منه شمشون،  الذي قيل عنه أنه من عشيرة الدانيين ( قض 13: 2 )،  ونفتالي مؤسس سبط كبير.

ورأوبين أول ابن ليعقوب قد ارتكب خطية سفاح القربى بأن اضطجع مع بلهة،  ” وسمع إسرائيل بذلك ” ( تك 35: 22 )،  ولأنه نجس سرية أبيه بهذه الطريقة،  حُرم رأوبين من بكوريته التي أعطيت لبني يوسف ( تك 35: 22: 49: 24،  1 أي  5: 1 )

زلفـــــة

الشاهد الكتابي: ( تك 49: 24،  30: 9،  10،  35: 26 )

الجارية التي أعطاها لابان لابنته ليئة كجارية أصبح  لها دور وحدد في تطوير إسرائيل كأمة،  عندما توقفت ليئة،  لمدة معينة،  عن إنجاب الأطفال،  أُعطت  زلفة ليعقوب حتى تزيد عدد صغارها عن طريق الجارية.

وهكذا أصبحت زلفة أماً لولدين: جاد وأشير،  وقد أصبحا الجدين الأكبرين لسبطين من أسباط إسرائيل.

 

انتظروا  الجزء الثامن عشر من المرأة في الكتاب المقدس

 

 

مع ثانيا: أمهات أنبياء وقديسين

 

الأمومة ج2 – المرأة في الكتاب المقدس ج18

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !