أبحاث

أمهات ملوك يهوذا – المرأة في الكتاب المقدس ج20

أمهات ملوك يهوذا - المرأة في الكتاب المقدس ج20

أمهات ملوك يهوذا – المرأة في الكتاب المقدس ج20

 

أمهات ملوك يهوذا - المرأة في الكتاب المقدس ج20
أمهات ملوك يهوذا – المرأة في الكتاب المقدس ج20

 

 

تحدثنا في الجزء السابق عن أمهات الأنبياء والقديسين في العهدين

والآن نتحدث عن باقي أمهات الكتاب المقدس في عرض موجز

ثالثاُ : أمهات ملوك يهوذا

واللاتي يشار إلى أبنائهن بكلمة ” عمل ما هو مستقيم في عيني الرب “

  • آبي أم الملك حزقيا: حقاً كانت آبي زوجة حكيمة وأم فاضلة،احتملت زوجها الوثني وحاولت أن تثنيه عن عزمه فلم تفلح، ولكنها التفتت إلى ابنها حزقيا وأنشأته في خوف اله،  فجاهد من أجل إعلان مجد الله – ولم يأت ملك مثله.
  • ظبيــة: أم الملك يوآش
  • ميخايـا: الأم الفاضلة التي علمت ابنها الملك أبيا التمسك بالله.
  • يروشـا: أم الملك يوثان.
  • يكليــا: أم الملك عزّيا.
  • يـديـدة:أم الملك يوشيا التقية البارة التي استطاعت أن تنشئ ابنها يوشيا في خوف الله وطاعته.
  • عزوبـة: التي كانت من النساء الخائفات الله في عصرها وكانت قوة دينية كبيرة في حياة ابنها الملك يهوشافاط

نتحدث الآن عن جميعهن بالتفصيل

 

آبــــي

الشاهد الكتابي: ( 2 أخ 26: 5 ).

آبي اسم عبري لكلمة أبية أو أبيا ومعناه ” الرب أب” أو ” الرب أبي ” أو ” مشيئة الله “.

كانت آبي ابنة زكريا الفاهم بمناظر الله (2 أخ 26: 5 ) وزوجة للملك آحاز ملك يهوذا الذي لم يعمل المستقيم في عيني الرب , بل سار في طريق ملوك إسرائيل , فعبر ابنه النار حسب أرجاس الأمم , وذبح وأوقد علي المرتفعات والتلال , وتحت كل شجرة خضراء.

عند هجوم الملك رصين عليه لم يستشير الله , ولا طلب معونته , بل أرسل إلى فلاسر ملك أشور قائلا: 

” أنا عبدك وأمتك أصعد وخلصني ” وقال عود يد النبي( 2 أخ 28: 1-9 ) ” من أجل غضب الرب.. علي يهوذا قد دفعهم ليد إسرائيل “. وذبح أحاز لآلهة دمشق وكان ذلك سبب سقوطه ( 2 أخ 28: 23 ) ولدت آبي ابنا وسمته حزقيا أي ” القوي بالله ” تدخلت آبي في هذه التسمية إذ أن زوجها كان عابد للأوثان ولم يتعبد للرب الإله.

استطاعت آبي أن تربي ابنها حزقيا في خوف الله , فلم يتأثر بمبادئ أبيه الوثنية  أنها تمسكت بالإيمان الذي تسلمته من أبيها , وسلمته لابنها حزقيا , فنشأ في خوف الله , وعمل المستقيم في عيني الرب , حسب كل ما عمل داود أباه.

وفي أيام ملكه أزال المرتفعات , وكسر التماثيل , وقطع السواري , وسحق الحية النحاسية التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا في تلك الأيام يوقدون لها ودعوها بخشتان.

هذه الأم الفاضلة كانت اسما علي مسمى فعلمت ابنها حزقيا أن الرب أبوه فطوباها.

 ذكر الكتاب المقدس أن ابنها حزقيا اتكل علي الرب اله إسرائيل , وبعده لم يكن مثله في جميع ملوك يهوذا , ولا في الذين كانوا قبله , التصق بالرب ولم يحد عنه بل حفظ وصاياه , وكان الرب معه وحيثما كان يخرج كان ينجح وأعاد اصعاد البخور والمحرقة في القدس ( 2 أخ 29: 20 ).

حقا كانت آبي زوجة حكيمة وأما فاضلة , احتملت زوجها الوثني وحاولت أن تثنيه عن عزمه فلم تفلح , ولكنها التفتت إلى ابنها حزقيا وأنشأته في خوف الله , فجاهد من أجل إعلان مجد الله , ولم يأت ملك مثله … أنها المرأة الفاضلة التي ثمنها يفوق اللآلئ.

ظبيـــــة

الشاهد الكتابي (  2مل 12: 1 , 2 أخ 24: 1 ).

معنـــى الاســـم:

ظبية اسم عبري معناه ظبية وهي أنثى الغزال , ظبية أميرة يهودية اسمها يحمل فكرة الرشاقة والجمال والسمو ,

هي امرأة من بئر سبع , تزوجت ظبية الملك أخزيا , وأنجبت الملك يوآش ملك يهوذا الذي أنقذ من الموت في طفولته , وتربى في بيت الرب , وصار ملكا على يهوذا ودام ملكه أربعون سنة.

كل ما ذكره الكتاب المقدس عن ظبية هو اسمها , لكنه أخبرنا عن ابنها ” عمل يوآش ما هو مستقيم في عيني الرب كل أيامه التي فيها علمه يهويا داع الكاهن ( 2مل 12: 2 ). هذا التقرير يوضح أن ظبية عنيت بتربية طفلها في خوف الله , وأنشأته في طاعة وصايا وتوجيهات رجل الله يهويا داع الكاهن.

 

كم هو محبب للقلوب أن نسمع لكلمات وتوجيهات رجال الله وكهنته الذين تعلموا من الرب , وأن نربي أولادنا على طاعتهم , وطاعة أوامر الله وتعاليمه , والتمسك بمبادئ الكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية.

ميخــايــا

الشاهد الكتابي: ( 2 أخ 13: 2 )

معنى الاسم:

ميخايا اسمك عبري يعني ” من كيهوه “

يكتب هذا الاسم بتهجئات مختلفة مثل ميخا وميخايا وورد هذا الاسم في الكتاب المقدس أثنا عشر مرة في العهد القديم , ويطلق على المذكر والمؤنث وسميت ميخايا معكة ( 2أخ 11:22 ).

كانت ميخايا ابنة أوريئيل من جبعة , تزوجت رحبعام الملك , وولدت أبيا الذي ملك ثلاث سنوات في أورشليم , وعاتب بني إسرائيل لتركهم الرب وعبادتهم الأوثان , حارب يربعام وانتصر عليه , وتشجع بنو يهوذا في عهده لأنهم اتكلوا على الرب اله آبائهم.

ومن كلماته ليربعام:

” يا بني إسرائيل لا تحاربوا الرب اله آبائكـم لأنكـم لا تفلحـون ” ( 2 أخ 13: 12 ) وقال: ” أما نحن فالرب هو إلهنا ولم نتركه , والكهنة الخادمون الرب هم بنو هرون … ويوقدون للرب محرقات كل صباح ومساء , وبخور وأطياب , وخبز الوجوه على المائدة الطاهرة. ومنارة الذهب وسرجها للإيقاد لكل مساء. لأننا نحن حارسون حراسة الرب إلهنا أما أنتم فقد تركتموه.هوذا معنا الله رئيسا ” (  2 أخ13: 10 ,11 ).

كانت ميخايا أما فاضلة فعلمت ابنها أبيا التمسك بالله, وتسليم الحياة له , والاجهار بذلك أمام الأعداء , والاتكال على الله. في كل الضيقات.

يــروشــا

الشاهد الكتابي: ( 2 مل 15: 33 )

معنى الاسم:

اسم عبري معناه ” متغربة ” أو ” متزوجة “

هذا الاسم لابنة صادوق،  الكاهن أثناء حكم داود.

وقد أصبحت زوجة الملك عزريا أو عزيا ملك يهوذا الذي ضربه الرب بالبرص وحزن أشعياء لوفاته ” ( أش 6: 1 ).

ولدت يروشا لعزيا ابن هو يوثام،  الذي خلف أباه عزيا على عرش يهوذا وصار ملكاً.

يروشا كانت أماً فاضلة،  ربت ابنها يوثام في خوف الله وحفظ وصاياه وتعاليمه،  والتمسك بالمبادئ الإلهية. ذكر الكتاب المقدس عنه: ” وعمل ما هو مستقيم في عيني الرب عمل حسب كل ما عمل عـزيا أبـوه ” ( 2 أي 27: 7 ).

يكــليــا

الشاهد الكتابي: ( 2 مل 15: 2 )

معنى الاسم:

اسم عبري معناه ” يهوه قادر “

تظهر شخصية يكليا من اسمها،  كانت اسماً على مسمى،  إذ شجعت زوجها أمصيا الملك أن يعمل ما هو مستقيم ومقدس،  وربت ابنها عزريا تربية مقدسة. ذكر الكتاب المقدس عن عزريا أو عزيا ” أنه عمل ما هو مستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمل أمصيا أبوه ” فقيل عنه أيضاًَ ” أنه كان يطلب الله في أيام زكريا الفاهم بمناظر الله،  وفي أيام طلبه الرب أنجحه الله ” ( 2 أي 26: 4،  5 ).

هذا التقرير يوضح الأثر الطيب لهذه السيدة على زوجها أمصيا وعلى ابنها عزيا ملوك يهوذ1. كان له علاقة طيبة وثيقة مع أشعياء النبي فتأثر أشعياء لوفاة عزيا ( أش 6: 1 – 3 ).

وبتحليل اسمي يكليا وأمصيا نجد أنهما اسمان مركبان من كلمتين: يكل – يا ،  أمص – يا والاسمان يعبران بأن الله قادر وقوي.

يــديــدة

                           الشاهد الكتابي: ( 2 مل 22: 1،  2 )

معنى الاســـم:

يديدة معناها ” محبوبة الله “

يجب ألا يُخلط اسم هذه السيدة مع اسم سليمان الذي أعطاه إياه ناثان النبي بأمر إلهي ( 2 صم 12: 25 )،  وهو مشتق من الأصل الذي اشتق منه اسم داود. فمعنى داود محبوب ومعنى يديدة محبوبة يهوه.

يديدة كانت ابنة عداية من بُصقه،  وتزوجت آمون الملك الذي عمل الشر في عيني الرب،  كما عمل منسى أبوه وعبد الأصنام وترك الرب،  ولم يسلك في طريق الرب،  فتن عبيد آمون عليه وقتلوه في بيته.

ولدت يديدة يوشيا الذي ورث العرش بعد أبيه آمون المقتول،  وكان سنه ثماني سنوات وملك إحدى وثلاثين سنة في أورشليم.

مع أن آمون والد يوشيا كان ملكاً شريراً بعيداً عن الله،  لكن زوجته يديدة كانت زوجة تقية وبارة فاستطاعت أن تنشئ ابنها يوشيا في خوف الله وطاعته. عمل المستقيم أمام الرب وشهد عنه الكتاب المقدس ولم يكن قبله ملك مثله قد رجع إلى الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوته حسب شريعة موسى وبعده لم يقم مثله ( 2 مل 23: 25 ).

طوباك يا يديدة فقد كنت أماً فاضلة،  أعطيت لابنك يوشيا ما لم يعطه أباه والده الشرير. إن المرأة التقية تُمدح ( أم 31: 30 ).

عــزوبــة

الشاهد الكتابي: ( 1 مل 22: 42،  2 أخ 20: 31 )

عزوبة كانت ابنة شلحي،  الذي كان اسمه يعني ” يهوه أرسل ” أي أن الله سنده ومعينه.

عاشت عزوبة في هذا البيت المؤمن وتزوجت الملك آسا ثالث ملوك يهوذا  وملك 46 سنة وعمل المستقيم في عيني الرب.

ولدت عزوبة يهوشافاط وربته في خوف الله , ملك يهوشافاط وهو ابن خمس وثلاثين سنة،  وسار في طريق أبيه آسا ولم يحد عنها.

من سيرة زوجها وابنها يتضح أن هذه السيدة كانت تخاف الله،  وعضدت زوجها في عمله الملوكي،  كما أرشدت ابنها وساعدته أيام ملكه فعاش في خوف الله وعمل المستقيم في عيني الرب،  وهذا يعني أثر هذه السيدة الواضح في حياة زوجها وابنها وأسرتها.

” امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللالئ،  بها يثق قلب زوجها،  تصنع له خيراً لا شراً كل أيام حياتها… تراقب طرق أهل بيتهـا ” ( أم 31: 10 – 27 ).

رابعاُ: أمهات ذكرهن الكتاب المقدس من غير ذكر أسمائهن:

المرأة الخاطئة  – المرأة الشونامية – امرأة علمت ابنها الحكمة – أم حيرام – أم أليشع النبي – أم يعبيص – أم أرميا النبي.

المرأة الخاطئة:

التي وقفت أمام سليمان لتستند إلى عدالته في الحكم بينها وبين زميلتها،  فما أعظم الأمومة،  إنها تسمو بالخاطئة وتجعل منها شخصاً باسلاً مستعداً للبذل والفداء.

المرأة الشونامية:

ولنتأمل أم من نوع آخر: هي أم يصفها الكتاب بأنها ” عظيمة ” هذه المرأة من شونم.

نموذج آخر ” أم علمت ابنها الحكمة “:

ثم نعود فنطوي القرون مرة أخرى لنقرأ ما يقوله سليمان – بوصفه حكيماً – لا بوصفه ملكاً – عن نصيحة أم لابنها: ” كلام لموئيل ملك مسا،  علمته إياه أمه،  ماذا يا ابني ثم ماذا يا ابن رحمي ثم ماذا يا ابن نذوري،  لا تُعط حيلك للنساء ولا طرقك لمهلكات الملوك “.

وهناك أم حيرام:

الذي استدعاه الملك سليمان للعمل في تزيين هيكله ويقول الكتاب عنه أنه كان ماهراً في صناعة الذهب والفضة والنحاس… ونقش كل نوع من النقش… ” ( 1 مل 7: 13،  14 ).

وأول وصف لهذا الفنان الماهر قول الكتاب عنه: ” ابن امرأة أرملة من بنات دان ” ثم يصف مهارته ومهارة أبيه بعد ذلك.

أليس في هذا الحديث عن أمه إشارة إلى أهمية هذه الأم في حياة ابنها ؟ وهل نبعد عن الحقيقة إن قلنا أن هذه الإشارة تتضمن توجيهات الأم لابنها وتشجيعها إياه مما جعله في المرتبة الأولى من الفنانين إلى حد أنه نال كرامة العمل في تجميل الهيكل الذي بناه سليمان الملك وظل يُشار إليه ” بالهيكل الجميل “.

أما أم أليشع النبي:

فنلمحها لمحة خاطفة – ذلك أن ايليا حين ألقى رداءه على إليشع وبذلك جعله خليفته في النبوة،  جرى إليشع وراء معلمه وقبل المسئولية التي سقطت عليه ولكنه استأذن ايليا في أن يُقبل أباه وأمه ( 1 مل 19: 20 ) قبل أن يتركهما ليتلقى وحي الله،  على أن هذه اللمحة الخاطفة تبين لنا متانة الصلة التي كانت تربط بين إليشع وبين كل من أبيه وأمه.

ومن عجيب التعبيرات قول الكتاب عن أم يعبيص:

أنها ولدته بحزن مع أنه كان أشرف من اخوته ( 2 أي 4: 9 )،  فكان ممن يصلّون ويطلبون بركة الله على تخومهم وفوق ذلك كان يرجوه أن يجعل يده معه ليحفظه من الشر،  وينبئنا الكتاب المقدس أن الله ” أتاه ما سأل ( 1 أي 4: 8،  9)،  ويؤكد المؤرخون اليهود أن يعبيص هذا صار من أكبر معلمي الناموس وأن صيته اجتذب إليه عدداً كبيراً من الطلاب شأنه في ذلك شأن غمالائيل الذي تعلم بولس عند قدميه،  بل بلغ صيته حداً جعل الناس يطلقون اسمه على إحدى مدن يهوذا.

وليس من شك في أن أم يعبيص هذه كانت مطلعة على الأسفار الإلهية،  عالمة بتواريخ رجال الله وبعناية الله بهم،  ولولا ذلك ما اعتاد ابنها الصلاة والاستناد إلى المعونة الإلهية.

وثمة نبي آخر جاء ذكر أمه في ومضة وهي أم أرميا النبي:

وقد ذكرها النبي وهو يتألم من أجل شعبه فيناجيها بقوله: ” ويل لي يا أمي لأنك ولدتني إنسان خصام — ” ولكنه عاد فذكر مراحم الرب وهتف ” قال الرب إني أحلك للخير “.

إن أرميا يذكر أمه ساعة أن يواجه الجهاد الموضوع أمامه،  وفي هذا التذكر معنى عميق: هو أنه يستمد من ذكر أمه القوة التي جعلته يذكر على الفور أن الله جعله للبركة ( أر 15: 10،  11 ). 

المــرأة الخــاطئــة

الشاهد الكتابي: ( 1 مل 3 )

ظهرت حكمة سليمان الشهيرة في لجوئه إلى غريزة الأمومة للزانتين اللتين كانتا تعيشان معاً،  واللتان ولدتا معاً،  إلا أن واحدة سبقت الأخرى في الولادة بثلاثة أيام. مات ابن واحدة منهما أثناء الليل لأنها اضطجعت عليه دون أن تدري،  وفي الصباح،  بعد أن اكتشفت أن ابنها قد مات،  اتهمت الأخرى بأنها وضعت ابنها الميت في  حضنها  بدلاً من ابنها الحي. كان ذلك اتهام مخجل.

دافعت أم الطفل الحي عن براءتها وكإسرائيليتين متخاصمتين،  كان هناك طريق واحد لتسوية الخلافات. إن سليمان كملك لهم كان أحكم رجل،  وسوف يستطيع التعرف على أم الطفل الحي غير الشرعي.

قدمت هاتان المرأتان المدعيتان في القصر الملكي لسليمان،  القاضي الملكي،  مشكلة وكانت تمثل موقفاً يصعب عليه حله،  فالبيّنة الوحيدة التي لديه أنهما كانتا من طبقة المنبوذين اجتماعياً،  ولم يكن هناك شهود على استبدال طفل بآخر كما تؤكد إحداهما،  وبسبب سوء أخلاق الأمّين،  فما تقوله هذه يستوي مع ما تقوله تلك. أي منهما تحاول أن تنجو بنفسها من الأذى ؟

وفيما هما يتجادلان،  جاءت لسليمان فكرة عبقرية فقد طلب من أحد الضباط بأن يأتي له بسيف،  أمره سليمان أن يشطر الطفل الحي إلى اثنين،  ويعطي نصفاً لأم والنصف الثاني الآخر للأخرى.

دوت صرخة أليمة شقت حجب الصمت،  وأظهرت الأم الحقيقية للطفل الحي،  على الرغم من طبيعتها الخاطئة،  عاطفة أمومة حقيقية. فبدلاً من أن ترى طفلها يُقتل،  كانت على استعداد أن تسلمه لرفيقتها المتحجرة القلب. لقد ألقت بنفسها أمام الملك وتوسلت إليه ألا يقتل الطفل ” استمع يا سيدي،  أعطوها الولد الحي ولا تميتوه “.

أما عن المرأة الأخرى،  فقد فضح رد فعلها كذب اتهامها،  وإذ كانت تبدو أنها إلى جانب الحكم الذي أصدره سليمان قالت: ” لا يكون لي ولا لك. اشطروه ” وكان ذلك إيذاناً بتسوية المشكلة،  فقد أشار سليمان للضابط أن يبعد سيفه،  وأشار للمرأة المنبطحة أرضاً والمستعدة أن تتخلى عن الطفل قائلاً له ” أعطوها الولد الحي.. فإنها أمه “.

قد نجد جوهرة في نفايات الضعف البشري التي تتمثل في عاطفة الأمومة النبيلة التي تظهرها الأم الحقيقية،  فعلى الرغم أنها كانت شريرة،  إلا أنها كانت تحتفظ ببقايا القيم الأصيلة.

قد نتطلع لأن نعرف ما حدث بعد ذلك في قصة هاتين الزانيتين،  هل افترقتا كل عن الأخرى ؟،  وهل أصلحت المرأة الأكثر نبلاً منهما من طرقها ؟ وهل اهتمت بأن تربي ابنها، في خوف الرب ؟

 

المــرأة الشونامية

الشاهـد الكتابي: ( 2 مل 4: 26 )

ذهب النبي أليشع إلى شونم،  وهي بلدة تقع على بعد خمسين ميلاً إلى الشمال من أورشليم وسبعة أميال نحو الجنوب من الناصرة وفي هذه البلد تقابل مع هذه المرأة العظيمة التي أمسكت به ليأكل ويشرب عندها.

وهكذا أصبح أليشع في كل مرة يعبر هذه البلد يميل عند تلك المرأة ليأكل ويشرب ويستريح.

وفي يوم طلبت المرأة من زوجها أن تقوم ببناء عليّة ( حجرة للراحة والصلاة ) لأليشع لأنها عرفت أنه رجل الله،  وبالفعل قامت المرأة بتجهيز تلك العليّة بكل ما يحتاج إليه إليشع.

أراد أليشع أن يتوسط  لها أمام الملك فأخبرته بقناعتها بعد احتياجها لشيء،  قال جيحزي خادم أليشع بأن المرأة ليس لها ولد ورجلها قد شاخ فأنبأها أليشع بأنها ستحضن ابناً.

ولدت المرأة ابناً وكبر وضربته الشمس فمات،  فأضجعته أمه على سرير رجل الله وأسرعت لجبل الكرمل.

رآها أليشع صاعدة على الجبل ولكن الرب كتم الأمر عنه فأرسل جيحزي ليسألها سؤالاًً مثلثاً ” أسلام لك / أسلام لزوجك،  أسلام للولد “،  أجابت في كل مرة سلام،  وأسرعت وأمسكت قدمي أليشع فتقد جيحزي في غيرته ليدفعها غير مُدرك لمعنى القلب المنسحق.

فهم أليشع أن الغلام مات فأعطى عكازة لجيحزي فجرى ووضعه على وجه الصبي فلم يقُم،  تمسكت المرأة بأليشع فذهب معها وصلى على الميت فقام.

كانت المرأة عظيمة في كرمها فاستضافت رجل الله في بيتها،  والرب أكرمها فبني بيتها باعطائها ابناً ولما مات أقامه.

استضافت أليشع الغريب دون أن تعرفه،  فلم تعرف أنه رجل الله إلا بعد استضافته.

  • كانت متواضعة لأنها بالرغم من أنها كانت من الأغنياء، فلديها الأرض والغلمان الذين يقومون بخدمتها ومع ذلك كانت تقوم بخدمة أليشع بنفسها.
  • كانت المرأة عظيمة في قناعتها، فلما أراد النبي خدمتها لدى الملك أخبرته بأنها ساكنة وسط شعبها مكتفية بما عندها.
  • كانت عظيمة في سلام القلب وسلام علاقتها بزوجها.
  • كانت عظيمة في إيمانها، فوضعت ابنها على سرير رجل الله الذي تنبأ بميلاده.
  • كانت عظيمة في تقواها تحت الله وتقبل منه الألم بكل سلام.
  • كانت عظيمة في تمسكها برجل الله، فلما أعطى أليشع عكازه لجيحزي أصرت على مجيء أليشع.
  • لا يكمن السر في عكاز أليشع ولكنه يكمن في إيمان صاحب اليد الذي يمسكه.
  • كانت امرأة شاكرة، لم تنسى أن تشكر أليشع عندما أقام ابنها من الموت 

أم حيــــرام

الشاهد الكتابي: ( 1 مل 7: 13 – 45،  2 أخ 2: 13 و 14،  4: 11 – 16 )

هنا حالة أخرى لرجل مشهور اسمه معروف ولكن لم يوجد ذكر لاسم والديه في الكتاب المقدس. فهذا الصانع المُدرب والماهر والذي كان يحمل نفس الاسم لملك صور،  يطلق عليه أيضاً اسم حورام(2 أخ 4: 11 – 16 ).

ونحن نعلم أن حيرام الذي كان ” ممتلئاً حكمة وفهماً لعمل كل عمل من النحاس “،  كانت له أم أرملة من سبط نفتالي،  وأن أبيه الراحل كان ” رجل صوري نحّاس “. ولكن اسميهما وسلسلة نسبهما غير مذكورة. وحيث أن حيرام كان مختلط النسب – أمه يهودية،  وأبوه صوري – فقد مكّن ذلك حيرام الماهر أن يتغلغل في روح العبادة الإسرائيلية،  التي أعد لها سليمان الهيكل الفائق الجمال.

وجلب حيرام إلى الهيكل كل المهارات العملية للعامل الصوري المدرب جيداً،  ولا شك أنه تلقى الكثير من المهارة في كل عمل في النحاس من والده غير المذكور اسمه،  وعلى الرغم من أنه لا يوجد سجل عن أي نشاط ديني لحيرام،  إلا أنه لا بد قد سمع من أمه عن كل ما يتعلق بحلم داود لبناء بيت للرب،  وعن تصميم سليمان على تحقيق حُلم والده. وبسبب هذا العمل الرائع الذي أنجزه في الهيكل،  يبدو كما لو كان روح الله كان مؤيداً ومدعماً لمهارة حيرام كما فعل بالنسبة لعمل بصلئيل.

 

 

 

أم أليشــع النبــي

الشاهد الكتابي: ( 1 مل 19: 20 )

بغض النظر عن أي اعتبارات عن هذه الأم التي لا اسم لها،  فلا بد أنها كانت أماً تقية،  فقد كانت أماً لمثل هذا الابن التقي الذي أجرى ضعف المعجزات التي أجراها إيليا،  فمن الواضح أن بيتها كان بيتاً تتمثل فيه العاطفة العميقة بين أفراده لأنه عندما جاءت لأليشع الدعوة ليتبع إيليا،  قال أليشع: ” دعني أقبّل أبي وأمي وأسير وراءك ” ونحن نجد في رد إيليا: ” اذهب راجعاً لأني ماذا فعلت لك ” تذكاراً لتوسل مماثل قاله الشاب الذي أعلن عن رغبته في اتباع يسوع ولكنه أراد فسحة من الوقت لكي يودع أولئك الذين كانوا في البيت ( لو 9: 61،  62 ).

إن المقارنة توحي بأن إجابة إيليا تعد نوعاً من التوبيخ الساخر لما كان يبدو تردداً: ” اذهب راجعاً إذا أردت،  ما الذي فعلته لأحتجزك ؟ ” وفي كلتا الحالتين نجد الرفض الحازم والضروري للخدمة التي تُقدم بقلب منقسم،  حتى وان كان القلب مدفوعاً بدافع الحب الطبيعي والمقدس،  ولكن إيليا يرى أن أليشع يعني الوداع فقط،  ومن الواضح أنه ينتظره حتى ينتهي منه.

أم يعبيــص

الشاهد الكتاب: ( 1 أخ 4: 27 )

عندما ولدت هذه المرأة التي بلا اسم ولداً أسمته يعبيص أي ” حزن ” لأنها قالت إنها ولدته بحزن أو بألم شديد.

صلى يعبيص أن يخلصه الرب من الحزن والألم. وراء إيمان يعبيص بالله ورغبته أن يباركه الله،  وأيضاً لأنه كان أشرف من اخوته،  يمكن للمرء أن يتبين تأثيرات أمه التي لا اسم لها في الكتاب،  ومع ذلك فقد كانت أماً صالحة.

أم أرميــا النبـــي

الشاهد الكتابي: ( أر 15: 10 )

إن أرميا ” نبي الدموع ” يعطينا اسم أبيه،  حلقيا،  وربما كان رئيس الكهنة الذي كان يحمل هذا الاسم ( أر 1: 1،  2 مل 22: 24،  23: 4 )،  ولكنه لا يعطينا اسم أمه. وعلى الرغم من أنها كانت بلا اسم،  فقد كانت تقية،  لأن أرميا جاء من رحمها مقـدساً ومخصصـاً ليكـون نبياً للشعـوب ( 1: 5 ). وحيث أنه دعي وهو لا يزال بعد شاباً صغير السن للمنصب النبوي الخطير،  فقد مارس خدمته العظيمة لما لا يقل عن 40 سنة،  واسمه الذي يعني ” المرفوع أو الممجد من الرب “،  والذي أعطي له من قبل والديه اللذين أكرما الله،  قد أعربا عن رغبتهما لإفراز ابنهما للرب منذ ولادته لتمجيد الرب وتعظيمة.

ولكن كم كان حزن أرميا عظيماً وهو يدعو الناس للتوبة في كل حين بحماس،  فقد كان توبيخه وتهديده على خطاياهم مصحوباً بدموعه،  وقد سُجن بسبب خدمته الأمينة،  ومع ذلك فقد عاش حتى رأي شعبه يرجع من السبي.

وفي الجزء الذي يخاطب فيه أمه بنغمات رقيقة حزينة،  ويبدو أنها كانت لا تزال على قيد الحياة،  وقد أضافت فكرة معاناتها بسبب حزن ابنها،  إلى أعبائه حملاً ثقيلاً،  إن سيف الألم بسبب خطايا الأمه،  قد اخترق نفسها أيضاً ( لو 2: 35 ).

ياللوعة  المختفية وراء صرخته التي تقول ” ويل لي يا أمي لأنك ولدتني إنسان خصام وإنسان نزاع لكل الأرض “.

في الأعداد السابقة يتكلم أرميا عن كثرة الأرامل اللاتي زاد عددهن عن رمل البحار،  ولا شك أن أمه العزيزة كانت واحدة منهن،  وإذ يخاطبها،  فهو يريدها أن تفهم ” رهبة دعوته كإناء مختار لإظهار الحق الإلهي ” وقد اكتشف أنه أرسل ” لا ليلقي سلاماً على الأرض بل سيفاً ” ( مت 10: 34 ).

وطوال بقاء أم أرميا على قيد الحياة،  لا بد أنها كانت تواسي قلب ابنها الحزين،  لأنها كانت تعلم أنه كان محظوراً عليه بأمر إلهي أن يأخذ زوجة لتبكي معه كما كان يبكي ( 16: 2 ).

إن سفر أرميا يفوق أي سفر آخر في وضوح الصورة وعنصري الرثاء وعمق العاطفة.

خــامسـاُ: المـرأة الأم والكنيســة:

إن الكتاب المقدس يحدثنا عن عدد كبير من الأمهات.

 واحداهن هي مريم أم يوحنا الملقب مرقس:

فهي أم كارز ديارنا ومؤسس كنيستنا،  ويحدثنا البشير عنها حديثاً موجزاً في الكلام ولكنه يحوي المعاني الكثيرة: فهو يصف في آية واحدة حياة تفيض بالقداسة والتكريس إذ يقول بطرس – معد ما أخرجه ملاك الرب من السجن – ” وجاء وهو منتبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين للصلاة ( أع 12: 2 ).

ولم يكن اجتماع المؤمنين في هذا البيت بالأمر الجديد لأن المؤرخين الكنسيين يخبروننا بأنه المكان الذي أكل فيه السيد المسيح الفصح مع تلاميذه،  وهو بعينه المكان الذي كانوا مجتمعين فيه ساعة أن امتلأوا من الروح القدس.

إذن فالرسل والمؤمنون اعتادوا الاجتماع فيه للصلاة والتحدث بعجائب الله – فهو في هذه الحالة – أول كنيسة مسيحية،  وليس بغريب على أم وجهت ابنها نحو الله حتى جعلت منه كارزاً وبشيراً وشهيداً أن تجعل بيتها كنيسة.

وأغلب الظن أن مريم أم مرقس كانت محبوبة وذات مكانة خاصة عند الجميع ولولا ذلك لما اتجه بطرس إلى بيتها حال نجاته من السجن بدلاً من أن يذهب إلى بيته الخاص.

الأمومة بمعناها الأشمل

صاحبة العليّة التي صارت أول كنيسة

 

مريم أم يوحنا الملقب بمرقـس

الشاهد الكتابي: ( أع 12: 12 )

من بين المريمات المذكورات في الكتاب المقدس في العهد الجديد مريم أم مرقس – ابنها مرقس أحد الإنجيليين الأربعة وأحد السبعين رسولاً،  لم يذكر الكتاب المقدس اسمها سوى مرة واحدة،  هذا الوصف عنها أوضح حياتها وعملها.

هي مريم أم يوحنا الملقب مرقس شقيقة القديس برنابا وكانت لهذه القرابة فاعلية في مصاحبة برنابا لمرقس عندما رافق بولس الرسول في رحلته الأولى ( أع 13: 5 )،  وتميزت بأنها:

  • كانت غنية في عطائها فهي قدمت عليّتها للتلاميذ ليعدوا فيها الفصح وفيها ظهر الرب لتلاميذه بعد القيامة.
  • كانت شجاعة في إيمانها فهي قدمت عليّتها في ظروف خطيرة، فالهياج الكهنوتي اليهودي ضد السيد المسيح كان شديداً،  والخطر أحاط بتلاميذه ولكنها لم تخف فأعطت مثالاً للقديسين فيما بعد أن يأووا المضطهدين والمطرودين.
  • كانت صالحة في تربيتها فربت مرقس على الاقتراب إلى الله ولما دعاه الرب للإيمان استجاب بلا تردد.
  • كانت خادمة بلا تذمر فمع أولادها قدمت عليّتها وأوانيها للفصح في رضا وشكر.
  • كان لعليّتها مكانة في قلب بطرس فدعي مرقس “ابني”(1بط5: 13 ) إنه ابنه الروحي الذي أرشده لاتباع المخلص.
  • لقد أوضح تخصيص مريم بيتها للخدمة والكرازة الروابط القوية التي كانت بين المؤمنين في العصر الرسولي الأول، فكما باع برنابا حقله وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل،  كذلك قدمت مريم بيتها في أورشليم ليكون كنيسة ناشئة.
  • لقد خصصت مريم من قبل مالها وبيتها ومجهودها لخدمة السيد المسيح ومن بعده لرسله القديسين والكنيسة الجامعة، فاشتركت مع الكنيسة التي في بيتها ( أي العليّة ) مع المجتمعين للصلاة من أجل بطرس في السجن،  وقيل ” ثم جاء ( أي بطرس ) وهو منتبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون ” ( أع 12: 12 ).
  • ومكتوب ” شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنـا إلـى ملكوت ابن محبتـه ” ( كو 1: 12 ).
  • حقاً كانت مريم ذات خصال حميدة فكانت محبة ومخلصة ومضحية لمبادئها المسيحية.
  • مرقس الرسول كان مرتبطاً بأمه وقد يكون هذا الارتباط السبب في تركه بولس وبرنابا في برجه ( أع 13: 13 ) لقد اقتني الكثير من إخلاص أمه للخدمة وتضحياتها فطوباها، لقد طلب بولس الرسول أن يرسلوا له مرقس لأنه نافع له للخدمة ( 2 تي 4: 10 ) وهذا الطلب شهادة من رسول الجهاد لمرقس الرسول ولأمه، فهو خير خلف لخير سلف.

 

الخلاصــــة:

لقد تناولنا الأمومة من حيث أنها حدث جليل — اتصف بالأهمية والقداسة فهو تعبير عن قوة الله ومشيئته وإرادته — وهو تعبير صادق وأمين عن مشيئة الرب وقدرته — وهو عطاء وبركة وهو امتداد وتجديد.

 

أمهات ملوك يهوذا – المرأة في الكتاب المقدس ج20