الله الواحد الثالوث ف6 – الإيمان بالثالوث – توماس ف. تورانس
الله الواحد الثالوث ف6 - الإيمان بالثالوث - توماس ف. تورانس
الله الواحد الثالوث ف6 – الإيمان بالثالوث – توماس ف. تورانس
الإيمان بالثالوث
الفكر اللاهوتي الكتابي
للكنيسة الجامعة في القرون الأولى
توماس ف. تورانس
ترجمة
دكتور عماد موريس اسكندر
السادس*
الله الواحد الثالوث
“نؤمن بإله واحد الآب ضابط الكل … وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد … وبالروح القدس الرب المحيي..”
سنتناول في هذا الفصل عقيدة ’الله الواحد الثالوث‘ في تعاليم كل من: ق. أثناسيوس، وق. باسيليوس، وق. غريغوريوس النيصي، وق. غريغوريوس النزينزي، وق. ديديموس، وق. إبيفانيوس، ومجمع القسطنطينية، ثم نتعرض في النهاية لتعاليم ق. كيرلس السكندري.
- القديس أثناسيوس
من خلال الثالوث نؤمن بوحدانية الله، ومن خلال الاعتراف بوحدانية الابن والروح القدس في ذات الجوهر مع الآب يكتمل إيماننا بالثالوث
يقول ق. أثناسيوس:
– “يوجد لاهوت واحد أزلي في ثالوث، وهناك مجد واحد للثالوث القدوس،
(¢διος καί μία Θεότης στίν ν Τριάδι, καί μία δόξα τÁς ¡γίας Τριάδος)
… وإذا كانت معرفة الله الحقة هي كاملة الآن (بمعرفته) كثالوث، فإن هذه هي العبادة الإلهية الحقيقية والوحيدة، وهذا هو صلاحها وحقيقتها، وهو ما يجب أن يظل على الدوام.
(Ε γ¦ρ νàν ν Τριάδι ¹ θεολογία τελεία στί, καί αÞτη ¹ ¢ληθής καί μόνη θεοσέβειά στί, καί τοàτό στί τÕ καλÕν κα ¹ ¢λήθεια: δει τοàτο οÞτως ¢εί εναι) “[1]
– “توجد هيئة واحدة بعينها للاهوت (ν εδος Θεότητος)، والتي هي أيضًا في الكلمة؛ ويوجد إله واحد، الله الآب، كائن بذاته إذ هو متعال على الكل، وهو ظاهر في الابن وفي تخلله (أي الابن) لكل الأشياء، وظاهر في الروح حيث فيه يعمل في كل الأشياء بواسطة الكلمة. لذلك نحن نعترف أن الله واحد من خلال الثالوث،
(ΟÞτω γ¦ρ κα να δι¦ τÁς Τριάδος Ðμολογοàμεν, εναι τÕν ΘεÕν)
ونقرُّ أن فهمنا لهذا الإيمان باللاهوت الواحد في ثالوث هو أكثر تقوى جدًّا من فهم الهراطقة للاهوت ذي الأشكال الكثيرة والأجزاء العديدة[2]“.
هذه العبارات للقديس أثناسيوس، تأخذنا إلى عمق الإيمان المسيحي بالله وعبادته بكونه ’الواحد الثالوث‘. وبما أنه توجد هيئة واحدة للاهوت ـ في الوحدة غير المنقسمة التي للآب والابن والروح القدس ـ فنحن نؤمن أنه في ذاته هو ’واحد ثالوث‘ منذ الأزل. وبالحقيقة إننا من خلال الثالوث نؤمن بوحدانية الله، ولكن أيضًا، من خلال الاعتراف بالوحدانية في ذات الجوهر التي للابن والروح القدس مع الآب، يأخذ الإيمان بالثالوث القدوس شكله الكامل والتام[3]. وهذا هو الاعتقاد بالله بكونه ثالوثًا في وحدة ووحدة في ثالوث. ولذلك كان ق. أثناسيوس مميَّزًا في أنه كان يعادل بين ’الثيؤلوجيا‘ (θεολογία) ـ والتي في عمق معناها هي معرفة الله وعبادته وفقًا لما هو في ذاته، وكما أعلن عن نفسه بواسطة يسوع المسيح وفي الروح القدس ـ وبين عقيدة الثالوث القدوس بصفة خاصة[4].
معرفة الثالوث تكون من خلال الابن
إن معرفة الله ـ بالنسبة للقديس أثناسيوس ـ لا تكون إلاّ من خلال الابن ولا آخر سواه، ولذلك يقول: “وعندما نرى الابن، فإننا نرى الآب، لأن ما نفهمه وندركه عن الابن يكون هو هو ما (يمكن أن) نعرفه عن الآب، لأن الابن هو المولود الذاتي من جوهر الآب[5]“. وهذا هو ما دعا ق. أثناسيوس ليؤكد أنه “يكون من الأجدى من جهة التقوى والحق أن نتعرف على الله من الابن وندعوه ’الآب‘ عن أن نشير إلى الله نسبة إلى أعماله فقط وندعوه ’غير المخلوق‘[6]“. وبالقطع فإن الابن ليس هو الآب بل هو ’آخر‘ (τερος) غير الآب، ولكنه بكونه المولود من جوهر الآب وبكونه له ذات الجوهر الواحد (Ðμοούσιος) معه، فإن لاهوت الابن ولاهوت الآب هو واحد تمامًا[7].
وهذا يعني أن معرفة الابن بالنسبة لنا تكون هي نفسها معرفة الآب وفقًا لما هو (الآب) في طبيعته الذاتية ـ وذلك في إطار عدم انفصال الآب عن الابن والابن عن الآب ـ وبالتالي تكون هي معرفة الله في العلاقات الداخلية التي لجوهره الأزلي[8]. وهذه المعرفة الحقيقية لله ـ أي معرفته وفقًا لما هو في ذاته ـ كان ق. أثناسيوس قد أوضحها بشدة في مقالته الثالثة “ضد الأريوسيين”، ونعرض هنا بعضًا مما أورده فيها:
-“لقد سُمح لنا أن نعرف الابن (الذي) في الآب، لأن كل كيان الابن (σύμπαν τό εναι) هو مكافئ تمامًا وخاص بجوهر (οÙσία) الآب.. وحيث إن هيئة لاهوت الآب هي كيان (τό εναι) الابن، فإن هذا يأتي من أن الابن في الآب والآب في الابن”. وفي إشارة إلى كلمات الرب “أنا والآب واحد” وكذلك “أنا في الآب والآب فيّ” أوضح ق. أثناسيوس أن هذه الآيات “إنما تبيِّن نفس اللاهوت ووحدانية الجوهر
(τήν ταÙτότητα τÁς Θεότητος τήν δέ ενότητα τÁς οÙσίας δείξh) “[9]
-“هما اثنان، لأن الآب هو آب وليس ابنًا أيضًا، كما أن الابن هو ابن وليس آبًا أيضًا؛ لكن الطبيعة هي واحدة، وكل ما للآب هو للابن… فالابن والآب هما واحد في ذاتية وخصوصية الطبيعة، ولهما نفس اللاهوت الواحد،
(ν εσιν αÙτÕς κα Ð Πατήρ τÍ διότητι καί οκειότητι τÁς φύσεως, καί τÍ ταÙτότητι τÁς μι©ς Θεότητος).
فلاهوت الابن هو نفسه الذي للآب؛ ومن هنا أيضًا هو غير قابل للتجزئة؛ ولهذا فإنه يوجد إله واحد وليس آخر سواه. وبما إنهما (أي الآب والابن) واحد، وبما أن اللاهوت نفسه هو واحد، فكل ما يُقال عن الآب يُقال عن الابن ماعدا كونه يُدعى ’آبًا‘[10]“.
-“وبما أن الابن هو صورة الآب، فينبغي بالضرورة أن يكون مفهومًا أن لاهوت الآب، وكل ما هو خاص به، هو كيان الابن،
(¹ Θεότης κα ¹ διότης τοà Πατρός τÕ εναι τοà Υοà στι).
وهذا هو معنى “الذي إذ كان في صورة الله” (فيلبي 6:2) وكذلك “الآب فيَّ” (يو 10:14). ولا يمكن أبدًا أن تكون هذه الصورة جزئية، بل أن كل ملء لاهوت الآب هو كيان الابن، والابن هو الله بأكمله،
(τÕ πλήρωμα τÁς τοà ΠατρÕς Θεότητός στι τÕ εναι τοà Υοà, καί Öλος Θεός στιν Ð Υός)
… لأن (كل) ما يخص جوهر الآب هو ما يكونه الابن … وهيئة لاهوت الآب هي ما يكونه الابن
(τÕ γ¦ρ διον τÁς τοà ΠατρÕς οÙσίας στν Ð ΥÒς … τÕ γ¦ρ εδος τÁς τοà ΠατρÕς Θεότητός στιν Ð Υός) “[11]
المدخل الخلاصي والكياني لفهم عقيدة الثالوث
من الواضح تمامًا أن مدخل ق. أثناسيوس إلى فهم وشرح عقيدة الثالوث القدوس كان يقوم على أساس أعمال الله الخلاصية والإعلانية التي تحقَّقت في ظهور (παρουσία) ابنه الوحيد بالجسد*. ومن خلال مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ كان ق. أثناسيوس يصل إلى شرح العلاقات الأزلية والتمايز داخل جوهر اللاهوت الواحد.
وكان استخدام مصطلح ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) في مجمع نيقية يعبِّر تعبيرًا دقيقًا عن الحقيقة الكبرى المعلنة في الإنجيل ألا وهي: أن الله ذاته هو محتوى (أو مضمون) إعلانه الذي قدَّمه لنا، وأن العطية التي أنعم الله بها علينا هي تتطابق مع ذاته، أي تتطابق مع المُعطي لهذه العطية (بمعنى أن المُعطي والعطية هما واحد)، وقد كانت هذه النقطة هي محور تركيز ق. أثناسيوس في تعليمه عن موضوع ’التأليه‘* (θεοποίησις).
ومما لا شك فيه أن مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) كان يشكِّل المحور الرئيسي في فكر ق. أثناسيوس، لأن هذا المصطلح يعبِّر بصورة دقيقة وقاطعة عن الوحدانية في ذات الجوهر والعمل التي بين الابن المتجسد والله الآب، والتي يُبنى عليها كل شيء في الإنجيل. وفي نفس الوقت كان الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) يحمل في طياته أيضًا مفهوم علاقة التواجد (الاحتواء) المتبادل التي للأقانيم داخل جوهر الله الواحد، والتي أشار إليها إعلان الله عن ذاته في ’تدبير الخلاص‘. وبالنسبة للقديس أثناسيوس، لم يكن هذا التواجد (الاحتواء) المتبادل يعني مجرد ارتباط أو اتصال متبادل بين الثلاثة أقانيم الإلهية، ولكنه كان يعني السكنى الكاملة المتبادلة بينهم: فبينما كل أقنوم يظل ’كما هو‘ محتفظًا بتمايزه كآب أو ابن أو روح قدس، إلاّ أنه يكون بكامله في الآخرين كما أن الآخرين هما بالكامل فيه[12]. وهكذا نجد أن ق. أثناسيوس في صياغته لعقيدة نيقية عن الله، كان شرحه للتجسد دائمًا ما يتضمن هذه المفاهيم الخلاصية والكيانية (الخاصة بالعلاقات الداخلية للثالوث).
عقيدة الثالوث في رسائل ق. أثناسيوس إلى سرابيون
وكان هذا المدخل الخريستولوجي لفهم وشرح عقيدة الثالوث القدوس عند ق. أثناسيوس، واضح جدًّا في ’رسائله عن الروح القدس‘، التي كتبها بين عامي 356 و361م بناءً على طلبٍ من صديقه سرابيون أسقف تمي من أجل الرد على أنصاف الأريوسيين الذين كانوا يرفضون ألوهية الروح القدس، على أساس بدعة تقول إنه من ’جوهر مختلف‘ (τερούσιος) عن الآب والابن. ولأن هذا الانحراف كان يشكِّل تهديدًا واضحًا لعقيدة الثالوث القدوس وبالطبع لسر المعمودية المقدسة ـ بسبب تمزيقه لوحدة الله ـ فقد واجهه ق. أثناسيوس بنفس البراهين الخريستولوجية والخلاصية والكيانية التي كان قد استخدمها في جداله الطويل مع الأريوسيين[13]. وقد ظل على تأكيده القاطع بأنه من خلال عقيدة ألوهية الروح القدس ووحدانيته في ذات الجوهر (مع الآب والابن)، يكتمل فهمنا للثالوث القدوس داخل فكر الكنيسة وعبادتها. ومن هنا استطاع ق. أثناسيوس أن يكتب في رسالته لأساقفة أفريقيا عام 369، أن إيمان نيقية “بإله واحد يُعرف في ثالوث قدوس وكامل” كان له أثره ـ كما أدرك الآباء ـ في إعلان “الشكل (χαρακτÁρα) الدقيق لإيمان المسيح، ولتعليم الكنيسة الجامعة[14]“.
وبالضبط كما أننا نأخذ معرفتنا للآب من معرفتنا للابن، فهكذا ينبغي أيضًا أن نأخذ معرفتنا للروح القدس من معرفتنا للابن*: أي من العلاقات الداخلية التي بين الآب والابن والروح القدس في جوهر الثالوث الواحد غير المنقسم[15]. وكان ق. أثناسيوس قد أقام حجته الدفاعية على أساس رؤية خلاصية من منطلق أننا لو لم نكن في الروح القدس نُعطى علاقة مع الله#، لما كان للإنجيل أي مضمون حقيقي، وكان هذا بالضبط ما سيحدث أيضًا لو لم يكن الابن واحدًا في ذات الجوهر والقدرة مع الله الآب. كل شيء إذن، يرتبط بحقيقة الوحدانية في ذات الجوهر التي للروح القدس مع الابن والآب. وبما أن الابن هو من جوهر الآب oÙs aj) tÁj (k وخاص بجوهره، فكذلك روح الله الذي هو واحد مع الابن (وخاص به)، لا بد أن يكون معه (أي مع الابن) من جوهر الآب وواحد معه في ذات الجوهر[16].
ويقول ق. أثناسيوس: “ولأن الروح واحد، بل ولأنه خاص بالكلمة الذي هو واحد، فهو خاص بالله الذي هو واحد، وله ذات الجوهر الواحد (Ðμοούσιον) معه[17]“. كما يضيف قائلاً: “الثالوث القدوس المبارك واحد في ذاته بغير انقسام. وعندما يُذكر الآب، فإن ذلك يتضمن كلمته والروح القدس الذي هو في الابن. وعندما يُذكر الابن، فإن الآب هو في الابن والروح القدس ليس خارج الكلمة. لأنه توجد نعمة واحدة من الآب تتحقق بالابن في الروح القدس، وتوجد طبيعة إلهية واحدة وإله واحد، ’الذي على الكل وبالكل وفي الكل‘[18]“.
وهكذا شرح ق. أثناسيوس تعليمه عن علاقة التواجد (الاحتواء) المتبادل الذي للروح القدس مع الآب والابن[19]، بنفس المنهج الذي سبق واستخدمه لشرح علاقة التداخل والسكنى المتبادلة التي بين الابن والآب[20]. فالثالوث القدوس إذن متحد ومتجانس، ليس فقط في فعله (نشاطه) الواحد (μία νέργεια) نحونا بل أيضًا في جوهره الذاتي الأزلي غير القابل للتقسيم[21]. وهذا التعليم ـ كما يذكر ق. أثناسيوس ـ يتفق مع الإيمان الرسولي المُسلَّم من الآباء بالتقليد، وهذا الإيمان لم يبتدعه الآباء، بل هو مأخوذ مباشرة من الرب يسوع المسيح، الذي علَّم بنفسه المرأة السامرية ـ ونحن أيضًا من خلالها ـ “كمال الثالوث القدوس بكونه لاهوتًا واحدًا غير منقسم*
(τ¾ν τÁς `Aγίας Τριάδος τελειότητα ¢διαίρετον υπάρχουσαν κα μίαν Θεότητα) “[22].
وجدير بالذكر هنا أن ق. أثناسيوس عندما وصل في شرحه لعقيدة الروح القدس ـ في ’رسائله إلي سرابيون‘ ـ إلى موضوع إرسالية الروح القدس، عاد مرة أخرى إلى الحديث الذي كان قد ذكره في الرسالة الأولى عن سوء فهم الأريوسيين ’لظهور الكلمة بالجسد‘ (τ¾ν νσαρκον παρουσίαν τοà Λόγοà)[23]، وكان هدف ق. أثناسيوس من ذلك هو التأكيد ثانية على الأساس الإنجيلي للعلاقة غير المنفصمة بين الابن (المتجسد) والآب، لأنه على نفس هذا الأساس ينبغي أن نفهم إرسالية الروح القدس في انبثاقه من الآب وأخذه من الابن[24]. ولذلك اهتم ق. أثناسيوس في رسالته الثانية أن يُظهر ليس فقط أن كل ما يُقال عن الآب يُقال عن الابن، ولكن أيضًا أن الآب والابن كائن كل منهما في الآخر منذ الأزل، لأن الابن هو من ’جـوهر الآب‘ (κ τÁς οÙσίας τοà Πατρός) و’له ذات الجوهر الواحد‘(Ðμοούσιος) مع الآب[25]. وعلى هذا الأساس الإلهي الداخلي ـ وليس على أي أساس آخر خارج عن الله ـ ينبغي أن نفهم حياة وعمل المسيح ابن الله المتجسد باعتبارها حياة وعمل الوسيط الوحيد الذي بين الله والناس. فحقيقة الإنجيل تعتمد على صحة علاقة ’الوحدانية في ذات الجوهر‘ بين المسيح والله الآب. ولذلك استطرد ق. أثناسيوس موضحًا أن الابن المتجسد بعد أن أكمل التدبير بالجسد، هو يجلس الآن عن يمين الآب “بكونه في الآب والآب فيه، كما كان دائمًا، وهكذا يكون إلى الأبد[26]“. وهذا يعني أن ق. أثناسيوس إنما كان يؤكد أن الوحدة بين الابن المتجسد والآب ليس مجرد حادث عرضي تم في زمن ما، بل هي وحدة كيانية وحقيقية منذ الأزل في الله. إذن كان مفهوم ’الوحدانية في ذات الجوهر‘ (Ðμοούσιον) يمثل الأساس المرجعي الأهم في فهم ق. أثناسيوس لإعلان الله عن ذاته ـ الذي من الآب بالابن في الروح القدس ـ وفي فهمه لوحدانية الله الأزلية في الثالوث القدوس. وانطلاقاً من هذا الأساس يمكننا أن نفهم إرسالية الروح القدس من الآب، وعطية الروح القدس بواسطة الابن.
وفي رسالتيه الثالثة والرابعة إلى سرابيون، حرص ق. أثناسيوس على تقديم شرح لعقيدة الروح القدس على أساس تعليم المسيح نفسه الذي جاء في إنجيل يوحنا (26:15)* و(13:16ـ15)#،ولكنه كان يفسِّر هذه النصوص على أساس أنه “من خلال معرفتنا للابن سيمكننا أن نعرف الروح القدس معرفة حقيقية، لأن خصوصية علاقة الروح القدس بالابن هي عينها التي عرفنا أنها للابن مع الآب”.[27] وحيث إن ق. أثناسيوس قد أشار في هاتين الرسالتين إلى ما كان قد ذكره بالفعل (في رسالتيه السابقتين)، فسيكون من المناسب هنا أن نسترجع أولاً ما قاله في الرسالة الأولى والثانية في هذا الصدد:
-“الـــــــــــــــروح القــــــــــــــــــــــدس ينبثـــــــــــــــــــــــــــــــــــق مــــن الآب (παρά τοà Πατρός κπορεύεται)؛ وإذ هو خـــاص* بـالابن (τοà Υοà διον Ôν) فإنه يُعـطى منه (أي يُرسـل من الابن) (παρ’ αÙτοà δίδοται) للتلاميذ ولكل الذين يؤمنون به[28]“.
-“الـــــروح القــــدس ينبثق من الآب، ويأخــــــذ منه (مـــــن الابن) (κ τοà αÙτοà λαμβάνει) ويعطي[29]“.
-“الروح القدس يأخذ من الابن (κ τοà Υοà λαμβάνει)[30] “.
-“فــإن كــــان الابـن هو من (κ) الآب وخـــــاص بجـــــــوهره (διος τÁς οÙσίας αÙτοà)، فإن الروح القدس الذي هو من (κ) الله (الآب) لا بد أيضًا أن يكون خاصًّا بجوهر الابن من جهة كيانه (διον εναι κατ’ οÙσίαν τοà Υοà)[31]“.
-“ولأن الروح واحد، بل ولأنه خاص بالكلمة الذي هو واحد، فهو خاص بالله الذي هو واحد وله ذات الجوهر الواحد (Ðμοούσιον) معه … وفي الطبيعة والجوهر، (هو مختلف عن المخلوقات ولا يوجد شيء خاص أو مشترك بينه وبينها) ولكنه هو (أي الروح) خاص بلاهوت الابن وجوهره وليس غريبًا عنه، وكذلك بالنسبة للثالوث القدوس[32]“.
وقد تناول ق. أثناسيوس هذه التعاليم مرة ثانية (في الرسالتين الثالثة والرابعة)، وركَّز مجددًا على ألوهية الروح القدس وتميُّزه المطلق عن كل الكائنات المخلوقة. فمن ناحية، أكَّد ق. أثناسيوس على أن هناك علاقة كيانية غير منفصلة بين الروح القدس والابن، بحيث إن الابن هو الذي يعطي الروح القدس من عنده*، فيأخذ الروح القدس من الابن (ويعطي الخليقة). ومن ناحية أخرى، أوضح ق. أثناسيوس أن الروح القدس هو روح الابن وروح الآب وله ذات الجوهر الواحد معهما. إذن فعلى حين إن الروح القدس في الأساس ينبثق من الآب، فإنه “بسبب خصوصية علاقته مع الابن، فهو يُعطى منه للجميع
(διά τήν πρÕς τÕν Υόν διότητα αÙτοà, καί Öτι ξ αÙτοà δίδοται π©σι) “[33]
وقد أعاد ق. أثناسيوس التأكيد على هذا التعليم، حين بيَّن أن الابن والروح القدس، رغم أن كلاًّ منهما متمايز عن الآخر إلاّ أن كلاًّ منهما يتواجد في الآخر (أو يحتوي الآخر)، ولذلك هناك عمل (فعل) إلهي واحد فقط. وهذا صحيح بالنسبة لعمل الخلق، حيث إن “الآب يخلق كل الأشياء بالكلمة في الروح القدس”، كما أنه صحيح أيضًا بالنسبة لكل المواهب الروحية التي تُعطى في الثالوث “لأن الآب ذاته بواسطة الكلمة في الروح القدس، يعمل ويعطى كل الأشياء[34]“، علمًا بأن هذا العمل هو عمل الثالوث الأزلي غير المتغير، الذي فيه الروح القدس كائن أزليًّا في الابن ومعه. ويقول ق. أثناسيوس: “كما كان على الدوام هكذا يكون الآن؛ وكما يكون الآن هكذا كان على الدوام، هو الثالوث: الآب والابن والروح القدس[35]“. ويضيف أيضًا قائلاً: “وفقط في الألوهية، الآب هو آب حقيقي بكل ما تعنيه الكلمة (أو بحصر المعنى)، وحيث إنه الآب الوحيد، فقد كان ويكون وسيظل دائمًا كما هو (آب). والابن هو ابن حقيقي بكل ما تعنيه الكلمة (أو بحصر المعنى)، وهو الابن الوحيد. ويحق القول أن الآب هو آب على الدوام، والابن هو ابن على الدوام، والروح القدس هو روح قدس على الدوام. ونحن نؤمن أنه (أي الروح القدس) هو الله، وأنه يُعطى من الآب من خلال الابن. وهكذا يظل الثالوث القدوس بلا تغيير، ويُعرف في ألوهة واحدة[36]“.
المدلول اللاهوتي لمصطلح ’أوسيا، (οÙσία) و مصطلح ’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις) في تعليم ق. أثناسيوس
وكان هذا التعليم اللاهوتي للقديس أثناسيوس عن الثالوث (في رسائله إلى سرابيون) يحمل في طياته مراجعة عميقة لمعنى مصطلحي ’أوسيا‘ (οÙσία) و’هيبوستاسيس‘*(Øπόστασις) في الفكر اللاهوتي المسيحي، وقد اتضح ذلك في قبول صيغة “جوهر واحد، ثلاثة أقانيم” (μία οÙσία, τρες Øποστάσεις)، التي تم اعتمادها في المجمع الذي دعا إليه ق. أثناسيوس عام 362م. وقد قام ق. أثناسيوس نفسه بشرح هذه الصيغة في خطابه إلى كنيسة أنطاكية (Tomus ad Antiochenos).
وقد عبَّر ج. ل. برستيج عن استخدام هذين المصطلحين بقوله: “بينما يشير مصطلح ’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις)إلى التمايز الملموس (في الله)، يعبِّر مصطلح ’أوسيا‘ (οÙσία) عن الحقيقة الداخلية (له). فمصطلح ’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις)يعني ’الحقيقة الآخرية (نحو الآخر)‘ (ad alios)، أما مصطلح ’أوسيا‘ (οÙσία) فيعني ’الحقيقة الذاتية الداخلية‘ (in se). أي إن الأول يشير إلى الله كما هو ظاهر ومعلن، والثاني يشير إليه في كيانه وجوهره.
وقد علَّم ق. أثناسيوس أن في الله: نفس الجوهر الواحد ـ بلا أي انقسام، ولا اختلاف أو تغيير ـ كائن على الدوام في ثلاثة حقائق (أقنومية) متمايزة[37]“. وفي بعض الأحيان عند الحديث عن جوهر الله، استخدم ق. أثناسيوس مصطلح ’أوسيا‘ (οÙσία) في أبسط معانيه ليشير إلى مجرد من هو ’كائن بذاته‘، وهو ما كان مساويًا تقريبًا لمدلول مصطلح ’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις) في معناه البسيط*[38]. إلاّ أننا نجد أن هذا المعنى البسيط للـ ’أوسيا‘ يختلف ويزداد عمقًا عندما يتحدث ق. أثناسيوس عن إعلان الله عن ذاته وأنه هو الخالق الذي يفوق كل الكيان أو الجوهر (οÙσία) المخلوق، وهو وحده الـ ’أوسيا‘ (οÙσία) الحقيقي (الجوهر الحقيقي) بحصر المعنى، لأنه هو الوحيد الذي بالفعل وبالحقيقة كذلك[39].
وقد كان هذا التعمق في مدلول ’الأوسيا‘ ضروريًّا في ضوء حقيقة أن الله يعلن لنا ذاته بالابن في الروح القدس الكائنين في جوهره (οÙσία) الذاتي الأزلي. ومن هنا فإن الله يعطينا وصولاً إليه، بواسطة يسوع المسيح وفي روح واحد، بحيث يمكننا أن نعرف الله ـ بعض المعرفة ـ وفقًا لما هو بالحقيقة في ذاته، في العلاقات الداخلية لجوهره (οÙσία) الذاتي الثالوثي[40]. وهكذا عندما تم الربط بين الـ ’أوسيا‘ (οÙσία) وإعلان الله عن ذاته في ثلاثة أقانيم (Øποστάσεις) متمايزة آب وابن وروح قدس، صار هذا المصطلح يشير إلى جوهر الله الواحد الأزلي في كمال علاقاته الداخلية الشخصية (الأقنومية) بكونه ثالوثًا قدوسًا. وبعيدًا عن فكرة أنه هو الشيء العمومي (أو المشترك) بين الأقانيم، فإن مصطلح الـ ’أوسيا‘ (οÙσία) في تطبيقه مع الله كان له عند ق. أثناسيوس مدلول شخصي ملموس (بمعنى أن العلاقات الأقنومية متضمنة داخل الجوهر الواحد)*. ومن الجدير بالذكر هنا أن هذا الفكر كان واضحًا جدًّا في مفهوم ق. أثناسيوس المميز عن ’اللوغوس الكائن في الجوهر‘ (νούσιος Λόγος) و’الفعل (أو الطاقة) الكائن في الجوهر‘ (νούσιος νέργεια)[41]، لأن عمل الله في إعلانه عن ذاته وفي إعطائه ذاته لنا بواسطة الابن وفي الروح القدس هو عمل واحد ـ غير قابل للتقسيم ـ تجاهنا، على نفس النحو الذي في جوهر (οÙσία) اللاهوت الواحد الذي صدر عنه هذا العمل، فهذا الجوهر (οÙσία) الإلهي الواحد تم كشفه لنا بكونه جوهرًا ’شخصيًّا (أقنوميًّا)‘ في ذاته، كما هو الحال في أعماله نحونا، داخل علاقات التواجد (الاحتواء) المتبادل للأقانيم الإلهية الثلاثة[42].
وقد ظل هذا الفهم الأعمق للـ ’أوسيا‘ (οÙσία) ثابتًا عند ق. أثناسيوس حتى عندما وافق على صيغة “جوهر واحد، ثلاثة أقانيم” (μία οÙσία, τρες Øποστάσεις) عام 362م. وباليقين أنه في ضوء هذا الفهم، قدَّم ق. أثناسيوس تعليمه المميَّز عن وحدانية الله الثالوث، وأكمله بتعليمه عن الروح القدس. وكان مفهوم ق. أثناسيوس عن الثالوث متضمَّنًا بالفعل داخل فهمه للـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος)، حيث كان الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) ـ في تخطيه لفكرة العلاقات المنفصلة أو غير المتمايزة بين الأقانيم الثلاثة ـ يحمل في طياته مفهوم التمايز الأزلي والعلاقات الداخلية في اللاهوت، والتي كل منها تحتوي الأخرى بالكامل وبصورة متبادلة داخل الجوهر الواحد التام الذي للآب والابن والروح القدس. وهكذا أكَّد ق. أثناسيوس أنه من خلال الثالوث القدوس نحن نؤمن بوحدانية الله، وأنه فقط باعترافنا بالوحدانية ـ غير المنقسمة ـ في ذات الجوهر، التي للابن والروح القدس مع الآب، فإننا نستطيع بحق أن ندرك الثالوث القدوس[43].
وحدة المبدأ (وحدة الرأس) (Μοναρχία) في تعليم القديس أثناسيوس
وإذا تطرقنا إلى تعليم ق. أثناسيوس عن مفهوم وحدة المبدأ (وحدة الرأس) (Μοναρχία) في الثالوث، فينبغي علينا أن ننظر إلى ذلك أيضًا في ضوء نفس فهمه العميق للـ ’أوسيا‘. وفي البداية نؤكد أن ق. أثناسيوس نظر إلى الآب بكونه هو مبدأ (¢ρχή) الابن، ولكن كان ذلك من جهة أنه وَلَدَه منذ الأزل، ولذا أعلن: “نحن نعرف مبدأ (¢ρχή) واحدًا فقط”، إلاّ أن ق. أثناسيوس وعلى الفور ربط الابن بهذا المبدأ (الرأس) (¢ρχή) حيث قال: “لأننا لا نعترف بوجود أي نمط آخر للاهوت (τρόπον Θεότητος) سوى الذي لله الواحد[44]“. وبينما يرتبط الابن بالمبدأ (الرأس) (¢ρχή) بهذه الطريقة (لأنه واحد مع الآب في نفس الجوهر واللاهوت)، إلاّ إنه (أي الابن) لا يمكن النظر إليه بكونه مبدأً (رأسًا) (¢ρχή) منفردًا بذاته، لأنه في صميم طبيعته غير منفصل عن الآب الذي هو مولود منه. وكذلك وعلى نفس هذا النحو لا يمكن اعتبار الآب أنه مبدأ (أو رأس) (¢ρχή) بعيدًا عن الابن، لأنه بكونه بالتحديد آبًا فهو آب للابن (بصورة دائمة ومن غير انفصال). ويقول ق. أثناسيوس: “الآب والابن هما اثنان، غير أن وحدة اللاهوت هي واحدة بغير انقسام. وهكذا نحن نعترف بمبدأ (رأس) (¢ρχή) واحد للاهوت وليس بمبدأين (¢ρχαί)، ولذا فنحن بالفعل نؤمن بوحدة المبدأ (وحدة الرأس) (Μοναρχία)[45]“.
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم ما جاء في الخطاب إلى كنيسة الأنطاكيين (Tomus ad Antiochenos)، والذي أقرَّ فيه ق. أثناسيوس مع آخرين بالاعتراف “بثالوث قدوس، ولكن لاهوت واحد، ومبدأ (رأس) (¢ρχή) واحد، وبأن الابن له ذات الجوهر الواحد مع الآب، كما أن الروح القدس مساوٍ وغير منفصل عن جوهر الآب والابن[46]“. وبينما قبل ق. أثناسيوس صيغة “جوهر واحد، ثلاثة أقانيم” (μία οÙσία, τρες Øποστάσεις)، إلاّ إنه كانت لديه رؤية ثابتة عن الوحدة المطلقة والمساواة والتطابق التام بين الأقانيم الثلاثة في داخل اللاهوت، حتى إنه رفض الرأي الذي ينادي بوحدة المبدأ (وحدة الرأس) (Μοναρχία) الذي تعتمد فيه وحدانية الله على شخص (أقنوم) الآب*. وحينما أُشير في بعض الأحيان إلى الآب بكونه ’المسبب‘ (ατιος) و’المبدأ‘ (¢ρχή) للابن، فإن المقصود كان هو التعبير عن حقيقة أن الآب هو أبو الابن وأن الابن هو ابن الآب، ولم يكن القصد أبدًا هو الإخلال بأي شكل من الأشكال بالمساواة التامة بين الابن والآب، لأن بنوة الابن جوهرية، كجوهرية أبوة الآب، ولذا يقول ق. أثناسيوس: “كل ما يُقال عن الآب يُقال عن الابن ما عدا كونه يُدعى ’آبًا‘[47]“.
ولذا فإن المبدأ (الرأس) الواحد (Μία Άρχή / Μοναρχία) هو نفسه الثالوث ذاته. أي إن الوحدة (Μονάς) تتطابق مع التثليث (Τριάς)، وبالتحديد نحن في التثليث (Τριάς) نعرف أن الله هو واحد (Μονάς). والواقع أن ق. أثناسيوس فضَّل الحديث عن الله بكونه واحدًا (Μονάς) عن أنه هو المبدأ (الرأس) (¢ρχή)، لأن مفهومه لله الواحد (Μονάς) كان يتضمن فهمه له كثالوث (Τριάς): أي إن الله هو منذ الأزل وبغير تغيير آب وابن وروح قدس، ثلاثة أقانيم إلهية، وهؤلاء الثلاثة ـ بينما هم على الدوام آب وابن وروح قدس، في علاقة السكنى المتبادلة والتواجد (الاحتواء) المتبادل بينهم ـ هم الله الواحد الثالوث. ولذا فإن وحدة المبدأ (وحدة الرأس) (Μοναρχία) في الله هي بالضرورة ’ثالوثية‘ في داخل العلاقات الداخلية لجوهره (οÙσία) الأزلي[48]. ويتضح تمامًا مفهوم ق. أثناسيوس في عقيدة الثالوث، في فقرة منسوبة إليه كُتبت مبكرًا جاء فيها: “الثالوث المُسبَّح والممجَّد والمسجود له، هو واحد بغير انقسام وبدون درجات (تدرج) (¢σχημάτιστος)، وهو متحد بغير اختلاط، بالضبط كما تتمايز العناصر في الفكر بغير انقسام. وفي التسبحة الثالوثية التي تقدمها الكائنات السمائية ’قدوس قدوس قدوس هو الرب‘، تُذكر كلمة ’قدوس‘ ثلاث مرات لإظهار الأقانيم الثلاثة الكاملة (τρες Øποστάσεις τελείας)، بينما يشيرون (أي السمائيون) في كلمة ’الرب‘ إلى جوهر الله الواحد (μίαν οÙσίαν)[49]“.
- 2. القديس باسيليوس والقديس غريغوريوس النيصي والقديس غريغوريوس النزينزي وديديموس
مدخل ق. باسيليوس لشرح عقيدة الثالوث
وعندما ننتقل من ق. أثناسيوس إلى ق. باسيليوس القيصري نجد مدخلاً مختلفًا بعض الشيء، حيث لم يكن المنطلق اللاهوتي عند ق. باسيليوس ـ في فهم وشرح عقيدة الثالوث ـ يأتي من منظور خلاصي أو وجودي (كياني)، بل بالأحرى من منظور روحي وأخلاقي، من نوع ما تبناه أوريجينوس عن أسلوب الحياة المسيحية تحت تأثير عمل الروح القدس في التغيير والتقديس. ولكن عندما تعرضت المبادئ الأساسية لهذا المدخل للتهديد والخطر من قبل أتباع كل من إفنوميوس وسابيليوس، استعان ق. باسيليوس بكتاب ق. أثناسيوس ’عن مجمع نيقية‘ (De Synodis)[50] للرجوع إلى عقيدة نيقية عن الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) وذلك من أجل محـاربة البدعة التي تنادي بأن الابن قد أُحضر إلى الوجود من العدم، وكذلك “لمقــاومة البدعة التي تنـــادي بــأن الله هو أقنوم الواحد (τ¾ν ταÙτότητα τÁς Øποστάσεως) ، ولتأكيد مفهوم الأقانيم (τελείαν τîν προσώπων τήν ννοιαν) الإلهية”. ويقول ق. باسيليوس: “إن الشيء لا يكون له ذات الجوهر الواحد (Ðμοούσιον) مع نفسه، ولكنه يكون كذلك فقط مع شيء آخر. ولذا فالمصطلح (هوموأووسيوس) له دور رائع في توضيح التمايز التام الذي للأقانيم، مع تأكيد الطبيعة الواحدة غير المتغيرة لهم
(τîν τε Øποστάσεων τ¾ν διότητα διορίζουσα καί τÁς φύσεως τό ¢παράλλακτον παριστîσα) .”[51]
تعليم ق. باسيليوس في كتابه ’عن الروح القدس‘
ورغم أن ق. باسيليوس لم يصل إلى نفس مستوى العمق الذي أدركه ق. أثناسيوس من جهة المفاهيم الخلاصية والكيانية، إلاّ أن ق. باسيليوس ـ وبمساعدة عقيدة نيقية الأساسية ـ قدَّم فكره اللاهوتي المميَّز والورع، وأعطاه أساسًا ’ثالوثيًّا‘ قويًّا، مستندًا على تأسيس الرب لسر المعمودية باسم الآب والابن والروح القدس[52]. وقد اتضح فكر ق. باسيليوس هذا بصورة خاصة، في الحجج التي قدمها ـ من خلال الليتورجيا والتسبحة ـ عن ’الاشتراك الورع‘ والمساوي للروح القدس مع الآب والابن في كل ما يُقدَّم للثالوث من سجود وعبادة وتضرع. وقد جاء هذا التعليم في كتابه ’عن الروح القدس‘ (De Spiritu Sancto)[53]، الذي أكَّد فيه أيضًا أن الروح القدس ليس غريبًا عن الطبيعة الإلهية، بل هو أقنوم (Øπόστασις) في الثالوث له نمط وجوده الأقنومي (τρόπος Øπάρξεως) الخاص، في شركة (κοινωνία) الطبيعة الإلهية غير المنقسمة مع الآب والابن[54]. ولكن الغريب أن ق. باسيليوس تجنَّب التصريح بأن الروح القدس هو الله[55]، كما أنه تردد في استخدام مصطلح ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) في الحديث عن الروح القدس مفضلاً استخدام مصطلحات أخرى مثل واحد (مع الآب والابن) في ذات الكرامة (Ðμότιμος)، وفي ذات المجد (Ðμόδοξος)، وفي ذات الربوبية (العرش) (Ðμόθρονος)، إلاّ أنه أشار مرة واحدة إلى الثالوث القدوس بأنه ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος)، وذلك في معرض حديثه عن المعمودية[56].
وبالطبع ليس هناك أدنى شك من جهة إيمان ق. باسيليوس بألوهية الروح القدس؛ إذ نجده يقول عن الروح القدس: إنه ليس فقط بسبب كونه ’روح قدس‘ (Aγιον Πνεàμα) له ذات الطبيعة الروحية الفائقة الإدراك التي للآب والابــن[57]، بل أيضـًا لأن الـروح القــدس هو ـ بغير انفصال وبالتساوي ـ خالق مع الآب والابن حيث إنهم (معًا) العلة (ατία) الوحيدة لكل الموجودات[58].
وقد استخدم ق. باسيليوس أحد التعاليم الهامة للقديس أثناسيوس ليؤكد أن: “(خصوصية) علاقة الروح القدس بالابن هي مثل خصوصية علاقة الابن بالآب*. وإذا كان الروح متساويًا مع الابن، والابن مع الآب، فمن الواضح أن الروح أيضًا متساوٍ مع الآب[59]“. إذن، فعلى الرغم من تمايز الأقانيم الثلاثة عن بعضهم البعض، فإنهم دائمًا معًا بغير انفصال. ويضيف ق. باسيليوس قائلاً: “في الطبيعة الإلهية غــــير المـــركبة، تكــمن الوحـــــدة في شركـــة اللاهــــوت (ν τÍ κοινωνία τÁς Θεότητός στιν ¹ νωσις). واحد هو الروح القدس، و(حتى) عندما نتحدث عنه بمفرده فإنه يكون متحدًا بالآب الواحد من خلال الابن الواحد#. ومن خلال الروح القدس ذاته يكتمل الثالوث القدوس المسجود له …… وكما أنه يوجد آب واحد، وابن واحد، فكذلك يوجد روح قدس واحد[60]“. والروح القدس في فكــــر ق. باسيليوس مرتبط بغير انفصـــــال في ـ بل ويأتينا أيضًا من ـ شركـة (الطبيعة والجوهـــر) مع الآب والابن، وبالتـالي فهو المصــــدر المبـــــاشر لشركتنا نحن مع الثــــــالوث القـــــــدوس[61].
عقيدة الثالوث في رسائل ق. باسيليوس
وقام ق. باسيليوس أيضًا في رسائله، بتقديم عرض أكثر تحديدًا عن عقيدة الثالوث القدوس، بكونه ثلاثة أقانيم وجوهرًا واحدًا[62]. ورغم حرصه الشديد على الالتزام بتعليم مجمع نيقية[63]، إلاّ أنه شعر أن الدفاع عن الفكر اللاهوتي النيقيّ يحتاج إلى أن يفرِّق بشكل واضح بين مصطلحي ’أوسيا‘ (οØσία) و’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις)، لأن استعمالهما بطريقة مترادفة قد يستخدمه أتباع سابيليوس وإفنوميوس لتأييد هرطقاتهم[64]. وعلى أية حال، كان ق. أثناسيوس قد سبق وتقدم باقتراح بهذا المعنى في مجمع الإسكندرية عام 362م، وتم فيه قبول صيغة “جوهر واحد، ثلاثة أقانيم[65]“. وكان الجــــدال مع الـــهراطقة ـ وبالأخــــص إفــنومـيوس ـ قـــد أدى إلى اقتنــاع ق. باسيليوس بـــأن صيــــغة “جـوهــــــر واحــــــد، ثلاثـــــة أقـــــانيم” (μία οÙσία, τρες Øποστάσεις) لا يمكن أن يكون فيها الـ ’أوسيا‘ (οÙσία) و الـ ’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις) يحملان نفس المعنى لأن ذلك يكون منافيًا للعقل والمنطق، ولكن الأمر يختلف حين يكون لهما مدلولان مختلفان. ومن هنا فرَّق ق. باسيليوس مدلول معنى الـ ’أوسيا‘ (οÙσία) عن مدلول الـ ’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις) على أســاس أن علاقة الـ ’أوسيا‘ بالـ ’هيبوستاسيس‘ هي مثل علاقــــة العمــــومي (أو المشــــــــــترك) (τό κοινόν) بالخصوصي (أو المميَّز) (τÕ διον)، كما أنه ميَّز الأقانيم (Øποστάσεις) الثلاثة بعضها عن البعض الآخر طبقًا لأنماط وجودهم (τρόποι Øπάρξεως) الخاصة، وطبقًا لصفاتهم أو خواصهم
(διώματα, διότητα, γνωρίσματα, χαρακτηριστικά)
المميَّزة، فميَّز بينهم بـ ’الأبوة‘ (πατρότης) و’البنوة‘ (υότης) و’القداسة‘ (¡γιασμός / ¡γιωσύνη)[66]. ولذلك نجد أن ق. باسيليوس يلجأ في بعض الأحيان إلى تعريف الأقانيم الثلاثة بحسب خواصهم المميزة (διώματα, διότητα) مع مجرد إشارة عابرة فقط إلى وجودهم في جوهر (οÙσία) واحد، ومع ذلك ذهب إلى القول بأن كل شخص منهم هو أقنوم (Øπόστασις) حقيقي[67]. ولتخفيف آثار هذا الأسلوب في التفكير، لجأ ق. غريغوريوس أخو ق. باسيليوس إلى لغة ق. أثناسيوس ليظهر كيف أن الأقانيم الإلهية الثلاثة في علاقة داخلية متبادلة بعضها مع البعض الآخر بغير انفصال فيقول: “كل ما يُرى في الآب يُرى في الابن، وكل ما هو للابن هو للآب، لأن الابن بجملته يسكن في الآب وهو (أي الابن) فيه الآب بجملته. وعلى ذلك فإن أقنوم (Øπόστασις) الابن كما لو كان هو هيئة ووجه (μορφή καί πρόσωπον) معرفة الآب، كما أن أقنوم (Øπόστασις) الآب يُعرف في هيئة (μορφή) الابن، ولكن الخواص المميَّزة لكل منهما(d othta) إنما ترجع إلى التمايز الواضح الذي لأقنوميهما (Øποστάσεις)[68]“.
وبالرغم من هذا الاقتراب من مفهوم ق. أثناسيوس الخاص بالتواجد (الاحتواء) المتبادل الذي بين الأقانيم ـ والذي كان يشاركه فيه بالفعل ق. باسيليوس ـ إلاّ أن اقتراح ق. باسيليوس بأن مصطلح ’أوسيا‘ (οÙσία) لا بد أن يُفهم بمدلول عام ومشترك، قد غيَّر من المفهوم السابق للـ ’أوسيا‘ (οÙσία) في الله؛ إذ قد ساوى بينه وبين مفهوم الـ ’فيزيس‘ (φύσις) أو الطبيعة التي تشترك فيها الأقانيم الإلهية الثلاثة[69]. وقد تم هذا التغيير على حساب المدلول الشخصي (الأقنومي) القوي لمفهوم الـ ’أوسيا‘ (οÙσία)، والذي فيه كان الـ ’أوسيا‘ يتميز بالعلاقات الداخلية (المتضمَّنة فيه)، وقد أثَّر هذا التغيير بالتالي على فهم الآباء الكبادوكيين لله. ومع التفرقة الواضحة التي رآها ق. باسيليوس بين جوهر الله غير المُدرك ولا المعروف وبين أفعال (طاقات) الله* التي يُظهر بها ذاته لنا[70]، فإن هذا التفسير المستحـــدث للجــوهر الــواحد (μία οÙσία) والثلاثة أقــانيم (τρες Øποστάσεις) قد أدى إلى التحول (في شرح الثالوث) من التركيز على ’الوحدانية في ذات الجوهر‘ إلى ’المساواة بين الأقانيم‘ كما أدى كذلك إلى تغير مركز الثقل في العقيدة (من الجوهر الواحد الذي له مدلول شخصي) إلى الخواص التي تميِّز كلاًّ من الآب والابن والروح القدس[71].
مدخل الآباء الكبادوكيين لفهم وشرح عقيدة الثالوث
وقد يكون من المفيد هنا أن نعود إلى ما ذكرناه في الفصل السابق[72] عن عقيدة الآباء الكبادوكيين في الروح القدس، حتى نتعرف على ما أحدثه هذا التعليم في عقيدة الثالوث القدوس. ففي مواجهة اتهامهم بميلهم إلى البدعة التي تنادي بثلاثة آلهة لهم طبيعة مشتركة (tritheism) ـ والذي أثاره عليهم تحول تركيزهم في التعليم إلى الأقانيم وخواصها المميَّزة[73] ـ سعى هؤلاء الآباء إلى تأكيد وحدانية الله من خلال ربطها بالآب بكونه هو المبدأ الواحد (أو الرأس) (¢ρχή) والعلة (ατία) للابن والروح القدس[74]. ومع أن الآباء الكبادوكيين أقرّوا بأن الابن والروح القدس معلولان أزليًّا بواسطة الآب بحيث إنه لا يوجد أي فاصل بين ’العلة‘ و’المعلول‘ وبحيث إن صدورهما من الآب هو بلا بداية (¥νaρχως)، إلاّ أنهم نظروا إلى العلاقات الداخلية بين أقانيم الثالوث على أنها تشكِّل بناءً متسلسلاً من السببية والترتيب المنطقي أو كأنها تكوِّن ’سلسلة‘ من الاعتمادية (éσπερ ξ ¡λύσεως)[75] (يتوسطها الابن).
وهذا المفهوم كان ق.غريغوريوس النيصي قد أبرزه بشدة في تعليمه؛ إذ قال إن كيان الروح القدس مُسبَّب بـ ومتأسس في وجود الابن والذي بدوره كيانه مُسبَّب بـ ومتأسس في الآب[76]. والنقطة التي أراد ق. باسيليوس وأخوه ق. غريغوريوس النيصي التعبير عنها هي: أن نمط الوجود (τρόπος Øπάρξεως) الأقنومي الخاص بالابن يصدر من الآب لأنه هو ابن الآب، كما أن نمط الوجود الأقنومي الخاص بالـــروح القــدس في وحدته غير المنفصلة مع الابـن هـو أيضًا يصـدر من الآب. إلاّ أن مفهومهــما للـ ’أوسيا‘ (οÙσία) بمدلـوله العمــومي أو المشترك هو الـذي أدى بهما إلى القول بأن الابن والــــــــــــــــروح القــــدس يدينــــــــــــــان ’بكــيانيهما‘ (τό εναι) لأقنوم (Øπόστασις / πρόσωπον) الآب[77]، مما كان له تأثير واضح على عقيدة انبثاق الروح القدس في صميمها. فنجد ق. غريغوريوس النيصي يقول: “إن الروح القدس مرتبط (متصل) بالابن، ولا يُدرك إلاّ متصلاً به، أما ’كيانه‘ فيعتمد فيه على الآب بكونه ’علة‘ له. وهو أيضًا ينبثق منه (أي من الآب) بكل ما يخص ويميِّز طبيعته الأقنومية في كونه يُعرف بعد الابن ومعه، وفي كونه يستمد كيانه من الآب[78]“.
ويبدو أن كلاًّ من القديسين غريغوريوس النيصي وغريغوريوس النزينزي قد راجع نفسه بالنسبة لهذا التعليم الخاص بالعلاقات بين الأقانيم الثلاثة، والذي كان قد أُرجع فيه وجود الابن والروح القدس أو صميم كيانيهما ـ وليس مجرد نمطي وجودهما الأقنومي ـ إلى أقنوم (Øπόστασις) الآب بدلاً من جوهر (οÙσία) الآب. فنجد أن ق. غريغوريوس النيصي عاد وفرَّق بين الوجود وبين شكل (نمط) الوجود[79]، مؤكدًا أن لفظ ’الله‘ (Θεός) إنما يدل على الجوهر ولا يشير إلى الأقنوم (أو الشخص) (πρόσωπον)، مما يعني أن الآب ليس هو الله بفضل أبوته ولكن بفضل جوهره (و إلاّ فلا يكون الابن هو الله أو الروح القدس هو الله)[80]. أما ق. غريغوريوس النزينزي فقد أكَّد أن لفظ ’الآب‘ ليس هو اسمًا للجوهر (οÙσία)، بل ’للعلاقة‘ (σχέσις) التي يحملها الآب نحو الابن أو التي للابن مع الآب[81]. وكان هذا التغيير الغريب عن عقيدة نيقية (فيما يخص صدور الابن من أقنوم الآب وليس من جوهره*)، وكذلك إدخال مفهوم ’السببية‘ في العلاقات الأقنومية للثالوث القدوس، قد أديا إلى إثارة العديد من المشاكل، بالإضافة إلى أن ذلك كان يُعد استبدالاً لمفهوم ق. أثناسيوس عن الـ ’أوسيا‘ (οÙσία) بكونه جوهر الله الواحد الذي يتضمَّن في داخله العلاقات الكيانية الأقنومية. وقد أعطى هذا التعليم الكبادوكي مفهومًا مختلفًا عن الوحدة والتثليث في الله، كما قد فتح الطريق لسوء فهم خطير وانقسام حول عقيدة انبثاق الروح القدس.
عقيدة الثالوث عند ق. غريغوريوس النزينزي
ورغم أن فكر ق. غريغوريوس النزينزي حول الثالوث القدوس، كان يتفق في شكله العام مع ما قدمه ق. باسيليوس، وق. غريغوريوس النيصي، إلاّ أنه كان متخوفًا من أنه بهذا يمكن أن يَنظر إلى الآب (وحده) على أنه الجوهر (οÙσία) فلا يَنظر إلى الابن والروح القدس على أنهما شخصان (أقنومان) (Øποστάσεις)، ولكن يجعلهما كـ “قوتي الله الملازمتين، وليس الكائنين جوهريًّا فيه
(δυνάμεις Θεοà νυπαρχούσας, οÙχ Øφεστώσας) “.[82]
وقد كتب يقول (متفقًا مع التوجه العام للآباء الكبادوكيين): “إن الأقانيم الثلاثة لهم طبيعة واحدة، وهم الله، ولكن أساس وحدتهم هو الآب، الذي منه ونحوه يُحسب الأقنومان الآخران[83]“. كما استخدم ق. غريغوريوس أيضًا لغة تنم على ’السببية‘ في إرجاع الابن والروح القدس إلى مبدأ واحد أو رأس (¢ρχή) واحد في الآب[84].
ولكن ق. غريغوريوس النزينزي تبنّى رغم ذلك مفهومًا أكثر قربًا للقديس أثناسيوس فيما يخص وحدانية الله ووحدانية اللاهوت الكاملة؛ ليس فقط بكونها أوليًّا في الآب، ولكن بكونها في كل أقنوم، وكذلك في جميعهم ككل[85]. وقد أضاف أيضًا أن الثالوث يُعبد في الوحدة بالضبط كما أن الوحدة تُعبد في الثالوث[86]. فالوحدة (Μονάς) تتطابق مع التثليث (Τριάς)، لأنه بينما الله الواحد هو ثلاثة (أقانيم)، فإن الثلاثة هم واحد. ويقول ق. غريغوريوس النزينزي في هذا الصدد:
-“اللاهوت (الله) هو واحد في ثلاثة، والثلاثة هم واحد، والثلاثة فيهم اللاهوت أو بتعبير أكثر دقة الثلاثة هم اللاهوت (الله)[87]“.
-“وعندما تقرأ الآية: ’أنا والآب واحد‘ ضع نصب عينيك الوحدانية في الجوهر (οÙσία)؛ ولكن عندما تقرأ قوله ’نأتي إليه ونصنع منزلاً‘ تذكر التمايز الذي بين الأشخاص (πρόσωπα)؛ وعندما ترى أسماء ’آب‘ و’ابن‘ و’روح قدس‘ فكر في الأقانيم (Øποστάσεις) الثلاثة[88]“.
ومثل ق. اثناسيوس، كان مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) (أي الوحدانية في ذات الجوهر) عند ق. غريغوريوس النزينزي، هو مفتاحه لشرح عقيدة الثالوث الإلهي[89]. ولذا كان هو بالفعل أقرب الآباء الكبادوكيين لأثناسيوس في تبنيه مدخلاً خلاصيًّا وكيانيًّا لفهم عقيدة الثالوث، وهذا المدخل مؤسس على مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) الذي طبَّقه بدون أي تردد على علاقة الروح القدس بالآب كما فعل بالنسبة للابن، فنجده يقول: “الثلاثة هم واحد في اللاهوت، والواحد هو ثلاثة في الأنماط المتمايزة. ولكن ليست الوحدانية هي من النوع الذي نادى به سابيليوس، ولا أيضًا الثلاثة أقانيم يخضعون لتقسيم بغيض مثل ذاك الذي نادى به إفنوميوس. وماذا إذن؟ هل الروح القدس هو الله؟ بكل يقين. إذن هل هو ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος)؟ نعم، طالما هو الله[90]“.
ومن الواضح أن ق. غريغوريوس النزينزي كان قلقًا بعض الشيء من المفهوم الأوريجاني الخاص بوجود ترتيب أو درجات (مراتب) (subordinationism) بين الأقانيم، وهو ما كان قد برز فجأة في تعليم الآباء الكبادوكيين عن الثالوث القدوس. لذلك فبينما قد شارك بقية الآباء الكبادوكيين في التحدث عن الآب بصفته ’أعظم‘ من الابن والروح القدس (بسبب أن الأقنومين الآخرين هما منه)، إلاّ أنه حاول الدفاع عن الوحدة والتساوي بين الأقانيم الثلاثة الإلهية. وما كان يزعجه بالفعل هو تطبيقه ـ مع الآباء الكبادوكيين الآخرين ـ لمفهوم المبدأ (أو الرأس) (¢ρχή) على الآب، في تمييزه عن الابن والروح القدس، لأن هذا الأمر قد يحوي ضمنيًّا فكرة الأسبقية في الكرامة أو قد يعطي الإيحاء بوجود درجات غير متساوية في الألوهة داخل الثالوث القدوس. ولذا أصرَّ ق. غريغوريوس على أن اعتبار أي من الأقانيم الثلاثة الإلهية في مرتبة (أو درجة) أدنى من الآخر، إنما يعني الإطاحة بعقيدة الثالوث[91].
وقد كانت إجابته للمشاكل التي برزت في عصره هي أن مصطلحات ’الآب‘ و’الابن‘ و’الروح القدس‘ يجب النظر إليها بكونها تشير إلى علاقات (σχέσεις) كائنة أزليًّا وجوهريًّا داخل الله، وهذه العلاقات تتخطى كل زمن (¥χρόνως) وكل بداية (¥νάρχως) وكل سبب (¥ναιτίως)[92]. ومن الجدير بالملاحظة أن ق. غريغوريوس تجنَّب تمامًا فكرة ق. باسيليوس الخاصة بمفهوم نمط الوجود (τρόπος Øπάρξεως) الأقنومي، لأن حسب فهم ق. غريغوريوس للأقانيم الإلهية، فإن العلاقات بينهم ليست مجرد أنماط للوجـــــود، بل هي علاقــــات جوهرية داخلية وفقـــــًا لما هـم في ذواتهم ـ بكونهم حقائق أقنومية متمايزة ـ ووفقًا لما هم في علاقاتهم المتبادلة بعضهم مع البعض الآخر*. وهذه العلاقات بين الأقانيم هي جوهرية أو كيانية، بحيث إنهم ’فيما بينهم‘ يكونون بالضبط تمامًا نفس ’ما هم في ذواتهم وبذواتهم‘. ولذا فالآب هو ’آب‘: بالتحديد في علاقته الكيانية غير المنفصلة مع الابن والروح القدس، والابن والروح القدس هما ابن وروح قدس: بالتحديد في علاقتيهما الكيانية غير المنفصلة مع الآب ومع بعضهما البعض. ويمكننا القول بأن فهم ق. غريغوريوس لعقيدة الثالوث، كان يعتبر تعمقًا ملحوظًا في مفهوم ق. أثناسيوس للـ ’أوسيا‘ بكونه الجوهر الإلهي في علاقاته الداخلية (أي المتضمِّن العلاقات الإقنومية). وقد رأى ق. غريغوريوس أن كل العلاقات الكائنة في اللاهوت هي علاقات ديناميكية، ومتداخلة بصورة متبادلة، وفي وحدة تامة، ودون تعارض بين أي منها والآخر[93]. وهنا نجد كما ذكرنا أن ق. غريغوريوس قدَّم فكرًا أكثر قبولاً من جهة عقيدة الثالوث عن بقية الآباء الكبادوكيين، حين أوضح أن وحدة المبدأ (الرأس) (Μοναρχία) ليست محدودة بأقنوم واحد: لأن الوحدة قائمة في الثالوث وبالثالوث[94]، ولذا نجده يقول:
-“بالنسبة لنا يوجد إله واحد ولاهوت واحد، وكل ما يصدر عنه يرجع عائدًا إليه ليكون واحدًا معه، مع أننا نؤمن (بالتأكيد) بثلاثة أقانيم. وليس واحدًا (من الأقانيم) هو الله بدرجة أكبر وآخر هو الله بدرجة أقل، ولا واحد (منهم) هو سابق وآخر لاحق. كما أنهم ليسوا منقسمين في الإرادة ولا منفصلين في القدرة، ولا توجد هناك أية سمة تشير لكونهم أفرادًا منفصلين، بل بكونهم أشخاصًا متمايزين فإن اللاهوت بأكمله وبغير تقسيم هو في كل واحد منهم[95]“.
-“وكل أقنوم من الأقانيم هو واحد تمامًا مع مَن هو متحد بهما ـ كما مع نفسه ـ وذلك بسبب الوحدانية بينهم في ذات الجوهر والقدرة،
(¢λλά τό ν καστον αÙτîν χει πρός τό συγκείμενον οÙχ Áττον ½ πρός αυτό, τî ταÙτî τÁς οÙσίας καί τÁς δυνάμεως)
وهذا شرح عن وحدانية الله كما قد فهمناها، وإذا كان لهذا الشرح شيء من القوة فالفضل يرجع إلى الله الذي يعطى البصيرة. وأما إذا لم يكن هكذا فلنبحث عن آخر أكثر قوة[96]“.
ومما يذكر أن مفهوم ق. غريغوريوس النزينزي عن العلاقات الكائنة في الثالوث القدوس ـ مع تنويهه عن التشبيه الإنساني للثالوث بأنه مثل العقل والكلمة والروح في الإنسان[97] ـ قد أخذه عنه ق. أغسطينوس فيما بعد، وأُعطي مكانة هامة في اللاهوت الغربي بالنسبة لعقيدة الثالوث القدوس[98].
وانطلاقًا من هذا الفهم لعلاقات التواجد (الاحتواء) المتبادل بين أقانيم الثالوث القدوس، شرح ق. غريغوريوس النزينزي عقيدة انبثاق الروح القدس على أساس مختلف بعض الشيء (عن بقية الآباء الكبادوكيين)، حيث لم تكن وحدة المبدأ (الرأس) (Μοναρχία) بالنسبة له كائنة في أقنوم واحد، كما لم يكن عنده أيضًا أي تجزئة أو تقسيم للـ ’أوسيا‘ (οÙσία)[99]. فالروح القدس (في فكر ق. غريغوريوس) ينبثق بالتأكيد من الآب، ولكن بسبب وحدة اللاهوت، التي فيها كل أقنوم هو الله بالتمام والكمال، فإن الروح يصدر من وسط العلاقة التي بين الآب والابن*، بكونه هو للآب (روح الآب) وللابن (روح الابن). وعلى هذا الأساس يصعب معرفة سبب ظهور مشكلة الانبثاق المزدوج من الآب والابن في الغرب!!. وكل ما نستطيع قوله عن الروح القدس، على حد تعبير ق. غريغوريوس، النزينزي، أنه في حين أن الابن هو ’المولود‘ فإن الروح القدس هو ’المنبعث‘ (κπεμψις) أو ’المنبثق‘ (κπόρευσις)، وهو يصدر من الآب ليس كابن (υϊκîς) ولا كمولود (γεννητîς) بل عن طريق الانبثاق (κπορευτîς)، أي بشكل فريد تمامًا لا ينطق به وفقًا لطبيعته المتمايزة (διότης) أو لإقنومه (Øπόστασις) (الخاص)، بكونه ذاتيًّا وجوهريًّا ’قدوس‘ وبالفعل هو ’القداسة ذاتها‘ (αÙτοαγιότης)[100].
عقيدة الثالوث عند ديديموس الضرير
وكان تأثير مناقشات ما بعد نيقية حول الثالوث القدوس، واضحًا للغاية في تعليم ديديموس السكندري. وقد اقتفى ديديموس أثر ق. أثناسيوس في جعله مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) ـ أي ’الوحدانية في ذات الجوهر‘ ـ هو محور كل تفكيره وتعليمه عن الثالوث، حيث أكد على الوحدانية وعدم التقسيم في جوهر وربوبية اللاهوت[101]. واستخدم ديديموس صيغة “جوهر واحد، ثلاثة أقانيم” (μία οÙσία, τρες Øποστάσεις)، بالرغم من إنه كـــان يفضل استخـــدام مصطلح ’ألوهة واحدة‘ (μία Θεότης) بدلاً من مصطلح ’جوهر واحد‘ (μία οÙσία)[102]. وطبَّق ديديموس مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) على الثالوث القدوس ككل[103]، مؤكدًا أن الثلاثة أقانيم (Øποστάσεις) متماثلون بالكامل ومتساوون تمامًا في الكرامة والقدرة، فالآب ليس أعظم من الابن، بدليل أن كلاًّ من الأقانيم الإلهية أمكن أن يُذكر أولاً في الكتاب المقدس (قبل الأقنومين الآخرين)[104]. والآب في ذاته له الطبيعة الإلهية بجملتها، ولكن هذا صحيح أيضًا بالنسبة للابن وللروح القدس. والآب ليس آبًا بعيدًا عن الابن، كما أن الابن ليس ابنًا بعيدًا عن الآب، وهما بكونهما آبًا وابنًا ليسا كذلك بعيدًا عن الروح القدس، وأيضًا الروح القدس ليس هو روح قدس بعيدًا عن الآب والابن، لأنهم جميعًا متلازمون جوهريًّا وفي تواجد (احتواء) متبادل بغير انفصال في ذات جوهر الله الواحد. واللاهوت (الله) في جوهره ثالوثي، والثالوث في جوهره هو واحد ـ أي وحدة في ثالوث وثالوث في وحدة[105].
وكان ديديموس في نفس الوقت، حريصًا جدًّا على دحض بدعة سابيليوس الذي علّم بأن الله أقنوم واحد. ومثله مثل الآباء الكبادوكيين، وضع ديديموس نصب عينيه، حقيقة وجود وتمايز الأقانيم (Øποστάσεις) الثلاثة والخواص المميزة لكل منهم، وكذلك علاقاتهم (σχέσεις) الشخصية (الأقنومية) المتبادلة في جوهر الله الواحد[106]. واستخدم ديديموس في بعض الأحيان مفهوم ق. باسيليوس الخاص بنمط الوجود (τρόπος Øπάρξεως) الأقنومي، ولكنه أعطاه عمقًا أكثر حين أضاف إليه مفهوم أن الأقانيم كيان ’شخصي‘ أساسي (νυπόστατος) في داخل جــوهر الله، وذلك للتأكيد على أن أنماط الوجود المتمايزة هذه ليست مجرد صفات بل هي حقائق شخصية (أقنومية) في الله[107]. كما إننا نجد أن تعاليم ديديموس قد اقتربت كثيرًا من تعاليم ق. غريغوريوس النزينزي في أن الابن والروح القدس يصدران أقنوميًّا من الآب بالولادة والانبثاق قبل كل زمان (¥χρόνως) وقبل كل بداية (¥νάρχως)، فيقول ديديموس: “نحن نعترف أن الروح القدس هو الله، وهو واحد مع الآب والابن في ذات الجوهر، ومعهما بلا أي بداية (συνανάρχως)، وهو ينبثق من الآب جوهريًّا[108]“. وكما أن الابن يصدر من الآب بالولادة بطريقة تتناسب معه بكونه ابن (υϊκîς)، فكذلك أيضًا الروح القدس يصدر من الآب بالانبثاق بطريقة تتناسب معه بكونه روح (قدس) (πνευματικîς). ولكن لا الولادة ولا الانبثاق يكونان عن طريق الفعل (الإرادي) أو الخلق (δημιουργικîς)[109]. إذن فقد نظر ديديموس إلى الروح القدس ـ بالضبط كما نظر إلى الابن ـ بكونه حقيقة أقنومية (أو أقنومًا حقيقيًّا)، وبينما هو (أي الروح القدس) كائن أزليًّا في الله، فإنه حاضر بصورة مباشرة بيننا بكيانه الذاتي، وكائن أقنوميًّا في كل عطاء الله الذاتي لنا بحيث أن فيه يكون المُعطى والعطية هما واحد[110].
ومن هذا المنظور الأقنومي العميق، رأى ديديموس أن الروح القدس ينبثق جوهريًّا وأزليًّا من أقنوم (κ τÁς Øποστάσεως) الآب. وحين ذكر ديديمـوس أن الروح القدس يصــــدر من أقنوم (κ τÁς Øποστάσεως) الابن[111]، كان يعني أن اختبارنا مع الروح القدس وعلاقة البنوة التي لنا مع الآب بواسطة الابن أمران مرتبطان بغير انفصال*[112]. إلاّ أن ديديمـــوس عند نقطة انبثـاق الروح القدس من الآب اختلف عن ق. أثناسـيوس وآباء نيقية، حيث نزع إلى استبدال صـيغة نيقية بأن الابن (والروح القدس) “من جوهر الآب” (κ τÁς οÙσίας τοà Πατρός) بصيــغة أخرى وهي “من أقنـــــــــوم الآب” (κ τÁς Øποστάσεως τοà Πατρός)، وكان ديديموس أحيانًا يبرر هذا الاستبدال بأن يوضح أن الانبثاق من الآب ينبغي أن يُفهم مع اعتبار وحدانية لاهوته[113]. وفي وقت من الأوقات جمع ديديموس بين الصيغتين معًا[114]، ولكن هذا كان استثناءً عن القاعدة العامة عنده. وكان ديديموس يؤمن إيمانًا مؤكدًا بأن الروح القدس مع الابن لهما ذات الجوهر الواحد مع الله الآب، وأن كلاًّ منهما إله من إله، وأن انبثاق الروح القدس ’من أقنوم الآب‘ هو علاقة مستمرة في داخل ’وحدة الثالوث القدوس‘[115]. وهنا يبدو موقف ديديموس غير واضح#، إلاّ أنه كان يريد في الأغلب أن يتجنب فكرة التمييز بين ألوهية الآب غير المستمدَّة وألوهية الابن أو الروح القدس المستمدَّة من الآب، وهو ما يعني ضمنيًّا وجود ترتيب أو درجات (مراتب) (subordinationism) بين الأقانيم. هذا من ناحية، ولكن في نفس الوقت ومن ناحية أخرى أراد ديديموس أن يؤكد أن الابن والروح القدس يستمدان نمطي وجوديهما المتمايز من خلال الولادة والانبثاق من أقنوم الآب. وبتعبير آخر، فإن الحديث عن ولادة الابن وانبثاق الروح من أقنوم الآب، لم يكن (عند ديديموس) يساوي في المعنى إطلاقًا اعتبار أن الآب هو المتسبب في وجودهما (كما ذكر الآباء الكبادوكيون)، بل كان يعني فقط أن هذا هو نمط الوجود المتمايز لكل منهما (بكونهما ابنًا وروح قدس) داخل جوهر اللاهوت الواحد. وهكذا استطاع ديديموس أن يتحدث عن صدور الروح من أقنوم الابن كما من أقنوم الآب داخل وحدانية الجوهر غير المنقسمة التي للثالوث القدوس، ولم يكن يقصد عندئذ أن الروح القدس قد صدر بالابن أو أنه يوجد مبدآن (¢ρχαί) إلهيان، ولكن هذا الأمر بالنسبة له كان يتعلق بوجود الروح القدس في الابن* وبشركة الروح والابن في الجوهر مع الآب[116]. وهذا يعني أن أقوال ديديموس عن صدور الروح القدس من الآب والابن لا يجب أن تُفهم على أنها تؤيد مسألة ازدواجية الانبثاق التي نشأت فيما بعد.
- القديس إبيفانيوس ومجمع القسطنطينية
مدخل ق. إبيفانيوس لشرح عقيدة الثالوث
كان ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس هو أكثر الذين قدَّموا شروحًا وحلولاً للصعوبات التي نشأت بشأن عقيدة الروح القدس والثالوث القدوس. وبفضل أصله اليهودي، أعطى ق. إبيفانيوس تعليمًا ذو جذور عبرية عميقة، حيث ربط بين تعبير ’أنا هو‘ الخاص بجوهر الله الواحد وبين ما استُعلن عنه في العهد الجديد ـ وجاء في الكتب المقدسة ـ بكونه آبًا وابنًا وروح قدس، كما نظر ق. إبيفانيوس إلى الآب والابن والروح القدس بكون كل منهم: ’بروسوبون‘ (πρόσωπον) أي شخص، و’أونوما‘ (Öνομα) أي اسم، و’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις) أي أقنوم[117]. وهكذا فإن الله أقنوميًّا، وعلى الدوام، هو في ذاته ثالوث من الأقانيم الإلهية الساكنة والمتواجدة في بعضها البعض (المحتوية بعضها البعض)، وهذا الإيمان هو بحسب ما أعلنه لنا الله عن ذاته في تدبير التجسد[118]. وكانت بشارة الخلاص بالنسبة لإبيفانيوس ـ كما أظهر مجمع نيقية ـ تعتمد على الصلة الداخلية بين حياة وعمل يسوع المسيح وبين الله الآب[119]. وحيث إن ق. إبيفانيوس كان قد تبنى الفكر اللاهوتي للقــديس أثناسيـوس وامتد به، فإننـا نجد أن تعليمـه كــان ـ مثل ق. أثناسيوس ـ من منظور خلاصي وكياني، وهذا يتضح بوجه خاص في مناقشاته الطويلة عن حياة الابن المتجسد وعمله الخلاصي، بما في ذلك حقيقة بشرية الابن المتجسد وكمالها في العقل والنفس والجسد. واعتمد ق. إبيفانيوس في دحضه للبدع والهرطقات، على الإيمان الإنجيلي للكنيسة الجامعة في تأكيدها على كمال الطبيعة الإلهية الأزلية غير المخلوقة التي لابن الله ’الكلمة‘ المتجسد، وكذلك تأكيدها في نفس الوقت على كمال إنسانيته وعمله من أجل فداء البشرية[120].
’الوحدانية في ذات الجوهر‘ عند ق. إبيفانيوس
وقد آمن ق. إبيفانيوس ـ متفقًا في ذلك مع ق. أثناسيوس وق. باسيليوس[121] ـ بأن مفهوم الـ ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) النيقيّ يحمل ضمنيًّا التمايز الفعلي بين الأقانيم في الله، لأن أقنومًا واحدًا لا يمكن أن يكون ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) (واحد في ذات الجوهر) مع نفسه، كما أكَّد ق. إبيفانيوس أن كلاًّ من الأقانيم الثلاثة له وجوده الكامل والحقيقي في داخل جوهر الله الواحد، وبالحقيقة فإن كل كيان الابن وكل كيان الروح القدس هو مماثل تمامًا لكل كيان الآب، وكل أقنوم هو الله بالتمام والكمال. ويقول ق. إبيفانيوس: “نحن ندعو الآب الله، والابن الله، والروح القدس الله .. وعندما تنطق بالـ ’هوموأووسيوس‘ فإنك تعلن أن الابن هو إله من إله، وأن الروح القدس هو إله من نفس اللاهوت[122]“. ومن هذا المنطلق قَبل ق. إبيفانيوس صيغة ’جوهر واحد، ثلاثة أقانيم‘ (μία οÙσία, τρες Øποστάσεις) ولكنه كان يفهم الـ ’أوسيا‘ بحسب مفهوم مجمع نيقية ـ وليس بمفهوم أنه هو الشيء العمومي أو المشترك بين الأقانيم حسبما علَّم ق. باسيليوس ـ إذ كان هذا المصطلح يعني بالنسبة له الجوهر الإلهي في علاقاته (الأقنومية) الداخلية بما يتضمَّنه من مدلول شخصي مؤكد[123]. ومن هنا يمكننا أن نفهم كيف أنه لم يَقصِر (استخدام) مصطلح ’الآب‘ فقط على أقنوم الآب، بل انتقد فكرة أن مصطلح ’الآب‘ لا يشير أيضًا إلى جوهر اللاهوت[124].
تعليم ق. إبيفانيوس عن الأقانيم الإلهية الثلاثة
وعلى خلاف الآباء باسيليوس وغريغوريوس النيصي وأمفيلوخيوس، لم يتحدث ق. إبيفانيوس عن الأقانيم الإلهية بأنها ’أنماط للوجود‘ بل بكونها كيانًا شخصيًّا أساسيًّا في داخل جوهر الله (νυπόστατος)، بمعنى أن لها وجودًا شخصيًّا حقيقيًّا، وأنها في تلازم وتواجد (احتواء) أقنومي متبادل في جوهر الله الواحد[125]. وكان فهم ق. إبيفانيوس للـ ’هوموأووسيوس‘ بأنه لا ينطبق على كل أقنوم فحسب، بل أيضًا على علاقات الثالوث الداخلية ككل*[126] قد ساهم في تعميق مفهومه عن التواجد (الاحتواء) المتبادل للآب والابن والروح القدس في علاقاتهم الجوهرية والأقنومية، ولذلك نجــــــد أنه تحــــــدث عن الـــــــــروح القــدس بأنه “في وسط (ν μέσw) الآب والابن” أو بأنـــه “رباط الثالوث (σύνδεσμος τÁς Τριάδος)[127]“.
وقد رفض ق. إبيفانيوس مفهوم أوريجينوس عن وجود ترتيب أو درجات (subordinationism) بين الأقانيم، لأن كل ما هو للآب هو أيضًا للابن وهو أيضًا للروح القدس من جهة اللاهوت. والابن والروح القدس مساويان تمامًا للآب في الكرامة والقدرة والمجد والربوبية (βασιλεία)، وصدورهما من الآب هو بلا بداية وبلا زمن وبلا تفسير (¥νάρχως καί ¥χρόνως καί ¢νεκδιηγήτως) ـ فلا يوجد ’قبل‘ أو ’بعد‘ فيما يتعلق بالله، لأن العلاقات بين الأقانيم الثلاثة الإلهية هي علاقات جوهرية وأقنومية منذ الأزل[128]. ويقول ق. إبيفانيوس: ” لم يوجد هناك (وقت)، لم يكن فيه الروح (القدس) كائنًا (οÙδέ Âν ποτέ Óτε οÙκ Âν Πνεàμα)[129]“.
ومن هذا المنطلق استطاع ق. إبيفانيوس أن يشير إلى الابن والروح القدس بكونهما المصـــدر الواحـــد المطلق مع الآب (بكونهما مصدرًا من مصدر πηγή κ πηγÁς)[130]. والروح القدس كـــــائن في ويتدفق من جـوهر وحياة ونــور الثالوث القدوس، حيث يشترك بصــــورة مطلقة وكـاملة في المعـــــرفــة المتبـــادلة التي بين الآب والابن، وهكذا هو يحـــل في وسطنا (ν μέσJ) منبثقًا من الآب، وآخـــــــــــذًا من الابن، ومعلنًا الله لنا، ويجعلنا فيه نشارك في معرفة الله لذاته[131].
العمل الواحد للثالوث عند ق. إبيفانيوس
ومثله مثل ق. أثناسيوس، رفض ق. إبيفانيوس بشدة أي اتجاه أو تفكير فيه تجزيء لله، سواء فيما هو في ذاته أو فيما هو نحونا. ولذا اعتبر ق. إبيفانيوس أن إعطاء الله ذاته لنا في الروح القدس هو عمل واحد (للثالوث)، لأن ’ما هو‘ الله في جوهره الذاتي الأزلي هو نفس ’ما هو‘ الله في إعلانه عن ذاته لنا وهو نفس ’ما هو‘ الله في إعطائه ذاته لنا، لذا فالمُعطي والعطية هما واحد تمامًا. وتوجد أعمال متنوعة للروح القدس ولكنها كلها أعمال أقنومية (أي يعملها الروح بشخصه وهو في علاقته الداخلية مع الآب والابن في جوهر الله)؛ إذ أن الله المثلث الأقانيم هو العامل في هذه الأعمال جميعها بشكل مباشر وخلاّق (من الآب بالابن في الروح القدس). وهناك فقط نعمة واحدة (ν χάρισμα) ، وروح واحد (ν Πνεàμα)، حيث إن الله ذاته في ملء كيانه الثالوثي يكون حاضرًا في جميع أعماله من خلق واستعلان وشفاء واستنارة وتقديس[132].
وحدة المبدأ (وحدة الرأس) (Μοναρχία) في تعليم ق. إبيفانيوس
كان ق. إبيفانيوس يشرح تعليمه عن الابن والروح القدس في إطار فهم شامل للثالوث ككل: الثالوث الواحد في ذات الجوهر، وغير المنقسم. ولم يقدِّم ق. إبيفانيوس تعليمه من منطلق أن الآب هو المبدأ (الرأس) الواحد (Μοναρχία)[133] في الثالوث، كما لم يشارك الآباء الكبادوكيين في محاولتهم تأكيد وحدة الله بإرجاعها إلى أقنـــــــــوم واحد ’لا يصـــــدر من غيره‘، بل رأى أن الثالوث القدوس ككل*، وليس الآب فقط، هو مبدأ وأساس وحدة اللاهوت. ولذا حرص ق. إبيفانيوس على التأكيد بشدة على تمام المساواة والكمال والأزلية والقوة والمجد الذي للآب والابن والروح القدس على حد سواء، وبالتالي التأكيد على كمال الثالوث القدوس. ولم توجد في تعليمه إشارة لأي انتقاص في طبيعة أو كرامة أو كمال أوخصوصية أي من الأقانيم الإلهية عن للآخر ـ وبالتالي (لا توجد إشارة لأي انتقاص) بالنسبة للابن أو الروح القدس عن الآب ـ لأن كلاًّ من الأقانيم هو رب وإله تام وكامل، في حين أن الثلاثة كلهم، لهم ـ بل هم ـ نفس اللاهوت الواحد. وليس أي من الأقانيم الإلهية هو أسبق من، أو أعظم من، الآخر[134]. ولذلك يقول ق. إبيفانيوس: “وفي إقرارنا بوحدة المبدأ (الرأس) (Μοναρχία) فإننا لا نضلّ، بل نعترف بالثالوث، وحدة في ثالوث وثالوث في وحدة، لاهوت واحد للآب والابن والروح القدس،
(τήν Τριάδα, Μονάδα ν Τριάδι, καί Τριάδα ν Μονάδι, μίαν Θεότητα Πατρός καί Υοà καί `Αγίου Πνεύματος)
فالابن لم يلد نفسه (أي ليس آبًا)، ولا الآب يتوقف عن كونه آبًا من أجل أن يكون ابنًا، ولا الروح القدس يسمي نفسه المسيح قط. ولكنه (أي الروح القدس) هو روح المسيح الذي يُعطَى بواسطة المسيح، وهو منبثق من الآب ويأخذ من الابن. الآب هو كيان أقنومي (في داخل الجوهر)، والابن كيان أقنومي (في داخل الجوهر)، والروح القدس كيان أقنومي (في داخل الجوهر)، ولكن لا يوجد أي خلط بينهم كما اعتقد سابيليوس، كما لا يوجد أي تغيير في أزليتهم ومجدهم كما ادعى أريوس باطلاً، لأن الثالوث هو على الدوام ثالوث بلا أية إضافة، لاهوت واحد، ربوبية واحدة، تمجيد واحد، ومع ذلك فهو ثالوث آب وابن وروح قدس[135]“.
الله ’الواحد الثالوث‘ في تعليم ق. إبيفانيوس
يقول ق. إبيفانيوس:
-“لا يوجد ثلاثة آلهة، بل إله واحد حقيقي، لأن الابن الوحيد المولود هو واحد من واحد، وواحد أيضًا هو الروح القدس الذي هو واحد من واحد، أي ثالوث في وحدة ، وهو إله واحد: آب وابن وروح قدس
(Τριάς γάρ ν Μονάδι, καί ες Θεός, Πατήρ, Υός καί Aγιον Πνεàμα) .”[136]
-“يوجد ثالوث واحد في وحدة، ولاهوت واحد في ثالوث
(μία Τριάς ν Μονάδι, καί μία Θεότης ν Τριάδι) “[137]
ومن الواضح أن ق. إبيفانيوس قد تعمَّد أن يؤكد ويكرر حقيقة أن الله بصورة تامة وكاملة ثالوث في واحد وواحد في ثالوث[138]. وعندما اقترح الصيغة الإيمانية التي أقرَّها مجمع القسطنطينية كتب يقول: “نحن نعرف الآب أنه هو آب، وأن الابن هو ابن، والروح القدس هو روح قدس، ثالــــوث في وحدة. لأن وحدة الآب والابن والروح القدس هي (في) واحد: جـــــوهر واحــــد، ربوبية واحـــدة، وإرادة واحــــدة[139]“.
وتؤكد هذه الاقتباسات من تعليم ق. إبيفانيوس، أن محور عقيدته كان يرتكز على إبراز أهمية وطبيعة العلاقات الثالوثية في الله، لأن الله في هذه العلاقات هو واحد، ومن خلال هذه العلاقات نعرفه أنه ثالوث. والكتب المقدسة تعترف أن: “نفس اللاهوت الواحد في ثالوث، ونفس الثالوث في لاهوت واحد، كما أنها تمجِّد الآب في الابن والابن في الآب مع الروح القدس، قداسة واحدة، عبادة واحدة، ألوهية واحدة ومجد واحد[140]“. وفي الواقع، إن الله هو الثالوث والثالوث هو الله[141]. فالآب والابن والروح القدس، من جهة الجوهر وعلاقة التواجد (الاحتواء) المتبادل بينهم، هم واحد[142]. وفي حين أن كلاًّ من الأقانيم الإلهية الثلاثة يظل ـ دائمًا وأقنوميًّا ـ كما هو في ذاته (بكونه آبًا أو ابنًا أو روح قدس)، إلاّ أنهم جميعًا يحمل (يحتوي) كل منهم الآخر، ويتواجد كل منهم في الآخر بصورة متبادلة داخل جوهر اللاهوت الواحد، والثلاثة أقانيم هم اللاهوت (الله)[143]. ويضيف ق. إبيفانيوس: “إن علاقة الآب هي مع الابن، وعلاقة الابن هي مع الآب، وكلاهما يعمل في الروح القدس، لأن الثالوث على الدوام يكوِّن وحدة اللاهوت: ثلاثة أقانيم كاملة ولاهوت واحد[144]“.
الروح القدس في تعليم ق. إبيفانيوس
وفي ضوء تعليم ق. إبيفانيوس هذا عن عقيدة الله الواحد الثالوث، وكــذلك في ضـوء مفهومه عن وحدة المبدأ (الرأس) (Μοναρχία) ـ والذي كان بالنسبة له يعني مبدأً (رأسًا) واحدًا (μία ¢ρχή) يتكـون من ثلاثـة أقانيم: متسـاوية تمامًا وكائنة أزليـًّا معًا في داخـــل الجوهر الواحد، وفي وسطها الروح القدس هو ’رباط الثالوث‘ ـ نستطيع أن نفهم ما قاله ق. إبيفانيوس عن انبثاق الروح القدس.
وكان ق. أثناسيوس قد علَّم أن الروح القدس الذي ينبثق من الآب، هو دائمًا في يديّ (لدى) الآب الذي يرسله والابن الذي يعطيه بكونه له أو خاصًّا به، ومنه (أي من الابن) يأخذ الروح. وبما أن الروح القدس هو ـ مثله مثل الابن ـ من ذات جوهر الله (الآب)، وهو (أي الروح) يخص الابن، فلا يمكن إلاّ أن ينبثق من جوهر الآب ومن غير انفصال عن الابن. وبطبيعة الحال، فإن فكرة أن الروح القدس يستمد كيانه (τό εναι) من الابن لم ترد ولم يكن من الممكن أن ترد عند ق. أثناسيوس[145].
واتفاقًا مع هذا التعليم، رأى ق. إبيفانيوس أن الروح القدس لا يصدر فقط “من الآب من خلال الابن*” (κ Πατρός δι’ Υοà) بل هو أيضًا “من ذات الجوهر” (κ τÁς αÙτÁς οÙσίας) و”من ذات اللاهوت” (κ τÁς αÙτÁς Θεότητος) الذي للآب والابن، لأن الروح القدس هو الله بغير انفصال عن الآب والابن، وبكونه روح الآب وروح الابن فهو “في وسط الآب والابن” وهو “رباط الثالوث”. ومن هنا يمكن القول إن الروح القدس كنفخة نور وحق من الآب والابن كليهما*[146]. وبهذا الشرح فسَّر ق. إبيفانيوس عبارة ق. أثناسيوس المختصرة أن “الروح القدس ينبثق من الآب ويأخذ من الابن”، ولكنه فعل ذلك بأسلوب تظل فيه الحقائق الأقنومية والخواص المميزة للآب والابن والروح القدس كما هي على الدوام، في التساوي المطلق ووحدانية الجوهر الذي للثالوث القدوس[147]. ومن هذا المنطلق، وضع ق. إبيفانيوس الصياغة الإيمانية عن الروح القدس والتي اتخذها فيما بعد مجمع القسطنطينية عام 381م: “نؤمن بالروح القدس، الرب المحيي، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده، مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء[148]“.
مجمع القسطنطينية وعقيدة الروح القدس
إن ما يدعو للأسف أن الوثيقة الأصلية التي نُشر فيها قانون إيمان مجمع القسطنطينية، وكذلك الكتاب الذي أُرسل معها لتأييدها ليس لهما وجود الآن، ولكن لا يزال لدينا النص (الخاص بمجمع القسطنطينية) الذي صُدِّق عليه رسميًّا من مجمع خلقيدونية، ولدينا أيضًا الرسائل المجمعية المتبادلة بين أساقفة الشرق والغرب عام 382م في أعقاب المجمع، هذا بالإضافة إلى منشور اعتراف الإيمان الجامع الذي أعلنه دماسوس بابا روما ضد هرطقة كل من مقدونيوس وأبوليناريوس، وهذا كله يساعدنا على معرفة ما كانت تحتويه تلك الوثائق المفقودة[149]. أضف إلى ذلك أن ق. غريغوريوس النزينزي قد أعطانا فكرة عما دار في ذلك المجمع، من خلال الخطبة التي ألقاها حين أعلن استقالته من منصبه كرئيس لأساقفة القسطنطينية وكرئيس للمجمع[150]، وقد أعرب فيها ق. غريغوريوس بوضوح عن أسفه بأن المجمع لم يكن صريحًا وقاطعًا بصورة أكثر في بعض عباراته بخصوص ألوهية الروح القدس ووحدانيته في ذات الجوهر (مع الآب والابن).
وبسبب قصده المتعمَّد في التصديق على “الإيمان الإنجيلي للآباء الثلاثمائة والثمانية عشر بنيقية[151]“، لم يُدخل مجمع القسطنطينية إلاّ أقل تعديل ممكن في قانون الإيمان (السابق وضعه في نيقية)، كما حرص المجمع كذلك في العبارات التي أُضيفت عن الروح القدس أن يسير في خط غير مختلف عن الخط الذي اُتبع في نيقية، وذلك من جهة إلتزامه قدر الإمكان بالنصوص الإنجيلية. ومن الجدير بالذكر أن التعليم الذي قدَّمه ق. أثناسيوس بعد مجمع نيقية عن الروح القدس ـ والذي أخذه عنه بعد ذلك ق. إبيفانيوس وامتد به ـ كان هو بالتحديد (المرجع) الذي حسم الأمر في مجمع القسطنطينية.
وقد ظل المنهج والبناء الثالوثي الذي استخدمه مجمع نيقية (في صياغة قانون الإيمان)، هو ذاته دون أي تغيير أثناء مجمع القسطنطينية. وكان أساس هذا المنهج هو: “إيمان المعمودية التي تعلِّمنا أن نؤمن باسم الآب والابن والروح القدس”. وقد أكَّد المنشور الباباوي (الذي أشرنا إليه)، أنه “طبقـــــًا لهـــــذا الإيمـــــــان: فإنه يوجــــــــد لاهـــــــوت واحــد، وقدرة واحدة، وجوهر واحد (Θεότητος καί δυνάμεως καί οÙσίας μι©ς) للآب وللابن وللروح القدس. كما أن التساوي في الكرامة والجلال وشركة الربوبية الأزلية هو في ثلاثة أقانيم كاملة تمامًا، أي في ثلاثة أشخاص كاملة
(Ðμοτίμου τε ¢ξίας καί συναϊδίου τÁς βασιλείας, ν τρισί τελειοτάταις Øποστάσεσιν, Àγουν τρισί τελείοις προσώποις) “.
ويضيف المنشور أنه بالتالي “لم يعد هناك مجال لهرطقة سابيليوس في الخلط بين الأقانيم أو إنكار خصوصية وتميّز كل منهم. وكذلك لم تعد هناك فرصة للتجديف الذي قام به أتباع إفنوميوس وأريوس في تقسيم جوهر الله أو طبيعته أو لاهوته، حيث فرضوا على الثالوث الأزلي غير المخلوق والواحد في ذات الجوهر (τÍ ¢κτίστω καί Ðμοουσίω καί συναϊδίω Τριάδι) طبائع غير أزلية (صدرت لاحقًا) ومخلوقة ومختلفة في الجوهر. كما إننا نتمسك أيضًا بعقيدة التجسد دون تغيير، محافظين على التقليد في أن بشرية الابن المتجسد لم تكن بلا نفس أو عقل، بل كانت تامة وكاملة، لأننا كلنا على وعي كامل بأن: كلمة الله كان كاملاً قبل الدهور، كما أن الكلمة صار إنسانًا كاملاً في آخر الأيام لأجل خلاصنا”.
ويتضح مما سبق أن اللغة المستخدمة في هذا الملخص ـ لعقيدة المجمع المسكوني بالقسطنطينية ـ كانت تعكس نفس الفكر والتعليم الذي وُجد عند ق. إبيفانيوس، كما إنها تضمَّنت أيضًا بعض التشابه مع فكر ولغة ق. غريغوريوس النزينزي. والجدير بالملاحظة أنه لا توجد هنا أية إشارة إلى أن وحدانية الله تكمن في شخص الآب، بل نرى عودة إلى مفهوم ق. أثناسيوس في وحدانية الثالوث القدوس[152]. كما يبدو أيضًا أن مجمــع القسطنطينية رغم أنه قبل التمييز بين ’أوسيا‘ واحد (μία οÙσία) وثلاثة ’هيبوستاسيس‘ (Øποστάσεις) أو ’بروسوبا‘ (πρόσωπα)، إلاّ أنه لم يأخذ مصطلح الـ ’أوسيا‘ بمعنى الشيء العمومي أو المشترك كما فعل الآباء الكبادوكيون ـ رغم أن ثلاثة منهم كانوا مشتركين بالمجمع ـ ولكن أخذوه بحسب مفهوم ق. أثناسيوس وق. إبيفانيوس عن الـ ’أوسيا‘ بمدلوله الشخصي، وبكونه يشير إلى الجوهر الواحد الذي يتضمَّن العلاقات الأقنومية في داخله. وقد صار لكل من مصطلحي ’أوسيا‘ (οÙσία) و’هيبوستاسيس‘ (Øπόστασις) معناه المحدد الواضح، فالـ ’أوسيا‘(οÙσία) الإلهي هو واحد بغير انقسام، وفي حين هو داخليًّا يتمايز في ثلاثة أقانيم أو أشخاص (Øποστάσεις, πρόσωπα)[153]، إلاّ أنه هو هو نفسه فيهم جميعًا. وبينما الثلاثة أشخاص أو أقانيم هم على الدوام ’كما هم‘ آب وابن وروح قدس، إلاّ أنهم يُظهرون عملاً إلهيًّا واحدًا وإرادة واحدة، وهم معًا في أزليةٍ واحدةٍ، وتساوٍ تامٍ في ذات الجوهر الواحد، والكمال المطلق، والسيادة، والعبادة والتمجيد الذي يليق بالثالوث القدوس. وكان المنشور الصادر عن المجمع الغربي الذي أرسله دماسوس بابا روما ـ والذي يعكس ما جاء في الكتاب المفقود الخاص بمجمع القسطنطينية ـ يحوي نفس العقيدة الخاصة بوحدة اللاهوت والسيادة في الثالوث القدوس، دون أدنى انتقاص بشأن الابن أو الروح القدس؛ إذ إنهما مساويان تمامًا للآب ولهما ذات الجوهر الواحد معه[154].
والحقيقة إن ما عرفناه من دماسوس يساعدنا جدًّا في فهم عقيدة مجمع القسطنطينية عن الروح القدس. فالعبارات التي أضافها المجمع لقانون إيمان نيقية، كان القصد منها التعبير عن الإيمان بالروح القدس بشكل مماثل للعبارات التي اُستخدمت للتعبير عن الإيمان بولادة الابن ’من الآب‘ ووحدانيته غير المنفصلة مع الآب. ورغم ذلك، ألغى مجمع القسطنطينية في الحديث عن الابن عبارة “من جوهر الآب” (κ τÁς οÙσίας τοà Πατρός) التي وردت في نص قانون نيقية، واستبدلها بعبارة “من الآب” (κ τοà Πατρός) ليكون المعنى محددًا تمامًا، ولكي لا يدع مجالاً لأي مراوغة من قبل الأريوسيين وأتباع يوسابيوس*. ومن المحتمل أنه تبعًا لهذا التعديل، اُعتبر من غير المناسب أن يُقال عن الروح القدس عبارة أنه ينبثق “من جوهر الآب” وهي لم تُقَل مع الابن. وأمام حقيقة أن المجمع في حديثه عن الروح القدس لم يذكر أنه ’هوموأووسيوس‘ (Ðμοούσιος) (أي له ذات الجوهر الواحد مع الآب والابن)، فإن البعض قد يظن أن هذا يُعد “تقليصًا للحق”، ولكن اعتراف المجمع بأن الروح القدس هو “الرب المحيي، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن” كان من أجل إظهار مساواة الروح القدس الكاملة مع الآب والابن في الربوبية ومجد اللاهوت، كما لا يمكننا تجاهل حقيقة أن العبارات الواردة عن الثالوث القدوس في الرسائل المجمعية آنذاك، كانت كلها تؤكد على أن الروح القدس له ذات الألوهية والقدرة والجوهر مع الآب وأنه مساوٍ تمامًا للآب وللابن في الكرامة والجلال والسيادة. ومن هنا يجب أن نفهم قانون إيمان القسطنطينية بكونه اعتراف ثابت بالإيمان بألوهية الروح القدس، على الرغم من أنه لم يعبِّر صراحة عنه بأنه ’واحد في ذات الجوهر‘ (Ðμοούσιος) أو بأنه ’الله‘ (Θεός).
ومما لا شك فيه أن منشور دماسوس كان ذا فائدة واضحة، ففي النص اليوناني لهذا المنشور اللاتيني ـ والذي سجله ثيؤدوريت ـ نجد أنه يتحدث عن الـروح القددس بكونه “له ذات الجوهر الواحد (μι©ς καί τÁς αÙτÁς οÙσίας) الذي للآب وللابن[155]“. وبالضبط كمــــــــا أعلن دمـــــــاسوس في منشـــــــــوره أنه: “إن أنكــــر أحـــــــــد أن الابن هو مـــــــــولــــــــود من الآب، أي من جـوهــــــــره الإلــــــــــــهي (id est de substantia divina ipsius)، فهو هرطوقي”. فقد أكَّد أيضًا وبنفس الطريقة أنه: “إن أنكر أحد أن الروح القدس هو بالحقيقة من الآب، وأنه مثل الابن من الجوهر الإلهي، وأنه إله حق (sicut Filium de divina substantia et Deum verum)، فهو هرطوقي”. وأضاف دماسوس، أن الروح القدس هو الخالق مع الآب والابن، ومن هنا أكد على “اللاهوت الواحد المساوي الذي للآب وللابن وللروح القدس[156]“. وفي النهاية كتب دماسوس مرددًا ما جاء بمنشور مجمع القسطنطينية: “هذا هو خلاص المسيحيين، أن نؤمن بالثالوث: الآب والابن والروح القدس، وأن ننال المعمودية على هذا الاسم، وبالتالي نؤمن أن للثالوث نفس اللاهوت الحقيقي الواحد ونفس السلطان والجلال والجوهر الواحد[157]“.
وكان الاعتراف المجمعي بالروح القدس ـ في إطار إيمان الكنيسة الثالوثي بالآب والابن والروح القدس[158] ـ له أكبر الأثر في ترسيخ عقيدة الروح القدس بكونه متساويًا تمامًا مع الآب والابن في الثالوث القدوس، كما كان له أثره في جعل عقيدة الثالوث القدوس تأتي بثمارها الكاملة في ذهن الكنيسة. ومن هنا تم القبول الكامل لعقيدة الله الواحد الثالوث في صيغة: ’جوهر واحد، ثلاثة أقانيم‘ (μία οÙσία, τρες Øποστάσεις)، حيث أصبحت إيمانًا مسكونيًّا معترفًا به في الكنيسة شرقًا وغربًا.
تجنب مجمع القسطنطينية المنهج الكبادوكي في شرح الثالوث
وكان من الحكمة البالغة، إصرار آباء القسطنطينية على التأكيد والتصديق على قانون إيمان نيقية، وصياغة ما يلزم إضافته بالنسبة للروح القدس في عبارات واضحة، بدون التعرض لفكر الآباء الكبادوكيين عن أقنوم الآب بكونه هو مصدر وعلة ’ألوهة وكيان‘ الابن والروح القدس.
وتجدر هنا الإشارة مرة أخرى، إلى أن إعادة تعريف مصطلح الـ ’أوسيا‘ وفهمه بأنه الشيء العمومي أو المشترك وفقدان المدلول الحقيقي للـ ’أوسيا‘ بكونه الجوهر الواحد الذي يتضمن العلاقات الأقنومية في داخله، أبعد الناس عن المفهوم الأصيل للقديس أثناسيوس عن الثالوث القدوس، الذي “كما كان على الدوام هكذا يكون الآن؛ وكما يكون الآن، هكذا كان على الدوام، هو الثالوث: الآب والابن والروح القدس[159]“، فقد أكد ق. أثناسيوس أنه لو أن ’كلمة‘ (Λόγος) الله و ’فعله (طاقته)‘ (νέργεια) ليسا كائنين في جوهر الله (νούσιοι) الأزلي لما استطعنا أن نربط بين ’ما هو‘ الله نحونا (في إعلانه وأعماله) وبين ’ما هو‘ الله في ذاته، والعكس بالعكس*. وكان هذا هو مكمن الخطر عند ق. باسيليوس في تفرقته بين الجوهر الإلهي والأفعال (الطاقات) الإلهية#، مما جعل معرفة الله قاصرة على أفعاله (طاقاته) الإلهية واستبعاد الوصول لمعرفة الله في العلاقات الداخلية التي لجوهره الثالوثي الأزلي[160].
وبترسيخهم وحدة اللاهوت في الآب باعتباره المبدأ (الرأس) الوحيد والفريد للألوهة وبالتالي اعتباره العلة الوحيدة لكيان ووجود الابن والروح القدس، كان هدف الآباء الكبادوكيين اتخاذ المسلك الوسط بين بدعة القول بأن الله أقنوم واحد، و بدعة القول بأن الله ثلاثة آلهة. وعلى الرغم من الاستفادة من هذا المنهج على المستوى الفلسفي ـ وخاصة في مواجهة أتباع سابيليوس وإفنوميوس ـ إلاّ أن هذا المسلك أدى إلى خلاف كبير بين الشرق والغرب. فأمام الرأي القائل بأن الروح القدس ينبثق من ’أقنوم‘ الآب، أي من الآب فقط، فإن اللاهوتيين في الغرب وجدوا أنفسهم مضطرين للقول بأن الروح القدس ينبثق “من الابن أيضًا” إذا كان عليهم أن يؤمنوا بأن الروح القدس هو “إله حق من إله حق” مثل الابن المتجسد. أما اللاهوتيون في الشرق فقد شعروا بضرورة الإصرار على أن الروح القدس ينبثق “من الآب فقط”، لكي يحافظوا على وحدة المبدأ (الرأس) (Μοναρχία) في الله، والتي كان يمكن هدمها بعقيدة ’الانبثاق المزدوج‘ للروح القدس. وعندما نسترجع ما حدث، نجد أنه من الصعب علينا أن نتصور حدوث مثل هذا الموقف في ظل مفهوم ق. أثناسيوس وآباء نيقية عن صدور الابن من جوهر الله الآب، وبالتالي انبثاق الروح القدس من الآب من خلال الابن*. وهذا ما نراه واضحًا في تعليم كل من ق. إبيفانيوس وق. كيرلس السكندري.
الدور الإيجابي للآباء الكبادوكيين فيما بين نيقية والقسطنطينية
وقد ساهم الآباء الكبادوكيون تحت قيادة ق. باسيليوس مساهمة كبيرة في الفهم الروحي لإيمان نيقية، وحفظوا نصرة هذا الإيمان في الكنيسة بعد نياحة ق. أثناسيوس. والحقيقة أنه لم يكن لمجمع القسطنطينية أن ينعقد دون الجهد الذي قام به أولئك الآباء. وفي محاولتهم السير بعيدًا عن انحرافات كل من سابيليوس وأريوس، ساعد الآباء الكبادوكيون في التوصل إلى اتفاق لاهوتي عام حول عقيدة الثالوث القدوس كما ظهرت في تأسيس الرب للمعمــــــودية وفي عـــــبادة الكنيسة. وقد ركز هؤلاء الآبـاء في تعليــــمهم عن الثـــالوث، على صيغة ’جوهر واحد، ثلاثة أقانيم‘ (μία οÙσία, τρες Øποστάσεις) بطريقة أظهرت السمات الخصوصية والأقنومية لكل من الآب والابن والروح القدس في وحدتهم وشركتهم الديناميكية مع بعضهم البعض. وكان تعليمهم عن مفهوم الوحدة الإلهية في شخص الآب له أثره كذلك في تعميق العلاقات الشخصية مع الله في الإيمان والعبادة. وبينما استمرت هذه النظرة الروحية تأتي بثمارها في حياة وصلوات الكنيسة، بدأت الأفكار الفلسفية التي احتواها جدالهم حول عقيدة الثالوث تتلاشى تدريجيًّا بعد مجمع القسطنطينية، غير أن مكسيموس ويوحنا الدمشقي التقطا بعضًا من هذه الأفكار مرة أخرى فيما بعد.
وفي النهاية، أخذت الكنيسة تعليم ق. غريغوريوس النزينزي ـ على وجه الخصوص ـ عن أبوة الآب وبنوة الابن وانبثاق الروح القدس بكونها علاقات ديناميكية كائنة على الدوام في جوهر اللاهوت الواحد، وضمَّته مع تعليم ق. أثناسيوس عن السكنى المتبادلة للأقانيم الثلاثة الإلهية، ليتبلور المفهوم الغني عن التواجد (الاحتواء) المتبادل للأقانيم في داخل الجوهر الإلهي، مما أدى إلى تعميق الفهم اللاهوتي لعقيدة الله الواحد الثالوث[161].
عقيدة الثالوث عند ق. كيرلس السكندري
وهذا بالتحديد هو ما يظهر بوضوح في تعليم ق. كيرلس السكندري عن الثالوث، فقد رفض تمامًا مفهوم أن الـ ’أوسيا‘ (οÙσία) هو الشيء العمومي أو المشترك[162]، كما رفض كذلك فكرة العلاقات ’السببية‘ داخل الثالوث القدوس[163] وإن كان قد أشار في بعض الأحيان إلى الآب بكونه ’المصدر‘ (πηγή) أو ’الجذر‘ (·ίζα) في علاقات الثالوث*[164]. ومن جهة أخرى أكَّد ق. كيرلس على تعليم ق. غريغوريوس النزينزي عن الأقانيم الثلاثة بكونها علاقات شخصية كائنة على الدوام في الجوهر الإلهي[165]، كما أكد أيضًا على مفهوم ق. أثناسيوس عن السكنى المتبادلة أو التواجد (الاحتواء) المتبادل للثلاثة أقانيم الإلهية في داخل الجوهر الواحد الذي للثالوث القدوس[166].
ووفقًا للمبدأ الذي أورده ق. أثناسيوس مرارًا وتكرارًا، بأن الابن له بالطبيعة كل ما هو للآب ما عدا كونه يُدعى ’آبًا‘، دفع ق. كيرلس بأن الآب يُقال أنه أعظم من الابن بحسب التدبير (οκονομικîς) فقط (أي في حال تجسده) #، وبهذا لم يدع أية فرصة لفكرة وجود ترتيب أو درجات (مراتب) (subordinationism) في الثالوث القدوس[167].
وكان مفهوم التواجد (الاحتواء) المتبادل في داخل جوهر الله الواحد ـ والذي يعني أن الأقانيم الثلاثة يسكن كل منهم في الآخر ويحتوي كل منهم الآخر بصورة متبادلة، مع بقائهم كما هم آب وابن وروح قدس ـ هو الذي يحكم فهم ق. كيرلس لانبثاق الروح القدس *.
يقول ق. كيرلس: “إن الروح القدس يأتي (إلينا) من الآب والابن (πρόεισι δέ καί κ Πατρός καί Υοà) لأنه ينتمي للجوهر الإلهي وكائن فيه ويصدر عنه جوهريًّا (οÙσιωδîς)[168]“. وبحسب فهم ق. كيرلس، فإن كل شيء يعتمد على حقيقة أن الثلاثة أقانيم الإلهية كائن كل منهم في الآخر بغير انقسام، وأنهم في ذات الجوهر الواحد وذات الطبيعة الواحدة. وبما أن الروح القدس لا يمكن أن ينفصل عن الطبيعة الإلهية والجوهر الإلهي، فهو ينبثق من الآب طبيعيًّا وجوهريًّا (φυσικîς τε καί οÙσιωδîς). والروح القدس يصدر من الآب من خلال الابن* لأنه خاص بالابن بالطبيعة وواحد معه في ذات الجوهر
(δι’ αÙτοà τοà Υοà, φυσικîς Ôν αÙτοà, καί Ðμοούσιον αÙτù). [169]
ويقول ق. كيرلس أيضًا: “بما أن الروح هو روح الله، روح الآب وروح الابن، فهو يصدر جوهريًّا من كليهما، (بمعنى أنه) ينحدر (إلينا) من الآب من خلال الابن
(οÙσιωδîς ξ ¢μφον, Àγουν κ Πατρός δι’ Υου).[170] “
وعلاوة على هذا، فإن ق. كيرلس رأى أن إرسالية الروح القدس ’في الزمن‘ من الابن المتجســـــد (إلينا)، مرتبطــــــة ومتصـــــلة بالانبثاق الأزلي للروح القدس من جوهر الله (من الآب إلى/في الابن)، لأن الابن في إرســــــاله للــــروح القـدس من ملئه الذاتي (ξ δίου πληρώματος) أرسله بكونه خاصًّا به منذ الأزل وواحدًا معه في ذات الجوهر والطبيعة في اللاهوت الواحد الذي للثالوث القدوس[171]. أي إن ’ما هو‘ الله نحونا بالمسيح وفي الروح القدس هو نفس ’ما هو‘ داخليًّا في ذاته منذ الأزل في داخل الجوهر الواحد الذي للثالوث القدوس، و’ما هو‘ الله داخليًّا وبلا انقسام في ثالوثه الأزلي هو نفس ’ما هو‘ نحونا في تجسد ابنه وفي إرسالية روحه القدوس[172].
وما يجب أن نتوقف عنده هنا هو موقف ق. كيرلس السكندري من مفهوم ق. أثناسيوس وق. إبيفانيوس عن وحدة المبدأ (الرأس) (Μοναρχία) بكونها وحدة في ثالوث وثالوثًا في وحدة[173]. فقد رفض ق. كيرلس بطبيعة الحال، أية فكرة عن تعدد المبادئ (¢ρχαί) الإلهية، ولكنه رغم ذلك لم يؤيد إطلاقًا الأسلوب الذي اتبعه الآباء الكبادوكيون في فهمهم وحدة المبدأ (الرأس) (Μοναρχία)، لأن هؤلاء الآباء في تعاملهم مع بدعة القائلين بثلاثة آلهة أو مع بدعة سابيليوس الذي خلط بين الأقانيم، قاموا بإدخال بناء متسلسل من السببية والترتيب المنطقي في علاقات الأقانيم الإلهية. ولهذا فإن تعليم ق. كيرلس عن انبثاق الروح القدس لا يمكن أن يُفهم على نحو يتفق مع المفهوم الغربي للانبثاق المزدوج، وكذلك فإن استخدامه لصيغة ’من الآب من خلال الابن‘ كان يختلف تمامًا عن مفهوم ق. باسيليوس وأخيه ق. غريغوريوس بأن الروح القدس يستمد كيانه من كيان الابن، ومن خلال الابن يستمد كيانه من كيان الآب*. وكان للقديس كيرلس مفهومًا متميزًا عن العلاقة المتبادلة للثلاثة أقانيم ـ الكاملة والمتساوية والأزلية معًا ـ من خلال السكنى الكاملة المتبادلة والاحتواء المتبادل بين بعضهم البعض، بحيث إنهم في وحدة تامة بغير اختلاط، وفي تمايز كامل بغير انفصال. وكان هذا التعليم يجمع بين مفهومي ’الجوهر الواحد‘ (μία οÙσία) والمبدأ (الرأس) الواحد (μία ¢ρχή). وهكذا فإن المفهوم الرئيسي الذي كان يحكم فكر ق. كيرلس عن انبثاق وإرسالية الروح القدس، وكل أعمال الآب والابن والروح القدس المتمايزة في الخلق والإعلان والخلاص على حد سواء، كان هو الوحدانية في ذات الجوهر والطبيعة والإرادة والعمل والقدرة والربوبية التي للثالوث القدوس، والتي يُعبَّر عنها تمامًا في كل أقنوم إلهي. وكان هذا هو مفهوم ق. أثناسيوس وق. إبيفانيوس وآباء مجمع القسطنطينية وعقيدتهم عن: جوهر الله الواحد في ثالوث، والثالوث الذي في وحدة (ذات الجوهر). وبتعبير لاهوتي آخر، هو تطابق ’وحدة المبدأ (وحدة الرأس) (Μοναρχία)‘ مع ’التثليث‘ في الله.
صلاة إلى الثالوث القدوس
يا الله الأبدي ضابط الكل،
الذي أظهرت ذاتك بكونك آبًا وابنًا وروح قدس،
الكائن إلى الأبد والمالك، في وحدانية الحب الكاملة،
هب لنا أن نتمسك على الدوام بهذا الإيمان بفرح وثبات،
وأن نحيا في تسبيح مجدك الإلهي،
حتى نصير أخيرًا واحدًافيك،
أيها الثالوث القدوس الإله الواحد إلى دهر الدهور.
* هذا الفصل هو الفصل الثامن في الكتاب الأصلي
لاحظ أن كلمتي (Τριάς) و (Μονάς) في اليونانية لهما معنى أكثر وضوحًا وقوة من كلمتي (Trinitas) و(Unitas) في اللاتينية.
4 Likewise, Gregory Naz., Or., 31.3 -see also Or., 6.22, Athens ed. 59, pp. 22f; and 25.17, p. 199.
5 Athanasius, Con. Ar., 1.16; cf. De syn., 48.
6 Athanasius, Con. Ar., 1.34; and De decr., 31.
7 Athanasius, Con. Ar., 1.9, 39, 58, 61; 3.4, 6.
8 Athanasius, Con. Ar., 1.14-19, 25-34; 2.57f; 3.1-6; 4.1-10; De syn., 41-54.
10 Athanasius, Con. Ar., 3.4-5.
11 Athanasius, Con. Ar., 3.5f.
* أي إن ق. أثناسيوس كان يبدأ من عمل الله التدبيري ـ في حياة الإنسان ـ بواسطة يسوع المسيح، ومن المسيح ’الابن المتجسد‘ يصل من خلال ’الهوموأووسيوس‘ (أي من خلال الوحدانية في ذات الجوهر التي للابن المتجسد مع الآب والروح القدس) إلى شرح العلاقات الأقنومية داخل الثالوث، أي العلاقات الداخلية في جوهر الله الواحد. (المترجم)
* ارجع إلى صفحتي 205 و 206 في الفصل الرابع. (المترجم)
[12] ورغم أن ق. أثناسيوس لم يكن هو الذي استخدم المصطلح اللفظي (coinherence) والذي يعني التواجد (الاحتواء) المتبادل، إلاّ إنه بالتأكيد هو الذي أرسى مفهوم علاقات التواجد (الاحتواء) المتبادل في الله. ارجع كذلك إلى ق. هيلاري (De Trin., 3.1) حيث له عبارة بليغة عن مفهوم أن ثلاثة الأشخاص الإلهية في حين يبقون على وجودهم وحالهم المتمايز، فإنه “يحتوي كل منهم الآخر بالتبادل، وبالتالي كل واحد منهم هو على الدوام يحيط (يحتوي – envelops) الآخر وأيضًا يُحاط (يُحتوى – enveloped) من الآخر الذي ما زال هو يحتويه. انظر أيضًا: (De Trin., 3.2-4 & 9.69).
13 Athanasius, Ad Ser., 1.2ff.
* ارجع إلى صفحة 235. (المترجم)
15 Athanasius, Ad Ser., 2.3-4; 3.1, 3.
# أي إنه إذا كان الروح القدس ليس واحدًا مع الآب والابن في ذات الجوهر (أي مخلوق)، فلا يمكن بالتالي أن نٌعطى فيه أية علاقة مع الله. (المترجم)
16 Athanasius, Ad Ser., 1.4-14, 23ff, 27.
17 Athanasius, Ad Ser., 1.27; 3.1.
18 Athanasius, Ad Ser., 1.14; & 16-17, 21, 29.
19 Athanasius, Ad Ser., 1.19-21; 3.3ff.
20 Athanasius, Con. Ar., 3.1-6.
21 Athanasius, Ad Ser., 1.2, 9, 14, 16f, 20, 28-33; 3.6.
* يشير ق. أثناسيوس هنا إلى كلام الرب للمرأة السامرية في (يو 4: 21 – 24) “يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق… الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغوا أن يسجدوا”، ويوضح أن الحق هو الابن نفسه (يو6:14). أي إن الساجدين الحقيقيين يسجدون للآب ولكن بالروح والحق، معترفين بالابن والروح فيه. (المترجم)
23 Athanasius, Ad Ser., 1.3 & 9.
24 Athanasius, Ad Ser., 1.33 & 3.1.
25 Athanasius, Ad Ser., 2.2-5.
* “ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي”. (المترجم)
# “وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لذلك قلت: إنه يأخذ مما لي ويخبركم”. (المترجم)
* ارجع إلى الحواشي صفحتي 277 و 278 بالفصل الخامس. (المترجم)
[28] Athanasius, Ad Ser., 1.2; cf. 3.1; 4.3.
[29] Athanasius, Ad Ser., 1.11.
[30] Athanasius, Ad Ser., 1.20; 3.1; 4.1f.
[31] Athanasius, Ad Ser., 1.25; 3.1; 4.3f.
[32] Athanasius, Ad Ser., 1.27; 3.1; 4.3.
* ارجع للحاشية صفحة 299 في الفصل الخامس. (المترجم)
34 Athanasius, Ad Ser., 3.5; cf. 4.3-5.
* ارجع إلى صفحة 193. (المترجم)
37 G.L. Prestige, God in Patristic Thought, ed. 1950, p. xxix; see also pp. 168ff, 188; and my Theology in Reconciliation, 1975, pp. 218ff, 226ff, 231ff, 234ff.
* ارجع إلى التمييز بين ’الأوسيا‘ و’الهيبوستاسيس‘ في الفكر اللاهوتي السكندري، حاشية صفحة 261. (المترجم)
38 Athanasius, Con. Ar., 1.11; 2.10; 3.63; De decr., 22, 27; De syn., 35, 41; Ad Afr., 4, 8; Ad Ser., 2.5.
39 Athanasius, Con. gent., 2, 35, 40; De inc., 17; Con. Ar., 1.20; 3.22; De decr., 11; In ill. om., 1.
40 Athanasius, Con. Ar., 1.9ff, 14ff, 24f; 2.1f, 22, 31ff; 3.1ff, 15ff, 24f; 4.1, 5, 9; Ad Ser., 1.14, 19ff, 25; 3.5f.
* انظر الفرق بين مفهوم الأوسيا عند ق. أثناسيوس (وآباء نيقية) وعند الآباء الكبادوكيين، حاشية صفحة 294. (المترجم)
41 See Athanasius, De syn., 34, 41; Con. Ar., 2.2; 4.1; Ad Ant., 5.
42 Athanasius, Exp. fidei, 1-4; In ill. om., 1-6; Con. Ar., 3.1ff.
43 Athanasius, Con. Ar., 3.1ff; 4.1ff; Ad Ser., 1.16, 20, 28; 3.1, 6; cf. De inc. et con. Ar., 10.
44 Athanasius, Con. Ar., 1.14; 3.15.
45 Athanasius, Con. Ar., 4.1; cf. 2-3.
* بالنسبة للقديس أثناسيوس كما للقديس ألكسندروس، كان مفهوم أن الآب وحده هو ’المبدأ‘ (الرأس) (¢ρχή) على هذا النحو، إنما يُعتبر مفهومًا أريوسيًّا، لأن قناعة ق. أثناسيوس هي أنه بما أن اللاهوت بكامله هو في الابن وفي الروح القدس، فلذا لا بد من اعتبارهما مع الآب في نفس ’المبدأ‘ (الرأس) (¢ρχή) الواحد ـ الذي لا مصدر له ـ الذي للثالوث القدوس. (المترجم)
47 Athanasius, Con. Ar., 3.3f; De syn., 49; cf. Con. Ar., 2.54; 3.1; 4.3; De decr., 16; De syn., 46; Ad Ant., 5.
48 Athanasius, Con. Ar., 4.1, 3; De decr., 26; In sent. Dion., 17, etc.
49 Athanasius, In ill. om., 6.
50 See especially Athanasius, De syn., 45-51.
52 Basil, De Sp. St., 24-36, 66ff; cf. De fide, 4.
53 Basil, De Sp. St., 3, 13ff, 28, 35-38, 43-49, 62f, 64, 68.
54 Basil, De Sp. St., 7, 13f, 30, 37f, 42, 45, 48, 60, 63, 68.
[55] أما استشهاد ق. باسيليوس بما قاله أوريجينوس عن ’ألوهة الروح القدس‘ (عن الروح القدس: 37؛ الرسالة: 8) والذي يتكلم فيه بوضوح عن الروح القدس بكونه واحدًا في ذات الجوهر مع الله وبكونه هو الله، فإنه في الحقيقة لم يُكتب بواسطة ق. باسيليوس وإنما بواسطة إيفاجريوس.
انظر مصطلح ’الثالوث، الواحد في ذات الجوهر‘ (Τριάς ο̉μοούσιος) في التقليد الرسولي لهيبوليتُس: 21؛ وارجع أيضاً إلى ق. غريغوريوس النزينزي: (Ep., 58 and Or., 43.68.)
57 Basil, De Sp. St., 22 & 45f.
58 Basil, De Sp. St., 19ff, 37ff.
* أي إن الروح القدس يخص الابن (أو خاص بالابن) حيث إنه منبثق من الآب إلى الابن، كما أن الابن يخص بالآب (أو خاص بالآب) إذ هو مولوده الذاتي. (المترجم)
59 Basil, De Sp. St., 43; cf. Athanasius, Ad Ser., 1.21f, 25f, 31f, etc.
# ارجع إلى تعليم الآباء الكبادوكيين عن الثالوث في الفصل الخامس الصفحات 287 – 289. (المترجم)
61 Basil, De Sp. St., 30, 38, 45, 48, 63f, 68.
62 Basil, Ep., 52, 69, 125, 210, 214, 236; and Gregory/Basil, Ep., 38.
63 Basil, Ep., 52, 92, 125, 128, 140, 159, 204; Gregory/Basil, Ep., 38.
64 Basil, Ep., 52.2f; 124.3; 210.3-5; 265.2; Hom., 111.
65 Athanasius, Ad Ant., 6, 11.
66 Gregory/Basil, Ep., 38.1ff; Basil, Ep., 125.1f; 214.3f; 236.6; De Sp. St., 7; Con. Eun., 2.28. Consult Methodios Fouyas, op. cit., pp. 53ff.
69 Basil, Con. Eun., 2.28; Ep., 236.6; cf. Gregory/Basil, Ep., 38.3f; and also Evagrius/Basil, Ep., 8.2.
* ارجع إلى الفصل الرابع صفحة 195. (المترجم)
70 Basil, Con. Eun., 1.12, 14f; 2.32; Ep., 234.1; 235.2f.
71 But cf. Basil’s Homily, 23.4; Con. Eun., 2.28.
[72] ارجع إلى الفصل السابق من صفحة 285 إلى صفحة 295. (المترجم)
73 Evagrius, Ep., 8.2; Basil, Ep., 131.2; 189.2f; Hom. con. syc., 1ff, Athens ed., 54, pp. 234ff.
74 Gregory/Basil, Ep., 38.4, 7; Basil, Con. Eun., 1.25; 2.12;3.1; Hom., 24.4.
وكان ديونيسيوس السكندري قد سبق وقدم مفهومًا مشابهًا لهذا المفهوم. انظر:
apud Athanasius, De sent. Dion., 17.
75 Gregory/Basil, Ep., 38.4; Basil, De Sp. St., 13, 45f, 58f; Con. Eun., 3.1; Con. Sab., 4.
76 Gregory Nyss., Con. Eun., 1.36, 42; Adv. Maced., 12f; non tres dei, Jaeger, 3.1, p. 56; see again Gregory/Basil, Ep., 38.4.
ولكن فكر ق. غريغوريوس النزينزي عن ’التسلسل المتتابع من السببية‘ داخل الثالوث، قد تعدل بواسطة مفهومه عن الأقانيم بكونها علاقات دائمة كائنة في الله. انظر الخطبة 9:31، 14، 33.
77 Gregory/Basil, Ep., 38.4ff; Gregory Nyss., Ex com. not., Jaeger, 3.1, p. 25; cf. Gregory Naz., Or., 31.14.
79 Gregory Nyss., non tres dei, Jaeger, 3.1, p. 56.
80 Gregory Nyss., Ex comm.. not., Jaeger, 3.1, pp. 19-25; De Sp. St., 3.1, pp. 13ff.
81 Gregory Naz., Or., 29.16; 31.14, 16.
* بينما استبدل الآباء الكبادوكيون ومعهم ديديموس صيغة نيقية “من جوهر الآب” بصيغة “من أقنوم الآب”، نجد أن كلاً من ق. إبيفانيوس وق. كيرلس السكندري قد تمسك بصيغة آباء نيقية. (المترجم)
84 Gregory Gregory Naz., Or., 1.38; 2.38; 20. 7; 29.3, 15, 19; 30.19f; 31.8-14; 32.30, 33; 34.8, 10; 40.41ff; 42.15ff.
85 Gregory Naz., Or., 30.20; 31.9f, 14, 16; 37.33ff; 38.8; 39.10f; 40.41ff; 42.16; 45.4.
86 Gregory Naz., Or., 6.22; 25.17; 29.2f; 34.8f; 39.10; 40.41; 42.16.
89 Gregory Naz., Or., 31.17ff; 34.13; 39.11; 40.41, 45; 42.16.
انظر رسالة ق. غريغوريوس النزينزي رقم 58 حيث أظهر رغبته في صياغة أعمق لعقيدة الروح القدس عن تلك التي سبق وقدمها ق. باسيليوس.
91 Gregory Naz., Or., 40.43; 43.30; cf. 29.15.
92 Gregory Naz., Or., 23.8, 11; 29.2ff, 16; 30.11, 19f; 31.9, 14, 16; 42.15ff. Cf. Athanasius, De syn., 16.
* وعلى سبيل المثال علاقة الآب بالابن والروح القدس تكون وفقًا لما هو الآب في ذاته بكونه آبًا ووفقًا لما هو في علاقته مع الأقنومين الآخرين: أي مع الابن بكونه أبا الابن ومع الروح القدس بكونه باثق الروح. وكلا الأمرين واحد تمامًا، لأن الآب هو آب بالتحديد في علاقته مع الابن والروح القدس. (المترجم)
93 Gregory Naz., Or., 20.7-11; 23.8; 31.6-9; 35.1-4; 41.9; 42.15.
94 Gregory Naz., Or., 29.2; 31.14; 40.41; 42.15-16.
وهذا يعني أنه ينبغي التفكير في الثالوث ككل، بكونه المبدأ أو الرأس (α̉ρχή) الإلهي الواحد ـ ارجع إلى العبارة المميزة التي وردت في إحدى قصائد ق. غريغوريوس النزينزي، حيث يتكلم في الجزء الأول منها عن الثالوث ككل بكونه روحًا (الله روح) وبكونه المبدأ الإلهي الواحد غير المبتدئ، ثم يتكلم عن أقانيم هذا الثالوث (Athens ed. 61, p. 146.): “الثالوث الممجد: روح، ومبدأ (رأس واحد) غير مبتدئ.. وهو: غير المعلول، والمولود، والمنبثق.. الآب، والابن الكلمة، والروح القدس.. الثالوث الواحد في ذات الجوهر”.
95 Gregory Naz., Or., 31.14; cf. also 25.16; 26.19.
وقد وضَّح ق. غريغوريوس النزينزي في العظة (15:36) أن العهد الجديد نفسه نوَّع في الترتيب الذي ذكر به الآب والابن والروح القدس.
96 Gregory Naz., Or., 31.16; cf. 42. 15ff.
97 Gregory Naz., Or., 12.1; Car., 38, MPG 37.1325-6.
98 Augustine, De Trin., 5-7; De civ. Dei, 10; In Jn., tr. 39; In Ps., 68.1,5; Ep., 170, 238-241; cf. Thomas Aquinas, S.Theol., Ia. xxvi-xxx; De pot., 1-2. See also J. N. D. Kelly. Early Christian Doctrines, 1958, pp. 271ff; E.L. Mascall, The Triune God, An Ecumenical Study, 1986, pp. 11-22; and T. F. Torrance, ‘Toward an Ecumenical Consensus on the Trinity’, Theol. Zeitschr., vol.31, 1975, pp. 337-350; Reality and Scientific Theology, 1985, ‘The Trinitarian Structure of Theology’, pp. 160-206.
99 Gregory Naz., Or., 29.2; 40.41.
ارجع إلى العظة (36:2) حيث أشار فيها ق. غريغوريوس النزينزي إلى الثالوث المبارك بكونه المبدأ أو الرأس (α̉ρχή) الإلهي.
* يقصد بهذا إرسالية الروح القدس من الآب والابن وليس انبثاقه من الآب. (المترجم)
100 Gregory Naz., Or., 25.16; 29.2ff; 31.8f; 39.12.
[101] لاحظ التركيز المتكرر لديديموس على ’الجوهر الواحد‘ في كتابه عن الروح القدس والمحفوظ فقط في الترجمة اللاتينية لجيروم: (16-19, 21f, 24f, 32, 36f, 40, 53, 58)
102 Didymus, De Trin., 1.16, 18f, 36; 2.6.7, 16ff, 14fin, 15; 2.27, etc.
103 Didymus, De Trin., 1.16ff, 20, 24f, 27, 34; 2.1.4ff, 13f, 18, 27; 3.7, 15; Con. Eun., Athens ed., 44, p. 238.
104 Didymus, De Trin., 1.16, 18, 26f; cf. 3.1f, 13, 18; De Sp. St., 36.
105 Didymus, De Trin., 1.9f, 11, 15f, 18f, 25, 27; 2.1, 3f, 6.7ff, 15f, 18; 26f; 3.2, 15f, 24, 55; De Sp. St., 30-39; Con. Eun., Athens ed., 44, pp. 246f, 255ff.
106 Didymus, De Trin., 1.9, 11f, 15f, 18f, 21, 26f, 30, 34f; 2.1ff, 5ff, 8, 12, 19, 27; 3.1f, 18, 23f, 38, 40f, 45; De Sp. St., 27, 30.
107 Didymus, Con. Eun., Athens ed., 44, pp. 226f. See also De Trin., 1.9; 2.1, 12; and De Trin., 1.16, 26; 2.1ff, 8, 10; 3.19, 37; Con. Eun., 44, pp. 239, 253.
108 Didymus, De Trin., 2.26; cf. 1.15; 3.2, 8.
109 Didymus, De Trin., 2.1f, 5; 2.6, 8, 22, etc.
110 Didymus, De Trin., 2.1-3; De Sp. St., 3ff, 16-25; 32-40, 57-61.
111 Didymus, De Trin., 1.15, 18, 26, 36; 2.1ff,5; 3.3, 5, 38; De Sp. St., 26, 37; cf. Con. Eun., Athens ed. 44, p.251.
* من الواضح أن المقصود هنا هو إرسالية الروح القدس إلينا من أقنوم الابن. وبما أن الروح القدس هو روح الابن فهو يأخذ مما للابن ويعطينا، حتى إنه وهو فينا ينقل لنا من الابن بالمشاركة ـ وعلى قدر ما تسمح به طبيعتنا ـ علاقة البنوة التي له مع الآب فننال التبني للآب “أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا آبا الآب” (غل 6:4) (المترجم)
112 Didymus, De Sp. St., 34-37.
114 Didymus, De Trin., 2.5; cf. Ep. Euseb., Theodoret, Hist. eccl., 1.11.
115 Didymus, De Trin., 2.2, 15.
# إذ بينما كان ديديموس يعلم بالانبثاق ’من أقنوم‘ الآب، فإنه لا يجعل الآب هو العلة في وجود الروح القدس. (المترجم)
* إن المقصود هنا هو أن الروح القدس ينبثق من الآب ويستقر في الابن، ولذلك فهو خاص بالابن (أو يخص الابن) وبالتالي فإن الابن هو الذي يعطيه للخليقة. (المترجم)
116 Didymus, De Trin., 2.1; 2.2, 5; 2.26f; De Sp. St., 26.
117 Epiphanius, Anc., 6, 8; Haer., 57.10; 62.7f; 63.7; 69.36, 67, 72;73. 16, etc
118 Epiphanius, Anc., 7, 33, 57,65,67; Haer., 62.3- 7;69. 54,56; 73. 16ff;74.4f.
[119] ويتضح هذا الأمر من حديث ق. إبيفانيوس عن التجسد (Anc., 120): “الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل (من السماء) وتجسد، أي ولد بصورة كاملة من القديسة مريم الدائمة البتولية بواسطة الروح القدس، وصار إنسانًا بكل معنى الكلمة أي إنسانًا كاملاً روحًا وجسدًا وعقلاً وكل ما للإنسان ماعدا الخطية، وهو من غير زرع زوج (بشر)، ولا هو حل في إنسان، ولكنه أخذ جسدًا في ذاته في وحدة تامة مقدسة”.
120 Epiphanius, especially Haer., 69,77-79.
121 See Basil, Ep., 258, and Epiphanius, Haer., 77.20-23.
123 Epiphanius, Anc., 81, Haer., 73.34.
124 Epiphanius, Haer., 73.21;Exp.fidei, 14.
125 Epiphanius, Anc., 5-10, 67, 72, 74, 81; Haer., 57.4f; 62.1ff, 6; 72.11; 74.9; 76. Ref. Aet., 30; 77.22; cf. Athanasius, De syn., 42; Con. Ar., 4.2; Con. Apol., 1.20.
* ارجع للحاشية صفحة 263 بالفصل الخامس. (المترجم)
126 Epiphanius, Anc., 64; Haer., 36.6; 57.4; 65.8;69.67;72.1; 73.34 ;74. 1ff; 76. Ref. Aet., 16; Exp. Fidei, 21.
ولم يأتِ تطبيق مفهوم ’الهوموأووسيوس‘ على الثالوث ككل عند ق. أثناسيوس إلاَّ قليلاً. انظر: Athanasius, Ad Ser., 1.27; Con. Apol., 1.9.
127 Epiphanius, Anc., 7f, 10; Haer., 62.4; 74.11; cf. Gregory Naz., Or., 31.8f, and Basil, De Sp. St., 38, 43, 45f.
128 Epiphanius, Anc., 46; Haer., 57.4; 62.3; 69.36;70.8; 73.16ff, 36; 74.1ff; 76. Ref. Aet., 18, 21, 35f.
129 Epiphanius, Anc., 74, 120; Haer., 74.10; cf. Gregory Naz., Or., 29.3; 31.4.
131 Epiphanius, Anc., 6ff, 11, 15, 67, 70f, 115; Haer., 57.9; 62.4; 64.9; 69.18, 43; 74.4, 10; 76. Ref. Aet., 7, 21, 29, 32; cf. Athanasius, Con. Ar., 1.20, 33; Hilary, De Trin., 2.3; and Basil, Hom., 111.
132 Epiphanius, Anc., 7f, 67f, 70f, 119f; Haer., 69.17, 52; 70.5; 72.4f; 73.16, 18; 74.5, 7, 11f; Exp. fidei, 14.
133 Epiphanius, Haer., 8.5; 73.16; Exp. fidei, 14.
* هذا المفهوم الخاص بأن: وحدة المبدأ (وحدة الرأس) (Μοναρχία) في الثالوث لا تقتصر على أقنوم الآب وإنما هي الثالوث ككل، نجد أساسه عند ق. أثناسيوس (ارجع إلى صفحة 327)، كما يظهر أيضًا عند ق. غريغوريوس النزينزي (ارجع إلى صفحة343)، ويمتد كذلك إلى ق. كيرلس السكندري (ارجع إلى صفحة 373). (المترجم)
134 Epiphanius, Anc., 6-8; 22, 81; Haer., 66.69; 69.33; 69.37, 43; 72. 1; 73.3; 74.8, 12;76. Ref. Aet., 4, 20f, 32f, 35; Exp. fidei, 14; Anc., 6-8.
135 Epiphanius, Haer., 62.3; see also 62.4-7.
136 Epiphanius, Anc., 2; see also 5f, and Haer., 69.77; 73.16.
137 Epiphanius, Haer., 76. Ref. Aet., 33 & 35.
138 See further, Epiphanius, Anc., 22, 67; 81; Haer., 69.33, 43f, 56, 59, 75, 78; 72.11; 74.4; 76.6; 76. Ref. Aet., 20, 33, 35f; Exp. fidei, 18.
[141] يقول ق. غريغوريوس النزينزي في العظة (8:38؛ 4:45): “حين أقول الله، فأنا أعني الآب والابن والروح القدس”.
143 Epiphanius, Haer., 63.6; 65.1f; 72.1f, 10;73.16ff, 34f; 74.11f; 76.2, 12, 20, 35; Anc., 6ff, 10.
144 Epiphanius, Con. Haer., 69.54; cf. Gregory Naz., Or., 23.8.
145 Athanasius, De sent. Dion., 1.17; Exp. fidei, 4; Con. Ar., 1.16, 20, 46ff, 50; 2.18, 28; 3.1ff, 15, 24ff, 44ff; Ad Ser., 1.2, 15f, 20ff; 3.2ff; 4.3f.
* انظر الحاشية صفحة 299. (المترجم)
* انظر الحاشية صفحة 299. (المترجم)
146 Epiphanius, Haer., 62.4; 69.54; 73.12, 16;74.7, 10ff; 76.11; Anc., 7f, 67, 71f; Haer., 74.7f.
147 Epiphanius, Anc., 72ff; Haer., 74.9ff, 12.
149 Theodoret, Hist. eccl., 5.9-11
150 Gregory Naz., Or., 42, especially 15 & 16.
151 Theodoret, Hist. eccl., 5.9.
152 Gregory Naz., Or., 42.15; cf. also his Oration on Athanasius, Or., 21.13 & 34; 31.14; 34.8; 40.41.
وقد كان فكر ق. غريغوريوس يتحرك بالتأكيد عائدًا إلى مفهوم المبدأ أو الرأس (α̉ρχή) الإلهي الواحد، الذي فيه الابن والروح القدس هما مع الآب في وحدانية الجوهر التي للاهوت.
وقد أوضح ق. غريغوريوس النزينزي، أن المصطلحات لم تكن هي التي تهم، ولكن بالحري المعاني التي تشير إليها أو التي تدل عليها تلك المصطلحات.
154 Theodoret, Hist. eccl., 5.11.
من الجدير بالذكر أن دماسوس استخدم في ترجمته اللاتينية كلمة (usia) عدة مرات ليشير بها إلى الجوهر بدلاً من الكلمة اللاتينية (substantia) مما يعطي الانطباع بأن المنشور الأصلي المكتوب باليونانية كان أمامه في ذلك الحين. انظر الترجمة اللاتينية للمنشور:
Denzinger – Schoenmetzer, Enc. Symb., 144f.
* ولا يعني هذا تغيير مفهوم نيقية “من جوهر الآب” إلى مفهوم “من أقنوم الآب”. (المترجم)
155 Theodoret, Hist. eccl., 5.11.
156 Denz. Schoen., op. cit., 169-177.
[158] انظر تركيز ق. إبيفانيوس على الاستخدام الثلاثي لفعل ’نؤمن‘ في قانون الإيمان:
Epiphanius, Haer., 73.25; 74.13; cf. Basil, Ep., 236.6.
159 Athanasius, Ad Ser., 3.7; cf.2.7.
* ارجع إلى الفصل الثاني صفحتي 103و 104، والفصل الرابع صفحتي 194و 195. (المترجم)
# ارجع إلى الفصل الرابع حاشية صفحة 195. (المترجم)
[160] هذا الأمر ظهر تأثيره في ادعاء ما يُسمى بـ ‘Pseudo-Dionysius’؛ إذ أصبح واضحًا جدًّا أن الفكر اللاهوتي ’المستيكي‘ لا بد أن يذهب إلى ما هو أبعد من مجرد التفكير في الله بكونه جوهرًا (أوسيا) فائقا غير مميز وغير معروف في علاقاته الداخلية:
De div. nom., 1.5 ff; 2.1ff ; Theol. Myst., 1f.
* ارجع للحاشية صفحة 299. (المترجم)
161 See again E.L. Mascall, op. cit.
وقد قدَّم عرضًا تحليليًّا رائعًا عن استعادة المفهوم الخاص ’بالعلاقات الكائنة‘ في جوهر اللاهوت ومدى تأثيره وأهميته بالنسبة للكنائس الغربية والشرقية.
162 Cyril, De Trin. dial., MPG, 75.733.
163 Cyril, De Trin. dial., MPG,75.721, 744, 769; Thes., MPG, 75.128.
* إن الحديث عن ولادة الابن وانبثاق الروح من أقنوم الآب داخل علاقات الثالوث، لا يساوي في المعنى أبدًا اعتبار أن الآب هو المتسبب في ألوهيتهما أو وجودهما (كما ذكر الآباء الكبادوكيون)، بل يعني فقط التعبير عن حقيقة أن الآب هو أبو الابن وباثق الروح القدس داخل جوهر اللاهوت الواحد. (انظر نفس هذا المفهوم عند ق. أثناسيوس وق. إبيفانيوس وديديموس). (المترجم)
164 Cyril, De Trin. dial., MPG, 75.721, 769, 872.
165 Cyril, Thes., MPG, 75.553.
166 Cyril, In Jn., MPG, 74.28ff, 213ff, 552ff; Thes., MPG, 75.177ff, 528f, 568ff, etc.
# ارجع إلى تفسير الآباء للآية “أبي أعظم مني” (يو 28:14) في المرجع رقم 163 الوارد بصفحة 267 بالفصل الخامس. (المترجم)
167 Cyril, Thes., MPG, 75.144f, 177f, 380f; In Jn., 10.29f.
* كان ق. كيرلس السكندري واضحًا في تعليمه عن كون الروح القدس ينبثق من الآب انبثاقًا تامًّا كاملاً (perfect procession)، وقد جاء على لسانه أن ” الروح القدس ينبثق من الآب، كما من ينبوع، إلاّ أن الابن هو الذي يرسله إلى الخليقة” (MPG, 77. 316D). ولكن بعض اللاهوتيين الغربيين يستندون إلى ق. كيرلس في تدعيم رأيهم عن انبثاق الروح القدس المزدوج من الآب والابن، وهذا بالطبع محض افتراء، لأنهم لو عادو إلى الفقرات التي يستشهدون بها من كتابات ق. كيرلس سيجدون:
أولاً: أنه مثله مثل ق. أثناسيوس وق. باسيليوس تحدث عن أن الروح القدس ينبثق من الآب في الابن (أو إلى الابن) (MPG, 75. 576, 577, 580)
ثانيًا: أن ق. كيرلس لم يستخدم الفعل ’ينبثق‘ (κπορεύεται) إلا في علاقة الروح القدس الأزلية مع الآب، ولكنه استخدم أفعالاً أخرى مثل ’يأتي‘ (πρόεισι) و ’ينحدر‘ (η̉́γουν) وذلك في شرحه لإرسالية الروح القدس إلينا:
سواء “من الآب والابن”(MPG, 76. 1408B; MPG, 68. 148A)
أو “من الآب من خلال الابن” (MPG, 76. 184D; MPG, 68. 148A)
أو “من الابن” (MPG, 76. 173A-B).
ثالثًا: كان ق. كيرلس يربط بين خصوصية علاقة الروح القدس الأزلية مع الابن وبين إرسال الروح القدس للخليقة بواسطة الابن “لأنه يرسله بكونه خاصًّا به منذ الأزل وواحدًا معه في ذات الجوهر والطبيعة” (MPG, 76. 172f). (المترجم)
168 Cyril, Thes., MPG, 75.577, 580f & 585. See the whole discussion of these issues from 575 to 617, and In Jn., MPG 73.209f, 604f; 74.213f, 256f, 333ff, 417, 448f, 710f, etc.
* ارجع إلى الحاشية صفحة 299. (المترجم)
169 Cyril, Con. Nest., 4.3. Chapters 1-3, MPG, 76.168-189.
170 Cyril, De ador., MPG, 68.148.
171 Cyril, Con. Nest., 4.1, MPG, 76.172f.
172 See I.R. Torrance, Christology After Chalcedon, Canterbury Press 1988
* ارجع إلى الفصل الخامس المرجعان رقما 226و 229. (المترجم)