آبائيات

رسائل عن الروح القدس ج4 للقديس أثناسيوس الرسولي

رسائل عن الروح القدس ج4 للقديس أثناسيوس الرسولي

رسائل عن الروح القدس ج4 للقديس أثناسيوس الرسولي

 

رسائل عن الروح القدس ج4 للقديس أثناسيوس الرسولي
رسائل عن الروح القدس ج4 للقديس أثناسيوس الرسولي

 

الرســالة الثالثة

 

(1)

         ربما تتعجب لماذا حينما كُلِّفت أن أختصر وأن أوضح بإيجاز، الرسالة التي كتبتها عن الروح القدس، تلاحظ كما لو أنني قد تركت جانبًا كلامي عن هذا الموضوع، وكتبت ضد أولئك الذين يكفرون بابن الله ويدعونه مخلوقًا، ولكني أعرف جيدًا أنك لن تلومني عندما تعلم السبب، بل إن تقواكم ستتبيّن ذلك، عندما ترى أن الأمر معقول، لأن الرب نفسه قال عن الروح: ” لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به… لأنه يأخذ مما لي ويخبركم” (يو16: 13و14). وإذ نفخ فإنه أعطى “الروح” للتلاميذ من عنده، وهكذا سكبه الآب “على كل بشر” حسب ما هو مكتوب (يوئيل2: 28).

لذلك، فقد كان من الطبيعي أني تحدثت أولاً وكتبت عن ابن الله، حتى أنه من معرفتنا عن الابن، يمكن أن تكون لنا معرفة حقيقية عن الروح، لأننا سنجد أن خصوصية الروح نحو الابن، هي مثل خصوصية الابن نحو الآب. وكما يقول الابن ” كل ما للآب هو لي” (يو16: 15)، هكذا فإننا سنجد أن كل هذه الأشياء، هي في الروح أيضًا بواسطة الابن. وكما أعلن الآب عن الابن قائلاً ” هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت” (مت3: 17)، هكذا الروح هو للابن لأن الرسول يقول: ” أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب” (غل4: 6) والأمر الجدير بالملاحظة هو ما قاله الابن: ” ما لي فهو للآب” (يو17: 10). هكذا الروح القدس الذي قيل إنه للابن، فهو للآب لأن الابن نفسه يقول: “ ومتى جاء المعزي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي” (يو15: 26). وبولس يكتب أيضًا ” ليس أحد من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه، هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله، ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله” (1كو2: 11، 12). وفي كل الكتاب الإلهي، سوف نجد أن الروح القدس الذي يقال عنه أنه للابن يقال عنه أيضًا أنه لله. وهذا ما كتبناه في الرسائل السابقة.

لذلك، إن كان الابن بسبب خصوصيته مع الآب، وبسبب أنه المولود الذاتي لجوهر الآب فهو ليس مخلوقًا بل من نفس جوهر الآب. وبالمثل فإن الروح القدس لا يمكن أن يكون مخلوقًا بل أن من يقول هذا فهو كافر، وذلك بسبب خصوصيته مع الابن الذي بواسطته، يعطي لجميع البشر، ولأن كل ما له فهو للابن.

 

(2)

         هذه الأسباب كافية لأن تقنع كل محب للمشاكسة، بألاّ يستمر في القول بأن روح الله مخلوق، وهو الذي في الله، والذي يفحص أعماق الله، والذي يُعطَي من الآب بواسطة الابن، وحتى لا يضطر نتيجة لهذا أن يدعو الابن أيضًا مخلوقًا الذي هو الكلمة، والحكمة، والرسم، والشعاع، والذي من يراه يرى الآب. وحتى لا يسمع أخيرًا “ كل من ينكر الابن ليس له الآب أيضًا” (1يو2: 23). لأن مثل هذا الإنسان سيصل بعد قليل إلى القول مع الجاهل ” ليس إله” (مز14: 1).

         ورغم ذلك فلكي يكون برهاننا ضد عديمي التقوى أكثر قبولاً، يكون حسنًا أن نضع في اعتبارنا تلك الأسباب التي تبين أن الابن ليس مخلوقًا، ومنها يتبيّن أيضًا أن الروح ليس مخلوقًا. فالمخلوقات مخلوقة من العدم ولها بداية وجود، لأنه ” في البدء خلق الله السموات والأرض” (تك1:1)، وكل ما فيها. وأما الروح القدس فهو من الله، ويُقال عنه إنه “من الله” كما قال الرسول. ولكن إن كان الابن ليس من العدم بل من الله فمن الطبيعي ألاّ يكون مخلوقًا، وبالضرورة يكون الروح غير مخلوق، لأننا قد اعترفنا أنه من الله. فالمخلوقات هي التي من العدم.

 

(3)

         وأيضًا فالروح يدعى ـ وهو كذلك ـ مسحة وختم. إذ يكتب يوحنا ” وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد بل كما تعلمكم مسحته، روحه، عن كل شئ” (1يو2: 27). وقد كتب في إشعياء ” روح الرب علىَّ لأنه مسحنى” (إش61: 1). وأيضًا بولس يكتب ” الذي فيه أيضًا إذ آمنتم ختمتم” (أف1: 13). وأيضًا ” لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء” (أف4: 30). فالمخلوقات تُمسح وتُختم فيه. ولكن إن كانت المخلوقات تُمسح وتُختم فيه فلا يكون الروح مخلوقًا، لأن الذي يَمسح ليس مثل الذين يُمسَحون. ولأن المِسحة أيضًا هي مِسحة الابن، حتى أن الذي عنده الروح يقول ” نحن رائحة المسيح الزكية“.

والختم يعطى بصمة الابن، حتى أن المختوم يكون صورة الابن إذ يقول الرسول ” يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم” (غلا4: 19). فإذا كان الروح هو رائحة الابن الزكية وصورته، فمن الواضح أن الروح لا يمكن أن يكون مخلوقًا. وكذلك، حيث إن الابن هو صورة الآب، فهو ليس مخلوقًا، وأيضًا لأنه كما أن من يرى الابن يرى الآب، هكذا فمن له الروح القدس، له الابن، وإذ يكون له، فهو هيكل الله، إذ أن بولس يكتب ” أما تعلمون أنكم هيكل وأن روح الله يسكن فيكم” (1كو3: 16). ويقول يوحنا ” بهذا نعرف أننا نثبت في الله وهو فينا، لأنه قد أعطانا من روحه” (1يو4: 13). وإذا كان الابن في الآب، والآب فيه، ولذلك اعترف أنه ليس مخلوقًا، وإذن فمهما كان الأمر، يستحيل أن يكون الروح القدس مخلوقًا، لأن الابن فيه وهو في الابن، ولذلك فمن يقبل الروح يدعى هيكلاً لله.

وأيضًا فمن المستحسن أن ننظر معًا إلى الأمر في ضوء ما يأتي: إذا كان الابن هو كلمة الله فهو واحد كما أن الآب واحد، لأنه ” يوجد إله واحد الذي منه جميع الأشياء… ورب واحد يسوع المسيح” (1كو8: 6). لذلك يُقال ويُكتب عنه إنه “الابن الوحيد”، وأما المخلوقات فهي كثيرة ومتنوعة: ملائكة، رؤساء ملائكة، شاروبيم، رئاسات، سلاطين، وغير ذلك كما سبق أن قلنا. وإذا كان الابن ليس من بين الكثيرين ولكنه واحد، كما أن الآب واحد وهو ليس مخلوقًا فبالضرورة ـ لأنه ينبغي أن نأخذ من الابن معرفتنا عن الروح ـ لا يمكن أن يكون الروح مخلوقًا، لأنه ليس من بين الكثيرين، بل هو نفسه واحد.

 

(4)

         4 ـ وهذا ما يعرفه الرسول إذ يقول: ” هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء“(1كو12: 11). وبعد قليل أضاف: ” لأننا جميعًا بروح واحد أيضًا اعتمدنا إلى داخل جسد واحد… وجميعنا سقينا روحًا واحدًا” (1كو12: 13). وأيضًا، لأنه إن كان يجب أن نأخذ معرفتنا عن الروح من الابن، وإذن فمن الواجب أن نقدّم براهينًا مستمدة منه، فالابن يوجد في كل مكان لأنه كائن في الآب، والآب فيه، وهو يضبط كل الأشياء ويحفظها وقد كتب “ فيه يقوم الكل” سواء ما يرى وما لا يرى، “ وهو قبل كل شئ” (كو1: 17). ولكن المخلوقات توجد في الأماكن المخصصة لها: الشمس والقمر والأنوار الأخرى في الجلد، والملائكة في السماء والناس على الأرض. ولكن إذا كان الابن ليس في أماكن مخصصة له، بل هو كائن في الآب ويوجد في كل مكان، وأيضًا هو خارج كل الأشياء، فهو ليس مخلوقًا، ويتبع ذلك أن الروح أيضًا لا يمكن أن يكون مخلوقًا لأنه ليس في أماكن مخصصة له، بل هو يملأ كل الأشياء ويوجد خارج الكل لأنه هكذا قد كُتِب ” روح الرب ملأ المسكونة” (حكمة1: 7)، ويرتل داود: ” إلى أين أذهب من روحك“(مز138: 7)، كما أنه ليس كائنًا في أى مكان من الأمكنة، بل هو خارج كل الأشياء، وهو في الابن كما أن الابن هو في الآب. لذلك فهو ليس مخلوقًا كما قد تبيّن.

         وبالإضافة إلى كل ما سبق، فإن الاعتبارات التالية سوف تثبت إدانة البدعة الآريوسية. ومرة أخرى فإنه من الابن سيتضح ما نعرفه عن الروح. فالابن هو خالق مثل الآب لأنه يقول: “ الأشياء التي أرى الآب يعملها، هذه أعملها أنا أيضًا” (انظر يو5: 19). وبالتأكيد ” كل شئ به صار، وبدونه لم يكن شئ مما صار” (يو1: 3). ولكن إن كان الابن مثل الآب خالقًا، فهو ليس مخلوقًا. وإذا كانت  كل الأشياء به خُلِقت، فهو ليس من بين الأشياء المخلوقة، وعلى ذلك يتبيّن، أن الروح ليس مخلوقًا، لأنه قد كتب عنه في المزمور المئة والثالث:     ” تنزع روحها فتموت وتعود إلى التراب. ترسل روحك فتخلق[53]، وأنت تجدد وجه الأرض” (مز103: 29و30).

 

(5)

         وهكذا فمما هو مكتوب يتبيّن أن الروح ليس مخلوقًا، بل هو فاعل في عمل الخلق، لأن الآب يخلق كل الأشياء بالكلمة في الروح، لأنه حيث يكون الكلمة، فهناك أيضًا الروح. والأشياء المخلوقة بالكلمة تنال قوة الوجود من الكلمة بالروح، لأنه هكذا كتب في المزمور الثاني والثلاثين: ” بكلمة الرب تأسست السموات وبروح فيه كل قواتها” (مز32: 6). وهكذا يتبيّن أن الروح غير منفصل عن الابن، حتى أنه من الكلام الذي يُقال لا يوجد أي مجال للشك. لأنه عندما صار الكلمة إلى النبي، فإن النبي كان يتكلّم في الروح بالأمور التي أُعطيت له من الكلمة. وهكذا كتب في سفر الأعمال عندما قال بطرس: ” أيها الأخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب، الذي سبق الروح القدس فقاله” (أع1: 16). وفي زكريا كتب، عندما صار الكلمة إليه، ” لكن أقبل كلامي وفرائضي التي أوصى بها الأنبياء بروحي” (زك1: 6). وبعد قليل، عندما كان يوبخ الشعب قال ” جعلوا قلبهم عنيدًا لئلا يسمعوا الشريعة والكلام الذي أرسله الرب ضابط الكل بروحه عن يد الأنبياء الأولين” (زك7: 12). وعندما تكلّم المسيح في بولس كما قال هو نفسه ” أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فيَّ” (2كو13: 3) فلم يكن أحد يمنحه القوة لكي يتكلّم سوى الروح الذي عنده. لأنه هكذا يكتب ” حسب موآزرة روح يسوع المسيح لي” (في1: 19).

         وأيضًا عندما تكلّم فيه المسيح قال: ” غير أن الروح القدس يشهد في كل مدينة أن وثقًا وشدائد تنتظرني” (أع20: 23). لأن الروح ليس خارج الكلمة، بل إذ هو في الكلمة فهو في الله بالكلمة. وهكذا تُعطَي المواهب الروحية في الثالوث. لأنه كما يكتب لأهل كورنثوس في توزيع المواهب: الروح نفسه، والرب نفسه، والله نفسه ” هو الذي يعمل الكل في الكل” (1كو12: 4ـ6)، لأن الرب نفسه، بالكلمة، في الروح يعمل كل الأشياء ويعطيها.

(6)

         وبكل تأكيد فحينما كان يصلي لأجل الكورنثيين، فقد كان يصلي فى الثالوث[54]  قائلاً: ” نعمة الرب يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم” (2كو13: 14). لأننا عندما نشترك في الروح تكون لنا نعمة الكلمة، وفي الكلمة تكون لنا محبة الآب. وكما أن نعمة الثالوث واحدة، كذلك فالثالوث غير منقسم، وهذا ما يمكن للمرء أن يراه، من جهة القديسة مريم نفسها، فحينما أُرسِلَ الملاك جبرائيل ليعلن حلول الكلمة عليها قال: ” الروح القدس يحل عليك” (لو1: 35)، عالمًا أن الروح كان في الكلمة، وأضاف مباشرة ” وقوة العلي تظلّلك” (لو1: 35). لأن ” المسيح هو قوة الله وحكمة الله” (1كو1: 24). وإذا كان الروح في الكلمة، فمن الجلي أيضًا أن الروح كان في الله أيضًا بالكلمة، وبالمثل عندما يصير الروح فينا، عندئذ يأتي الابن والآب، ويصنعون منزلاً فينا، لأن الثالوث غير منقسم، لأن ألوهيته واحدة، ويوجد إله واحد، ” على الكل وبالكل وفي الكل” (أف4: 6).

         هذا هو إيمان الكنيسة الجامعة، لأن الرب أسسها وأصلها في الثالوث، حينما قال لتلاميذه، ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى28: 19). فلو كان الروح مخلوقًا، لما وضعه مع الآب في الرتبة، حتى لا يكون الثالوث غير متماثل مع نفسه، عندما يوضع معه آخر غريب عنه. لأنه ماذا كان ينقص الله حتى أنه يأخذ جوهرًا غريبًا عنه ويجعله يشترك معه في مجده؟ حاشا، فلن يكون الأمر هكذا، لأنه هو نفسه قال: “أنا ممتلئ”[55].

         لذلك، فإن الرب نفسه، وضع الروح مع اسم الآب، لكي يبيّن أن الثالوث القدوس غير قائم من عناصر مختلفة، أي من خالق ومخلوق، بل إن ألوهيته واحدة. وإذ كان بولس يعرف هذان فقد علّم أن النعمة المعطاة، في الثالوث، هي واحدة قائلاً: ” رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة” (أف4: 5). لأنه كما أن هناك معمودية واحدة، فهناك أيضًا إيمان واحد. لأن من يؤمن بالآب، فإنه في الآب يعرف الابن، ولا يعرف الروح إلاّ في الابن، ولذلك فهو يؤمن بالابن وكذلك بالروح القدس، لأن ألوهة الثالوث واحدة، إذ هو يُعرف من واحد هو الآب.

 

(7)

         هذه هي ملامح الإيمان الجامع. وأما هؤلاء الذين يجدّفون على الروح ويقولون عنه إنه مخلوق، فإذا كانوا لا يغيّرون فكرهم بعد هذا الذي قلناه، فإن ما سوف نقوله سيغمرهم بالخزى.

         فإذا كان هناك ثالوث، وإن الإيمان هو إيمان بالثالوث، فليقولوا لنا: هل كان هو ثالوثًا بصفة دائمة، أم أنه كان هناك وقت لم يكن هو ثالوثًا؟ فإن كان الثالوث أزليًا، فالروح إذن لا يكون مخلوقًا، لأنه كائن أزليًا مع الكلمة وفيه، أما المخلوقات، فقد كان هناك وقت لم تكن فيه موجودة ، فلو كان هو مخلوقًا والمخلوقات توجد مما لم يكن، فيكون من الواضح أنه كان هناك وقت لم يكن الثالوث ثلاثة بل اثنين. وهل هناك كفر ـ يمكن أن ينطق به إنسان ـ أعظم من هذا؟ فهم يقولون أن الثالوث يقوم على التغيّر والتقدم والتطور. وأنه كان اثنين، وانتظر ولادة مخلوق لكي ينضم إلى رتبة الآب والابن، فيصير ثالوثًا. وحاشا أن تدخل مثل هذه الفكرة إلى عقول المسيحيين. فكما أن الابن بسبب كونه موجودًا دائمًا فهو ليس مخلوقًا، هكذا فلأن الثالوث موجود دائمًا، فليس فيه أي مخلوق، لذلك فإن الروح ليس مخلوقًا، فكما كان دائمًا، هكذا يكون الآن، وكما هو الآن، فهكذا كان دائماً، هو الثالوث الآب والابن والروح القدس. واحد هو الذي على الكل وبالكل وفي الكل (أف4: 6)، والذي هو ” مبارك إلى الأبد آمين“.

كتبت هذا إليك باختصار كما طلبت، وها أنا أرسله إليك. وأنت كرجل فهيم، إن كان به أي نقص، فاسعَ في تكميله، واقرأه لأهل الإيمان، وحذِّر هؤلاء الذين يحبون النزاع والتجدّيف، فربما يتوبون ولو متأخرًا، ويطهرون نفوسهم من الضلالة التي كانت فيهم سابقًا، فإنه من الأفضل لهم، كما هو مكتوب: ” أن يتحولوا ولا يتباطئوا” لئلا بسبب إبطائهم، يسمعون ما قاله الرب: ” من قال كلمة على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم، ولا في الآتي” (مت12: 32).

[53] أي تُخلق المخلوقات.

[54]الصلاة في الثالوث“: نلاحظ أن هذا التعبير  “يصلي في الثالوث” يستند على البركة الختامية التي أعطاها الرسول بولس إلى كنيسة كورنثوس عندما قال ” نعمة ربنا يسوع المسي ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم” (2كو 13: 14). وعلى ذلك فإن الدخول في شركة الروح القدس هو في نفس الوقت دخول في نعمة الكلمة وفي محبة الآب. وفي ضوء هذا يمكن أن تفسر عبارة الرسول يهوذا ” مصلين في الروح القدس” (يه20). والمعنى هنا ينبغي أن يفهم في ضوء ما سبق أن ذكره القديس أثناسيوس في رسالة 1: 28، من أن الكنيسة مؤسسة ومبنية على الإيمان بالثالوث. لذلك يكون الاعتراف بالثالوث هو الذي يجعل للصلاة صفتها الخاصة ومدلولها وشرعيتها. فالعبادة الصحيحة تقوم على أساس الإيمان الصحيح الذي هو الإيمان بالثالوث.

[55] انظر إشعياء11:1س.

 

رسائل عن الروح القدس ج4 للقديس أثناسيوس الرسولي