أبحاث

400 ألف خطأ في مخطوطات العهد الجديد ج1 – ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟

400 ألف خطأ في مخطوطات العهد الجديد ج1 - ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟

400 ألف خطأ في مخطوطات العهد الجديد ج1 – ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟

 

400 ألف خطأ في مخطوطات العهد الجديد ج1 - ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟
400 ألف خطأ في مخطوطات العهد الجديد ج1 – ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟

 

ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟

تعليق إيرمان بأن هناك 400 ألف خطأ في مخطوطات العهد الجديد! 

 

في المقام الأوّل، إنّ كتاب: “سوء اقتباس يسوع”، بشكل عام يُغالي في موضوع التغييرات الملحوظة بين المخطوطات. إيرمان يقدِّرها بـ 400.000 تغيير في مخطوطات العهد الجديد، قد يكون صحيحًا في العدّد، لكن ما لا يوصله إيرمان بوضوح إلى قُرَّاءه هو عدم أهمّيّة الغالبيّة العُظمى من الاختلافات.

أغلب هذه الأربعمائة اختلاف نابعة من الاختلاف في التهجئة، أو ترتيب الكلمات، أو العلاقة بين الأسماء، أو “الـ” التعريف، اختلافات ممكن ملاحظتها بكلّ سهولة وفي معظم الحالات -عمليًّا- ليست ملحوظة في الترجمات! مثلًا في اليونانيّة كلمات “hemeis” التي تعني نحن، وكلمة الجماعة أنتم “hymeis” تظهران متماثلتان، والنُسَّاخ كثيرًا ما ارتبكوا بسببهم. ولكن هل في النهاية تؤثر فيما إذا: “أنتم… أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ”، أو: “نحن.. أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ”؟! (غلاطية 4: 28).

في حالات أُخرى، نصّ مترجم حرفيًّا من اليونانيّة قد يكون له “الـ” التعريف قبل الاسم. في بعض المخطوطات يظهر النصّ (يوحنّا 3: 3)، هكذا: “أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ”. بينما بترجمة حرفيّة، فإنّ هذا العدد يكون هكذا: “أجاب ’الـ‘ يسوع وقال له”.

في مخطوطات يونانيّة أُخرى لنفس العدّد “الـ” التعريف غير موجودة. ولكن بما أنّ الإنجليزيّة على كلّ حال لا تضع نهائيًّا “الـ” التعريف (the) في مقدّمة اسم العلم، هذا الاختلاف لا يُلاحظ في أي ترجمة إنكليزيّة: “أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ..”. أو بعض الكلمات المشابهة. في نهاية الأمر، فإنّ أكثر من 99% من الـ 400.000 اختلاف يقع في هذه الفئة من الاختلافات غير الملحوظة فعليًّا![1]

المتبقي من النسبة المئويّة هو واحد بالمائة من الاختلافات، فقط بعض منها ليس لها أي أهمّيّة في ترجمة النصوص الكتابيّة. الأهمّ من ذلك، ولا واحد من الاختلافات يؤثّر على العناصر المركزيّة للإيمان المسيحيّ. ولكن إيرمان يستمر في الإعلان في كتابه: “سوء اقتباس يسوع”، وفي المقابلات الإذاعيّة والتلفزيونيّة: “هُناك الكثير من التغييرات المهمّة”.[2] إنّه إدعاء بكلّ بساطة غير مسنود بدلائل من المخطوطات.

إنَّ علم النقد النصيّ -بالرغم من وَقْع الاسم على مسامعنا- لا يتعلّق بانتقاد النصوص الكتابيّة. في هذا السياق، النقد تعني “التحليل” أو “تحقيق عن قرب”.

مهمة الناقد النصيّ هيَ الاطلاع بكثب على نسخ من الوثائق القديمة وتحديد أي نسخة هيَ الأقرب إلى الوثيقة الأصليّة.

هنا نرى ما يفترضه النقد النصيّ: إنّه من المستحيل أن يكون كلّ النُسَّاخ قد عملوا نفس الخطأ وفي نفس الوقت. أي بكلمات اُخرى، بما أنّ التغيُّر زحف إلى المخطوطات واحد في كلّ مرة بأزمنة وأماكن مختلفة، فمن المُمكن مقارنة عدّة مخطوطات لاكتشاف متى وأين ظهر الخطأ. الناقد النصيّ حينئذ يستطيع في معظم الحالات معرفة الصيغة الأصليّة للكلمات.

لننظر إلى مثال بسيط لهذه العملية: في معظم المخطوطات اليونانيّة تُقرأ يوحنّا 1: 6 هكذا:

“كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ اسْمُهُ يوحنّا”. ولكن في مخطوطة تُسمى بيزا أو تُرقَم ببساطة د D، نجد النصّ يُقرأ هكذا: “كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ الرب اسْمُهُ يوحنّا”.

مثل معظم الاختلافات بين المخطوطات، هذا الاختلاف لا يؤثر على المعنى للنص. مع هذا، إنّه مهمّ بالنسبة للباحثين والمترجمين ليحدّدوا أي كلمات تبدو في النصّ الأصليّ لإنجيل يوحنّا. إذًا، كيف يعرفون أي قراءة هيَ الأقرب إلى الأصل؟

لننظر إلى بعض المخطوطات ونقرّر بأنفسنا! مخطوطة بيزا هيَ مخطوطة من رقوق جلديّة تتضمن ليس فقط نصًّا باليونانيّة بل أيضًا باللاتينيّة. أسلوب الكتابة، استعمال رق الجلد بدلًا من البردي، وجود اللغة اليونانيّة واللاتينيّة في النصّ، كلّ هذا يدعم بأنّ مخطوطة بيزا -المخطوطة التي تُقرأ: “مُرْسَلٌ مِنَ الربّ”- كانت مستنسخة بحدود خمسمائة ميلاديّة. مخطوطة بيزا أيضًا يبدو أنّها نشأت في منطقة بأوروبا تُسمى اليوم بفرنسا.

إنَّ المخطوطتين الأساسيّتين اللتين تتفقا على القراءة -” مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ”، بدلًا من: “مُرْسَلٌ مِنَ الرّبّ”- هما مخطوطة من الرقوق معروفة باسم المخطوطة السينائيّة ومخطوطة برديّة لقبها عالم بالحرف P 66. إنّ المخطوطة السينائيّة تمّ استنساخها حواليّ ثلاثمائة وثلاثين ميلاديًّا.

البرديّة P 66 يمكن تأريخها بأواخر القرن الثاني للميلاد. تقريبًا قرن أو أقل من الزمن الذي يُعطيه غالبيّة العُلماء لكتابة نصّ إنجيل يوحنّا! المخطوطة السينائيّة والبردية P 66 أيضًا يُظَن أنّه تمّ نسخهما في منطقتين مختلفتين بمصر.

إذًا، مِمَا قد تعلَّمت في المقاطع السابقة أي كلمات تظن أنّ يوحنّا كَتَب أصلًا؟ “مرسل من الله”، أم “مرسل من الربّ”؟ اختر قبل أن تُكمِل إلى الفقرة التالية!

من حيث إنّه هُناك اتفاق بين المخطوطة السينائيّة والبرديّة P 66، فإنّ المخطوطات قد نُسِخَت في مكانين مختلفين، وبينهما أكثر من قرن، وأنّ حقيقة هاتين المخطوطتين أقدم من مخطوطة بيزا، تقريبًا كلّ ناقد نصيّ توصَّل إلى أنّ يوحنّا 1: 6 أصلًا قُرِأت: “مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ”. في مكان ما في أوروبا، ربّما في القرن الخامس، كاتب أو ناسخ ضعيف أو مُهمِل كتب: “مرسل من الربّ” (باليونانيّ، كيريو kyriou) في الوقت الذي كان ينبغي أنّ ينسخ الكلمة “الله” (باليونانيّ ثيو theou).

الآن، يجب أن اعترف لك أنّ معظم الأمور المُختصّة بالنصوص أكثر تعقيدًا من المشهد أو السيناريو الذي قدّمته هُنا. مع هذا، فهُناك مباديء مُعيّنة والتي مع بعض الاستثناءات تسمح لناقدي النصّ بتحديد الأصل من خلال النصّ.

إيرمان يعرف جيّدًا هذه المباديء. (في الحقيقة، واحد من البروفيسورات السابقين لإيرمان -بروس ميتزجر- هو المسؤول عن تنقيح معظم هذه المباديء للنقد النصيّ). في نقطة ما في كتاب: “سوء اقتباس يسوع”، حتّى إيرمان يعترف: 

“استمريت بالظنّ بأنّه حتّى لو لم نقدر أن نكون مائة بالمائة متاْكدين عمّا سنصل إليه…. فإنّه مُحتمل على الأقل أن نستطيع الوصول إلى أقدم وأكثر مرحلة مُتقدّمة من تقاليد المخطوطات لكلّ كتاب من العهد الجديد”.[3]

في مكان آخر يعترف:

كلّما نكتشف مخطوطاتً أكثر كلّما ازدادت القراءات المختلفة، لكن أيضًا بالأكثر في مكان ما سنكتشف قراءات متشابهة من ضمن هذه القراءات المختلفة التي ستكشف النصّ الأصليّ. لهذا، إنّ الـ 30.000 اختلاف غير المُكتشف من قِبَل ميل (ميل هو الناقد النصيّ للقرن الثامن عشر)، لاينتقص من سلامة العهد الجديد، أنّها بكلّ بساطة توفِّر المعلومات أو البيانات للعلماء التي يحتاجونها لتكوين النصّ، الذي تمّ توثيقه بإسهاب أكثر من أي شيء آخر في العصور القديمة.[4]

ومع هذا، يبدو أنّ إيرمان يريد –وفقًا لكلمات أحد القُرَّاء- “أن يمتلك النصّ النقديّ مثل كعكة، بل ويأكلها أيضًا”.[5] وبعد بضع صحائف قليلة فقط يُعلن أنّه من المُمكن استرجاع أقرب نصّ للنصِّ القديم من خلال المخطوطات، إيرمان يُشير إلى المسيحيّة بأنّها: “ديانة قائمة على النصوص التي حدث لها تغيير”.[6] بالرغم من الاعتراف بأنّه يمكن استرجاع النصّ “الأقدم والأوّل”، إيرمان يجد لنفسه مكانًا قبل الفقرة الختاميّة لكتابه “سوء اقتباس يسوع” ليُكرّر اتهامه:

“نظرًا للظرف المُعطى أنّ (الله) لم يُحافظ على الكلمات، والنتيجة التي لا مفر منها بالنسبة لي هو أنّه لم يعمل على وحي هذه الكلمات”.[7]

علمًا بأنّ إيرمان يبقى على حذر بأن النقد النصيّ يقدر، بحسب كلماته:

“إعادة بناء الشكل الأقدم للكلمات في العهد الجديد، مع دقة معقولة (وإن لم تكن مائة بالمائة)”.[8]

النقد النصيّ ليس علمًا متكاملًا، لكن الله يعمل من خلال بعض الأشياء والأدوات غير الكاملة على مدى التاريخ –نوح وإبراهيم وموسى وإيليا وإستير ومريم المجدليّة وبطرس وبولس، ومؤلف الكتاب الذي تقرأهُ الآن. مع هذا، يبدو أنّ إيرمان يتوقّع أنّ الله يعمل حول الإنسانيّة ليُحافظ على كلماته، وعليه، فلا ضرورة لوجود علم النقد النصيّ. الأنماط المُستخدمة خلال الكتب المقدّسة العبريّة والمسيحيّة مختلفة جدًّا، إنّه اختلاف تعاملات الله مع البشريّة.

نظرًا لميل الله في الكشف عن مجده من خلال أدوات مُعرضة للضعف، أدوات من اللحم والدم في المقام الأوّل، مَن الذي يقول إنّ عمليّة مثل نقد النصّ قد لا تكون على وجه التحديد المسار الذي اختاره الله لحفظ واسترجاع الكلمات من الكتاب المقدّس؟

جاهل وأحمق! اترك القراءة القديمة!

من الأهمّيّة بمكان أن نذكر بأنّ النُسَّاخ كانوا أكثر المُهتمين بالحفاظ على كلمات الكتاب المقدّس عن الترويج لأجنداتهم اللاهوتيّة الخاصة. على الرغم من تحفظاته عن الكتبة المسيحيّين الأوائل، حتّى إيرمان يعترف بهذه الحقيقة في سوء اقتباس يسوع:

 ربّما بوسعنا أن نقول إنّ نسخ النصوص المسيحيّة الأولى كان إلى حد كبير عملية ’المحافظة‘.

الكتبة… كانوا عازمين على أن “يحافظوا” على التقاليد النصيّة بتمريرها على الدوام. وكان اهتمامهم الأسمى عدم تعديل هذا التقليد، لكن الحفاظ عليه لأنفسهم وبالنسبة لأولئك اللذين يتبعونهم. معظم الكتبة، بلا شك، أرادوا أن يؤدوا خدمة أمينة في الحرص على أنّ النصّ الذي أعادوا كتابته هو نفس النصّ الذي ورثوه.[9]

بكلمات أُخرى، إنّ المسيحيّين الأوائل أرادوا للأجيال القادمة أن يجدوا نفس الحقيقة في وثائق العهد الجديد التي اختبرها الجيل الأوّل من المؤمنين. لذا، كان قصدهم أن يُسلموا إلى أيدي وارثيهم نفس النصّ الذي استلموه.

 مع أنّه توجد اختلافات كثيرة بين مخطوطات تمثِّل لا أكثر من واحد بالمائة من المتغيِّرات، أوريجينوس السكندريّ اعتبر الاختلافات التي رآها في نسخته من الإنجيل بأنّها: “عظيمة”! لماذا؟ لإنّه كان جادًا في رغبته ليرى القراءات القديمة محفوظة. وكنتيجة، حتّى التغييرات الصغيرة أزعجته.

 يبدو أنّ اغلب النُسَّاخ كانوا يوقرون النصوص بنفس الوقار الذي أبداه أوريجينوس. عندما كان أحد الكتبة يُغيِّر كلمات النصّ على مخطوطة تدعى الفاتيكانيّة في القرن الرابع، نرى بعده ناسخ آخر يعود ويكتب النصّ الأصليّ ويضيف على الهامش ملاحظة: “غبي وجاهل! اترك القراءة القديمة، لاتغيِّرها”! بالتأكيد، إنّ الكتبة غيّروا النصّ من وقت لآخر، لكن الكميّة المتوفرة من مخطوطات العهد الجديد أظهرت بأنّ هذه التغييرات هيَ حالات استثنائيّة وليست قانونًا أو مسارًا يُبتّع.

عن كتاب: سوء اقتباس الحقيقة، لتيموثي بول جونز، ترجمة أمجد بشارة، طبعة 2018.

 

 

[1] wallace، “Gospel According to Bart،” p. 330.

[2] MJ، p. 69.

[3] Ibid.، p. 62.

[4] Ibid.، p. 87.

[5] Michael J. Kruger، Review of Misquoting ]esus: The Story Behind Who Changed the Bible and Why، by Bart Ehrman، journal of the Evangelical Theological Societ y 49 Oune 2006) : 389.

[6] MJ، p. 69.

[7] Ibid.، pp. 208، 211.

[8] LC، p. 22 1.

[9] MJ، p. 177. 

 

400 ألف خطأ في مخطوطات العهد الجديد ج1 – ليه بنثق في نصوص الكتاب المقدس؟