عام

المؤرخ وتاريخيّة القيامة.

المؤرخ وتاريخيّة القيامة .

إنّ الافتراض المُسبق للنقد الكتابيّ الحديث كانَ استحالة المُعجزاتِ, ولذلك أصبح من الواجب عند الاقتراب من النصوص الدّفاع المُسبق عن عقلانية الاعتقاد بالمُعجزاتِ, على سبيلِ المثال فإن حلقة يسوع الدراسية (jesus seminar) سيئة السّمعة, وهي مجموعة من نقاد العهد الجديد المُتطرفينَ, والذينَ يحاولون إصلاحَ رؤية الكنيسة ليسوع , وقد حاولت إبعاد الكثير من شواهد حياة يسوع في العهد الجديد كـ”غير تاريخيّة”. لتفسير الافتراض المُسبق الذي يعمل عليهِ هؤلاء ,فإن حلقة يسوع الدّراسية صريحة بشكلٍ مؤثر حول الافتراض المُسبق عن استحالة المُعجزاتِ. حيث أوردت مُقدمة كتابهم “الأناجيلِ الخمسة”:

“إن الجدالات الدّينية المُعاصرة تحولت إلى ما إذا كانت الرؤية العالمية المعكوسة في الكتاب المُقدس ,بإمكانها المضي قدماً في عصر العلم , وبقائها كمادة إيمانيّة,…. فإن مسيح العقيدة (creed and dogma)…, لن يمكنه بعد ذلك أن يقود إجماعَ هؤلاء الذين رأوا السّماء بمنظار جاليليو.”[1]

ولكن لماذا, قد نسأل , إنه من المُستحيل في عصر العلم أنْ نؤمن بالمسيح فوق الطبيعي؟  وهنا تصبحُ الأشياءُ أكثرَ مُتعةً . فبحسب حلقة يسوع الدّراسية فإن يسوع التّاريخي يجب أن يكون بحسب تعريفهِ شخصاً ليس فوق طبيعي .وعندَ هذه النّقطة فإنهم يرجعون إلى “دي أف ستراوس” عالم النقد الكتابيّ الألماني ,إن كتابَ ستراوس العصريّ “حياة يسوع, فحص نقدي” The Life of Jesus, Critically Examined, قد تمّ بناءه بشكلٍ مُباشر على فلسفة المذهب الطبيعي.فبحسب ستراوس فإن الله لا يتدخل مباشرة في العالم , هو فقط يتدخل بشكل غير مباشر من أسباب طبيعية. وبالنسبة للقيامة , فإن ستراوس يدعي أن “الله أقامَ يسوع من الموت” هي غير متوافقة مع الأفكار التنويريّة لعلاقة الله مع العالم[2] , والآن انظر بحذر ماذا تقول حلقة يسوع الدّراسيّة عن ستراوس :

“إن ستراوس يُميّز بين ما يُسميهِ أسطوريّ (mythical)(والتي يُعرفها بأنها أي شيء فوق طبيعي أو اسطوريّ legendary), في الأناجيل عن التّاريخ ,فإن التقييم الذي وضعهُ ستراوس بين يسوع فوق الطبيعي –مسيحُ الإيمان- ويسوع التّاريخ [3]

فأيّ شيء فوق طبيعي بحسب تعريفهِ فإنهُ ليسَ تاريخياً . ولا يوجد أيّ حجة لذلك أنها فقط تُعرّف كذلك.

وبالتالي لدينا فصلٌ مُتطرف بين مسيحِ الإيمان أو يسوع فوق الطبيعيّ , وبين يسوع الحقيقي التاريخيّ. والآن فإن حلقة يسوع الدّراسية تُعطي موافقة مدوية لتمييز ستراوس:فإنهم يقولون أنّ التمييز بين يسوع التّاريخي ومسيحُ التّاريخيّ “أنهُ الدّعامة الأولى في الحكمة الاكاديمية”[4]

جيرد لودمان الألمانيّ الرائد في نقد تاريخيّة قيامة يسوع , يأخذها بشكل مضمون أنّ الاقتراب التّاريخي ليسوع النّاصري يجب أن يكونَ اقتراباً طبيعياً. “النقد التّاريخيّ” يقول “لا يعتمد على تدخل الله في التّاريخ”[5] .وبالتالي, فإن القيامة لا يمكنها أن تنتمي لصورة يسوع التاريخيّ .فإذاً ما هو التبرير الذي يُعطيهِ لودمان للافتراض المصيري لاستحالة المُعجزات؟ كُل ما يقدمهُ هو جملة مشيراً إلى هيوم :”هيوم…أوضح أن المُعجزة تمّ تعريفها بطريقة أن “لا شهادة تكفي لتأسيسها”[6]

وفي مناظرة أُقيمت في عام 1997 بين [وليم كريج] وجيرد لودمان , قام وليم كريج بتحديهِ حول هذه النقطة , ولكن [جيرد] أظهر نفسهُ غير قادراً لأن يقوم بتزويدنا بأي دفاع لافتراضه بعيداً عن تشكيكه.[7]

 وبشكلٍ مُشابه ,فإن بارت ايرمان , عالم العهد الجديد الأكثر مبيعاً , والمسيحي السّابق الأكثر صخباً , يكرر بسذاجة حجة هيوم في تطابق المُعجزاتِ, وظاهرياً حتى بدون أن يعرف مصدرها . فبالنسبة لقيامة يسوع هي يقول ,” لأن المؤرخين يستطيعونَ فقط أن يثبتوا ما له احتماليه لحدوثهِ, ومعجزة من هذه الطبيعة غير مُحتملة بشكل كبير , فإن المؤرخ لا يستطيع القولَ أنها حدثت بشكل مُحتمل “[8]

وبكلماتٍ أُخرى فإنه عند حسابِ احتمالية قيامة يسوع ,فإن العامل الوحيد الذي يعتبره ايرمان هو الاحتمالية الجوهريّة [طبيعي أو فطري] للقيامة ح(ق|خ) Pr(R|B) [9] , ولكنهُ يغفل بقية العوامل في حساب الاحتمالية .وعدا عن ذلك,فإنهُ يعتبر أن الاحتمالية الجوهرية [الفطريّة] هي ذات احتمالية قليلة , والتي تحتاج بالتأكيد إلى نوع ما من التبرير.ولكن الأمر يصبحُ أسوأ , حيث يقدم ايرمان نسخة أخرى من اعتراضه والتي واضح أنها مغلوطة!. فهو يؤكد ” حيث أنّ المؤرخ يستطيع فقط ان يثبت ما هو محتمل حدوثه في الماضي ,فإن لا يستطيع أن يُبيّن أن المُعجزات قد حدثت ,حيث أن هذا سيتضمن تناقضاً –أنّ أكثر حدث ذو احتمالية قليلة هو الحدث ذو الاحتمالية الأكبر”[10] وفي الحقيقة فإن هُنا لا يوجد أيّ تناقض على الأطلاق لأننا نتحدث عن نوعين مُختلفين من الاحتمالات , احتمالية القيامة على الأدلة الكُليّة  ح(ق|د&خ) واحتمالية القيامة على الخلفية المعرفية ح(ق|خ), لذا فإنه من الممكن للاحتمالية الأولى أن تكون أعلى وأن تكون الاحتمالية الأخيرة أقل .وعلى أية حال فإنهُ لا يوجد تناقض هنا.

وعندما أشار [وليم كريج] لهذه الزلات لايرمان في المناظرة التي حصلت بينهم في عام 2006 حول القيامة ,هو فقط تذمّر من تفسير [وليم كريج] للاحتمالية الرياضية على أنه”برهان رياضي لوجود الله” [11] فهو لم يفهم أن [وليم كريج] لم يكن يستخدم نظرية بايز bayes’ theorem سواء لاثبات وجود الله أو قيامة يسوع, ولكن لوضع تفسير له لماذا حجته المبنية على عدم احتمال حدوث المُعجزاتِ هي خاطئة,فمن الواضح انه لم يفهم لا نظرية بايز أو هيوم! ومن المفارقات ,أن ايرمان سعى للدفاع عن موقفه من خلال ادعائه أن فرضية “الله أقامَ يسوع من الأموات” هي جملة عن الله ,”فهي استنتاج لاهوتي …وليس تاريخي” . حيث أن “المؤرخين ليس لديهم طريقة للوصول إلى الله “, “فإنه ليس لديهم القدرة لإثبات ما فعله الله”, فهذا الادعاء مهما كانت قيمته ,فإنه مُتناقض منطقياً مع ادعائهُ السّابق أن القيامة هي بشكل طبيعي غير مُحتملة ,حيث إذا كان المؤرخ لايستطيع أن يقول شيئاً عن الله ,فإنه أيضاً لا يستطيع أن يقول أنه من غير المُحتمل أن الله أقام يسوع .فإن المؤرخ يمكنهُ القول أن احتمالية قيامة يسوع هو كل ببساطة شيء غامض! وبالتالي فإن موقف ايرمان حرفياً يرفض نفسه!

 

ولكن ماذا عن اعتراض ايرمان ” المؤرخ ليس لديه طريقة للوصول إلى الله” , في المقام الأول فإن المؤرخ لايحتاج إلى أن يدخل بشكل مباشر إلى كياناتِ التفسير الذي تمّ وضعهُ من قبل صاحب الفرضية, خذ على سبيل المثال الفيزياء الحديثة , فإن الفيزيائيين يضعون كل أنواع الكيانات والتي لا يستطعون الوصول إليها مباشرةً :الاوتار, الاغشية ذات الأبعاد العالية ,أو الاكوان المتوازية .فإنهم يضعون هذه الكيانات لأنها أفضل تفسير للأدلة والتي لا نستطيع الوصول إليها ونفس الشّيء ينطبق على العلوم التّاريخية مثل الديناصورات ,توضع لأنه أفضل تفسير للأدلة, وفي الواقع-وهنا النقطة الثانية- فإن المؤرخ ليس لديه أيّ طريقة للوصول لأي من الاشياء التي يدرسها! فإن التاريخ قد مضى ونحن نستطيع أن نستدل عليه بطريقة غير مباشرة بناءاً على الأدلة الحاضرة.

ولكن السؤال يبقى لماذا أنا مثلاً لا استطيعُ أن أحكم على الأدلة الحالية بأن أفضل تفسير لها هو حدث مُعجزي أو فوق طبيعي؟

 

 

 ________________________

 

Craig, William Lane(2008) Reasonable Faith. Wheaton: Crossway.3rd ed.Pp.278-280,p.353

 

 

[1] R. W. Funk, R. W. Hoover, and the Jesus Seminar, “Introduction” to The Five Gospels (NewYork: Macmillan, 1993), 2. 

 

[2] David Friedrich Strauss, The Life of Jesus, Critically Examined, trans. George Eliot, ed. with an introduction by Peter C. Hodgson, Lives of Jesus Series (London: SCM, 1973), 736. 

 

[3] Funk, et al., “Introduction,” 3. 

 

[4] Ibid., 2–3.

 

[5] Gerd Ludemann, “Die Auferstehung Jesu,” in Fand die Auferstehung wirklich statt? ed. Alexander Bommarius (Dusseldorf: Parega Verlag, 1995), 16.

 

[6] Gert Ludemann, The Resurrection of Jesus, trans. John Bowden (Minneapolis: Fortress Press, 1994), 12.           

 

[7] See William Lane Craig and Gerd Ludemann, The Resurrection: Fact or Figment?ed. Paul Copanwith responses by Stephen T. Davis, Michael Goulder, Robert H. Gundry, and Roy Hoover (Downer’s Grove, Ill.: InterVarsity, 2000) 

 

[8] Bart Ehrman, “The Historical Jesus,” (The Teaching Company, 2000), pt. 2, p. 50. 

 

[9] ح:تعني احتمالية ق:قيامة أو أن الله أقامَ يسوع من الأمواتخ:الخلفية المعرفية بعيداً عن أدلة مُعينةد:أدلة

 

[10] Bart Ehrman, The New Testament: A Historical Introduction to the Early Christian Writings, 3rd ed. (New York: Oxford University Press, 2004), 229.            

 

[11] See the transcript at www.reasonablefaith.org/site/PageServer?pagename=debates_main