أبحاث

مثل الابن الضال – مينا كرم

مثل الابن الضال - مينا كرم

مثل الابن الضال – مينا كرم

مثل الابن الضال - مينا كرم
مثل الابن الضال – مينا كرم

 

 

مثل الابن الضال – مينا كرم

مقدمة مثل الابن الضال

يضع القِدِّيس لوقا هذه النُصوص كمقدمة لِلثَّلاثة أمثال التي قالها الرب يسوع في هذا الإصحاح “1.وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه. 2. فتذمر الفريسيون والكتبة[1] قائلين هذا يقبل خطاة وياكل معهم.” (لوقا 15: 1-2). العشارين أو جباه الضرائب (tax collectors) تضع نسخة KJV مُصْطَلَح أخر (publicans)، كانت هذه الفئة في أَسافِل الْمُجْتَمَع اليهُودي، على الرغمِ من كونهم يهودًا، ولكن كان مجتمعهم وأبناء جلدتهم يحمل لهم في قلبه الكراهية وذلك له دوافعه، فمثلا اعتياد العشارين على الْغِشِّ في جمع الضريبة والعمل لِصَالِح السُّلْطَة الرومانية الظَّالِمَة والقمعية وتواصلهم الْمُتَوَاتِر مع الأمم.[2]

يقول يواقيم إرمياس: كَانت وَظِيفة جباه الضَّرَائِب هي عِلَّة اعتبارُهُم منبوذين مِن المُجتمع لِكَوْنِ هذه الوظيفة غيْر شَرِيفة[3]وعن الخطاة فيقول كارل رينغستورف: كان يُنظر للخطاة أنهم فقدوا علاقتُهُم بالله بِسبب سُلُوك حياتِهم غير المُخلِص للشَّريعة اليهُوديَّة[4]

ومن الملحوظ أن لوقا لم يستخدم هنا أداة تعريف واحدة لكل من الجباة والخطاة للتميز بينهم، وأيضًا يستخدِم لوقا تعبير “خطاة” ليوضح ازدراء الفريسيون لعوام النَّاسِ الَّذين لم يُرَاعُون بِشَكل صارم أدق تفاصيل التفسيرات التَّقلِيدِيَّة للشَّريعة.[5] ولذلك فترجمة NIV تضع على نحو مُلَائِم تعبير خطاة (sinners) بين علامات الاقتباس لإيضاح طريقة تفكير الآخرين تُجَاه هؤلاء ولم يكن هذا التعبير وصف القدَّيس لوقا لهم.

فكل منبُوذ ومرفوض من هذا المُجتمع يُواصل ليله بنهاره تحت نظرات الاحتقار دون عِتقٍ أو رحمةٍ ولم يكن هناك من ينظُر لهم نظرة قبول ومحبّة، فهم في نظر المجتمع يتسموا بسوء الخلق فغاب عنهم الأمل وإرتَحلَ عنهم الرجاء فهكذا هم وهكذا هو مجتمعهم فلم يَكُن هذا الشُّعُور مُجرد شُعُور عابِر ولكن هذه هي حياتهم يعيشون مع الرفض ويعيش معهم وفيهم، وبظهور الرب يسوع اشتعلت نار المحبة الإلهية في قلوبهم، فهو رجاء من ليس له رجاء والحضن والحصن للمطروحين، وكما أن الرب اعتاد عمل المُعجزات يوم السبت ليكسر السبت كذلك يصنع المُعجزة لهؤلاء المنبوذين فمُجرد قبولهم هو مُعجزة شفاء لنُفوسِهم المكسورة المجروحة والمريضة فما اعظم جلوسه معهم على مائدة واحدة يُشاركهم العطّية الإلهيَّة!، وبلا شك قد أثر هذا الفعل عليهم أيما تأثير وكان له عظيم وعميق وبالغ الأثر على نفوسهم المُحطمة. ولنعم الطبيب هو!

بأهتمام صلاحك طاطأت السموات ونزلت إلينا .كمثل طبيب حقيقى ومُشفٍ داويت جميع أمراضنا. (إبصالية الأثنين)

فعلاقة الرب يسوع بالأشخاص المهمشين ( انظر مت 19:11، لو 1:15) تسير بالتوازي مع شفاء الناس وطرد الأرواح الشريرة منهم، فكانت علاقات يسوع مع المنبوذين مجتمعيًا ودينيًا هي نوع من الشفاء لأنه يجتذب هؤلاء المجروحين إلى دائرة القبول ويقتل شعورهم بالأغتراب، وعلى هذا النحو أيضا مُعاملته مع النساء ( لو 8: 1-3)، والسامريون (لو 17: 11-19) والأمم (مر 7: 24-30، مت 8: 5-13) كما هو الحال مع قصص الشفاء، فهذه الأعمال تعلن الطّبيعة الكاملة والخلاصية لملك الله وشيك الحدوث[6]

ولذلك يستخدم لوقا تعبير “جميع\كل – πάντες” والذي ربما يُقصد منه حشد جميع جباة الضرائب والخطاة الموجودين في مكان معين، ولكن الأرجح أن هذا التعبير يُقصد به المبالغة والغلو وبالتالي يُشير إلى كثرة العدد[7] يقول كينيث باركر: يُشير تَعْبِير “جميع” إلَى حضور عدد وفير من الخطاة عادةً بينَ الجمُوع الَّتي جاءت لتسمتع إلى يسوع.[8]

يقول لينسكي:كانت لخدمة يسوع أمر يتميَّز به، وهو، انجذاب المنبوذين إليه، وقد غابت هذه السمة في خدمة الفريسيون والكتبة الَّذِينَ لم يعطوا للمنبوذين سوى اللّعن ونظرات الإحتقار فقط، لكن الرب يسوع فتح لهم طريق الخلاص، وعلى الرغم أن أدانة يسوع لخطاياهم هي من أوضح الواضِحات، ولكنّهُ في نفس الوقت فتح لهم طريق الغفران الإلهي، لذلك احتشدوا حوله (لاحظ تعبير –πάντεςكل)[9]

فقد جذبت قداسة المسيح ولُطفه المُحب الذي دعا به الخطاة إليه فتجمعوا بكثرة حوله، وقد وعد التائبين بالخلاص والغُفران لأنّ كرازته تمحورت حول التَّوبة والملكُوت “من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لانه قد اقترب ملكوت السموات” (مت 17:4)[10]

 وبِحسب النَّص اليوناني ففعل الاقتراب (يقتربون\يدنون منه) هو ماضي مُتَّصِل يُشير إلى حادث مُتكرَّر ومألوف فهؤلاء الخطاة وجدوا مع الرَّب يسوع لمسات القبول الَّتي اختفت عند الفريسيون والكتبة، ومن الملحوظ هو استخدام نفس الفعل للاقتراب من الله (عب 19:7، يع 8:4)، كما أن فعل “تذمر” هو ماضي مُتَّصِل مبني للمعلوم خبري، ما يُشير إلى عمل تكرَّر في الماضي (لو 30:5)، وهذا الفعل ورد في الترَّجمة السبعينية عن تذمر بني إسرائيل على موسى وهارون بل وحتَّى على الرَّب (خر 16: 8،7،2)

أسس القديس لوقا سياق الأمثال الثَّلاثة الواردة في هذا الإصحاح على تجمع العشاريين والخطاة المُتكرر والمعتاد لسماع يسوع، هذا الاهتمام بِسماع يسوع يربط هذا النص مُباشرة بِالنص السابق”لا يصلح لارض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجا. من له اذنان للسمع فليسمع” (لو 35:14).[11]

بعبارة أخرى هؤلاء هم الذين أخذوا كلام المسيح على محمل الجد ويسيرون في طريق التلمذة ولكن في المقابل تمسَّك الفريسيون بالقاعدة الحاخامية القائلة “لا تُخَالط رجل آثم”.

وقد أعرب الفريسيون والكتبة عن غضبهم الجارف والشديد لمخالطة يسوع بالعشاريين والخطاة وهذا الفعل يُخالف نظرتهم للناموس فقد اعتَبرُوا أن هؤلاء الناس يجِب الابتعاد عنهُم بصورة مُطلقة ولا يجب على الشخص المُتمسَّك بالناموس أن يُرافق هؤلاء ولربَّما لا يرفُق بهم.

وصحيح أن العهد القديم به بعض النصوص تحذرنا من قضاء وقتنا مع الخطاة (أمثال 15:1، 20:13، 7:14) ولكن ما يجب أن ننتبه إليه هو أن هذا النص يُخبرنا بشكل مُبِين أن التّأثِير الأخلاقي يقع من يسوع على الخطاة وليس العكس، ومن الواضح في حديث اليهود المُتديِّنين أنهم لا يتركون فرصة إلَّا ويتحدثون عن الناموس، ورغم ذلك فلا يستطِيعُون أن يثبتوا شِكاية قانونية على يسوع الذي يُوصل الرسالة الإلهية لسامعيه اثناء مُشاركة الطعام.[12]

وهذا هو هدف المسيح أن يأخذ بِيد هؤلاء كطبيب يطبب جرحُهُم ولا يحتقرهم ولذلك فهذا الغضب والتذمر مِن الفريسيون هو غضب أحْمق جَهُول، لدرجة أنَّ طريقة حديثهم كانت مزدرية فقد أشاروا إلى الرب بـ”هذا الرجل- οὗτος” وهي غالبًا ما تُستخدم بشكل ازدرائي كطريقة لعدم تَلفَّظ أسم الشخص (انظر مر 71:14، مت 3:9) ولا عجب في ذلك لِأنهُ مشربهُم.

يقول الْقِدِّيس كيرلس السَّكَنْدَرِي: “أبلغني أيها الفريسي لماذا تتذمر ألعل سَبَبٌ تذمرك هو عدم احتِقار المسيح للخطاة والعشارين وقصد أن يُعْطِيَهُمْ الخلاص ؟ ولأجل خلاص البشر أَخْلَى ذاته وصار بشر ومُكْتَسٍ بِالْفَقْرِ البشري”[13]

هنا يتمركز كلام الْقِدِّيس كيرلس السَّكَنْدَرِي حول هدف الرب يسوع الواضح المُعلن، فقد تجسَّد ابن الله مقتحمًا عالمنا ومتخذ ثوب بشريتنا ليغيرها ليخلصها ليحيها ويُبارك طبيعتنا فيه ويُداوي جُرح الخطيَّة وليس لكي يحتقر الخطاة وهذا ما حاول أن يُعلنه الرب بكل طريقة وشكل ويفسره بِكُلّ أُسلُوب ولكن منتقديه لا يسمعون.

علينا أن نتذكَّر حينما أمسك هؤلاء خطأ على تلاميذ يسوع حِينما وجدوهم يأكُلُون ويشربُون مع العشارين والخطاة (لو 30:5) لكن الآن وبشجاعة جسورة ينتقدون يسوع نفْسه لكونه رفيق لهؤلاء! يبدو واضحًا أنَّهم لم يتعلَّموا الدرس الذي اعطاهُم ايَّاه المسيح (لو 5: 32،31) فقد آتى الرب للعالم لخلاص الهالكين، لكنهُم لم يصدّقُوا ذلك (لو 10:19)[14]

“فتذمر كتبتهم والفريسيون على تلاميذه قائلين لماذا تاكلون وتشربون مع عشارين وخطاة . فاجاب يسوع وقال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى” (لو 5: 31-32) هذا التَّذمُر الناتج عن تحجر القلب يتأسس على فهم الفريسيون لِلشَّريعة، حيث تنُص الشَّريعة على وجود تمييز بين الطاهر والنجس وبالتالي فلا يُخالط المقدس المدنس فسرعان ما يتهموه بتجاوز الشَّريعة ويُحاولون بِكل الطرق إثبات وجود علَّة فيه فهُمْ صَيَّادي شر يبحثُون عن كلمة، لكن ما غاب عنهم هو أن الرب لم يأتي كقاضي بل كطبيب وكان يتوجب عليه بصفته ينبوع الرَّحمة أن يُخالط المُحتاجين إلى يداه الشافية الحانية والمبسوطتان لكل شخص.

فبالنسبة لتشريعات الطعام (انظر لاويين 11) لكون الطعام شيء أساسي في الحياة اليومية فقد اعتنى به الإسرائيليين لدرجة أنهم انفصلوا عن العالم، لقد أخذوا تشريعات الطَّعام على محمل الجد لكونها أمر إلهي، وهكذا نستطيع معرفة سبب انزعاج الكثيرين من تجاهل المسيح لِلتَّفسير الموجود لهذه الوصايا، وبالتالي لم ينتاب المسيح أي تردد في مُشاركة الطعام مع جباه الضَّرائب والخطاة ( مت 11:9، مر 16:2، لو 30:5، 34:7)[15]

كما يقول هانس هوبنر “أن يسوع طرح جانبًا علانية التشريعات الخاصة بالطعام الطاهر والنجس وهذا ما أدى إلى أسلوب معاملته مع الأشخاص المنبوذين من المجتمع، لذلك حينما جلس يسوع مع جباة الضرائب والخطاة (مر 2: 15-17، لو 15: 1-2) رفض بطريقة مثيرة الحد الفاصل بين الطعام الطاهر والنجس حسبما اعتقدوا هم.”[16]

فالرب يسوع كان قادرا على التقرب الشديد مع أولئك الساقطين دون أن يسقط هو وهذا ما لم يقدر عليه الفريسيون رغم صرامتهم، ولذلك فقد اختاروا الطريق اليسير الآمن وفصلوا أنفسهم بالكامل عن العشارين والخطاة، ولأن تمحورت نظرتهم حول وضعهم وحالهم فلم يفرحوا بمن جاء أخيرًا لدعوة الخطاة إلى التوبة الصادقة بل اعتبروا ذلك خطأ يُمسك عليه[17]

يقول داريل بوك “لم يشترِك المسيح في العقليَّة الانفصالية التي للكتبة والفريسين ( مر 15:2، لو 32:5،10:19) لكنَّه مُكترِث بمصادقة هؤلاء المبغضين غير مُبالي بكيف إحتسبهم الناس، منطلقاً من منطقٍ بسيط حيث أنه يرغب في توجِيههُم نحو الله”[18]

فلم يهتم الرب يسوع بنظرة المجتمع لهؤلاء، فمهما كانوا في نظر الآخرين فهو ينظُر إليهم وعيونه تُومِض بالمحبَّة الإلهية، ومهما قسا النَّاس فالرب يُعطي للمقسو عليهم رقة حب وقلب وشعور ومهما ابتعد النَّاس فهو قرِيب ولو ذهب من قلوب النَّاس الرَّحمة فلا تغيب سُحُب الرَّحمة الإلهيَّة عنهم.

فالرب فعل ما لم يكن في تصور الفريسين والكتبة من قبول هؤلاء بل والاشتراك معهم في المائدة فقد ابتعدوا عن المقصد الكتابي في العهد القديم، وقد غاب عن عيونهم أن ما فعله الرَّب يسوع هو ما كان يجب أن يقوم به بأعتباره المسيا.[19] يقول بوب أوتلي “أن قبول يسوع للمنبوذين والمُعوزين والمرضى هو إحدى الإشارات المسيانية في العهد القديم التي كان يَجِب على هؤلاء القادة الدَّينين أن ينتبهوا لها”[20] ولكن ما كان يدور في ذهن الفريسيون والكتبة هو أدنى وأقل من ذلك التَّصوُّر فكانت نظرتهم سطحية كل ما يَهُمهُم هو الشَّكل الظاهري للمُعلَّم اليهودي، فناهيك عن كون يسوع هو المسيا أو ابن الله فهو في نظرهم ليس معلمًا حقيقيًا لليهوديَّة أو اللاهوت اليهودي ووجوده مع هؤلاء الخطاة يجعله مثلهم، فيقولون بداخلهم لو كان هذا معلمًا يهوديًا بِه التَّقوى اليهوديَّة لم يكُن لهُ أن يفعل هذا الفِعل، فالبرهان النيَّر عندنا هو أن الفريسيين والكتبة مكفوفين روحيًا، لديهِم رؤية ضَبابيَّة مشوشة للعهد القديم وأيضاً للتعليم الرَّبَّاني الذي أسَّس العهد الجديد، وحينما يكون تعْليمنا مُقيد بِتعليم الرِّب فهذا يُنجينا من التَّفتُت والتَّشتُّت والتشرزم الفِكري في حاضرنا، وهذا التعليم كان مُستعصٍ على الكل ليس فقط على الكتبة والفريسيين لأن أيضًا الخطاة لا يمتلكون رؤية صحيحة لفهم قلب الله فحاولوا أن يجدوا انفُسهم من خلال ارتباطُهم بالعالم ومن ناحيةٍ أخرى حاول الفريسيون والكتبة تكوين صورة ذاتية شخصية من خِلالِ أعمالهِم ولكن ما غاب عن الكل هو المحبَّة والنَّعمة الإلهية، المحبَّة الَّتي لم تقف عند أبواب الموت، ولذلك بدأ الرَّب يسوع في سرد ثلاثَّة أمثال ليضع أمامهم التَّعليم الرَّبَّاني، وكان يجب على هؤلاء القادة الدَّينَين بالخصوص أن يَجلِسون كأن على رُؤوسِهِم الطَّير. ليس فقط لأن الحديث عن المحبَّة الإلهيَّة بصُورة عامَّة ولكن لأن الحديث هو عبارة عن تصوير ملموس لِمحبَّة الله التي تتجلى في افعال الرب يسوع مع الخطاة.

 ولِكون الرَّب يسوع ليس مُجرد حكواتيًا وأن هذه الأمثال تُشكل رد فعلٍ على موقف الفريسيون والكتبة تُجاة تصرفات الرَّب مع الخطاة فيجب أن ننظُر إلى هذه الأمثال بِصفتها تعليماً ربانياً منيراً يُسيرنا ونسير في ضَوءُه، وأمام هذا التَّعليم تنفتِح تساؤلات وفيرة كُلُّها تدور حول طريقة فهم ما قصد أن يقوله المسيح بِالضَّبط والوصول إلى الرسالة التي تحمِلُها هذه الأمثال، وعلى الرّغم أن الثلاثَّة أمثال الواردة في هذا الإصحاح لهم نفس الرسالة العامة، ولكن في مثل الابن الضَّال-موضوع مقالتنا- يُوجد به أكثر من نقطة محورية وأحداث مُختلفة بقدر كبير عن مثل الخروف الضَّائع والدرهم المفقود.

 

تفسير مثل الابن الضال

  • خروج الابن الأصغر من بيت أبيه
  • (11) وقال[21]. انسان كان له ابنان. (12) فقال اصغرهما لابيه يا ابي اعطني القسم[22] الذي يصيبني من المال[23]. فقسم[24] لهما معيشته.

على الرَّغْم من شهْرة هذا الْمثل بأسم “الابن الضال” في الوعظ المسيحي لِلحديث عن التًّوبة، ولكِن في الحقيقة هذه التسمية لا تفي بِالغرض الْحقيقي لهذا الْمثل، وهكذا هو الحال في تسمية الأمثال الأخرى الواردة في هذا الإصحاح، ففي مثْل الخروف الضَّائع أو الدَّرهم المفقود لم يكُن الخروف هو محور الْمثل ولكِن الرَّاعي الَّذي ذهب لِيبحث عنه وفرح ووضعه على منْكبيه حين وجده، ولم يكُن الدَّرهم هو محور الْمثل أيضًا بل المرأة التي فتَّشت عنه ودعت جِيرانها ليفرحوا معها.يقول داريل بوك: “افتتاحية هذا الْمثل هي “رجل ما” مثل العدد 4 وأيضًا العدد 8 نجد المرأة هي الشَّخصيَّة المركزيَّة في الْمثل، ولذلك يتمحور هذا الْمثل حول شخصيَّة الأب”[25] ويُضيف ويليام باركلي: “لكون الابن الضَّال ليس هو محور المْثل ما كان بجب أن يُسمى هذا المثل باسمه، بل كان يتوجَّب أن يُطلق على هذا المْثل “الأب المُحب” لِأنَّه يُحدثنا عن محبَّة الأب أكثر من خطيئة الابن”[26]

وهكذا يجب أن تكون تسمية هذا الْمثل “الأب المحب” أو حتى “الابنين الضالين” وليس “الابن الضال”، وعلى ضوء المُقدمة الًّتي وضعها القدَّيس لوقا نعرف جيداً أن الحديث في هذا الْمثل يتكلَّم عن اتَّجاهين مُختلفين لِكُل من الابنان فالابن البكر[27] ضل والأصغر هكذا ضل فالأفعال تعود إليهما ورد الفعل يعود لِلأب الَّذي أظهر من خلال ردود أفعاله محبَّة وفرح لمن ضل ولمن تغرب بغض النَّظَر عن نوع هذا التغرب.

لذلك يقول لينسكي: “يرمز الابن الأصغر للخاطيء الذي ابتعد وهرب من الله إلى الانغماس في أمور الدنيا، كما يرمز الإبن الأكبر إلى الشَّخص البار في عيني نفسه يهتم بما بالخارج ولكنَّه بدون إيمان من الدَّاخل، فكلاهُما ضاع وكلاهُما يجب أن يرجع، ولذلك فالْمثل في حقيقته يتحدث عن “الابنين الضالين” رغم تسميته بالابن الضَّال.”[28]

فإن العشار إخترته، والزانية خلصتها، واللص اليمين، يا سيدي ذكرته. (لحن مراحمك يا إلهي)

ولكن بمن قصد المسيح الابن الأصغر والأكبر؟ قد عرض الْقِدِّيس كيرلس الْكَبِير بعْض التَّفسيرات واعترض ورد عليها فقال: “فالبعض يرى أن الابنين في المْثل يُشيران إلى الملائكة القديسين، من ناحية وإلينا نحن من الناحية الأخرى. فالابن الأكبر، الذي عاش بتعقّل، يُمثل مجموع الملائكة القديسين، بينما الابن الأصغر المنحرف يمثل الجنس البشري. وهناك آخرون بيننا يعطون تفسيرًا مختلفًا، قائلين: إن الابن الأكبر السالك حسنًا يشير إلى إسرائيل حسب الجسد، بينما الابن الأصغر الذي اختار أن يعيش في الشهوات والملذات والذي ابتعد بعيدًا عن ابيه، إنما يشير إلى جمهور الأمم الوثنييين. هذه الشروحات أنا لا أوافق عليها وأرجو ممن يحب التعلّم، أن يبحث ما هو حقيقي وما ليس عليه اعتراضات[29]

ولكن الْقِدِّيس كيرلس الْكَبِير قد رجع إلى المناسبة التى كانت سبب قول المْثل نفسه، فقال: “فما هو موضوع المْثل إذن؟ دعونا نفحص المناسبة التي قادت إليه، فإننا بذلك سنتعَّلم الحقيقة. لذلك فإن لوقا المبارك نفسه قد تكلم قليلاً عن المسيح مخلَّصنا قبل هذا المثل فقال “وكان جميع العشارين والخطاة يدنون منه ليسمعوه. فتذمر الفريسيون والكتبة قائلين هذا يقبل خطاة وياكل معهم.” (لوقا 15: 1-2). لذلك، فلأن الفريسيين والكتبة اعترضوا على رحمته ومحبته للإنسان، وبِشَرٍ وبعدم تقوى لاموه على قبول وتعليم الناس الذين كانت حياتهم مدنَّسة، فكان من الضروري أن يضع المسيح أمامهم هذا المْثل، ليريّهم هذا الأمر ذاته بوضوح: إن إله الكّل يريد من الإنسان الثابت والراسخ، والذي يعرف أن يعيش حياة مقدّسة وقد وصل إلى ما يستحق أعلى مديح لأجل تعقله في السلوك، يريد من هذا الإنسان أن يكون مُخْلِصًا في إتباع مشيئته، لكن حينما يُدعَى أي واحد إلى التوبة حتى إن كان من الذين يعيشون حياة ملومة جدًا، فإنه ينبغي بالحري أن يفرح ولا يكون عنده غيظ مضاد للمحبة من جهة التائبين”[30] فالمسيح هو هذا الأب الحاني، والابن الأصغر يُمثل الخطاة والعشارين، والأبن الأكبر يُمثل الفريسيين والكتبة.

يقول كريج إيفانز “من المُرجح جدًا أن الابنان يُشيران في سياقهما الأصلي إلى اليهود غير المُتدينين (الخطاة،الزواني،جباة الضرائب) يُرمز إليهم بالابن الأصغر، واليهود المُتشددين دينيًا (الكهنة،مُعلَّمي الشَّريعة،الفريسين) يُرمز إليهم بالابن الأكبر، فالموقف الَّذي أظهره الفريسيين في لو 2:15 يتشابه لِلغاية مع موقف الابن الأكبر، فبدلًا من الثَّناء على خدمة المسيح النَّاجحة بين المنبوذين في المُجتمع الدَّيني اليهودي يتزمر الفريسيون!”[31]

ومن الواضح في سرد المْثل أن الرَّب يسوع لم يذكُر شيء عن أسباب ودوافع طلب الابن الأصغر في استقلاله عن بيت ابيه ودخل مُباشرة إلى الطَّلب نفسه رُبَّما ينظُر الرَّب إلى هذه التفاصيل بكونها تُشتت المُستمع، ولكن رُبَّما يكون الابن الأصغر في أواخر سن المُراهقة.

يرى جوزيف فيتزماير[32] أن عمره حوالي 20 عام لأن في الغالب يتم الزَّواج بين 18-20 عام، ولم يذكر الْمثل أي شيء عن زواجُه ولذلك سيكون عمره من المُفترض 20 عام.

فقد ضجر الابن الأصغر من بقاءهُ في البيت وخَانه الصَّبْر، هكذا هو حال الشَّباب أنذاك وحتى يومنا هذا!، أراد هذا الابن أن يُحلق في سماء الحُرَّيَّة مُحطَّمًا ما ظنَّ أنه قيود والديه، كانت لديه قناعه أن ابتعاده عن والديه (على الرَّغم من عدم ذكر الأم في المْثل) سيُمكنه من فعل ما يُريد وبالتالي سيُصبح سعيدًا، وبالطبع ليبدأ في هذا المُخطَّط كان بحاجةٍ إلى المال، رُبَّما كان على علم أن نصيبهُ الشَّرعي في الميراث هو الثُّلُثُ بحسب (تث 17:21) ومن الطَّبيعي أن يأخذ ميراثه بعد وفاة الوالد ولكِنَّهُ لم يقدر على الانتظار وطلب حقه في ظل حياه ابوه.[33]

ولم يسمعْ سامع في العصور القديمة بأنَّ ابن يطلب من ابيه ميراثه في حياته، فكأنَّه يقول له “أتمنى موتك”!، وهذا الطَّلب صعب القبول حتى يومنا هذا، وفي ظِلَّ مُجتمع يُشدد على طاعة الأب فهذا الطَّلب يُعتبر عصيان وتمرَّد (انظر تث 21: 18-21) وفي هذه الحالة من المُمكن للأب أن يفعل في ابنه ما يفعل مثل أن يضربه أو ما هو أسوأ![34]

ولكن حقَّق الأب ما كان يرْجُوه الابن الأصغر ونفذ له طلبه دون أن يُظهر أي من مظاهر الغضب وهذا على غير المُتوقَّع، ولَكِنَّ النَّص اليوناني يُبين ما كان عليه الأب من ألمٍ عاطفي، فنقرأ حرفيًا “قسم لهُم الحياة” كُلُّ ما عاش من أجلِهِ الأب والَّذي أخذ منِهُ الجهد الجهيد ونتاج كُلُّ ما بذله الأب من طاقةٍ ومجهود طيلة حياته كُلُّ هذا أصبح الآن في أيدي أبنائه.[35] فموافقة الأب على هذا الطلب جديرة جداً بالملاحظة، لأن تنفيذ هذا الطلب سيكون معناه المخاطرة بالوقوع في رعاية شخص أخر، كما أن (سيراخ 33: 19-23) يُحذر من هذا الفعل! فموافقة الآب على هذا الطلب يعطي تصور لأب يترك الخاطي يسلك في طريقه الخاص.[36]

يقول كوستي بندلي: “امّا كيفية انتقال الأملاك من الوالد الى الابن، فقد كان الشرع اليهودي يحددها بطريقتين: الوصية أو الهبة، وفي حالة الهبة كانت القاعدة أن يحصل الابن على الرأسمال فوراً ولكنه لا يحصل على الايراد إلا بعد وفاة الوالد، أن الإبن كان يتملك لكن دون أن يتاح له التصرف بملكه أو التمتع بإيراد هذا الملك، إلا أن الأبن الاصغر يطلب هنا ليس حتى الملكية فحسب بل حق التصرف بها أيضاً، ولذلك لكي يتسنى له أن يعيش حياة مستقلة، ونرى الوالد يوافقه على طلبه فيمنحه أكثر مما يعطيه الشرع.”[37]

وعلى الرغم أن المصادر اليهودية تسمح للأب بالتصرف في الميراث ووضعت قواعد لهذا التصرف[38] ولكن الابن الأصغر في هذا المْثل أخذ حقَّهُ بالكامل وله مُطلق الحُرَّيَّة في التَّصرف فيه لذلك فكَّر فيما بعد أن يعود لأبِيه كمُجرَّد أجير فهو على معرفة جيدة بأنَّه ليس له أي حقوق أُخرى، (ولكن كما سنعرف كانت للمحبَّة الأبويَّة الحقيقية رأيٍ آخر). ولكن الابن الأكبر ما زال في بيت أبيه ومن الواضح في المثْل أنَّ الأب يمتلك حق التَّصرُّف، ولكن حتَّى لو ظلَّ هذا الابن الأكبر في بيت أبيه، ولكن قلبه قد ضاع في برية اضطراب الفهم للمحبَّة الأبويَّة.

 

  • حياته في الْغُربة
  • (13) وبعد ايام ليست بكثيرة[39] جمع[40] الابن الاصغر كل شيء وسافر الى كورة بعيدة وهناك بذّر[41] ماله بعيش مسرف.

لم يطلب الابن الأصغر ميراثه لكي يقوم بأي عمل تُجاري أو حتَّى خيري لِمُساعدة الفقير والمُحتاج ولكن ذهنه كان فارغًا من أي شيء يُمكن أن يُنفق فيه ميراثه إلا الْملذات الدنيويَّة غير المُقدسة.يُحدثنا يواقيم إرمياس عن وجود عدد هائِل من اليهود ذهبوا بعيدًا عن وطنِهِم، ولكن كان هدفهم كسب الْمال عن طريق الهجرة للمدن الكُبرى بسبب المجاعات المُتكرَّرة في فلسطين حيث عاش نصف مليون يهودي في فلسطين وفي المقابل أربعة ملايين يهودي في الشَّتات في القرن الأوَّل![42]

ولكن من الواضح وجود هدف آخر عند الابن الأصغر، فقد سافر في لحظة تهوَّر ويبدد الْمال بِشكل مُسرِف، ولم يرد تعبير ἀσώτως”- مسرف” في كُلَّ العهد الجديد إلا هنا فقط، وقد اِنشغل العُلماء بِتحديد معناها بالضَّبط، هل يُقصد منها فقط الإسراف؟ بغض النَّظر عن صرف الأموال في أمور أخلاقيَّة أو غير أخلاقيَّة، أم المقصود منها العيش بِشكل غير أخلاقي؟

 يقول ليون موريس: “الكلمة الَّتي تُرجمت “مسرف” في ترجمة RSV يجب أن تفهم أنها “تهور”[43] كما يرى رايلينج&سويلينجريبيل أن هذا التعبير يُترجم “إسراف، مُفرط، تهور”[44]. ولكن أيضًا يربط روبرت شتاين& جوزيف فيتزماير& كريج إيفانز[45] هذا التعبير بما ورد في العدد 30 على لسان الابن الأكبر، فقد بدَّد الابن الأصغر أمواله على الزَّواني!

 كما يُضيف مارفين فينست أنَّ الاسم النظير لهذه اللفظة (ἀσωτία)الذي ورد ثلاث مرات في العهد الجديد (1بط4:4، اف18:5،تي6:1) يُعني الخلاعة![46] كما أن الترجمة القبطية تُترجم تعبير (ἀσώτως) خلاعة[47]

يقول جون نولاند “الأسم النظير (ἀσωτία) مُرتبط بإهانة الأب في أمثال 7:28، يتم تقديم مرحلة المغادرة وتبديد المال في حياة خليعة كمرحلة مُنفصلة عن المُطالبة بالميراث، وبهذه الطريقة يُدرك سامع الْمثل شناعة الجرم الذي يفعله الابن في حق أبيه بصورة تدريجيَّة.”[48]

فلو أردنا التَّحدُث بالضَّبط عن نوع هذا الإسراف فهو يَخُص الخطيَّة نفسها، فالخطية تُكلفك أكثر مما تستطيع أن تدفع!، وهذه كانت الدَّرجة الأخيرة في سلم التَّهوُر، فقد بدأ هذا الابن أولاً بطلب نصيبه في الميراث في حياة ابوه، هذا الطلب الْغريب! ثم حوَّل ممتلكاته إلى نقود، ثم ذهب إلى كورة بعيدة، فقد ابتعد بقدر ما تجرَّأ على ذلك، ثم تبدأ كارثة الكوارث وطامة الطوام فقد بدَّد ما يملكه دون حساب في الْملذات، رُبَّما ظنَّ أن هذه هي الحرَّيَّة! لكن في الحقيقة هذه هي شباك العبوديَّة نفسها، عبوديَّة لكل شهوة شخصيَّة، عبوديَّة الْخطيَّة! فالحرَّيَّة من البر هي عبوديَّة للخطيَّة، العبودية التي تُدمر الجوهر وتتلف الروح، فالحرَّيَّة عطيَّةٍ من الله وكُلَّما تستطيع أن تقول”لا” لكل خطية وشهوه كُلَّما تشعر بالحريَّة وتشعر بالعطيَّة الإلهيَّة والبُنوة لله.

رُبَّما في كثيرٍ من الأحيان ينخدع الإنسان بِبعض التَّصورات السَّرِيعة والمغرية والسهلة فيُفضل العيش في زنا بدلاً من الزَّواج أو لعب القمار بدلاً من الْعمل، أو الغش بدلاً من المذاكرة…إلخ، ولكن كُلَّ هذه الأشياء تستعبد الإنسان لا تحرره، يا أخي لا تُبدد الحريَّة!، فالأموال التي ملئت جيوب الابن الأصغر لم يحصُل عليها من خلال عملٍ يقوم به بنفسهِ ولم يحصُل على هذه الأموال لكونه عبقري أو مُجتهد، بل حصل عليها فقط لأن له أب كريم ومحب يعرف المحبَّة الحقيقيَّة المحبَّة التي تُعطي وتُعطي بِسخاء، تُعطي حتى الحرَّيَّة التي جعتله يسلُك في طريقه الخاص.

  • (14) فلما انفق[49] كل شيء حدث جوع شديد[50] في تلك الكورة فابتدأ يحتاج[51].

بعدما فعل الابن ما فعله، الأن يتضوَّر ويتلوّى من الجوعِ صَائحًا بين أيدي الْغُربة الَّتي لا تعرف لِلرَّحمة طريق، وفي هروب الابن الأصغر من أبيه قبلًا نتذكَّر بالتمام هروب يونان النَّبي إلى ترشِيش الذي ظَنَّ أنَّه يهرُب من وجه الله، والعجيب أن النَّوء العظيم حدث بينما كان يونان في جوف السَّفِينة ونام نومًا ثقيلًا!، كذلك الْمجاعة الشَّديدة تضرِب تلك الكورة البعيدة التي ذهب لها الابن الأصغر وهو في ملء نومه في احضان الخطيَّة وبعدما أنفق وأنفق على كُلَّ شهواته حتَّى صار في أمس الاحْتياج، هكذا تأتي الْمصائِب من اليمين واليسار وغمراليأس أيَّامه، فبعدما كان في شَرِكة مع ابيه الآن ليس له أي صديق إلَّا المُعاناة.

 ولكن بالرَّغم إنهُ الآن يشكو العوز وتملّكه اليأس لكِنَّهُ ما زال ابنًا! وكان يجِب أن يعود في هذه اللحظة إلى بيت الأبوَّة الذي خرج منه بمحض إرادته، لأن لا يُمكن أن تُمحى علاقة البنوَّة ببعض التَّصرُّفات، فعندما كان في بيت ابيه كان ابنًا وحينما تركه وذهب إلى كورة بعيدة ما زال كذلك ابنًا وحتَّى حينما أنفق ما له ووقع فيما وقع كان ابنًا، وحتَّى بعدما سيذهب للعمل في احد حقول الخنازير هو ابنًا. نجد إشارة لامعة في مثل الخروف الضال لهذه النقطة حينما قال الرب “وجدت خروفـــي الضال” فالخروف الذي ضلَّ ما زال ضمن رعيَّته ويملِكُه، وهذا الابن هو بالحق في وسط كُلَّ هذه الأحداث ابنًا، حتى وهو يرى نفسه مُجرَّد عبد، لكن لا يُمكن أن يراه ابوه إلَّا ابن.

 يقول القدَّيس فيلوكسينوس أسقف منبج: عاش الابن الأصغر بين الزَّواني يُبدد مال أبيه، لَكِنَّه لم يفقد لقب الكرامة، أي لقب الابن. في وسط أرض العبوديَّة كان جاحدًا لأبيه، لَكِنَّه تذكَّر وقال”كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا؟”، فقد كان خاطئًا وبدَّد ميراث أبيه، لَكِنَّه دعا الله”أبا” فنعمة الروح الَّتي تُعطيه أن يدعو الله “أبا”لم تفارقه رغم كُلُّ هذا![52]

 وبالتأكيد لعبت المجاعة دورها في خلفيَّة مثل الابن الضَّال لِأنَّها دفعت الابن لما هو أسوء، فبعدما انفق ميراثه بحماقه ضُربت البلدة الَّتي يعيش فيها بِالمجاعة ممَّا ذهب به إلى أسوء الأحوال وعند هذه النُقطة عاد إلى رُشدِهِ ووضع قدميه على طريق العودة لأبيه، وليس من الحكمة أن نحاول أن نوظف كُلَّ تفاصيل المثل لنخرج بأهميَّة رُوحيَّة، ولكن من المُؤكَّد أن يسوع قد أشار هنا أننا عند ادراكنا باحتياجاتنا الرُوحيَّة نكون في حالة استعدادٍ للتفكير في التَّوبة[53]فقد لعبت المجاعة دور زمنى لِتقصير النَّتيجة الَّتي كانت تنتظر الابن الأصغر نتاج نمط حياته المُسرف لَكِنَّها لم تكُن هي نقطة التحوَّل في حياته، لَكِنَّه دخل في مُحاولة يائسة أخيرة يُحاول فيها تخطَّي محنته بطريقته الخاصَّة.

يقول القدَّيس أمبروسيوس: ما حل على هذه البلدة لم يَكُن قِلَّة طعام بل الأعمال الصَّالحة والفضائل، أنعرف ما هو أشد منها جوع وبؤس؟ الذي يترُك كلمة الله يجوع لأن “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (لو 4:4) من يبتعد عن الينبوع يعطش، ومن ابتعد عن الكنز يشكو الفقر، ومن ترك الحكمة صار جاهل[54]

مجرى الماء هو مخلصنا يسوع المسيح. والملازمون له تحيا نفوسهم. (إبصالية الأربعاء)

  • (15) فمضى والتصق[55] بواحد من اهل[56] تلك الكورة فارسله الى حقوله ليرعى خنازير.

هكذا ضرب سهم الْمذلَّة حياته وأذلته الخطيَّة أقبح الذُل!. ولكن لكي نبني تصوُّرًا صحيحًا لما اُضطُرَّ الابن الأصغر أن يذهب إليه علينا ان نتصوَّر فكرة عقد “παραμονή باراموني” اعتقد أن هذا هو الشَّكل الأقرب الذي يُوضَّح الوضع الاقتصادي الضَّعيف للابن، وهذا بدوره أن يُزيد من شأن قبول أبوه له، وبهذا يصير قصد المثل واضحًا أكثر باعتباره جزءًا مهمًا من الموضوع اللاهوتي الرئيسي في المثل والمتمثل في العلاقة مع المهمشين والفقراء وهذا ما تم التَّعبير عنه بلُغةٍ اقتصاديَّة. لاحظ أن عقد باراموني ليس مجرَّد أن شخص يستأجر شخص آخر كمثل فعلة الكرم (مت 20: 1-16) بل يشترط في حالتنا بقاء الابن مع هذا المواطن، فهي عمالة إجبارية إلزاميَّة بعقود طويلة الأجل (Indentured labor).و علينا أن نفصل بين رغبة الابن في البحث عن أي عمل مهما كان لإيجاد ما يعتقد أنه راحة حيث العمل مع هذا الشَّخص وبين ذهابه إلى المُهمَّة الأولى وهي رعاية الخنازير، بمعنى:

المقطع الأول: καὶ πορευθεὶς ἐκολλήθη ἑνὶ τῶν πολιτῶν τῆς χῶρας ἐκείνης- فمضى والتصق بواحد من اهل تلك الكورة

المقطع الثاني: καὶ ἔπεμψεν αὐτὸν εἰς τοὺς ἀγροὺς βόσκειν χοίρους- فارسله الى حقوله ليرعى خنازير

فالتَّغيير المُفاجيء لموضوع الخطاب هنا يُوضح الفصل بين حدثين مُختلفين، فذهاب الابن للبحث عن عمل ربما يُعني رغبته في العمل المقيد لكنه يأخذ مهمته الأولى -رعاية الخنازير- مع هذا الرَّجُل، وهو في استعداد لأي شيء يُطلب منه فقد ألزم نفسه بطريقة غير محدَّدة أو مشروطة لهذا الشَّخص وهذا بالضَّبط ما يُسمى بعقد باراموني وهذا ما نستطيع به فهم تعبير “التصق”[57]

ومن الواضح أن هذا الأمر مرفوض ومُحرّم على الإنسان بحسب الفكر اليهودي ( اع 28:10)وهذه الحقيقة تنعكس في نظرتهم للعشارين، وكذلك تربية الخنازير (تث 8:14، لا 7:11)وبحسب القول الحاخامي المشهور “ملعون الرَّجُل الذي يُربَّي الخنازير أو يُعلم ابنه الفلسفة اليونانية”[58]

إقتتنا لك يا الله مخلصنا لأننا لا نعرف أخر سواك (اوشية السلام-القداس الباسيلي)

 

  • (16) وكان يشتهي ان يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله. فلم يعطه احد.

 كانت هذه هي القطرة الأخيرة في الكأس المرة! فهو لم يتأرجح بين عُلوّ وهبوط لَكِنَّة ينتقل من هُبُوط إلى هُبُوط، بينما كان قبلًا يُشارك أبيه المائدة الأن يشتهي أن يشارك الخنازير، حتى هذه الشَّهوة لم تتحقَّق فتعبير ” كان يشتهي – ἐπεθύμει” يُمثل رغبة لم تتحقَّق (انظر لو 21:16، 22:17، 15:22)، فهذا النُّقصان يُوضح درجة اليأس الَّتي وصل لها الابن، فكان يتوق دائمًا إلى الشَّبع من طعام الخنازير، رغبة عجيبة بالحقيقة!، كيف يستطيع حتى من الناحية السيكولوجية أن يأكل طعام الخنازير!؟ والأعجب هو”لم يعطيه احد”! يرى يواقيم إرمياس أن الابن الأصغر اُضطُر أن يسرق الطَّعام[59] ولكن موافقته على هذا الرأي تحتاج إلى ما يدعمه أكثر. ببساطة نحن لا نعرف كيف حصل الابن على الطَّعام لأن المثل لم يُخبرنا!.شجرة الخروب غالبًا تُسمى خبز القدَّيس يوحنا المعمدان والموجودة في كُلَّ أنحاء منطقة البحر الأبيض المُتوسَّط، وتحتوي على لب حلو ولكن بذوره غير قابله للهضم وهي ما يعيش عليه الحيوانات وفي بعض الأوقات يأكله الإنسان[60] ولَكِنَّه في الاساس ليس للإنسان فقد كان الفقراء يأكلونه في الأوقات الصَّعبة والمجاعات من شدَّة الجوع، بل ورُبَّما يكون النوع المقصود هنا كما يقترح كينيث بيلي ليس هو طعام القدَّيس يوحنا، لكن الصَّنف البري المر منه الذي يُؤكل في حالة اليأس[61] وبحسب القول الحاخامي “يتوب اسرائيل عندما لا يجد إلا الخرنوب”[62] وبالفعل بعدما وصل الابن إلى هذه النُّقطة بدأ في تغيير مساره.

 

 

 

  • عودة الابن الأصغر
  • (17) فرجع الى نفسه وقال كم من اجير[63] لابي يفضل عنه الخبز[64] وانا اهلك جوعا.

في خمسة أمثال أخرى للرَّب يسوع في إنجيل لوقا نجد هذا المونولوج الدَّاخلي الذي يكشف لنا لحظات المُواجهة مع اتَّخاذ القرار (انظر 12: 16-20، 12: 42-46، 16: 1-8، 18:2-5، 20: 9-16) وفي هذا الحديث الدَّاخلي نجد العودة إلى النَّفس أي العودة إلى الكيان الإنساني ليكتشف الابن خلقته ورتبتُه الأُولى الَّتي سقط منها وبعودته إلى نفسه يستطيع أن يعود إلى الله، وبالتالي نستطيع أن نفهم أن الخطية هي ترك هذه الرُّتبة، فكان يجب أن يعود الابن إلى نفسه لِأنها بداية التَّوبة، والتَّوبة ليست فقط أن نكُفّ عن فعل الشّر ولكن أن نعود عودة حقيقيَّة إلى الله، فهي حتَّى ليست مجرد تغيير الفكر او طريقة التَّفكير ولَكِن الرُّجوع إلى الأصل وأن نُدرِك حقيقة كياننا ورتبتنا الأُولى.

 يقول نورفال جيلدنهويز “القدم الأُولى في طريق التَّوبة الحقيقيَّة هي أن يُدرك الإنسان ما عليه من بؤس في معيشته في بلد الخطيَّة وأن يرى نفسه على حقيقتها حيث الفقر والدنس”[65]

 يقول داريل بوك “يتفكر الابن في حالته ويُدرك أنَّ عبيد أبيه أفضل حالًا مِنه وهكذا يكتشف الخاطيء حاله الميؤوس بسبب الخطيَّة!، فمعنى أن تكون خارج عائلة الله أن تكون بمفردك تمامًا”[66]

 يقول القدَّيس يوحنا ذهبي الفم: بعدما عانى الابن من ما يستحقُّه أهل الشَّر في الكورة البعيدة، وقع تحت المصائب ونقصد الجوع والعوز واشتم رائحة الموت مُدركًا أنَّه ألقى بنفسه بين أيدي الغُرباء مُغتربًا عن أبيه فأصبح في منفى بدلًا من بيت أبيه وفي احتياج بدلًا من الغنى وفي جوع بدلًا من الشَّبع، هذا ما قصدهُ الابن بِقوله “أهلك جوعًا” كأنَّه يقول مُستنكر أنا ابن لأب صالح وأخ لابن مُطيع ولست غريبًا، أنا الحُر النَّبيل أصبحت الآن أشد بؤسًا من الأجراء، وسقطت من الرتبة العاليّة إلى أدنى رتبة”[67]

الله هو عمانوئيل الطعام الحقيقي شجرة الحياة العديمة الموت. (إبصالية الأثنين)

وبينّما يرى أرلاند هولتجرين أن عبارة “رجع إلى نفسه” ما هي إلا رجوع الابن إلى رُشده، وأن الابن لم يُقَدَّم توبة[68] يرى يواقيم إرمياس أن هذه عبارة سامية تُشير إلى التَّوبة[69] يقول روبرت شتاين “أن عبارة رجع إلى نفسه هي عبارة عن مُصطلح عبري\آرامي يُعني “تاب” لذا لا يُشير فقط إلى مُجرد عمليَّة عقلِيَّة تدفع الابن في التَّفكير في وضعه الحالي ولكن أيضًا إلى تجديد أخلاقي يتضمن التَّوبة لاحظ عدد 21،18،10،7 من نفس الإصحاح”[70]

 يقول بوب أوتلي“هذا التَّعبير العبراني (رجع إلى نفسه) يُشير إلى (1) قبول المسؤوليَّة والتَّوبة (2) عمليَّة التَّفكير الشَّخصِي الداخلي (بالضبط كما في لو 4:18) تُرشدنا الأعداد 19،18، أن المعنى المقصود هو التَّوبة.”[71]

ضرورة التَّوبة هي موضوع مركزي في كتابات القدَّيس لوقا (اع 38:2،19:3) صحيح أن توبة الابن بل وتوبتنا ناقصة لكن لا السَّرد الكتابي بصورة عامَّة ولا هذا المثل يضع هذه النقطة موضع اهتمام ولم يشترِط أن التَّوبة يجب ألا تشوبها شائبة، ولكن يتم التركيز دائمًا على الصرخة الإنسانيَّة إلى الله والعوده وطلب الغُفران والمُصالحة.

يرى كينيث بيلي إن الابن لم يتوب إلا عندما تقابل مع أبيه [72] وفي الحقيقة هذا الرأي يُلغي الكثير من التَّصوُّرات الموجودة في المثل حيث يتم في المثل تصوير الخطيَّة في أبشع الصور في الانفصال عن الأب وتبديد المال والعيش في كورة بعيدة وإطعام الخنازير والوصول لحافة الموت، وبعد كُلَّ هذا كما أراد الابن قبلًا ترك أبوه يرجع إلى نفسه مرَّة أخرى ويُقرر أن يعود، فلو أن الابن لم يتوب حتَّى يُواجه أبوه فهذا يتضمَّن أن المثل يفترض أن الله بجب أن يقوم بالخطوة الأُولى لِلحث على التَّوبة، ولكن ما يسرده المثل هو العكس، الابن هو الَّذي يأخُذ زمام المُبادرة ويقوم ويذهب إلى أبوه، وبالتأكيد كانت فكرة الابن عن ما سيحدُث عندما يذهب لأبوه مُرتبطة بالناموس، ولكن الأب لم يضع عقبات وشروط صارمة على الابن بل قبله ببساطه لأنَّه عاد، وهنا بيت القصيد أنَّه كان يتوجب على الابن أن يعود، في مثل الخروف الضَّائع يذهب الراعي ويبحث عن الضال ولكن هنا الأب ترك أبنه لحُرَّيَّة اختياره أن يترك البيت وينتظر الأب عودته، ولا أعرف بأي طريقة يجب أن نفهم أن الله يقبل كل من يعود إليه ولكن التَّوبة ليست شرط!؟ كيف يستطيع الإنسان فهم هذا التَّناقُض اللَّفظي؟ بأي معنى أن يعود الإنسان إلى الله ويترُك الخطيَّة لَكِنَّه لا يتوب؟، لو اتبعنا هذه النمط في التَّفكير سنصل أن الله يقبل اللذين لم يتوبوا حقًا ولكن ما يدفعهم هو الأنانيَّة فقط، وهذا ما يتعارض مع الإعلان الكتابي بكامله.[73]

 فلا يُمكن أن نغفل هذا الجزء من المثل حيث يتَّضح لنا عدم الانفصال بين ما يصفُه المثل وبين ما يُعلم به، فكيف نفصل الجوع عن التَّوبة؟ فعودة الابن إلى نفسه حدثت حينما كان يَهيمُ شاردًا في تيار الحياة دون تفكير جاد وعلى غير ما كان يحتسب وجد أن الموت يُحدق في وجهِهِ، فقد كان الابن في طياشة ولكن الحاجة الماسة – لا سِيَّما الجوع-الَّتي وجد نفسه فيها جعلته يعود إلى نفسه مرَّة أخرى، هكذا من يعيش على مستوى الجسد لا يستطيع فهم الدُّروس الحياتية إلا عندما يُواجهها من جهة الاحتياج الجسدي أو الألم، وحينما رجع إلى نفسه بدأ يُدرك حماقته وأصبح الآن يتمنَّى أن يعود ولو أجير، لاحظ هنا فهؤلاء ليسوا عبيد بل اجراء لكن الابن الآن هو عبد، فمن النَّاحية العمليَّة هم أفضل منه ويفيض منهم الخبز، ومن جهة أُخرى فمهما كان مقدار ما فعله سيرحمه أبوه أكثر من هذا الشخص الذي اسعتبد نفسه عنده.

  • (18) اقوم واذهب [74]الى ابي واقول له يا ابي اخطأت الى السماء[75] وقدامك.

يُوضح تعبير “اقوم-ἀναστὰς” عن استيقاظ الابن من سُباته ونُعاسه ويأسه (قارن اع 9:18،6، 17:5)[76] فعليه أن يعود للتو لِأبيه وعلى شفتيه عبارة تبجيليَّة لِلخطأ الَّذي فعله”إلى\ضد السماء εἰς τὸν οὐρανόν” ينعكس فيها حقيقة إدراكه لما فعله، فهو لم يعتدي على أبيه فحسب بل انتهك الوصيَّة الخامسة (تث 16:5)، فالحديث لا يخُص فقط طريقة العيش في الكورة البعيدة بل كُلُّ أفعاله مع أبوه مثل طلب الميراث وبيعه، تركه للبيت، ووقوع نصيبه في الميراث بين أيدي الغرباء. فهكذا اخطأ إلى الله وإلى أبوه. ويجب النظر في التمييز بين “إلى- εἰς” للحديث عن الخطأ إلى السماء وبين “قدامك- ἐνώπιόν σου” للحديث عن الخطأ في حق الأب، أنه مُجرد مُتغيَّر ترجمي لمُجرد أسباب أسلوبية بحتَّة يرجع لحرف جر واحد عبراني (ל) يُقدم في النص السبعيني لحروف الجر. ولكن أعتبر الابن أن ما فعله هو خطية ضد أبيه وضد الله (انظر مز 4:51) وبالرجوع إلى النَّفس أدرك أنه اخطأ إلى الله لكونه “ابن” ونال نعمة البُنُوَّة فهو قد اخطأ بالتَّرك والابتعاد. والاعتراف بالخطية أو بمسؤولية الإنسان عن الخطية هو الخطوة الأولى نحو المُصالحة بين الله والإنسان، ومن الواضح أن الابن لم يخطر بباله أن يختلق أي عذر أو يُلقي حمل المسؤوليه على أبوه ويلومه لأي سبب، لم يُلقي المسؤولية على آخر بل ألقى هو نفسه تحت ظلال الرحمة الأبوية، هذه الرحمة التي تحمل الإنسان من العيش غير الإنساني بين الخنازير إلى عيشة البنوة، وبدلًا من أكل الخرنوب الذي لا يُشبع النفس تُشبعه من الحب الإلهي الأبوي ما يتعجب له الإنسان.

يقول القدَّيس يوحنا ذهبي الفم: بِمُجرَّد أنَّ قال “سأعود إلى أبي” أتت له كُلَّ البركات، أو بالأحرى ليس مُجرَّد القول بل ما فعله بعدما تكلَّم، لأنَّه لم يقُل “سأعود إلى أبي” ثُمَّ نام في سرير الخطيَّة، بل سلك في طريق عودته إلى أبيه، يجب أن نفعل مثل هذا الابن، حتَّى لو حطمنا كُلّ الجسور الَّتي بيننا وبين بيت الأب وذهبنا في الكورة البعيدة، علينا أن نرجع إلى بيت الأب مُسرعين ولا يضربنا التَّردُّد لأننا لو أردنا العودة فستكون أسهل وأسرع جدًا، كُلُّ ما علينا فعله هو ترك الكورة البعيدة الغريبة لِأنَّ هذه هي الخطيَّة التي تُسيرنا بعيدا عن بيت أبينا، فلنهجر الخطيَّة إذًا لنعود إلى بيت الأب، أبينا الذي فيه بالطَّبيعة شوق يحمِلُه لنا[77] يقول القدَّيس أمبروسيوس: هذا هو الاعتراف الأوَّل قُدَّام خالق الطَّبيعة وسيَّد الرَّحمة وديَّان الإثم، الله يعلّم كُلَّ شيءٍ لَكِنَّه ينتظر اعترافك، اعترف لكي يشفع لك المسيح فهو شفيع لنا عند الله الآب، اعترف لكي تُصلَّي الكنيسة من أجلك ويبكي الشَّعب عليك ولا تجذع لأنَّك ستنال، الشَّفِيع يُقدم النَّعمة، والمُؤيَّد يهب الغفران، والمدافع يعدك بالمُصالحة، آمن أنَّه الحق وثق، لك من يشفع لك عند الآب وإلَّا فيكون المسيح مات لأجلك بلا معنى، للآب سبب أن يعطي الغفران فأن ما يُريده المسيح يُريده الآب[78]

أخطأت أخطأت يا ربي يسوع اغفر لي لانه ليس عبد بلا خطية ولا سيد بلا غفران (لحن ربنا يسوع المسيح)

  • (19) ولست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا. اجعلني[79] كاحد اجراك.

لم تكُن كلمات الابن عن عدم استحقاقه للبنوة تُعبر عن ومضة حزن وقتيَّة على الماضي المُرّ والمُوجِع بل توبة حقيقيَّة تُعبر عن إدراكه بِوضعه الحالي، يقول ليون موريس “لقد أدرك أنَّه فقد كل حقًّ لِمعاملته كابن، وما يتمنَّاه أن يُعامل كمُجرَّد أجير ضمن الأجراء في بيت أبيه، فصار مطلبه الوحيد هو طلب وظيفة في بيت أبيه وحينها على الأقل سيحصُل على أجر يتعايش به”[80] ولكن الحديث ليس فقط عن حق الابن من جهة التشريع، صحيح أنَّه بدَّد ميراثه وليس له أي حق عند أبوه، ولكن أيضًا من جهة البُنوَّة، أي إن الابن نظر لِأفعال المحبَّة التي فعلها أبوه ووضعها أمام ما فعله هو، يرى روبرت شتاين أن عبارة “لست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا” غير مُتعلَّقة بوضع الابن القانوني بل بوضعه البنوي، بمعنى أن الابن يقول إن أب مثلك يستحق أن يكون له ابن أفضل مني[81] فهو حتَّى ليس له الحق أن يكون أجير هو فقط يطلب أن يكون كأحد الأجراء لِأنَّه متأكد أنَّه قد هدم كُلّ الجسور بينه وبين أبيه، وهكذا تغيرت طريقة حديث الابن مع أبوه، في الفقرة (12) “اعطني” ولكن هنا “اجعلني”، لاحظ: كـ اجير “ὡς ἕνα τῶν μισθ” فهو لا يُريد أن يكون له أي تمييز بينه وبين أصغر أجير عند أبوه، ولَكِنَّه يثق ثقة قلبيَّة ترتكز على ما يعرفه عن أبوه أنه سيقبل طلبه، وهذه الثقة الَّتي دفعت بالابن أن يعود ليس لها أن توجد إلَّا بوجود معرفة حقيقيَّة لأبيه.

  • (20) فقام وجاء الى ابيه. واذ كان لم يزل بعيدا رآه ابوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبّله.

هذا النَّص يُدعَم وجهة النَّظر الَّتي تقول أن الرَّب يسوع لا يسرد مثل من واقع الحياة لَكِنَّه بِالتَّأكيد يسرد مثل به تفاصيل غير مألوفةٍ أو مقبولةً لدى كُلَّ من يسمعه، فما فعله الأب هنا بِحسب يواقيم إرمياس هو كسر وتحطيم لِكُل البروتوكولات[82] ومن بداية سرد المثل، سيسأل أي قارِئًا مُدقَّق الكثير من الأسئلة، هل كان سيتجرأ ابن يهودي في القرن الأوَّل الميلادي على أنَّ يطلُب نصيبه من الميراث بينما أبوه لا يزال على قيد الحياة؟ هل من الطَّبيعي أن يُعطِيه أبوه نصيبة بهكذا سهولة؟ هل لو وضع قاريء القرن الواحد والعشرين نفسه مكان هذا الأب وهو يرى عودة ابنه مرَّةً أُخرى مهما بلغت منه السَّعادة هل سيستقبله بهذه الطَّرِيقة؟ فكم وكم يكون تصرُّف أب شرق أوسطي يمتلك ما يمتلك ويفعل هذه الأفعال الغير معقولة والغير مُتوقَّعة حتى من الابن نفسه!. فالرب يسوع يستخدم كُلَّ الوسائل الأدبيَّة لِإبراز التَّناقُض الصارِخ بين موقف الله تُجاه الخطاة وبين الفريسيين (الأخ الأكبر).

لذلك يقول كريج بولمبرج“مهما تملَّكت السَّعادة من قلب هذا الأب حينما رأى ابنه مرَّةً أُخرى فمن المُتَّفق عليه أن كُلَّ ما حدث بينهُما كان بِالتَّأكيد أمرًا غير مُعتادٍ، فليس هُناك رب أسرة شرق أوسطي كبير السَّن ذو وقار يركُض إلى ابنه، ويُقاطع ابنه وهو يعترف أنه أخطأ ليُظهر توبة كاملة (فقرة 21،19،18)، أو يأمُر للتو بِكُلَّ ما ورد في (فقرة23،22)، كُلَّ هذة التَّفاصيل تُشير بِقُوَّة إلى أن يسوع أراد أن يُسمع سامعيه ما هو أكثر من مُجرَّد صورة بسيطة وواقعية للحياة الأسرية، بل قدَّم لهُم قصة غير مألوفةٍ ليُظهر مدى صبر الله المُذهِل والبديع ومحبَّته لِأولاده الجاحدين”[83]

وبِالرَّغم من بدأ تمركز دور الأب هنا في المثل، ولكِن هذه ليست بداية رحلة الحب، المحبَّة لم تبدأ عِند التَّوبة ولم تختفي عندما ترك الابن البيت، فلم تُفارِق المحبَّة قلب الأب في أي لحظة لِذا فقد أعطى ابنه الحُرِّيَّة في أنَّ يترُك البيت، فمحبَّة الأب لا يحُدَّها شئ بل هي محبَّة دُون قَيدٍ أو شرط، الابن بِالتَّأكيد لا يستحق هذه المحبَّة ولكِن لم يكُن الاستحقاق هو المعيار التي تُعطى على أساسه المحبَّة، وبالتأكيد لم يتوقَّع الابن كُلُّ هذا الحب. رُبَّما كان أعظم ما يتوقَّعُه هوترحيب فاتِر، لم يكُن للابن أن يتصوَّر أن أبوه حينما سيراه ستحن احشائه اليه أو سيركض قلبه إليه قبل قدميه.

 يقول دوايت بينتكوست “لم تبدأ محبَّة الأب بِعودة الابن ولم يتوقَّف عن حُب ابنه، لقد أحب ابنه في ظِل عدم استحقاقه لِلحب، ولقد أحبه حينما كان بعيدًا عنه، وأحبه وهو يُبدَّد مِيراثُه، وأحبُّه وقت سقُوطِه حيث يرعى الخنازير، أحب الأب ابنه وقتما كان لا يستحق أي محبَّة، وهذه المحبَّة دفعت الأب أنَّ يركُض ويحتضن أبنه ويقبله، فقد امتلأ الابن بِمحبَّه أبوه المسكوبة عليه عفويّاً. ففي مثل الابن الضَّال يؤكد المسيح أن الله يُحب الخطاه وينتظر بِكُل لهفة عودتهم إليه”[84]

 

 

 

فما نراه بِكُلّ وضوح هنا هو سيادة الرَّحمة والشفاء والمحبَّة وهذه السيادة يتم التعبير عنها بهذه التعبيرات:

  1. “رآهُ- εἶδεν αὐτὸν: هذه الرؤية كانت على بُعدٍ، ما زال الابن على مسافة بعيدةٍ من أبوه، “لم يزل على مسافة بعيدةٍ بعد- ἔτι δὲ αὐτοῦ μακρὰν ἀπέχοντος” هنا في حالة (المضاف المطلق- Genitive absolute)هذا يُفهم إنَّ الابن بينه وبين أبيه مسافةٍ بعيدةٍ بعد، وهذا يَدُل على أن الأب كان يبحث عنه ليعود[85] كما يقول دوايت بينتكوست “يؤكد النَّص اليوناني أن الابن كان على مسافة بعيدةٍ من الأب مِمَّا يَدُل أن الأب لم يبقى في بيته يعيش على أمل عوده الابن، لّكِنَّه يعرف من داخله أن ابنه سيعود، فمن الجليّ أن الأب كان يقطع يوميًّا مسافة كبيرة من المنزل إلى نقطة رؤية ما حيث يتمكَّن من رؤية ابنه العائد في أقرب وقت، وهكذا الأب في غاية الشَّوق وينتظر أبنه على أحر من الجمر”[86] ورُبَّما أكثر مشهد مُماثِل لهذا التَّصور في العهد القديم هو (طو 11: 5-6)”وَأَمَّا حَنَّةُ فَكَانَتْ كُلَّ يَوْمٍ تَجْلِسُ عِنْدَ الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ حَيْثُ كَانَتْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْظُرَ عَلَى بُعْدٍ. فَلَمَّا كَانَتْ تَتَشَوَّفُ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ ذلِكَ الْمَوْضِعِ، نَظَرَتْ عَلَى بُعْدٍ، وَلِلْوَقْتِ عَرَفَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا قَادِمًا، فَبَادَرَتْ وَأَخْبَرَتْ بَعْلَهَا قَائِلَةً: هُوَذَا ابْنُكَ آتٍ.” وفي أبسط التَّصوُّرات لهذه الرؤية كمُجرَّد وقوع النَّظر فأنها ستكون مُحاطة بِالحب، لأننا لو تصوَّرنا أن الأب كان يجلس امام بيته ورأى أبنه في طريقه للبيت فهو لم يظل جالسًا مُنتظرًا دخول الابن إلى البيت ثم يُعاتبه بعبارات سلبية أو يفعل ما يفعل، بل تحرَّك نحوه مُبادرًا بِالمُصالحة. فالانتظار يُعبر عن الانشغال بمن يأتي، هذا ما جعل هلموت تيليك أن يُسمي المثل بـ “الأب المنتظر- “The Waiting Fatheهكذا يجب أن نفهم أنَّ الله مشغُول بالخطاة!.
  2. تحنن: وهكذا نستطيع أن نرى في خلفية تحنن الأب ما يقوله المزمور “كما يترأف الاب على البنين يترأف الرب على خائفيه‎.” (مز13:103). يرى جون نولاند أنَّنا نستطيع أن نرى معنى التحنن هنا في ضوء ما فعله الرَّب مع أرملة نايين وما حدث في مثل السامري الصَّالِح[87] الفعل “تحنن –σπλαγχνίζομαι”، “فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبكي” (لو 13:7)،”ولكن سامريا مسافرا جاء اليه ولما رآه تحنن” (لو 33:10)يُعبر عن قلب المثل الذي ينبض بِالشُّعور الأبوي الَّذي سبق أي اعتراف بالتَّوبة من الابن، وهذا ما يتوافق مع البحث والتفتيش في مثل الخروف الضائع والدَّرهم المفقود.[88] لاحظ أن في هذه المُعجزة (لو13:7) أنها المُعجزة الأُولى الَّتي يستخدم فيها لوقا تعبير “الرب “ὁ κύριος- ليسوع، وتعبير “تحنن- ἐσπλαγχνίσθη” المستخدم أيضًا في لو 78:1 “باحشاء رحمة الهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء.” إذا أخذناها بحرفيتها فهي تُشير إلى تحرك الاحشاء، كما نجد بعض الكلمات العبرانيَّة في العهد القديم التي تُشير لِلشَّفقة والرَّحمة والتحنن مثل רִחַם\ רַחֲמִים\ מֵעִים نجد هنا اشتقاق مُماثِل، كما نجد في نصوص لوقا أيضًا أن تعبير “تحنن” يُشير إلى فيض الرَّحمة، وهذا ما يظهر مع السَّامري الصالح (لو 33:10) والابن الضَّال أيضًا، فالتحنن هو إحدى سمات الرب عندما يشفي ويُحرر من العبوديَّة وهذا هو العمل المسياني الَّذي تحدث عنه الرب بِنفسه “روح الرب عليّ لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للمأسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر وارسل المنسحقين في الحرية، واكرز بسنة الرب المقبولة.” (لو 4: 18-19) وهذا التحنن هو الدَّافع للمعجزة.[89]
  3. ركض: هكذا قد كسر الأب كُلّ الأعراف السلوكية ولا يوجد ما يمنعه أن يركُض إلى ابنه هكذا هو الله أبينا لا يُدانيه أي أبٍ في الأرض في أبوَّته الحانيّة، الله أبينا الَّذي يُفيض قلبه حُبًّا وشفتيه غُفرانًا، فقد ركض الأب نحو ابنه وهو عالم بِحال هذا الابن، ركض إليه ليُخرجه من بندُقة الخطيَّة الَّتي خنقت حُرَّيَّته إلى الحياة الرَّحبة الواسعة ومن طبقات الظَّلمة إلى نور المحبَّة حيث الحُرَّيَّة والغُفران، وبعدما كان الموت يكشر عن أنيابه في وجه الابن الأصغر يعود ليرى وجه أبوه المتشوق إليه، يرى أبوه الَّذي لم يقدر على الانتظار وهو يرى ابنه متعبًا بائسًا يُحاول أن يجر خطواته، يجر قدميه في الطَّريق نحو أبوه مما فعلته فيه الخطيَّة. يقولكلينتون أرنولد “نحن نقف امام صورة تُذهل المرء في أي زمن إلى يومنا هذا، فلا يُمكن لِأب شرق أوسطي يركُض وهو يرتدي جِلبابه، بل تمتاز خطواتة بالرصانة والتَّبجيل، فقد كان يُنظر للركوض كتصرٌّف مُهين ولكن فرح ومحبَّة الأب الغير محدودة لم يتقيَّد بهذه النَّظرة، وهذا يكشف لنا عن نعمة ومحبة الله الغامرة للخاطيء والفرح الذي يتذوقه ويختبره الإنسان التَّائب، وبهذا تتجلى النَّعمة والغُفران الإلهي للخطاة في مثل الابن الضال، يُخبرنا المثل أيضًا أنَّنا رغم ابتعدنا عن الله وتبديد مراثنا، ولكن أذرُع الله لا تنغلق يوما وقبوله لا يختفي يومًا لِكُلَّ من يعود، وبما أنَّ الله أبينا غفر لنا بهذه الطَّريقة فعلينا أن ينعكس فينا شخصيَّة أبينا ونحتفي بمن يعودون إليه”[90]
  4. وقع على عنقه وقبّله: رُبَّما ردَّد الابن طوال رحلته الطَّويلة من الكورة البعيدة العبارة الَّتي سيقولها لأبيه حينما يقف أمامه، وكلماتِه تخطو مع خطُوات قدَّمه، ولَكِن احتضنه أبوه وقبلّه قبل أن ينطق الابن ببنت شفةٍ، ولكن حال الابن المؤسف كان أبلغ من أي كلمات سيقولها، كما نستطيع أن نرى في خلفيَّه ركُوض الأب ومعانقتُه لِابنه وتقبيله ما فعله عيسو في العهد القديم “فركض عيسو للقائه وعانقه ووقع على عنقه وقبّله. وبكيا” (تك 4:33)،”ثم وقع على عنق بنيامين اخيه وبكى. وبكى بنيامين على عنقه. وقبّل جميع اخوته وبكى عليهم. وبعد ذلك تكلم اخوته معه” (تك 45: 14-15) وقد كانت القبلة علامة المغفرة واستعادة العلاقة “فجاء يوآب الى الملك واخبره. ودعا ابشالوم فأتى الى الملك وسجد على وجهه الى الارض قدام الملك فقبّل الملك ابشالوم” ( 2صم 33:14)، كما أن التَّعبير المُركَّب κατεφιλησεν يدُل أنَّ الأب قبلّه مرارًا وتكرارًا. يقول الأب بطرس الخريسولوغوس: بِالعناق والتَّقبيل هذّب وعاقب الأب ابنه الضَّال،لم يضربه بل قبلّه، محبَّة الأب الشجاعة تغاضت عن ذلات الابن،لم يفضح الأب أفعال الابن، ولم يُذله لَكِنَّه برأه من خطاياه بقُبلة وسترها بِحضنه، بهكذا طريقة شفى الأب جراح ابنه دون أن يترُك فيه ندبًا أو عيبًا، يقول الكتاب “طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم.” (رو 7:4)[91]

 

لأنه ُغلَب من تحننه وأرسل لنا ذراعه العالية. ( ثيؤطوكية الاثنين)

(21)فقال له الابن[92] يا ابي اخطأت الى السماء وقدامك ولست مستحقا بعد ان أدعى لك ابنا[93].

على الرَّغم من كُلَّ هذا التَّرحيب البهيح الحار من الأب فلم يردع الابن من قول الاعتراف الذي عزم أن يقوله، ولكن تختفي عبارة “اجعلني كأحد اجرائك”، وهنا يوجد رأيين، الأوَّل هو أن الأب قد قاطع حديث الابن ولم يجعله ينطق بهذه العبارة، وهذا الرَّأي يميل له الكثير من العلماء أو الغالبية[94]، فمثلاً يقول لينسكي “لاحظوا أن الأب يُقاطع ابنه قبل أن يُكمِل اعترافه، هذه إحدى اللمسات الرَّقيقة في هذا المثل حيث خَلَّص الابن من توسله الجارح المهين”[95] أما الرَّأي الثَّاني ويتبناه عدد قليل يرى أنَّ الابن هو الَّذي لم يستطيع أن ينطق بمثل هذه العبارة في ظل هذه المحبَّة الأبويَّة، فيرى مثلا جون نولاند أن طلب الابن بعودته مثل الأجير سيكون إهانة لمحبَّة الأب[96]

على الرَّغم أن اغلب العلماء يتبنون الرَّأي الأوَّل، ولكِنَّني أميل إلى الرَّأي الأخير، لأنه لا يوجد شيء أقوى من تذوق المحبَّة يجعل الإنسان يُدرك خطيته، فعلاقة الحب وإعلان المحبَّة المختبرة الَّتي سكبها الأب في ترحيبه الشّجي على ابنه قد ايقظت في الابن وعي بُنوَّتِه، والثَّقه البنوية الَّتي فيه قد استيقظت لذلك لم يقل اجعلني كالاجراء. وهذا نتاج كُلُّ ما فعله الأب، هذا الأب الَّذي حاوطت اللهفة انتظاره والشَّوق ركوضه، ويتحنن ويخرج قلبه حينما يرى الابن الضَّال، ويعانقه بقُوَّه ويقبله بحرارة، امام كُلَّ هذا قد شعر الابن بخيبة أمل نحو فاعلية كلماته الباردة، فقد أدرك أن الأب بما فعله قد أعطاه علاقة جديدة. ولا يوجد في النَّص ما يُشير أنَّ رجوع الابن مُفتعل، لَكِنَّه يضع لنا صورة توبة حقيقيَّة لضال عاد إلى أبوه.

  • الاحتفال بعودة الضَّال
  • (22)فقال الاب لعبيده[97] اخرجوا[98] الحلّة الاولى والبسوه واجعلوا خاتما في يده[99] وحذاء في رجليه. (23) وقدّموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح. (24) لان ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد. فابتدأوا يفرحون.

لم يُخبرنا المثل عن أي رد من الأب على كلام الابن الأصغر، ولَكِن من الجلّي أن الأب له سُلطة التَّصرُّف في الممتلكات وقد طلب من العبيد أن يفعلوا بعض الأشياء:

  1. الحلّة الاولى: البعض حاول (مثل رينغستورف) اعتبار معنى كلمة “الأولى – πρώτην” أي نفس الثَّوب القديم الَّذي كان يرتديه الابن قبل أن يترُك البيت، والفكرة هنا هو “إعادة الوضع” فهذا التَّفسير يرى أن معنى الثَّوب “الأول- πρώτην” أي “الأسبق”، مثل “الكلام الاول انشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلّم به” (اع 1:1) ولَكِن يرى هوارد مارشال أنَّ هذا التَّفسير سيستقيم بوجود الضمير الشخصي αὐτοῦ لِلإشارة أنَّ هذا الرداء هو رداء الابن القديم لّكِنَّه غير موجود في النَّص[100]، فالمعنى الأدق هو “الثوب الأفضل” أي أفضل ما لدينا، فلم يعطيه الأب الرداء القديم الَّذي تركه بل يُعطيه أفضل وأفخر ثوب موجود، لأن هذا التَّعبير الكلاسيكي يعني “الأفضل” بِحسب النَّص السبعيني للعهد القديم، “الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بافضل الادهان ولا يغتمّون على انسحاق يوسف.” (عا 6:6)، “تجار شبا ورعمة هم تجارك. بافخر كل انواع الطيب وبكل حجر كريم والذهب اقاموا اسواقك.” (حز 22:27)، “ناردين وكركم. قصب الذريرة وقرفة مع كل عود اللبان. مر وعود مع كل انفس الاطياب.” (نش 14:4)، وقد اقترح كينيث بيلي أن يكون هذا الثَّوب هو ثوب الأب نفسه، حيث أن أفضل وأفخر ثوب في البيت كُلّه هو ثوب الأب[101]، “يأتون باللباس السلطاني الذي يلبسه الملك وبالفرس الذي يركبه الملك وبتاج الملك الذي يوضع على راسه” (أس 8:6)
  2. الخاتم: هو إشارة لعضوية الابن في الأسرَّة، ولَكِنَّه ليس خاتم الأب نفسه وليس المقصود هو نقل السُّلطة أو اعتبار الابن مُفَوَّض عن أبوه، فالابن لا يتولَّى أي منصب فوق أخوه، فالابنان على قدم المساواة، وعلى الرَّغم أنَّ الكثير من المُفسَّرين يفهم هذا الفعل في ضوء (تك 42:41) ولكن يُفضل جون نولاند صورة التَّكريم الموجودة في (أس 6: 6-11)[102]
  3. الحذاء: هنا يُعلن الأب أنَّه لن يضع عودة الابن إلَّا في صورة البُنوَّة، بهذا التَّصرُّف يقول عمليًا لابنه لن أقبل وجودك في البيت إلَّا بصفتك “ابن”، فمن المعتاد أن عبيد البيت لا يلبسون الأجذية.  
  4. ذبح العجل المثمن: من النَّادر تناول اللُّحوم في فلسطين في القرن الأوَّل ولذلك فهذه مناسبة خاصَّة مُميَّزة[103] وبالكاد أن تتكرَّر مناسبة خاصَّة كهذه ولذلك أمر الاب العبيد أن يذبحوا هذا العجل على شرف الابن ليفرح الكُلّ بعودته. على الرَّغم أن البعض يرى أنَّ ذبح العجل المسمن هو رمز لموت المسيح لكن يبدو صعوبة قبول هذا التَّفسير في ظل اجواء الاحتفال الموجودة في سياق تكريم الأب لابنه التَّائب. ولَكِن الحديث عن هذه الوليمة وضع الَّذين تزمروا في مُشكلة، لِأنَّ كُلَّ هذه الوليمة الضَّخمة تُقام لأجل هذا الابن الَّذي تمرَّد على أبوه وترك ليس فقط البيت بل انخلع من كُلَّ اليهوديَّة لأن رعاية الخنازير تكون في المدن الأمميَّة وبذبح هذا العجل المسمن سيشارك الكُل في هذه الوليمة، والشّركة في المائدة هي استعارة يهوديَّة للدلالة على السماء، فالصدمة هنا أن هذه الوليمة هي للابن الأصغر وهو رمز للخطاة والعشاريين فهم موضوع هذه الوليمة، ولكن الابن الاكبر الذي هو رمز القادة الدَّينين يرفضون الحضور! بل ويقولوا ليس لنا وليمة، وبهذا يُقدم المثل الاسلوب المُعتاد والنمطي في تعليم الرَّب يسوع وهو قلب الأدوار.

 

وبهذا المشهد البيت كُلُّه يتلألأ من الفرح بعودة الابن الأصغر وهذا الفرح هو الرَّابط الذي يربط مثل الابن الضال بالمثليين السابقين (انظر فقرة 9،6) وبهذا يطرح الرب يسوع على الفريسين سؤال خفي، كيف يتفق تذمرهم (انظر فقرة 2،1) مع فرح الله؟ وبالتأكيد هذا السؤال هو للخطاة والعشارين أيضا، هل الله يفرح بكم؟.كما يستخدم الرَّب تعبيرات مُترادفة لها نفس المدلول، فعودة الضَّال كالميَّت الَّذي عاش تربط هذا المثل بِفقد الدَّرهم وضياع الخروف في الأمثال السابقة، وبهذه العبارة (كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد) يضع الرَّب الاساس المحوري لدفاعه عن تصرُّفه تُجاه الخطاة، فعودة هؤلاء الموتى إلى الحياة هو استعلان مجد الله، يقول القدَّيس اثناسيوس الرسولي “لأن مجد الله الآب هو: أن يوجد الإنسان الَّذى كان قد خلق ثم هلك، وهو: أن يحيا الذي مات، وهو: أن يصير الإنسان هيكل الله”[104] وموقف الرَّب يسوع مع الخطاة يتناسب مع مشيئة الله، وبأفعاله مع الخطاة يعلنها صراحة أنا ابن الله الأزلي وممثله أرسلني الأب لأطلب الضَّال، وعندي كُلّ الحق أنَّ أتصرَّف بما يَتََّفق مع طبيعة الله. لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن المسيح يُدافع عن تصرفاته بهذا المثل، والأب في هذا المثل هو الله.

يقول القدَّيس اثناسيوس الرسولي “وعن ذاك الابن الَّذي ذهب إلى كورة بعيدة وبدَّد أمواله في عيشٍ مُسرِف لما رجع لنفسه قائلاً “كم أجير لأبي يفضُل عنه الخبز وأنا أهلك جوعا”، وللتو قام وذهب إلى أبيه معترفًا “أخطأت إلى السَّماء وقدامك ولست مُستحق أن ادعى لك ابنا اجعلني كأحد أجراك”، لما اعترف هكذا صار مؤهلاً ليأخُذ أكثر مما صلَّى من أجله، لأن الأب لم يقبله كأجير ولم يُعامله كغريب، بل قبله ابنا، قبله كميِّت عاد إلى الحياه نظر إليه كمستحق للوليمة الإلهيَّة، وألبسه الثَّوب الفاخر الَّذي كان يلبسُه ذات يومٍ، وامتلأ بيت الأب من الفرح، ما حدث هو ثمرة نعمة الأب ولطفه وتحننه، فالابن لم يرجع من الموت فحسب، بل ظهرت له بالروح نعمته، بدلا من الفساد ألبسه ثوب عدم الفساد، ولسد جوعه ذبح له العجل المسمن، وألبسه حزاء لكي لا يغترب مرَّةً أُخرى، وعجيب العجاب أنَّ الأب ألبسه خاتم الختم الإلهي، وبهذا كُلَّه يلده من جديد على صورة مجد المسيح[105]

 

  • غضب الابن الأكبر
  • (25) وكان ابنه الاكبر في الحقل. فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت آلات طرب[106] ورقصا. (26) فدعا واحدا من الغلمان[107] وسأله[108] ما عسى ان يكون هذا. (27) فقال له. اخوك جاء فذبح ابوك العجل المسمن لانه قبله سالما. (28) فغضب ولم يرد ان يدخل. فخرج ابوه يطلب اليه.[109] (29)فاجاب وقال لابيه ها انا اخدمك سنين هذا عددها وقط لم اتجاوز وصيتك وجديا لم تعطني قط لافرح مع اصدقائي. (30)ولكن لما جاء ابنك هذا الذي اكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمن. (31) فقال له يا بنيّ انت معي في كل حين وكل ما لي فهو لك. (32)ولكن كان ينبغي ان نفرح ونسرّ لان اخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد.[110]

 فشل الابن الأكبر أن يُخاطب أبيه ولو مرَّةً واحدة بكلمة “أب”، وينتج هذا عن نظرته لشكل هذه العلاقة الَّتي دامت سنين، وبِسبب الاحتفال بِعودة الابن الأصغر نظر بتأمُّل لِكُلَّ ما فعله كعبد، ومن وجهة نظرة أنَّه صار أقل مكانة من الابن الأصغر لأنه لم يأخُذ ولو حتَّى جدي وليس عجل مُسمن، في الحقيقة لم يُدرك الابن الأكبر طبيعة العلاقة بينه وبين أبوه، فكان الأب يُعامله بِصفته ابن، لكن الابن يُعامل أبوه بِاعتباره سيَّد وهو يخدم هذا السيد من مُنطلق الشُّعور بأداء الواجب وليس من مُنطلق المحبَّة، فهو يعمل كعبد ليس لأنَّه يُحب بل لكي يحصل على ما يُريده، ومُشكلة العمل لم تكُن فقط مُشكلة الابن الأكبر بل كذلك الابن الأصغر فكلاهما اعتبر أن مفتاح قبول الأب هو العمل، كعبد (في حالة الابن الأكبر) أو العودة إليه كأجير! (في حالة الابن الأصغر) بل وكلاهما اعتبر أن معنى الوجود والسَّعادة يكمن في الانفصال عن الله (الأب)، لأن الأصغر أخذ نصيبه وترك البيت، والأكبر يُريد أن ينفصل عن العائلة ويحتفل مع اصدقاءة ولو حتَّى بجدي، فمن يكون له صديق أفضل من الله؟.

وهكذا الأب يُظهر محبَّته للابنان على قدم المُساواة ويُعامل كُلًّا منهُم بحنان متساوٍ، نعم الله يُحب الفريسين والخطاة!. ولكن هذه المحبَّة وهذا الفرح المُعلن بِسبب عودة الخطاة لم يروق للأبن الأكبر ولم يُريد أن يشترِك في هذا الفرح، فبدأ يتخذ موقف مُناقض، فغضب (لاحظ غضب الفريسيون والكتبة فقرة 2) ولم يُريد أن يدخُل، وهكذا يتكرَّر المشهد، الأب يخرج بيته لأجل الضَّال حيث كما ركض الأب إلى الابن الأصغر يخرُج إلى الابن الأكبر، نرى هنا مرَّةً أخرى يأخُذ الأب زمام المُبادرة! يتوسل إليه لكي يدخُل معه، لَكِن ذلك لم يُجدي نفعًا!

وبِغضب جارف ينخلِع من علاقة الإخوة قائلاً “ابنك هذا” هذه الطَّريقة المزدرية الَّتي تُعبر عن عدم إدراك الابن الأكبر بِحقيقة تصرُّفاته، فلو لم تكن أخطائة أكثر بشاعه من أخوه لكنها أكثر خطورة!، ثم يعود الأب ليضع العلاقة في شكلها الصَّحيح يُخاطبه “يا بنيّ” أن “أخاك” ليس فقط ابني لَكِنَّه أيضًا أخاك، عاد من الموت وبنبغي أن نفرح بعودته!. وتظل القصَّة مفتوحة تحتاج إلى تصرف عملي من الابن الأكبر لتنتهي، هل سيظل الابن الأكبر في الهروب من الله بـ الله ويظل عبد؟ هل سيدخُل للاحتفال؟ هل سينظر إلى الابن الأصغر نظرة قبول ويتحلى بِشجاعة المحبَّة؟ هل ستكون نظرته للابن الأصغر أنَّه تخرَّق وليس له مرقعًا هي التي تتملَّك فكره وقلبه؟ 

وفي الحقيقة رغم أنَّ المثل يتحدَّث عن ابنان، ولكن لا يجب أن ننظر إلّا للابن الثَّالث، نعم فمحور المثل عن الابن الثَّالث وهو ابن الله الأزلي الَّذي كان بلا خطية والَّذي لم يهرُب إلى كورة بعيدة بل جاء إلى كورتنا نحن البعيدة مبادرًا بالمُصالحة، وعمل بحق مشيئة أبيه حتَّى الموت الطوعي، ومن يقبله يصير ابن الله، “واما كل الذين قبلوه فاعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون باسمه.” (يو 21:1) ولو كان يُمثلنا الابن الأصغر فنقدر أن نعود إلى حضن الأب، ولو كان يُمثلنا الابن الأكبر فالله يقول “كل ما هو ي فهو لك” فباب الشّرِكة مفتُوحًا على مِصراعيه.

[1] في الغالب يُوضع تعبير “الكتبة” قبل “الفريسيون” (لو 21:5، 7:6، 53:11، متى 38:12) ربما سبب اختلاف الترتيب هنا هو تولي الفريسيون زمام المُبادرة.

[2]Taylor, M. D. (2005). The complete book of Bible basics.P.230

[3]Joachim Jeremias, Parables of Jesus, P. 132

[4] Theological dictionary of the New Testament. 1964 (G. Kittel, G. W. Bromiley, G. Friedrich, G. W. Bromiley & G. Friedrich, Ed.) Vol.1, P.327

[5]Richards, L. O. The Bible readers companion. P.666

[6]Komonchak, J. A., Collins, M., & Lane, D. A. (2000, c1991). The New dictionary of theology. P.857

[7] Reiling, J., & Swellengrebel, J. L. A handbook on the Gospel of Luke. P.541

[8] Barker, K. L. (1994). Expositor’s Bible Commentary (Abridged) P.263

[9] Lenski, R. C. H. (1961). The Interpretation of St. Luke’s Gospel. P.793  

[10]Cornelius à Lapide. (1908). The Great Commentary of Cornelius à Lapide, Volume 4: S. Luke’s Gospel (T. W. Mossman, Trans.) (Fourth Edition) P.365

[11] David L. Tiede, Luke. Augsburg Commentary on the New Testament.P.273.

[12] Keener, C. S., & InterVarsity Press. (1993). The IVP Bible background commentary : New Testament (Lk 15:1).

[13] Just, A. A. (2005). Vol. 3: Luke. Ancient Christian Commentary on Scripture NT, Vol. 3.P.243

[14] Hendriksen, W., & Kistemaker, S. J. (1953-2001): New Testament commentary. Vol.11. P.744

[15] Rooker, M. F. (2001, c2000): Leviticus; The New American Commentary. Vol. 3A .P.207

[16] Hübner, H. (1996). Unclean and Clean: New Testament R. B. Thomas, Jr., Trans.). In D. N. Freedman (Ed.), The Anchor Yale Bible Dictionary (D. N. Freedman, Ed.) 6:P.742.

[17]Geldenhuys, N. (1977). Commentary on the Gospel of Luke: The English Text with Introduction, Exposition and Notes. The New International Commentary on the Old and New Testament P.402

[18]Bock, D. L. (1996). Luke Volume 2: 9:51-24:53. Baker exegetical commentary on the New Testament. P.1298

[19] انظر (تث 14: 28-29، 16: 11-14، 26: 11-13، اش 29: 18-19، 35: 5-6، 7:42، ار 8:31)

[20] Utley, R. J. D. (2004). Vol. Volume 3A: The Gospel According to Luke. Study Guide Commentary Series (Lk 15:2). Marshall, Texas: Bible Lessons International.

[21] ليُصبح النَّص أكثر وضوحاً تضع بعض الترجمات مثل NET اسم يسوع بِالرَّغم من عدم وجوده في النَّص اليوناني فتصير التَّرجمة “قال يسوع”

[22] اللفظ اليوناني μέρος من الممكن أن يُترجم جزء (Part) ويأتي بهذا المعنى في كثير من النصوص (لو 36:11،42:24، اع 5:2، يو 23:19) كما أن جون نولاند وجوزيف فيتزماير وداريل بوك يُترجمونها “حصة” (Portion) ولكنها تأتي بمعنى نصيب (Share)، (انظر مت 51:24، لو 46:24، يو 8:13) واغلب الترجمات تتُرجمها هكذا.

[23] اللفظ اليوناني οὐσία يُشير في غالب السياقات غير الكتابية إلى أملاك أو ثروة وبالتالي سيكون من الملائم أن يكون معناه في النَّص هو “أملاك” أو “تركة” (estate) انظر Louw, J. P., & Nida, E. A. (1996). Greek-English lexicon of the New Testament: Based on semantic domains. Vol.1, P.558

[24] الفعل διαιρέω له على الأقل خمسة معانٍ في الاستخدام العلماني، ولكن الاستخدام الغالب في النص السبعيني لهذا الفعل يأتي بمعنى التقسيم والتوزيع ( تك 7:4، 10:15، 7:32، لا 12:1، يش 4:18، قض 24،16، 1مك 6:1، 35:6) وهكذا في العهد الجديد (1كو 11:12) انظر Theological dictionary of the New Testament. 1964 (G. Kittel, G. W. Bromiley, G. Friedrich, G. W. Bromiley & G. Friedrich, Ed.) Vol.1, P. 184

[25]Bock, D. L. (1996). Luke Volume 2: 9:51-24:53. Baker exegetical commentary on the New Testament, P.1309

[26] Barclay, W. (2001). The Gospel of Luke. The New Daily Study Bible. P.242

[27] بالتَّأكيد معرفة المُستمعين بالقصص التوراتية عن الاخوَّة لعبت دور هام، لدينا في العهد القديم تاريخ طويل مُحوَّط بالعهود الإلهيَّة، فمثلًا، تتجلى أهميَّة البكورية في العهد الإبراهيمي حيث كان لإبراهيم ولدان، إسماعيل وإسحاق، لم يختار الله إسماعيل (البكر) ولكن اختار الله إسحاق، هكذا كان لإسحاق ولدان، عيسو ويعقوب، لم يختار الله عيسو (البكر) ولكن اختار الله يعقوب ليكون له حقُّ البكورية وتم تغيير اسم يعقوب إلى إسرائيل وصار أب لأمَّة اسرائيل وهذه الأمَّة صارت الابن البكر لله ( خر 22:4) وهكذا طوال تاريخ عهود الله مع إسرائيل تم تنحية البكر من جهة ترتيب الولادة ويصير ابن آخر هو المستحق للبكورية، و يتلاشي معنى ترتيب الولادة لمصطلح بكر، وبُرُوز معنى آخر وهو “حق البكورية”، هكذا نرى في النهاية الابن الأصغر يرجع لحضن وبيت أبيه بينما الابن الأكبر كان خارج البيت!

[28] Lenski, R. C. H. (1961). The Interpretation of St. Luke’s Gospel. P.807

[29] القديس كيرلس الكبير، تفسير إنجيل لوقا، ترجمة الدكتور نصحى عبد الشهيد صــ518، انظر ردود القديس كيرلس حتى صــ520 على هذه التَّفسيرات!

[30] المرجع السابق صـــ 520

[31] Evans, C. A. (1990). New International biblical commentary: Luke. P.233 

[32]Fitzmyer, J. A., S.J. (2008). The Gospel according to Luke X-XXIV: Introduction, translation, and notes, P. 1087

[33] Hendriksen, W., & Kistemaker, S. J. (1953-2001): New Testament commentary. Vol.11. P.752

[34] Keener, C. S., & InterVarsity Press. (1993). The IVP Bible background commentary : New Testament (Lk 15:11-12).

[35] Butler, T. C. (2000). Vol. 3: Luke. Holman New Testament Commentary; Holman Reference. P.254

[36]Bock, D. L. (1996). The NIV Application Commentary: Luke. P. 412

[37] كوستي بندلي، أمثال الملكُوت، منشورات النور صـ 24-25

[38] The Babylonian Talmud, Original Text, Edited, Corrected, Formulated, and Translated into English. 1918 (M. L. Rodkinson, Trans.) Vol.14, P.295,297. (Mishna: Baba Batra 8:7,8)

[39] استخدم القِدَّيس لوقا تعبير οὐ πολλὰς ἡμέρας لِيضع صيغة خطابيَّة تُسمى litotes وهي تُسنخدم لِتقديم تعبير إيجابي عن طريق تقديم عبارة نفي لطيفة، مِثْلما نقول he’s not bad looking وننفي سُوء الْمظهر لِيصبح الْمعنى he’s handsome (إنه وسيم) انظر Trites, A. A., & William J. Larkin. (2006). Cornerstone biblical commentary, Vol 12. P.219، لذلك يُترجمها داريل بوك وبعض الترجمات مثل NET, TEV بالصيغة الإيجابية “بعد أيام قليلة –after a few days” ويبدو أن الْقدَّيس لوقا مغرم بهذا الِاستخدام وقد اسْتخْدمه سبعة عشر مرَّةً، انظر ( لو 9:21،اع 5:1، 18:12، 28:14، 2:15، 12،4:17، 24،23،11:19، 12:20، 39:21، 26،19:26، 14،20:27، 2:28)

[40] الفعل συνάγειν، يأتي بمعنى التحويل إلى المال وهكذا ورد عند بلوتارخ للإشارة الى تحويل الميراث الى نقود، انظر Arndt, W., Gingrich, F. W., Danker, F. W., & Bauer, W. (1996, c1979). A Greek-English lexicon of the New Testament and other early Christian literature, P.782

[41] الفعل Διασκορπίζω، يأتي بمعنى التَّشتُّت والتَّفْريق والتبعثر، ولكن هنا في الاستخدام مع الممتلكات يأتي بمعنى التَّبذير والإسراف، انظر Friberg, T., Friberg, B., & Miller, N. F. (2000): Analytical lexicon of the Greek New Testament. Vol. 4. P.112

[42] Joachim Jeremias, Parables of Jesus, P.129

[43] Morris, L. (1988).Luke: An introduction and commentary.Vol. 3. P.258

[44] Reiling, J., & Swellengrebel, J. L. (1993], c1971). A handbook on the Gospel of Luke. P.547  

[45] Stein, R. H. (2001, c1992): Luke. The New American Commentary. Vol. 24.P.405&Fitzmyer, J. A., S.J. (2008). The Gospel according to Luke X-XXIV: Introduction, translation, and notes. P.1088&Evans, C. A. (1990). New International biblical commentary: Luke .P.236

[46] Vincent, M. R. (2002). Word studies in the New Testament.Vol.1. P.385

[47] The Bohairic Coptic New Testament in English. 1898 (G. Horner, Trans.) Vol.2. P.213.” 13 And after not many days the younger son gathered everything, he went to (the) foreign (land) to a distant country; and he scattered his substance there, living dissolutely

[48] Nolland, J. (2002).Luke 9:21-18:34. Word Biblical Commentary.Vol. 35B.P.783 

[49] يُستخدم هنا الفعل δαπανησαντος بالمعنى السَّيء له كما في (يع 3:4)، رُبَّما يكون له دلالة على الإسراف في الإنفاق

[50] الصفة “ἰσχυρὰ– قوي” تُستخدم هنا مجازيًا يمعنى “شديد أو عظيم”

[51] بحسب ترجمة NCV“كان الابن مُعدم وجائع – the son was poor and hungry” وبحسب رايلينج&سويلينجريبيل: إن الابن افتقر إلى الأشياء الأساسيَّة لِلعيش وخاصَّة الطَّعام. 

[52] Just, A. A. (2005). Vol. 3: Luke. Ancient Christian Commentary on Scripture NT, Vol. 3.P.249

[53]Ryken, L., Wilhoit, J., Longman, T., Duriez, C., Penney, D., & Reid, D. G. (2000, c1998). Dictionary of biblical imagery. P.267

[54] Just, A. A. (2005). Vol. 3: Luke. Ancient Christian Commentary on Scripture NT, Vol. 3.P.249

[55] الفعل κολλάω يأتي في العهد الجديد بصور مجازيَّة وحقيقية مُتنوّعة، “ملتصقين بالخير” (رو 12:9) أي مُتمسكين بِالْخير، “حتى الغبار الذي لصق بنا” (لو 11:10) أي الشَّيء العَالِق بالأرجل، “لان خطاياها لحقت السماء” (رؤ 5:18) بمعنى وصولها إلى السَّماء بسبب كثرتها، “يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامرأته” (متى 5:19) بمعنى أن يتَّحد بزوجته، وهكذا الاتحاد مع الله “واما من التصق بالرب فهو روح واحد” (اكو 17:6)، وأيضاً بمعنى التلمذة ” ولكن اناسا التصقوا به وآمنوا” (اع 34:17)، وهنا– لو 15:15- يأتي بمعنى الضَّغط على شخصٍ ما لكي يلتصق به، ليس لمُجرَّد بدأ عمل جديد، لم يكن هذا الرَّجل يُريد أن يُوظف هذا الابن عنده، وهذا أمر طبيعي في ظل وجود مجاعة!

ولكن الابن فرض نفسه عليه وتوسل إليه بصورة مستمرة، ولذلك أعطاه أن يعمل هذا العمل الوضيع الَّذي يُعتبر عار بالنسبة لأي يهودي، ورُبَّما بدون مُقابِل مادي فقط يعمل لكي يجد طعام، انظر. Balz, H. R., & Schneider, G. (1990-c1993). Exegetical dictionary of the New Testament. Vol. 2, P.306& Lenski, R. C. H. (1961). The Interpretation of St. Luke’s Gospel. P.811& Reiling, J., & Swellengrebel, J. L. (1993], c1971). A handbook on the Gospel of Luke. P.548&Vincent, M. R. (2002). Word studies in the New Testament. Vol 1, P.386

[56] كلمة “πολιτης-مواطن” المُشتقة من كلمةπολις” -مدينة” غير موجودة في كُلَّ العهد الجديد إلَّا في كتابات لوقا (لو 15:15،14:19، اع 39:21) باستثناء (عب 11:8) حيث نُقلت من (ار 34:31)، ولكن بالتَّأكيد لا يُستخدم تعبير مواطن بالمعنى السياسي.

 

[57] للتوسع انظر J. Albert Harrill, The Indentured Labor Of The Prodigal Son (Luke 15:15),Journal of Biblical Literature. Vol. 115,P. 715

[58] Baba Qamma 82b

[59] Joachim Jeremias, Parables of Jesus, P.130

[60] Fitzmyer, J. A., S.J. (2008). The Gospel according to Luke X-XXIV: Introduction, translation, and notes. P.1088

[61] Kenneth E. Bailey, Poet & Peasant and Through Peasant Eyes. P.171

[62] Rabbi Acha (c. a.d.320) in Lev. Rab. 35.6 on 26.3; cited by Marshall, I. H. (1978). The Gospel of Luke : A commentary on the Greek text. P. 609

[63] يُستخدم μίσθιος كأسم فقط بمعنى عامل باليومية وليس خدم المنزل وردت في العهد الجديد فقط في هذا النص والعدد 19 (قارن لا 50:25، اي 1:7 طو 14:5) انظرTheological dictionary of the New Testament. 1964 (G. Kittel, G. W. Bromiley, G. Friedrich, G. W. Bromiley & G. Friedrich, Ed.) Vol.4,P.701& Fitzmyer, J. A., S.J. (2008). The Gospel according to Luke X-XXIV: Introduction, translation, and notes. P.1089

[64] المقصود هنا الطعام من أي نوع وليس الخبز بالتحديد ولكن يتم استخدام لفظ الخبز مجازيًا فقط للتعبير عن ما يؤكل.

[65] Geldenhuys, N. (1977). Commentary on the Gospel of Luke: The English Text with Introduction, Exposition and Notes. The New International Commentary on the Old and New Testament P.407

[66] Bock, D. L. (1994). Luke. The IVP New Testament commentary series (Lk 15:11).

[67] Thomas Aquinas, S., & Newman, J. H. (1843). Catena Aurea: Commentary on the Four Gospels, Collected out of the Works of the Fathers, Vol.3, P.536

[68] Arland J. Hultgren. The Parables of Jesus A Commentary.P.76&113

[69] Joachim Jeremias, Parables of Jesus, P.130

[70] Stein, R. H. (2001, c1992) Luke The New American Commentary, Vol. 24. P. 406

[71] Utley, R. J. D. (2004). Vol. Volume 3A: The Gospel According to Luke. Study Guide Commentary Series (Lk 15:17). Marshall, Texas: Bible Lessons International.

[72] Kenneth E. Bailey, Poet & Peasant and Through Peasant Eyes. P.183

[73] للتوسع انظر Greg Forbes, Repentance And Conflict In The Parable Of The Lost Son (Luke 15:11-32) Journal of the Evangelical Theological Society. Vol. 42, P. 210 

 

[74]بحسب يواقيم إرمياس تعبير ἀναστὰς πορεύσομαι هو تعبير آرامي يُعني “سأذهب في الحال” (قارن 2 صم 21:3 بحسب ترجوم يوناثان (אְקוּם וְאִיזֵיל)، اع 9: 18،6، 17:5) بينما يعتبره جوزيف فيتزماير أنَّه يوناني وليس آرامي (قارن بحسب السبعينية، تك 22: 19،3، 10:24، 8:43، طو 10:8) ما نستطيع أن نراه هو الاتَّصال الثَّقافي المُشترك لهذا التعبير، وعلى أيَّ حال فدلالة هذا التَّعبير الشَّائع هو الدُّخول في عمل ما وهنا على وجه الخصوص يُعني إن الابن نوى العودة فوراً ويجب أن يكون هذا هو شعور كُلَّ شخص يُدرك خطر العيش البعيد عن الله انظر Fitzmyer, J. A., S.J. (2008). The Gospel according to Luke X-XXIV: Introduction, translation, and notes. P.1089&Joachim Jeremias, Parables of Jesus, P.130

[75] في هذا الموضع وفي الفقرة 21 يُستخدم تعبير “السماء- οὐρανός(انظر أيضًا مت 25:21) لِلإشارة إلى الله وهذا الاستخدام مبني على النَّزعة اليهوديَّة لتجنُّب استخدام اسم الله بِشكل مُباشر، ولا يجب فهم هذا التَّعبير إنه إشارة لكثرة الخطايا او لتعاظم الآثام إلى السماء كما ورد في (عز 6:9) بل للخطأ إلى الله مباشرةً، كما ورد في (خر 16:10) ولتجنب هذا الفهم الخاطيء جاءت ترجمة CEV على هذا النحو ” I have sinned against God in heaven- اخطأت إلى الله الَّذي في السماء” انظر Louw, J. P., & Nida, E. A. (1996). Greek-English lexicon of the New Testament: Based on semantic domains Vol1, P.140&Marshall, I. H. (1978). The Gospel of Luke : A commentary on the Greek text. P.609

[76]Plummer, A. (1896). A critical and exegetical commentary on the Gospel According to S. Luke. P. 374

[77] John Chrysostom. (1997). Homilies of St. John Chrysostom, on the Epistle of St. Paul to the Romans, The Nicene and Post-Nicene Fathers, Vol.11, P.406

[78] Just, A. A. (2005).Luke. Ancient Christian Commentary on Scripture NT.Vol. 3.P.250

[79] من الممكن ان يُترجم الفعل ποίησόν “عاملني كــ- treat me as” (كما يُترجمها فيتزماير والترجمات CEV,REB,TEV)، أو “عاملني مثل- treat me like” ( (NET,NRSV

[80] Morris, L. (1988).Luke: An introduction and commentary.Vol. 3,259

[81] Stein, R. H. (2001, c1992) Luke: The New American Commentary.Vol. 24, P.406

[82]Joachim Jeremias, Parables of Jesus, P.130

[83] Blomberg, C. (1990). Interpreting the parables. P.176

[84] Pentecost, J. D. (1998). The parables of Jesus : Lessons in life from the Master Teacher. P.99

[85] Robertson, A. (1997). Word Pictures in the New Testament. Vol.V (Lk 15:20)

[86] Pentecost, J. D. (1998). The parables of Jesus : Lessons in life from the Master Teacher. P.99

[87] Nolland, J. (2002). Word Biblical Commentary: Luke 9:21-18:34. Vol. 35B, P.784

[88] Marshall, I. H. (1978). The Gospel of Luke : A commentary on the Greek text. P.610 

[89] Just, A. A. (1997, c1996). Luke 1:1-9:50. Concordia commentary P.308.

[90] Arnold, C. E. (2002). Zondervan Illustrated Bible Backgrounds Commentary Volume 1: Matthew, Mark , Luke. P.448

[91]Just, A. A. (2005) Luke: Ancient Christian Commentary on Scripture NT. Vol. 3, P.250  

[92] يُمكننا ترجمة عبارة εἶπεν δὲ ὁ υἱὸς αὐτῷ” إلى “ولكن ابنه قال له” أي بالرَّغم من كُلَّ هذا التَّرحيب المُفاجيء الغير مُتوقع قرَّر أيضًا الابن أن يقول هذا الاعتراف، انظر Reiling, J., & Swellengrebel, J. L. (1993], c1971). A handbook on the Gospel of Luke.P. 551

[93] المخطوطات الَّتي لا تُضيف باقي الاعتراف الَّذي عزم الابن أنَّّ يقوله في فقره 19 (اجعلني كأحد اجرائك) لها توزيع مخطوطي واسع، مثل البردية 75، السكندرية، واشنطن، كُلّ مخطوطات الترجمة اللاتينية إلَّا واحدة فقط ومُعظم مخطوطات الفولجاتا، مُعظم مخطوطات التَّرجمة السُّريانيَّة، التَّرجمة القبطيَّة الصعيديَّة والبحيرية، لَكِن يدعم قراءة الإضافة المخطوطة السينائية والفاتيكانية وبيزا، اعطت لجنة GNT القرار A للقراءة الأُولى، أي أنهم متأكدين أنَّها القراءة الأصليَّة.

[94] Arland J. Hultgren. The Parables of Jesus A Commentary.P.79 &Marshall, I. H. (1978). The Gospel of Luke : A commentary on the Greek text.P.610& Fitzmyer, J. A., S.J. (2008). The Gospel according to Luke X-XXIV: Introduction, translation, and notes. P.1089 &Pentecost, J. D. (1998). The parables of Jesus : Lessons in life from the Master Teacher. P.100

[95] Lenski, R. C. H. (1961). The Interpretation of St. Luke’s Gospel. P. 816

[96] Nolland, J. (2002) Word Biblical Commentary: Luke 9:21-18:34 Vol. 35B, P.785

[97] لاحظ هنا “العبد- δοῦλος” وليس “الأجير- μίσθιος “، والمقصود هنا العبيد المُقيمين بِشكل دائم في البيت وليس عمال باليومية، وعن كيف دخل العبيد في هذا المشهد، من المُمكن أن بِمُجرَّد رأى العبيد الأب يركُض تَبِعُوه مباشرةً، أو يكون هذا المشهد حدث لمَّا رجع الأب والابن إلى البيت.

[98] بعض المخطوطات القليلة تحذف “بسرعة\أسرعوا – ταχύ”، ولَكِن النُّصوص اليونانيَّة المُحقَّقة تضعها. وبهذا لا ينبغي تضييع الوقت ولا اعطاء فرصة للتردد.

[99] تعبير χείρ يعني اليد أو أي جُزءٍ منها، وهنا يجب أن تترجم أُصبع، “ضعوا خاتمًا في إصبعه”، Louw, J. P., & Nida, E. A. (1996). Greek-English lexicon of the New Testament .Vol.1, P97

[100] Marshall, I. H. (1978). The Gospel of Luke : A commentary on the Greek text.610

[101] Kenneth E. Bailey, Poet & Peasant and Through Peasant Eyes. P.183

[102] Nolland, J. (2002).Word Biblical Commentary. Luke 9:21-18:34. Vol. 35B. P.785

[103] Joachim Jeremias, Parables of Jesus, P.130

[104] القديس اثناسيوس الرسولي، ضد الأريوسيين، المقالة الأولى، الفصل الحادي عشر، فقرة 42، صـــ 111

[105] Just, A. A. (2005).Luke. Ancient Christian Commentary on Scripture NT. Vol. 3. P. 251

[106] ” سيموفونية – συμφωνίας” انسجام موسيقي.

[107] لاحظ أنَّه ليس “عبد- δοῦλος “، وقد أجابه “ذبح أبوك” وليس “ذبح سيدي“، رُبَّما كان صبيًا صغيرًا ولم يكُن خادمًا شابًا أو خاصًا، كما أجابه أيضًا “أخوك” وهذا صحيح، قد حاول الابن الأكبر أن يستنكر هذه العلاقة (فقرة 30)

[108] “ἐπυνθανετο” بحسب اليوناني في صيغة Imperfect middle، أي أن الأبن سأل مراراً وتكراراً، سأل عدة اسألة واستقصى عن كل شيء، فمن الأفضل تُترجم “راح يسأل”

[109] نرى هنا التوسل الرقيق اللطيف “يتوسل إليه” الله يطلب من الفريسيين لكي يشتركوا الاحتفال بعودة الخطاة،”اذا نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله.” (2كو 20:5) 

[110] بِالنسبة للرَّأي القائل أن الأعداد 25-32 لم تكُن جُزء من هذا المثل في الأصل لا يدعمه أي دليل مُعتبر على الإطلاق، وأي قارئًا ينظُر بِدقَّة للفقرات 10،7،2،1 سيُدرك أنَّ هذا الخِتام كان ضرُوري لإبراز معنى المثل ورغبة المسيح في وضع رفض الابن الأكبر للاحتفال وغضبه في السَّرد رغم قبول الأب للضَّال الذي عاد، كما أنَّ الابن الأكبر يُذكر في بداية المثل وهذا سيكون حشو لا لُزوم له إذا لم يلعب أي دور آخر في المثل، ولو كانت الفقرات 25-32 من كتابة القدَّيس لوقا كهجوم على الفريسيين من الطَّبيعي أن نجد تصرُّفات أكثر قسوة من الأب تُجاة الابن الأكبر كما أنَّه ليس من الطَّبيعي أن تترك نهاية المثل مفتوحة!.

 

مثل الابن الضال – مينا كرم