كاتب سفر إشعياء – تفنيد الفرضيات النقدية حول تعدد الكتّاب في سفر إشعياء النبي – ترجمة ودراسة: Patricia Michael
كاتب سفر إشعياء – تفنيد الفرضيات النقدية حول تعدد الكتّاب في سفر إشعياء النبي – ترجمة ودراسة: Patricia Michael

المقدّمة
يُعدّ سفر إشعياء أحد أعظم الاسفار النبوية في الكتاب المقدّس في العهد القديم وأكثرها تأثيرًا. ومع ذلك، فقد كان هذا السفر محور نقاش وجَدَل أكاديمي طويل الأمد حول كاتبه. من بين الانتقادات التي أثيرت حوله هو الادّعاء بأن السفر لم يُكتب بالكامل بواسطة النبي إشعياء بن آموص، بل هو ثمرة مساهمات متعددة وعمل مشترك لعدة كتّاب عاشوا في ازمنة تاريخية مختلفة.
ادّت هذه الفرضية الشائعة بين النقّاد، إلى تقسيم السفر إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
– إشعياء الأول (First Isaiah) (الاصحاحات 1-39): يُنسب هذا الجزء إلى إشعياء النبي نفسه (اشعياء بن آموص)، وأنه كتب هذه الاصحاحات خلال القرن الثامن قبل الميلاد. يتناول هذا القسم التحذيرات الموجهة إلى مملكة يهوذا والنبوءات عن الشعوب المجاورة.
– إشعياء الثاني (Deutero-Isaiah) (الاصحاحات 40-55): يعتقد النقاد أن هذا القسم كُتب في وقت لاحق، خلال فترة السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد. ويرى أصحاب هذه الفرضية أن أسلوب الكتابة ومحتوى هذه الاصحاحات يشيران إلى كاتب آخر، عاش أثناء السبي وركز على الوعود بالخلاص والعودة إلى أرض إسرائيل.
– إشعياء الثالث (Trito-Isaiah) (الاصحاحات 56-66): يفترض النقاد أن هذا الجزء كُتب بعد العودة من السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد. يتناول هذا القسم بناء الهيكل الجديد والأمل في المستقبل، ويزعم النقاد أن هذه الاصحاحات تعكس سياقًا اجتماعيًا وسياسيًا مختلفًا عن بقية السفر.
في ضوء هذه التحديات، تبرز أسئلة محورية:
كيف يمكن الرد على الفرضيات النقدية التي تنادي بتعدد الكتّاب؟ وهل توجد أدلة كتابية وتاريخية تدعم فكرة وحدة سفر إشعياء وإسناده بالكامل إلى النبي إشعياء بن آموص؟
هذه الأسئلة تستدعي فحصًا دقيقًا للأدلة النصية، والتحليل التاريخي، والمواقف اللاهوتية التي تعيد تقييم أسس هذه الفرضيات النقدية.
أساس الخلاف: لمحة حول التطور التاريخي للجَدَل حول هوية كاتب سفر إشعياء.
من الضروري أن ندرك أن الجدل حول هوية كاتب سفر إشعياء لم يظهر إلاّ بعد قرون عديدة من كتابة هذا السفر. كانت المجتمعات اليهودية والمسيحية على حد سواء تقبل بإجماع واسع أن النبي إشعياء بن آموص هو الكاتب الوحيد للسفر بأكمله.
يمكن تتبع بداية هذا التحول في هذا الرأي إلى القرن الثاني عشر الميلادي، عندما أثار المفسر اليهودي ابراهام ابن عزرا (Abraham Ibn Ezra) لأول مرة تساؤلات حول وحدة سفر إشعياء. ووفقًا للموسوعة اليهودية Encyclopedia Judaica, ألمح ابن عزرا الى أن الجزء الأخير من السفر (الاصحاحات 40-66) قد لا يكون من كتابة النبي إشعياء في القرن الثامن قبل الميلاد، بل من عمل نبي آخر عاش خلال فترة السبي البابلي.ورغم أن ابن عزرا لم يُصرّح بذلك صراحة، إلا أن تلميحاته الغامضة فتحت الباب أمام قراءات لاحقة شكّكت في وحدة السفر.
في القرن الثامن عشر، طور العالم اللاهوتي الألماني يوهان كريستوف دوديرلين (Johann Christoph Döderlein) هذا الاتجاه، حيث قدّم رأيًا مفاده إن نبوءات إشعياء المتعلقة بالسبي البابلي لا يمكن أن تكون قد كُتبت قبل وقوعها.ومنذ ذلك الحين، تبنّى العديد من العلماء النقديين المعاصرين هذا الرأي، الذي يفيد بأن سفر إشعياء هو نتاج مساهمات متعددة، ويُنسب إلى كتّاب مختلفين عاشوا في فترات تاريخية مختلفة.
أصبحت هذه النظرة أكثر شيوعًا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وما زالت تحظى بقبول واسع لدى العديد من النقاد حتى اليوم. تعتمد الحجّة الأساسية لهؤلاء النقاد على أن الفصول الأخيرة لسفر اشعياء (40–66) تعبّر بوضوح عن السياق التاريخي لفترة السبي البابلي والعودة اللاحقة إلى أورشليم، وهي فترة جاءت بعد وفاة إشعياء النبي بفترة طويلة. ويرى هؤلاء النقّاد أن التحديد الدقيق للأحداث المستقبلية في هذه الفصول يشير إلى أنها كُتبت بعد وقوع تلك الأحداث، أي بأثر رجعي، وبالتالي فهي – في نظرهم – لا تنتمي إلى زمن إشعياء، بل أُلحقَت فيما بعد بـالسفر.
لكن هل هذا الاستنتاج منطقي وصحيح من وجهة نظر كتابية؟
في ظلّ هذا الجَدَل القائم حول وحدة سفر إشعياء ونسبته الى النبي إشعياء بن آموص ككاتبٍ منفردٍ للسفر، تبرز الحاجة الماسّة إلى تحليل متكامل يستعرض الأبعاد المختلفة التي يستند اليها النقاش النقدي واللاهوتي على حد سواء. تهدف هذه الدراسة إلى تفكيك الفرضيات النقدية الحديثة التي تشكّك في وحدة السفر، وذلك عبر دراسة تفصيلية متعددة الزوايا تجمع بين التحليل النصي، واللاهوتي، والشهادات الكتابية.
ولتحقيق هذا الهدف، ستعتمد هذه الدراسة على خمسة محاور رئيسية تشكّل الهيكل المنهجي لتحليل وتفنيد تلك الفرضيات النقدية.
1- المنظور النقدي الحديث بشأن كاتب السفر وتحدّيه لطبيعة النبوءة الكتابية:
في هذا المحور، يتم تحليل الأسس النقدية التي يعتمد عليها النقّاد الرافضون لنسبة الاصحاحات (40–66) إلى إشعياء بن آموص، ودراسة تبعات هذا الرفض على فهم النبوءة والوحي كما يقدمه الكتاب المقدس.
2- دليل على الوحدة في سفر إشعياء – نظرة فاحصة على اللغة والمضمون:
في هذا المحور، نُجري تحليلًا للتناسق الداخلي للنصوص، بما في ذلك العبارات والتصورات اللاهوتية المشتركة بين الأجزاء المختلفة للسفر، بهدف دعم فرضية وحدة السفر.
3- شهادة العهد الجديد – نظرة السيد المسيح والرُّسل إلى وحدة السفر:
في هذا المحور نسلّط الضوء على تعامُل السيد المسيح والرسل مع سفر اشعياء كوحدة متكاملة، دون أي تمييز بين أجزائه أو إشارة إلى تعدّد كُتّابه، مما يعزز مصداقيته النبوية ووحدته النصية.
4- مخطوطات البحر الميت والأدلة التاريخية __ دعم إضافي لوحدة السفر:
نستعرض في هذا الجزء ما تقدّمه مخطوطات البحر الميت من شواهد تدعم الرؤية التقليدية لنسبة السفر إلى نبي واحد، وتُظهر قانونيته المبكرة بوصفه سفرًا موحّدًا منسوبًا للنبي إشعياء.
5-تحقيق النبوءات في سفر اشعياء: بابل كنموذج لتحقيق النبوءات:
تُختتم هذه الدراسة بالمحور الخامس، الذي يتناول تحقيق النبوءات في سفر اشعياء، لا سيّما النبوءات المتعلقة ببابل كدراسة حالة تبرز موثوقية النبوءة، وتُعزّز من فرضية وحدة السفر.
إن هذا التقسيم المنهجي لا يهدف فقط إلى دحض فرضيات “أشعياء الثاني” و”أشعياء الثالث”، بل يسعى إلى ترسيخ فهم سليم لطبيعة الإعلان الإلهي كما يُقدّمه الكتاب المقدس، مُظهِرًا اتّساقه الداخلي عبر العصور، وشهادته لنفسه بوصفه كلام الله الموحى به.
اولا: المنظور النقدي بشأن كاتب سفر إشعياء وتحدّيه لطبيعة النبوءة الكتابية
انّ النقاد الذين ينكرون أن النبي إشعياء كتب الاصحاحات (40-66) يعتمدون في موقفهم على فكرة أن هذه الاصحاحات تحتوي على نبوءات دقيقة جدًا عن أحداث مستقبلية، مثل السبي البابلي وعودة الشعب إلى أورشليم. ويعتقد هؤلاء النقاد أن هذه الدقة لا يمكن أن تكون نبوية (أي كُتبت قبل حدوثها)، بل يزعمون أنها كُتبت بعد وقوع الأحداث،مما يدفعهم إلى رفض نسبتها للنبي إشعياء الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد، وبالتالي، فإن هذا الإنكار لا يتوقف عند التشكيك في أن إشعياء هو كاتب السفر، بل يمتد ليطال جوهر النبوءة الكتابية نفسها.
إن المنظور النقدي الذي يشكّك في نسبة (الاصحاحات 40-66) إلى النبي إشعياء يتحدّى جوهر النبوءة الكتابية. فالنقّاد الذين ينكرون أن إشعياء هو كاتب هذه الاصحاحات يجادلون بأنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بأحداث مستقبلية محددة وبتلك الدقة. ينبع هذا الاعتقاد من رؤية بشرية للعالم تستبعد إمكانية الوحي الإلهي. ومع ذلك، فإن النبوءة الكتابية، بطبيعتها، تؤكد أن الله بصفته كليّ العلم والسيادة يستطيع أن يكشف عن الأحداث المستقبلية لأنبيائه.
-فيما يلي بعض النقاط الأساسية التي يجب أن نشير إليها في هذا السياق:
أ- الشهادة الكتابية حول النبوءة وتأكيد الكتاب على قدرة الله على إعلان أحداث المستقبل.
(إشعياء 42: 9) يعلن الرب قائلاً:
هُوَذَا الأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَالْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا».
(اشعياء 46: 9-10)
اُذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلهُ وَلَيْسَ مِثْلِي. مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ، وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلًا: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي.”
هنا، يتجلّى جوهر النبوءة الكتابية: فالله، الكائن خارج الزمن، يستطيع أن يُعلن عن أحداث مستقبلية لم تحدث بعد بكل صدق ويقين.
ب- الاثر اللاهوتي لانكار النبوءات
تقوم النبوءة، بحسب الكتاب المقدس، على قدرة الله على إعلان أحداث مستقبلية لأنبيائه بوحي إلهي. ومن ثمّ، فإن التشكيك في نسبة هذه الاصحاحات الاخيرة للنبي إشعياء بحجّة دقتها في وصف احداث مستقبلية ينطوي ضمنيًا على إنكار مفهوم النبوءة الإلهية وهذا لا يطعن في وحدة السفر فحسْب، بل يشكّك ايضا في مصداقية الشهادة الكتابية بأكملها حول مفهوم النبوءة.
ج- الرد اللاهوتي على هذا النقد
لا تصمد اعتراضات النقّاد أمام الحقيقة اللاهوتية التي يُعلنها الكتاب المقدس،فاله الكتاب المقدس غير مقيّد بالزمن ولا يخضع للحدود البشرية. وقدرته على إعلان الأحداث المستقبلية تتماشى تماما مع صفاته وطبيعته في كونه كليّ العلم وكليّ السيادة. وكما يقول بطرس الرسول:
“لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.” (2 بط 1: 21).
هذا الإعلان يؤكد أن مصدر النبوءة ليس الإنسان، بل الله نفسه، مما يُبطل كل اعتراض يرتكز على حدود الإدراك البشري أو استحالة التنبؤ الدقيق بالمستقبل.
لذلك، لا يمكننا ابدا رفض العناصر النبوية في سفر إشعياء استنادًا إلى رؤية إنسانية تنكر التدخل الإلهي في التاريخ.
ثانيا: دليل على الوحدة في سفر إشعياء ___ نظرة فاحصة على اللغة والمضمون
يجادل النقاد بأن الاختلافات في الأسلوب والمضمون بين الاصحاحات في (إشعياء1-39) والاصحاحات في (إشعياء 40-66) تشير إلى وجود كتّاب متعددين. ومع ذلك، فإن الفحص الدقيق للنص يكشف عن اتّساق ملحوظ في اللغة والمضمون والطرح اللاهوتي، وكلها تشير إلى كاتب واحد.
أحد الأدلّة الأكثر إقناعًا على وحدة سفر إشعياء وأن كاتبه واحد هو الاستخدام المتكرر لبعض العبارات، على سبيل المثال: عبارة “قدوس إسرائيل”. تظهر هذه العبارة اثنتي عشرة مرة في الاصحاحات في (إشعياء 1-39) وثلاث عشرة مرة في الاصحاحات في (إشعياء 40-66)، ومن المثير للاهتمام أن هذا المصطلح يظهر ست مرات فقط في بقية اسفار الكتاب المقدس العبرية. يعكس التكرار اللافت لهذا الوصف الفريد ليهوه اتساقًا واضحًا في النص، مما يؤكد وجود كاتب واحد لسفر إشعياء بأكمله.
-بالإضافة إلى ذلك، يحتوي كلا القسمين من إشعياء على أشكال تعبيرية متشابهة، مثل:
أ- صورة امرأة حبلى تُقارب الولادة: (إشعياء 26: 17؛ اشعياء 66: 7)
(إش 26: 17).
“كَمَا أَنَّ الْحُبْلَى الَّتِي تُقَارِبُ الْوِلاَدَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا، هكَذَا كُنَّا قُدَّامَكَ يَا رَبُّ.”
(إش 66: 7)
“قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا الطَّلْقُ وَلَدَتْ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْمَخَاضُ وَلَدَتْ ذَكَرًا”.
ب- ومفهوم “السكّة والطريق” (إشعياء 11: 16 ؛ اشعياء 35: 8)
(إش 11: 16)
“وَتَكُونُ سِكَّةٌ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ أَشُّورَ، كَمَا كَانَ لإِسْرَائِيلَ يَوْمَ صُعُودِهِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ”.
(إش 35: 8)
“وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا: «الطَّرِيقُ الْمُقَدَّسَةُ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ، بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلُّ”.
ج- تظهر صهيون كرمز لاهوتي بشكل متكرر ومتّسق في نصوص السفر، حيث تُذكر 29 مرة في (الاصحاحات 1-39) و18 مرة في (الاصحاحات 40-66)، مما يعزز بقوة الفرضية القائلة ان السفر من كتابة نبي واحد فقط لسفر اشعياء.
وتؤيد موسوعة الكتاب المقدس القياسية الدولية هذا الرأي، فإن الأسلوب الفريد والتعبيرات المميزة التي تتخلل سفر إشعياء بأكمله تدعم بشكل قوي فرضية أن السفر موحى به من الله ومن كتابة نبي واحد، مما ينسجم مع الأدلة التي تثبت وحدة النص.
ثالثا: شهادة العهد الجديد ___ نظرة السيد المسيح والرُّسل حول وحدة سفر إشعياء.
يشكّل العهد الجديد دليلاً قويًا يدعم وحدة سفر إشعياء، حيث يُنسَب النص بأكمله إلى النبي إشعياء دون أي تمييز بين أقسامه المختلفة. يستند هذا الاستنتاج الى إشارات مباشرة من يسوع المسيح ورسله الذين تعاملوا مع السفر كوحدة متماسكة، مما يعكس إيمانهم الراسخ بوحدته.
أ- شهادة السيد المسيح:
في (انجيل لوقا 17:4-21)، نرى السيد المسيح، خلال حضوره في المجمع، يقرأ من سفر إشعياء، مقتبساً من (اشعياء 61: 1 – 2)
“فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ».
(لو 4: 17-21).
النص المقتبس من اشعياء: “رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، (إش 61: 1-2).
يظهر من هذا الاقتباس أن يسوع اعتمد على النص النبوي بوصفه جزءًا من سفر إشعياء الموحَّد، دون الإشارة إلى أي تمييز داخلي أو تعدد في الكتّاب. إن قراءته لهذا المقطع وتأكيده على تحقيق ما كُتب فيه في شخصه، يمنح النص سلطة إلهية تفسيرية، ويُضفي على وحدة السفر مصداقية نهائية من منظور المسيح ذاته، مما يعزز الموقف القائل بأن السفر بكامله منسوب إلى النبي إشعياء.
ب- شهادة الانجيليين:
في (انجيل متى 3: 1-3) نجد تأكيدا اضافيا على وحدة سفر إشعياء:
وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ قَائِلًا: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ. فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً».
ينسب متى الإنجيلي هذه النبوءة بوضوح إلى انها مقتبسة من سفر “إشعياء النبي”، دون أي تلميح إلى تقسيم السفر أو تعدد الكتّاب:
(إش 40: 3).
“صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلًا لإِلَهِنَا.”
إن الاستشهاد المباشر بهذا النص من سفر إشعياء وربطه بشخص يوحنا المعمدان دون تمييز أو تحفُّظ يعكس قبولًا عامًا لوحدة السفر ونسبته للنبي إشعياء. فهذا التوافق بين نصوص العهدين يعزز الرؤية القائلة بأن إشعياء هو كاتب السفر بأكمله، إذ يتعامل كتبة العهد الجديد مع السفر كوحدة متكاملة منسوبة إلى نبي واحد.
ج- شهادة بولس الرسول:
يشير بولس الرسول في رسائله الى نصوص من سفر إشعياء، مقتبسًا من إشعياء 53 وإشعياء 65 في (رومية 10: 16، 20) (رومية 15: 12)
“لكِنْ لَيْسَ الْجَمِيعُ قَدْ أَطَاعُوا الإِنْجِيلَ، لأَنَّ إِشَعْيَاءَ يَقُولُ: «يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟»” (رومية 10: 16).
ثُمَّ إِشَعْيَاءُ يَتَجَاسَرُ وَيَقُولُ: «وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي، وَصِرْتُ ظَاهِرًا لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي» (رومية 16: 20)
وَأَيْضًا يَقُولُ إِشَعْيَاءُ: «سَيَكُونُ أَصْلُ يَسَّى وَالْقَائِمُ لِيَسُودَ عَلَى الأُمَمِ، عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ». (رومية 15: 12)
يتّضح من هذه الاقتباسات أن بولس الرسول يقتبس من مواضع متعددة في سفر إشعياء، دون أن يميّز بين أقسام السفر أو يشير إلى اختلاف في المصدر أو تعدد الكُتّاب. بل إنه ينسب جميع هذه النصوص إلى النبي إشعياء بصيغة واحدة متّسقة، مما يدل على قبوله الضمني بوحدة السفر ونسبته إلى نبي واحد.
نستنتج مما سبق أن كتبة العهد الجديد، الموحى إليهم، قد تعاملوا مع سفر إشعياء كوحدة أدبية ولاهوتية متكاملة منسوبة إلى نبي واحد دون أدنى إشارة إلى تقسيم داخلي أو تعدد في الكتّاب; فقد اقتبسوا من مواضع متفرقة من السفر، ونسبوا جميعها إلى إشعياء النبي، مما يعكس فهماً موحداً للسفر بأكمله. وبما أن الرب يسوع ذاته، ومعه رسله، قد اعتمدوا هذا السفر على هذا النحو، فإن شهادتهم التي تحمل سلطانًا إلهيًا تُعدّ دليلاً حاسمًا يعزّز الإيمان بوحدة السفر وموثوقيته كوحي إلهي متكامل منسوب الى كاتب واحد.
رابعا: مخطوطات البحر الميت والأدلة التاريخية __ دعم إضافي لكون سفر إشعياء منسوبًا لنبي واحد
إلى جانب الأدلة الداخلية للكتاب المقدس، تقدّم الشهادات التاريخية والمخطوطات دعمًا متينًا للرأي القائل بأن سفر إشعياء هو عمل نبوي موحَّد منسوب إلى نبي واحد، لا الى مجموعة من الكتّاب المتأخرين كما تفترض بعض النظريات النقدية الحديثة.
ويُعدّ اكتشاف مخطوطات البحر الميت في القرن العشرين نقطة تحوُّل محورية في دراسة نصوص العهد القديم، إذ اتاحت هذه المخطوطات القديمة مادة قيّمة للغاية لتحليل قضايا التدوين والنقل النصي للأسفار المقدسة.
ومن بين هذه المخطوطات تبرز مخطوطة سفر إشعياء المعروفة باسم (1QIsaa)، والتي يعود تاريخها إلى القرن الثاني قبل الميلاد، بوصفها شاهدًا مادياً مميزاً يعزز فكرة وحدة السفر ونسبته إلى نبي واحد.
ما يميز هذه المخطوطة هو التسلسل النصي المتّصل بين الاصحاحين 39 و40، دون وجود أي فاصل او مؤشر بنيوي يدل على وجود انقسام او ما يوحي ببدء قسم جديد — خلافاً لما يدّعيه بعض النقاد الذين يرون في الاصحاح 40 بأنه انطلاقة لقسم جديد يُطلق عليه اصطلاحا “إشعياء التثنوي” (Deutero-Isaiah). على العكس من ذلك، يظهر هذا الإصحاح في المخطوطة في استمرارية طبيعية ضمن العمود ذاته، مما يدلّ بوضوح على أن النساخ القدماء تعاملوا مع السفر بوصفه وحدة متكاملة غير مجزّأة، هذا الترابط الداخلي يشكّل دليلًا نصياً قوياً يُفنّد مزاعم التعددية، ويعزّز الرواية التقليدية التي تنسب السفر بأكمله إلى إشعياء بن آموص.
ما كشفته مخطوطة قمران الشهيرة (1QIsaa) يتقاطع مع ما ذهب اليه العديد من المفسرين المحافظين الذين دافعوا بقوة عن وحدة سفر إشعياء ونسبته إلى نبي واحد.
فقد أشار John N. Oswalt في تفسيره لسفر إشعياء إلى أن الانتقال من الإصحاح 39 إلى 40 لا يكشف عن أي انقطاع بنيوي أو تحوّل في الهوية الأدبية للنص، بل يُفهم كتطوّر طبيعي في رسالة النبي نفسه ضمن اطار تاريخي ولاهوتي موحَّد.
كما شدّد E. J. Young، استنادًا إلى التحليل الداخلي والتقليدين اليهودي والمسيحي، على أن السفر منسوب إلى إشعياء منذ قرون دون اعتراض يُذكر.
ويضيف Gleason L. Archer بُعدًا نقديا حيث يرى ان فرضيات النقّاد حول “إشعياء التثنوي” لا تستند إلى أدلة نصية حاسمة، بل إلى افتراضات منهجية نشأت في سياقات فكرية متأخرة، وليست مبنية على ادلة نصية حاسمة او مخطوطات موثوقة ولا تعكس واقع النقل النصي القديم.
وإلى جانب الشهادة المخطوطية القيّمة التي تمثلها مخطوطة (1QIsaa)، تبرز شهادة تاريخية ذات دلالة بالغة وردت في مؤلف “الآثار اليهودية” للمؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس، حيث يشير إلى أن الملك الفارسي كورش اطّلع على نبوات النبي إشعياء التي سبقته بأكثر من قرنين من الزمان. يقول يوسيفوس في هذا السياق:
“عرف كورش هذه الأمور من خلال قراءته لسفر النبوءة الذي تركه إشعياء قبل مائتين وعشر سنوات.”
تشهد هذه العبارة على إقرار تاريخي قديم بوحدة السفر وتاريخه المبكر، وتعكس فهمًا راسخًا في التقليد اليهودي بأن نبوات إشعياء دُوّنت في القرن الثامن قبل الميلاد، وهذا بدوْرهِ يُضعف الطروحات النقدية التي تفترض وجود كتّاب لاحقين، ويعزز بالمقابل الاسناد التاريخي للسفر إلى نبي واحد هو إشعياء بن آموص.
إن هذا التوافق بين الدليل النصي القديم ومضمون شهادة يوسيفوس التاريخية يُمثل تقاطعًا هامًا بين الدليل المادي والقرائن الأدبية التقليدية، مما يوفّر أساسًا قويًا للدفاع عن وحدة السفر في وجه النظريات النقدية الحديثة، التي غالبًا ما تقوم على فرضيات أدبية أو منهجية غير مدعومة بشواهد مادية أو سياقات زمنية موثقة.
“وبالتالي، فإن التماسك النصي الملحوظ في أقدم مخطوطات سفر إشعياء، إلى جانب ما أوردته المصادر التاريخية القديمة بشأن معرفة ملوك فارس بنبوءات إشعياء، يُعزّز بصورة متكاملة ما خَلُصَت إليه دراسات متعددة من أن هذا السفر يُمثّل وحدة نبوية متماسكة، مكتوبة بوحي إلهي، وتحمل بصمة مؤلف واحد هو النبي إشعياء بن آموص، لا نتاجًا تراكمياً لمجموعة من الكتّاب المتأخرين، كما تفترض بعض القراءات النقدية المعاصرة القائمة على فرضيات أدبية ومنهجية تفتقر إلى التأييد النصي أو التاريخي الكافي.”
خامسا: تحقيق النبوءات في سفر اشعياء: بابل كنموذج لتحقيق النبوءات
تُعدّ الإشارات المتكررة إلى بابل كقوة عالمية مهيمنة في (الاصحاحات 40–66) من سفر إشعياء من أبرز الحجج التي يعتمد عليها المشككون في إسناد هذه الأجزاء إلى النبي إشعياء في القرن الثامن قبل الميلاد. اذ يُفترض بحسب النقّاد، أن بروز بابل كإمبراطورية عالمية لم يتحقق إلاّ في القرن السادس ق. م، أي بعد زمن إشعياء بأكثر من قرن من الزمان. وقد دفع هذا التصوّر الزمني بعض هؤلاء النقّاد إلى افتراض أن هذه الاصحاحات قد كُتبت لاحقًا، على يد كاتب آخر عاش في زمن السبي البابلي أو بعده، وليس على لسان النبي إشعياء نفسه.
غير أن هذا الاعتراض يغفل طبيعة النبوة الكتابية التي تتميز بتقديم الاحداث المستقبلية بصيغة الماضي او الحاضر للدلالة على حتمية وقوعها ويقين تحقيقها وسلطان الاعلان إلهي.
فعلى سبيل المثال، نجد في (إشعياء 13: 19)، وصفاً لبابل بأنها “بهاء الممالك”، وذلك في سياق نبوءة تتناول مجدها المستقبلي وسقوطها اللاحق، رغم ان بابل، في زمن اشعياء النبي لم تكن قد أصبحت بعد القوة العالمية المهيمنة كما عُرفت لاحقا. النص يقول:
“وَتَصِيرُ بَابِلُ، بَهَاءُ الْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ الْكِلْدَانِيِّينَ، كَتَقْلِيبِ اللهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ” (إشعياء 13: 19)
انّ استخدام صيغة الماضي أو الحاضر في عرض أحداث مستقبلية سِمة أدبية مميزة للنصوص النبوية في الكتاب المقدس، وتهدف إلى التأكيد على يقينية تحقيق الوعد الإلهي وسلطان الإعلان النبوي، وليس إلى الإيحاء بأن كاتب النص يعيش في زمن لاحق لتلك الأحداث، كما يزعم بعض النقّاد. فالنبوءة، بطبيعتها، لا تسعى إلى عكس واقع تاريخي معاصر للنبي، بل تعلن عن حقائق مستقبلية بصيغة مؤكدة ومقررة، وغالبًا ما تُصاغ بلغة تحقق فعلي، بحيث يُعرض الحدث وكأنه قد وقع أو على وشك الوقوع، وذلك لإبراز حتميته وموثوقية التدبير الإلهي ومواعيده المعلنة.
يشبه هذا الاسلوب الكثير من النبوءات في مواضع أُخرى في الكتاب المقدس مثل (رؤيا 21: 5 – 6)، حيث يصف يوحنا الرائي الأحداث المستقبلية بلغة تأكيدية حاسمة تشير إلى اليقين التام بحتمية وقوعها:
“وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!» وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ: فَإِنَّ هذِهِ الأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ». ثُمَّ قَالَ لِي: «قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. أَنَا أُعْطِي الْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ الْحَيَاةِ مَجَّانًا.”
(رؤيا 21: 5 – 6)
وكذلك يقول الرب ايضا في (إشعياء 42: 9):
هُوَذَا الأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَالْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا».
هذا إعلان واضح عن طبيعة النبوة الكتابية، بوصفها إعلانًا مسبقًا لما لم يحدث بعد، من خلال علم الله الكامل بالمستقبل، الذي يُعبّر عنه بسلطان إلهي لا يتزعزع.
إن جوهر النبوءة الحقيقية يكمن في القدرة على إعلان الأحداث المستقبلية بسلطان إلهي ويقين لا يتزعزع، ومن هذا المنطلق، فإن نبوءة اشعياء بشأن صعود بابل لا تُعدّ دليلًا على وجود كاتب لاحق، بل هي شهادة على موثوقية النبوءة ودقتها ومصدرها الالهي، وتؤكد أن ما كُتب إنما كُتب بوحي من إله كليّ العلم والمعرفة بالمستقبل يعلن النهاية منذ البداية.
الخاتمة:
تتضافر الأدلة النصية والتاريخية الى جانب الاتّساق الادبي واللاهوتي الداخلي لسفر إشعياء لتعزيز الرؤية التقليدية التي تنسب السفر بأكمله إلى النبي إشعياء بن آموص، حيث ان الاعتراضات التي يثيرها بعض النقاد حول الاصحاحات 40–66 تتغافل عن طبيعة النبوءة الكتابية، وتتجاهل الشهادات الواضحة الواردة في الكتاب المقدس، فضلًا عن المعطيات التي تقدّمها السجلات التاريخية القديمة..
يبقى سفر إشعياء، بما يحتويه من نبوءات دقيقة ورسائل لاهوتية عميقة، عملاً متماسكًا في بنيته وموحى به إلهيًا، شاهداً على سيادة الله على مجرى التاريخ، ودليلاً على قدرته الفائقة في إعلان النهاية منذ البداية. وهكذا، يظهر السفر كوحدة أدبية ولاهوتية متكاملة، نابعة من وحي إلهي، جاء على لسان النبي اشعياء بن آموص وليس ثمرة مساهمات متعددة لكتّات لاحقين.
ليكون للبركة
Patricia Michael
How Many “Isaiahs”? A Question of Prophetic Authorship and Unity in the Book of Isaiah
Oswalt, John N. The Book of Isaiah, Chapters 1–39. Grand Rapids: Eerdmans, 1986.
Oswalt, John N. The Book of Isaiah, Chapters 40–66. Grand Rapids: Eerdmans, 1998.
Young, Edward J. The Book of Isaiah. 3 vols. Grand Rapids: Eerdmans, 1965–1972.
Archer, Gleason L. A Survey of Old Testament Introduction. Chicago: Moody Press, 2007.
ليكون للبركة
Patricia Michael



