أبحاث

“حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ (إشعياء 35:6): شهادة حية على موثوقية الوحي الإلهي وفاعليته في التاريخِ البشري. ترجمة ودراسة: Patricia Michael

“حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ (إشعياء 35:6): شهادة حية على موثوقية الوحي الإلهي وفاعليته في التاريخِ البشري. ترجمة ودراسة: Patricia Michael

"حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ (إشعياء 35:6): شهادة حية على موثوقية الوحي الإلهي وفاعليته في التاريخِ البشري. ترجمة ودراسة: Patricia Michael
“حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ (إشعياء 35:6): شهادة حية على موثوقية الوحي الإلهي وفاعليته في التاريخِ البشري. ترجمة ودراسة: Patricia Michael

🟤 المقدمة:

منذ قرون بعيدة، نَطَق النبي إشعياء بكلمات نبويّة مُدهشة تصف زمناً سيحلُّ فيه الشفاء الجسدي والتجديد الروحي؛ زمناً يُبصر فيه الأعمى، ويقفز فيه الأعرج كالأيّل، ويتحوَّل فيه القفر إلى موضع فَيْض وحياة، إذ تنبأ بكلمات تحمل في طيّاتها وعدًا عميقًا يتجاوز التوقعات البشرية حيث قال:

“حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَسِ، لأَنَّهُ قَدِ انْفَجَرَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ، وَأَنْهَارٌ فِي الْقَفْرِ.” (إش 35: 6).

لم تكن هذه النبوءة مجرد تعبيرات شاعرية، بل كانت إعلانًا عن تدخُّل إلهي حقيقي سيتجسّد في التاريخ. هذه النبوءة– شأنها شأن سائر النبوءات الكتابية – تحمل في طيّاتها إشارات واضحة إلى عمل الله الخلاصي والتدخُّل الإلهي في مجرى التاريخ، لا سيّما فيما يخص العصر المسياني، حيث يُستعلَن التدبير الإلهي داخل التاريخ البشري من خلال أعمال ظاهرة للعيان.

يتناول هذا المقال كيف تحقّقت نبوءة إشعياء النبي بدقّة مُعجزيّة في زمن تجسُّد السيد المسيح، ثم امتدَّ تحقيقها في زمن الرُّسل الأطهار، مما يُبرز وحدة الإعلان الإلهي بين العهدين القديم والجديد، ويُظهر أن ما تنبأ به الأنبياء قد تحقّق حرفيًا من خلال اعمال السيد المسيح وتلاميذه من بعده، ليبقى هذا التحقيق شهادة حيّة على صدق الوحي وفاعلية الكلمة الإلهية عبر التاريخ.

🟤 أولا: نبؤة اشعياء النبي

“حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَسِ، لأَنَّهُ قَدِ انْفَجَرَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ، وَأَنْهَارٌ فِي الْقَفْرِ.” (إش 35: 6).

تشير هذه النبوءة، التي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، إلى تحوُّلات جذرية وعميقة جداً تصاحب قدوم العصر المسياني، وتتجلّى في تدخُّل إلهي مباشر في الواقع البشري، من خلال آيات شفاء وتجديد روحي يتجاوز نواميس الطبيعة.

يتميّز التصوير البلاغي لإشعياء في هذه النبوءة ببُعدٍ لاهوتي فريد:

فالأبكم لا يقتصر على النُّطق، بل يُرنّم، والأعرج لا يكتفي بالمشي، بل يقفز كالأيّل – وهي صُور تُجسّد فرح الخلاص ومجد الاستعلان الإلهي في التاريخ.

🟤 ثانيًا: تحقيق النبوءة في أيام تجسُّد السيد المسيح

في سياق تأكيد هويّة السيد المسيح بوصفه المسيّا المنتظر الذي تتحقّق فيه النبؤات، يُقدّم لنا متّى الانجيلي مشهدًا يُظهر بوضوح أن أعمال السيد المسيح كانت شهادة حيّة على تحقيق النبوءات.

فعندما كان يوحنا المعمدان في السجن وسمع بأعمال السيد المسيح أرسل اثنين من تلاميذه ليسألاه: «أنت هو الآتي، أم ننتظر آخر؟»

(متى 11: 2 – 3)

“أَمَّا يُوحَنَّا فَلَمَّا سَمِعَ فِي السِّجْنِ بِأَعْمَالِ الْمَسِيحِ، أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟»

لم يُجب السيد المسيح بإعلان نظري أو تصريح لاهوتي مباشر عن هويّته، بل أحال السائلين إلى أعماله التي تُجَسّد ما تنبأ به الأنبياء، لتكون هذه الأعمال الإلهية شهادة حيّة – تلك الشهادة التي سبق أن أشار إليها إشعياء النبي في نبوءته.

(مت 11: 4-6).

فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمَا: «اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ».

تُعيد هذه الكلمات صدى نبوءة إشعياء، لا سيَّما في تفاصيلها الحيّة؛ فالأعمى يُبصر، والأعرج يمشي — تمامًا كما سبق وتنبأ اشعياء النبي، وبذلك، يرتبط النص الإنجيلي ارتباطاً وثيقاً بالنص النبوي، مُبيّناً أنّ زمن تحقيق الوعد قد بدأ فعليّاً خلال تجسّد السيد المسيح.

إن السيد المسيح لا يُعلن سلطانه بالأقوال فقط، بل بالأعمال التي تُجسّد الإعلان الإلهي للعالم. وهكذا، فإنّ النبوءة التي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، والتي تتحدث عن تحوّلات عجائبية في زمن المسيّا، تحققت في ملء الزمان بالتجسّد الإلهي. فمعجزات السيد المسيح وأعماله ليست أحداثًا منفصلة أو استعراضات لقدرات إلهية، بل علامات تحمل دلالة نبويّة، تُثبت أن الوعود الإلهية قد بدأت تدخل حيّز التنفيذ، وأن السيد المسيح هو التجسيد الحيّ لتلك الوعود؛ الإله المتجسّد، الفاعل في العالم.

🟤 ثالثا: استمرارية تحقيق نبوءة إشعياء في عصر الكنيسة الأولى (أعمال الرسل)

من الملاحظ أن اشعياء النبي لا يقتصر في نبوءته على الاشارة الى شفاء العُمي والصُم، بل يقدّم بُعْدًا لافتاً يتَّسم بدقّة تعبيريّة بالغة ذات دلالة لاهوتية عميقة: فالأبكم لا ينطق فًحَسْب، بل “يترنّم”، والأعرج لا يمشي فقط، بل “يقفز كالأيّل” (إشعياء 35: 6). وبذلك، لا يمكن فهم هذه الدقّة التعبيرية والصياغة الدقيقة في النبوءة بوصفها تصويرًا بلاغيًا أو مبالغة أدبيّة، بل باعتبارها دلالات نبوية واضحة تُشير إلى علامات زمن المسيّا، كما تبلورت في الذهن النبوي في العهد القديم.

وعند الانتقال إلى العهد الجديد، نجد أن تأسيس الكنيسة بعد صعود السيد المسيح إلى السماء—وهو حدث اشار اليه المسيح بوضوح في مواضع متعددة (متى 16: 18–19؛ متى 18: 17؛ متى 26: 29؛ أعمال الرسل 1: 3) — جاء مترافقًا مع عمل آيات ومعجزات أُجريت على ايدي الرُّسل بقوة سماوية أكدت صدق الرسالة الإلهية.

ويقدّم لنا القديس لوقا في سفر أعمال الرُّسل، سِجلاً لتاريخ الكنيسة الناشئة، حيث يُورد فيه في الأصحاح الثالث معجزة شفاء الأعرج عند باب الهيكل، وهي حادثة تُعدُّ تحقيقًا مباشرًا ودقيقًا لنبوءة إشعياء:

(أع 3: 1-10)

“وَصَعِدَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا مَعًا إِلَى الْهَيْكَلِ فِي سَاعَةِ الصَّلاَةِ التَّاسِعَةِ. وَكَانَ رَجُلٌ أَعْرَجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يُحْمَلُ، كَانُوا يَضَعُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ بَابِ الْهَيْكَلِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «الْجَمِيلُ» لِيَسْأَلَ صَدَقَةً مِنَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْهَيْكَلَ. فَهذَا لَمَّا رَأَى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا مُزْمِعَيْنِ أَنْ يَدْخُلاَ الْهَيْكَلَ، سَأَلَ لِيَأْخُذَ صَدَقَةً. فَتَفَرَّسَ فِيهِ بُطْرُسُ مَعَ يُوحَنَّا، وَقَالَ: «انْظُرْ إِلَيْنَا!» فَلاَحَظَهُمَا مُنْتَظِرًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا شَيْئًا. فَقَالَ بُطْرُسُ: «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ!» وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَهُ، فَفِي الْحَالِ تَشَدَّدَتْ رِجْلاَهُ وَكَعْبَاهُ، فَوَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي، وَدَخَلَ مَعَهُمَا إِلَى الْهَيْكَلِ وَهُوَ يَمْشِي وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ اللهَ. وَأَبْصَرَهُ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَهُوَ يَمْشِي وَيُسَبِّحُ اللهَ. وَعَرَفُوهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ لأَجْلِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَابِ الْهَيْكَلِ الْجَمِيلِ، فَامْتَلأُوا دَهْشَةً وَحَيْرَةً مِمَّا حَدَثَ لَهُ.”

🔸دقّة تحقيق النبوءة في سفر أعمال الرُّسل «حينئذٍ يقفز الأعرج كالأيّل»:

1- استجابة معجزيّة تفوق مضمون الأمر

يلاحظ القارئ في هذا النص أن بطرس الرسول، عند مخاطبته للرجل الأعرج، أمره قائلاً: “بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ!» وهي دعوة للقيام بفعل أساسي كان مستحيلاً عليه القيام به منذ ولادته. غير ان القديس لوقا، بدقته المنهجية، يضيف تفصيلًا لافتًا للغاية يتمثّل في أن الرجل لم يكتفِ بالمشي، بل “قفز” ايضاً.

(أع 3: 7–8)

“فِي الْحَالِ تَشَدَّدَتْ رِجْلاَهُ وَكَعْبَاهُ، فَوَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي، وَدَخَلَ مَعَهُمَا إِلَى الْهَيْكَلِ وَهُوَ يَمْشِي وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ اللهَ.”

يبرز القديس لوقا عنصر المفاجأة الإلهية ويُظهر أن فعل الله لا يقتصر على الحد الأدنى من المطلوب، بل يتجاوز التوقعات ويُظهر ملء النعمة والقدرة.

  1. تحقيق دقيق لنبوءة إشعياء

هذا التفصيل الدقيق ليس مجرّد إضافة سَرْديّة عفوية أو تصويرًا أدبيًا بلاغيًا، بل يُعدّ تحقيقًا دقيقًا مباشراً لنبوءة إشعياء القائلة: «حينئذٍ يقفز الأعرج كالأيّل» (إش 35: 6).

إن الأفعال الواردة في النص مثل وَثَبَ، وَقَفَ، وَصَارَ يَمْشِي، وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ اللهَ، تُحاكي بدقّة التعبيرات التي استخدمها إشعياء النبي، بما يشير إلى أن ما دوّنه القديس لوقا لم يكن مجرّد استدعاء أدبي لِنَصٍّ نَبَويٍّ، بل تسجيل دقيق لحَدث واقعي يحمل صدى نبوءة تحقّقت حرفيّا.

  1. النبوءة كامتداد للتاريخ الخلاصي

غير أن هذا التوافق اللفظي والدلالي لا يُختزل في مجرّد استيفاء شكلي للنبوءة، بل يكشف امتدادًا للفعل الإلهي في تاريخ الخلاص؛ ليس بوصفه تكرارًا حرفيًا لوعود اشار اليها الوحي، بل كثمرة لزمن الخلاص الذي ابتدأ في المسيح ويظلّ فاعلًا وممتدًا في حياة رُسُله وخدمتهم.

المعجزة إذًا تتجاوز حدود الإدراك الحسّي لتصبح علامة لاهوتية تُظهر أمانة الله في وعوده، وعمله المتواصل في التاريخ بطرق ملموسة ومجيدة.

  1. النبوءة كحدث تاريخي لا مجاز بلاغي

تكتسب هذه “ٱلدِّقَّةُ ٱلسَّرْدِيَّةُ” أهميتها اللاهوتية من كونها تربط حدثاً تاريخياً في العهد الجديد بنبوءة مسيانية تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد. فالنبوءة هنا ليست مجرّد مجازاً ادبياً أو وعود غامضة ورؤى عامّة، بل هي تنبؤ دقيق لتحوُّل جوهري وحقيقي سيحدث في المسار الانساني بفعل التدخُّل الالهي.

  1. تحولًا جذريًا يمسّ جوهر الكائن البشري.

من الناحية الروحية، ترمز عبارة “القفز كالأيّل” إلى حرية داخلية وانطلاق جديد. فالقفز هنا لا يُفهم فقط بوصفه حركة جسدية، بل كتعبير عن فرح عميق، حياة مُفعمة، وتحرُّر من قيود العجز والمرض، ونبوءة عن تعافٍ شامل يشمل الإنسان بكليّته.

هذا التفصيل يعكس أيضًا طبيعة المسيح الذي يُعيد تشكيل الإنسان ولا يقتصر على ازالة الأعراض فَحسْب، بل يُحدث تحولًا جذريًا يمسّ جوهر الكائن البشري. الرجل الأعرج لا يكتفي بتحقيق الحد الأدنى، بل ينتقل إلى القفز النشيط، وهو ما يرمز إلى فرح فيّاض وحياة متجددة، وقدرة فائقة على الحركة بعد عجز مزمن.

نحن لسنا أمام شفاء جسدي فحسب، بل أمام خَلْق جديد، يعكس العمل الالهي الفدائي الذي لا يُرمّم ما قد تهدَّم فقط، بل يجدّد ويُنشىء كياناً جديداً. إن الله لا يقتصر على إحداث شفاء اعتيادي، بل يحوّل الإنسان إلى كائن جديد يعبّر عن التحرر والفرح، وكأنّ حركته إعلان عن بدء زمن جديد، قَوامه الحريّة والشفاء الشامل، روحيًا وجسديًا.

  1. الإنجيل كتحقيق ملموس للوعد

يُبرز هذا التفصيل الطبيعة الفريدة للإنجيل، بوصفه إعلانًا إلهيًا ملموسًا يُجسّد وفاء الله بوعوده ضمن التاريخ البشري. فالإنجيل لا يقدّم مجرد فكرة نظريّة أو تأمل لاهوتي، بل يدوّن أحداثًا واقعية تؤكّد موثوقية الوحي وفاعليته التاريخية، وفي هذا الإطار ومن خلال توثيقه لهذا الحدث بتفاصيله الدقيقة، يُحقّق القديس لوقا غايته اللاهوتيّة في رَبْط العهد الجديد بجذوره في العهد القديم، مظهرًا أن التجسُّد والفداء لا يقومان على مفاهيم روحية مجرّدة، بل يتجليّان كوقائع تاريخية مُعلنة ومثبّتة.

  1. تحقيق النبوءة كعلامة لعمل الله التاريخي

بناء على ذلك، يمكن القول إن هذه الدقّة في الوصف ليست صدفة عابرة او مجاز بلاغي، بل هي تأكيد مقصود أن النبوءة قد تحققت فعليّا، حيث يظهر الله من خلالها بصفته خالقاً ومحرّراً، يُفعّل وعوده القديمة بطريقة تتّسم بالوضوح والتميُّز. هذا يدفع القارئ إلى إدراك أنّ الكتاب المقدس، بتفاصيله الدقيقة، ليس مجرد سجل تاريخي عابر، بل هو وحي إلهي حيّ يتخطّى حدود الزمن، ليصل إلى الأبدية ويعلن مجد الله الحيّ.

🟤رابعا: البعد اللاهوتي للوحي النبوي

يبقى السؤال اللاهوتي الأساسي: كيف أمكن لنبي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد أن يتنبأ بمثل هذا التفصيل الدقيق لمعجزة ستتحقّق في القرن الأول الميلادي؟ إنّ هذا المستوى من الدقّة لا يمكن تفسيره ضمن إطار التوقعات البشرية المجرّدة او التخمينات التاريخية، بل هو شاهد على الطبيعة الإلهية للوحي الكتابي.

فالأنبياء لم يكونوا مجرّد ناقلين لأفكار شخصية أو اجتماعية، بل كانوا وسطاء مميزين تكلّموا بوحي إلهي، كما يؤكد الرسول بطرس في رسالته:

(2 بط 1: 21).

“لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.”

وهكذا تتجلّى النبوءات الكتابية كتعبير عن خطة إلهية متكاملة، لا كتوقّعات بشرية أو تكهّنات تاريخية، بل كأعمال إلهية تتحقّق عبر الزمن، شاهدةً على صدق الإعلان الإلهي في شخص يسوع المسيح، الذي جاء ليُتمّم كل ما كتب عنه الأنبياء، كما قال: هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ».” (لو 24: 44)

🟤الخاتمة:

تُظهر دراسة النبوءات الكتابية وتحقيقها التاريخي وحدة وتكامل خطة الله الخلاصية عبر الزمن، ممّا يؤكّد الطابع الإلهي للوحي المقدس. إذ تتجاوز النبوءات كونها توقعات بشرية أو تخمينات تاريخية، لتكون إعلانًا كاشفًا عن مشيئة الله الثابتة التي تتجسّد في مجيء السيد المسيح وتدخُّل الله الفاعل في مجرى التاريخ. هذه الحقيقة تحث الباحثين على الاعتراف بالكتاب المقدس كمصدر موثوق للمعرفة الإلهية، كما تعزز قوة الأدلة التاريخية والنبوية، مما يُرسّخ أسس الدفاعيات المسيحية في مواجهة الشكوك والانتقادات المعاصرة.

ليكون للبركة

Patricia Michael

Miller, Dave. The Bible Is from God: A Sampling of Proofs. Montgomery, AL: Apologetics Press, 2003. [see chapter four: “Messianic Anticipations – The Lame Shall Leap”].

France, R. T. The Gospel of Matthew. New International Commentary on the New Testament. Grand Rapids: Eerdmans, 2007.

Keener, Craig S. The IVP Bible Background Commentary: New Testament. Downers Grove, IL: InterVarsity Press, 1993.

Oswalt, John N. The Book of Isaiah: Chapters 1–39. New International Commentary on the Old Testament. Grand Rapids: Eerdmans, 1986.

“حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ (إشعياء 35:6): شهادة حية على موثوقية الوحي الإلهي وفاعليته في التاريخِ البشري. ترجمة ودراسة: Patricia Michael

زر الذهاب إلى الأعلى