هل نص العهد الجديد محرف؟ مايكل كروجر – ترجمة: عبدالمسيح
هل نص العهد الجديد محرف؟ مايكل كروجر – ترجمة: عبدالمسيح

على مدى الأسبوعين الماضيين، قمنا بنشر سلسلة من المقالات بعنوان “هرطقة الأرثوذكسية” مع الدكتور مايكل كروغر. وفي هذا الجزء الأخير، نختتم السلسلة بمناقشة كيف نُقِلَ نص العهد الجديد في المسيحية الأولى. ونسأل هنا: ما مدى موثوقية العهد الجديد الذي بين أيدينا اليوم؟
هل تم نقل نص العهد الجديد بشكل موثوق؟
المُحاوِر (AK): تحدثنا سابقًا عن الأسفار القانونية. دعنا الآن نتحدث عن النص الفعلي الموجود في كتبنا المقدسة اليوم، وبشكل خاص في العهد الجديد. كما تعلم، هناك بعض الأصوات في السنوات الأخيرة بدأت تشكك في موثوقية الكتاب المقدس، وادّعت أن النُسّاخ – أي أولئك الذين قاموا بنسخ وحفظ النصوص المقدسة التي بين أيدينا – كانوا غير أكفاء، بل إنهم أهملوا أحيانًا، أو حتى حرفوا بعض أجزاء الكتاب المقدس بدلًا من أن يحافظوا عليه بأمانة. كيف ترد على هذا الادعاء؟
الدكتور مايكل كروغر (MK): نعم، هذا الاتهام منتشر على نطاق واسع—فكرة أن النسّاخ المسيحيين الأوائل كانوا هواة غير متمرّسين، أو أن بعضهم، كما يقول البعض، لم يكن حتى يعرف القراءة.
لكن نرد عليهم بأن هناك أدلة قوية جدًا تُظهر أن الكتبة والنسّاخ المسيحيين الأوائل كانوا أصحاب كفاءة عالية. ويمكننا تقييم جودة عمل النسّاخ بعدّة طرق:
- أولى هذه الطرق هي دراسة الخط في المخطوطات القديمة. كان يُقال سابقًا إن المخطوطات المسيحية الأولى كانت مجرد نسخ يومية عادية، غير أنيقة، مما يُظهر أن النسّاخ لم يكونوا يعرفون ما يفعلونه. لكن الاكتشافات الحديثة دحضت هذا الكلام. فلدينا الآن مخطوطات كثيرة مكتوبة بخط أنيق جدًا، بعضها يكاد يكون خطًا زخرفيًا (كالخط المستخدم في الزينة)، ما يدل على أن النسّاخ كانوا يعرفون تمامًا ما يفعلونه.
- أما الطريقة الثانية لقياس الجودة، فهي جودة النصوص التي قاموا بنسخها. صحيح أن هناك بعض المخطوطات لنسّاخ أقل كفاءة، لكن بالمقابل لدينا عدد كبير من المخطوطات الدقيقة التي تُظهر عملًا دقيقًا للغاية—حيث كان الناسخ يصحّح أخطاءه فورًا عند اكتشافها، وكان الخط منظمًا، وتنسيق المسافة بين الكلمات واضحًا، وكان هناك التزام كبير بعملهم، بل وكان بعض النسّاخ يعرضون أعمالهم على آخرين لمراجعتها. وهذا لا يدل على عمل هاوٍ غير متمرس، بل على نظام مهني متقن.
- وأخيرًا، لدينا أيضًا دليل على أن الكنيسة المسيحية الأولى طورت تقنيات متقدمة في إنتاج الكتب لا يمكن الوصول إليها من خلال وجود نوع من الكتبة الهواة غير المترابطين وغير المنظمين (على سبيل المثال: استخدام الكودكس—أي الكتاب بدلًا من اللفائف، واستخدام اختصارات الكلمات المقدسة مثل “يسوع” و”الله” بطريقة منظَّمة تُعرف بـ Nomina Sacra). هذه الممارسات كانت موحدة جدًا ومنظمة، مما يدل على وجود شبكة نسّاخ منظمة ومدرَّبة. كل هذا يؤكد أننا فعلاً نملك أسباباً منطقية للوثوق بنصوصنا المقدسة.
المحاوِر (AK): أظن أن من يشاهدوننا قد يكونون مهتمين بأن تشرح بشيء من التفصيل عن “النومينا ساكرا” (Nomina Sacra) التي ذكرتها قبل قليل. أتذكر عندما سمعتُ بهذا الأمر لأول مرة، شعرت بدهشة كبيرة!—أعمال مثل عمل ديفيد تروبش وآخرين أثارت اهتمامي كثيرًا.
فهل يمكنك أن تشرح بعد ذلك كيف يُظهر استخدام هذه الاختصارات كفاءة النسّاخ وثقافة النسخ آنذاك في الكنيسة الأولى؟
الدكتور مايكل كروغر (MK): مصطلح “Nomina Sacra” هو ببساطة عبارة لاتينية تعني “الأسماء المقدسة”. ويُشير هذا إلى طريقة اختصار خاصة كان يستخدمها النسّاخ المسيحيون لبعض الكلمات اليونانية في الكتاب المقدس—مثل كلمات: “الله” (Θεός)، “يسوع” (Ἰησοῦς)، “الرب” (Κύριος)، و”المسيح” (Χριστός)—وهذه كانت أول الكلمات التي جرى اختصارها بهذه الطريقة.
هذه الاختصارات كانت خاصة بالمسيحيين فقط، ولم يأخذوها من الثقافة العلمانية الرومانية أو الوثنية السائدة آنذاك، بل كانت تعبيرًا عن الإجلال والاحترام للاسم الإلهي.
والأمر المُدهش في النومينا ساكرا هو مدى قِدمها وانتشارها الواسع. فمن النادر أن نجد مخطوطة للعهد الجديد لا تحتوي على هذه الاختصارات. حتى في أقدم المخطوطات المعروفة، مثل P52 (وهي أقدم قطعة موجودة من العهد الجديد)، هناك أسباب قوية للاعتقاد بأنها احتوت على النومينا ساكرا.
لقد انتشرت هذه الطريقة في جميع أرجاء الإمبراطورية الرومانية، وفي وقت مبكر جدًا، مما يجعلها علامة فارقة للكتب المسيحية. وجود مثل هذا الاتساق والتنظيم والدقة في النسخ يُشير إلى وجود ثقافة وشبكة نسخ مسيحية منظّمة ومنتشرة، بل وتكنولوجيا كتب متقدمة نسبيًا في ذلك الزمان.
فكّر في هذا: كيف عرف النسّاخ كيفية استخدام هذه الاختصارات؟ هل أرسل أحدهم “مذكرة قديمة” إلى جميع النسّاخ يقول فيها: “يا جماعة، استخدموا اختصارات الأسماء المقدسة!”؟ بالطبع لا. هذا يدل على وجود تواصل وتنسيق قوي بين النسّاخ المسيحيين. وهذا يُظهر بوضوح أن عملية نسخ الكتاب المقدس لم تكن متفرقة أو فوضوية أو منعزلة بشكلٍ ما، بل كانت جزءًا من نظام متكامل. وأنا أرى أن هذا يُشكّل دليلًا رائعًا على موثوقية النصوص المقدسة.
المحاوِر (AK): أتفق معك. دعنا ننتقل إلى موضوع ثانٍ—قد يعتبره البعض “سر الكنيسة الذي تخفيه عن العالم”—وهو عدد الاختلافات النصّية الموجودة في العهد الجديد.
بارت إيرمان (أحد أشهر النقّاد للكتاب المقدس)، يكرر باستمرار (وبشكلٍ مقزز) في مقابلاته الشهيرة قولًا مثيرًا للجدل، وهو:
“لدينا عدد من الاختلافات في نصوص العهد الجديد أكثر من عدد الكلمات نفسها في النص اليوناني!”
كيف نرد على هذا الاتهام؟
الدكتور مايكل كروغر (MK): كما تعلم، الإحصائيات أحيانًا تكون خادعة، أليس كذلك؟ في بعض الأحيان تكشف الحقيقة، وأحيانًا أخرى قد تسبب ضبابية في المشكلة. الإحصائية التي تتحدث عن عدد الاختلافات النصية هي من النوع الثاني.
في الواقع، أنا لا أختلف بالضرورة مع ما يقوله بارت إيرمان عن عدد الاختلافات. قد يكون لدينا أكثر من مئتي ألف اختلاف نصي بين المخطوطات. لكن ما يجب توضيحه حول هذا الرقم هو لماذا العدد كبير جدًا. الكثير يظن أن السبب هو وجود الكثير من الأخطاء في النسخ، وهذا ليس السبب الحقيقي.
السبب الحقيقي هو أننا نمتلك عددًا هائلًا من المخطوطات. فكلما اكتُشفت مخطوطة جديدة، تصبح لدينا احتمالية جديدة لاكتشاف أخطاء أو اختلافات نسخية لم نكن نعلم بها من قبل. وهكذا، مع كل مخطوطة جديدة تُكتشف، نكتشف المزيد من الاختلافات النصية.
هذا لا يعني بالضرورة أن هذه الاختلافات تقلل من ثقتنا في محتوى النص أو صحته؛ بل هو ببساطة نتيجة لزيادة عدد النسخ التي لدينا. لو كانت لدينا خمس نسخ فقط من كتاب معين، سيكون عدد الاختلافات قليلًا جدًا. لكن إذا كانت لدينا خمسة آلاف نسخة، فمن الطبيعي أن يكون هناك آلاف وآلاف من الاختلافات.
لذا، أول شيء يجب أن نفهمه هو أن وجود هذا العدد الكبير من الاختلافات هو بسبب وجود هذا الكم الهائل من المخطوطات. يمكننا القول إننا تقريبًا ضحايا لنجاحنا [في حفظ النص عبر الأجيال].
المُحاوِر (AK): نعم، يبدو أنه لا يمكننا الخروج من هذه المشكلة. إذا كان لدينا عدد قليل من المخطوطات، فلن يكون هناك سوى عدد قليل من الاختلافات. أما إذا كان لدينا عدد كبير من المخطوطات، فبالطبع سيزداد عدد الاختلافات.
ولكن مع ذلك، بعض الناس لن يعجبهم هذا العدد الكبير من الاختلافات.
الدكتور مايكل كروغر (MK): يبدو أننا فعلاً في “مأزق لا حل له” (Catch-22).
والشيء الآخر الذي أود قوله حول العدد الكبير من الاختلافات النصية هو أننا بحاجة إلى توضيح نوعية هذه الأخطاء للناس. ليس كافيًا أن نتحدث عن الكم فقط، بل يجب أن نتحدث عن النوعية أيضًا.
الغالبية العظمى من هذه الأخطاء، كما يعرف الكثيرون، هي أخطاء إملائية. وهذا يوضح لنا أن الناس في العالم القديم لم يكونوا أفضل كثيرًا منّا في التهجئة. وهذا ليس مفاجئًا، لكن هذه الأخطاء لا تُغير معنى النص. هناك أنواع أخرى من التغييرات—لن أدخل في تفاصيلها هنا—ولكنها أيضًا لا تؤثر بشكل جوهري على معنى النص.
وعندما نُزيل كل الضبابية، ندرك أن هذه الاختلافات النصية لا تغيّر شيئًا جوهريًا. النص ما زال موثوقًا وأمينًا. القصة نفسها لم تتغير. ولم نصل إلى استنتاج مختلف. ولا توجد عقيدة جديدة مختلفة، إنها نفس القصة التي بدأنا بها.
المُحاوِر (AK): إذن أخبرنا قليلاً… كيف كان النسّاخ ينسخون النصوص عادةً، سواء في الأديرة في العصور اللاحقة أو في أماكن أخرى في العصور الأقدم؟ هل كانوا يسمعون النص يُقرأ بصوت عالٍ ثم ينسخونه؟ أم كانوا ينسخون من نسخة أمامهم مباشرة؟ وكيف كانت هذه الطرق تؤدي إلى نوع معين من الأخطاء، سواء أخطاء سمعية أو بصرية؟
الدكتور مايكل كروغر (MK): في الواقع، النسّاخ كانوا ينسخون النصوص بعدة طرق مختلفة.
- نعرف أن كثيرًا منهم كان أمامه نموذج (أو نسخة أصلية) ينقل منها النص بشكل بصري، فكان ينسخ حرفًا بحرف أو كلمة بكلمة، حسب مهارة الناسخ.
وبطبيعة الحال، عند هذه العملية، هناك احتمالية دائمة لارتكاب أخطاء نسخ عادية—مثل الفاصل الزمني بين قراءة الكلمة في النموذج وكتابتها على الصفحة، قد يقلب الناسخ ترتيب حروف الكلمات أو ترتيب الكلمات ضمن الجملة، أو يبدل كلمة بكلمة مرادفة. يمكن أن يرتكب خطأ كهذا، هذا يحدث فعلاً.
لذا، عملية النسخ كانت شاقة. لكن ما نراه هو أن النسّاخ كانوا حريصين جدًا على هذه التفاصيل، وكان لديهم آلية للمراجعة وتصحيح الأخطاء. - النسّاخ أيضًا كانوا ينسخون شفهيًا أحيانًا. نعلم أنه لتوفير الوقت، كان يوجد أكثر من ناسخ في الغرفة مع النموذج أمامهم، وكان أحدهم يقرأ الكلمة بصوت عالٍ، والنسّاخ ينسخونها في الوقت نفسه.
هذا الأسلوب عادةً ما كان ينجح، لكنه أحيانًا يؤدي إلى أخطاء لأن بعض الكلمات اليونانية تتشابه في النطق لكنها تُكتب بشكل مختلف، مثلما في اللغة الإنجليزية إذا قلت كلمة “there”، قد تخطر في بالك كلمات “there”، “their”، أو “they’re”. هذه الأخطاء تحدث أيضًا.
ومع وجود هذه الأنواع من الأخطاء التي تتسرب إلى النص—وهي أخطاء نراها في كل الوثائق القديمة—ليس لدينا أي سبب للشك في سلامة نصوصنا.
المُحاوِر (AK): بالطبع، كمسيحيين، لا نضع إيماننا في النسخ التي قد تحتوي على أخطاء، بل في النص الأصلي. والسؤال الذي قد يطرحه البعض هنا هو:
إذا كانت المخطوطات الحالية دقيقة بنسبة 99% فقط، فهل يعني ذلك أن لدينا فقط نصًا موحى به وخاليًا من الخطأ بنسبة 99%؟ كيف نشرح للناس أننا يمكن أن نثق بنسبة 100% في الكتب المقدسة التي لدينا اليوم؟
الدكتور مايكل كروغر (MK): دائمًا ما أذكر الناس أن علم النقد النصي (أي دراسة المخطوطات واختلافاتها) هو سؤال مختلف عن مسألة الوحي الإلهي. الوحي يتعلق بما إذا كان كلام الله في الكتاب المقدس هو الحق.
أما النقد النصي فيسأل: هل لدينا الكلمات التي قالها الله بالفعل في الكتاب المقدس؟
لذا أعتقد أنه يمكننا أن نؤكد بثقةٍ كاملة أننا نؤمن بالإلهام، حتى لو كان علينا على مستوى علم النقد النصي أن نبحث ونرجع إلى النص الأصلي، يمكننا الرجوع إلى هذا النص الأصلي بدرجة عالية من اليقين، وهذا يسمح لنا بأن نرفع الكتاب المقدس بكل ثقة ونقول:
“نعم، هذه هي كلمة الله المُلهَمة 100%.”
الناس أحيانًا يعلّقون على عدم وجود النسخ الأصلية (الأوتوغرافات)، وأعتقد أن هذا خطأ. الخطأ هو أنهم يخلطون بين النسخ الأصلية كأشياء مادية وبين النص الأصلي نفسه.
أعتقد أننا نملك الوصول إلى النص الأصلي، ليس لأن لدينا النسخة الأصلية المادية، بل لأن النص الأصلي محفوظ في المخطوطات المتعددة.
فالكثير يظن: “إذا لم تكن لدي النسخة الأصلية المادية من رسالة رومية التي كتبها بولس، فلا أملك رسالة رومية.”
نقول لهم: لا، لأن الله كان قادراً على حفظ نص رسالة رومية في العديد من المخطوطات، حتى لو لم نملك النسخة الأصلية المادية.
يجب ألا نخلط بين النسخ الأصلية المادية والنص الأصلي. يمكنك أن تملك النص الأصلي دون أن تملك النسخ الأصلية المادية، وهذا فرق مهم جدًا يتوجب إيضاحه.
المُحاوِر (AK): إذًا، لنختصر كلامنا، ما نستنتجه هو باختصار كلمات ابنتي الكبرى التي تخرّجت من جامعة كارولاينا الشمالية UNC حيث يدرّس بارت إيرمان، وحيث درستَ أنت وزوجتك، وقد أخبرتُها بفكرة الكتاب—قالت لي:
“أبي، ما تقوله لي هو أنه يمكن أن تكون شخصًا ذكيًا ومفكرًا وتبقى في نفس الوقت واثقًا من الكتاب المقدس.”
قلت لها: “لقد فهمتِ الأمر، هذا هو بالضبط.”
الدكتور مايكل كروغر (MK):
نهاية رائعة جدًا! أتفق معك 100%.
كاتب المقال: أندرياس كوستنبرغر Andreas Köstenberger
الدكتور أندرياس كوستنبرغر هو عالم لاهوت مقيم في كنيسة الزمالة رالي. وهو مؤلف ومحرر ومترجم لأكثر من 60 كتابًا، بما في ذلك اللاهوت الكتابي ولاهوت إنجيل يوحنا ورسائله، والله والزواج والعائلة.
رابط المقال:
https://biblicalfoundations.org/is-the-nt-text-corrupt/