سؤال وجواب

كاتب سفر التثنية وتاريخ كتابته

كاتب سفر التثنية وتاريخ كتابته

كاتب سفر التثنية وتاريخ كتابته

كاتب سفر التثنية وتاريخ كتابته
كاتب سفر التثنية وتاريخ كتابته

 

14- ما هو رأى أصحاب مدرسة النقد الأعلى في كاتب سفر التثنية، وتاريخ كتابته؟ وهل يمكن قبول آراءهم؟

المصدر التثنوي Deuteronomy (D):

ج- رأى بعض النقاد أن تاريخ كتابة سفر التثنية يرجع إلى زمن القضاة وبداية حكم الملوك، ورأى آخرون أنه كتب بعد سقوط مملكة إسرائيل، فيقول القس صموئيل يوسف ” يرى روبرتسن E.Robertson إن سفر التثنية ترديد لشريعة موسى الأصلية، جمعها النبي صموئيل القاضي والكاهن، لتكون هادية للشعب في زمن الملوك، ويرى فون راد G.Von Rad إن السفر بعد ثمرة عمل كبير امتد من زمن مبكر جدًا بدءًا من زمن عصر موسى إلى زمن ما بعد السبي، أعيدت كتابته بواسطة رجل يهودي بعد سقوط السامرة بفترة زمنية قصيرة، وأبد هذا الرأي الكثيرون من العلماء(1) وذكر هذا الرأي أيضًا الآب أنطون نجيب في معرض حديثه عن التوراة في ظل الفكر الحديث فقال ” ولكن فحص كتاب التثنية يبين أن تأليف هذا الكتاب لم يتم دفعة واحدة ولا بيد واحدة. وبالفعل تكشف الأخبار الخاصة بنهاية حياة موسى (تث 31-34) عن مفاهيم وأساليب مختلفة عن تلك التي نجدها في باقي الكتاب. وفي داخل الكتاب نفسه نلاحظ بوضوح عدم التكامل في العرض، والتداخل في الأفكار والأخبار، والتكرار وتعدد النهايات، وتدل هذه الظواهر كلها على تعدد أكيد في مراحل التأليف ويجب أن نعترف بأن حالة الدراسات الراهنة لا تسمح لنا بتحديد مراحل التأليف التي مر بها كتاب التثنية قبل أن يصل إلينا في شكله الحالي(2).

وقال الشاب الألماني ” ويلهلم دى فيت ” D. Wette (1780-1849م) في معرض بحثه في رسالة الدكتوراة بأن أسلوب سفر التثنية يختلف عن أسلوب الأسفار الأربعة السابقة، بينما يتشابه مع الأسفار الستة اللاحقة، ولذلك اعتقد ” فيت ” سنة 1805م بأن سفر التثنية يمثل مصدر ثالث للتوراة، وأيده في هذا ” ريم “E. Riehm سنة 1854م، ويقول القس صموئيل يوسف ” يرتبط سفر التثنية أو الجزء الأكبر منه بسفر الشريعة الذي عثر عليه في الهيكل، وفي حكم يوشيا كما يرى D.Wette وآخرون التشابه الكبير بين الشرائع والأحكام الواردة بسفر التثنية، والإصلاح الديني الذي ثم في عهد الملك يوشيا (تث 12: 1-7،2 مل 23: 18-20) ويتفق الكثيرون من العلماء أن سفر التثنية هو أساس الإصلاح الديني الذي تم خلال حكم الملك يوشيا (639-608ق.م) كما تضمن السفر برنامج أو إطار عمل عظيم لإصلاح ديني مبكر خلال حكم منسى المظلم كما يرى كل من رولى ودرايفر s.R.Driver وH.HRowlay(3).

وقال دى فيت أن الكتاب الذي عثر عليه حلقيا الكاهن الأكبر سنة 622 ق.م في الهيكل أيام الملك يوشيا لم يكن إلا هو المصدر التثنوي الذي كثب قبل هذا التاريخ بقليل، وكان هذا الاكتشاف مجرد تظاهر، فالسفر كتب لإعطاء الصبغة الشرعية فلإصلاحات التي يقوم بها يوشيا، فكما أكد سفر التثنية في بدايته على عدم تقديم قرابين خارج هيكل أورشليم، هكذا منع يوشيا تقديم القرابين في أي مكان آخر خارج الهيكل، ويصف دى فيت هذا الاكتشاف قائلًا “إنه تزييف تحت ستار الفضيلة”(4).

وهكذا تسب هؤلاء النقاد سفر التثنية إلى مصدر ثالث غير اليهودي والألوهيمى، لأنهم رأوا أن الأسلوب المستخدم في كتابة سفر التثنية مختلف عن الأسلوب المستخدم في الأسفار الأربعة السابقة من جهة المعجم اللغوي والتعبيرات والجمل، وتجاهلوا أن موسى كتب هذا السفر كخطاب وداعي في نهاية حياته، ومن الطبيعي أن أسلوب الإنسان يختلف بين فترة وأخرى، ولا سيما مع إنسان مثل موسى الذي طالت حياته إلى مائة وعشرين عامًا.

وقال ” مارتين نوث ” الألماني سنة 1943م بأن هذا السفر يخالف الأسفار الأربعة السابقة في أسلوبه، بينما يشابه إلى حد كبير الأسفار السنة التالية يشوع وقضاة وصموئيل الأول والثاني وملوك الأول والثاني، ويدعى أن الذين كتبوا هذه الأسفار السبعة قام به شخص واحد أراد أن يسجل القصة منذ موسى وحتى سقوط مملكة يهوذا، فكتب سفر التثنية كقاعدة يقيم عليها التاريخ الإسرائيلي(5) وتجاهل مارتن نوث أنه مادام هناك أكثر من كاتب للأسفار السبعة فلابد أن يكون هناك أكثر من أسلوب، وحيث إن عمل المحرر الأخير هو التنسيق بين ما كتبه هؤلاء الكتاب، وليس إلغاء ما كتبوه وكتابة مؤلف جديد، وبالتالي كان لا بُد من استمرار الاختلاف في الأسلوب بحسب عدد الكتاب، وهذا ضد رؤية مارتين نوث.

كما قالوا إن هذا السفر يركز على العهد مع الله، فطالما الشعب ملتزم بالعهد مع إلهه فإنه يعيش في سلام، أما في حالة عصيانه فإنه يتعرض لمضايقات الشعوب الأخرى، وهل الأسفار الأربعة السابقة لم تحمل هذا المفهوم..؟! ألم يكن الطوفان أكبر كارثة بشرية بسبب عصيان الإنسان وخطيته، وهكذا سدوم وعمورة..؟! ألم تحمل الوصية الخامسة هذا المفهوم “أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض” (خر 20: 12) ألم يوصى الله شعبه ” وتعبدون الرب إلهكم. فيبارك خبزك وماءك وازيل المرض من بينكم..” (خر 23: 25-33)..؟! إلخ.

وقال هؤلاء النقاد إن مؤلف المصدر التثنوي قد أظهر الله بصورة سامية، فهو يسمو عن الكائنات بما لا يقاس، وهو غير مرئي ولا منظور، وهو السيد المطلق يهب أرض كنعان لشعبه (تث 1: 6-8) ويبيد جميع الأعداء أمام بنى إسرائيل (تث 7: 16،20،22) ويهب شعبه البركات السمائية كما يشاء (تث 11: 14،15) ويعاقب الخطاة ويبيدهم (تث 28: 20-26) وهو القدوس الذي يريد أن يحيا شعبه في القداسة، كما يقولون إن هذا المصدر كتب في مملكة الشمال مثل المصدر الألوهيمي، بدليل استخدامه لاسم إيلوهيم دون يهوه، ويهتم بخلاص الله لشعبه فقط بعكس المصدر اليهوي الذي يظهر اهتمام الله بالعالم كله، وإن التعاليم الواردة فيه قريبة من تعاليم أنبياء مملكة الشمال فمثلًا التركيز على وصية العشور (تث 14: 22) يقترب كثيرًا إلى تعاليم هوشع النبي ويقولون إن هذا المصدر تم تأليفه أيام يوشيا الملك بغرض مساندة الإصلاح، وقد نسبه الكاتب أو الكتاب إلى موسى النبي.

والأمر المدهش أنهم يبررون هذا الخداع فيتساءلون إذا ما هو دور موسى في سفر التثنية؟ ويقول الأب أنطون نجيب في معرض حديثه عن أضواء على مصدر التثنية ” والآن يحق لنا أن نتساءل عن دور موسى النبي ومكانه في كل ذلك؟ ونجيب في الحال بأنه دور أساسي ومكانة جوهرية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهذا لا يعنى بالطبع أن كتاب التثنية في شكله الحالي، ولا حتى في شكله الأول، يرجع إلى موسى النبي نفسه، ولكن جوهر كتاب التثنية موسوي، وتشريعاته كلها موسوية، تتبع من صميم روح المشترع الأكبر، وفي عبارة واحدة نستطيع أن نقول إن ديانة التثنية موسوية.

لقد أدخل المؤلفون، ثم المحررون، تشريعات جديدة على الوصايا العشر. ولكن ذلك لم يكن تجديدًا جذريًا. وإنما بالأحرى وسيلة لضمان نقاوة الديانة والعبادة، وتطبيقًا ضروريًا للدستور الموحى به على أوضاع الحياة المتغيرة..

وقد أراد الكهنة اللاويون، خلفاء موسى. أن يصنعوا ما كان هو نفسه قد صنع لو أنه عاش في عصرهم. وبفضل تلك الجهود التي يشهد عنها كتاب التثنية. وبفضل الجهود المماثلة التي ستستمر في المستقبل، استطاعت الديانة الموحاة أن تصمد في وجه الشرور الملوك الفاسدين، مثل منسى وأمون، وأن تعبر محنة الأسر القاسية، وتتأصل في النفوس خلال الحقبة اليهودية الطويلة، لتصل أكثر نقاوة وصفاء إلى زمن السيد المسيح(6).

وقد وصل بهم الحد إلى اعتبار سفر التثنية مستمد من شرائع الأمم فيقولون ” والشريعة الأخلاقية الاجتماعية في كتاب التثنية شريعة متطورة، فهي تستوحي دستور العهد (خر 20: 22-23: 13) من ناحية، ومن ناحية أخرى تستعير الكثير من شرائع الشرق القديم وعاداته، ولكنها تكيف كل ذلك في أوضاع اجتماعية أكثر تقدمًا، وتضفى عليه لمسة إنسانية كلها رحمة وحنان(7) وقال بذات القول الكاهن الكاثوليكي الكسندر جيمس في نهاية القرن الثامن عشر.

تعليق: عجبًا.. من يقبل هذا الخداع الشيطاني وكيفية تبريره..؟! أليس هؤلاء هم الذين يبررون الكذب الأبيض؟!! إنني أسمعهم يتهامسون همسات شيطانية ” حافظ العبرانيون بكل عناية وغيره على تراث موسى النبي الديني، ولكن أوضاع الحياة الجديدة تغيرت كثيرًا بعد الاستقرار في كنعان. وكان لا بُد من إعطاء حلول جديدة للمسائل الجديدة.. ولكنها كانت كلها مستوحاة من روح موسى النبي، المشترع الأكبر. لذلك سمح المشترعون الجدد لأنفسهم بانتحال انتحال اسم موسى، فوضعوا على لسانه كل التشريعات الجديدة، لأنها لم تكن في الواقع سوى تطبيقات عملية لوحي سيناء(8).. يا للعجب إنهم يدعون الحيلة الشيطانية حيلة تقوية التجأ إليها رئيس الكهنة حلقيا ليصل إلى غايته(9).. إنهم يقاتلون من أجل إثبات وجهة نظرهم، فيدافعون عن الغش والخداع كأنه أمر صالح.. كيف يسمح أي إنسان لنفسه أن يكتب منتحلًا شخصية موسى النبي بحجة أنه لو كان موسى حيًا لكتب هذا..؟! كيف عرف منحل الشخصية هذا..؟! هل الله الذي أرسل موسى كان عاجزًا عن إرسال موسى أخر لاستكمال الرسالة القاصرة حسب تصورهم..؟! إن سفر التكوين بمفرده قادر أن يقود الإنسان إلى طريق الملكوت فما بالك بأربعة أسفار؟! فلو لم يكتب موسى سفر التثنية لأمكن للإنسان الوصول إلى الله.. ولو أخذنا بمنطق هؤلاء النقاد المعوج.. ترى ماذا نقول لو إن الإنسان تصور إن ما كتبه رسل العهد الجديد غير كاف لأن الأوضاع الآن تغيرت كثيرًا، فراح يكتب محتجًا بأن بطرس أو بولس أو مرقص لو كان حيًا لكتب ما يكتبه هو الآن؟! أيحتسب مثل هذا الإنسان ضمن الرسل الموحى لهم بالروح القدس، أم إنه ليس هناك ضرورة للوحي..؟!! والذين كتبوا سفر التثنية منحلين شخصية موسى هل كتبوا بوحي من الروح القدس، ومن الطبيعي أن روح الله القدوس لا يعمل مع إنسان غشاش مخادع؟! إذا هذه الكتابات هي كتابات بشرية محضة، فهي لا تلزمنا لأنها تحتمل الصواب والخطأ.

ثم يقولون بهذه الطريقة استطاعت الشريعة أن تصمد في وجه الشر، وهل كلمة الله كانت ضعيفة فاجتاجَت لهؤلاء المؤلفين والمحررين ليثبتوها..؟!

ويقولون إن التوراة بهذه الطريقة وصلت أكثر نقاوة وصفاء إلى زمن السيد المسيح.. فهل التوراة كما وضعت في صورتها الأولى كان ينقصها النقاء والصفاء..؟! حقًا حقًا آراء شيطانية تهدف إلى هدم قدسية الكتاب المقدَّس، والدليل على هذا قولهم الشرير بأن شريعة سفر التثنية مستمدة من شرائع الشرق القديم الوثنية طبعًا، وهل وصل العجز بالوحي الإلهي أن يستمد شرائعه من شرائع عباد الأصنام..؟!! شتان بين شرائع السماء وشرائع الأرض، لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم (أش 55: 8، 9).

إن شريعة الله هي التي رفعت من مستوى الشعب اليهودي كشهادة موسى النبي الذي يعترف ويفتخر بأنه استمد هذه الشرائع من الله ذاته “انظر قد علمتكم فرائض وأحكامًا كما أمرني الرب إلهي لكي تعملوا هكذا في الأرض التي أنتم داخلون إليها لكي تمتلكوها. فاحفظوا واعملوا، لأن ذلك حكمتكم وفطنتكم أمام أعين الشعوب الذين يسمعون كل هذه الفرائض فيقولون إن هذا الشعب العظيم إنما هو شعب حكيم فطن. لأنه أي شعب هو عظيم له آلهة قريبة منه كالرب إلهنا في كل أدعيتنا إليه، وأي شعب هو عظيم له فرائض وأحكام عادلة مثل كل هذه الشريعة التي أنا واضع أمامكم اليوم” (تث 4: 5-8).. ألم يقرأ هؤلاء النقاد هذه الأقوال الإلهية أم إن بصائرهم قد طمست وعيون أذهانهم قد أغلقت عن فهم أقوال الله لأنهم تكبروا ووضعوا أنفسهم في مرتبة أعلى من حكمة الله؟!!

_____

(1) المدخل إلى العهد القديم ص 176، 177.

(2) رسالة صديق الكاهن مارس 1972 ص 15، 16.

(3) المدخل إلى العهد القديم ص 176.

(4) ريتشارد فريدمان-من كتب التوراة؟ ص 91.

(5) راجع ريتشارد فريدمان ص 92.

(6) رسالة صديق الكاهن مارس 1972م ص 22.

(7) المرجع السابق ص 16.

(8) رسالة صديق الكاهن مارس 1972م ص 16.

(9) المرجع السابق ص 39.

كاتب سفر التثنية وتاريخ كتابته