سؤال وجواب

هل عبد الآباء “إيل” إله الكلدانيين (إله الأساطير)؟

 295- هل عبد الآباء “إيل” إله الكلدانيين (إله الأساطير)؟

1- يرى الخوري بولس الفغالي أن الآباء البطاركة لم يرذلوا عبادة الكنعانيين، ولكن كل ما حدث أن الكنعانيين ربطوا بين آلهتهم وأماكن إقامتهم، أما العبرانيون فقد ربطوا بين آلهتهم وآبائهم فيقول عن العبرانيين في مرحلة البداوة أنهم اكتشفوا إيمان الكنعانيين بإلههم العظيم (إيل).. توقفت عشيرة يعقوب في منطقة بيت إيل، فاكتشفت إله الموضع (إله بيت إيل) وأقامت عشيرة إسرائيل في منطقة شكيم، وعشيرة إسحق في بئر سبع.

اهتم الآباء بالمعتقدات الدينية لدى الكنعانيين، فلم يرذلوها، ولكنهم أحسوا بالفرق بين ديانة الكنعانيين وديانتهم، فإله الكنعانيين يرتبط بمكان، بمذبح، بمعبد.. أما إله البدو فيرتبط بمجموعة من الناس، ويرتبط بالعشيرة.. عبد الكنعانيون إله بيت إيل، إله بئر سبع، إله شكيم. عبدوا الإله في مكان من الأمكنة. أما العبرانيون فعبدوا إله إبراهيم، إله إسحق، إله يعقوب.. ولكن مع الوقت، ماثل شعب التوراة “إيل ” إله الكنعانيين العظيم مع إله جد القبيلة. وحين اتحدت القبائل فيما بعد، صار إله الآباء “إله إبراهيم وإسحق ويعقوب ” وهكذا أخذ شعب التوراة بعض السُطر (الأساطير).. أخذوا سطر كنعان، ولكنهم فسروها بالنظر إلى تاريخهم وإلى إيمانهم الخاص”(1)(2).

ويتساءل الخوري بولس الفغالي إذا كان العبرانيون قد أخذوا اسم “إيل شداى ” من الكنعانيين قائلًا “إيل شداى هو أيضًا اسم إله في كنعان، أيكون العبرانيون أخذوا به، وجعلوه صبغة لإلههم فقالوا: ربنا هو الإله الشديد والقوي والقدير”(3).

ويرى الخوري بولس الفغالي أيضًا أن الآباء عبدوا آلهة عديدة ثم انتهى بنو إسرائيل إلى عبادة الإله الواحد، فيقول “وخلاصة القول بدأ الآباء في عبادات آلهة عديدة، ومروا فيما سميناه الهينوتاوية التي تعبد إلهًا ولا تنكر الآلهة الأخرى.. وسيكون تطوُّر بطئ نابع من قلب شعب إسرائيل، يصل بنا إلى المونوتاوية (الوحدانية) في أجلى نقائها في زمن المنفى، فيعلن إشعياء.. بلسان الرب “لا إله آخر غيري” (أش 45: 21) “قبلي لم يصوَّر إله وبعدي لا يكون. أنا أنا الرب وليس غيري” (أش 43: 10، 11) “أنا الأول وأنا الآخر. ولا إله غيري” (أش 44: 6) وهكذا نكون قد وصلنا إلى مونوتاوية مطلقة تنفي نفيًا واضحًا وجود آلهة غير الإله الواحد. ذلك هو الخط الذي سار فيه الإسلام. عُبد الله بجانب آلهة القبائل ولكن الإسلام أستبعد كل هذه الآلهة وقال: لا إله إلاَّ الله. هذه المونوتاوية قد أخذت بها المسيحية, ولكنها رفضتها حين وصلت بها إلى التعليم الثالوثي، الله الواحد في ثلاثة أقانيم، الآب والابن والروح القدس”(4).

وجاء في الأساطير الكنعانية أيضًا عن الإله “إيل ” وزوجته الإلهة “أشيرة ” فقد طلب الإله “بعل ” من اخته الإلهة “عناة ” أن تتشفع له لدى الإله “إيل ” ليبني له قصرًا و”صنع الإله سلسلة مصنوعات فنية حملها “بعل ” و”عناة ” إلى الإلهة “أشيرة ” زوجة الإله “إيل ” وهما يطلبان رضاها، فذهبت “أشيرة ” إلى “إيل ” زوجها ودافعت أمامه في قضية “بعل”: لا بُد من بناء القصر ليمارس “بعل ” وظائفه كسيد العاصفة والمطر، فاقتنع “إيل ” وإذ علم “بعل ” بواسطة “عناة ” بنجاح مسعاه، دعا “كاشر” الذي بدأ بالعمل، وحين وصل بعل إلى قمة مجده أرسل يتحدى الموت، فتكريس ملك بعل وتشييده قصر يقابل عيد تنصيب الله ملكًا على أرض إسرائيل في بداية السنة. نُصب “بعل ” سيدًا للمطر، لهذا فتح “كاشر ” نافذة في قصره يرسل منها المطر على الأرض”(5).

تعليق:

أ) لم يعرف العبرانيون آلهة عديدة، فقد أعلن الله عن ذاته لإبراهيم، وإسحق، ويعقوب، وهكذا عرف أبناء يعقوب الإله الواحد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وجاءت التوراة لتؤكد على وحدانية الله منذ الوصية الأولى من الوصايا العشر “أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي” (خر 20: 2، 3) ولا يمكن المقارنة قط بين العبادات الكنعانية في ظل تعدد الآلهة وبين عبادة العبرانيين في ظل الوحدانية، لأنها مقارنة بين الحق والباطل، ولا يمكن القول بتطوّر العبادة، وإن الآباء عبدوا آلهة عديدة ثم انتهى بنو إسرائيل إلى عبادة الإله الواحد، لأن الله استعلن أولًا لإبراهيم وإسحق ويعقوب قبل أن يُستعلَن لموسى وشعبه.

ب) القول بأن المسيحية رفضت الوحدانية عندما وصلت إلى التعليم الثالوثي، قول في منتهى الخطورة لأنه يعني أن التعليم بالثالوث يلغي الوحدانية، وهذا ضد الحق، كما أنه تلميح بأن الإسلام يمتاز عن المسيحية بوضوح الوحدانية.. إن الوحدانية هو الدرس الأول الذي تعلمه اليهود والمسيحيون وأتقنوه تمامًا، ومن أجله ضحى الآلف بدمائهم رخيصة حتى لا يضحوا على مذابح آلهة الأمم، أما الدرس الثاني فهو أن الله من شدة محبته للإنسان بدأ يفصح عن ذاته وأن وحدانيته ليست وحدانية صماء جامدة، بل وحدانية موجودة عاقلة حيَّة، وهذا ما تعلمه المسيحيون، وما أكثر الآيات التي جمعت بين الوحدانية والثالوث، فالله واحد في الجوهر مثلث الأقانيم.. أنظر إلى قول السيد المسيح لتلاميذه “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت 28: 19) فقوله “باسم ” يعني وحدانية الجوهر الإلهي أو الطبيعة الإلهية أو الذات الإلهية، وقوله “الآب والابن والروح القدس ” يعني الأقانيم الثلاثة التي يقوم عليهم الجوهر الإلهي، ولا أجد متسعًا لأتحدث عن وحدانية الله وتثليث أقانيمه هنا، ولذلك أحيلك يا صديقي إلى كتابنا: أسئلة حول التثليث.

ج- ما جاء في أساطير الأولين عن “إيل ” كإله ورب لا غرابة فيه، لأن حقيقة إن اسم “إيل ” كان معرفًا لدى الشعوب الأخرى، ولكن ليس معنى استخدام الاسم يعني استخدام المعنى أيضًا، لقد جاء في الأساطير الكثير عن زواج الآلهة وتناسلها وصراعاتها، بينما آمن العبرانيون بالإله “إيل ” الواحد الذي لا شريك له في الألوهية، القادر على كل شيء، غير المحدود.. إلخ وهل معنى استخدام اسم الله في الديانات المختلفة يعني وحدة المعنى؟!

ولا أدري كيف نقارن بين الإله “إيل ” الذي يسمو فوق كل الموجودات، بآلهة الكنعانيين مثل إيل وزوجته أشيرة، وبعل وأخته عناة.. إلخ. بل إنه جاء في الأساطير الكنعانية أن بعل تعرض للموت، بينما ظل “إيل ” عاجزًا عن فعل أي شيء، ثم عاد “بعل ” للحياة بمعاونة أخته عناة والإله شمس، فتقول الأسطورة “أمر موت (إله الموت) “بعل ” أن ينزل من فمه، استسلم “بعل ” فاختفى، عرف الإله “إيل ” بهذا الاختفاء، فأعلن الحداد وتحسر على البشر الذين حُرموا من “إله الأرض ” وبكت “عناة ” هي أيضًا، ولكنها وجدت جسد أخيها فحملته بمعاونة الإله شمس (الشمس) إلى قمة الجبل الذي يشكل الرباط بين السماء والأرض، ثم ذهبت تبحث عن موت (إله الموت) القاتل فمزقته تمزيقًا، وعاد بعل إلى الحياة.. وبعد سبع سنين واجه بعل موت من جديد في مواجهة، توقفت بأمر “إيل ” الذي يحافظ على التوازن في الكون، منع “إيل ” أن يُمحق بعل ولم يسمح لبعل بأن يُهلك موت”(6). فهل يرى أحد أثرًا لمثل هذه الخرافات في الكتاب المقدَّس؟!

2- يرى الدكتور سيد القمني أن بني إسرائيل عرفوا عددًا كبيرًا من الآلهة ومن أشهرهم الرب الإله: فيقول “وقد سبق وعلمنا أن (إل) كان اسمًا جلاليًا منتشرًا على نطاق واسع بين جميع الشعوب السامية، ووصفته ملحمة البعل الأوغاريتية الفينيقية بأن “إيل أبو السنين ” و”خالق الخلائق ” و”ثوار إيل “.. فإن الباحث في التوراة يجده في مواضع أخرى كثيرة اسمًا ذا دلالة عامة، وإنه استخدم للدلالة على عدد من الآلهة كل منها (إل) أو إله، تعاصرت في العهد الإبراهيمي وكوَّنت مجمعًا كان له إله رئيس أو كبير، مُيّز بلقب (الرب الإله) ويمكن أن نفهم ذلك من نصوص عديدة منها مثلًا:

 (وسمعنا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة. فنادى الرب الإله آدم وقال: أين أنت..؟ فقال الرب الإله للمرأة.. فقال الرب الإله للحيَّة..) (تك 3: 8 – 14).. (هوذا الإنسان قد صار كواحد منا..).. والتعبير (كواحد منا) يشير بوضوح إلى مجمع من الآلهة الخالدة يقف فيه الرب الإله متحدثًا.. وغالبًا ما حدد التوراة الإله في مجمع من ثلاثة شخوص، كما في قصة ذهاب الرب إلى النبي إبراهيم.. (تك 18: 1 – 3) والنص واضح تمامًا، فالرب هنا يظهر في صورة ثلاثة رجال استقبلهم إبراهيم، ثم خاطبهم بصيغة المفرد: يا سيد، عينيك، عبدك.. المربك في هذا النص القول أن هؤلاء الرجال الآلهة ذهبوا نحو سدوم ليدمروها، بينما بقى الرب مع إبراهيم، ولا تفسير لهذا الأمر سوى أن الذي بقى هو كبيرهم الرب الإله..

ومع ذلك فإن مزيدًا من الإمعان في التوراة، يرفع عدد آلهة المجمع، حيث نجد عددًا لا بأس به من الآلهة، فهناك (إل صباؤت) إله الجنود، و(إل عليون) الإله العلين، و(إل شداى) الإله الشديد أو القدير، و(إل شليم) إله السلام، و(إل جبور) ، و(إل رحبوت) و(إل يراه) ويمكن لخبرة الباحث في تاريخ الديانات وفي الميثولوجي، أن يشتّم في هذه الأسماء، أسماء لآلهة مواضع ومناطق وظواهر طبيعية مترجمة (إل صباؤت) يمكن أيضًا أن تكون (إله الظباء) أو الإله الظبي أو التيس، وهو إله معروف في تاريخ الديانات كرمز للخصب، و(إل عليون) يمكن أن يكون إله مكان مرتفع كقمة جبل أو بركان أو ما شابه ذلك.

و(إل شداى) يمكن أن يترجم إضافة إلى كونه الشديد، إل إله الشذى أو الرائحة أو الريح.. و(إل يراه) رمز واضح لإله الماء والري والخصب، ويُنطق أيضًا (يراخ) والمصريون يقولون (المطر يرخ) ويتضح للمدقق في التوراة أن إل يراه كان إلهًا لبئر أو لعين من الماء فهو يلتقي بهاجر (على عين الماء التي في طريق شور) (تك 16: 7)”(7).

كما يقول د. سيد القمني أيضًا تعليقًا على “فبنى هناك مذبحًا للرب الذي ظهر له” (تك 12: 7).. “أما العجيب في الرؤية هنا فهو التعبير (فبنى هناك مذبحًا للرب الذي ظهر له) وهذا إنما يعني وجود أرباب لم تظهر له، وظهر أحدها، أو أن القبيلة كانت قبل نزول كنعان تعرف ربًا محددًا غير هذا “الذي ظهر له “.. فهل كان هذا “الذي ظهر له ” ربًا لإبرام منذ البدء، أم إنه رب كنعاني حيث حطت القبيلة رحالها..؟ وهنا يجدر بنا الوقوف قليلًا لتسجيل بعض الملحوظات الهامة التي يمكنها أن تجيب على السؤال المطروح:

  1. أن الإله طوال القصص التوراتي السابق على نزول أرض كنعان، منذ بدء الخليقة إلى ظهور إبرام، لم يذكر أبدًا بالاسم (أيل) مما يشير إلى أنه لم يكن معروفًا لهذه القبيلة في مواطنها الأصلية.
  2. كان هذا الإله معروفًا هناك حين وصول القبيلة أرض كنعان، وله بيت مقدَّس يُعبّد فيه، وأصبحت المدينة المقام فيها حرمًا كاملًا له وسُميت “بيت إيل “.
  3. إن هذا الإله الكنعاني قد أصبح إلهًا لإسرائيل، أو أنهم اختاروه إلهًا، وأعلنوا أنه هو الذي اختارهم. قاموا يمنحون نفسهم أرضًا، منحها لهم رب الأرض ذاتها، فهو الذي اختارهم شعبًا خاصًا له يمارس معهم الربوبية..؟! هو الذي منحهم أرضه الكنعانية.. (وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان مُلكًا أبديًا. وأكون إلههم) (تك 17: 8).
  4. وإضافة إلى كون (إيل) إلهًا كنعانيًا قديمًا في البلاد، له بيته ومدينته المقدَّسة فقد كان له كهانته المنظمة.. فهذا كبير الكهنة يستضيف (إبرام) وأهله بعد معركة ناجحة مع أعداء للمنطقة الكنعانية، ثم يبارك (إبرام) باسم (إيل) فيسبغ عليه المواطنة لدفاعه عن البلاد (وملكي صادق ملك شاليم أخرج خبزًا وخمرًا. وكان كاهنًا لله العلي. وباركه وقال مبارك إبرام من الله العلي.. الذي أسلم أعداءك في يدك) (تك 14: 18 – 20) وفي المقابل تقرر أن ينال الكاهن من (إبرام) ورجاله الذين أخذوا يصولون في المنطقة ويجولون، العشر من الغنائم التي يغنمها (فأعطاه عشرًا من كل شيء) (تك 14: 20)..
  5. إن (إيل) إله المدينة الكنعانية المقدّسة “بيت إيل” يستمر على عهده وتصميمه في اختيار بني عابر شعبًا بديلًا لشعبه الكنعاني، فيظهر ليعقوب حفيد إبرام ليؤكد له استمرار الحلف، ويعرفه بنفسه قائلًا “أنا إله بيت إيل” (تك 31: 13) أما المكتشفات الأثرية في تل شمرا فقد كشفت لنا عن ملامحها المتعددة في عبادة الإله (إيل) كسيد للآلهة، وخالق الكائنات، رفيع المقام، مقامه عند نبع النهرين قرب أفقا، أبو الزمن والسنين، لطفان (أي كثير اللطف).. إلخ.(8)(9)“.

تعليق:

  1. ما ورد في سفر التكوين من إشارات للجمع عند الحديث عن الله مثل “هوذا الإنسان صار كواحد منا ” أو “هلم ننزل ونبلبل ” كانت إشارة لعقيدة الثالوث القدوس التي لم تكن قد اُستعلنت بعد. أما الثلاثة أشخاص الذين ظهروا لإبراهيم، فهو ظهور لله في صورة إنسان، ومعه ملاكان، ولذلك ظل إبراهيم واقف أمام الله يشفع عن سدوم وعمورة، بينما ذهب الملاكان لإنقاذ لوط وزوجته وأبنتيه قبل حرق المدينة.
  2. ما جاء بشأن الادعاء بأن بني إسرائيل عبدوا آلهة عديدة نقلًا عن الكنعانيين، فقد سبق الرد على هذا الادعاء بالتفصيل في كتابنا “مدارس النقد والتشكيك والرد عليها ج1 ” ويكفي أن نذكر هنا استخدام أن اسم “إيل ” إشارة للألوهية، وقد استخدمت شعوب عديدة هذا الاسم، ويبدو أن هذا الاسم قد عُرف عقب الطوفان، وجاء الاسم في سفر التكوين بصيغة الجمع “ألوهيم ” إشارة إلى الثالوث القدوس، وجاء في معجم اللاهوت الكتابي عن اسم “إيل ” إنه “اسم جنس يدل على الألوهية بصفة عامة، واسم علم يدل على الشخص الوحيد والمحدود (يقصد المحدَّد) والذي هو الله، أما ألوهيم فهو صيغة جمع.. ليس أيضًا أثرًا وثنيًا، إذ هذا لا يتفق من العقلية الإسرائيلية الحساسة جدًا في مثل هذا الموضوع (تعدد الآلهة).. كان “إيل ” معروفًا ومعبودًا خارج إسرائيل كاسم جنس يدل على الألوهية، تقريبًا في كل العالم السامي”(10).
  3. وقد اقترن اسم “إيل ” بأسماء أو صفات أخرى مثل “إيل عليون ” أي الإله العالي الذي يعلو فوق كل الوجود (تث 32: 8، مز 18: 13) و”إيل شداى ” أي الرب القدير، و”إيل رئى ” أي الله إله الرؤيا، و”إيل أولام ” الاسم الذي يشير للسرمدية، فهو الوحيد الأزلي الذي لا بداية له، والأبدي الذي لا نهاية له، و”إيل إله إسرائيل ” أي الله إله إسرائيل، و”إيل بيت إيل ” أي الله هو إله بيت إيل.. إلخ.(11).
  4. يقول فراس السواح “في أسفار التوراة نجد أن اليهود ينادون إلههم باسم “إيل ” وهو رب الأرباب عند الكنعانيين والآراميين.. ونجد اسم إيل في كثير من أسماء الأعلام اليهودية مثل رعوئيل، إسماعيل، إسرائيل.. إلخ.

وفي المراحل التالية نجد يهوة ينفصل عن إيل ويحاول انتزاع صفات وسلطات الإله السوري “بعل ” إله المطر والعاصفة والرعود، والإله الأكثر محبة في قلوب السومريين، فالرعد هو صوت بعل الذي يعل قدومه، والغيوم مركبته التي تقله، والصاعقة سلاحه، والبرق هيبته، والمطر نعمته.

هذه الأمور كلها دعاها يهوه لنفسه “صوت الرب علي المياه. إله المجد أرعد. الرب فوق المياه الكثيرة.. صوت الرب بالجلال” (مز 29: 3، 4) وكذلك”الجاعل السحاب مركبته الماشي علي أجنحة الريح” (مز 104: 3) فيهوه هنا يتخذ لنفسه صفة أساسية من صفات “بعل فهو راكب الغيوم “.. وكما طالب بعل ببناء بيت له بعد انتصاره، كذلك يفعل يهوه (2صم 7: 3) وكان اليهود لدي قراءاتهم في التوراة يتهيبون لفظ اسم يهوه، فعندما يصلون في قراءاتهم للاسم يلفظون بدلًا عنه اسم أدوناي، وهو من ألقاب بعل “..”(12).

وراح كمال الصليبي يربط بين الإله شدًّاي وبين منطقة “إل سدي” في مرتفعات طهران وقال أن شدّاي هو إله من آلهة الجبال لأن الاسم إل شدّي تعني الإله الجبل(13).

تعليق:

أ) الرعد والغيوم والبرق هي علامات علي الحضرة الإلهية كما حدث عند نزول الرب علي جبل سيناء ولقائه مع موسي والشعب العبراني، أما “بعل ” فليس إلهًا حقيقيًا، وصفاته لا تمثل الواقع ولا الحقيقة، فيهوه الحقيقي لم ينتزع صفات “بعل ” لأن “بعل” لا وجود له إلا في خيال الشعوب الوثنية.

ب) القول بأن يهوه طلب من داود أن يبني له بيتًا، كما طلب بعل من إيل بناء بيتًا له افتراض خاطئ، فداود النبي والملك قال لناثان النبي “أنظر. إني ساكن في بيت من أرز وتابوت الله ساكن داخل الشقق. فقال ناثان للملك أذهب أفعل كل ما في قلبك” (2صم7: 2، 3) والأمر انتهي برفض الله أن يبني له داود بيتًا، إنما أعطاه وعدًا بأن ابنه سليمان هو الذي سيبني البيت (2صم7: 12-17).

ج) ما ذهب إليه كمال الصليبي من أن الآباء عاشوا في الجزيرة العربية، لا يقره أي باحث منصف، ففي هذا القول مسح وإلغاء لتاريخ فلسطين، وتكذيب لجميع الأدلة الأثرية والتاريخية التي تثبت أن الآباء عاشوا في أرض الموعد، أرض كنعان وليس في الجزيرة العربية، وقد رد فراس السواح في كتابه “الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم “بالتفصيل علي إدعاءات كمال الصليبي في كتابه “خفايا التوراة وأسرار شعب الله “وسنعود لهذا الموضوع في موضع آخر إن شاءت نعمة الرب وعشنا.

_____

(1) راجع أيضًا بولس الفغالي – المجموعة الكتابية – سفر التكوين ص 364.

(2) تعرف إلى العهد القديم مع الآباء والأنبياء ص 47.

(3) راجع المجموعة الكتابية – سفر التكوين ص 235 – 250.

(4) في رحاب الكتاب – 1 – العهد الأول ص 39.

(5) المدخل إلى الكتاب المقدس جـ1 ص 471، 472.

(6) الخوري بولس الفغالي – المدخل إلى الكتاب المقدس جـ1 ص 472.

(7) قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 149-155.

(8) د. أنيس فريحة – ملحمة البعل ص 113 – 116.

(9) الأسطورة والتراث ص 123-126.

(10) معجم اللاهوت الكتابي ص 91.

(11) راجع مدارس النقد والتشكيك ج3 ص135 – 145.

(12) مغامرة العقل الأولي ص 108، 109.

(13) راجع خفايا التوراة وأسرار شعب الله ص 131.

هل عبد الآباء “إيل” إله الكلدانيين (إله الأساطير)؟