فريق اللاهوت الدفاعي

التصنيف: الرد على أبي عمر الباحث

يختص هذا القسم بالرد على ما يطرحه أبو عمر الباحث من شبهات وأكاذيب. الرد على أبي عمر الباحث

  • معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح – ما لا يعرفه ابو عمر الباحث – مينا كرم

    معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح – ما لا يعرفه ابو عمر الباحث – مينا كرم

    معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح – ما لا يعرفه ابو عمر الباحث – مينا كرم

    معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح - ما لا يعرفه ابو عمر الباحث - مينا كرم
    معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح – ما لا يعرفه ابو عمر الباحث – مينا كرم

    معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح – ما لا يعرفه ابو عمر الباحث – مينا كرم

    اهداء إلى الصديق: أمير عيد

     

    قام ابو عمر ” الباحث” بنشر فديو بعنوان ” ما لا تعرفه عن الأعمى الذي آمن بالمسيح” وهو عبارة عن تحليل مُضحك لمعجزة الرب يسوع المسيح بشفاء المولود أعمى، يعتقد ” الباحث ” أن هذه المعجزة تُثبت أن المسيح مجرد إنسان نبي وتنفي عنه الالوهية!

    اعتمد في هذا المقطع الى ثلاثة نقاط سخيفة للغاية، وهي:

    1. أن المولود اعمى قال عن المسيح أنه إنسان (يوحنا 9:11)، وهذا ما قاله المسيح عن نفسه (يوحنا 8:40) وأيضاً أن المولود اعمى قال إن المسيح نبي ولم يقل إنه إله.
    2. أن المولود اعمى قال للفريسين عن المسيح، لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئًا، وهذا ما يقوله المسيح عن نفسه، حيث يقول ” لا أقدر أن افعل من نفسي شيئًا” (يوحنا 5:19)
    3. أن قول المسيح ” أتؤمن بأبن الله ” (يوحنا 9:35) في أقدم المخطوطات هو ” ابن الانسان” وبالتالي يعتقد ابو عمر أن المولود اعمى قد أمن بالمسيح باعتباره مجرد إنسان قط.

    هذه النقاط التي تُشجعني على الضحك أكثر من كتابة تعليق عليها يعتبرها الكثيرين ومن ضمنهم ابو عمر انها ” تُدمر ” ايماننا بالرب يسوع المسيح!، قد غفل المجتمع المسيحي قرون لم يلاحظ هذه النقاط الخطيرة التي يُقدمها هذا ” البصمجي “، فجاء وأنار عقولنا بها!

     

    التعليق على النقطة الأولى:

    نجد في قصة المولود أعمى تدرج ايماني، حيث يقول عن المسيح أنه إنسان ثم يقول انه نبي ثم يؤمن بالرب يسوع المسيح ويسجد له، فلم يؤمن فقط المولود أعمى أن يسوع كان مجرد إنسان أو نبي.

    وهذه النقطة هي إشكالية حوارية قديمة للغابة، حيث أن مُهاجمي الوهية المسيح دائماً يأتون بنصوص تقول إن الرب يسوع المسيح إنسان!، ومن قال أصلًا أننا ننكر إنسانية الرب يسوع المسيح؟ الكنيسة قد دافعت عن القاب المسيح التي تخص لاهوته والتي تخص ناسوته أيضاً يقول القديس يوحنا ” الّذي كانَ مِنَ البَدءِ، الّذي سَمِعناهُ ورَأيناهُ بِعُيونِنا، الّذي تأَمَّلناهُ ولَمَسَتْهُ أيدينا مِنْ كلِمَةِ الحياةِ” (1يو 1:1)، “لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح” (1تيموثاوس 2: 5) . فلا إشكال من الأساس، فنحن نؤمن بناسوتية المسيح كما نؤمن بألوهيته.

    أما عن كون أن المولود أعمى اعتقد أن المسيح نبي، فما هي الإشكالية!؟، نحن نؤمن أن المسيح كان نبي! بل سأساعدك اعتقد الكثيرين أن المسيح نبي، ” فقالت الجموع: «هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل» ” (مت 21:11)،” قالت له المرأة: «يا سيد أرى أنك نبي!” (يو 4:19) والكثير غير هذه النصوص، ولا أعرف ما وجه الاستغراب من هذه النصوص، فاليهود يعرفون أن الأنبياء هم من يصنعون المعجزات، هل مثلا رأى اليهود الله يفعل المعجزات من قبل؟، فالصورة العالقة بأذهان اليهود هي أن الأنبياء يصنعون معجزات، والمسيح قد صنع الكثير فمن البديهي أن يعتقد اليهود أنه نبي عظيم!

    ولكن كالمعتاد والمتوقع هو منهج الانحياز الأعمى لدى هؤلاء، فقد أعلن الرب يسوع عن الوهيته، وكذلك تلاميذه والكثيرين أيضاً، ونأخذ مثال.

    أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ». فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَعْمَالًا كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إنسان تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا (30-33:10)

     نجد هنا أن اليهود يقولون ” تجعل نفسك إلهًا” أي أن هذا ما يقوله يسوع عن نفسه وهذا ما فهمه اليهود لذلك أرادوا أن يرجموه، فبنفس منطق أبو عمر، فهو أمن أن يسوع إنسان لأن شخص اعتقد أنه إنسان، ها نحن هًنا نجد اشخاص في صدام مع تصريحات يسوع بألوهيته.

    قد أمن ابو عمر أن المسيح إنسان لأن المسيح قال عن نفسه هذا، فما هو موقفك مع تصريح الرب يسوع المسيح أنه ” واحد مع الاب”!؟ هنا نجد تصريح قوي من الرب يسوع المسيح عن لاهوته، فهل يؤمن ” أبو عمر ” بألوهيته؟

     

    ولأننا نعرف المستوى الضحل لأبو عمر ” الباحث”، سنحلل بشكل مُبسط هذا النص[1]، بحسب النص اليوناني المسيح يقول ἐγὼ καὶ ὁ πατὴρ ἕν ἐσμεν”” هنا أتت كلمة واحد في صيغة المُحايد (ἕν) ولم تأتي في صيغة المفرد، حيث أنها إذا أتت في صيغة المفرد فهذا يجعل أن المسيح هو نفسه ” الأب” دون تمايز أقنومي، لكن هنا في صيغة المُحايد، ولا يُمكن لأي مخلوق أن يضع نفسه في صيغة ” واحد ” مشتركة مع الله، فهذه الصياغة تدحض الفكرة الأريوسية والسابيلية في وقت واحد.

     

    يقول نوفتيان: عبارة انا والأب واحد، لا تنطبق على أي بشر، المسيح فقط من أعلن هذه العبارة من وعيه لألوهيته[2].

     

    يقول هيبوليتس: ليعرف نويتوس إن الرب يسوع لم يقل ” انا والأب واحد ” مُشيراً إلى شخص واحد بل شخصين، فالمسيح كشف عن شخصان مُتمايزان لكن لهم قدرة واحد[3]

     

    يقول كيرلس السكندري: نقول أن الأب والإبن واحد لا لنمزج وحدتهم من ناحية العدد كما يقول بعضهم أن الأب والإبن هما نفس الشخص، بل نحن نؤمن بأن الأب والإبن هما اقنومان (شخصان) فريدان، ويجتمعان في جوهر واحد مُتماثل، عارفين انهما يَملكان نفس القدرة، حيث يتم النظر الى هذا الجوهر الإلهي دون تباين بين الأب والإبن[4]

     

    يقول غاري بولمر: ليس كافياً أن نجمع من كلمات يسوع انه هو والأب واحد في الفكر أو هو والأب تجمعهم علاقة متناغمة، أو هم واحد في التعامل مع الخراف، كان يسوع يتحدث عن كونه جوهر واحد مع الأب، كونه الله، وهذا هو بالضبط ما فهمه اليهود[5]

     

    يقول روبرت جاميسون: أوغسطينوس كان مُحقاً عندما قال ” نحن ” تُدين اتباع سابيليوس (الذين أنكروا التمايز الأقنومي) في حين أن ” واحد ” تُدين الأريوسين (الذين أنكروا وحدة الجوهر) [6]

     

    يقول جون بوتلر: موضوع إنجيل يوحنا بأكمله هو لاهوت يسوع، افتتاحية الإنجيل تبدأ مباشرة في هذا الموضوع، والمسيح نفسه كان واضحاً في إعلان لاهوته، لذلك لا يوجد افتقار للسلاسة، لكن قلة الإيمان هو الذي جعل النقاد يَشكون ان المسيح لم يُعلن بشكل واضح عن هويته[7]

     

    يقول تيد كابال: ادعاء يسوع بإنه واحد مع الله حقا قد تجاوز الحدود، والتي تعتبرها بعض السلطات اليهودية انه لا يجب على أي إنسان أن يتفوه بها لئلا يعطي الإنسان لنفسه صلاحيات إلهيه، والبعض قد حاولوا رجم يسوع (انظر الأعداد 31-33) مما يدل على ان صاحب القول (يسوع) كان يقول أكثر مما يُعني مُجرد وحدة في الهدف والإرادة[8]

     

    يقول اندرياس كوستنبريجر: ادعاء يسوع ” انا والأب كيان واحد ” (راجع يو 17-18:5، 33-38:10) يُشكلان ذروة هذا الإصحاح، تماماً مثل يوحنا 8:58 بالنسبة للإصحاح الثامن من إنجيل يوحنا (كارسون 1991: 395) هذا القول ” انا والأب واحد ” هو ترديد للاعتراف الرسمي لليهودية (اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد (التثنية 6:4)، لأن يسوع هو واحد مع الأب لكنه مُتميز عنه (انظر يوحنا 1:1-2) ومن المؤكد أن التركيز هنا هو على وحدة العمل (ريدربوس 1997:371، كارسون 1991:394)، لكن الوحدة الأنطولوجية (وليست فقط الوظيفية) بين يسوع والأب تبدو مُفترضة، وعلى الرغم أن التأكيد ليس على الهوية الكاملة، من الواضح إن هذا الإعلان لا يُعني مجرد وحدانية الإرادة بين يسوع والأب (كارسون 1991:395) [9]

     

    يقولا هندريكسن & كيستيمكر: في عدد 28 قد تحدث يسوع عن حبه الخاص لخرافه، وفي العدد 29 تحدث عن حب أبيه، لا يخطفهم أحد من يد الإبن ولا من يد الأب..، ومن ثم فيما يتعلق بهذه الرعاية فإن الإبن (عدد 28) والأب (عدد 29) واحد، لذلك يقول يسوع ” انا والأب نحن واحد “، وبالرغم من ذلك بقدر ما هو مُوضح في النصوص الأخرى، من الواضح أن الوحدة هنا ليست امرأ خارجياً فحسب، بل أيضاً (وجوهراً)  (أنظر بشكل خاص على (يوحنا 5:18، وأيضاً 1:14،18، 3:16) من الواضح ان هنا أيضاً لا يُمكن ان يكون أي شيء أقل من هذا، بالتأكيد إذا كان الأب والإبن واحد جوهرياً.

     

    فعندما يقول يسوع انا والأب واحد لا يُمكن ان يُعني فقط نحن واحد في توفير الرعاية للخراف…، لاحظ مدى الحرص في التعبير على التمييز بين الأشخاص ووحدة الجوهر، هنا يقول يسوع ” انا والأب ” ومن ثم فهو يتحدث بوضوح عن شخصين، وهذه التعددية في الأشخاص بالفعل تظهر (كلمة واحد باليونانية) ” نحن ” ἐσμεν، ومن ثم لا يقول يسوع نحن شخص واحد εἶς، لكن يقول نحن ” جوهر واحد “، فعلى الرغم أن الأب والإبن شخصين لكن هم جوهر واحد، فتعبير واحد ἕν بصيغة المُحايد، حررنا من الفكر الأريوسي الذي ينكر وحدة الجوهر وأيضا فكر سابيليوس (الذي ينكر التمايز الأقنومي)، وهكذا يؤكد يسوع في هذه الفقرة على مساواته الكاملة مع الأب [10]

     

    يقول ويليام ماكدونالد: الآن قد أضاف الرب يسوع تصريح أخر وادعاء لمساواته مع الله، ” انا والأب واحد “، هنا ربما تكون الفكرة على الأرجح هي أن المسيح والأب واحد في القدرة، فقد كان يسوع يتحدث عن القوة التي تحمي خراف المسيح، فإن سلطته هي نفس سلطة الله الأب، بالطبع نفس الشيء ينطبق على كل صفات الألوهية، الرب يسوع هو الله بمعنى الكلمة، وهو مساوي للأب في كل شيء[11]

     

    يقول بوب اتلي: انا والأب واحد… أيضا اخذ اليهود حجارة ليرجموه. هذا مُجرد واحد من التصريحات القوية ليسوع عن مسيانيته وألوهيته راجع (1-14:1، 8:58، 8-10:14)، قد فهم اليهود تماماً ما كان يقوله واعتبروه تجديف (راجع عدد 33، 8:58) كانوا ذاهبون إليه ليرجموه على أساس ما ورد في (لاويين 24:16)[12].

     

    يقول وارن ويرسب: لا تُشير كلمة ” واحد ” الى أن الأب والإبن هم نفس الشخص لكن كلمة ” واحد ” تُعني أن الأب والإبن واحد ” في الجوهر “[13].

     

    يقول جيرارد كريسبن: في الإعداد من 25-30، قد أجابهم يسوع انه قال لهم لكنهم لم يؤمنوا، وان خرافه سيتبعونه ويُعطيها حياه أبدية ولن يهلكوا ابدأ، ولن يقدر أحد أن يخطفهم من يده أو من يد أبيه، وهنا قد أعلن يسوع عن الوحدانية الكاملة بين الإبن والأب[14].

     

    يقول لورانس ريتشاردز: انا والأب واحد (يوحنا 10:30). يسوع هو الله، هذا هو ادعاء واضح آخر من يسوع لألوهيته، وقد فهم مُستمعيه تماماً ما كان يُعنيه، ولذلك كانوا مُستعدين لرجمه بسبب تجديفه[15]

     

    يقول جون بيتر لانج: من أقوى الحجج على ألوهية المسيح هو استخدام تعبير واحد في صيغتها المُحايدة ἕν لا يُمكن لأي مخلوق أن يضع نفسه في صيغة واحد مُشتركة مع الله.. وكما لاحظ أوغسطينوس وBengel أن استخدام لفظة ” واحد ” في صيغتها المُحايدة تدحض كلا الادعاءين الأريوسية والسابيلية[16]

     

    يقول روبرت هوبير: كلمة ” واحد ” في اليوناني أتت مُحايد، والتي تُعني ” شيء واحد ” وليس ” شخص واحد “، فالأب والأبن هما واحداً في جوهرهما أو طبيعتهما، لكنهم ليسوا نفس الشخص[17]

     

    تعليق ESV: إدعى يسوع قائلاً ” انا والأب واحد ” (أي كيان واحد – في اليوناني ” واحد ” بصيغة المُحايد، قارن 5:17،18، 33-38:10) فهذا الإعلان هو صدى الشماع اليهودية (تثنية 4:6) وهكذا فإن كلمات يسوع تصل إلى حد الألوهة، من ثم يرفع اليهود الحجارة ليرجموه، وفي وقت لاحق يُقال إن وحدة يسوع مع الأب تُشكل الأساس الذي ينبغي أن يتوحد عليه تلاميذ (اتباع) يسوع (يوحنا 17:22)، كما في 1:1 هنا مرة أخرى يظهر أساس الثالوث، ” أنا والأب ” هذا التعبير يُعني أن هنا أكثر من شخص في الثالوث لكن “واحد” أي أن الله هو كائن واحد[18]،

    معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح - ما لا يعرفه ابو عمر الباحث - مينا كرم
    معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح – ما لا يعرفه ابو عمر الباحث – مينا كرم

    يقول كينيث باركر: “أنا والأب” يتم هنا الحفاظ على الفردية المُستقلة لشخصين في الكينونة الإلهية، كلمة ” واحد ” (GK 1651) تؤكد وحدة الطبيعة أو المُساواة (راجع 1كو 3:8)، سارع اليهود إلى فهم هذا التصريح وكانت رد فعلهم هي مُحاولة رجم يسوع لإنه قد جدف، لأنه وهو إنسان قد جعل نفسه واحداً مع الله، فكان بالنسبة لهم لم تكن لغة يسوع تعني مُجرد الاتفاق على الفكر أو الهدف، بل كانت تحمل أثاراً ميتافيزيقية للألوهية[19]

     

    يقول ج. رايل: لقد أعلن ربنا هنا في أكثر العبارات صراحة ووضوح حقيقة الوحدة الجوهرية بينه وبين أبيه، هذا التعبير يُترجم حرفياً ” انا وأبي شيء واحد ” وبالطبع لم يكن يعني انه وأبيه شخص واحد، هذا من شأنه إسقاط عقيدة الثالوث، لكنه يعني انا وأبي أزليًا شخصان متمايزان، لكننا واحد في جوهرنا وطبيعتنا وكرامتنا وسلطتنا وإرادتنا.. من الإنصاف أن نعترف بأن إبراسيموس وكالفن وعدد قليل من المُفسرين يعتقدون ان ” الوحدانية ” هنا تعني فقط وحدة الهدف والإرادة، لكن الغالبية العُظمى من المفسرين يرون عكس ذلك، واليهود أيضا اعتقدوا ذلك[20]

     

    يقول ليون موريس: تعبير ” واحد ” هو في اليوناني بصيغة المُحايد، والذي يُعني ” شيء واحد ” وليس ” شخص واحد “، الهوية ليست مؤكدة ولكن الوحدة الجوهرية، هذا التصريح لا يتخطى الكلمات الافتتاحية لإنجيل يوحنا ولكن يُمكن ان يكون تصريحاً يقف بجانب التصريح الافتتاحي للإنجيل، لإنه بيان أخر يضع يسوع المسيح مع الله بدلاً من البشر، قد يكون صحيحاً ان هذا لا ينبغي ان يُفهم على إنه بيان ميتافيزيقي، ولكن صحيحاً أيضاً انه يُعني أكثر من أن يسوع والأب واحد في الإرادة فقط[21]

     

    يقول رايموند براون: “انا والأب واحد” كان هذا النص من البداية، نصاً محورياً في الجدل حول الثالوث، من جهة أن الأبن والأب “واحد” فسرها السابليون، بإنها تعني ” شخص واحد “، على الرغم أن ” واحد ” هنا مُحايد وليس مُذكر، وقد فسر الأريوسين هذا النص، الذي كان يُستخدم كثيراً ضدهم، من ناحية وحدة الإرادة، يُلخص المُفسر البروتستانتي بينجل، الذي كان يتبع أغسطينوس، الموقف الأرثوذكسي، إنه من خلال كلمة ” واحد ” تم دحض فكر أريوس وسابيليوس أيضاً[22]

     

    يقول كورنيليوس لابيد: “انا وأبي واحد” ليس فقط وحدة الهدف والإرادة كما اعتقد الأريوسين، ولكن أيضاً وحدة الجوهر والربوبية، نفس العدد وليس في الأنواع وإلا سيكون هناك تعدد ألهه ووجود أكثر من إله واحد، فالمسيح هنا يتحدث باعتباره الله وكلمة الأب، ومن هنا يثبت الآباء ربوبيته ضد الأريوسين، واليهود أيضاً فهموا نفس المعنى من كلام المسيح وبالتالي قد سعوا لرجمه باعتباره مُجدف[23]

     

    يقول بروس بارتون: ” انا والأب واحد ” يسوع لم يكن يقصد انه هو والأب شخصاً واحداً، لأن كلمة ” واحد ” في اليوناني هي كلمة مُحايد، فالأب والإبن هما شخصان في الثالوث، ولكنهما واحد في الجوهر، وبالنظر الى هذه الوحدة الجوهرية، فالأب يعمل والأبن أيضاً يعمل، ما يفعله الأب يفعله الإبن والعكس، هذا النص هو من أوضح التأكيدات لألوهية يسوع في الكتاب المُقدس بأكمله، هكذا يسوع ليس مُجرد مُعلم جيد، هو الله، وكان ادعائه بأنه الله لا لبس فيه، أراد القادة الدينيون ان يقتلوه لأن بحسب قوانينهم أي شخص يدعي أنه الله يجب أن يموت بسبب تجديفه، لا شيء يُمكن ان يُقنعهم بأن ادعاء يسوع كان صحيح[24]

     

    يقول ر.س سبرول: انا والأب واحد \ لا يُعني هذا التصريح أن الأب والإبن نفس الشخص، لكنهم واحد في الجوهر (الكلمة اليونانية أتت بصيغة المحايد) فالأب والإبن والروح القدس لهم حد سواء ملء الطبيعة الإلهية[25]

     

    معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح - ما لا يعرفه ابو عمر الباحث - مينا كرم
    معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح – ما لا يعرفه ابو عمر الباحث – مينا كرم

    التعليق على النقطة الثانية:

    يعتبر أبو عمر قول المولود أعمى “لَوْ لَمْ يَكُنْ هذَا مِنَ اللهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا” انكار قدرة المسيح بدمجها مع قول المسيح” لا أقدر أن افعل من نفسي شيئًا” (يوحنا 5:19)، في حين أن الرجل يُدافع عن اتهامهم السابق في عدد 16 فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ: «هذَا الإِنْسَانُ لَيْسَ مِنَ اللهِ، لأَنَّهُ لاَ يَحْفَظُ السَّبْتَ». آخَرُونَ قَالُوا: «كَيْفَ يَقْدِرُ إنسان خَاطِئٌ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هذِهِ الآيَاتِ؟» وَكَانَ بَيْنَهُمُ انْشِقَاقٌ.، فهنا الرجل يسألهم كيف يقدر أن يفعل هذا وهو بحسب ما تقولون انه ليس من الله؟ ولا يُنكر ابًد قدرة المسيح التي جعلته يُبصر!

     

    أما عن قول الرب “لا أقدر أن افعل من نفسي شيئًا” فهو كعادته وعادة غير يقطع النصوص من سياقها، ولكن كم اوضحنا اعلاه أن الرب يسوع المسيح أنه والأب واحد، وبالتالي لا يُمكن أن يفعل الرب يسوع شيء بمعزل عن الله الأب فهو في اتحاد معه، لا يوجد اصلا نفس للمسيح ونفس للأب فالأب والأبن لهم نفس الجوهر الالهي الواحد الذي لا يُمكن أن يتجزأ، ويفعل المسيح شيء وهو منفصل عن الأب والعكس.

     

    ولو أكمل هذا “البصمجي” الفقرة لكان سكت، “فقال يسوع لهم: «الحق الحق أقول لكم: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل. لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك.” فالرب يسوع المسيح يقول إن أي شيء يفعله الأب يفعله الأبن، فهل يستطيع مجرد إنسان أن يفعل هذا؟

    بل ولو رجعنا فقرتين نجد مفاجأة أخرى “فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ». فَمِنْ أَجْلِ هذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أكثر أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضًا إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ.”

     

    يقول كينيث باركر: قد قام يسوع بوضع العمل الذي يعمل مع العمل الذي يعمله الأب، هنا قد صرح يسوع انه يستمر في العمل مثل الله[26]

     

    يقول القديس هيلاري: يقول القديس هيلاري “فلنتأمل جواب الرب حينما قال ابي يعمل في كل حين وانا أيضاً اعمل إنه يتكلم لنُدرك فيه قوة طبيعة الأب التي لها القدرة على العمل حتى في السبت، فالأب يعمل في السبت وحينما الأب يعمل يسوع يعمل ايضاً، ولكن يجب علينا أن نوضح ونؤكد أن يسوع أشار إلى عمل الأب الذي كان يعمله فعمل الأب حاضر في اثناء كلامه، فإذا كان الأب يعمل والإبن يعمل أيضا هذا لا يجعلهما أقنوما واحداً في الثالوث”[27]

     

    يقول فون اوربان:”لم يكن يسوع مدعياً فقط ان الله ابيه حينما قال وأنا أيضا اعمل، بل أيضا أن له وضع مميز وفريد يتعلق بعمل السبت مثل الله يهوه فأن ادعاء يسوع بذلك هو أمر واضح أنه يُعلن ألوهيته”[28]

     

    يقول كوستنبريجر: كان بإمكان يسوع أن ينتقد أو يعترض على تفسير اليهود الغير دقيق لكن بدلا من ذلك يضع يسوع عمله في يوم السبت على نفس المستوى تماماً لله الخالق فإن كان الله فوق السبت وأوامره فكذلك يسوع”[29]

     

    يقول برنارد: أن تعبير وأنا أيضاً اعمل، لا يُعني فقط أن يحق ليسوع أن يدعوه الله أنه ابيه الشخصي بمعنى البنوة الفريدة ولكن أيضاً أن علاقته بالسبت لا تختلف عن علاقة الله نفسه بالسبت “[30]

     

    التعليق على النقطة الثالثة:

    يعتقد ابو عمر “الباحث” أن قراءة “ابن الإنسان” الموجودة في أقدم المخطوطات بدلاً من قراءة “ابن الله” تجعل المسيح ليس إله!

     

    صحيح أن أقدم المخطوطات مثل البردية 66 (200 ميلادي)، البردية 75 (بدايات القرن الثالث) والمخطوطة السينائية والفاتيكانية وبيزا وواشنطن، هم شواهد قوية في صالح قراءة ابن الانسان، وبالفعل قراءة “ابن الانسان ” هي الاصلية، ولكن هذا التغير ليس تغيير لاهوتي لدعم الوهية المسيح، بل وأن لقب ” ابن الانسان ” لقب لاهوتي لا يفرق عن تعبير ” ابن الله”، والنص بأي قراءة من القراءتان يدعم ألوهية الرب يسوع المسيح.

     

    يبدو أن النساخ غيروا تعبير “ابن الله” إلى “ابن الإنسان” حيث وجود غرابة في النص نفسه، حيث أن مصطلح ابن الله هو المصطلح المرجو بعد فعل الإيمان قد تكون هذه الغرابة دافع لتغيير النص إلى ” ابن الله “، ويوجد الكثير من الأسباب التي تجعل قراءة ابن الإنسان هي المفضلة هنا، مثلا الفقرات من 39 الى 41 يسوع يؤكد فيها بتعبير إبن الإنسان أنه الديان وهذا ما يوافق الكتاب أيضا باقتران لقب إبن الإنسان بالدينونة (يوحنا 5:27، دانیال 13-14: 7، أعمال الرسل17:31)، وأيضا لقب ابن الإنسان هو لقب بديلا للمسيح وإيمان الأعمى بيسوع باعتباره هو ” المسيح ” هو بالتأكيد كان السبب انه قد تم طرده (انظر يوحنا9:21) [31]

     

    يقول رايموند براون: بعض الشواهد النصية اليونانية في وقت لاحق ومخطوطات لاتينية تقرأ النص “ابن الله “، ولكن من الواضح أن هذا هو استبدال صيغة أكثر اعتيادية..، ربما تحت تأثير استخدام هذا المصطلح في التعميد والليتورجيا[32]

     

    يعلق برنارد أيضا على هذا فيقول: وفقا ليوحنا 20:31 فإن غرض الإنجيل الرابع هو أن القراء يؤمنوا أن يسوع المسيح هو ” ابن الله ” ولكن إذا كانت قراءة ” ابن الله ” هي القراءة الأصلية هنا فمن المدهش أن يغيروها إلى ” ابن الإنسان ” هذا اللقب الذي لا يظهر في أي من الاعترافات الإيمانية الأخرى[33]

     

    ولكن أريد أن أؤكد على شيء هام جدا وهو أن النص في قراءة ابن الإنسان لا يغير أي شيء في النص تماما من الناحية الإيمانية وأي شخص كان من كان يقول غير ذلك لا اعتبره عاقل! بل واشك إن كان لدية فكرة عما هو المنطق! فلا يحتاج إنجيل يوحنا أي دعم لاهوتي فهو واضح وصريح من الناحية الخرستولوجية، ولا يوجد أي تغيير في أي نص يفقده رسالته وهدفه.

     

    يقول بایفورد براینت: انه ليس من شك أن قراءة ” ابن الإنسان ” تُعتبر في هذا الموضع لقبًا مسبانيا[34]

     

    يقول جاك ويلسون: تحتوي أقدم المخطوطات على قراءة ” ابن الإنسان ” بدلا من ” ابن الله ” وهذا لا يغير المعنى [35]

     

    اقوال العلماء عن لقب ابن الإنسان:

    جيمس دي يونج

    Messianic title used by Jesus to express his heavenly origin, earthly mission, and glorious future coming. It does not refer merely to his human nature or humanity, as some church fathers or contemporary scholars believe. Rather, it reflects on the heavenly origin and divine dignity of Jesus, on the mystery of his manifestation in human form, and on his earthly mission which involved suffering and death but which issued in heavenly glory to be followed by eschatological vindication.

    The background of the term “Son of man” is to be found in the OT. The Book of Ezekiel is the general source, since this prophet used “Son of man” 90 times as a cryptic, indirect reference to himself. For example, God addresses him, “Son of man, stand up on your feet and I will speak to you.” (2:1). Jesus’ use of the term “Son of Man” and numerous themes from Ezekiel suggest his desire to identify himself as the eschatological prophet who, like Ezekiel (ch 4, 7, 10, 22, 40–48), had the last word about the destruction of Jerusalem and the restoration of the kingdom of God to Israel (Mt 23, 24; Acts 1:6–8).

    The specific source of the term is Daniel 7:13, 14, with its vision of one “like a son of man” who “comes with the clouds” into the presence of “the Ancient of Days” who gives him the universal and eternal kingdom of God. Jesus repeatedly quoted parts of this text in teaching about his second coming (Mt 16:27; 19:28; 24:30; 25:31; 26:64). Clearly, Jesus understood this passage as a prophetic portrayal of his own person: his incarnation, ascension, and inheritance of the kingdom of God.

    In the Gospels, the term “Son of man” is used by Jesus some 80 times as a mysterious, indirect way of speaking about himself (Mt, 32 times; Mk, 14; Lk, 26; Jn, 10). In all these texts, Jesus is always the speaker, and no one ever addresses him as “Son of Man.” In some texts the reference is cryptic enough for some interpreters to insist that Jesus is speaking about another person. Such uncertainty is recorded in only one text in John, where the crowd asks Jesus, “Who is this ‘Son of Man’?” (12:34).

    In most texts, the identification is clear; in some it is explicit: “Who do men say that the Son of Man is?” … “Who do you say that I am?” (Mt 16:13, 15). The conclusion generally drawn is that Jesus used the term as a messianic title for himself, so that he could speak modestly about his person and mission, yet convey the exalted content he wished to reveal about himself. He could do this with considerable originality because the term was not fraught with popular misconceptions concerning messiahship.

    The term occurs only four other times in the NT. In Acts 7:56, Stephen says, “I see heaven open and the Son of Man standing at the right hand of God.” Hebrews 2:6 quotes Psalm 8:4 as applying to Jesus. Finally, Revelation 1:13 and 14:14 record visions of someone “like a son of man” who is undoubtedly the glorified Jesus.

    In the synoptic Gospels, the first theme in Jesus’ self-revelation with his use of the title “Son of man” concerns his coming to earth to accomplish his messianic mission.

    A general comparison of Jesus’ present earthly condition with that of his previous heavenly glory is expressed in the logia: “Foxes have holes and birds of the air have nests, but the Son of Man has no place to lay his head” (Mt 8:20; Lk 9:58). Some scholars believe this text refers merely to the poverty of his earthly situation. It is too simplistic for Jesus to mean that, unlike birds and foxes, he accepts the lifestyle of a drifting vagabond. This logia really means that the Son of Man gave up his heavenly home to suffer all the humiliations of his earthly ministry (Phil 2:5–11).

    Some interpret Matthew 11:19 and Luke 7:34 to be a mere comparison of John the Baptist as an ascetic, with Jesus as the Son of Man who “came eating and drinking.” This view is entirely too earthbound, because even John was a heaven-sent messenger (Lk 3:2; Jn 1:6). Thus the “coming” of the Son of Man ought to be seen as an allusion to his heavenly origin and to his mission in this sinful world.

    Jesus uses the title to claim divine prerogatives, saying, “the Son of Man is Lord of the sabbath” (Mt 12:8; Mk 2:28; Lk 6:5). The Sabbath, a divine institution, may not be revised by ordinary men. But, since Jesus is the Son of Man from heaven, he is free to rule as Lord even of the Sabbath, because he alone is in filial harmony with the same Lord who instituted the Sabbath (Gn 2:2; Ex 20:8–11). Indeed, the Lord of the Sabbath is also the creator of all things (Jn 1:3, 10).

    After healing the paralytic at Capernaum, Jesus claimed that he as “the Son of Man has authority on earth to forgive sins” (Mt 9:6; Mk 2:10; Lk 5:24). Previously, forgiveness of sins came from heaven and from God; but now forgiveness comes from Capernaum and is given by Jesus.

    This group of texts clearly reveals the heavenly origin and divine authority of Jesus for his earthly mission.

    A second aspect of Jesus’ use of the “Son of Man” title concerns his suffering, death, and glorious resurrection as the mysterious method he would use to fulfill his earthly mission as the Son of Man.

    Jesus began expounding this passion theme after Peter confessed him to be Messiah and Son of God (Mt 16:16). Jesus’ prediction of his passion as the Son of Man begins in Mark 8:31, 32, and is repeated in several other texts. The Gospels expand the theme to include his suffering of mockery and scourging (Mt 17:12; 20:18; Mk 8:31; Lk 9:22) , betrayal by Judas (Mt 17:22; 26:24; Mk 14:21, 41) , rejection by the Jewish leaders (Mt 20:18) , death by gentile crucifixion (Mt 20:19; Mk 9:12, 31; 10:33) , burial for three days (Mt 12:40; Lk 11:30) , and resurrection after three days (Mt 17:22, 23; Mk 8:31) .

    In the famous ransom text, “the Son of Man did not come to be served, but to serve, and to give his life as a ransom for many” (Mt 20:28; Mk 10:45), Jesus teaches that his death was a vicarious sacrifice for the salvation of his people. This idea of substitutionary atonement is a new element in the Son of Man material and derives from Jesus’ understanding of himself as the suffering servant of the Lord (Is 53) .

    Jesus also used the “Son of Man” title to teach about his second coming. As the eschatological Son of Man, Jesus will return to earth from heaven in the glory of his Father with the angels (Mt 16:27; Mk 8:38; Lk 9:26). First, he will be seated at the right hand of God, and then he will come again (Mt 26:64; Mk 14:62; Lk 22:69), with the clouds (Mt 24:30; Mk 13:26; Lk 21:27). This coming will be unexpected (Mt 24:27; Lk 12:40) , like a flash of lightning or the flood of Noah (Mt 24:37; Lk 17:24). His coming will be for the gathering of the elect, the judgment of all the nations of the earth (Mt 19:28; 25:32), and the restoration of final righteousness in the world (Mt 19:28; 25:46).

    In these passages, Jesus’ focus shifts from the provisional victory in his passion and resurrection to the final victory of the Son of Man at his second coming from heaven. Here again, the dramatic emphasis is on the heavenly origin and divine prerogatives of the Son of Man. This man Jesus, the Son of Man, will be the final judge (cf. Acts 17:31).

    The Gospel of John has its own distinctive material concerning the Son of Man. The angels ascend and descend on the Son of Man (1:51), probably signifying that he is a preexistent person who has come from heaven (3:13; 6:62). His being lifted up (by crucifixion) will bring about eternal life for all who believe in him (3:14). The Son of Man (3:14) is also the Son of God (v 16), his Son (v 17), and God’s one and only Son (v 18). The Father has given authority to raise the dead and to judge the world to his Son, the Son of Man (5:25, 27).

    The Son of Man gives food that endures unto eternal life; this food is his flesh and blood (6:53). Jesus’ passion is the hour of the lifting up and glorification of the Son of Man (8:28; 9:35; 12:23, 34; 13:31). In John’s Gospel, the “Son of Man” title is equivalent to the title “Son of God.” It reveals his divinity, preexistence, heavenly origin, and divine prerogatives: it affirms his present earthly condition for revelation and passion, and his future eschatological glory.

    [36]

    قاموس Tyndale Bible dictionary

    SON OF MAN Messianic title used by Jesus to express his heavenly origin, earthly mission, and glorious future coming. It does not refer merely to his human nature or humanity, as some church fathers or contemporary scholars believe. Rather, it reflects on the heavenly origin and divine dignity of Jesus, on the mystery of his manifestation in human form, and on his earthly mission that took him to the cross and then into glory.

    The background of the term “Son of Man” is to be found in the OT. The book of Ezekiel is the general source, since this prophet was referred to as “son of man” 90 times. For example, God addressed him, “Son of man, stand upon your feet, and I will speak with you” (Ez 2:1, rsv). Jesus’ use of the term “Son of Man” and numerous themes from Ezekiel suggest his desire to identify himself as the eschatological prophet who, like Ezekiel (chs 4, 7, 10, 22, 40–48), had the last word about the destruction of Jerusalem and the restoration of the kingdom of God to Israel (Mt 23–24; Acts 1:6–8).

    The specific source of the term is Daniel 7:13–14, with its vision of one “like a son of man” who “comes with the clouds” into the presence of “the Ancient of Days,” who gives him the universal and eternal kingdom of God. Jesus repeatedly quoted parts of this text in teaching about his second coming (Mt 16:27; 19:28; 24:30; 25:31; 26:64). Clearly, Jesus understood this passage as a prophetic portrayal of his own person: his incarnation, ascension, and inheritance of the kingdom of God.

    In the Gospels, the term “Son of Man” is used by Jesus about 80 times as a mysterious, indirect way of speaking about himself (Mt, 32 times; Mk, 14 times; Lk, 26 times; Jn, 10 times). In all these texts, Jesus was always the speaker, and no one ever addressed him as “Son of Man.” In some texts the reference is cryptic enough for some interpreters to insist that Jesus was speaking about another person. Such uncertainty is recorded in only one text in John, where the crowd asks Jesus, “Who is this ‘Son of Man’?” (Jn 12:34) . In most texts, the identification is clear. In some it is explicit: “Who do men say that the Son of Man is?”—followed by, “Who do you say that I am?” (Mt 16:13, 15) . The conclusion generally drawn is that Jesus used the term as a messianic title for himself so that he could speak modestly about his person and mission yet convey the exalted content he wished to reveal about himself. He could do this with considerable originality because the term was not fraught with popular misconceptions concerning the Messiah.

    The term occurs only four other times in the NT. In Acts 7:56, Stephen says, “Look, I see the heavens opened and the Son of Man standing in the place of honor at God’s right hand!” (nlt). Hebrews 2:6 quotes Psalm 8:4 as applying to Jesus. Finally, Revelation 1:13 and 14:14 record visions of someone “like a son of man,” who is undoubtedly the glorified Jesus.

    In the synoptic Gospels, the first theme in Jesus’ self-revelation connected with his use of the title “Son of Man” concerns his coming to earth to accomplish his messianic mission. A general comparison of Jesus’ present earthly condition with that of his previous heavenly glory is expressed in the saying “Foxes have holes, and birds of the air have nests; but the Son of Man has nowhere to lay his head” (Mt 8:20; see Lk 9:58). This saying indicates that the Son of Man gave up his heavenly home to suffer all the humiliations of his earthly ministry (Phil 2:5–11).

    Jesus used the title to claim divine prerogatives, saying, “The Son of Man is Lord of the sabbath” (Mt 12:8; Mk 2:28; Lk 6:5). The Sabbath, a divine institution, may not be revised by ordinary men. But since Jesus is the Son of Man from heaven, he is free to rule as Lord even of the Sabbath, because he is the same Lord who instituted the Sabbath (Gn 2:2; Ex 20:8–11). After healing the paralytic at Capernaum, Jesus claimed that “the Son of Man has authority on earth to forgive sins” (Mt 9:6; Mk 2:10; Lk 5:24). Previously, forgiveness of sins came from heaven and from God, but now forgiveness comes from Capernaum and is given by Jesus.

    The second aspect of Jesus’ use of the “Son of Man” title concerns his suffering, death, and glorious resurrection as the mysterious method he would use to fulfill his earthly mission as the Son of Man. Jesus began expounding this passion theme after Peter confessed him to be Messiah and Son of God (Mt 16:16) . Jesus’ prediction of his passion as the Son of Man begins in Mark 8:31–32 and is repeated in several other texts. The Gospels expand the theme to include his suffering of mockery and scourging (Mt 17:12; 20:18; Mk 8:31; Lk 9:22) , betrayal by Judas (Mt 17:22; 26:24–25; Mk 14:21, 41) , rejection by the Jewish leaders (Mt 20:18) , death by crucifixion (Mt 20:19; Mk 9:12, 31; 10:33) , burial for three days (Mt 12:40; Lk 11:30) , and resurrection (Mt 17:22–23; Mk 8:31) .

    In the famous text “The Son of Man did not come to be served, but to serve, and to give his life as a ransom for many” (Mt 20:28; Mk 10:45), Jesus teaches that his death was a vicarious sacrifice for the salvation of his people. This idea of substitutionary atonement is a new element in the Son of Man material and derives from Jesus’ understanding of himself as the suffering Servant of the Lord (Is 53).

    Jesus also used the “Son of Man” title to teach about his second coming. As the Son of Man, Jesus will return to earth from heaven in the glory of his Father with the angels (Mt 16:27; Mk 8:38; Lk 9:26). First, he will be seated at the right hand of God, and then he will come again (Mt 26:64; Mk 14:62; Lk 22:69) with the clouds (Mt 24:30; Mk 13:26; Lk 21:27). This coming will be unexpected (Mt 24:27; Lk 12:40), like a flash of lightning or the flood of Noah (Mt 24:37; Lk 17:24). His coming will be for the gathering of the elect, the judgment of all the nations of the earth (Mt 19:28; 25:32), and the restoration of final righteousness in the world (19:28; 25:46).

    In these passages, Jesus’ focus shifts from the provisional victory in his passion and resurrection to the final victory of the Son of Man at his second coming. Here again, the dramatic emphasis is on the heavenly origin and divine prerogatives of the Son of Man. This man Jesus, the Son of Man, will be the final judge (cf. Acts 17:31).

    The Gospel of John has its own distinctive material concerning the Son of Man. The angels are said to ascend and descend on the Son of Man (Jn 1:51), thereby signifying that he is a preexistent person who has come from heaven to earth (3:13; 6:62) . His being lifted up (by crucifixion) will bring about eternal life for all who believe in him (3:14). The Son of Man (3:14) is also the Son of God (3:16) , God’s one and only Son (1:18; 3:18). Quite simply, in John’s Gospel, the “Son of Man” title is equivalent to the title “Son of God.” It reveals his divinity, preexistence, heavenly origin, and divine prerogatives. It affirms his present earthly condition for revelation and passion, and his future eschatological glory. The Father has given the Son of Man authority to raise the dead and to judge the world (5:25–27).

    [37]

    ديل إلينبورج & جون بوهيل

    In the Gospels The phrase is used 32 times by Matthew, 14 times by Mark, 26 times by Luke, and 12 times by John, for a total of 84 occurrences in the Gospels. Adding the occurrences mentioned below in Acts, Hebrews, and Revelation brings the total to 88 in the NT. Of those occurrences, the phrase is always in the mouth of Jesus except for five times: John 12:34; Acts 7:56; Heb. 2:6; Rev. 1:13; 14:14.

    In the Gospels the “Son of Man” sayings fall into three general categories, all of which are found on the lips of Jesus. Eschatological or apocalyptic sayings are those in which Jesus refers to His coming in the future on the clouds of heaven with great power and majesty (Mark 8:38; 13:26; Matt. 24:27; 25:31) . This use is most frequent. These references are clearly reminiscent of Dan. 7. The references to the future coming yield the following important insights: (1) The Son of Man will come in glory with angels and bring about end-time judgment (Matt. 16:27; 25:31; 26:64; John 5:27) . (2) This glorious coming will be a time of renewal and regeneration. Christ will be enthroned and His apostles will be given special places of honor (Matt. 19:28) . (3) This coming will be sudden and unexpected, like a flash of lightning (Matt. 24:27; Luke 12:40; 17:24) . (4) When Christ comes in His glory, He will gather to Himself His elect (Luke 21:36; Mark 13:27). (5) This sudden and unexpected coming (Matt. 10:23; 24:44) will usher in the time when He takes His seat on the promised messianic throne (Matt. 25:31).

    Passion or suffering “Son of Man” sayings are those that Jesus spoke with reference to His imminent suffering, death, and resurrection. The passion sayings are the second largest group. Mark records three occasions when Jesus plainly foretold the rejection, crucifixion, and resurrection of the Son of Man (Mark 8:31; 9:31; 10:33–34). This anticipation was difficult for the Jews of Jesus’ day because messianic expectation did not connect the Son of Man with suffering and death. Jesus clearly understood these predictions to refer to Himself.

    Finally, there are sayings connected with the present ministry of Jesus. These references usually illustrate the lowly estate of Jesus, the glorious Lord who humbled Himself to become human. Matthew 8:20 shows that He didn’t have a permanent home. His purpose was to seek and to save those who are lost (Luke 19:10) and to give His life as a ransom for many (Matt. 20:28). He is the one who sows the seed of God’s kingdom (Matt. 13:37) and in so doing was misunderstood and rejected (Luke 7:34). He warned that His disciples might be called on to suffer in the same way for His sake (Luke 6:22). This humble Son of Man is no ordinary person, however. He claims authority to forgive sins (Mark 2:10) and He assumes lordship over the Sabbath (Matt. 12:8).

    Another aspect of the “Son of Man” concept emerges in John. While he uses the term sparingly, he blends the elements of the first three Gospels together in a beautiful way. The ascending/descending theme of the Son of Man is John’s primary emphasis. There is a constant interplay between humiliation and exaltation of the Son of Man in John. The Son of Man who descended from heaven is the same one who is now on earth (John 3:13). He was to be lifted up on a cross (the ultimate humiliation) so that He might be exalted (3:14). He is the Bread who came down out of heaven but who ascended back to heaven when His work was completed (6:62). One must accept the humanity of the Son of Man to find true life (6:53), but this one is also Son of God who came from above and who links heaven to earth (1:51). Even Judas’ betrayal of Him (13:32) served the purpose that He might be glorified. In the Gospels, but especially in John, “Son of Man” means humanity and humiliation, but “Son of Man” also means exaltation and glory.

    [38]

     

    نوجز كل هذا بعبارة قالها الأب متى المسكين في كتابه القاب المسيح، حيث يقول ان عبارة ” ابن الانسان” تُعني الله الذي ظهر في الجسد.

    يقول القديس أغسطينوس “لقد صار ابن الله ابن الإنسان حتى تصيروا أنتم بني البشر أبناء لله”[39]

     

     

     

    الهوامش

    [1] بالطبع ليس هذا النص فقط هو الذي نُثبت به الوهية الرب يسوع المسيح، فلا توجد عقيدة مركزية في المسيحية تُبنى على فقرة واحدة، لكننا نثبت من خلال نظرتنا لهذا النص مدى الانحياز الأعمى لد ابو عمر وغيره

    [2] On the Trinity 13, Ante Nicene Fathers. 5:622

    [3]Against Noetus 7.1. Heythrop Monographs2:60

    [4]Commentary on the Gospel of John 7.1. A Library of Fathers 48:102

    [5]Baumler, G. P.. John. The People’s Bible Milwaukee, Wis.: Northwestern Publishing House.,P 156

    [6] Jamieson, R., Fausset, A. R., Fausset, A. R., Brown, D., & Brown, D.. A commentary, critical and explanatory, on the Old and New Testaments.. (Jn 10:30) .

    [7] Butler, J. G. (2009) . Analytical Bible Expositor: John. Clinton, IA: LBC Publications., P 162

    [8] Cabal, T., Brand, C. O., Clendenen, E. R., Copan, P., Moreland, J., & Powell, D. (2007) . The Apologetics Study Bible: Real Questions, Straight Answers, Stronger Faith , Nashville, TN: Holman Bible Publishers.,P 1592

    [9] Köstenberger, A. J. (2004) . John. Baker exegetical commentary on the New Testament , Grand Rapids, Mich.: Baker Academic. ,P 312

    [10] Hendriksen, W., & Kistemaker, S. J.. Vol. 1-2: New Testament commentary: Exposition of the Gospel According to John. Accompanying biblical text is author’s translation. New Testament Commentary. Grand Rapids: Baker Book House. 2:125-126

    [11] MacDonald, W., & Farstad, A. (1997, c1995) . Believer’s Bible Commentary: Old and New Testaments (Jn 10:30) . Nashville: Thomas Nelson.

    [12] Utley, R. J. D.. Vol. Volume 4: The Beloved Disciple’s Memoirs and Letters: The Gospel of John, I, II, and III John. Study Guide Commentary Series. Marshall, Texas: Bible Lessons International.,P 99

    [13] Wiersbe, W. W. The Bible exposition commentary. “An exposition of the New Testament comprising the entire ‘BE’ series”–Jkt. (Jn 10:22) . Wheaton, Ill.: Victor Books.

    [14] Chrispin, G. (2005) . The Bible Panorama: Enjoying the Whole Bible with a Chapter-by-Chapter Guide. Leominster, UK: Day One Publications.P 453

    [15] Richards, L. O. , The Bible readers companion (electronic ed.) . Wheaton: Victor Books. ,P 687

    [16] Lange, J. P., & Schaff, P. (2008). A commentary on the Holy Scriptures: John Bellingham,, P 332

    [17] Hoeber, R. G. (1997, c1986). Concordia self-study Bible. “Lutheran edition of the NIV study Bible” –Foreword. (electronic ed.) (Jn 10:30) . St. Louis: Concordia Pub. House.

    [18] Crossway Bibles. (2008) . The ESV Study Bible Wheaton, IL: Crossway Bible building , P 2044

    [19] Barker, K. L. Expositor’s Bible Commentary (Abridged) Grand Rapids, MI: Zondervan Publishing House.,P 332

    [20] Ryle, J. C.. Expository Thoughts on John,. New York: Robert Carter & Brothers.Vol. 2 ,P 214

    [21] Morris, L.. The Gospel According to John. The New International Commentary on the New Testament. Grand Rapids, MI: Wm. B. Eerdmans Publishing Co.,P 464

    [22] Brown, R. E., S.S. (2008) . The Gospel according to John (I-XII) : Introduction, translation, and notes. New Haven; London: Yale University Press.,P 403

    [23] Cornelius à Lapide.. The Great Commentary of Cornelius à Lapide, Volume 5: S. John’s Gospel|Chapters 1 to 11 (T. W. Mossman, Trans.) (Third Edition) Edinburgh: John Grant.,P 378

    [24] Barton, B. B.. John. Life application Bible commentary. Wheaton, Ill.: Tyndale House.,p 217

    [25] The Reformation Study Bible: English Standard Version. 2005 (R. C. Sproul, Ed.) Orlando, FL; Lake Mary, FL: Ligonier Ministries.,p 1532

    [26]Barker, K. L. (1994) . Expositor’s Bible Commentary (Abridged) , P.311

    [27] NPNF 2 9:170

    [28] von Wahlde, U. C. (2010). The Gospel and Letters of John, Volume 2: Commentary on the Gospel of John. The Eerdmans Critical Commentary, P.221

    [29] Kostenbrger, A, (2004). John, Baker Exegetical Commentary on The New Testament, P.184

    [30] Bernard, J. H. (1929). A critical and exegetical commentary on the Gospel according to St. John. Paged continuously. (A. H. McNeile, Ed.) Vol 1, P.237

    [31] للمزيد أنظر Philip W, Comfort, New Testament Text And Translation Commentary, p,293

     

    [32] Brown, R. E., S.S.. The Gospel according to John (I-XII) : Introduction, translation, and notes ,P, 375

    [33] Bernard, J. H.. A critical and exegetical commentary on the Gospel according to St. John. Paged continuously. (A. H. McNeile, Ed.) 2: „P, 337

    [34] Bryant, B. H., & Krause, M. S. (1998). John. The College Press NIV commentary (Jn 9:35). Joplin, Mo.: College Press Pub. Co

    [35] Stallings, J. W. The Gospel of John (First Edition). The Randall House Bible Commentary, P, 146

     

    OT Old Testament

    ch chapter (pl. chs)

    NT New Testament

    1. compare

    v verse (pl. vv)

    [36]Elwell, W. A., & Beitzel, B. J. (1988) . Baker encyclopedia of the Bible. Map on lining papers. (1983) . Grand Rapids, Mich.: Baker Book House.

    rsv Revised Standard Version

    nlt New Living Translation

    [37]Elwell, W. A., & Comfort, P. W. (2001) . Tyndale Bible dictionary. Tyndale reference library (1214) . Wheaton, Ill.: Tyndale House Publishers.

    [38]Brand, C., Draper, C., England, A., Bond, S., Clendenen, E. R., Butler, T. C., & Latta, B. (2003) . Holman Illustrated Bible Dictionary (1517) . Nashville, TN: Holman Bible Publishers.

    [39] Ibid

     

    مدرسة الاسكندرية اللاهوتية – د. ميشيل بديع عبد الملك (1)

    عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الثاني – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

    عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

     

    معجزة الأعمى الذي آمن بالمسيح – ما لا يعرفه ابو عمر الباحث – مينا كرم

  • متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.

    متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.

    متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.

    متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.
    متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.

    متى مات بعشا بن أخيَّا؟! ومتى حدثت الحرب بين بعشا وآسا؟ رداً على أبي عمر الباحث.

    التعريف بالمشكلة:

     

    عرَضَ أبو عمر سؤالاً في أحد فيديوهاته، مُتحدياً أحد المسيحيين لحل هذه المصائب والكوارث (على حد تعبيره). وتكمن هذه المشكلة من وجهة نظر هذا الباحث، في أن سفر الملوك الأول يذكر أن بعشا بن أخيا مات سنة ٢٦ من حكْم الملك آسا.

    حيث يقول: ” في السنة الثالثة لآسا ملك يهوذا، ملك بعشا بن أخيا على جميع إسرائيل في ترصة أربعا وعشرين سنة.” (١مل ١٥: ٣٣)

    ويقول أيضاً: ” واضطجع بعشا مع آبائه ودفن في ترصة، وملك أيلة ابنه عوضا عنه. وفي السنة السادسة والعشرين لآسا ملك يهوذا، ملك أيلة بن بعشا على إسرائيل في ترصة سنتين.” (١مل ١٦: ٦، ٨)

     

    مُعلقاً على ذلك أبو عمر:

     ” إذن بعشا بن أخيا مَلَك في السنة الثالثة من بداية ملْك آسا، وبعشا حكَم أربعة وعشرين سنة. يعني المفروض أنه مات سنة ٢٦ من ملْك آسا. واضحة!… وتولى من بعده ابنه أيلة. سهلة جداً! “

     

    ولكن سفر أخبار الأيام الثاني يذكر أن هناك حرب إندلعت بين بعشا وآسا في السنة السادسة والثلاثين.

    حيث يقول الوحي المقدس: ” في السنة السادسة والثلاثين لملك آسا صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا، وبنى الرامة لكيلا يدع أحدا يخرج أو يدخل إلى آسا ملك يهوذا.” (٢أخبار ١٦: ١)

     

    فيقول أبو عمر:

    ” هنا بيحكي ما حدث في السنة السادسة والثلاثين من بداية حكْم آسا، يعني بعشا لسه عايش “.

    ثم يتساءل:

    ” إزاي بقى بعشا لسه عايش؟! إزاي بعشا مات سنة ٢٦ ونلاقيه لسه عايش سنة ٣٦؟! “

    واصفاً هذا بالتحريف الذي يدحض وحي الروح القدس.

     

    وللرد، هناك تفسيران محتملان..

     

    التفسير الأول:

     

    نص ٢أخبار ١٦: ١ العبري يقول: ” בִּשְׁנַ֨ת שְׁלֹשִׁ֚ים וָשֵׁשׁ֙ לְמַלְכ֣וּת אָסָ֔א עָלָ֕ה בַּעְשָׁ֚א מֶֽלֶךְ־יִשְׂרָאֵל֙ עַל־יְהוּדָ֔ה וַיִּ֖בֶן אֶת־הָֽרָמָ֑ה לְבִלְתִּ֗י תֵּת יוֹצֵ֣א וָבָ֔א לְאָסָ֖א מֶֽלֶךְ־יְהוּדָֽה: “

     

    كلمة “מַלְכוּת” (mal-kooth’) تعني: مملكة، حُكْم (مدة حكْم مَلِك)، ملكوت، السلطة الملكية. [1]

    إذن الكلمة العبرية، والتي تُرجمَت في نص ٢أخبار ١٦: ١ إلى “مُلْك” هي تعني أيضاً “مملكة”.

    وبالتالي، فهي ربما لا تشير إلى ” حكْم آسا” نفسه، بل إلى “مملكة آسا”، والتي هي مملكة يهوذا.

     

    بمعنى أبسط، النص في هذه الحالة يشير إلى السنة السادسة والثلاثين من إنقسام المملكة المتحدة وإنفصال مملكة يهوذا الجنوبية عن مملكة إسرائيل الشمالية.

    ومن هذا المُنطَلَق يكون بداية إحتساب عدد السنوات ببداية إستقلال مملكة آسا.[2]

     

    حيث مَلَكَ رحبعام سبع عشرة سنة (٢أخبار ١٢: ١٣) والذي بداية مُلْكه يوافق السنة الأولى من بداية الإنقسام.

    ثم ملك من بعده ابنه أبيام ثلاث سنوات (٢أخبار ١٣: ١)

    وبناءاً على ذلك، وبطرح هذه السنين من ٣٦ سنة، يتبقى لدينا ١٦ عام.

    ٣٦ – (١٧+٣) = ١٦

    وهي تعتبر بذلك السنة السادسة عشر من حكْم آسا، كما آرخها ليون وود في كتابه “تاريخ إسرائيل”. [3]

     

    ليصبح بذلك مفهوم النص:

     ” في السنة السادسة والثلاثين لمملكة آسا (والتي توافق السنة السادسة عشر لملْك آسا) صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا… “.

    وبذلك تكون أيضاً ” السنة الخامسة والثلاثين لمملكة آسا ” في ٢أخبار ١٥: ١٩ والتي توافق السنة الخامسة عشر لملْك آسا.

     

    يقول آرشر:

     ” في الدفاع عن هذه النظرية يجب القول بأن ” mal-kooth” غالباً ما تُستخدَم حتى في كتابات ما بعد السبي، لتعني “مملكة” أو “ملكوت” بدلاً من “فترة حُكْم” “.[4]

     

    وهذا حقيقي، ففي الواقع ٥١ من أصل ٩١ مرة تُذكَر هذه الكلمة في نسخة الملك چيمس للعهد القديم، وتُتَرجَم ” مملكة”.

     

    فعلى سبيل المثال:

     

    • ” وتشدد سليمان بن داود على مملكته “מַלְכוּת֑וֹ”، وكان الرب إلهه معه وعظمه جدا.” (٢ أخبار ١:١)
    • ” وشددوا مملكة “מַלְכ֣וּת” يهوذا وقووا رحبعام بن سليمان ثلاث سنين، لأنهم ساروا في طريق داود وسليمان ثلاث سنين. ” (٢ أخبار ١١: ١٧)
    • ” واستراحت مملكة “מַלְכ֣וּת” يهوشافاط، وأراحه إلهه من كل جهة.” (٢ أخبار ٢٠: ٣٠)
    • ” وفي السنة الأولى لكورش ملك فارس عند تمام كلام الرب بفم إرميا، نبه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداء في كل مملكته “מַלְכוּת֔וֹ” وبالكتابة أيضاً…”. (عز ١:١)
    • ” وهم لم يعبدوك في مملكتهم “בְּמַלְכוּתָם” وفي خيرك الكثير الذي أعطيتهم، وفي الأرض الواسعة السمينة التي جعلتها أمامهم، ولم يرجعوا عن أعمالهم الردية.” (نح ٩: ٣٥)
    • ” فقال الملك لأستير في اليوم الثاني أيضا عند شرب الخمر: «ما هو سؤلك يا أستير الملكة فيعطى لك؟ وما هي طلبتك؟ ولو إلى نصف المملكة “הַמַּלְכ֖וּת” تقضى».” (أس ٧: ٢)

     

    وفي ١أخبار ١٧: ١٤ استُخدمَت لتعني “ملكوت” والذي هو ينتمي ليهوه.

     

    ويعلق “Jones” على هذا فيقول:

    “يشير جليسون آرشر بشكل صحيح إلى أن ” mal-kooth” العبرية تُستخدَم في مكان آخر في الكتاب المقدس لتعني “مملكة” أو “سلالة حاكمة” بدلاً من “مدة حكْم”. وهكذا، فقد مَرَ ٣٦ عاماً من الانقسام (١مل ١٢، ١٣) إلى هجوم بعشا على آسا في العام السادس عشر منذ تنصيب الآخير [آسا]. وفي الحديث عن السنة الخامسة والثلاثين لآسا، يستخدم الإصحاح الخامس عشر من سفر أخبار الأيام الثاني نفس التمايز”. [5]

     

    جدير بالذكر أيضاً، إن هناك رأي آخر بخصوص هذا التفسير. فالبعض يلجأ إلى تأريخ يوسيفوس والذي يضع الحادثة في عام آسا السادس والعشرين وليس السادس عشر!! [6]

     

    فعلى سبيل المثال يقول “Sutcliffe“:

    ” بدأ بعشا الحكْم في السنة الثالثة لآسا، وملكَ أربعة وعشرين عاماً. وعندما اضطر بواسطة بنهدد إلى التخلي عن تحصينات الرامة، كان هذا، بحسب يوسيفوس، في السنة الآخيرة من حكمه. ومن هنا يجب أن تقرأ: ” في السنة السادسة والعشرين “.[7]

     

    ويقول أيضاً وليم مارش:

    ” وَصَعِدَ بَعْشَا في ٢ أخبار ١٦: ١ – إن هذه الحرب كانت في السنة السادسة والثلاثين من ملك آسا والأمر واضح أنه وقع غلط في هذا القول لأن ملك بعشا كله كان ٢٤ سنة فقط أي من السنة الثالثة إلى السنة السابعة والعشرين من ملك آسا. والأرجح أن الحرب المذكورة كانت في السنة السادسة والعشرين من ملك آسا وليست في السنة السادسة والثلاثين. “.[8]

     

    وبناءاً على هذا الرأي الآخير، وبمراجعة بسيطة لسياق الأحداث، نستنتج أنه في أعقاب إنتصار آسا على زارح الكوشي، كان الكثير من شعب إسرائيل قد هجروا مملكة إسرائيل إلى آسا ومملكة يهوذا. حيث يذكر الوحي الإلهي: ” وجمع كل يهوذا وبنيامين والغرباء معهم من أفرايم ومنسى ومن شمعون، لأنهم سقطوا إليه من إسرائيل بكثرة حين رأوا أن الرب إلهه معه. ” (٢أخبار ١٥: ٩) وكان هذا في السنة الخامسة عشرة لملْك آسا (وهو تاريخ مُثبَت في ٢أخبار ١٥: ١٠ وليس عليه أي خلاف).

    أما بعشا (بناءًا على هذا الرأي) فقد انتظر ١١ سنة كاملةً قبل إتخاذ أي إجراء لمنع خروج مواطنيه إلى يهوذا، وهو ما ذُكر في ٢أخبار ١٦: ١، والذي هو في السنة السادسة والعشرين بحسب هذا الرأي.

     

    وهو بالطبع أمر غير منطقي على الإطلاق! فبحسب Jones، يجب أن تكون ردة فعل بعشا أسرع بكثير لبناء الرامة فوراً.

    حيث يقول:

    “من المؤكد أن بعشا كان سيضيع القليل من الوقت قبل اتخاذ التدابير المناسبة لتأمين حدوده، وبالتالي وقف التدفق خارج إسرائيل. وقَعَ غزو زارح في السنة الخامسة عشرة لآسا أو السنة الخامسة والثلاثين لمملكة يهوذا. وبالتالي، في العام الذي تلا الهزيمة الساحقة لزارح (٣٦ عاماً بعد استقلال مملكة يهوذا، الذي هو في السنة السادسة عشرة من جلوس آسا على العرش)، قام بعشا بتحصين الرامة من أجل إيقاف مغادرة مواطنيه”. [9]

     

    وهذا أيضاً ما أكده جيمس أوشر (واحد من أهم علماء الكتاب المقدس في القرن ١٧)، حيث يقول:

    ” الله الآن أعطى عشرة سنوات راحة بدون مقاطعة للأرض (٢أخبار ١٤: ١، ٦) حتى السنة ١٥ لملْك آسا، أو السنة ٣٥ من إنقسام تلك المملكة [مملكة يهوذا] عن المملكة الأخرى؛ مملكة إسرائيل (٢ أخبار ١٥: ١٠، ١٩) “.[10]

     

    وهذا هو نفس التسلسل التاريخي المُتَّبَع في التقليد اليهودي.

    حيث نجد في “Seder Olam“:

     ” «في السنة السادسة والثلاثين لحكْم آسا، صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا…» (٢أخبار ١٦: ١). من المستحيل قول هذا، حيث أن آسا دفن بعشا في السنة ٢٦ من ملْكه… فهي ٣٦ سنة وفق ما كان سليمان متزوجاً من ابنة فرعون، ملك مصر، ويقابل ٣٦ عاماً من قرار تقسيم مملكة داود، وتوافق أيضاً ٣٦ عاماً كان مُعيَّن أن ملوك الآراميين يجب أن يهاجموا إسرائيل ولكن بعد ذلك يسقطون على يد سلالة داود؛ لذلك يقول ” في السنة ٣٦ لملْك آسا”. كان هذا في عام آسا السادس عشر بعد سقوط زارح النوبي في يديه، والذي هو العام السادس والثلاثين بعد موت سليمان”.[11]

     

    ونفس الأمر ذُكر بالحرف في “Tosefta Sotah“.[12]

     

    ويؤكد هذا چون جيل، حيث يقول:

    ” إنها [أي السنة السادسة والثلاثين] تُفهَم لمملكة يهوذا، عندما تم انقسامها عن إسرائيل، ومن ذلك الوقت إلى هذا كانت ٣٦ سنة، ١٧ عاماً في حكْم رحبعام، و٣ سنوات تحت حكْم أبيام، بحيث يكون هذا العام السادس عشر؛ وبالتالي يتم إحتسابها في التسلسل التاريخي اليهودي، والذي يتبعه العديد من أفضل علماء التاريخ لدينا”.[13]

     

    وهو أيضاً ما يشير إليه حتى حاخام العصور الوسطى، الرابي شلومو يتسحاقي שלמה יצחקי (المعروف بالرابي راشي)، حيث يقول:

    ” في السنة السادسة والثلاثين لملْك آسا – هذا مستحيل لأن آسا دفن بعشا في السنة السابعة والعشرين من حكمه. بدلاً من ذلك، في السنة السادسة عشرة من حكمه. يقول الكتاب المقدس ” السادسة والثلاثين” لأنها نهاية ٣٦ سنة منذ تقسيم المملكة”.[14]

     

    ليبرمان “S. Lieberman” في أعقاب تصريح لفايس “J.A.H. Weiss“، لاحظ أن أحياناً في الكتاب المقدس والمشناه، البادئة ל (في كلمة ” לְמַלְכ֣וּת “) يمكن أن يكون لها معنى ב، ولهذا يمكن للمرء أن يترجم النص: ” في السنة السادسة والثلاثين، في (أثناء) حكْم آسا، صعد بعشا ملك إسرائيل على يهوذا… “. [15]

     

    إذن خلاصة هذا الرأي، هي أن المقصود بقول الوحي الإلهي ” السنة السادسة والثلاثين ” هو من انفصال عشرة أسباط إسرائيل عن سبطي يهوذا وبنيامين، وقت انقسام مملكة سليمان إلى قسمين: قسم لإسرائيل وقسم ليهوذا. وعليه فتكون السنة 16 من حكم آسا على يهوذا هي السنة 36 من انقسام المملكة.

     

    وهو الرأي الذي أجمع عليه أغلب نقاد وعلماء الكتاب المقدس، حيث يقول كلاً من “Jamieson- Fausset- Brown“:

    ” أفضل نقاد كتابيين إتفقوا في النظر في هذا التاريخ على أن يتم حسابه من إنفصال الممالك، وموافقة العام السادس عشر من حكْم آسا. هذا النمط الحسابي كان على الأرجح، يتَّبع بشكل عام في كتابات ملوك يهوذا وإسرائيل؛ التي هي سجلات الأحداث الشائعة في ذلك الوقت (٢أخبار ١٦: ١١) – المصدر الذي استخلص منه المؤرخ الموحى إليه روايته “.[16]

     

    وفي الآخير، هذا سيعني أن كاتب سفر أخبار الأيام الثاني أخذ معلوماته من وثيقة رسمية أقدم في يهوذا، والتي في البداية استخدمت العام ٩٣١ (عام بداية حكْم رحبعام والذي يوافق السنة الأولى من استقلال مملكة يهوذا) والذي يُعرَف بالتقويم “era” [17] بدلاً من التقويم “regnal” [18]. ثم لاحقاً، يبدو أن مصادر كاتب السفر تغيرت إلى نظام التقويم “regnal” الاعتيادي. حيث لا توجد أمثلة أخرى على التقويم “era” غير الحالة التي نناقشها (في ٢ أخبار ١٦: ١) و (٢أخبار ١٥: ١٩)، والذي يصرح بعدم وجود حروب حتى السنة الخامسة والثلاثين.[19]

     

    التفسير الثاني:

     

    في تعليقهم على نص ٢أخبار ١٦: ١، اقترح كلاً من Keil وDelitzsch أن الرقم ٣٦ هو خطأ نسخي للرقم ١٦.[20] حيث كانت الأرقام تُكتَب في العبرية القديمة كرموز من الحروف العبرية. بمعنى أن كل عدد كان يتم تمثيله بحرف من الأبجدية العبرية. ومن هنا نشأ خطأ نسخي بسبب القراءة الخاطئة للحروف المتشابهة؛ حيث هناك عدة حروف عبرية متشابهة مع بعضها. وفي الحالة التي نحن بصددها، نجد أن حرف ” י ” (يود) كان يمثل العدد “١٠”، بينما حرف ” ל ” (لامدا) يمثل العدد “٣٠”.

    مع وجود تشابه كبير بين هذين الحرفين في النسخ العبرية المبكرة (المخطوطات) المكتوبة بخط اليد.[21]

     

    وهذه صورة لمزيد من التوضيح..

     فالحرفين متشابهين جداً بإستثناء شرطتين صغيرتين متصلتين بالجهة اليسرى للخط الرأسي الأساسي لحرف اليود. وبحسب آرشر، فإن هذا التشابه كان من الممكن أن يُربِك الناسخ بسهولة لينتج عنه في النهاية خطأ نسخي غير مُتَعَمَد.

    حيث يقول:

    ” [العدد] ١٦ يمكن بسهولة أن يتبدَّل مع ٣٦. السبب لهذا هو أنه خلال القرن السابع ق. م.  كان الحرف “يود” = ١٠ يشابه بدرجة كبيرة الحرف “لامدا” = ٣٠… لذا فإنها تتطلب بقعة صغيرة فقط من التآكل المفرط لعمود الدَرَج [المخطوطة] لينتج عنه جعْل اليود تطابق  لامدا “.[22]

     

    وفي الآخير، فهذا الخطأ النسخي لا يقلل أبداً من موثوقية الكتاب المقدس ككلمة الله الموحى بها، حيث أن النساخ هم مجرد بشر عاديين ليسوا معصومين عن الخطأ. ورغم كون عملية النسخ باليد في القرون المبكرة هي عملية شاقة جداً تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب تركيزاً شديداً، إلا أن التاريخ يسجل أن النُسَّاخ (مثل الماسوريين) كان هدفهم إنتاج نسخ دقيقة من الكتاب المقدس، وأنهم بذلوا قصارى جهدهم لضمان الدقة أثناء نسخهم.

     

    فعلى سبيل المثال يقول وليم جرين عن العهد القديم:

     ” يمكننا أن نقول واثقين إنه لا يوجد كتاب قديم آخر قد نُقِل إلينا بمثل هذه الدقة”.[23]

     

    لكن مع ذلك، لا يزالون بشر عُرضة لإرتكاب الأخطاء. فلا يكاد يخلو أي كتاب له مخطوطات قديمة بخط اليد من الأخطاء النسخية! ولكن رغم ضعفنا البشري وسقطاتنا، إلا إن الله قد حفظ كتابه، ليس بتدخل معجزي، ولكن باستخدام الإنسان نفسه.

     

    فيقول جيسلر:

    ” الله لن يتدخل بطريقة معجزية مستمرة للحيلولة دون حدوث أخطاء النسخ بيد البشر، ولكن بدلاً من ذلك قد أعطى الإنسان القدرة على محاولة فهم كيفية حل هذه الصعوبات بدون ادعاء حدوث هذه الأخطاء في النص الأصلي بيد الكُتَّاب الموحى إليهم “.

     

    التسلسل التاريخي للأحداث:

     

    الآن وبناء على ما ذكرناه، سنرتب الأحداث في سياقها الزمني لمزيد من التوضيح..[24]

     

    * خلال السنوات العشرة الأولى كان هناك سلام (٢أخبار ١٤: ١)

    * في السنة الحادية عشرة، غزو الكوشيين.

    * وبعد الإنتصار عليهم، كان هناك استمرار لإصلاح العبادة والراحة حتى السنة الخامسة عشرة التي حدث فيها تجديد العهد. (٢ أخبار ١٥: ١٩؛ ١٠: ١٥)

    * في السنة السادسة عشرة، اندلعت الحرب بين بعشا وآسا.

     

     

    يُكمل أبو عمر فيقول:

    ” يا أخي المضحك في الموضوع، إن سفر ملوك الأول هو اللي قلِّنا نرجع لسفر أخبار الأيام علشان نكتشف هذه المصيبة!!

    يقول في العدد الخامس [من الإصحاح ١٦]: «وبقية أمور بعشا وما عمل وجبروته، أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل؟» “.

     

    مُعلقاً على ذلك:

     ” أيوه يا عم الحج، ماهي مكتوبة والله، بس مكتوبة بشكل لا يمكن أن يقنع العقلاء!”

     

    هنا يفترض أبو عمر أن ” سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل ” المقصود به هو “سفر أخبار الأيام ” القانوني المُوحى به ضمن أسفار الكتاب المقدس. وهو افتراض خاطئ وساذج جداً. فكيف يُختَص سفر أخبار الأيام بملوك إسرائيل فقط، وهو السفر الذي يحوي أخبار ملوك يهوذا أيضاً؟!!

     

    لكن الحقيقية أن كلمة “سفر” والتي جاءت في العبرية “סִפְרָה”، تعني كتاب، وليس شرطاً أن يكون كتاباً (سفراً) قانونياً موحى به من الله. فقد استعان كلاً من كاتب سفر الملوك وأيضاً كاتب سفر أخبار الأيام بعدد من الكتب المدنية، والتي من بينها مجموعة تواريخ مملكتي إسرائيل ويهوذا. والتي من ضمنها، كتاب (سفر) أخبار الأيام لملوك إسرائيل.

     

    حيث تقول دائرة المعارف الكتابية:

    ” سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل – ويُذكَر السفر ١٧ مرة في سفري الملوك، وذلك عادةً في ختام ذكر تاريخ ملك من ملوك المملكة الشمالية، فهو يوجه نظر القارئ إلى ذلك المرجع لمعرفة المزيد، مثل: “بقية أمور يربعام، كيف حارب وكيف ملكَ” (١مل ١٤: ١٩) … والأرجح أن هذه المراجع عن المملكتين الشمالية والجنوبية [سفري أخبار الأيام لملوك إسرائيل ويهوذا] كانت شبيهة بالحوليات في الممالك المجاورة، وبخاصة حوليات ملوك آشور، إذ يرجح أنها كانت سجلات رسمية محفوظة في السامرة وأورشليم “.[25]

     

    ويقول “Benson“:

     ” هوذا مكتوبين في سفر أخبار الأيام – ليس سفر أخبار الأيام القانوني، حيث إنه كُتب بعد هذا السفر [الملوك] بفترة طويلة، لكن هو كتاب السجلات المدنية، والسجلات التاريخية، حيث تم تسجيل جميع المقاطع الجديرة بالملاحظة من قِبَل أمر الملك من يوم لآخر؛ والذي أخذ منه الكاتب، بتوجيه من روح الله، تلك النصوص والتي كانت مفيدة للغاية لمجد الله، وتنوير الرجال”.[26]

     

    وتُعلق نسخة ESV على ذلك فتقول:

     ” يدَّعي كُتَّاب سفر الملوك على وجه التحديد، أنهم تمكنوا من الوصول إلى مصادر مكتوبة للمعلومات حول الفترة الملكية، لكل من إسرائيل ويهوذا… فالإشارة هنا هي إلى سجلات إسرائيل الملكية، المحفوظة في أرشيفات القصر ومكتبات المعابد إلى جانب السجلات الأجنبية والنقوش بأنواعها المختلفة. لا توجد نسخة من أي من هذه السجلات باقية حتى اليوم؛ ولم يتم العثور عليها في الكتاب المقدس، حيث أنها تختلف عن سفري أخبار الأيام الأول والثاني “.[27]

     

    إذن، سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل الوارد في نص ١مل ١٦: ٥، وغيره من النصوص، ليس المقصود به سفر أخبار الأيام القانوني الموحى به على الإطلاق.

     

    ويقول أيضاً حلمي القمص يعقوب:

     ” [سفر أخبار الأيام القانوني] دُعي في الأصل العبري ” ديبر هاياميم ” والذي يمكن ترجمته إلى “الأحداث” أو “السجلات التاريخية للأيام (أو السنين) “، أي يمكن ترجمة اسم السفر إلى ” أحداث الايام” أو “أخبار تاريخية”. وهذا الاسم يحمل معنى سفر الأعمال اليومية المتعلقة بالتاريخ… وفي الاسم دلالة على سجلات ملوك يهوذا وإسرائيل التي استُخدمَت كمصادر لسفر أخبار الأيام “.[28]

     

    فسفر أخبار الأيام القانوني دُعي بهذا الاسم نسبة للسجلات التاريخية التي استخدمها الكاتب كمصادر له. فالوحي الإلهي لا يمنع الكاتب من إستخدام ما هو متاح أمامه من معلومات صحيحة تحت قيادة الروح القدس. فمن الواضح أن هذا الباحث لم يطَّلِع حتى على مفهوم ولا معنى اسم الأسفار التي إقتطع منها النصوص متلهفاً لإثبات وجود تناقض في الكتاب المقدس.

     

    يُكمل أبو عمر:

    ” العجيب بقى إن رسالة بطرس الثانية إصحاح ١ عدد ٢١ بتقول: «لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس» “.

     

    مُعلقاً على ذلك بقوله:

     ” يبقى الناس دي وهي بتكتب كانوا مسوقين من الروح القدس. طيب هما بقى لو مسوقين من الروح القدس، والروح القدس هو اللي بيدفعهم لكي يكتبوا هذا الكلام، هل كان هيحصل الكلام ده؟! هو ده بقى التحريف “.

     

    ولكن أبو عمر لم ينتبه في نفس الوقت، أننا إذا إفترضنا صحة ما كان يقوله، فهذا كافٍ جداً لهدم شبهته من البداية!! لأننا ببساطة إذا افترضنا جدلاً أن المقصود بقول ١مل ١٦: ٥ هو سفر أخبار الأيام القانوني، والذي اقتبس منه هذا الباحث لإثبات التناقض المزعوم، سيكون هذا دليل في حد ذاته على بطلان التناقض. حيث أنه سيكون دليلاً على علْم كاتب سفر الملوك بما يحويه سفر أخبار الأيام حتى إنه ذُكر من قِبَل كاتب سفر الملوك حوالي ٣٢ مرة (١٧ مرة لملوك إسرائيل، و ١٥ مرة لملوك يهوذا).

     

    فكيف إذن يكون هناك تناقض بين الإثنين؟! ألا يَعقِل أبو عمر ما يقوله قبل أن ينطق به؟!!

     

    لكن الصحيح في هذه الحالة، هو إنه إما كان هناك تطابق بين السفرين من حيث طريقة احتساب السنوات، ثم حدث خطأ فيما بعد من النساخ (وبالتالي هذا لا يطعن في وحي الكتاب المقدس)، أو كان الكاتب على علْم بالتقويم الذي إستخدمه الكاتب الآخر، وهو بنفسه وبإرشاد الروح القدس، قرر استخدام تقويم مغاير له ناسبًا التأريخ للإنقسام. وبالتالي، في كلتا الحالتين، لا يمكن أن يكون هناك أي تناقض.  فشكراً لأبي عمر على هذا الافتراض!

     

    وآخيراً، يقول روبرت ويلسون في كتابه ” بحث علمي في العهد القديم “:

    ” لم يحدث في كل تاريخ الآداب القديمة أن تم النقل بمثل هذه الدقة، فلقد ظهر في العهد القديم أسماء نحو أربعين ملكاً في الفترة من ٢٠٠٠ – ٤٠٠ ق.م، وكلها جاءت في تسلسل تاريخي مضبوط تماماً – سواء بالنسبة لملوك الدولة الواحدة أو بالنسبة للملوك المعاصرين في الدول الأخرى. وهذا برهان على دقة سجلات العهد القديم بصورة تفوق الخيال! إذ يتفق كل ما ظهر في مخطوطات وحفريات بابلية تماماً مع ما جاء في العهد القديم “.[29]

     

    «إلى هنا أعاننا الرب»

    [1] F. Brown, S. Driver, C. Briggs, The Brown-Driver-Briggs Hebrew And English Lexicon Of The Old Testament With An Appendix Containing The Biblical Aramic , Based on The Lexicon of William Gesenius, (Oxford University Press: First Edition 1907), p. 574-575.

    [2] Thiele, Edwin R. (1951), The Mysterious Numbers of the Hebrew Kings (Chicago, IL: University of Chicago Press), p. 59.

    [3] Leon Wood, Israel’s History, p. 346.

    [4] Archer, Gleason L. (1982), An Encyclopedia of Bible Difficulties (Grand Rapids, MI: Zondervan), p. 225.

    [5] F. N. Jones (2002), Chronology of the Old Testament: A Return to the Basics, 15th Edition Revised and Enlarged with Extended Appendix, (Kingword Press), p. 145.

    [6] Henry, Mattew, The Complete Commentary On The Whole Bible, 2chr. 16:1, (Electronic ed.), p. 5873.

    [7] Sutcliffe, Joseph. “Commentary on 2chr. 16:1-14”. Sutcliffe’s Commentary on the Old and New Testaments, (Electronic ed.).

    [8]  وليم مارش، السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: شرح سفر الملوك الأول، إصدار مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت ١٩٧٣، صـ ٥٣.

    [9] F. N. Jones (2002), Chronology of the Old Testament: A Return to the Basics, 15th Edition Revised and Enlarged with Extended Appendix, (Kingword Press), p. 145.

    [10] Ussher, Archbishop James.   Annals of the World.  London:  1658, p. 43.

    [11] Seder Olam Rabba, Ch. 16.1.

    [12] Tanaitic, Tosefta, Seder Nashim, Sotah, ch. 12.1.

    [13] Gill, John. “Commentary on 1 Kings 15:17”, The New John Gill Exposition of the Entire Bible, (Electronic ed.).

    [14] The Complete Jewish Bible with Rashi Commentary, (Electronic ed.), 1kings 11:39.

    [15] Seder Olam: The Rabbinic View of Biblical Chronology, translated and with commentary by HEINRICH W. GUGGENHEIMER, (A JASON ARONSON BOOK: ROWMAN & LITTLEFIELD PUBLISHERS, INC.), p. 152.

    [16] Jamieson, Robert, D.D.; Fausset, A. R.; Brown, David. “Commentary on 2 Chronicles 16:1”, “Commentary Critical and Explanatory on the Whole Bible – Unabridged”, (Electronic ed.), vol.1, p.274.

    [17] هو نظام ترقيم للسنوات، يبدأ بحدث معين ويستمر بذات الترقيم، مثل: التقويم الميلادي على سبيل المثال.

    [18]  هو نظام فيه كانت تُحسَب السنين من بداية اعتلاء الملك للعرش، ويتغير الترقيم ببداية عهد كل ملك جديد.

    [19] Archer, Gleason L. (1982), An Encyclopedia of Bible Difficulties (Grand Rapids, MI: Zondervan), p. 225.

    [20] Keil, C.F. and F. Delitzsch (1996), Keil and Delitzsch Commentary on the Old Testament (Electronic ed.), p. 366-367.

    [21] Crossway Bibles. (2008) The ESV Study Bible Notes, (note on 2chr. 16:1).

    [22] Archer, Gleason L. (1982), An Encyclopedia of Bible Difficulties (Grand Rapids, MI: Zondervan), p. 226.

    [23] جوش ماكدويل، القديم الجديد! من قال إنه تغير؟!، إصدار هيئة الخدمة الروحية وتدريب القادة، ترجمة: الدكتور القس منيس عبد النور، الطبعة الخامسة، صـ ٤٧.

    [24] Keil, C.F. and F. Delitzsch (1996), Keil and Delitzsch Commentary on the Old Testament (Electronic ed.), p. 366-367.

    [25] دائرة المعارف الكتابية، المجلد السابع، الطبعة الثانية، صـ ٢١٤.

    [26] Benson, Joseph. “Commentary on 1 Kings 14:19”. Joseph Benson’s Commentary, (Electronic ed.).

    [27] Crossway Bibles. (2008) The ESV Study Bible Notes, (note on 1kings 14:19).

    [28] حلمي القمص يعقوب، كتاب مدارس النقد والتشكيك، الجزء الحادي عشر، أسفار: أخبار الأيام الأول والثاني وعزرا ونحميا وأستير، الطبعة الأولى ٢٠١٤، الباب الأول، سـ ١٣٧٢.

    [29] جوش ماكدويل، القديم الجديد! من قال إنه تغير؟!، إصدار هيئة الخدمة الروحية وتدريب القادة، ترجمة: الدكتور القس منيس عبد النور، الطبعة الخامسة، صـ ٤٧.

  • عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

    عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

    عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

    عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

    عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

     

    يوجد اعتراض حول ترتيب أحداث تجربة المسيح أريد التعليق عليها في عُجالة شديدة وبصورة مُوجزة، مُشكلة الاعتراض هو إنه ليس مُترابطاً، فمثلاً يقول بما ان متى ولوقا اختلفوا في الترتيب إذن يوجد تناقض، وحينما يتعامل مع الأطروحة التي تقول ان متى كتب هذه الحادثة بتسلسل زمني لكن لوقا كتب هذه الحادثة بترتيب موضوعي، يعترض قائلاً ان انجيل لوقا كتاب دقيق تاريخياً ولا يُمكن أن يكون غير مُرتب زمنياً!، وهذه مُغالطة منطقية، لكن في النهاية، سأترك جانباً أي جدل جانبي وسأقدم نظرتي لهذه الحادثة، ويكون محور كتابتي هل تناقض متى ولوقا وليس هل فلان جاهل ام لا؟

     

    تعريف بالمُشكلة

    قد وردت قصة تجربة المسيح في كلً من إنجيل متى وإنجيل لوقا، وكلا من الإنجيلين مُتفقين في كل التفاصيل تقريباً، لكننا نجد ان بحسب الرواية الإنجيلية للقديس متى إنه يروي ثلاث تجارب يبتدأ أولا بتجربة تحويل الحجارة إلى خبز لأن المسيح بعد صيام أربعين نهار وليل قد جاع “فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَاعَ أَخِيراً. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزاً». فَأَجَابَ: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ».” (متى 4: 2 – 4) وبعد هذه المُحاولة الفاشلة قد أخذ ابليس يسوع وأوقفه على جناح الهيكل وجربه ثانيةً إن كان هو ابن الله فيُلقي نفسه إلى أسفل ” ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَيْضاً: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ» (متى 5-7: 4). ثم المُحاولة الثالثة ” ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي». حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ. ” (متى 4: 8 – 11)، إذن الرواية بحسب متى تقول، (1) تجربة تحويل الخبز، (2) تجربة جناح الهيكل، (3) تجربة الجبل.

     

    أما رواية لوقا تقول ان أول تجربة كانت تحويل الخبز “أَرْبَعِينَ يَوْماً يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئاً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيراً. وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ لِهَذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزاً». فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ».” (لوقا 4: 2 – 4) وهنا تبدأ المُشكلة بحسب فهم ” الباحث ” حيث ان التجربة الثانية ليست تجربة جناح الهيكل ولكن التجربة الثانية هي تجربة الجبل التي وردت في إنجيل متى انها التجربة الأخيرة وليست الثانية ” ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ. وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «لَكَ أُعْطِي هَذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ. فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ». فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». (لوقا4: 5 – 8))، والتجربة الثالثة بالطبع هي تجربة جناح الهيكل بحسب رواية لوقا “ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلَ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». فَأَجَابَ يَسُوعُ: «إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ». وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ.” (لوقا 4: 9 – 13)، إذن بحسب رواية لوقا (1) تجربة تحويل الخبز، (2) تجربة الجبل، (3) تجربة جناح الهيكل.

     

    لكن المُشكلة حقاً التي أراها إن السائل [1] لم يتعرض إلى مُقارنة حقيقية بين الروايتين! صحيح إنه عرض الروايتين، الرواية بحسب متى والرواية بحسب لوقا، ثم وضع العقدة بالمُنشار وقال تناقض صارخ!، هذا حقاً عبث وأمر مُضحك ومُبكي في نفس الوقت، مُضحك لأن هذه ليست طريقة عقلية أبداً في دراسة أي شيء ومُحزن إن هذا السائل له من يُجله ويعتبره صاحب علم.

     

    لا إشكال انت صاحب علم فقدم علم، لكن ما هو العلم في عدم البحث؟ هل ينزل عليك وحياً فتعرف ان هذا خطأ وذاك تناقض؟، هل قدم السائل تحليل لما ورد في كل من رواية متى ولوقا من الناحية اللغوية على الأقل؟ فإن كان على الادعاءات فلدي الكثير لكن هل من إثبات!؟، فبما ان السائل أفترض ان الروايتان مُتناقضتان فكان عليه دراستهما وتحليلها هما الإثنين، ومن الملحوظ ان السائل لم يقترب من قريب او بعيد إلى التعبيرات اليونانية المُستخدمة في رواية التجربة في إنجيل متى! رغم إنه بنفسه استخدم كتاب “تحليل لغة إنجيل متى” للدكتور موريس تواضروس! فهل أنت تأخذ ما يعجبك وما يُخالف قضيتك تتركه!، هل هذا هو البحث؟ هل هذا هو الحياد!؟

     

    هل كتب متى القصة بتسلسل زمني؟

    حينما نُريد ان نعرف هل كتب متى هذه القصة بتسلسل زمني أم لا، فعلينا ان نفحص التعبيرات التي استخدمها، هل هي تعبيرات يونانية مُبسطة مُمكن ان تُعني التسلسل الزمني او ربما الموضوعي، ام متى قد كتب بتسلسل زمني، فما يجب ان نقوم به هو تحليل المُصطلحات التي إستخدمها متى في روايته لحادثة التجربة، فمتى في روايته استخدم تعبيرين في العدد الخامس والثامن فيقول

    “ثُمَّ [Τότε]أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ ” (متى 4:5)، ثُمَّ  [πάλιν]أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا (متى 4:8). والتعبيران يُستخدمان للظرف الزماني، فبالتالي نحن نقول ان متى كتب هذه القصة بترتيب زمني، اي حادثة تحويل الخبز أولا، وتجربة جناح الهيكل ثانياً وتجربة الجبل ثالثاً وأخيراً.

     

    تحليل كلمة Τότε

    τότε an adverb of subsequent time, correlated to ὅτε (when, while, as long as); (1) used correlatively withὅτε when … then (MT 13.26); (2) as a time marker at that time, then (MT 2.17); (3) in narration to introduce what follows in time then, thereupon (MT 2.7) [2]

     

    τότε adv. then, at that time (ἀπό τότε from that time on, after that; ὁ τ. κόσμος the then-existing world 2 Pe 3:6); thereupon, next, after that[3] 

     

    5538 τότε (tote): adv.; ≡ Str 5119—LN 67.47 then, when, at that time (Mt 24:23; Heb 9:17 v.r.)[4]

     

    τότε tote at that time; then, thereupon

    This correlative adv. of time occurs 160 times in the NT and is esp. preferred by Matthew (90 occurrences; 21 in Acts, 15 in Luke, 10 in John, 6 in Mark). Two kinds of usage can be distinguished.

    1. Τότε refers to far off, more distant time. a) The past (at that time): Matt 2:17; 4:17; 16:21; 26:16; 27:9, 16; Luke 16:16; Gal 4:8, 29; Heb 12:26; 2 Pet 3:6. b) The future (then): Matt 13:43; 1 Cor 13:12 (bis). c) Time defined by a condition (then): 2 Cor 12:10.
    2. Τότε in the sense of thereafter introduces that which (immediately) follows temporally (BDF §459: nonclassical): Matt 2:7, 16; 3:13, 15; 4:1, 5, 10, 11; 8:26; 12:22, and elsewhere; Luke 11:26; 14:21; 21:10; 24:45; Acts 1:12; 4:8. Καὶ τότε occurs in Matt 7:23; 16:27; 24:10, 14, 30 (bis); Mark 13:21, 26, 27; Luke 21:27; 1 Cor 4:5; Gal 6:4; 2 Thess 2:8. Τότε οὖν (“so then”) occurs in John 11:14; 19:1, 16; 20:8. Often ὅταν(with aor. subjunc.) is used in conjunction with τότε (“when … then”): Matt 24:16; 25:31; Mark 13:14; Luke 5:35; 21:20; John 8:28; 1 Cor 15:28, 54; 16:2; Col 3:4.[5]

     

    τότε tote; from the neut. of 3588 and 3753; then, at that time:— then(146), time(10).[6]

     

    TOTE (τότε , (5119)), a demonstrative adverb of time, denoting at that time, is used (a) of concurrent events, e.g., Matt. 2:17; Gal. 4:8, “at that time;” ver. 29, “then;” 2 Pet. 3:6, “(the world) that then was,” lit., ‘(the) then (world);’ (b) of consequent events, then, thereupon, e.g., Matt. 2:7; Luke 11:26; 16:16, “[from (A.V., since)] that time;” John 11:14; Acts 17:14; (c) of things future, e.g., Matt. 7:23; 24:30 (twice), 40; eight times in ch. 25; 1 Cor. 4:5; Gal. 6:4; 1 Thess. 5:3; 2 Thess. 2:8. It occurs 90 times in Matthew, more than in all the rest of the N.T. together.[7]

     

    τότε, demonstr. adv. of time, (fr. the neut. art. τό, and the enclit. τέ [q. v.]; answering to the relative οτε[Kühner § 506, 2 c.]), fr. Hom. down, then; at that time;

    then i. e. at the time when the things under consideration were taking place, (of a concomitant event): Mt. 2:17 (τότε ἐπληρώθη); 3:5, 13; 12:22, 38; 15:1; 19:13; 20:20; 27:9, 16; Ro. 6:21; foll. by a more precise specification of the time by means of an added participle, Mt. 2:16; Gal. 4:8; opp. to νῦν, Gal. 4:29; Heb. 12:26; ὁ τότε κόσμος, the world that then was, 2 Pet. 3:6.

    then i. e. when the thing under consideration had been said or done, thereupon; so in the historical writers (esp. Matthew), by way of transition from one thing mentioned to another which could not take place before it [W. 540 (503); B. § 151, 31 fin.]: Mt. 4:1, 5; 26:14; 27:38; Acts 1:12; 10:48; 21:33; not infreq. of things which took place immediately afterwards, so that it is equiv. to which having been done or heard: Mt. 2:7; 3:15; 4:10 sq.; 8:26; 12:45; 15:28; 17:19; 26:36, 45; 27:26 sq.; Lk. 11:26; τότε οὖν, Jn. 11:14 [Lchm. br.οὖν]; 11:1, 16; 20:8; εὐθέως τότε, Acts 17:14; τότε preceded by a more definite specification of time, asμετά τὸ ψωμίον, Jn. 13:27; or by an aor. ptcp. Acts 28:1. ὅτε … τότε, etc., when … then: Mt. 13:26; 21:1; Jn. 12:16; ὡς … τότε, etc., Jn. 7:10; 11:6; preceded by a gen. absol. which specifies time, Acts 27:21. ἀπό τότε from that time on, see ἀπό, I. 4 b. p. 58b.

    of things future; then (at length) when the thing under discussion takes place (or shall have taken place):τότε simply, Mt. 24:23, 40; 25:1, 34, 37, 41, 44 sq.; opp. to ἄρτι, 1 Co. 13:12; καὶ τότε, Mt. 7:23; 16:27; 24:10, 14, 30; Mk. 13:21, 26 sq.; Lk. 21:27; 1 Co. 4:5; Gal. 6:4; 2 Th. 2:8; καὶ τότε preceded by πρῶτον, Mt. 5:24; 7:5; Lk. 6:42. ὅταν (with a subjunc. pres.) … τότε, etc. when … then, etc. [W. § 60, 5], 2 Co. 12:10; 1 Th. 5:3; ὅταν (with an aor. subj. i. q. Lat. fut. pf.) … τότε, etc., Mt. 9:15; 24:16; 25:31; Mk. 2:20; 13:14; Lk. 5:35; 21:20 sq.; Jn. 2:10 [T WH om. L Tr br. τότε]; 8:28; 1 Co. 15:28, 54; 16:2; Col. 3:4. of the N. T. writ. Matthew uses τότε most frequently, ninety-one times [(so Holtzmann, Syn. Evang. p. 293); rather, eighty-nine times acc. to R T, ninety times acc. to G L Tr WH]; it is not found in [Eph., Phil., Philem., the Past. Epp., the Epp. of Jn., Jas., Jude], the Rev.[8]

     

    [5538] τότε tote 160x Mt 2:17; 3:5; 11:20; then, Mt 12:29; 13:26; 25:31; ἀπὸ τότε, from that time, Mt 4:17; 16:21; ὁ τότε, which then was, 2 Pet. 3:6 [5119][9]

     

    تحليل كلمة παλιν

    πάλιν adverb; (1) with verbs of going, sending, turning, etc., denoting backward direction back (JN 11.7); (2) denoting a return to a previous state or activity again (JN 4.13); (3) denoting repetition again, once more, anew (MT 26.43, 44); (4) denoting continuation furthermore, again, often used in series of quotations or sayings introduced by a formula (MT 13.45; HE 1.5); (5) denoting a turn of thought on the other hand, in turn, again (1J 2.8)[10]

     

    πάλιν adv. again, once more (εἰς τὸ πάλιν͂πάλιν 2 Cor 13:2); back; furthermore; on the other hand, yet [11]

    4099 πάλιν (palin): adv.; ≡ Str 3825—1. LN 89.97 also, furthermore, again; a marker of adding to an idea, involving repetition (Ro 15:10–12; Jn 8:2, 8 v.r.); 2. LN 89.129 on the other hand; a marker of contrast (Mt 4:7; 2Co 10:7); 3. LN 67.55 εἰς τὸ πάλιν (eis to palin), again (2Co 13:2+)[12]

    πάλιν palin; a prim. word; back (of place), again (of time), further:— again(127), again*(1), another(1), back(4), once more(4), other hand(3).[13]

    πάλιν, adv., fr. Hom. down;

    1. anew, again, [but the primary meaning seems to be back; cf. (among others) Ellendt, Lex. Soph. s. v. ii. p. 485];
    2. joined to verbs of all sorts, it denotes renewal or repetition of the action: Mt. 4:8; 20:5; 21:36; 22:1, 4; Mk. 2:13; 3:20; Lk. 23:20; Jn. 1:35; 4:13; 8:2, 8, 12, 21; 9:15, 17; 10:19; Acts 17:32; 27:28; Ro. 11:23; 1 Co. 7:5; 2 Co. 11:16; Gal. 1:9; 2:18; 4:19; 2 Pet. 2:20; Phil. 2:28; 4:4; Heb. 1:6 (where πάλιν is tacitly opposed to the time when God first brought his Son into the world, i. e. to the time of Jesus’ former life on earth); Heb. 5:12; 6:1, 6; Jas. 5:18; Rev. 10:8, 11; πάλιν μικρόν sc. ἔσται, Jn. 16:16 sq. 19; εἰς τὸ πάλιν, again (cf. Germ. zum wiederholten Male; [see εἰς, A. II. 2 fin.]), 2 Co. 13:2; with verbs of going, coming, departing, returning, where again combines with the notion of back; thus with ἄγωμεν, Jn. 11:7; ἀναχωρεῖν, Jn. 6:15 [where Tdf. φεύγει and Grsb. om. πάλιν], (cf. ib. 3); ἀπέρχεσθαι, Jn. 4:3; 10:40; 20:10; εἰσέρχεσθαι, Mk. 2:1; 3:1; Jn. 18:33; 19:9; ἐξέρχεσθαι, Mk. 7:31; ἔρχεσθαι, Jn. 4:46; 14:3; 2 Co. 1:16; 12:21 [cf. W. 554 (515) n.; B. § 145, 2 a.]; ὑπάγειν, Jn. 11:8; ἀνακάμπτειν, Acts 18:21; διαπερᾶν, Mk. 5:21; ὑποστρέφειν, Gal. 1:17;ἡ ἐμὴ παρουσία πάλιν πρὸς ὑμᾶς, my presence with you again, i. e. my return to you, Phil. 1:26 [cf. B. § 125, 2]; also with verbs of taking, Jn. 10:17 sq.; Acts 10:16 Rec.; 11:10.
    3. with other parts of the sentence: πάλιν εἰς φόβον, Ro. 8:15; πάλιν ἐν λύπῃ, 2 Co. 2:1.
    4. πάλιν is explained by the addition of more precise specifications of time [cf. W. 604 (562)]: πάλιν ἐκ τρίτου, Mt. 26:44 [L Tr mrg. br. ἐκ τρ.]; ἐκ δευτέρου, Mt. 26:42; Acts 10:15; πάλιν δεύτερον, Jn. 4:54; 21:16;πάλιν ἄνωθεν, again, anew, [R. V. back again (yet cf. Mey. ad loc.)], Gal. 4:9 (Sap. 19:6; πάλιν ἐξ ἀρχῆς, Arstph. Plut. 866; Plat. Eut. p. 11 b. and 15 c.; Isoc. areiop. 6 p. 338 [p. 220 ed. Lange]; cf. W. u. s.).
    5. again, i. e. further, moreover, (where the subject remains the same and a repetition of the action or condition is indicated): Mt. 5:33 (πάλιν ἠκούσατε); 13:44 (where T Tr WH om. L br. πάλιν), 45, 47; 19:24; Lk. 13:20; Jn. 10:7 [not Tdf.]; esp. where to O. T. passages already quoted others are added: Mt. 4:7; Jn. 12:39; 19:37; Ro. 15:10–12; 1 Co. 3:20; Heb. 1:5; 2:13; 4:5; 10:30; Clem. Rom. 1 Cor. 15, 3 sq. and often in Philo; cf. Bleek, Br. a. d. Hebr. 2:1 p. 108.
    6. in turn, on the other hand: Lk. 6:43 T WH L br. Tr br.; 1 Co. 12:21; 2 Co. 10:7; 1 Jn. 2:8, (Sap. 13:8; 16:23; 2 Macc. 15:39; see exx. fr. prof. auth. in Pape s. v. 2; Passow s. v. 3; [Ellendt u. s. (ad init.); L. and S. s. v. III.; but many (e. g. Fritzsche and Meyer on Mt. 4:7) refuse to recognize this sense in the N. T.]). John uses πάλιν in his Gospel far more freq. than the other N. T. writ., in his Epp. but once; Luke two or three times; the author of the Rev. twice.[14]

     

    [4099] πάλιν palin 141x pr. back; again, back again, Jn 10:17; Acts 10:16; 11:10; again by repetition, Mt 26:43; again in continuation, further, Mt 5:33; 13:44, 45, 47, 18:19; again, on the other hand, 1 Jn. 2:8 [15]

     

    πάλιν palin, pal´-in; prob. from the same as 3823 (through the idea of oscillatory repetition); (adv.)anew, i.e. (of place) back, (of time) once more, or (conj.) furthermore or on the other hand:—again.

    παμπληθεί pamplēthĕi, pam-play-thi´; dat. (adv.) of a comp. of 3956 and 4128; in full multitude, i.e.concertedly or simultaneously:—all at once.[16]

     

    هل كتب لوقا القصة بتسلسل زمني؟

    بما أن لوقا يختلف في السرد من ناحية الترتيب مع إنجيل متى فمن الطبيعي ان يكون هناك سبباً لهذا الإختلاف، ما أقصده ان هناك منهج مُختلف تم إتباعه من متى ومن لوقا، فإننا أستفضنا في التعبيرات التي استخدمها إنجيل متى، فهي تعبيرات زمنية فبالتالي متى يَكتب القصة بترتيب زمني، وهنا يأتي السؤال الهام هل لوقا إتبع نفس الطريقة في كتابته نفس القصة؟ في الواقع الإجابة، لا، فكما قلنا ان متى إستخدم تعبير Τότε وتعبير πάλιν، لكننا نجد هنا في رواية لوقا يستخدم مُصطلحات بسيطة في سرد القصة مثل και، والتي تعني ببساطة “و” أي أنها أداة عطف الأحداث وليست أداة لترتيبها.

    وهنا لنا أضحوكة، فقد أورد السائل إعتراض ان لوقا لم يستخدم مُصطلح και لكن بحسب أقدم المخطوطات والنسخ اليونانية النقدية استخدم لوقا في العدد التاسع كلمة أخرى وهيδε، فهل كلمة δε تنفي القول بأن لوقا لم يكتب هذه الحادثة بترتيب زمني!؟، بالطبع لا، فـ και، أو δε هما حروف عطف!، فكنت أنتظر ان يثبت من خلال الدليل الداخلي لرواية لوقا إنه كتبها بترتيب زمني، ولكن هذا ما لم ولن يثبته.

    ونُقدم بعض القواميس حول كلمة δέ، رغم إنه من المُسلم به إن لا تغيير في أي شيء فلوقا لم يستخدم أي مُصطلحات زمنية.

     

    تحليل كلمة δέ

    δέ conjunctive particle; (1) most commonly to denote continuation and further thought development, taking its specific sense from the context and; contrast but; transition then, now (with no temporal sense); (2) to emphasize contrast; as a correlative with μέν (on the one hand) … but (on the other hand) (MT 3.11); after a negative but rather, instead (HE 4.13); (3) to introduce background material into a narrative now (with no temporal sense) or left untranslated (JN 11.18; this use is especially characteristic of John’s Gospel); (4) to resume an interrupted discourse and, then, or left untranslated (LU 4.1); (5) used with other particles: δὲ καί but also, but even (MT 10.30); καὶ … δέ and indeed, and also, but also (1J 1.3) [17]

     

    δέ but, to the contrary, rather; and; now, then, so; δὲ καί but also, but even; μὲν… δέ on the one hand …on the other hand [18]

     

    1254 δέ (de): pt. and cj.; ≡ Str 1161—1. LN 89.94 and, a marker of an addition, sometimes implying a contrast (Tit 1:1); 2. LN 89.87 and then, a marker of closely related events (Mt 1:2); 3. LN 89.124 but, a marker of contrast (Mt 22:14; Jn 7:10); 4. LN 91.4 νυνὶ δέ (nyni de), and so, but now; a marker of a summary statement (1Co 13:13), see BAGD and grammars for more in-depth analysis[19]

     

    δέ (Hom.+; inscr., pap., LXX) one of the most commonly used Gk. particles, used to connect one clause w. another when it is felt that there is some contrast betw. them, though the contrast is oft. scarcely discernible. Most common translations: but, when a contrast is clearly implied; and, when a simple connective is desired, without contrast; freq. it cannot be translated at all.

    1. to emphasize a contrast—a. gener. Mt 6:1, 6, 15, 17; 8:20; 9:17; 23:25; Mk 2:21f; Lk 5:36f; 10:6; 12:9f; 13:9; 1 Cor 2:15 and oft.
    2. for the correlative use μέν—δέ see μέν.
    3. in lists of similar things, to bring about a clearer separation betw. the things listed Mt 1:2-16; 2 Pt 1:5-8; relating one teaching to another Mt 5:31; 6:16; Ro 14:1; 1 Cor 7:1; 8:1; 12:1; 15:1; 16:1.
    4. after a negative rather (Wsd 2:11; 4:9; 7:6 al.; 2 Macc 4:5; 5:6 al.; 3 Macc 2:24; 3:15) Mt 6:33; Lk 10:20; Ac 12:9, 14; Ro 3:4; Eph 4:15; Hb 4:13, 15; 6:12; 9:12; strengthened δὲ μᾶλλον 12:13; Mt 10:6, 28.
    5. introducing an apodosis after a hypothetical or temporal protasis, and contrasting it with the protasis (Kühner-G. II 275f; Epict. 1, 4, 32; 1 Macc 14:29; 2 Macc 1:34; Act. Thom. 98) Ac 11:17 t.r.; 2 Pt 1:5 (for the protasis vs. 3f); Col 1:22 (where the participial constr. vs. 21 represents the protasis; Ep. Arist. 175; 315).
    6. very freq. as a transitional particle pure and simple, without any contrast intended now, then Mt 1:18, 24; 2:19; 3:1; 8:30; Mk 5:11; 7:24; 16:9; Lk 3:21; 12:2, 11, 13, 15f, 50; 13:1, 6, 10; 15:1, 11 al.; Ac 4:5; 6:1, 8; 9:10; 12:10, 17, 20; 23:10; 24:17; Ro 8:28; 1 Cor 16:12, 17; 2 Cor 4:7; 8:1; Gal 3:23. Esp. to insert an explanation that is (Aeschyl., Choeph. 190) Ro 3:22; 9:30; 1 Cor 10:11; 15:56; Eph 5:32; Phil 2:8. So in parentheses (Thu. 1, 26, 5 ἔστι δὲ ἰσθμὸς τὸ χωρίον) ἦσαν δὲ ἡμέραι τῶν άζύμων Ac 12:3.
    7. resuming a discourse that has been interrupted Mt 3:4; Lk 4:1; Ro 5:8; 2 Cor 10:2
    8. used w. other particles—a. δὲ καί but also, but even (2 Macc 12:13; 15:19; Ep. Arist. 40 al.) Mt 3:10 t.r.; 10:30; 18:17; Mk 14:31; Lk 11:18; 16:22; J 2:2; 3:23; 18:2, 5; Ac 22:28; 1 Cor 15:15.—ἔτι δὲ καί and (even) (EpJer 40; 2 Macc 10:7; Ep. Arist. 35; 151) Lk 14:26 v.l.; Ac 2:26 (Ps 15:9).
    9. καὶ… δέ and also, but also (Kühner-G. II 253; Wsd 7:3; 11:20; 1 Esdr 1:47; 1 Macc 12:23; 2 Macc 11:12; 4 Macc 2:9; Ep. Arist. index) Mt 10:18; 16:18; J 6:51; 8:16f; 15:27; Ac 3:24; 22:29; 1 Ti 3:10; 2 Ti 3:12; 1J 1:3. Cf. Hatch 141f.—Usually δέ comes second in its clause, somet. third (Lucian, Tim. 48, Dial. Mar. 4, 2; Alex. Aphr., Fat. 36, II 2 p. 208, 20; 209, 6) Mt 10:11; 18:25; Mk 4:34; Lk 10:31; Ac 17:6; 28:6 al., occasionally fourth (Menand., Epitr. 64; 309; Archimed. II 150, 10 Heib.; Lucian, Adv. Ind. 19 p. 114; PHib. 54, 20 [245 bc]; Wsd 16:8; 1 Macc 8:27) Mt l0:18; J 6:51; 8:16; 1 Cor 4:18; 1J 1:3, or even fifth (Lucian, Apol. 12 p. 722; Alex. Aphr., An. II 1 p. 34, 8; 57, 15; 1 Esdr 1:22; 4 Macc 2:9) J 8:17; 1J 2:2; IEph 4:2.—Epict. index p. 542 Sch.; HGMeecham, The Letter of Aristeas ’35, 136; 154f.[20]

     

    δέ+   X 1554-155-259-1620-1298=4887

    Gn 1,2; 2,6.10.12.14

    connecting part., often it cannot be translated Gn 2,12; and Gn 1,2; but Gn 2,6; rather (after neg.) Wis 2,11; introducing an apodosis after hypothetical or temporal protasis 2 Mc 1,34

    … μὲν… δὲ… on the one hand… on the other hand… Gn 38,23; δὲ καί but also, but even 2 Mc 12,13; ἔτιδὲ καί and (even) LtJ 40; καὶ… δέ and also, but also Wis 7,3

    Cf. Aejmelaeus 1982 34-47.139.151-152[21]

     

    • الترتيب في سرد إنجيل لوقا وعلاقته بحادثة التجربة

    قد حاول السائل ان يؤكد ان إنجيل لوقا كتابا مُرتباً في سرده للغاية[22]، مما يُعني ان كتابته لحادثة التجربة كانت مرتبة زمنياً مُستخدماً افتتاحية انجيل لوقا في العدد الثالث ” رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ “(لوقا 1:3) وبالتالي يكون متى ولوقا كتبوا بترتيب زمني فبالتالي يكون هناك تناقض.

     

    ولا اعلم هل اعتبر هذا بمثابة رفع الراية البيضاء من السائل ان يُقدم أي شيء في رواية لوقا للتجربة تؤكد ترتيبه الزمني في كتابة حادثة التجربة أم انها مُحاولات للخروج من هذا المأزق الذي وضع نفسه فيه بنفسه؟ واستشهد السائل ببعض الترجمات العربية وغيرة التي تُفيد ان لوقا كتب بشكل مُنظم ومُرتب ومتسلسل. لكن ما هي المُشكلة في ذلك!؟ فليس معنى ان لوقا قد قام بسرد مُرتب من ناحية الأحداث ذاتها ان يكون كل حدث مُرتب زمنياً بشكل صارم، فبما انه لا يوجد ما يجعلنا نقول ان لوقا لم يكتب حادثة التجربة بشكل مُرتب زمنياً بصرامة فلماذا نفترض إنه كتبها بشكل مُرتب زمنياً إذن!؟

    فهل إذا قُلنا ان عمارة المُستشار (س) عمارة مساحتها ضخمة، هل هذا يُعني ان كل شقة في هذه العمارة تكون مساحتها ضخمة!؟ بالطبع هذا هو السخف المنطقي الذي وقع فيه هذا السائل فهو يُعمم الخاص! وعجبي على العقول، فكلام السائل خير دليل ان للصمت قيمة عُظمى.

     

    والعجيب أنه بنفسه إستشهد بالترجمة اليسوعية لنص لوقا ١ : ٣ للتدليل على أن لوقا كتب بترتيب زمني ، ولكنه في نفس الوقت تجاهل عن عمد أو عن جهل ما تقوله الترجمة اليسوعية في هامش التعليق على نفس هذا النص !!

    حيث تقول : ” سنرى في كتاب لوقا أن المقصود [أي المقصود من قول لوقا] ليس ترتيباً زمنياً في الدرجة الأولى، بل ترتيباً أدبياً وتعليمياً “. [23] فما عذر هذا الباحث إذن؟؟!

    إستشهد السائل أيضاً بقول الدكتور القس إبراهيم سعيد في مقدمة تفسيره لإنجيل لوقا، مُقتطعاً القول من سياقه.

     حيث يقول الدكتور إبراهيم : ” بشارة لوقا هي بشارة الدقة والنظام في تسجيل الحوادث ، بالترتيب التاريخي، مصداقاً لقوله ” تتبعت من الأول كل شئ بتدقيق” . فهو يؤرخ الحوادث الدينية بمناسبات مدنية سياسية . كأن يقول مثلاً : ” كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا “ ( ١ : ٥ ) ، ” وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سورية “ ( ٢ : ٢ )، ” وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر، إذ كان بيلاطس البنطي واليا على اليهودية … في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا، كانت كلمة الله على يوحنا “ ( ٣ : ١-٢ ) .” [24]

     

    مُعلقاً عليه هذا السائل : ” دقة ونظام في تسجيل الحوادث بحسب الترتيب التاريخي، وليس كما زعم القس منيس عبد النور… “.

    بالطبع هذا فهْم ضحل وعقيم جداً لكلام القس إبراهيم . فما أراد القس تأكيده مختلف تماماً عما فهمه هذا السائل.

    الدكتور كان يبرهن على أن لوقا كتب هيكلة إنجيله بطريقة تاريخية أي بربط أحداث حياة يسوع مع الأحداث التاريخية السياسية. مُدللاً على ذلك ببعض الأعداد والتي تعرض ذلك . على سبيل المثال ، قول لوقا البشير : ” في أيام هيرودس الملك… إذ كان كيرينيوس والي سورية… في السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس…إلخ”.

    فهنا نجد محاولة الرسول لوقا لربط الأحداث “الدينية” بأحداث “مدنية وسياسية” . فلم يقل القس نهائياً أن لوقا كتب كل الأحداث بتسلسل زمني بالمعنى الذي فهمه هذا السائل والذي يقتضي بموجبه وجود تناقض مع إنجيل متى!

    بالطبع الآن إتضح لماذا إقتطع السائل كلام القس إبراهيم دون قراءة الأمثلة التي أوردها الدكتور بنفسه لتثبيت كلامه !! ولمزيد من التوضيح ، نقرأ تعليق الدكتور القس إبراهيم سعيد في نفس الكتاب الذي إستشهد منه الباحث .

    حيث يقول الدكتور مُعلِقاً على أحداث التجربة : ” يذكر متى التجارب حسب وضعها التاريخي ويذكرها لوقا حسب ترتيبها المنطقي والاختباري… ولا يبعد أن لوقا باعتبار كونه “الطبيب” قد ذكر هذه التجارب بترتيبها النفسي ”السيوكولوجي“ .” [25]

    فالأن إتضح كلام القس إبراهيم، يقول صراحةً أن لوقا كتب بترتيب منطقي وليس زمني كما ادعى السائل وتَقَوَّل على الدكتور بما لم يقله! فهل أفلس هذا “الباحث” إلى هذه الدرجة؟؟!!

     

    يقول ماير: ان التسلسل يُعني السرد المُنظم وليس المُرتب زمنياً ” [26]

     

    ويقول إلفريد بلامر: لوقا لا يُعطي مُجرد قصص وأقوال مُنفصلة عن بعضها البعض، ولكنه يُقدم رواية مُنظمة ومُرتبة، تعبير على التوالي (καθεξῆς) لا يُعني بالضرورة الترتيب الزمني، بل مُجرد نوع ما من الترتيب وعلى الرغم من ذلك ربما يوجد سرد مُرتب زمنياً بشكل مركزي [27]

     

    كما يرى داريل بوك ان لوقا كتب بترتيب زمني بشكل عام، لكن هناك حالات مُنفردة مُستبعد منها هذا الترتيب الزمني بصورته الصارمة، فهناك ترتيب زمني عام[28]

     

    وييقول هنري ألفورد: لا يجب ان نفهم من خلال كلمة على التوالي καθεξῆςان لوقا يدعي أي دقة زمنية خاصة في الكتابة والتي لم يتم العثور عليها في إنجيله [29]

     

    ويقول ويليام هندريكسن وسيمون كيستميكر: كما ذكر لوقا ان الأحداث مُرتبة زمنياً فإلى حد كبير يوجد تسلسل للأحداث ومن ناحية أخرى بما يتعلق بالتفاصيل الفردية، لا يكون هذا هو الحال بشكل دائم [30]

     

    تعليق ESV يقول: يُشير التنظيم إلى الترتيب المنطقي (راجع أعمال الرسل 4:11)” [31] فلوقا رتب السرد بمعنى حبل مريم ثم ميلاد يسوع ثم صباه ثم معموديته ثم مُعجزاته ثم كرازته ثم موته ثم قيامته ثم صعودة ثم فترة الرسل، لكن هذا لا يمنعه إنه في بعض الأحيان يسرد بعض الأحداث المُنفصلة عن بعضها البعض في وقت كل منها [32]

     

    ويقول تعليق NLT: بعض النُسخ تُترجم هذه العبارة إلى in consecutive order، ولكنها تُشير إلى سرد مُنظم أو مكتوب بعناية وليس إلى التسلسل الزمني. [33]

     

    ويقول تعليق NET: هذا التعبير لا يُعني ان السرد لجميع الأحداث يكون بالضرورة مُسجل في تسلسل زمني دقيق للذي حدثت فيه، ولكن سرد وُضع بشكل مُنظم وهذا ممكن ان يشمل السرد الموضوعي بدلاً من الترتيب الزمني الصارم. [34]

     

    ويقول لينسكي: لوقا يقول إنه كتب بطريقة مُرتبة καθεξῆς هذا القول لا يُعني ان لوقا يُقدم سرد مرتب ترتيب صارم، لإنه في بداية إنجيله يذكر حادثة الناصرة التي بدأ بها خدمة يسوع (16-32: 4) ومع ذلك لم تكن خدمة يسوع بدأت.[35]

     

    يقول كيلنتون أرلوند: هذا التعبير لا يُشير بالضرورة إلى ترتيب زمني صارم (بعض الأحداث في إنجيل لوقا ليست كرونولوجية)، بل هو عبارة عن سرد مُنظم أو سرد منطقي للأحداث ” [36]

     

    ويقول هلال أمين: لوقا يقول لثاوفيلس أنه يكتب على التوالي أي كل شيء بترتيب ونظام، وإذ يستعرض البشير أمامنا المناظر المُختلفة فإنه لا يستعرضها كيفما أتفق أو بحسب ترتيبها التاريخي بل كل صورة في مكانها المُناسب. [37]

     

     

    هل تناقض متى ولوقا؟

    في نظري يبدو هذا السؤال قمة في السخافة لأن لا يوجد استدلال واحد صحيح استدل به هذا السائل، فقال ان المخطوطات تختلف في قراءة نص لوقا 4: 9 فقلنا ربما يثبت بذلك ان لوقا كتب الحادثة بترتيب زمني، ثم يقول ان المخطوطات لا تقول KAI لكنها تقول DE ! فهل أثبت بذلك دعوتك؟ لا، ثم قال كاتب الإنجيل نفسه يقول إنه يكتب بترتيب زمني، فرددنا على ذلك أعلاه، ففي الواقع هذا يُنتج أفكار وأطروحات ركيكة بل وشديدة الركاكة، فأي شخص يفحص تعبيرات ومُصطلحات إنجيل متى في سرد الحادثة وسرد لوقا للحادثة يجد ان لوقا يتحدث بشكل ضمنى ومتى يتحدث بشكل زمني.

     

    إذن نُلخص النقاط السابقة في الاتي: متى قد أستخدم تعبيرات مثل TOTE، PALIN في سرده للقصة، لوقا يستخدم مُصطلحات بسيطة KAI\DE ولوقا لم يكتب إنجيله بشكل زمني صارم حتى نقول يجب ان تكون حادثة التجربة مُرتبة زمنياً.

     

    يقول نورمان جيسلر: قد يكون متى يسرد هذه التجارب بترتيب زمني، لكن لوقا يسردها من الناحية الإقليمية، أي موضعياً، قد يكون هذا للتعبير عن الذروة التي يرغب في التأكيد عليها، يبدأ متى (متى 4:5) بكلمة then وفي العدد الثامن again في اللغة اليونانية تُشير هذه الكلمات إلى الترتيب الأكثر تسلسلاً للأحداث، ومع ذلك فإن السرد الذي سرده لوقا، يبدأ كل من العددين الخامس والتاسع بكلمة بسيطة and(أنظر NASB)، وفي اللغة اليونانية لا يُشير سرد لوقا بالضرورة إلى الترتيب التسلسلي للأحداث[38].

    فموجز فكرة الاختلاف بين السردين هو ان متى يتحدث بترتيب زمني لكن لوقا كتبها بصورة موضوعية، وبحسب نظرية المصادر المُشتركة.

    يقول جوزيف فيتزماير: ان متى احتفظ بالتقليد الأصلي [39]

     

    لكن لماذا يكتبها لوقا بهذه الصورة؟ هل مثلا أراد شيئاً من هذا الترتيب الموضوعي؟ من الواضح ان لاهوت انجيل لوقا عموماً يربط ويُوضح علاقة يسوع بالهيكل فلذلك يضع إنجيل لوقا تجربة الهيكل التجربة الثالثة.

     

    يقول كريج بلومبيرج: من المُحتمل ان يكون ترتيب متى مُرتب زمنياً أكثر (راجع τότε-then، متى 4/5)، والسرد موضوعي أكثر في لوقا 1-13: 4، حيث تظهر تجربة الهيكل في النهاية بإعتبارها الذروة للتأكيد على تَميز لوقا بعلاقة يسوع بالهيكل[40]

     

    يقول تعليق Believer’s: يَختلف ترتيب لوقا لتجارب يسوع عن متى (متى 1-11:4) عن طريق عكس التجربة الثانية والثالثة (متى 1-3:4) يبدو ان لوقا يُقدم سرده بشكل موضوعي أو حتى جغرافي، فينتقل من مكان لمكان لإعطاء تركيز خاص، ومن الجدير بالذكر أنه يُنهي السرد في القدس والهيكل، وهذا يتماشى مع حقيقة انجيل لوقا الي يُركز بشكل أكثر من الأناجيل الأخرى [41]

     

    يقول جون بيتر لانج: التجربة الثانية بحسب إنجيل متى هي التجربة الثالثة بحسب إنجيل لوقا، هذا الاختلاف ليس سببه أبداً عدم دقة تاريخية، بل سببه وجهه نظر رمزية ربطها كل من الإنجيلين في هذه التجارب. [42]

     

     

     

     

    [1] لقب السائل هو لقب أنا قد وضعته لأني لا أريد ذكر اسم شخص بعينه في متن البحث كما هو مذكور في العنوان، ولم أريد ان استخدم تعبير ” معترض ” لأني ما أعرفه عن أي مُعترض هو إنه يكون له أسباب اعتراضية وحجج في الطرح وليس سوء فهم لكل شيء من البداية للنهاية، فهو ليس مُجرد شخص يسأل لكنه يظن في نفسه إنه على قدر كبير من العلم ويُقدم حقائق مُطلقة، وعجبي!

    [2] Friberg, T., Friberg, B., & Miller, N. F. (2000). Vol. 4: Analytical lexicon of the Greek New Testament. Baker’s Greek New Testament library, Page. 383

    [3] Newman, B. M. (1993). A Concise Greek-English dictionary of the New Testament., Page. 183

    [4] Swanson, J. (1997). Dictionary of Biblical Languages with Semantic Domains: Greek (New Testament) (electronic ed.) (DBLG 5538).

    [5] Balz, H. R., & Schneider, G. (1990-c1993). Exegetical dictionary of the New Testament. Translation of: Exegetisches Worterbuch zum Neuen Testament. Vol.3: Page. 367

    [6] Thomas, R. L. (1998, 1981). New American Standard Hebrew-Aramaic and Greek dictionaries: Updated edition (H8674).

    [7] Vine, W., & Bruce, F. Vine’s Expository dictionary of Old and New Testament words Vol.2:

    [8] Thayer, J. H. (1889). A Greek-English lexicon of the New Testament: Being Grimm’s Wilke’s Clavis Novi Testamenti. Originally published: New York: Harper & Brothers, 1889.; Numerically coded to Strong’s Exhaustive concordance of the Bible., Page.629

    [9] Mounce, W. D. (2006). Mounce’s Complete Expository Dictionary of Old & New Testament Words, Page. 1293

    [10] Friberg, T., Friberg, B., & Miller, N. F. (2000). Vol. 4: Analytical lexicon of the Greek New Testament. Baker’s Greek New Testament library, Page.292

    [11] Newman, B. M. (1993). A Concise Greek-English dictionary of the New Testament., Page.131

    [12] Swanson, J. (1997). Dictionary of Biblical Languages with Semantic Domains: Greek (New Testament) (electronic ed.) (DBLG 4099, #3).

    [13] Thomas, R. L. (1998, 1981). New American Standard Hebrew-Aramaic and Greek dictionaries: Updated edition (H8674

    [14] Thayer, J. H. (1889). A Greek-English lexicon of the New Testament: Being Grimm’s Wilke’s Clavis Novi Testamenti. Originally published: New York: Harper & Brothers, 1889.; Numerically coded to Strong’s Exhaustive concordance of the Bible. (475). New York: Harper & Brothers.

    [15] Mounce, W. D. (2006). Mounce’s Complete Expository Dictionary of Old & New Testament Words, Page.1231

    [16] Strong, J., S.T.D., LL.D. (2009). A Concise Dictionary of the Words in the Greek Testament and The Hebrew Bible 1, Page.54

    [17] Friberg, T., Friberg, B., & Miller, N. F. (2000). Vol. 4: Analytical lexicon of the Greek New Testament. Baker’s Greek New Testament library, Page.104

    [18] Newman, B. M. (1993). A Concise Greek-English dictionary of the New Testament., Page39

    [19] Swanson, J. (1997). Dictionary of Biblical Languages with Semantic Domains: Greek (New

    [20] Arndt, W., Gingrich, F. W., Danker, F. W., & Bauer, W. (1996, c1979). A Greek-English lexicon of the New Testament and other early Christian literature: A translation and adaption of the fourth revised and augmented edition of Walter Bauer’s Griechisch-deutsches Worterbuch zu den Schrift en des Neuen Testaments und der ubrigen urchristlichen Literatur, Page.171

    [21] Lust, J., Eynikel, E., & Hauspie, K. (2003). A Greek-English Lexicon of the Septuagint: Revised Edition. Deutsche Bibelgesellschaft: Stuttgart.

    [22] اُريد ان اشكره حقيقةً فقد وفر علينا التحدث عن موثوقية إنجيل لوقا فهو يراها رواية تاريخية في مُنتهى الدقة، فهذه الرواية ” الدقيقة تاريخياً ” تقول ان يسوع قد صُلب ومات وقام، إلا تتذكر شيء؟! – ابتسامة -.

    [23] الكتاب المقدس: نسخة الرهبنة اليسوعية، الطبعة الثالثة، تعليق على لو ١ : ٣ .

    [24] الدكتور القس إبراهيم سعيد، شرح بشارة لوقا، الطبعة الرابعة، ص ف .

    [25] نفس المرجع السابق، ص ٨٤-٨٥ .

    [26] Meyer, H. A. W. Critical and Exegetical Handbook to the Gospels of Mark and Luke, Volume 1 (W. P. Dickson, Ed.) (R. E. Wallis & W. P. Dickson, Trans.). Critical and Exegetical Commentary on the New Testament, Page. 277

    [27] Plummer, A. A critical and exegetical commentary on the Gospel According to S. Luke, Page.5

    [28] Bock, D. L. Luke Volume 1: 1:1-9:50. Baker exegetical commentary on the New Testament, Page. 62

    [29] Alford, H. (2010). Alford’s Greek Testament: An exegetical and critical commentary, vol.1: Page.441

    [30] Hendriksen, W., & Kistemaker, S. J. (1953-2001). Vol. 11: New Testament commentary: Exposition of the Gospel According to Luke. Accompanying biblical text is author’s translation. New Testament Commentary, Page. 57

    [31]Crossway Bibles. (2008). The ESV Study Bible Page.1942

    [32] Bengel, J. A.  Gnomon of the New Testament, Volume 2, Page.3

    [33] New Living Translation Study Bible. 2008 (Lk 1:3). Carol Stream, IL: Tyndale House Publishers, Inc.

    [34] Biblical Studies Press. (2006; 2006). The NET Bible First Edition Notes (Lk 1:3). Biblical Studies Press.

    [35] Lenski, R. C. H. The Interpretation of St. Luke’s Gospel, Page.32

    [36] Arnold, C. E. (2002). Zondervan Illustrated Bible Backgrounds Commentary Volume 1: Matthew, Mark, Luke., Page.324

    [37] تفسير إنجيل لوقا جمع وتقديم هلال أمين موسى، صــــ14

    [38] Geisler, N. L., & Howe, T. A. When critics ask: A popular handbook on Bible difficulties, Page.329

    [39] Fitzmyer, J. A., S.J. (2008). The Gospel according to Luke I-IX: Introduction, translation, and notes, Page.506

    [40] Blomberg, C. Vol. 22: Matthew The New American Commentary, Page. 84

    [41] Believer’s Study Bible. Criswell Center for Biblical Studies. (electronic ed.) (Lk 4:1). Nashville: Thomas Nelson.

    [42] Lange, J. P., & Schaff, P. (2008). A commentary on the Holy Scriptures: Matthew, Page.84.

  • ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث – الجزء الثاني – عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان

    ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث – الجزء الثاني – عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان

    ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث – الجزء الثاني – عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان

    ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث - الجزء الثاني - عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان
    ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث – الجزء الثاني – عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان

    عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الثاني – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

    نص الشبهة ٢:

    يقول السائل: ” هذه القصة فيها عدد من المصائب الأخرى، تخيل أن إبليس بيقول لإله هذا الكون (اللي هو رب العالمين حسب إعتقاد النصاري المسيحيين)، إبليس بيقوله: سأعطيك كل هذه الممالك، هو مش المفروض إن الكون ده كله مملوك لله رب العالمين؟ طيب كيف يقول الشيطان لرب العالمين هذا؟ تخيل بواب عمارة بيقول لصاحب العمارة، سأعطيك هذه العمارة إذا سجدت لي؟ هل هذا الكلام معقول؟… “

     

    بالطبع هذا الكلام غير معقول! فكيف للشيطان أن يتجاسر ويطلب السجود من الله مقابل إعطاءه ما هو ملكه بالفعل!! لكن ما غفل عنه هذا “الباحث”، هو أن الشيطان لم يكن متأكداً من هوية المسيح الكاملة. فالذي أمامه كان شخصاً بشرياً يجوع ويعطش ويشرب وينام إلخ، ولكن في نفس الوقت له سلطان واضح على الشياطين ولشفاء المرضى وإقامة الموتى وغفران الخطايا إلخ، ولذلك كان متردداً كثيراً حول ماهية المسيح الحقيقية، أهو الإله أم مجرد إنسان.

    فالشيطان كل ما كان يعرفه هو أن يسوع هو المسيا المنتظر، المُرسَل من الله. فالمسيح حينها لم يكن قد أعلن عن مجده بصورة كامله، رغم أنه في كثير من المواضع صرح بلاهوته.

     

    يقول الأنبا بيشوي: لقد أُصيبَ الشيطان بالارتباك، فكلما شعر أن المسيح هو ابن الله أو قدوس الله، يعود فيحتار من تواضعه العجيب… ففكرة إخلاء الذات [أي التجسد] في حد ذاتها، كانت بعيدة جداً عن حسابات الشيطان الممتلئ غروراً وكبرياءً. وحقيقة أن السيد المسيح يخفي مجده المنظور عندما تجسد آخذاً صورة عبد؛ كانت فوق تصوره، لهذا ارتبك الشيطان عند ميلاد المسيح… “.[1]

     

    يقول القديس الأنبا ساويرس: “وكما أخفى إبليس روحه عنهم [أي عن آدم وحواء] في حية، واحتال عليهم حتى أخذهم، كذلك أخفى ابن الله لاهوته عن إبليس في جسد إنسان، وفعل كل ما يفعله الإنسان ما خلا الخطية، حتى يظن إبليس انه إنسان حقيقي…”. [2]

     

    يقول العلامة أوريجانوس: ” لم يعرف [إبليس] أن “ابن الله” صار بشراً، لأن الله أخفى عنه تجسده الفائق الوصف…”[3]

     

    إذن الخلاصة هي: الشيطان كان متردداً ومتشككاً في هوية المسيح الحقيقية، فتارة يراه إنساناً كاملاً يجوع ويعطش، وتارة أخرى يرى سلطانه وتصريحاته عن لاهوته.

     

    يكمل هذا ” الباحث” ويقول: ” وهل من الممكن أن إبليس يأخذ خالقه ليطوف به أربعين يوماً ويأخذه من هنا إلى هنا؟! “.

    وبعدما نقضنا هذا السؤال الساذج، إذ أن إبليس لم يكن متأكدا من هوية المسيح، فكيف يكون إبليس عارفًا أن المسيح هو الله ثم يحاول إغراؤه بالممالك الأرضية التي خلقها الله نفسه؟ فالمعترض يفتقد لأبسط درجات المنطق الحواري، إذ أن إبليس لو كان يعلم تمام العلم أن المسيح هو الله، فما كان له أن يجربه، وكيف يجربه وهو متأكدا من هويته؟ بل كيف يتقدم لصلبه وهو يعلم أنه الله وأن بصلبه ستُهزم مملكة إبليس رأسًا على عقب؟، نأتي الآن لنقطة هامة وهي: هل كان يطوف إبليس بالمسيح (أي يأخذه من مكان لأخر) غصباً عنه؟!

    بالطبع الوحي المقدس لم يقل هذا مطلقًا، بل على العكس؛ الإنجيليان يقولان إن المسيح ذهب إلى البرية مُقتادً من الروح القدس ليَجَرب من إبليس (مت ٤: ١؛ لو ٤: ١)، أي أن المسيح هو من ذهب بكامل إرادته ليجربه إبليس كنائب عن البشرية. فالتجربة التي أخطأ فيها آدم الأول في جنة عدن، يصححها الآن آدم الثاني (المسيح) بانتصاره على الشيطان في ثلاث تجارب.

    أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ ٱلْأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِٱلرُّوحِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا. وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللهِ، فَقُلْ لِهَذَا ٱلْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا». (لوقا ٤: ١-٣).

     

    ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ مِنَ ٱلرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ ٱلْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ ٱلْحِجَارَةُ خُبْزًا». (متى ٤: ١-٣).

     

    أما عن قول القديس لوقا “ثم أصعده إبليس… ” (لو ٤: ٥)، فكلمة “اصعده” جاءت في اليونانية ” ἀναγαγὼν”، وهي تعني: قاده، أرشده، قاد المسيرة. [4] أما عن قول القديس متى “ثم أخذه إبليس…” (مت ٤: ٥)، فكلمة “أخذه” جاءت في اليونانية “παραλαμβάνω”، وهي تعني: يرافق، يأخذ، يقبل، يزامل. ففي الأناجيل تعني هذه الكلمة في العموم أن يأخذ أحد شخصاً معه، أي يصطحبه.[5]

    وهي نفس الكلمة التي استخدمها القديس متى نفسه في وصفه ليسوع عندما أخذ التلاميذ لجبل التجلي:

    وبعد ستة أيام أخذ “παραλαμβάνει” يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم إلى جبل عالٍ منفردين. (مت ١٧: ١)

    فهل من المنطقي أن نفهم أن يسوع أخذ التلاميذ غصباً عنهم، وهم مسلوبي الإرادة؟! بالطبع لا، ذهبوا معه بكامل إرادتهم، ولكن يسوع هو من حدد المكان والطريق.

     

    يقول “Vincent”: هذا الفعل هو نفسه الذي تستخدمه الأناجيل الثلاثة وهي تتحدث عن يسوع عندما أخذ تلاميذه وصعد بهم إلى جبل التجلي (مت ١٧: ١، مر ٩: ٢، لو ٩: ٢٨) وهذا يدعونا إلى القول بأن المسيح كان يذهب إلى المكان الذي يختاره إبليس ويحدده للتجربة. مع ذلك فالسيد المسيح يذهب إلى المكان ليس إضطراراً بل بمحض إرادته وكامل حريته من قِبَل مشيئته.[6]

     

    يقول “Barnes”: ثم أخذه إبليس – هذا لا يعني أنه حمله في الهواء، أو أنه أجبره على الذهاب ضد إرادته، أو أنه بمعجزة بأي طريقة وضعه هناك. لا يوجد أي دليل على أن الشيطان لديه القدرة على القيام بأي من هذه الأشياء، حيث أن الكلمة المترجمة هنا تدل على أنه لا يعني أي شئ من هذا القبيل. فهي تعني يوَّصل شخصاً، يقود شخصاً؛ لحضور أو يرافق شخصاً؛ أو لحث شخص على الذهاب. إنها تستخدم في الأماكن التالية بنفس المعنى: (مت ١٧: ١)، (مت ٢٠: ١٧)…. من هذه العبارات، وأكثر بكثير، يبدو أن المقصود هنا هو، أن إبليس وصَّل يسوع، أو رافقه؛ ولكن ليس أن هذا قد تم ضد إرادة يسوع.[7]

     

    نص الشبهة ٣:

    يكمل المشكك بقوله: ” وفي مصيبه كمان، الشيطان عندما كان يُري يسوع الممالك، قال له: ” لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن، لأنه إلىَّ قد دُفع، وأنا أعطيه لمن أريد “. خد بالك، الشيطان بيقول ليسوع، إن هذا السلطان “إليَّ قد دُفعَ”. طيب من الذي دفع هذا السلطان إلى إبليس؟ هل الله الآب هو من دفع هذا السلطان كله لإبليس؟! أم أن يسوع هو الذي أعطي هذا السلطان لإبليس؟… “

     

    بغض النظر عن السفسطائية الواضحة في طرح هذا الشخص، فهو هنا بنى إفتراضه على أن قول الشيطان هو حقيقة مطلقة مُصدَّق عليها! وهو ما لا ينطلي على طفل يعرف من هو الشيطان! وبالطبع هذا الكلام غير صحيح. ومن المفترض ألا نتجادل كثيرًا في هذه النقطة بالتحديد. فالشيطان معروف أنه كذاب وأبو كل كذاب!! فهل يصدق أبو عمر الشيطان؟ فهنيئًا له به، نِعم الصديق والرفيق.

     

    أما بالنسبة للمسيح، فهو لم يصدِّق على قول الشيطان وفي نفس الوقت لم ينكره، بل أهمله تماماً منتهرًا إبليس وكان رده مُقتبساً من الوحي المقدس بالتحديد من سفر التثنية:

    أذهب يا شيطان! إنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. (لو ٤: ٨)

     

    بدون شك، الشيطان ذُكر عنه في الكتاب المقدس أنه “رئيس هذا العالم” (يو ١٢: ٣١)، فالشيطان بالفعل أصبح رئيساً لهذا العالم بعد أن اغتصبه من آدم بعد سقوطه. فالله قد وضع العالم تحت سلطة آدم أولاً لكي يمجد الله في السلطان المُعطى له، بالطاعة، ولكن أثبت آدم أنه غير جدير بهذا السلطان وبالسقوط فقد سلطانه، وأصبح الشيطان صاحب السلطة على العالم حتى دُعي إلهاً عليه بفعل استعباد البشر له.[8]

     

    إذن، سلطان إبليس وتسلطه على العالم، تم اغتصابه ولم يُدفَع له من الله. فالله – حاشا له – لا يمكن أن يعطيه مثل هذا السلطان، بل كل ما أعطاه كان سلطان ملائكي مثله مثل باقي الملائكة قبل سقوطه. فالمشكلة هنا ليست في هذا السلطان الملائكي في حد ذاته بل في طريقة استخدامه! لذا يجب أن نفرق بين إرادة الله وإعطاءه السلطان لإبليس، وبين مجرد سماح الله لإبليس بأن يمارس سلطته المؤقتة والمحدودة على البشر.

     

    يقول تعليق ESV: إبليس يدَّعي أن ” كل هذا السلطان ومجدهن ” قد أُعطي إليه، وعلى الرغم أن في بعض المواضع، إبليس هو “رئيس هذا العالم ” (يو ١٢: ٣١؛ ١ يو ٥: ١٩)، إلا أن هذا الادعاء لا يجب الموافقة عليه كحقيقة كاملة. فالشيطان “كذاب وأبو كل كذاب” (يو ٨: ٤٤)، وفي الأخير، كل السلطان هو لله فقط (انظر رو ١٣: ١-٤؛ مز ٢٤: ١؛ دا ٤: ١٧).[9]

    يقول تعليق NET: إبليس يفترض بطريقة خاطئة أن الله قد أعطاه سلطان مثل هذا مع القدرة الإضافية على مشاركة هذا المجد.[10]

    يقول “walter”: في هذه التجربة، إبليس يدَّعي أنه يملك العالم. يسوع لم يرفض الادعاء (انظر يو ١٢: ٣١)، ولم يُسلِّم به.[11]

     

    يقول الدكتور وليم إدري: لم يذكر قول الشيطان هذا إلا لوقا وهو دعوى ذُكرت أيضاً في غير هذا الموضع (يو ١٢: ٣١؛ ٢ كو ٤: ٤؛ أف ٢: ٢). وهذه دعوى كاذبة لأن الله لم يدفع إلى الشيطان مثل ذلك السلطان وهي مما ينُتظَر ممن هو “أبو الكذب” (يو ٨: ٤٤) وكذبه على آدم الثاني ككذبه على آدم الأول وزوجته بقوله لن تموتا ” (تك ٣: ٤).[12]

     

    يقول كريج كينر: معظم اليهودية المبكرة فهمت أن الشيطان سيطر على عصيان عصر الإنسان الحالي، لكن في الأخير، ظلت لله السيادة. العالم لا ينتمي للشيطان فعلياً (دا ٤: ٣٢)، الذي مَلَكَ القلوب والمجتمعات البشرية كمغتصب فقط، يتصرف من خلال سلطان خاضع لله. فما كان يمكنه فعله على الأكثر هو أن يجعل يسوع نوعاً من المسيا السياسي العسكري الذي كان ينتظره غالبية الشعب اليهودي الذين ترقبوا المسيا.[13]

     

    يقول تعليق النسخة اليسوعية: يفتخر الشيطان بأن له “السلطان” السياسي على العالم، فيعرضه على يسوع لكي يكون المشيح الدنيوي الذي ينتظره معاصره. لكن سلطان الشيطان مهدد (لو ١٠: ١٨) ومدته قصيرة (لو ٢٢: ٥٣) أما سلطان يسوع، فإنه لا يستمده إلا من أبيه (راجع ١٠: ٢٢؛ ٢٢: ٢٩).[14]

     

    يقول القمص تادرس يعقوب ملطي مخاطباً إبليس: كيف تَعِد بأن تهب ما ليس لك؟ من الذي نصَّبك وارثاً على مملكة الله؟! إنك إغتصبت هذه الممالك غشاً وزوراً، فرُدَ ما إغتصبته إلى الابن المتجسد رب العالم بأسره، واسمع ما يصرح به النبي إشعيا ضد إبليس وجنوده: ” لأن «تفتة» مرتبة منذ الأمس، مهيأة هي أيضا للملك، عميقة واسعة، كومتها نار وحطب بكثرة. نفخة الرب كنهر كبريت توقدها. (اش ٣٠: ٣٣)”.[15]

     

    تقول الموسوعة الكنسية: في جسارة وخداع، أعلن إبليس تسلطه على كل الأرض، وقدرته أن يعطيها لمن يريد، مع أنه لا يسيطر إلا على الأشرار، ولكنه كذاب منذ البدء، ويخدعنا ليهز إيماننا إن صدقنا أكاذيبه… ولكن لم يناقش السيد المسيح إبليس في أكاذيبه بإدعاء سلطانه على الأرض… .[16]

     

    يقول “Ellicott”: إنه [أي الكتاب المقدس] يؤكد أن ” للرب الأرض وكل الساكنين عليها ” (مز ٢٤: ١)، إدّعاء المجرِب هو تفاخر كاذب، مبني فقط على النشاط المسموح والهيمنة المؤقتة للشيطان في تاريخ العالم الفعلي. [17]

     

    يقول “Coffman”: يمارس الشيطان حقاً سلطة كبيرة على الأرض، لكنها سلطة غير شرعية ومُغتصَبة، وهذا يتعارض بشكل كبير مع ما قاله هنا ليسوع…. فالله هو من يحكم في ممالك البشر (دا ٢٦: ٤)، أما الشيطان، فكذاب وأبو كل كذاب (يو ٤٤: ٨)، وعلى الرغم من حقيقة أن هناك مغزى شهواني يكون فيه الشيطان هو ” رئيس هذا العالم “، إلا أن تفاخره المتغطرس هنا خاطئ تماماً. إجابة السيد المسيح دون إعتبار لحقيقة أو زيف وعد الشيطان، لأنه في الواقع ليس له أهمية قوية.[18]

     

    يقول الأب متى المسكين: لقد فات على العلماء هنا مقدار الصدق والكذب في كلام الشيطان، فاعتبروه أنه كاذب وملفق وأنه لا يملك ولم يعط ولا هو قادر أن يعطي، فالله وحده المالك وصاحب المجد. والخطأ الذي وقع فيه العلماء ضيع قيمة التجربة ومعناها، بل وضيع علينا أيضاً إدراك التجربة… فالشيطان هو رئيس العالم المنظور وصاحب المجد الدنيوي ويعطي ويكافئ منها اتباعه…[19]

     

    لاحظ هنا أننا إقتبسنا هذا القول، فقط حتى لا يقول قائل إننا تغاضينا عن كلام الأب متى. ولكن توضيحاً للعقول الضئيلة، فالأب متى لم يقل نهائياً أن الله هو من دفع هذا السلطان إلى الشيطان، بل كل حديثه هو عن طبيعة سلطان إبليس ومقدار قدرته.

     

    يقول القديس إيريناؤس: فكما كذب إبليس في البدء، هكذا كذب أيضاً في النهاية، حينما قال:” كل هذه قد دفعت لي، وأنا أعطيها لمن أريد” (مت ٤: ٣؛ ٤: ٦). فليس هو الذي عين ممالك هذا العالم بل الله، لأن” قلب الملك في يد الله” (أم ٢١: ١).[20]

    وآخيراً وليس أخراً، يختتم هذا “الباحث” سؤاله بقول فكاهي آخر كما عودنا في فيديوهاته.

     

    يقول: “ولو قلنا إن الآب هو الذي أعطى السلطان لإبليس، الآب عندما أعطى السلطان أعطاه لإبليس أم أعطاه ليسوع؟! فإنجيل لوقا ١٠: ٢٢ يقول: “كل شئ قد دفع إلي من أبي”، إنجيل متى ٢٨: ١٨ يسوع يقول: ” دفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض”. والسؤال يطرح نفسه بقوة: السلطان حينما دُفعَ، دفع إلى إبليس أم دفع إلى يسوع؟! أم يسوع هو إبليس بحسب إنجيل لوقا؟”

    هل رأيتم كم الضحالة والسفسطائية في كلام هذا الشخص؟ فبفرض أن الآب هو من أعطى هذا السلطان للشيطان، سيصعب عليه أن يعطيه أيضاً للمسيح في آن واحد! لكن بحسب أبو عمر، هذا يقتضي أن يكون المسيح هو إبليس في إنجيل لوقا وتكون تجربة المسيح مع إبليس بها كائن واحد، لأن أبو عمر افترض ان ابليس والمسيح هما شخصية واحدة!! حقيقي مهزلة فكرية!!!

     

    نص الشبهة ٤:

    يقول أبو عمر: وهناك مشكلة أخرى، إبليس عندما يقول ليسوع: ” لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك ” كان وقتها إبليس بيقتبس نبوءة من مزمور ٩١، ويسوع لم ينكر على إبليس هذا الاقتباس، ماقلوش: لا يا إبليس، هذا الاقتباس ليس عني. يعني يسوع أقر أن المزمور بيتكلم عنه ولم ينكر هذا. وهذا المزمور يقول: ” لأنك قلت: «أنت يا رب ملجأي».

    جعلت العلي مسكنك، لا يلاقيك شر، ولا تدنو ضربة من خيمتك. لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك. على الأسد والصل تطأ. الشبل والثعبان تدوس. «لأنه تعلق بي أنجيه. أرفعه لأنه عرف اسمي. يدعوني فأستجيب له، معه أنا في الضيق، أنقذه وأمجده. “. خد بالك بيقول: لأنه تعلق بي أنجيه وأرفعه وأنقذه في يوم الضيق.

     

    ثم يتسائل هذا الباحث: ما هو يوم الضيق في حياة المسيح؟! أليس هو يوم الصلب؟!…. فالنبوءة في المزمور تقول أن الله سينقذه وينجيه ويرفعه، والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن: “وما قتلوه وما صلبوه” والآية التي تليها تقول: ”بل رفعه الله إليه”“.

     

    مرة أخرى، يحتكم إلى قول إبليس وكأنه حقيقة مطلقة. فهل هذا بسبب سذاجة هذا الباحث أم ربما بسبب اتخاذه إبليس قدوةً يحتذى بها في الخداع واقتطاع النصوص من سياقها؟!!

     

    ففي الحقيقة، إبليس اقتطع آيات من مزمور ٩١ ولكنه لم يكملها، فالباقي ليس في مصلحته، إذ أن بقية الآيات تقول: “على الأسد والصل تطأ. الشبل والثعبان تدوس.” وفيها كناية عن الانتصار على إبليس. وفي نفس الوقت تلاعب في تفسير الآيات، حيث أن المقصود من المزمور هو إظهار حماية الله لشعبه وليس أن الشخص يحاول أن يجبر الله على حمايته.[21] ولذلك، كان رد السيد المسيح أيضاً مُقتبساً من الوحي الإلهي وبالتحديد من سفر التثنية: “لا تجرب الرب إلهك” (تث ٦: ١٦).

     

    فهنا يفترض هذا الباحث وللمرة الثانية، أن إبليس اقتبس نبوة صحيحة عن المسيح، بدليل أن المسيح لم ينكر، فهو بذلك أقر بصحة اقتباس إبليس!! فبفرض أن إبليس كان يقتبس النص كنبوة في الأصل عن المسيح (حيث هناك رأي يقول بأن كل ما قصده إبليس هو أن الله سينقذ كل من هم له وبالتالي سينقذ ابنه[22])، فهي في الحقيقة ستكون محاولة اختلاق نبوة غير صحيحة عن المسيح.

     

    حيث يقول القمص تادرس يعقوب: انظر كم هو مخادع حتى في اختياره للعبارات، فإنه يريد أن يقلِّل من مجد الرب، كما لو كان يسوع محتاجًا إلى معونة الملائكة؛ كما لو كان يمارس عملًا خاطئًا ما لم تسنده الملائكة. هكذا يقتبس إبليس عبارة من الكتاب لا تناسب المسيح ويطبِّقها عليه، إنما تناسب القدِّيسين بوجَّه عام… المسيح ليس بمحتاج لمعونة الملائكة، إذ هو أعظم منهم، ويرث اسمًا أعظم وأسمى: “لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك؟!” (عب ١: ٥-٧؛ مز٢: ٧)… فهذه الآية التي وردت في المزامير لا تشير إلى المسيح، لأن المسيح ليس في حاجة إلى ملائكة.[23]

     

    يقول العلامة أوريجانوس: أنظر كم هو ماكر في اختيار الشواهد. إنه يريد أن يُضعِف شأن مجد المخلص، كأن يسوع بحاجة إلى مساعدة الملائكة، كما وكأنه سيتعثر بدون سند أيديهم. إن الشيطان يتذرع بشاهد ويطبق على المسيح آية لا تخصه بل تخص القديسين بوجه عام.[24]

     

    يقول أيضاً القديس جيروم: إننا نقرأ تلك الكلمات في مزمور ٩١، لكن هذه النبوة لا تخص المسيح، بل الإنسان الصالح. فالشيطان يُسئ إذاً تفسير الكتب. وبكل تأكيد، لو عرف تماماً أن هذا المزمور قد كُتب عن المخلص، لأكمل الجزء الباقي من المزمور نفسه الموجه ضده: تطأ الأسد والأفعى، تدوس الشبل والتنين. إنه يتكلم عن مساعدة الملائكة وكأنه يتوجه إلى شخص ضعيف ولكنه، وهو الماكر، لا يقول إنه سيُداس.[25]

     

    ويؤكد هذا القديس كيرلس السكندري: إن نص المزمور لا يتعلق بالمسيح، لأن المعلم ليس بحاجة إلى الملائكة… إن الكذاب والمخادع الذي هو الشيطان ينقل ما قيل عنا إلى شخص المسيح.[26]

     

    وهنا يجب أن نوضح أن عدم إنكار المسيح لاقتباس إبليس لا يعد موافقة على كلام إبليس، فلو كان كلام ابليس صحيحًا لما رد عليه المسيح فهو كلام صحيح، بل أن المسيح رد على ابليس شاملًا كلامه الخاطيء، فقد رد عليه بوجه عام كما لو كان يقول له: حتى إن كان كلامك صحيحًا، فالقاعدة الأعم هي ألا تجرب الرب إلهك، فإن كان الله سيحميني فهذا لا يعني أن ألقي بنفسي لأجرب الرب. فحتى إذا أشار ابليس للنص كنبوة عن المسيح، فعدم إنكار المسيح لاقتباسه لا يعني إطلاقاً موافقته!! فالسُنَّة التقريرية [27] التي يؤمن بها هذا الباحث لا وجود لها في كتابنا المقدس.

     

    ومع ذلك، سنفترض جدلاً أن الآية التي اقتبسها إبليس هي بالفعل نبوة عن المسيح (حيث أن البعض يرى فيها ملامح عن كمال المسيح؛ الذي هو بلا خطية). فهل إذا افترضنا أنها نبوة، هل بالضرورة ستعني أن المسيح لم يُصلب بل رفعه الله، بدليل قول المزمور “لأنه تعلق بي أنجيه وأرفعه وأنقذه في يوم الضيق”؟؟! بالطبع لا؛ لأن نص المزمور يقتضي تطبيقه على شخص متورط في حادثة معينة، ولذلك يصلي إلى الله لينجيه من لحظة الضيق.

    فهنا يفترض الباحث أن يوم الصلب كان هو يوم الضيق الذي كان يصلي فيه المسيح لله الآب لكي ينجيه من الصلب والموت! وهذا بالطبع غير حقيقي، فلم يحدث أبداً أن صلى المسيح لكي ينجيه الآب من الصلب، بمعنى عدم الموت. فكيف يحاول المسيح – حاشا له – الهروب من الصليب، وهو ما جاء من أجله في الأساس؟!!

    • كَمَا أَنَّ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ. (متى 20: 28)
    • كَمَا أَنَّ ٱلْآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ ٱلْآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ ٱلْخِرَافِ. (يوحنا 10: 15)
    • وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلَامِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لَا أَدِينُهُ، لِأَنِّي لَمْ آتِ لِأَدِينَ ٱلْعَالَمَ بَلْ لِأُخَلِّصَ ٱلْعَالَمَ. (يوحنا 12: 47)
    • من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليمويتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم. 22 فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلا: «حاشاك يا رب! لا يكون لك هذا!» 23 فالتفت وقال لبطرس: «اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس». (متى 16: 21 – 23)
    • وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم يسوع قائلا: «لا تعلموا أحدا بما رأيتم حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات». (متى 17: 9)
    • ولكني أقول لكم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا. كذلك ابن الإنسان أيضا سوف يتألم منهم». (متى 17: 12)
    • وفيما كان يسوع صاعدا إلى أورشليم أخذ الاثني عشر تلميذا على انفراد في الطريق وقال لهم: 18 «ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلمإلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت 19 ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم». (متى 20: 17 – 19)
    • ولما أكمل يسوع هذه الأقوال كلها قال لتلاميذه: 2 «تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يسلم ليصلب». (متى 26: 1-2)
    • ولكن بعد قيامي اسبقكمالى الجليل. (متى 26: 31)
    • وابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبةويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم. (مرقس 8: 31)
    • فأجاب: «إن إيليا يأتي أولا ويرد كل شيء. وكيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيراويرذل. (مرقس 9: 12)
    • لأنه كان يعلم تلاميذه ويقول لهم إن ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الناس فيقتلونهوبعد أنيقتل يقوم في اليوم الثالث. (مرقس 9: 31)
    • فيهزأونبه ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم». (مرقس 10: 34)
    • قائلا: «إنه ينبغي أن ابن الإنسان يتألم كثيراويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم». (لوقا 9: 22)
    • ولكن ينبغي أولا أن يتألم كثيراويرفض من هذا الجيل. (لوقا 17: 25)
    • وأخذ الاثني عشر وقال لهم: «ها نحن صاعدون إلى أورشليم وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان 32 لأنه يسلم إلى الأمم ويستهزأ به ويشتم ويتفل عليه 33 ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم». (لوقا 18: 31)
    • قائلا: إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم». (لوقا 24: 7)
    • أما كان ينبغي أن المسيح يتألمبهذا ويدخل إلى مجده؟» (لوقا 24: 26)
    • وقال لهم: «هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. (لوقا 24: 46)
    • وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائهأن يتألم المسيح قد تممه هكذا. (أعمال 3: 18)
    • موضحا ومبينا أنه كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأمواتوأن هذا هو المسيح يسوع الذي أنا أنادي لكم به. (أعمال 17: 3)

     

    فالرب يسوع بنفسه قال إنه جاء خصيصًا لأجل الفداء. ألم يصرح المسيح في مواضع كثيرة بهذه الحقيقة، أنه ينبغي أن يسلم ليصلب ويموت وفي اليوم الثالث يقوم؟! فكيف إذن يصلي لكي ينجيه الله من الصلب الذي جاء خصيصًا له؟ وكيف يصلي ليمنع عن نفسه الصلب وهو الذي وصف بطرس بالشيطان عندما حاول منعه عن الصلب بمجرد الكلام؟

    أليس الصليب هو الكأس التي أعطاه إياها الآب؟ فكيف يصلي له ليرفع عنه هذا الكأس؟

    نص المزمور يقول: ” يدعوني فأستجيب له، معه أنا في الضيق، أنقذه وأمجده. ” فهل أصبح الهروب من الصليب هو المجد الذي سيعطيه الله للمسيح؟! لكن الصحيح هو أن قيامة الرب يسوع من الموت في اليوم الثالث وصعوده للسماء [28] ليجلس عن يمين الآب هم المجد الحقيقي، وليس الهروب من الصليب. (كما سنوضح) فأبو عمر يعتبر الهروب من المواجهة، هو مجد ونصرة.

     

    يُكمِل هذا الباحث: ” ما هو يوم الضيق في حياة المسيح؟ أليس هو يوم الصلب؟! أليس هو اليوم الذي كان يصلي فيه ويطلب من الله الآب أن يعبر عنه هذا الكأس؛ كأس الموت؟! “.

    إعتقد المشكك هنا، أن “الكأس” المقصود بها مجرد الصلب والموت، وبالتالي فالمسيح يصلي هنا طالباً الهروب من الصلب والموت. فلماذا تجاهل السائل أكثر من ٦٠ نصاً إنجيلياً يشهد فيه المسيح عن عمله الكامل، بكل أحداث رسالته التي يستوجبها بالصلب والقيامة من الموت والصعود للسماء؟!! فكل شئ كان واضحاً أمام المسيح وأعلنه أكثر من مرة.

    وكأمثلة لمعرفة المسيح بكل أحداث صلبه قبل حدوثها:

     

    • ” وفيما كان يسوع صاعدا إلى أورشليم أخذ الاثني عشر تلميذا على انفراد في الطريق وقال لهم: «ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه، وفي اليوم الثالث يقوم». ” (مت ٢٠: ١٧-١٩)

     

    فهل هناك وضوح أكثر من ذلك؟

    • ” ولما كان المساء اتكأ مع الاثني عشر. وفيما هم يأكلون قال: «الحق أقول لكم: إن واحدا منكم يسلمني». فحزنوا جدا، وابتدأ كل واحد منهم يقول له: «هل أنا هو يارب؟» فأجاب وقال: «الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني! إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد!». فأجاب يهوذا مسلمه وقال: «هل أنا هو يا سيدي؟» قال له: «أنت قلت». “. (مت ٢٦: ٢٠-٢٥)

     

    بل وعلْم تفصيلي للأحداث والأشخاص والأماكن! وكل هذا قبل حدوثها.

    لاحظ أيضاً قول المسيح ” كما هو مكتوب “، أي كما تنبأ الأنبياء قديماً عن المسيح في الوحي المقدس.

     

    • ” وقال لهم: «هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم: أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير». حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم: «هكذا هو مكتوب، وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم، مبتدأ من أورشليم. ” (لو ٢٤: ٤٤-٨٨)

     

    لاحظ قول المسيح ” هكذا هو مكتوب، وهكذا كان ينبغي… “، فهذا لا يؤكد علمه فقط بما سيحدث، بل وإصراره على أن يتمم رسالته التي جاء من أجلها وهي الموت صلباً ثم القيامة من بين الأموات في اليوم الثالث.

    والذي قد تنبأ عنها موسى والأنبياء والمزامير.

     

    لاحظ قول المسيح “والمزامير”، فالمسيح بفمه القدوس يقول أن سفر المزامير تنبأ عن صلبه وموته بل وقيامته أيضاً.

    فلا عذر الآن لأي محاولة اختلاق نبوات كاذبة عن عدم صلب المسيح وموته.

     

    • ” فقال لهما:«أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء! أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟» ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب. ” (لو ٢٤: ٢٥-٢٧)

     

    مرة أخرى يشدد المسيح على نبوات صلبه وموته في العهد القديم والتي ينبغي أن تُكمَّل. فهذه فقط لمحة سريعة عن أقوال المسيح نفسه – تبارك اسمه – لكن هناك عشرات الآيات الأخرى، والتي صرَّح فيها المسيح عن أهمية عمله من خلال الموت على الصليب، قبل حتى أن يُسلَّم ويُصلَب!

     

    إذن، يأتي السؤال الأهم: في وسط هذا التأكيد من المسيح على حتمية صلبه وموته؛ ما معنى صلاته في البستان ” يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت ” (مت ٢٦: ٣٩).

     

    وما المقصود بالكأس؟

    ” فقال يسوع لبطرس: «اجعل سيفك في الغمد! الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟ ” (يو ١٨: ١١)

    هنا المسيح يستخدم نفس المصطلح وهو ” الكأس “. فلاحظ أنه لم يقل ” الكأس التي قدمها لي يهوذا بخيانته أو رؤساء الكهنة بغيرتهم “!! فبحسب عقيدة المشكك، فإن عملية الصلب، هس من تخطيط بشري محض من قِبَل اليهود والرومان لقتل المسيح، ولا يوجد فيه أي تدخل إلهي إلا عند نجاة المسيح المزعومة.

     

    بل المسيح يقول هنا: ” الكأس التي أعطاني الآب “. فالمسيح يعلن بوضوح أن هذه الكأس (التي سنفترض أنها مجرد الصلب والموت مبدئياً) هي مشيئة الآب (التي لا يمكن أن تختلف عن مشيئة الأبن) وليس مجرد مشيئة بشرية!

    فأين هذا الباحث من كل هذه القرائن التي توضح حتمية موت المسيح؟! فالمسيح يقول: ” من منكم يبكتني على خطية؟! ” (يو ٨: ٤٦) مشيراً إلى نفسه بالصلاح والكمال والقداسة.

    والوحي المقدس يقول عنه: ” وتعلمون أن ذاك أظهر لكي يرفع خطايانا، وليس فيه خطية. ” (١ يو ٣: ٥)

    فالكأس هي أن هذا الطاهر المطلق القدوس الذي لم يعرف خطية، الآن سيتجرع الكأس الرهيبة؛ أن يحمل خطية العالم كله وأن يتحمل دينونة الآب المرعبة نيابةً عن كل العالم في جسده البشري المطلق في قداسته.[29] فالكأس ليس مجرد الصلب والموت!

     المسيح الذي قال لبطرس أثناء تسليمه من قِبَل يهوذا (بعد صلاته في البستان):

    ” «رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون! ٥٣أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة؟ ٥٤فكيف تكمل الكتب: أنه هكذا ينبغي أن يكون؟». ” (مت ٢٦: ٥٢-٥٤).

    فالمسيح إذن لم يخاف – حاشا له – من الصلب أو الموت، بل حتى بعد حادثة صلاته، يصرح لبطرس هنا بأنه ينبغي أن تكمل الكتب بموته.

    يقول وليم ماكدونالد: لذلك عندما صلّى يسوع لكي تعبر عنه الكأس لم يكن يطلب من الآب أن يُنقذه من الصليب. فالصّليب كان الغرض الأساسي من مجيئه إلى العالم! كانت صلاة يسوع بيانيّة في أسلوبها، أي أنّ الهدف منها لم يكن الحصول على الاستجابة بقدر ما كان تعليمنا درسًا روحيًّا. فكأنّ المسيح كان يقول، ”يا أبتاه، لو كانت لديك طريقة أخرى لخلاص الخطاة الفجّار تغني عن ذهابي إلى الصليب فأعلنها الآن لي!

    لكن ليكن معلومًا في كل هذا الأمر أنّي لا أرغب في أيّ شيء يتعارض مع مشيئتك”. ماذا كانت الإجابة لصلاة يسوع تلك؟ لا شيء فقد بقيت السّماء صامتةً. وعرّفنا هذا الصمت البليغ بأنّه ليس عند الله من طريق آخر لتبرير الخطاة المذنبين سوى موت المسيح المخلّص البارّ بديلاً منّا.[30]

    يقول الأب متى المسكين: ماذا حدث؟ ألم يذكر المسيح الصليب والآلام والجلد والبصاق والموت مرات ومرات؟ فهل لما أتت الساعة تغيرت حساباته؟! أمر مستحيل! هل ظهر أمر في الصليب كان مخفياً عليه ثم عرفه؟! هذا أيضاً أمر مستحيل!… إذن ماذا حدث؟ الأمر جلل حقاً… فالكأس الذي ظهر بهذه الصورة غير المحتملة… هو كأس اابشرية الذي ليس فيه سبب ولا مشاركة، كأس خطايا البشرية وعارها… أن يصبح القدوس الطاهر الذي لم يعرف خطية ولا صار في فمه غش، قاتلاً وزانياً نجساً شريراً…[31]

    يقول الدكتور وليم إدري: هذه الكأس أي كأس الكفارة والموت (قابل هذا مع ٢٠: ٢٢) وهي تشمل على الآلام التي يجب أن يحتملها ليكفر عن آثام البشر، وينبغي أن نعلم أنه آشار بذلك إلى آلام نفسه لا إلى آلام جسده؛ لأن كل ما قاله لتلاميذه سابقاً في شأن موته ينفي ظن خوفه من الموت الجسدي… فكأس آلام المسيح هي كأس خلاصنا، شرب كل ما فيها من المر وملأها لنا إبتهاجاً…[32]

    يقول كينر: الكأس قد تشير إلى صورة العهد القديم لكأس الدينونة الممنوح للأمم.[33]

    يقول فيليب شاف: كل معاناته بما في ذلك الحزن في تلك الساعة، لايزال أمل الإغاثة في آلامنا، لكنه سبق أن علم الجميع. كل النبوات التي قالها ربنا من قبل والأحداث التي وقعت في نفس هذا المساء، تبين أنها لم تكن مجرد خوف من الموت.[34]

    يقول القمص تادرس يعقوب: أما سر حزنه فهو ليس الخوف من الآلام الجسدية، إنما ثقل الخطية التي لا يقبلها السيد ولا يطيقها، لكنه من أجل هذا جاء، ونيابة عنا خضع في طاعة للآب ليحمل موت الخطية فيه.[35]

    يقول التفسير التطبيقي: لم يكن يسوع يتمرد على إرادة أبيه عندما طلب أن تعبر عنه الكأس، بل بالحري أكد رغبته في إتمام مشيئة الله قائلاً: “لكن، لا كما أريد أنا، بل كما تريد أنت”. وتكشف لنا صلاته عن معاناته الرهيبة، فقد كانت معاناته أشد هولاً من الموت، حين كفَّر هو بذاته عن كل خطية. لقد كانت الكأس هي المعاناة والانفصال عن الآب، لقد حمل ابن الله القدوس، الذي بلا خطية، خطايانا على نفسه ليخلصنا من العذاب والانفصال عن الله.[36]

    يقول “Carson”: الكأس لا تشير إلى المعاناة والموت فقط، بل أيضاً إلى دينونة الله كما هو في العهد القديم.[37]

    يقول “France”: المسألة ليست ما إذا كان ينبغي أن يقبل يسوع غرض الآب أو لا، ولكن ما إذا كانت الحاجة لهذا الغرض تشمل الكأس المرعبة من المعاناة غير المباشرة، أو ما إذا كانت هناك طريقة أخرى. ومن هنا المزيج الرائع في هذه الآية من طلب واضح مع قبول أنه قد لا يتم منح هذا الطلب. القضية الوحيدة التي تهم هي حدود إرادة الله. صلاة يسوع هي إستكشاف لتلك الحدود، لكنها لا تحاول الخروج منها.[38]

     

     

    تفسير الآباء لصلاة المسيح: [39]

    يقول العلامة أوريجانوس: من المستحيل أن ابن الإنسان كان يقول هذا تحت إحساس بالخوف!… فالرب يسوع لا يستعفي من ذبيحة الموت حتى تصل نعمة الخلاص للجنس البشري كله.[40]

    يقول القديس كيرلس السكندري: كيف خاف الموت ذاك الذي قال للذين فتشوا عنه وذهبوا ليقبضوا عليه: أنا هو (يو ١٨: ٦)، كيف خاف الموت ذاك الذي قال: لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً، وقال أيضاً: ليس أحد يأخذها مني، بل أنا أضعها من ذاتي وأنا آخذها أيضاً (يو ١٠: ١٨).[41]

    ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: ولكن إن كان حسب رأيكم أن الكلمة كان خائفاً، فلماذا إذاً وهو قد تكلم عن مكيدة اليهود قبلها بوقت طويل، لم يهرب، بل حينما جاءوا للقبض عليه قال: أنا هو.[42]

    يقول القديس أوغسطينوس: صوته وحده الناطق: “أنا هو” بدون أسلحة، ضرب الجمع الغفير، أثبطهم وأسقطهم أرضاً مع كل وحشية كراهيتهم ورعب أسلحتهم.[43]

    وأخيراً، يقول أيضاً القديس كيرلس السكندري: أي إنسان ذو فهْم لن يقول إن الرب قدم هذه التوسلات كأنه في احتياج إلى قوة أو عون من آخر – لأنه هو نفسه قوة واقتدار الآب الكلي القدرة.[44]

     

    وهنا يُنهي أبو عمر أسئلته قائلاً: وفي الرسالة إلى العبرانيين ٥: ٧ تقول: ” الذي، في أيام جسده، إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، وسمع له من أجل تقواه، “ والترجمة العربية المبسطة تقول: ” وَأثنَاءَ حَيَاةِ يَسُوعَ عَلَى الأرْضِ، قَدَّمَ تَضَرُّعَاتٍ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ للهِ القَادِرِ أنْ يُنقِذَهُ مِنَ المَوْتِ، وَسُمِعَتْ صَلَاتُهُ بِسَبَبِ تَقوَاهُ.” “.

     

    ثم استنتج من هذا: ” يعني يسوع في يوم الضيق، كان يدعو أن ينقذه الله من الموت، واستجاب الله ليسوع لأنه كان تقياً.

     

    لذا سنقسم الرد كالتالي:

    أولاً، المسيح في رسالة العبرانيين:

    أخطأ هذا الباحث حين أخذ من رسالة العبرانيين، معتقداً أنها ستشفع له. لذا سنقدم منها لمحة بسيطة عن المسيح ورسالة الخلاص التي قدمها على الصليب..

     

    حيث نجد فيها:

    • تجسد المسيح وحتمية موته؛ ليُميت الموت بالقيامة.

    ” فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، ويعتق أولئك الذين­ خوفا من الموت­ كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية.” (عب ٢: ١٤-١٥)

     

    • موت المسيح كان بالآلام لخلاص كل واحد.

    ” ولكن الذي وضع قليلا عن الملائكة، يسوع، نراه مكللا بالمجد والكرامة، من أجل ألم الموت، لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد. لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام.” (عب ٢: ٩-١٠)

     

    • قيامة المسيح من الموت.

    ” وإله السلام الذي أقام من الأموات راعي الخراف العظيم، ربنا يسوع، بدم العهد الأبدي “. (عب ١٣: ٢٠)

     

    • المسيح أبطل مفعول الخطية؛ بتقديم نفسه ذبيحة.

    ” فإذ ذاك كان يجب أن يتألم مرارا كثيرة منذ تأسيس العالم، ولكنه الآن قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه. وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة، هكذا المسيح أيضا، بعدما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين، سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه. “. (عب ٩: ٢٦- ٢٨)

    إذن، هذه هي رسالة العبرانيين التي يقتطع منها هؤلاء المشككين، عبارة واحدة من سياقها، راغبين في إثبات عدم صلب المسيح من الكتاب المقدس القائم بأكمله على فكرة الخلاص بدم ربنا يسوع المسيح.

     

    ثانياً، تحليل النص:

    وسط هذا الزخم، الذي تقدمه رسالة العبرانيين عن حتمية موت المسيح على الصليب وقيامته من الموت لإبادة سلطان الموت، يصبح من العار أن يتم فهْم أي آية فيها، ضد أو حتى خارج هذا السياق الواضح.

    بدايةً، النص لا يقول، أن المسيح طلب أن لا يموت، بل أن يخلصه من الموت. والمعنى واضح في بقية السياق الذي اقتطعه، حيث يقول الوحي الإلهي عن المسيح:

     ” الذي، في أيام جسده، إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، وسمع له من أجل تقواه، مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به. وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه، سبب خلاص أبدي ” (عب ٥: ٧-٩)

     

    ونلاحظ الآيات التي اقتطعها تقول: ” مما تألم به ” وأيضاً ” وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي “. والعجيب أن أبو عمر نفسه استشهد بترجمة أخرى للنص وهي الترجمة العربية المبسطة، لسهولة توصيل معنى النص. ومع ذلك، اقتطع عن عمد باقي السياق، الذي هو أوضح بكثير من الترجمة السابقة (الفانديك). حيث يقول النص (في نسخة الترجمة العربية المبسطة):

     

    وَأثنَاءَ حَيَاةِ يَسُوعَ عَلَى الأرْضِ، قَدَّمَ تَضَرُّعَاتٍ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ للهِ القَادِرِ أنْ يُنقِذَهُ مِنَ المَوْتِ، وَسُمِعَتْ صَلَاتُهُ بِسَبَبِ تَقوَاهُ. وَرُغْمَ أنَّهُ كَانَ ابنًا، فَقَدْ تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِنْ خِلَالِ الآلَامِ الَّتِي عَانَاهَا. وَبَعْدَ أنْ كُمِّلَ بِالآلَامِ، صَارَ مَصْدَرَ خَلَاصٍ أبَدِيٍّ لِكُلِّ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ. (عب ٥: ٧-٩)

     

    لاحظ أن النص في الترجمة المبسطة يقول بكل وضوح: “فقد تعلم الطاعة من خلال الآلام التي عانها”، وتقول أيضاً: ” وبعد أن كمل بالآلام، صار مصدر خلاص أبدي لكل الذين يطيعونه”. فهي كلمات واضحة عن الخلاص “الأبدي” الذي قدمه المسيح حينما أكمل كل الفداء على الصليب. فلا أجد أي عذر أو معنى لما يفعله هذا الباحث، إلا أنه إصرار واضح على فبركة معنى النصوص..

     

    يقول تعليق النسخة اليسوعية: يقول الكاتب في آنٍ واحد أن تلك الصلاة استُجيبَت وأن المسيح تألم وأطاع. فالاستجابة هي تحول يتم عبر الموت نفسه.[45]

     

    يقول وليم باركلي: وما يريد كاتب العبرانيين أن يقوله هو أن كل الاختبارات والآلام التي جازها يسوع أعطته الصلاحية الكاملة ليصير فادي ومخلص الناس… فإن الخلاص الذي جاء به يسوع للناس هو خلاص أبدي….[46]

     

    يقول الدكتور موريس تاوضروس: على الرغم من أنه ابن الله، فقد أظهر الطاعة في أسمى صورها وأكمل تعبير لها. وكلمة “تعلم” لا تعني أن الابن كان يجهل الطاعة قبل الآلام وإنما تعني أن هذه الطاعة ظهرت في أقوى تعبير لها في تحمل السيد المسيح آلام الصليب… فإن كمال عمل المسيح الخلاصي تحقق بالآلام التي تحملها، أي أن الكمال المنسوب إلى المسيح يقصد به أن ما تحمله المسيح من آلام، وما أظهره من طاعة، كل هذا قد أهله لأن يصير كاملاً في عمله كمخلص وكرئيس كهنة، فالآلام إذن كانت ضرورية لكي يعمل المسيح كمخلص.[47]

     

    يقول “Donald Guthrie”: يُنظَر إلى كمال المسيح كأساس لخلاصنا. في الواقع، لقد أصبح مصدر الخلاص الأبدي.[48]

    يقول “William Lane”: نتيجة هذا الفعل [أي الطاعة من خلال الآلام]، يسوع قد أصبح مصدر الخلاص الأبدي لكل الذين يطيعونه… باعتباره الشخص الذي اختبر معنى الطاعة في معاناة الموت استجابةً لإرادة الله… فالخلاص الذي يقدمه “أبدي” ليس فقط لأنه يمتد إلى ما وراء الزمن ولكن لأنه حقيقي، سماوي، وليس من صنع الإنسان.[49]

     

    ثالثاً، تفسير النص:

    نأتي الآن لمعنى النص الذي اقتطعه.

    وهنا يجب أن نسأل بكل بساطة: هل بقي المسيح في الموت، أم سحق الموت بقيامته؟! فالآية هنا تتحدث عن خلاصه من بقائه تحت سلطان الموت.. وفي ضوء القرائن من آيات الكتاب المقدس، نقرأ في نبوة عن صلاة المسيح هذه، حيث يقول الوحي الإلهي:

    ” لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيك يرى فسادا. ” (مز ١٦: ١٠)

     

    وقد شرح سفر أعمال الرسل هذه النبوة حيث يقول:

    أيها الرجال الإخوة، يسوغ أن يقال لكم جهارا عن رئيس الآباء داود إنه مات ودفن، وقبره عندنا حتى هذا اليوم. ٣٠فإذ كان نبيا، وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه، ٣١سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح، أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادا. ٣٢فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعا شهود لذلك. (أع ٢: ٢٩-٣٢)

     

    فداود قد مات وقبره موجوداً وقد رأى جسده فساداً، وبذلك فإن داود قائل هذه النبوة، لم يكن يقصد نفسه، بل المسيح الذي أتى من نسله، والذي لم يرَ جسده فساداً، حيث أنه قام من الموت في اليوم الثالث.[50]

     

    ولمزيد من التوضيح، نضع الآيات في مطابقة..

    رسالة العبرانيين

    سفر المزامير

    سفر أعمال الرسل

    الذي، في أيام جسده، إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، وسمع له من أجل تقواه، مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به. وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه، سبب خلاص أبدي

    لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيك يرى فسادا.

    أيها الرجال الإخوة، يسوغ أن يقال لكم جهارا عن رئيس الآباء داود إنه مات ودفن، وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبيا، وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه، سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح، أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادا. فيسوع هذا أقامه الله، ونحن جميعا شهود لذلك.

     

    وبحسب رأي العلامة أتريدج أنه لو كان القصد أن يخلصه من موت الجسد للزم أن يكون الحرف “مِنْ” في قوله ” القادر أن يخلصه من الموت “، ليس έκ بل άπό.[51] فالحرف “έκ” يشير إلى الانفصال أو الانبعاث خارج شيء – كان هناك ارتباط وثيق معه مسبقاً.[52] فالمقصود هنا أن هذا الحرف έκ يعني من داخل، أو: من وسط، فالقصد هو أن يخلصه من داخل الموت، وهذا الذي حدث بالقيامة، فالمسيح مات فعلا لكنه من داخل هذا الموت قام بعدما مات.

    وهو لا يراد به النقل من موضع في الخارج إلى آخر في الخارج، بل من موضع في الداخل إلى آخر في الخارج. ولذلك يَرِد في بعض الترجمات الإنجليزية التعبير “out of” بدلاً من “from” لتأكيد المعنى السابق (وهو المعنى الحرفي للكلمة). وهو ما تم استخدامه في (رو ٦: ١٣)، للإشارة إلى الحالة التي يخرج منها الشخص، الذي كان ميتاً وأصبح حياً.

    إذن، الخلاصة هي: قول الوحي الإلهي ” القادر أن يخلصه من الموت ” يُقصَد به قيامة رب المجد يسوع المسيح، أي عدم بقائه تحت سلطان الموت، وليس المقصود منها عدم صلبه وبالتالي عدم موته.

     

    يقول تعليق نسخة ESV: الكاتب على علم بوضوح بحقيقة موت يسوع (عب ٩: ١١-١٤)، فهو يتكلم عن قيامة يسوع كتخليصه من الموت.[53]

     

    يقول القمص أنطونيوس فكري: هذه لا تفهم إطلاقاً أن الآب استجاب له فلم يمت بل أن الآب استجاب له بأن تركه يموت ومن داخل الموت تعامل مع الموت، قوة الحياة التي فيه ابتلعت الموت فخلص نفسه من الموت بلاهوته، وقام وخلص البشرية معه فقامت البشرية من الموت. بالموت داس الموت. والله استجاب له بالقيامة التي صارت حياة جديدة له ولكل الكنيسة.[54]

     

    يقول هنري أيرونسايد: فلا بد أن نلاحظ هنا أنه لم ينجُ من الموت ولا صلى أو تضرع لكي يتخلص من الموت، ولم يخشَ الموت. لقد جاء إلى العالم ليموت، لأجل ذلك الهدف نفسه؛ ولكنه أُنهض من الموت، إذ أقامته قوة الله.[55]

     

    يقول وليم ماكدونالد: كان يصلّي حتى يُنقذ من الموت بمعنى ألا تبقى نفسه في الهاوية. لقد استُجيبت هذه الصلاة عندما أقامه الله من بين الأموات فسُمع له من أجل تقواه.[56]

     

    يقول كريج كينر: أكدت الديانة اليهودية على أن الله يسمع للأتقياء، فقد استجاب الله لصلوات يسوع بأن أقامه من الموت وليس بأن أفلته من الموت.[57]

    وأخيراً، يقول الوحي المقدس: لكنه أخلى نفسه، آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضا، وأعطاه اسما فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب. . (في ٢: ٧-١١)

     

    لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الآبد آمين. يا ربى يسوع المسيح.

    «إِلَى هُنَا أَعَانَنَا الرَّبُّ»

     

     

    [1] الأنبا بيشوي، كتاب المسيح مشتهى الأجيال، الطبعة الثانية، ص ٦٥٤-٦٥٥.

    [2] الأنبا ساويرس، الدر الثمين في إيضاح الدين، إصدار أبناء البابا كيرلس السادس، ص ٣٧.

    [3] FC 94: 165-166.

    [4] W. D. Mounce (2006), Mounce’s Complete Expository Dictionary of Old & New Testament Words, p.395.

    [5] Ibid, p. 705.

    [6] Vincent, Marvin R., Vincent’s Word Studies in the New Testament, Charles Schribner’s Sons, New York, USA. 1887,(electronic ed.), Mt 4:5.

    [7] Barnes, Albert, Albert Barnes’ Notes on The whole Bible, (electronic ed.) , Mt 4:5.

    [8] هلال أمين، تفسير إنجيل يوحنا، (نسخة إلكترونية)، يو ١٢: ٣١-٣٣.

    [9] Crossway Bibles. (2008) The ESV Study Bible Notes, (Lk 4: 5-8).

    [10] Biblical Studies Press. (2006) The NET Bible, Second Edition Notes, (Lk 4:6).

    [11] L. Liefeld, Walter, “Luke” In Expositor’s Bible Commentary. Edited by Frank E. Gaebelein, J. D. Douglas, and Walter Kaiser, vol. 8. (Grand Rapids: Zondervan, 1984.), p. 864.

    [12] وليم إدري، الكنز الجليل في تفسير الإنجيل، الجزء الثاني: شرح إنجيلي مرقس ولوقا، إصدار مجمع الكنائس في الشرق، بيروت ١٩٧٣، ص ١٨٣-١٨٤.

    [13] S. Keener, Craig. The IVP Bible Background Commentary: New Testament, second edition, p. 189.

    [14] الكتاب المقدس: نسخة الرهبنة اليسوعية، الطبعة الثالثة، تعليق على لو ٤: ٦.

    [15] تادرس يعقوب ملطي، إنجيل لوقا، سلسلة تفسير وتأملات الآباء الأوليين، (نسخة إلكترونية)، لو ٤: ٦.

    [16] مجموعة من كهنة وخدام الكنيسة، الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد، شرح لكل آية، الجزء الثاني؛ بشارتي لوقا ويوحنا، الطبعة الأولى ٢٠٠٤، ص ٥٢.

     

    [17] Ellicott, Charles, John, Ellicott’s Commentary For English Reader, (Electronic ed.), Lk 4:6.

    [18] Coffman, James Burton. Coffman Commentaries on the Old and New Testament, Abilene Christian University Press, Abilene, Texas, USA. 1983-1999. (Electronic ed.), Lk 4:6.

    [19]  الأب متى المسكين، الإنجيل بحسب القديس لوقا: دراسة وتفسير وشرح، الطبعة الأولى ١٩٩٨، ص ١٩٠.

    [20] القديس إيرينيوس، ضد الهرطقات، الجزء الثاني: الكتاب الخامس، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ٢٠١٩، ص ٣٣١.

    [21] Crossway Bibles. (2008) The ESV Study Bible Notes, (Lk 4: 9-12).

    [22] Carson, D. A. “Matthew.” In Expositor’s Bible Commentary. Edited by Frank E. Gaebelein, J. D. Douglas, and Walter Kaiser, vol. 8. Grand Rapids: Zondervan, 1984, p. 113.

    [23] تادرس يعقوب ملطي، إنجيل لوقا، سلسلة تفسير وتأملات الآباء الأوليين، (نسخة إلكترونية)، لو ٤: ١٠-١١.

     

    [24] كتاب تجارب المسيح في البرية، ترجمة نهاد فرح، الطبعة الأولى ٢٠٠٩، ص ٩١.

    [25] نفس المرجع السابق.

    [26] نفس المرجع السابق، ص ٨٣.

    [27] السنة التقريرية في الإسلام: هي أن يسكت النبي عن إنكار قول أو فعل صدر أمامه، أو في عصره وعلم به، وذلك إما بموافقته أو استبشاره أواستحسانه، وإما بمجرد عدم إنكاره.

    أنظر: فتوى إسلام ويب بعنوان: ” أنواع السنة النبوية “، رقم الفتوى: ٣٨٩٣٨.

    [28] وليم ماكدونالد، تفسير الكتاب المقدس للمؤمن: العهد القديم، المزامير، (نسخة إالكترونية)، مز ٩١: ١٥.

    [29] الأخ وحيد، كتاب شهود الصليب، الطبعة الثانية: يناير ٢٠١٦، ص ١٧٥.

    [30] وليم ماكدونالد، تفسير الكتاب المقدس للمؤمن: العهد الجديد، إنجيل متى، (نسخة إلكترونية)، مت ٢٦: ٣٩.

    [31]  الأب متى المسكين، الإنجيل بحسب القديس متى: دراسة وتفسير وشرح، الطبعة الأولى، ١٩٩٩، ص ٧٥٩.

    [32] وليم إدري، الكنز الجليل في تفسير الإنجيل، الجزء الأول: شرح بشارة متى، إصدار مجمع الكنائس في الشرق الأدنى، بيروت ١٩٧٣، ص٤٧٢.

    [33] S. Keener, Craig. The IVP Bible Background Commentary: New Testament, second edition, p.115.

    [34] Schaff, Philip, A Popular Commentary on The New Testament. Vol. I, New York: Charles Scribner’s sons, 1879, p. 217.

    [35] تادرس يعقوب ملطي، إنجيل متى، سلسلة تفسير وتأملات الآباء الأوليين، (نسخة إلكترونية)، مت ٢٦: ٣٩.

    [36] التفسير التطبيقي للكتاب المقدس، مت ٢٦: ٣٩.

    [37] Carson, D. A. “Matthew.” In Expositor’s Bible Commentary. Edited by Frank E. Gaebelein, J. D. Douglas, and Walter Kaiser, vol. 8. Grand Rapids: Zondervan, 1984, p.543.

    [38] France, R. T. “Mattew” In Tyndale New Testament Commentaries, Vol 1, 2008, p. 474.

    [39] أمجد بشارة، صلاة المسيح؛ لماذا؟ في تعليم آباء الكنيسة.

    [40] Ad Martyra.4.

    [41] الكنوز في الثالوث المقدس، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ترجمة د. جورج عوض، ص ٣٦١.

    [42] ضد الآريوسيين ٣: ٥٤.

    [43] St. Augustine: On the Gospel of St. John, Tractate, 112:3.

    [44] تفسير إنجيل لوقا، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ص ٧١٦.

    [45] الكتاب المقدس، نسخة الرهبنة اليسوعية، الطبعة الثالثة، تعليق على عب ٥ : ٧.

    [46] وليم باركلي، تفسير العهد الجديد، الرسالة إلى العبرانيين، الطبعة الثانية، ترجمة القس جرجس هابيل، ص ٧٦.

    [47] موريس تاوضروس، تفسير رسالة العبرانيين، ص ٩٣.

    [48] Guthrie, Donald, “Hebrews” In Tyndale New Testament Commentaries, Vol 15, 2008, p. 166.

    [49]L. Lane , William, “Hebrews 1-8” In Word Biblical Commentary, Vol 47A, (Zondervan: 2017), p. 650.

    [50] الأخ وحيد، كتاب شهود الصليب، الطبعاة الثانية: يناير ٢٠١٦، ص ٢٤٥

    [51] Attridge, Harold, W., A Commentary on the Epistle to the Hebrews: A Critical and Historical Commentary on the bible, (Fortress press: 1989), p. 150.

    [52] Thayer, Joseph Henry, A Greek-English lexicon of the New Testament, being Grimm’s Wilke’s Clavis Novi Testamenti, p. 189-191.

    [53] Crossway Bibles. (2008) The ESV Study Bible Notes, (Heb 5:7).

    [54] القمص أنطونيوس فكري، تفسير رسالة العبرانيين، (نسخة إلكترونية)، عب ٥: ٧.

    [55] هنري إيرونسايد، تفسير رسالة العبرانيين، (نسخة إلكترونية)، عب ٥: ١-١٠.

    [56] وليم ماكدونالد، تفسير الكتاب المقدس للمؤمن: العهد الجديد، رسالة العبرانيين، (نسخة إلكترونية)، عب ٥: ٧.

    [57] S. Keener, Craig. The IVP Bible Background Commentary: New Testament, second edition, p.646.

    ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث – الجزء الثاني – عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان

  • الرد على شيخ: جهالة الله ، ضعف الله ، من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتية في ملكوته

    الرد على شيخ: جهالة الله ، ضعف الله ، من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتية في ملكوته

    الرد على شيخ: جهالة الله ، ضعف الله ، من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتية في ملكوته

    الرد على شيخ: جهالة الله ، ضعف الله ، من القيام ههنا قوم لا يذوقون الموت
    الرد على شيخ: جهالة الله ، ضعف الله ، من القيام ههنا قوم لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتية في ملكوته

    الرد على شيخ: جهالة الله ، ضعف الله ، من القيام ههنا قوم لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتية في ملكوته

    مقدمة:

    بين الحين والآخر يظهر شخصا ما، ويقوم بتقديم ما يسمى زورا أنه نقدًا، ثم يتحدى معتقدًا في نفسه انه يقدم أفكار لا يستطيع أحد أن يناقشها لقوتها!!، وتلك هي الحقيقة المشوهة فالأفكار التي يقدمها تابعي هذا المنهج (أبو عمر كمثال) الغالبية الساحقة من المسيحين بالفعل يعجزوا عن مناقشتها! ولكن ليس بسبب قوتها ولكن لأنها دون مستوى لدرجة أنها لا تستحق أن تطرح على طاولة مناقشة الأفكار، فتلك المنهجية العقيمة تجعل كثيرين وأنا أيضا من ضمنهم يعجزوا عن مناقشتها لضحالتها العلمية، فلما أضيع وقتي في تفاهات بحثية؟ ألا يوجد ما يجب أن ننظر فيه بحق مثلا؟، لا يعني كلامي ان الغير مؤمنين دائما يقدمون افكار ساذجة لا أقصد هذا أبدا، بالفعل يوجد تساؤلات جيدة وتستحق أيضا اجابات جيدة، ولكن في ظل غياب المناهج البحثية في المجتمع الشرقي وفي ظل وجود مروجي افكار مثل افكار ابو عمر ” الباحث ” ولا سيما أفكاره هو ذاته، فقد أصبح عدد من الناس يحاولون أن ينزلوا بعقولهم إلى مثل هذه الأطروحات التي ما إذا وصفت بأنها سخيفة فقد تكون اخذت أكثر مما تستحق بكثير.

    قدم أبو عمر “الباحث” فيديو يسأل فيه سؤالا يراه صعبًا، لكن قبل أن يقدم هذا السؤال، قام بطرح شبهة قبله، وهي أن بولس الرسول يقول أن الله في المسيحية جاهل وضعيف، لكنه رغم انه جاهل لكنه أعلم من الناس ورغم انه ضعيف فهو أقوى من جميع الناس، فسينقسم هذا البحث إلى قسمين، القسم الاول للرد على شبهة ضعف الله وجهالته، حاشاه، والقسم الثاني سيتعلق بمسألة خطأ كلام المسيح أو البشيرين في قولهم أن المسيح قال “من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتية في ملكوته” فقال:

    هو الطبيعي أن التلاتة مايكونش عندهم إجابة لأنهم جهلة وأيضا ما تقدرش تلوم على جهلهم لأن إلههم نفسه اللي بيعبدوه كان جاهل، ودة مش كلامنا لا سمح الله ده كلام بولس اللي النصارى يؤمنوا أن هو رسول المسيح بولس بيقول أن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس يعني اله وجاهل لكن جهله احكم من جمل الناس وضعفه أقوى من ضعف الناس.

    العجب حقا هو ما فهمه “أبو عمر” من النص الوارد في رسالة كورنثوس الأول 1: 25، حيث يفهم من هذا النص أن الله كان جاهلا وضعيفًا لكنه كان أحكم من جهل الناس وأقوى من ضعف الناس! ما هذا؟ أهذا ما يقوله حقا القديس بولس!؟

    ان هذا الادعاء السخيف مهدوم قبل أن نناقشه، فبولس هنا لا يصرح أن الله جاهل وضعيف لكنه يطرح نظرة اليهود واليونانيين، الا يجيد ابو عمر القراءة؟ ألم يقرأ في بداية النص تعبير “لأن”؟ ألا يجعلك هذا التعبير ان تنظر إلى النص السابق لهذا النص؟ فالعدد 24 يقول “أما المدعوين يهود ويونانيين بالمسيح قوة الله وحكمة الله” وهنا يوجد سؤال مهم جدا هل الحكمة والقوة الإلهية تساويها أي حكمة بشرية أو قوة بشرية!؟ بالطبع لا، فلذلك لا يمكن أن نفهم أن بولس يقارن بين قوة وحكمة الله وبين قوة وحكمة الناس، لكن بولس يطرح نظرة اليهود واليونانيين لحياة يسوع وما يظنوه هم انه هو ضعفا هو اقوى مما يتخيلوا وما يظنوه حماقة كذلك أيضا، فيقول بداية من العدد 18 فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله، الهالكين هنا لا يقصد بهم بولس فئة محددة لكنه يجمعهم سويا، فكان يعتقد اليونانيون أن بعض الآلهة قد ماتوا وعادوا إلى الحياة ..، واعتقد الرومان أن الصلب كطريقة للموت هي وسيلة مناسبة لموت العبيد، واعتقد اليهود أيضا أن الموت على صليب هو أمر مخزٍ[1].

    ويقتبس بولس في العدد 19 من سفر أشعياء 29 [لِذَلِكَ هَأَنَذَا أَعُودُ أَصْنَعُ بِهَذَا ٱلشَّعْبِ عَجَبًا وَعَجِيبًا، فَتَبِيدُ حِكْمَةُ حُكَمَائِهِ، وَيَخْتَفِي فَهْمُ فُهَمَائِهِ] ليوضح أن هؤلاء الذين يعيشون بتقاليد إنسانية بدلا من الإلهية، تَوَانَوْا وَٱبْهَتُوا. تَلَذَّذُوا وَٱعْمَوْا. قَدْ سَكِرُوا وَلَيْسَ مِنَ ٱلْخَمْرِ. تَرَنَّحُوا وَلَيْسَ مِنَ ٱلْمُسْكِرِ. ١٠ لِأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَكَبَ عَلَيْكُمْ رُوحَ سُبَاتٍ وَأَغْمَضَ عُيُونَكُمُ. ٱلْأَنْبِيَاءُ وَرُؤَسَاؤُكُمُ ٱلنَّاظِرُونَ غَطَّاهُمْ. ١١ وَصَارَتْ لَكُمْ رُؤْيَا ٱلْكُلِّ مِثْلَ كَلَامِ ٱلسِّفْرِ ٱلْمَخْتُومِ ٱلَّذِي يَدْفَعُونَهُ لِعَارِفِ ٱلْكِتَابَةِ قَائِلِينَ: «ٱقْرَأْ هَذَا». فَيَقُولُ: «لَا أَسْتَطِيعُ لِأَنَّهُ مَخْتُومٌ». ١٢ أَوْ يُدْفَعُ ٱلْكِتَابُ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ ٱلْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: «ٱقْرَأْ هَذَا». فَيَقُولُ: «لَا أَعْرِفُ ٱلْكِتَابَةَ». (29: 9 – 12) سيهلكون كما يوضح هذا سفر ارميا 8: 9 [خَزِيَ ٱلْحُكَمَاءُ. ٱرْتَاعُوا وَأُخِذُوا. هَا قَدْ رَفَضُوا كَلِمَةَ ٱلرَّبِّ، فَأَيَّةُ حِكْمَةٍ لَهُمْ؟][2]

    ثم يقول بولس في عدد 22، 23:

     ٢٢ لِأَنَّ ٱلْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَٱلْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، ٢٣ وَلَكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِٱلْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً!

     كان بالفعل اليونانيين محبين للتساؤل عن كل ما هو جديد كما ورد في (أعمال الرسل 17: 21) [أَمَّا ٱلْأَثِينَوِيُّونَ أَجْمَعُونَ وَٱلْغُرَبَاءُ ٱلْمُسْتَوْطِنُونَ، فَلَا يَتَفَرَّغُونَ لِشَيْءٍ آخَرَ، إِلَّا لِأَنْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَسْمَعُوا شَيْئًا حَديثًا.] وكان اليهود دائما يطلون صنع المعجزات [فَقَالُوا لَهُ: «فَأَيَّةَ آيَةٍ تَصْنَعُ لِنَرَى وَنُؤْمِنَ بِكَ؟ مَاذَا تَعْمَلُ؟] (يوحنا 6: 30).

    وهنا يأتي الصدام بين فكر اليونانيين واليهود وبين روح الكتاب واعلان بولس الصرح في العدد 23 ولكننا نحن نكرز المسيح مصلوبة: اليهود عه ولليونانيين جمال!، فما يظنه اليهود في هذا الاعتقاد أنه عثرة هو أمر يعثرهم، واليونانيين يروه جماله لكنه ليس في ذاته كذلك وهنا يأتي تصريح بولس في العدد 25 أن هذا الفهم الذي يرون فيه ضعف هو اقوى من الناس ليس هذا ليس ضعفا في حد ذاته وكذلك الحكمة.

    يقول امبروسياستر: بقوله ” جماله الله ” يا يعني أن الله أحمق، بل أن منطق الله يوافق روحيات تخزي منطق البشر.، إنه أحكم من المنطق البشري، لأن ما هو روحي أحكم مما هو زمني، ما هو روحي ليس موجودا فيا هو زمني لكن العكس هو الصحيح، وما هو زمني يتهم بعلاقته بما هو روحي، كذلك السماوي أقوى من الأرضي وما يبدو أنه ضعفا في الله ليس ضعف أبدا، فالمسيح ظهر مهزومًا عند قتله، لكنه أظهر ظافرة فوقع تعيير مضطهديه عليهم.[3]

    يقول يوحنا ذهبي الفم: دهش بولس في فهمه كل شيء فقال ” أن جهالة الله احكم من الناس وضعف الله اقوى من الناس ” عن الصليب تحدث بولس فقال مستجهل ومستضعف في الظاهر لا في الكيان، فرد بولس على فرضيتهم فالفلاسفة يمنطقهم عجزوا عن فعل ما انجزته حماقتهم الظاهرية!، ماذا فعل افلاطون؟ وماذا فعل اتباعه في تمحيصهم في السطر أو الزاوية أو النقطة أو الأعداد المزدوجة أو الأحادية أو المساوية أو غير المساوية بعضها بعضًا، أو ما يسمى بالعنكبوت فهو غير نافع لحياة الإنسان أكثر من هذا النسيج، من دون نفع كبير أو صغير هنا، لذلك أنهى حياته فما أعظم ما عمله في سعيه أن يبين أن النفس خالدة! ووارى من دون أن يتكلم بدقة وأن يقنع السامعين، أما الصليب فكان مقنعًا على أيدي أميين، فأقنع المعمور بأسرة الا عن أمور حادثة بل بالتحدث عن الله ذاته، وبالتقي بحسب الله وبالسيرة الإنجيلية وبحكم المستقبلات، فجعل الجميع من فلاحين وعاميين، فلاسفة.[4]

    يقول سبنس جونس: أن الطريقة التي يعمل بها الله يعتبرها الناس حمقاء وضعيفة، لأنهم مع افتراضهم المتغطرس إلى أنفسهم كمقياس لكل الأشياء، لكن الله يحقق أفضل الغايات بوسائل متواضعة جدة، يتحالف انجيل المسيح من البداية ليس مع ما هو أروع وأقوي في العالم، لكن مع كل ما احتقره العالم من صيادين وعبيد وجامعي ضرائب ونساء.[5]

    يقول جونسون: “حماقة الله” شيء واحد الناس يسمونه حماقة، في المسيح المصلوب هناك حكمة أكبر مما كانت لدى جميع الفلاسفة، وعلى الرغم انه يبدو ضعف من الله أن يدع المسيح يُصلب، لكن المخلص المصلوب اقوى من كل قوة الناس، فإذا كان هذا حماقة وضعف من الله فهذا سيكون أكثر حكمة وقوة من الناس.[6]

    يقول بوب اوتلي: “ضعف الله أقوى من الناس “، هذا هو في الأساس تأكيد على عظمة الله التي لا تضاهى.. قد يشير الى فشل ظاهر لموت يسوع من وجهه نظر إنسانية بحتة (انظر 2 کو 13: 4) ولكنه في الواقع كان انتصارا للعواقب الأبدية.[7]

    تعليق NLT يقول: ما يعتبره العالم غير المؤمن جهالة وضعف – المسيح ورسالة الصليب – هو في الحقيقة أكثر حكمة وأقوى من أي شيء يقدمه العالم، إنه يحل أكبر مشكلة في العالم، مشكلة الخطيئة، ويتغلب على كل قوى الشر التي تعارض البشر.[8]

    يقول ف. ف. بروس: حماقة الله \ الصليب في كل ضعفه وحماقته عندما يقاس بالمعايير البشرية هو ذاته الذي قدمه الله معتبرا إياه قوته وحكمته، وكلاهما أكبر بشكل لا متناهي في القدرة على الادخار من الجهود التي يمكن لكل إنسان أن ينتجها.[9]

    يقول مارك بيلي: أن جهالة الله (انجيل الصليب) هو أكثر حكمة من الحكة الإنسانية و”ضعف الله) بحسب نظرة غير المؤمنين، هي أقوى من القوة البشرية، في هذه النصوص (1كو 1: 18-25) سعى بولس لرفع اهتمام الكورنثيين لرسالة الإنجيل من خلال إظهار تفوقها على أي شيء يمن ان يبتكره البشر من خلال تفكيرهم وفلسفتهم – ولذلك ينبغي عليهم أن يدروا مضمون الرسالة بدرجة أكبر من ” الحكمة ” الواضحة في انماط المسلمين لها.[10]

    يقول ماك أرثر: تظهر رسالة الصليب وكأن لا طائل منها ولا صلة لها بالعقل الطبيعي، لكن في الواقع هي قوة الله الأعظم وأكبر قدر من الحكمة.[11]

    يقول انجيلبريخت: “حماقة الله “تبدو طرق الله حماقة لأولئك الذين لا يفهمونها (أش 55: 8) “لأن أفكاري ليست كأفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب”.[12]

    يقول بروس بارتون: يوفر هذا النص مفتاح كلمات بولس الرسول في الأعداد 1-3، تبدو رسالة صليب المسيح من أجل خطية العالم حماقة لأولئك الغير مؤمنين، انهم يعتقدون انهم بحكمتهم الخاصة، يمكنهم ان يصلوا إلى الحقيقة المطلقة، أو أن يصنعوا لأنفسهم حياة أفضل، وبالرغم من ذلك فإنهم سوف يشعرون بخيبة أمل محزنة.. لا تعني كلمات بولس ان الله يمكن ان يكون جاهل أو ضعيف، لكنه يشير إلى أن الحكمة البشرية والقوة البشرية لا يمكن أن تقارن بالله، كيف يمكن لمثل هذا الفعل أن يكون لديه سلطة؟ ومع ذلك فإن هذه ” الحماقة ” أكثر حكمة من أي خطة بشرية كان من الممكن أن توضع، لأن بموت المسيح وحدة يأتي الخلاص، حتى الفعل الذي قد بدا أنه ضعفًا (إنسان يموت على الصليب) كان أقوى بكثير من أي قوة بشرية لأن المسيح يعود للحياة، يبدو أن الموت هو نهاية الطريق، لكن يسوع لم يبقى ميتة فقد أظهرت قيامته سلطانه على الموت، ومن خلال الشيء الذي بدا إنه ضعف قد أنجز المسيح ما لم ينجزه أي قدر من القوة البشرية، فإنه بموته قد خلص البشر من الموت الأبدي ومنحهم الحياة الأبدية.[13]

    يقول ليو هايدوك: ان تعبير “حماقة الله ” يعني ما يبدو أحمق للعالم في طرق الله، هو في الحقيقة أكثر حكمة، وما يبدو ضعف، هو في الحقيقة فوق كل قوة وفهم إنساني.[14]

    يقول دوايت هانت: الصليب يمثل حماية الله التي هي أكثر حكمة من حكمة الجنس البشري، كما يمثل الصليب ضعف الله، الذي هو أقوى من كل الجهود البشرية، أن ما انجزه الله من خلال موت المسيح على الصليب يتناقض مع المفاهيم الإنسانية للحكمة والقوة، لكنها في حقيقة الأمر تحقق ما فشلت حكمة وسلطة الإنسان تحقيقه (خلاص البشرية).[15]

    يقول تشارلز هودج: وهكذا يصبح الإنجيل فعالا، لأن أدنى مظهر للحكمة الإلهية يتجاوز اعلى ما يتم إنتاجه من حكمة الناس، وأقل ممارسة لقوة الله أكثر فاعلية من كل قوة البشر.[16]

    يقول ماكيفلي: هو يثبت أن المسيح (المصلوب) هو حكمة وقوة الله، فإن “حماقة الله ” أي ما يبدو أحمق فيه، ووفقا لأفكار غير اليهود هو ” احكم من الناس ” أي انه وصل لحكمة لا يستطيع الإنسان أن يحققها.[17]

    يقول ريتشارد أوستر: يقول بولس أنه في حين أن عمل الصليب قد يبدو حماقة للجنس البشري، فإن أكثر شيء أحمق فعله الله هو أكثر حكمة من أي حكمة بشرية، ومن المسلم به آن الصليب على الضعف إلى الموت، ولكن حتى أضعف عمل قد عمله الله أقوى من أقوى فعل تستطيع البشرية القيام به.[18]

    تفسير بليفرز يقول: في الواقع ليس هنا حماقة أو ضعف في الله، لكن الرسول بولس يقول في العدد 25 أن ما يبدو أنه حماقة من الله في نظر الناس هو في الحقيقة أحكم من الناس في أفضل حاله لهم، وما يبدو ضعفا الله في نظر الناس أقوى من أي شيء يستطيع أن ينتجه الناس.[19]

    نقطة لغوية:

    أنظر معي إلى تلك النصوص اليونانية من نفس الإصحاح الأول لرسالة كورنثوس الأولى عدد 18، 23، 21 بالتحديد كلمة ” جمالة ” الملونة باللون الأحمر.[20]

    18 Ὁ λόγος γὰρ ὁ τοῦ σταυροῦ τοῖς μὲν ἀπολλυμένοις μωρία ἐστίν, τοῖς δὲ σῳζομένοις ἡμῖν δύναμις θεοῦ ἐστιν.

    21 ἐπειδὴ γὰρ ἐν τῇ σοφίᾳ τοῦ θεοῦ οὐκ ἔγνω ὁ κόσμος διὰ τῆς σοφίας τὸν θεόν, εὐδόκησεν ὁ θεὸς διὰ τῆς μωρίας τοῦ κηρύγματος σῶσαι τοὺς πιστεύοντας·.

    23 ἡμεῖς δὲ κηρύσσομεν Χριστὸν ἐσταυρωμένον, Ἰουδαίοις μὲν σκάνδαλον, ἔθνεσιν δὲ μωρίαν,

    لكن أنظر كيف أستخدمها القديس بولس حينها تحدث عن الله في العدد 25

    25 ὅτι τὸ μωρὸν τοῦ θεοῦ σοφώτερον τῶν ἀνθρώπων ἐστὶν καὶ τὸ ἀσθενὲς τοῦ θεοῦ ἰσχυρότερον τῶν ἀνθρώπων.

    فهي أتت adjective nominative singular neuter ويقول ماكس زيرويك في تحليه النحوي للعهد الجديد:

    μωρός foolish, τὸ μ. what is (in the case of God = “seems”) foolish. σοφώτερον comp. of σοφός. ἀ-σθενής9 weak. ἰσχυρότερον comp. of ἰσχυρός strong.[21]

     

    فالنص لا ينسب “الجهالة” لله بل للفعل، أي أحد أفعال، أحد أعمال الله التي “تبدو” للناس إنها حاقة وليست هي بذاتها حاقة.

    يقول ماير: الشي الأحمق الذي يأتي من الله، أي ما يعمله الله والذي يبدو للناس أنه جمالة.[22]

    يقول ليون موريس: بولس لا يستخدم كلمة حماقةmōria  كما في الأعداد18، 21، 23 ولكنه يقول الشيء الأحمق mōron  أي الصليب، وكذلك ” الشيء الضعيف ” من الله أقوى من أي شيء يمكن أن ينتجه الإنسان.[23]

    يقول جوزيف فيتزمایر: بولس لا يستخدم كلمته المعتادة عن الحماقة هنا maria لكنه بالأحرى يستخدمها في صورة المحايد (neuter) المفرد (singular) للصفة moros (أحمق) كاسم لأنه يحاول ان يعبر عن ” حماقة الله “كما يحكم عليه غير المؤمنين.[24]

    ولكل هذا فقد وضعت بعض الترجمات ترجمة أدق للنص مثل:

    الترجمة العربية المشتركة: فما يبدو أنه حماقة بين اللي هو أحكم من محكمة الناس، وما يبدو أنه ضعف من ال هو أقوى من قوة الناس.

    ترجمة الأخبار السارة: فما يبدو أنه حماقة من الله هو أحكم من حكمة الناس، وما يبدو أنه ضعف من الله هو أقوى من قوة الناس.

    ففي نهاية كل هذا بالنسبة لهذه النقطة اتمنى أن أكون أوضحت كم هو سخيف هذا الادعاء الساذج عديم الفكر الصحيح والمفتقر لأبسط أدوات البحث، فيوجد العديد من ادوات البحث الأخرى بل ومراجع أخرى لم أسردها لمحبتي للإيجاز، وننتقل لنقطة أخرى أيضا مما قاله ابو عمر ” الباحث “.

    وأريد ختاما في هذه النقطة ان اكرر ما قاله Hermann Olshausen إذ يقول: “من المؤكد أن بولس لم يكن ينوي تطبيق هذه المفاهيم على الكينونة الإلهية ذاتها”[25]

    يقول أبو عمر” الباحث “:

    يسوع يقول الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتية في ملكوته». يسوع بيقول ان فيه ناس من اللي واقفين معايا هنا، قبل ما يموتوا هكون أنا جيت في ملكوتي، النص واضح ومعناه واضح وتفسيره واضح، طبعة الناس اللي كانوا واقفين معاه ماتوا وما بعدهم ماتوا ومابعدهم … الخ، ولغاية النهاردة بعد 2000 سنة يسوع لم يأتي في ملكوته

    فعلا النص واضح ومعناه واضح وتفسيره واضح!، يظن أبو عمر ” الباحث ” أن المسيح يتكلم هنا في هذا النص عن مجيء المسيح يوم الدينونة! وبالطبع المسيح يقول ان تلاميذه لم يذوقوا الموت حتى يروه أتيا في ملكوته وإلى الآن لم يأتي والتلاميذ قد ماتوا جميعا، إذن يسوع كذب إذن يسوع ليس هو الله!!

    إن فِهم هذا النص بكون المسيح يشير إلى الدينونة هو أمر غريب في ضوء أن قوم من الحاضرين مع يسوع في نفس المكان، سيشهدونه آتيا إليهم. وهذا يخلق سؤالا، فإن كان يسوع يتحدث عن المجيء الأخير والدينونة العالمية فلماذا إذن يحدد قوما من الحاضرين دون الجميع أنهم سيرونها؟ فحينما سيأتي المسيح في يوم الدينونة سيراه العالم بأسره، سواء الذين ماتوا أو الذين لم يموتوا بعد، وهذا واضح جدا في كلام المسيح. لكن الرب يسوع المسيح هنا لا يتحدث عن هذا النوع من المجيء الأخير، بل يتحدث عن إعلان ملكوته بشكل خاص لتلاميذه فقط، باعتبار أن تلاميذه كانوا الخُدام والمبشرين بملكوت المسيح على الأرض وفي السماء.

    فعندما تحدث المسيح عن المجيء الأخير يذكر أمور مثل مجيئه في مجد أبيه وأن كل البشر سيرونه وينوحون عليه وأنه سيجازي كل واحد كعمله (ع 27) لكنه وعد بأمر أخر في (28) لم يذكر فيه أنه سيأتي فيه في مجد أبيه ومع ملائكته لمجازاة كل فرد حسب أعماله، وقد حدث ما وعد به في حادثة التجلي على الجبل حيث كان معه يعقوب وبطرس ويوحنا:

    1 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ. ٢ وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَٱلنُّورِ. ٣ وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. (متى 17: 1-3)

    وقد تحدث بذلك بطرس الرسل مفسرا حادثة التجلي:

    ١٦ لِأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. ١٧ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ ٱللهِ ٱلْآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهَذَا مِنَ ٱلْمَجْدِ ٱلْأَسْنَى: «هَذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ». ١٨ وَنَحْنُ سَمِعْنَا هَذَا ٱلصَّوْتَ مُقْبِلًا مِنَ ٱلسَّمَاءِ، إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي ٱلْجَبَلِ ٱلْمُقَدَّسِ. (2بط 1: 16-18)

    يعلق أولبرايت على ما ورد في رسالة الرسول بطرس قائلا: أن 2بط 16-18: 1 ليس من دون جدوى هنا فمن الواضح تماما ان كاتب الرسالة يرى التجلي انه تحقيقا لقول يسوع في هذا النص.[26]

    هناك بعض الآراء الأخرى، لكن الرأي الأكثر أهمية والمرجح عند غالبية العلماء هو التفسير الذي ذكرناه، أما التفسيران الآخران:

    • أن النص يشير إلى حلول الروح القدس في يوم الخمسين وهو كان يوم تأسيس الكنيسة ونجاح رسالة الإنجيل حيث قد آمن أكثر من ثلاث ألاف نفس في ذلك اليوم، حيث يكون هذه اشارة واضحة أن ملكوت المسيح قد أتى.
    • أن النص يشير الى حادثة خراب أورشليم الذي حدث بعد هذا بنحو أربعين عام باعتباره إشارة للدينونة الأخيرة، ورفض شعب إسرائيل.

    ويعتبِر الكثيرون ان التفسير الأكثر ترجيحا هو التفسير الأول ولكن لا يوجد أي إشكال كان في التفسيرين الآخرين، فأبعد تفسير من الناحية الزمنية هو حادث خراب أورشليم الذي حدث سنة 70 ميلادية وعلى أقل تقدير كان يوحنا معاصر بالفعل لهذا الحدث، ولكن التفسير المرجح جدا هو الأول.

    يقول متى هنري: كان ملكوته قريبًا حتى إنه اعطى للبعض ممن كانوا معه أن يعيشوا حتى يروه، وفي نهاية الزمان سوف يأتي في مجد أبيه أما الأن – في ملء الزمان – فمن المفروض أنه يأتي في ملكوته كالوسيط والمخلص، ولقد أعطى مثالًا بسيطًا لمجده بعد هذا بأيام قليلة، وذلك في تجليه (متى 17: 1) لقد كان الرسل هم الأداة المستخدمة في إقامة ملكوت المسيح على الرغم مما واجهوه من معارضة شديدة، إنها لتعزية عظيمة للقديسين المتألمين أن يتأكدوا ليس فقط من ناحية سلامة ملكوت المسيح بين الناس بل من ناحية تقدمه أيضأ، ليس فقط على الرغم ألامهم، بل بواسطة هذه الألآم، وسوف يتم هذا قريبا في الجيل الحاضر، وكلما اقترب خلاص الكنيسة، زاد ابتهاجنا في آلامنا من أجل المسيح، وإنه امتياز لأولئك الذين يحيون في هذا الزمن الحاضر المكفهر أنهم يرون أيام أفضل.[27]

    يقول الدكتور وليم إدي: فالمراد أنه يظهر في مدة حياة بعض الحاضرين أدلة قاطعة على انه تأسس على الأرض والملكوت الذي أنبأ به الأنبياء والمسيح نفسه، وفي أمر هذا الاتيان هناك ثلاثة أراء.

    الأول: أنه تجلي المسيح الذي حدث بعد ذلك بستة أيام وكان هذا التجلي عربون مجيئه الثاني ولمعة المجد الذي سيظهر في وقتيه، ويوافق هذا الرأي قول بطرس الرسول وهو يشير إلى التجلي (2بط 1: 16)

    الثاني: حلول الروح القدس يوم الخمسين وتتصير ثلاثة ألاف من اليهود وتأسيس الكنيسة المسيحية وقتئذ ونجاح الإنجيل على أثر ذلك وهذا كله دلالة واضحة على أنه قد أتي الملكوت الجديد وان المسيح مارس وظيفته باعتبار كونه ملكًا روحية.

    الثالث: خراب اورشليم الذي حدث بعد هذا بنحو أربعين سنة فان الخراب كان نهاية كل ما يتعلق بالنظام الموسوي ورمزا إلى مجيئه في اليوم الأخير لخراب العالم

    ولسنا مجبرين على ان نقصر معنى المسيح على رأي واحد من هؤلاء الآراء الثلاثة بل لنا ان نطلق عليها جميعا لأن الثلاثة من الرسل شاهدوا التجلي وكلهم سوى واحد شاهدوا حوادث يوم الخمسين، وواحد منهم على الأقل أي التلميذ المحبوب قد عاش بعد خراب أورشليم وشاهد انتشار الإنجيل في أسيا وبلاد اليونان ورومية وأكثر المسكونة المعروفة في ذلك الوقت.[28]

    الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: مجي ابن الإنسان في ملكوته قد يقصد به تجليه على الجبل أمام تلاميذه الثلاث: بطرس ويعقوب ويوحنا. وقد يكون المقصود انتشار الإيمان بالمسيح وملكه على القلوب في بلاد العالم المختلفة وهذا قد عاينه كثير من التلاميذ الذين عاشوا مدة طويلة، مثل يوحنا الحبيب الذي عاش إلى قرب نهاية القرن الأول.[29]

    يقول بنيامين بنكرتن: انه في قوله هذا يشير، بلا شك، إلى التجلي. يدل على ذلك:

    أولًا: تفسير بطرس الرسول الحادثة التجلي حيث يسميه «قوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه». (بطرس الثانية 1: 16-17).

    ثانيًا: نرى الرب نفسه غير ألفاظ كلامه لأنه لما تكلم عن مجيئه ثانية قال انه سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب أعماله» ثم عاد ونطق بحقيقة أخرى استثنائية لأجل تثبيت إيمان بعض تلاميذه وقال «إن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيا في ملكوته» ولم يذكر هنا شيئا عن مجد أبيه وملائكته ومجازاته كل واحد حسب أعماله فإن هذه إنما تتعلق بمجيئه فعلا. وسنرى بأي وجه كان التجلي صورة لإتيانه في ملكوته.

    ثالثا: قوله إن «قوما لا يذوقون الموت حتى الخ» أي لا يموتون (انظر لوقا 2: 26) ولا يفيد شيئا عن طول أعمارهم بل يفيد فقط حقيقة الأمر وهي أنهم لا بد أن يروا ما أشار إليه الرب قبل موتهم. شاء الله أن يريهم إياه بعد ذلك بوقت وجيز ولكن ذلك لا يخل بما قال الرب فإنه لم يقل عن وقت طويل أو قصير بل إنما صرح أن قوما منهم لا يموتون حتى يروا ابن الإنسان أنا في ملكوته.

    رابعًا: لم يرد ذكر حادثة أخرى يمكن أن يتم فيها قول الرب هذا سوى التجلي فقط فإنه إن قيل إنه أشار إلى حلول الروح القدس يوم الخمسين قلنا، أن جميع التلاميذ عدا يهوذا كانوا موجودين أحياء. وإن قيل إنه تم بخراب أورشليم قلنا، إنه لم يكن أحدهم حيا سوى الرسول يوحنا ولا يفوتنا أيضا أن ما ذكر في (إصحاح 17 إلخ؛ مرقس 9 إلخ؛ لوقا 9: 27 إلخ) بعد وعد الرب مباشرة هو حادث التجلي فلم يعد مفر من التسليم بأنه هو المقصود في وعد الرب.[30]

    التفسير التطبيقي: حيث أن جميع التلاميذ ماتوا قبل مجيء المسيح ثانية، فإن الكثيرين يعتقدون أن كلمات المسيح هذه قد تمت في التجلي حينما شاهد بطرس ويعقوب ويوحنا مجده (متي 1-3: 17) ويقول أخرون إنها تشير إلى يوم الخمسين (أعمال 2) وبداية كنيسة المسيح، وفي كلتا الحالتين، كان بعض التلاميذ شهود عيان لقوة ملكوت المسيح ومجده.[31]

    يقول الأب متى المسكين: يقصد بطرس ويعقوب ويوحنا الذين أخذهم المسيح وصعد بهم جبل التجلي، الأمر الذي بهر ق بطرس وظل يتغنى به كل أيام حياته ولا يزال [١٦ لِأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. ١٧ لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ ٱللهِ ٱلْآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهَذَا مِنَ ٱلْمَجْدِ ٱلْأَسْنَى: «هَذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ». ١٨ وَنَحْنُ سَمِعْنَا هَذَا ٱلصَّوْتَ مُقْبِلًا مِنَ ٱلسَّمَاءِ، إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي ٱلْجَبَلِ ٱلْمُقَدَّسِ.] (2بط 1: 16-18).

    كانت رحلة المسيح مع تلاميذه الثلاثة إلى جبل حرمون، وهو المتاخم لقيصرية فيلبس، وحدوث التجلي الذي جازه المسيح واستعلان مجده بالعين الناظرة أمرأ مذهلا للتلاميذ، رفع معنوياتهم إلى القمة بعد زلة بطرس بسبب رعبته من فكرة موت المسيح، وهكذا انقلب اليأس الذي فيه إلى بأس أسد يحكي عن تجربته الإلهية على جبل التجلي واثقة من المجد الذي للمسيح!

    ويعترض الكثير من العلماء على حادثة التجلي أن تؤخذ بمفهوم مجيء المسيح في ملكوته، والغلطة التي عثروا فيها أنهم أضافوا الآية (27) إلى الآية (28) بمعنى سيجيئ المسيح للدينونة، ولكن فر رأينا أن الآية الثانية (28) هي مصغرة من الآية الأولى حيث يكون المجيء مجرد استعلان كيف سيجيئ في مجده ولكن ليس للدينونة، والذي يكشف مدى صحة هذا الرأي انه قال “من القيام ها هنا” وليس التلاميذ كلهم هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فإن مجيئه للدينونة سيراه الكل بلا استثناء، أما مجيئه الأن كنموذج في ” التجلي “، فهو جزئي وموقوت في حياة التلاميذ وليس بعد موتهم، لهذا أصبح التجلي الذي حدث بعد ذلك مباشرة هو الحدث الوحيد الذي أشار إليه المسيح، ليؤكد لبعض التلاميذ صدق مجيئه في النهاية بذات المجد للدينونة، ومن شهادة بطرس التي سردناها يتضح مدى انبهار ق: بطرس بالتجلي وشهادته عن قوة وعظمة المسيح التي تحققت له في التجلي “قوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه … كنا معاينين عظمته … أخذ من الله الأب كرامة ومجدًا إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى ” كل هذا يحقق أن التجلي كان صورة للمجيء للدينونة.[32]

    يقول جون والفورد: وقد أدى الحديث عن عودته (عودة المسيح) إلى قول إن بعض التلاميذ الواقفين معه سيسمح يسوع لهم بمشاهده ملكوته الآتي قبل أن يموتوا، وقد تسبب هذا التصريح في سوء فهم لمفهوم ” ملكوته “، لأنهم يتساءلون كيف التلاميذ رأوا الرب آتي في ملكوته؟، تم العثور على تفسير ذلك في حدث التجلي الوارد في (متى 17: 1- 8)[33]

    يقول بوب اوتلي: هذا نص صعب التفسير: في السياق يبدو انه يشير إلى المجيء الثاني، لكن متى الذي كتب بعد اربعين عام بعد موت يسوع قد أدرك أن هذا غير صحيح، يمكن أن يشير هذا النص إلى، 1. صعود يسوع، 2. ملكوته الذي كان موجود بالفعل فيه، 3. المجيء الثاني، 4. حلول الروح القدس في العنصرة، 5. تدمير القدس سنة 70 ميلادي، 6. حادثة التجلي، وبسبب سياق الإصحاح 17 يكون الخيار السادس هو الأفضل.[34]

    يقول التفسير الأفريقي للكتاب المقدس: قد يشير إلى التجلي الذي يلي هذا الحدث على الفور الذي حدث على الجبل، وبدلا من ذلك، قد يكون يشير لقيامة يسوع او عيد العنصرة وانتشار الكنيسة الواضح في سفر أعمال الرسل ولك ربما يكون من الأفضل عدم رؤية هذا القول انه يشير إلى حدث واحد بعينه لكن هو على الأرجح يغطي مظاهر مجد المسيح وسلطته التي تظهر من خلال رسله.[35]

    يقول فليمنج: ربما وعد يسوع كان إشارة إلى انتصار الكنيسة في توسعها وانتشارها بعد قيامة وصعود يسوع.[36]

    يقول روبرت هوبر: هناك تفسيران رئيسيان لهذا النص. 1: انه تنبؤ لحادثة التجلي الذي حدث بعد أسبوع (متى 17: 1) والذي أثبت أن يسوع سيعود في مجد أبيه (متى 16: 27) يشير النص إلى يوم العنصرة والانتشار السريع للإنجيل الواضح في سفر أعمال الرسل ويبدو أن السياق يرجح التفسير الأول، فقد تلقى التلاميذ لمحة عن ماهية مجيء المسيح.[37]

    يقول تعليق ESV: تم تفسير هذا الحدث المُتنبأ به بشكل مختلف على أنه يشير إلى 1: تجلي يسوع، 2: قيامته، 3: حلول الروح القدس يوم العنصرة، 4: ملكوت المسيح سيكون من خلال الوعظ في الزمن المبكر للكنيسة، 5: تدمير القدس سنة 70، 6: المجي الثاني، يبدو أن السياق المباشر يشير إلى النظرة الأولى (التجلي)، الذي يلي النبوءة بشكل مباشر (مرقس 9: 2-10، لوقا 9: 28 – 36) هناك بعض التلاميذ رأوا ما سيكون عليه المسيح حينما يأتي في مجده هذا التفسير مدعوم أيضا في (2بط 1: 16- 18) حيث ” يعادل ” بطرس مجد يسوع مع تجليه على الجبل، بطرس الذي كان شاهد عيان للك، لكن في نفس الوقت التفسيرات 2، 3، 4 هي أيضأ ممكنة تماما.[38]

    يتحدث ماكإيفلي عن تفسير النص هو حادث التجلي فيقول: أن هذا الرأي هو الأكثر شيوعا (التجلي) والذي شهده بعض الحاضرين (بطرس ويعقوب ويوحنا) كان هذا مظهر رائع ومظهر لمجيء المسيح الدينونة، يأخذ هذا التفسير احتمالية كبيرة، من حقيقة اولئك الإنجيلين الذين يسجلون تاريخ تجلي ربنا على الفور بما يتفق مع كلمات هذا النص وبالتالي يشيروا لها ولتحقيقها.[39]

    يرجح أرثر سلومان انها إشارة لخراب القدس اذ يقول: من الأفضل أن يكون النص يشير الى خراب القدس الحادث عام 70 عندما أصبح من الواضح انه لا يوجد أي مسيح أخر وأن مملكة المسيح تم تأسيسها ورسوخها لكي تستمر حتى اليوم الأخير.[40]

    يقول هالیر: (بعدما عرض الآراء الأخرى مثل حادث الخراب وغيره) من الأفضل ربط هذا القول بما يلي مباشرة، الا وهو التجلي (1-13: 17) في التجلي كان يسوع شخصيا وجسدية موجودة بشكل واضح في صورة المجد العظيم الذي سيظهره يوما ما، قد أشار بطرس في وقت لاحق إلى هذا الحدث بأنه ” قوة يسوع ومجيئه ” (2بط 1: 16).[41]

    يقول تعليق KJV: تسبب النص 28 في الكثير من الصعوبات وسوء الفهم الذي لا داعي له، قد ينظر إلى تحقيقها في التجلي يلي هذا على الفور، وهي المناسبة التي يؤكد فيها بطرس الرسول ان التلاميذ الثلاثة رأوا مجيء المسيح (2بط 1: 16).[42]

    يقول ماك أرثر: أن كل الأناجيل الثلاثة (الأناجيل الإزائية متى ومرقس ولوقا) تضع الوعد الوارد هنا في العدد 28 قبل التجلي (مرقس 9: 1 – 8، لوقا 9: 27 – 36)، وعلاوة على ذلك يمكن ترجمة كلمة Kingdom الى Royal Splendor لذلك يبدو من الطبيعي أن يفسر الوعد كإشارة إلى التجلي الذي سيشده بعض تلاميذ يسوع (بطرس ويعقوب ويوحنا) بعد ستة أيام فقط.[43]

    قدم جرانت سبورن أراء متنوعة يتفق فيها علماء وأباء اوائل ويقول بعد ذلك: هذا عدد محير من الاحتمالات والحل الوحيد هو ان ندع السياق هو يرشدنا … ومن الأفضل بالتأكيد أن نرى مزيجا من الآراء ربما يكون تفسير النص هو (التجلي والقيامة (سينور) أو القيامة والمجيء (ديفيس وأليسون) أو القيامة وعيد العنصرة ورسالة الكنيسة (كارسون وموريس) أو الصلب والأحداث التي تلت ذلك (نولاند)، ومع ذلك يجب إضافة حدث التجلي بإعتباره الحدث الاستباقي للأحداث التي تظهر بعد ذلك القوة والمجد لإبن الإنسان الآتي، وهي بحد ذاتها فكرًا للمجيء الثاني.[44]

    يقول روبرت مونس: من بين الأطروحات المختلفة التي تم طرحها يبدو أن هناك اثنان أكثر قبولا 1. هو أن يسوع سيتجلى قبل فترة وجيزة أمام بطرس ويعقوب ويوحنا (مت 1-9:17) 2. إن يسوع يتحدث عن مملكة المسيح من خلال كنيسته، ومن الممكن أيضا أن يشير النص 27 إلى ال Parousia (مجيء المسيح الأخير) ويتحدث النص 28 عن القيامة كإعلان مباشر للبنوة الإلهية (رومية 1: 4) ” وعن ابن اللي بقوة من جهة روح القداسة القيامة من الأموات: يسوع المسيح ربنا”.[45]

    يعرض إيرل راداماشر الأشياء التي بها يتم ترجيح أن الذي يفسر النص هو حادث التجلي فيقول: 1. آن بطرس يقوم بتفسير ذلك في 2بط 16-18: 1ن 2. الأناجيل الإزائية الثلاثة تضع التجلي فورًا بعد التنبؤ، 3. لم يرى جميع الرسل التجلي بل من شاهده هو بطرس ويعقوب ويوحنا.[46]

    يقول نورمان جيسلر: هذه مسألة متى سيحدث هذا وليس ما إذا كان سيحدث، هناك ثلاثة حلول ممكنة:

    أولا: اقترح البعض أن هذا قد يكون إشارة الى عيد العنصرة حيث حلول الروح القدس على الرسل (يوحنا 14: 26) وعد يسوع بإرسال الروح القدس، وفي بداية اعمال الرسل (1: 4-8) وقال لهم أن لا يتركوا القدس بل ينتظروا الروح القدس، ولكن يبدوا أن هذا لا يناسب وصف رؤية المسيح أتيا في ملكوته.

    ثانيا: يعتقد البعض أن هذا قد يكون اشارة الى تدمير القدس سنة 70 هذا يعني انه سيأتي لإصدار حكم على المدينة التي رفضته وصلبته في حين أن هذا التفسير محتمل، لكنه لا يبدو انه يفسر حقيقة أن يسوع سيأتي إلى المؤمنين (اولئك الواقفون معه).

    ثالثا: هذا التفسير هو الأكثر منطقية، وهو أن هذا هو إشارة إلى ظهور المسيح في مجده على جبل التجلي الذي يبدأ في (متى 17: 1) هنا يظهر السيد المسيح حرفية في شكل التمجيد، وبعض رسله شاهدوا هذا، أي بطرس ويعقوب ويوحنا، بالطبع هذه الحادثة مجرد نموذج لمجيئه الثاني عندما يراه جميع المؤمنين في السلطة والمجد والعظمة (راجع: أعمال 1: 11؛ رؤيا 1: 7)[47]

    وهكذا هو الحال فيوجد بعض الآراء في هذا النص ولكن لا يوجد ما يظنه هذا “الباحث“!![48] ففي نهاية ما عرضناه فهذا النص يختلف تماما عن مفهوم مجيء المسيح للدينونة حينما يأتي في مجدد ابيه وأريد أن أكرر ما قاله اليكساندر ماكلارين “من الواضح أنه يتميز عن مجيئه في مجد أبيه”[49]

    عقل أبو عمر” الباحث ” ليس له حل

    حاول أبو عمر التركيز على تلك العبارة من تفسير الأب متى المسكين، لإنجيل متى الأصحاح العاشر العدد الثالث والعشرين:

    شرح هذه الآية أخذ من العلماء كل مأخذ، وأعلنوا أن حل هذه المعضلة غائب تماما من أمام عيونهم وهذا صحيح للغاية، لأنه لا يوجد لها حل.

    فاستشهاد أبو عمر بهذه الجملة كان لسبب أن يدعي أن الأب متى المسكين نفسه يدعي أن هذه المشكلة ليست لها حل أبدًا، وبالتالي فلا داعي أيها المسيحيين من محاولة تفسيرها أو الرد على كلامه! في حين أن بقية كلام الأب متى المسكين يوضح تمامًا قصده الحقيقي الذي لا يستطيع هذا “الباحث” أن يفهمه، بل لم يستطع هذا الباحث ان يكمل القراءة ليكون حتى “قارئ”، فضلا عن أن يكون باحثًا.

     

    فيقول الأب متى المسكين:

    إذ أن المسيح سبق وحد أن مجيئه لا يمكن أن يحسب حسابه زمنيا، أو على حوادث زمنية أو في محيط قدرة الإنسان في قياسات الأزمنة والأوقات وتحديد مجيئه بأي حال من الأحوال. والواقع الذي يتكلم أمام أعيننا اليوم هو أن مدن إسرائيل، ربما كلها، أبعد ما يسكن كن حتى البدء بأن تقبل كارزين باسم المسيح فإسرائيل تحت اللعنة إلى اليوم، ولم يحدث أن عبر الرسل كل منها في أيام المسيح ولا بعده وحتى اليوم. إذن فقول المسيح هنا هو حادق وسيستمر صادقا حتى يجيء المسيح ليعلن أن إسرائيل لا تزال بعيدة عن الإيمان. لأن وعد المسيح هو أن مجيئه يتعلق برفض كل مدن إسرائيل له وليس قبوله، وهي إلى الآن لا رفضته ولا قبلته. ويبدو أن إسرائيل نصيبا في مجي: ابن الإنسان حيث يرفع عنها اللعن لتقبله في يوم واحد

    “من سمع مثل هذا من رأى مثل هذه؟ هل تمخض بلاد في يوم واحد. أو تولد أمة دفعة واحدة؟ فقد مخضت صهيون بل ولدت بنيها. هل أنا أمخض ولا أول يقول الرب أو أنا المولد هل أغلق الرحم قال إليك؟ افرحوا مع أورشليم وابتهجوا معها يا جميع محبيها. افرحوا معها فرحا يا جميع النائحين عليها لكي ترضعوا وتشبعوا من ثدي تعزياتها، لكي تعصروا وتتلذذوا من درة (ضرع) مجدها لأنه هكذا قال الرب هأنذا أدير عليها سلاما كنهر ومجد الأمم كسيل جارف …” (أش 66: 8 – 12)

    وهكذا نرى مع العالم جوندري أن بقية مدن إسرائيل ستنتظر خلاصها إلى أن يجيء المسيح حقا، ونحن نضيف أيضا: الم يقل بولس الرسول: «البقية ستخلص» (رو 9: 27) وما هذه البقية إلا تعبيرا عن بقية المدن وبقية الشعب وبقية اليهود في العالم!!

    فما يقصده الأب متى المسكين هو أنه بحسب نهج معين ستكون هناك معضلة تفسيرية والحل الذي هو يراه صحيح غائب عن عيون العلماء، هل معنى انه غائب عن عيونهم أن المشكلة ليس لها حل!؟ أم أن الحل موجودة وغائب عن عيونهم؟ فالأب متى المسكين كمفسر يتفق ويختلف مع اراء الباحثين والعلماء، وتعبير العلماء لا يعني “الإجماع” كما ظن وقال أبو عمر “الباحث”، لأن الأب متى بنفسه قدَّم ما قاله العالم جوندري بالإضافة له هو شخصيًا، حيث يقول عنه أبو عمر شهادة لا قيمة لها [أن الأب متى المسكين أحد أكبر علماء الكنيسة الأرثوذكسية] بل وإننا من الممكن أن نغرقه في بحر من المراجع وأقوال العلماء التي تتفق مع رأي الأب متى المسكين وأراء أخرى. فكيف يكون اجماع؟، ولكن سأكتفي بما قاله الأب متى المسكين نفسه إذ أن ما يأتي به هذا “الباحث” هو نفسه ما يدينه، فهل يستطيع هذا الذي يلقب نفسه باحثًا أن يقدم أي نقد لما قاله الأب متى المسكين والذي يثبت كما قال الأب متى ذاته، أن قول المسيح هنا هو صادق وسيستمر صادق؟ فكفاك كسل في إعمال عقلك ايها ” الباحث “!!

    إلى هنا أعاننا الرب

    [1] Keener, C. S., & InterVarsity Press. The IVP Bible background commentary: New Testament (1 Co 1:18-25). Downers Grove, Ill.: InterVarsity Press.

    [2] Ibid.

    [3] CSEL 81.3:17.

    [4] NPNF 1 12:19.

    [5] The Pulpit Commentary: 1 Corinthians. 2004 (H. D. M. Spence-Jones, Ed.), p, 8

    [6] Johnson, B. W. The people’s New Testament: With explanatory notes, p, 80.

    [7] Utley, R. J. D. Vol. Volume 6: Paul’s Letters to a Troubled Church: I and II Corinthians. Study Guide Commentary Series, p, 24.

    [8] New Living Translation Study Bible. 2008 (1 Co 1:25). Carol Stream, IL: Tyndale House Publishers, Inc.

    [9] Bruce, F. F. New International Bible commentary. “Formerly titled New international Bible commentary and The international Bible commentary”-T.p. verso.,P, 1352

    [10] Bailey, M., Constable, T., Swindoll, C. R., & Zuck, R. B. Nelson’s New Testament Survey: Discover the Background, Theology and Meaning of Every Book in the New Testament, P, 298.

    [11] MacArthur, J. (2006). The MacArthur study Bible: New American Standard Bible. (1 Co 1:24). Nashville: Thomas Nelson Publishers.

    [12] Engelbrecht, E. A. (2009). The Lutheran Study Bible, P, 1948.

    [13] Barton, B. B., & Osborne, G. R. 1 & 2 Corinthians. Life application Bible commentary, P, 33.

    [14] Haydock, G. L. Haydock’s Catholic Bible Commentary (1 Co 1:22-25). New York: Edward Dunigan and Brother.

    [15] Hunt, D. L. (2010). The First Epistle of Paul the Apostle to the Corinthians. In R. N. Wilkin (Ed.), The Grace New Testament Commentary (R. N. Wilkin, Ed.), P, 716

    [16] Hodge, C. (2009). An exposition of the First epistle to the Corinthians, P 24.

    [17] MacEvilly, J. An Exposition of the Epistles of St. Paul and of the Catholic Epistles, Volume 1, P, 152

    [18] Oster, R. 1 Corinthians. The College Press NIV commentary (1 Co 1:25). Joplin, Mo.: College Press Pub. Co.

    [19] MacDonald, W., & Farstad, A. Believer’s Bible Commentary: Old and New Testaments (1 Co 1:25). Nashville: Thomas Nelson.

    [20] Aland, K., Black, M., Martini, C. M., Metzger, B. M., Robinson, M., & Wikgren, A. (1993; 2006). The Greek New Testament, Fourth Revised Edition (with Morphology) (1 Co 1:18-25). Deutsche Bibelgesellschaft.

    comp. comparative; comparison (in “gen. of comp.”)

    9 adjectives masc. & fem. ending in -ης, neut. -ες

    [21]Zerwick, M., & Grosvenor, M. (1974). A grammatical analysis of the Greek New Testament. Originally published under title: Analysis philologica Novi Testamenti Graeci; translated, revised and adapted by Mary Grosvenor in collaboration with the author. (500). Rome: Biblical Institute Press.

    [22] Meyer, H. A. W. Critical and Exegetical Handbook to the Epistles to the Corinthians, Volume 1, p, 45

    [23] Morris, L. Vol. 7: 1 Corinthians: An introduction and commentary. Cover: 1 Corinthians. Tyndale New Testament Commentaries, p, 52

    [24] Fitzmyer, J. A., S.J. (2008). First Corinthians: A New Translation with Introduction and Commentary, p, 161.

    [25] Olshausen, H., Ebrard, J. H. A., & Wiesinger, A. Biblical Commentary on the New Testament by Dr. Hermann Olshausen, Volumes 1-6 (A. C. Kendrick & D. Fosdick, Jr, Trans.), 4:217

    [26] Albright, W. F., & Mann, C. S. (2008). Matthew: Introduction, translation, and notes, p, 201.

    [27] تفسير متى هنري، التفسير الكامل للكتاب المقدس، الجزء الأول، مطبوعات إيجلز ص 168

    [28] ويليم إدي، الكنز الجليل في تفسير الإنجيل، الجزء الأول شرح بشارة يوحنا، مجمع الكنائس في الشرق الأدنى، صـ282.

    [29] مجموعة من كهنة وخدام الكنيسة، الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد، شرح لك أيه، الجزء الأول الطبعة الأولى، ص 172.

    [30] https://www.baytallah.com/Bible_commentary/Matthew_BP/matthewpenkartin16.htm

    [31] التفسير التطبيقي للكتاب المقدس، صـ 1927.

    [32] الأب متى المسكين، الإنجيل بحسب القديس متى دراسة وتفسير وشرح، الطبعة الأولى، صـ 491، 492.

    [33] Walvoord, J. F., Zuck, R. B., & Dallas Theological Seminary. The Bible knowledge commentary: An exposition of the scriptures, 2: p,59.

    [34] Utley, R. J. D. (2000). Vol. Volume 9: The First Christian Primer: Matthew. Study Guide Commentary Series, p, 142

    [35] Adeyemo, T. (2006). Africa Bible commentary, p, 1170.

    [36] Fleming, D. C. Concise Bible commentary. Also published under title: The AMG concise Bible commentary, p, 426

    [37] Hoeber, R. G. (1997, c1986). Concordia self-study Bible. “Lutheran edition of the NIV study Bible” –Foreword. (electronic ed.) (Mt 16:28 \ 2pe 1:16). St. Louis: Concordia Pub. House.’

    [38] 9Crossway Bibles. (2008). The ESV Study Bible, p, 1856.

    [39] MacEvilly, J. An Exposition of the Gospels of Matthew and Mark, p, 300.

    [40] Sloman, A., Westcott, B. F., & Hort, F. J. A. The gospel according to St Matthew: Being the Greek text. Includes indexes, p, 113.

    [41] Haller, H. M., Jr. (2010). The Gospel according to Matthew. In R. N. Wilkin (Ed.), The Grace New Testament Commentary (R. N. Wilkin, Ed.), p, 77.

    [42] KJV Bible commentary. 1997, c 1994, p, 1928.

    [43] MacArthur, J. J. (1997, c1997). The MacArthur Study Bible (electronic ed.) (Mt 16:28). Nashville: Word Pub.

    [44] Osborne, G. R. (2010). Matthew, p, 639

    [45] Mounce, R. H. New International Biblical Commentary: Matthew, p, 165.

    [46] Radmacher, E. D., Allen, R. B., & House, H. W. (1999). Nelson’s new illustrated Bible commentary (Mt 16:28). Nashville: T. Nelson Publishers.

    [47] Geisler, N. L., & Howe, T. A When critics ask: A popular handbook on Bible difficulties, p, 349.

    [48] ربما في وقت لاحق إن أراد الله أن أفرد لهذا النص ملفا كاملا يكون حاصرة لجميع الآراء والنظريات وكيف تم التعامل معها، كمثال على ذلك قد اقترح سبورجون وأيضا ستوارت وابر المعني البسيط للنص لكن هنري ألفورد رفض هذا المعنى البسيط الذي مفاده أن يكون المسيح أرد أن يقول ان هناك من لم يتذوقوا عذاب وطعم مرارة الموت حتى يأتي في ملكوته بمعنى انهم لم يتذوقوا الموت أبدا

    أو مثلا ما هو ما استند عليه كلا الرأيين المرجحين لأن النص يشير الى التجلي والى خراب القدس البعض منهم يرفضوا ان يكون تفسير النص هو حدث التجلي على ماذا استندوا وهل ما قالوه صحيح منطقيا؟ لكننا في هذه المقالة لا نرى مشكلة في هذه الاختلافات في الرأي حيث أن الآراء التي عرضناها والتي لم تعرضها (مثل أن النص يشير للخالدين ايليا وموسى!) بالنسبة لما نتعامل معه من أطروحة ساذجة من هذا ” الباحث ” الذي يسأل أسئلة “ظريفة خفيفة ” حقا عجبي

    [49] Maclaren, A. (2008; 2008). Expositions of Holy Scripture (Mt 16:28). Heritage Educational Systems.

    الرد على شيخ: جهالة الله ، ضعف الله ، من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتية في ملكوته

  • دخول يسوع إلى الهيكل وطرد الصيارفة أم لعن شجرة التين ، أيهما حدث أولاً؟ – الرد على أبي عمر الباحث

    دخول يسوع إلى الهيكل وطرد الصيارفة أم لعن شجرة التين ، أيهما حدث أولاً؟ – الرد على أبي عمر الباحث

    دخول يسوع إلى الهيكل وطرد الصيارفة أم لعن شجرة التين ، أيهما حدث أولاً؟ – الرد على أبي عمر الباحث

    دخول يسوع إلى الهيكل وطرد الصيارفة أم لعن شجرة التين ، أيهما حدث أولاً؟ - الرد على أبي عمر الباحث
    دخول يسوع إلى الهيكل وطرد الصيارفة أم لعن شجرة التين ، أيهما حدث أولاً؟ – الرد على أبي عمر الباحث

    دخول يسوع إلى الهيكل وطرد الصيارفة أم لعن شجرة التين ، أيهما حدث أولاً؟ – الرد على أبي عمر الباحث

    نص الشبهة:

    بدأ أبو عمر بسرد قصة سوسنة والنبي دانيال. ثم بعد ذلك إعتبر ما فعله دانيال النبي مع شيوخ بني إسرائيل هو المقياس الذي سيحتكم إليه في الحكْم على كتبة الأناجيل. وبحسب هذه الطريقة (التي سماها بالعبقرية)، سيستطيع الحكم على وحي الأناجيل من عدمه، فالوحي يقتضي عدم وجود تناقضات بين سرد الأحداث، وإلا سيصبح كتبة الأناجيل مثل شيوخ بني إسرائيل (الفجار) متناقضي السرد.

    يقول هذا “الباحث” أن ترتيب الأحداث في إنجيل متَّى يذكر أن يسوع دخل إلى الهيكل وطرد الصيارفة والباعة ثم بعد ذلك في اليوم التالي، لعنَ شجرة التين. (مت ٢١: ١١-٢٠)، بينما في إنجيل مرقس، يقول إن يسوع لعنَ شجرة التين أولاً ثم بعد ذلك دخل الهيكل وطرد الصيارفة وباعة الحمام. (مر ١١: ١٠-١٨). ثم بعد ذلك، وجه لنا سؤالاً: “أيهما حدثَ أولاً؛ دخول الهيكل وطرد الصيارفة أم لعن شجرة التين؟!” فبحسب أبو عمر، هناك تناقض بين إنجيلي متَّى ومرقس، هذا التناقض الصارخ الذي يقتضي تكذيب أحد الإنجيلين أو كليهما!!

     

    تحليل الشبهة:

    بدايةً، تطبيق مقياس دانيال النبي يقتضي أن كلا الإنجيلين يعرضا سياق الأحداث بتسلسل زمني (رغم أنه لم يعطي دليلاً واحداً على هذا، إلا بقراءة الإنجيل المقدس)، أي، لكي يكون تطبيق ما فعله دانيال النبي، فلابد وحتما أن يصرح كتبة الاناجيل أنهم يروون هذه الأحداث بترتيب زمني، فهناك فارق كبير بين أن أذكر لك ما فعله المسيح دون أن أشترط على نفسي أن أذكر هذه الأحداث بالترتيب الذي حدثت به، وبين أن أذكر لك الأحداث بترتيبها التي حدثت به. لكن، هذا الباحث، افترض دون دليل من النص أن الإنجيلين إنما يذكرون كل الأحداث بترتيب حدوثها، وبالطبع هذا غير حقيقي على الإطلاق، حيث أن البشائر لم تهدف على الدوام أن تلتزم الترتيب الزمني للأحداث [1].

    حيث يقول كارسون في مقدمته لإنجيل متَّى:

    بعض المواد منظمة بطريقة موضوعية، والبعض بحسب ترتيب زمني غير محدد…. فالنتيجة ليست لاهوتية أو تاريخية أو بيوجرافية أو خطاباً، لكنها في بعض النواحي كل هذا [أي كل ما سبق]. إنه ” إنجيل “، عرْض ” للأخبار السارة ” أن يسوع هو المسيا [2]

    يقول داريل بوك:

    فعلى الرغم أن الأناجيل تعرض الخطوط العريضة لحياة وإرسالية المسيح، متضمنة ترتيباً زمنياً للمادة المعروضة، إلا أنه في مرحلة ما، كل إنجيلي غطَّى تعاليم يسوع على أساس موضوعي وليس زمني. [3]

    يقول دونالد هيجنر:

    جزء جيد من فترة الإنجيل تظهر كأنها تَتابُع غير ملحوم للأحداث، عروض متعاقبة لكلمات يسوع التي عادةً كانت تُجمَع وتُرَتَب موضوعياً – نادراً ما يوجد إهتمام بالتسلسل الزمني – لمصلحة التأثير [أي أدبياً] على القارئ. [4]

     يقول أيضاً وليم هندريكسن:

    متَّى يتعامل مع قصته بشكل موضوعي، أما مرقس فبتسلسل زمني.[5]

    إذن، خلاصة هذه النقاط:

    • الأناجيل الإزائية تملك ترتيباً زمنياً للخطوط العريضة لحياة يسوع.
    • ولا واحد من الأناجيل يحوي عرضاً زمنياً خالصاً للأحداث، بمعنى أنه لا يوجد أي إنجيل يقدم ترتيبًا في حدث ذكره عن حياة يسوع.
    • الأناجيل الثلاثة جميعها احتوت على بعض الأحداث المرتبة زمنياً والبعض الآخر موضوعياً إنشائياً.
    • مرقس ولوقا يميلان إلى كونهما متعلقين بالترتيب الزمني بشكل عام (خصوصاً مع تطابق تسلسل الأحداث في كليهما) أكثر من متَّى، الذي هو عادةً يقدِم عرضاً موضوعياً بهدف توجيهي.

     

    تحليل سياق الأحداث:

    مرقس ١١

    متَّى ٢١

    ٨ وَكَثِيرُونَ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ ٱلشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي ٱلطَّرِيقِ. ٩ وَٱلَّذِينَ تَقَدَّمُوا، وَٱلَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! ١٠ مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ ٱلْآتِيَةُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي ٱلْأَعَالِي!».

    ١١ فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَٱلْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ ٱلْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ.

    ١٠ وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ٱرْتَجَّتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: «مَنْ هَذَا؟». ١١ فَقَالَتِ ٱلْجُمُوعُ: «هَذَا يَسُوعُ ٱلنَّبِيُّ ٱلَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ ٱلْجَلِيلِ». ١٢ وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ ٱللهِ … ١٤ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عُمْيٌ وَعُرْجٌ فِي ٱلْهَيْكَلِ فَشَفَاهُمْ. ١٥ فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ ٱلْعَجَائِبَ ٱلَّتِي صَنَعَ، وَٱلْأَوْلَادَ يَصْرَخُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَيَقُولُونَ: «أُوصَنَّا لِٱبْنِ دَاوُدَ!». غَضِبُوا ١٦ وَقَالُوا لَهُ: «أَتَسْمَعُ مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ؟». فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «نَعَمْ! أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ: مِنْ أَفْوَاهِ ٱلْأَطْفَالِ وَٱلرُّضَّعِ هَيَّأْتَ تَسْبِيحًا؟». ١٧ ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَخَرَجَ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَبَاتَ هُنَاكَ.

    ١٢- وَفِي ٱلْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ، ١٣فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا إِلَّا وَرَقًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ ٱلتِّينِ. ١٤ فأجاب يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «لَا يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إِلَى ٱلْأَبَدِ!». وَكَانَ تَلَامِيذُهُ يَسْمَعُونَ.

    ١٨ وَفِي ٱلصُّبْحِ إِذْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ جَاعَ، ١٩ فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ عَلَى ٱلطَّرِيقِ، وَجَاءَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا وَرَقًا فَقَطْ. فَقَالَ لَهَا: «لَا يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى ٱلْأَبَدِ!». فَيَبِسَتِ ٱلتِّينَةُ فِي ٱلْحَالِ. ٢٠ فَلَمَّا رَأَى ٱلتَّلَامِيذُ ذَلِكَ تَعَجَّبُوا قَائِلِينَ: «كَيْفَ يَبِسَتِ ٱلتِّينَةُ فِي ٱلْحَالِ؟».

    ١٥ وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ ٱلْهَيْكَلَ ٱبْتَدَأَ يُخْرِجُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ ٱلصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ ٱلْحَمَامِ. ١٦ وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَجْتَازُ ٱلْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. ١٧ وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلًا لَهُمْ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلَاةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ ٱلْأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ». ١٨ وَسَمِعَ ٱلْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لِأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ ٱلْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. ١٩ وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ، خَرَجَ إِلَى خَارِجِ ٱلْمَدِينَةِ.

    ٢٣ وَلَمَّا جَاءَ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ …. 12… وَأَخْرَجَ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ ٱلصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ ٱلْحَمَامِ ١٣ وَقَالَ لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلَاةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!».

    23 …. تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ ٱلشَّعْبِ وَهُوَ يُعَلِّمُ، قَائِلِينَ: «بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هَذَا؟ وَمَنْ أَعْطَاكَ هَذَا ٱلسُّلْطَانَ؟». ٢٤ فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنَا أَيْضًا أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ قُلْتُمْ لِي عَنْهَا أَقُولُ لَكُمْ أَنَا أَيْضًا بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هَذَا: ٢٥ مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا: مِنْ أَيْنَ كَانَتْ؟ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَمْ مِنَ ٱلنَّاسِ؟». فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: «إِنْ قُلْنَا: مِنَ ٱلسَّمَاءِ، يَقُولُ لَنَا: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ ٢٦ وَإِنْ قُلْنَا: مِنَ ٱلنَّاسِ، نَخَافُ مِنَ ٱلشَّعْبِ، لِأَنَّ يُوحَنَّا عِنْدَ ٱلْجَمِيعِ مِثْلُ نَبِيٍّ». ٢٧ فَأَجَابُوا يَسُوعَ وَقَالُوا: «لَا نَعْلَمُ». فَقَالَ لَهُمْ هُوَ أَيْضًا: «وَلَا أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هَذَا.

    ٢٠- وَفِي ٱلصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوْا ٱلتِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ ٱلْأُصُولِ، ٢١ فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدِي، ٱنْظُرْ! اَلتِّينَةُ ٱلَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!». ٢٢ فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِٱللهِ. ٢٣ لِأَنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهَذَا ٱلْجَبَلِ: ٱنْتَقِلْ وَٱنْطَرِحْ فِي ٱلْبَحْرِ! وَلَا يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ.

    ٢١ فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ وَلَا تَشُكُّونَ، فَلَا تَفْعَلُونَ أَمْرَ ٱلتِّينَةِ فَقَطْ، بَلْ إِنْ قُلْتُمْ أَيْضًا لِهَذَا ٱلْجَبَلِ: ٱنْتَقِلْ وَٱنْطَرِحْ فِي ٱلْبَحْرِ فَيَكُونُ. ٢٢ وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي ٱلصَّلَاةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ».

     

     

    نأتي الآن لسياق الأحداث بين القديسين متَّى ومرقس. فلاحظ الاتي:

    • مرقس ذكر دخول المسيح لأورشاليم والهيكل مرتين في حادثتين منفصلتين. في الأولى، خرج المسيح من الهيكل دون ردة فعل علانيةً، بينما في الثانية، قلب موائد الصيارفة.
    • وعلى العكس، دمج متَّى الحادثتين في حادثة واحدة فقط لتركيزه على جمع الأحداث التي تمت في الهيكل، مع الإشارة إلى ما فعله المسيح من قلب لموائد الصيارفة، لأنها الحدث الأشهر هنا.
    • مرقس ومتَّى ذكرا خروج المسيح من بيت عينيا مرة واحدة فقط وبعد هذا الخروج يذكر البشيران لعن شجرة التين.
    • إذن، فكل ما فعله متَّى الرسول هو دمج قصتين، كل منهما تحتوي على حدثين منفصلين:

     

    القصة الأولى: عدد مرات دخول المسيح إلى الهيكل. حيث يذكر مرقس الدخول الأول ولا يذكر أحداث فعلها المسيح في هذه المرة من الدخول (مرقس 11: 11) إلا أنه يذكر أن المسيح نظر من حوله ما كان يجري هناك في الهيكل، مما قد يشير إلى استياء المسيح من عمليات البيع والشراء والمضاربة واللصوص الذين يترقبون فرصة ليسرقوا الأموال والبضائع، ثم إكتفى مرقس بهذه المعلومة فقط. بينما ركز متَّى على ما فعله المسيح بناء على ما رآه في هذه المرة الأولى التي ذكرها مرقس هذه، فذكر القديس متَّى رد فعل المسيح في المرة الأولى والثانية من دخوله الهيكل، حيث أن المسيح:

    • في المرة الأولى التي ذكرها مرقس بشكل مختصر، قد أجاب رؤساء الكهنة الذين تضايقوا من هتاف الناس للمسيح وقالوا له أن يسكتهم، فرد عليهم المسيح بأنه مكتوب “من افواه الاطفال والرضّع هيأت تسبيحا” ثم تركهم ولعن التينة بعدها، ثم،
    • في المرة الثانية: دخل الهيكل (بعدما رأى ما رآه في المرة الأولى من المتاجرة داخل الهيكل) وطرد الباعة وقلب موائدهم ومنعهم من المتاجرة في الهيكل، وهو ما ذكره القديس مرقس في الدخول الثاني للهيكل، وهنا اغتاظ رؤساء الكهنة أكثر وسألوه عن سلطانه الذي به يفعل ويقول كل هذا.

    فنجد هنا أن القديس متَّى ركز على وحدة الموضوع في السرد، بينما ركز مرقس على الترتيب الذي حدث فيه هذا السرد وليس الوحدة الموضوعية له.

     

    القصة الثانية: لعن شجرة التين. حيث يذكر القديس مرقس الحادثة التي لعن فيها الرب شجرة التين فقط، بينما يذكر اكتشاف التلاميذ أن الشجرة قد يبست من أصولها بعدما خرجوا من الهيكل في المرة الثانية، أي بعد أن قلب المسيح موائد الصيارفة في الهيكل. بينما دمج القديس متَّى أيضًا الحدثين، أي حادثة اللعن نفسها وحادثة اكتشاف التلاميذ لهذا، في سياق واحد فأورد ما قاله التلاميذ في بعد خروجهم من الهيكل في المرة الثانية، في سياق سرده لحادثة اللعن نفسها. بكلمات أُخر، دمج القديس متَّى حادثة لعن شجرة التين التي حدثت قبل طرد من كانوا بالهيكل، مع حادثة اكتشاف التلاميذ لهذا، التي حدثت بعد طرد من كانوا في الهيكل، في قصة واحدة ليذكر كل ما يتعلق بموضوع “لعن التينة” دفعة واحدة.  الجدير بالذكر هنا، أن القديس متى عندما قال أن التينة قد يبست في الحال (عدد 20) لم ينسب هذه المعرفة للتلاميذ في هذا الوقت، أي أنه لم يقل مثلا: فرأى التلاميذ ان التينة قد يبست في الحال. بل وأيضًا، في إنجيل مرقس، فإنه يذكر رؤية التلاميذ ليبوس التينة من أصلها، أي من منبتها من الأرض.

     

    لكن، لماذا دمجَ القديس متَّى حادثتي الهيكل معاً ووضعهما في ترتيب مختلف عن مرقس؟!

    كما أشرنا سابقاً لقول دونالد هيجنر [6]، بأن كلمات يسوع كانت عادةً تُجمَع وتُرَتَب موضوعياً. فبشارة القديس متَّى تتميز أكثر من غيرها من البشائر الأخرى بخاصيتها التعليمية. فالقديس متَّى يضم تعاليم السيد المسيح وأقواله التي تدور حول موضوع بعينه في نفس المكان [في الإنجيل].[7] فهذا نمط شائع في إنجيل متَّى فهو يسجل تعليم المسيح بحيث تليها سلسلة من الأحداث المتعلقة بهذا التعليم والمرتَّبة موضوعياً. فإنجيل متَّى يملك مادة أكثر بكثير عن تعاليم المسيح، لكن أقل من مرقس من ناحية التسلسل الزمني. لكن على النقيض، نجد أن مرقس يتكلم أكثر بكثير بناءاً على تاريخية أفعال المسيح.

    ونظراً لحقيقة أن هناك علاقة وتشابه كبير بين تطهير الهيكل ولعن شجرة التينة [8]، فقد استخدم يسوع لعن شجرة التين كرمز لتوصيل رسالة مماثلة لتطهير الهيكل. فليس من الصعب تخيل أن متَّى دمج الحادثتين معاً بشكل إنشائي خصوصاً بسبب وجود علاقة بين الحدثين كما ذكرنا سابقاً في أسلوب القديس متَّى.

     

    حيث يقول “Tasker”:

    حيث أن تطهير الهيكل هو استنكار رمزي من قِبَل المسيا لعبادة إسرائيل القديمة، لذا فيبوس شجرة التين (نتيجة اللّعن) كان استنكار رمزي من قِبَله للشعب اليهودي كشعب الله المختار.[9]

     

    إذن، ما هو الدليل على أن مرقس كتب هنا في هذا السياق بتسلسل زمني، أما متَّى فكتب موضوعياً؟

    بقراءة بسيطة لسياق كلا الإنجيلين، يتضح الاتي:

    • في كل سياق الإنجيل، القديس مرقس يستخدم تعبيرات لوصف عن التسلسل الزمني في سرد الأحداث. لاحظ: “ولما قربوا من اورشليم” (عدد 1)، “إذا كان الوقت قد أمسى” (عدد ١١)، “وفي الغد” (عدد ١٢)، “ولما صار المساء”(عدد ١٩)، “وفي الصباح” (عدد 20).
    • على النقيض، فالقديس متَّى لم يستخدم أي كلمات تدل على تسلسل زمني محدد للأحداث كلها المذكورة في هذا الأصحاح كوحدة واحدة، بل بالأكثر استخدم واو العطف لربط الأحداث.

     

    هل يمكن ترتيب الأحداث الواردة في هذين الأصحاحين ترتيبًا زمنيًا صحيحًا بحيث لا يتعارض مع أي من المعلومات المذكورة في الأصحاحين؟ الإجابة: بالطبع.

    1. عندما اقترب الرب يسوع المسيح من أورشليم عند بيت فاجي، طلب من تلاميذه أن يأتوا له بآتان وجحش، ففعلا.
    2. ثم دخل أورشليم في المرة الأولى وسط فرحة الناس به وصياحهم “أوصانا يا ابن داود” وفرشوا ملابسهم وأغصان من الأشجار تحت رجليه.
    3. ثم لما رأى رؤساء الكهنة كل هذا، تضايقوا وقالوا للمسيح أن يُسكت هؤلاء الجموع الذين ينادوا بمثل هذه الأقوال لأنه هؤلاء الكهنة لم يؤمنوا أن يسوع هو المسيح بن داود المخلص، فأجابهم المسيح بأن هذا هو ما قد كُتب عنه في العهد القديم، وفي هذا اليوم رأى عمليات المضاربة والبيع والشراء والمتاجرة في الهيكل فتضايق، ثم خرج من الهيكل ومن أورشليم ورجع إلى بيت عنيا ونام.
    4. ثم في اليوم التالي كان في طريقه إلى أورشليم للمرة الثانية، وجاع فأتى شجرة التينة فلم يجد فيها ثمر فلعنها فذبلت في الحال، ثم أكملوا طريقهم إلى أورشليم ودخل المسيح والتلاميذ الهيكل.
    5. ثم طرد المسيح الباعة من الهيكل وقلب موائد الصيارفة ومنعهم من الإتجار في الهيكل، فاغتاظ أكثر وأكثر رؤساء الكهنة وسألوه عن السلطان الذي به يفعل كل هذا، فحاورهم المسيح وحاصرهم في سؤال فلم يستطيعوا اجابته، فتركهم وخرج مرة أخرى من أورشليم ومن الهيكل.
    6. وفيما هم في الطريق خروجًا من أورشليم، رأوا شجرة التين وقد يبست من أصلها، فتذكر بطرس وقال للمسيح أن الشجرة التي قد لعنها قد يبست.

     

     الخلاصة:

    فكل ما فعله القديس متى أنه دمج دخول المسيح الأول للهيكل بالحدث الأشهر الذي تم هناك في المرة الثانية لدخوله، ألا وهو طرد الباعة (واخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب…إلخ)، ثم عاد وذكر الحدث الأقل شهرة وهو كلام المسيح مع رؤساء الكهنة عن عدم سكوت الذين يصيحون له (عدد 15، 16)

    إذا درسنا طريقة سرد متَّى في العموم، سنجد أنه أحياناً يرتب أحداثه بشكل موضوعي بدلاً من التسلسل الزمني التام الذي غالباً ما يميز إنجيلي مرقس ولوقا.[10] فالقديس متَّى لم يولي اهتمامًا كبيرًا -كما كان مرقس مهتمًا- باليوم الفعلي من الأسبوع الذي حدث فيه [تطهيرالهيكل] … وبالتالي، سرد متَّى حاول تبسيط سرد مرقس [11] وحذف بعض التفاصيل…[12]وإضافة أخرى بحسب ما تقتضيه الوحدة الموضوعية للحدث.

    جدير بالذكر أيضاً أن هناك تفسيراً آخراً، يتلخص في أن المسيح طهر الهيكل على يومين متتاليين، وبالتالي مرقس يذكر الزيارة الثانية للهيكل مع لعن شجرة التين في اليوم الثاني (من دخول المسيح لأورشاليم)، بينما متَّى يذكر تطهير الهيكل في اليوم الأول فقط، ويذكر لعن شجرة التين في اليوم الثاني مثل مرقس (ولكنه لا يذكر تطهير الهيكل في اليوم الثاني). لكن في الحقيقة، الرأي الأول جدير بالاهتمام أكثر، حيث أنه ليس من السهل قبول أن يسوع قد طهر الهيكل على يومين متتاليين وفي كل مرة استخدم نفس العبارة بالضبط: ” مكتوب: بيتي بيت الصلاة يُدعى… “.[13]

    وأخيراً، يوجه هذا “الباحث” للأخ رشيد ولكل مسيحي نصيحة بعدم محاولة الرد عليه بالإجابة (التي أسماها مضحكة) والموجودة على المواقع “النصرانية” المسيحية. فما هي يا تُرى هذه الإجابة المضحكة؟! يُكمل هذا “الباحث” ويقول: “أن كل واحد من كتبة الأناجيل كتب حسب رؤيته وفهمه”، لأن هذا الفهم -كما يدعي المعترض- لا يُجيب على السؤال؛ لأن في النهاية مستحيل يكون يسوع “عمل اللي موجود في إنجيل مرقس بنفس الترتيب، وعمل اللي موجود في إنجيل متَّى بنفس الترتيب، مستحيل يكون يسوع عمل اللي في الإنجيلين مع بعض… “.

    وللإجابة على هذا الاعتراض الطفولي، نقول إن سبب المشكلة هو قراءة الخاطئة للنص، فهو يفترض أنه طالما يقرأ النص رقم 1 ثم بعده النص رقم 2 فـ3 فـ4، فالأحداث الموجودة في النص 1 تسبق الأحداث الموجودة في النص 2 الذي تسبق أحداثه تلك الموجود في النص 3 وهكذا! وهذا لا دليل عليه، فمعروف لكل ذي عقل أن ترتيب الذكر لا يعني ترتيب الحدوث. فلو قال قائل، لدي إبنان: مينا وكيرلس، فهل يعني هذا أن مينا أكبر من كيرلس؟ أو هل يعني هذا أن كيرلس أكبر من مينا؟ بالطبع لا، فليس هناك أي معلومة في هذه الجملة تفيد من الأكبر الذي جاء إلى عالمنا أولاً، بل غاية ما يمكن التوصل إليه من هذه العبارة هو مجرد المعلومة أن هذا الشخص لديه إبنان، وهما مينا وكيرلس. لكن لو قال هذا الشخص أن مينا قد وُلد أولا ثم وُلد كيرلس، فهنا نعرف من الأكبر فيهما ومن الأصغر. فليس ترتيب الذِكر يعني ترتيب الحدث، اللهم إلا لو نص الكاتب على أي من الأدوات اللغوية المستخدمة في الترتيب، مثل: ثم، فـ …إلخ.

    فكما رأينا أن القديس متى لم يشترط ولم يذكر أن ما سيكتبه هو الترتيب لما حدث، بل يذكر الأحداث تباعا ويربط فيما بينها بالعطف المباشر “و” ليضعها في وحدة واحدة دون ترتيب. بينما قام القديس مرقس بترتيب جزء كبير مما ذكره.

    هل رأيتم مدى ضحالة فكر هؤلاء، الذين يسمون أنفسهم “باحثين” ويوجهون أسئلة “لا حل لها”!! فهي بالفعل لا حل لها، طالما مع مِثل هذه العقول.

     

     

    [1]  الدكتور موريس تاوضروس، المدخل إلى العهد الجديد، الطبعة الرابعة، ص ٢١.

    [2] D. A. Carson, “Intro to Matthew”, Expositors Commentary, Vol.8, (Zondervan, 1984), p.38, 39.

    [3] Darrell Bock, “The Words of Jesus in the Gospels: Live, Jive, or Memorex”, in Jesus Under Fire, (Zondervan, 1995), p.84.

    [4] Donald Hagner, Matthew 1-13: Word Biblical Commentary, (Dallas: Word Books, 1995), p. liii.

    [5] William Hendriksen, Exposition of the Gospel According to Mark, (Baker, 1975), p.440See

    [6] See, ff. 4.

    [7]  الدكتور موريس تاوضروس، المدخل إلى العهد الجديد، الطبعة الرابعة، ص ٢٤.

     

    [8] Crossway Bibles. (2008). The ESV Study Bible Notes, (Mk 11:12-21).

    [9] R. V. G. Tasker, Matthew, (Eerdmans, 1961), p.201.

    [10]Gleason L. Archer, New International Encyclopedia of Bible Difficulties, (Zondervan).

    [11] حيث أن أغلب العلماء يعتقدون أن إنجيل مرقس كان أحد مصادر إنجيلي متَّى ولوقا.

    [12] David Hill, The New Century Bible Commentary: The Gospel of Matthew, (Eerdmans, 1972), p.178.

    [13] Gleason L. Archer, New International Encyclopedia of Bible Difficulties, (Zondervan).

  • الإبن الكلمة الخالق في كتابات أثناسيوس الرسولي – ردًا على اعتراض

    الإبن الكلمة الخالق في كتابات أثناسيوس الرسولي – ردًا على اعتراض

    الإبن الكلمة الخالق في كتابات أثناسيوس الرسولي – ردًا على اعتراض

    ردًا على أبي عمر الباحث

    الإبن الكلمة الخالق في كتابات أثناسيوس الرسولي - ردًا على اعتراض
    الإبن الكلمة الخالق في كتابات أثناسيوس الرسولي – ردًا على اعتراض
     
    شيخ مسلم جاهل يفضح نفسه – هل كل من يقول أن المسيح خالق هو مبتدع؟ رداً على من يُسمي نفسه باحثًا!
    ردًا على أبي عمر الباحث
     

    يدَّعي من يُلقب نفسه باحثاً، أن كل من يقول أن المسيح خَلقَ، فهو مبتدع وجاهل ولا يعرف في دينه شيئاً ووقع في هرطقة خطيرة وبدعة شنيعة كما قال البابا أثناسيوس الرسولي في كتابه “تجسد الكلمة”.

    وللرد نقول:

    رغم سذاجة الطرح الذي أعتبره فاصلاً للمزاح، أراد به أن يرسم الابتسامة على وجوه متابعينه، ولكن جدية ملامح هذا “الباحث” جعلتني أتمنى لو كان بالفعل يمزح. لا أعرف من أين أبدأ في الرد، فركاكة هذا “الباحث” كفيلة أن تجعلك تدير له ظهرك ضاحكاً، شاكراً الله على نعمة العقل.

    هذا “الباحث” أقتبس من كتاب “تجسد الكلمة” للقديس أثناسيوس الرسولي وضرب بكل قواعد الاقتباس عرض الحائط:

    1. فاقتطع عبارة من سياق كامل.
    2. أهمل رسالة باقي الكتاب الذي أقتبس منه.
    3. أهمل باقي كتب وشروحات القديس أثناسيوس الرسولي والتي بلا شك كان سيجد فيها الإجابة بكل وضوح.

    فالقديس أثناسيوس يقول في نفس ذات الكتاب الذي أقتبس منه:

    والآن إذ نشرح هذا الأمر، فإنه يليق بنا أن نبدأ أولاً بالحديث عن خلقة الكون كله، وعن الله خالقه، وهكذا يستطيع المرء أن يُدرك أن تجديد الخليقة تم بواسطة الكلمة الذي هو خالق الخليقة في البدء. وهكذا يتضح أنه ليس هناك تناقض في أن يتمم الآب خلاص العالم بالكلمة الذي به خُلق العالم.[1]

    فهنا يوضح القديس أثناسيوس أن الفداء و تجديد الخليقة كانا لابد أن يتمَّا بواسطة المسيح (الكلمة) لأنه هو من خلقها من البدء.
    إذاً المسيح هو الكلمة الخالق. والأدهى أن العبارة التي اقتطعها هذا “الباحث” في صـ 6، ثم نجد هذا القول للقديس أثناسيوس في الصفحة التي تليها مباشرةً صـ7:

    لكن الله خلق كل شيء بالكلمة من العدم وبدون مادة موجودة سابقاً… وهذا يشير إليه بولس قائلاً: بالإيمان ندرك أن العالمين أُنشئت بكلمة الله.[2]

    ومن الصفحة التي تليهما نجد هذا القول أيضاً:

    ولذلك خلق كل الأشياء من العدم بكلمته يسوع المسيح ربنا.[3]

     

    فلا أعلم ماهي حجة هذا “الباحث”؟!

     

    ولمزيد من التوضيح، نقرأ هذا القول للقديس أثناسيوس في كتاب آخر له:

    لأنه (بولس) وهو يتحدث عن الخليقة، فإنه يستمر أيضاً في الكتابة عن قوة الخالق في خليقته، تلك القوة التي هي “كلمة الله”، والذي من خلاله (بواسطته) قد خلق كل شيء. فلو أن الخليقة في طاقتها بذاتها وحدها أن تعرف الله بدون الابن، فالتفتوا لئلا تسقطوا في الغواية. فتظنوا، أنه بدون الابن أيضاً قد خلقت الخليقة. ولكن إن كانت الخليقة قد خلقت عن طريق الابن، وأنه “فيه تثبت (تقوم) كل الأشياء في الوجود”[4]. فأن الذى يتأمل الخليقة بطريقة مستقيمة، فلابد أن يرى أيضاً بالضرورة الكلمة الذى خلقها.[5]

    إذاً فالقديس أثناسيوس بنفسه يقول إن من يظن أن الخليقة خُلقت بدون الابن (المسيح)، يكون قد سقط في الغواية، أي أن قول هذا “الباحث” هو الغواية في حد ذاتها! ثم يختم القديس أثناسيوس قوله بأن الكلمة هو خالق الخليقة. إذن، يتضح الآن بما لا يدع مجال للشك أن قول القديس أثناسيوس يسحق تماماً ما يدّعيه هذا “الباحث”.

     

    ولنأتي الآن إلى السياق الذي أقتطعه ليوهم به متابعيه المساكين بأن المسيح ليس هو الخالق، بل والأدهى أن من يقول عكس ذلك يصبح مبتدع ومهرطق!!

     

    يقول القديس أثناسيوس:

    وهناك هراطقة أيضاً يتوهمون لأنفسهم خالقاً آخر لكل الأشياء غير أبى ربنا يسوع المسيح، وهم بهذا يبرهنون على منتهى العمي. لأن الرب كان يقول لليهود ” أما قرأتم أن الذي خلق في البدء خلقهما رجل وأنثى وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً “…وبعد ذلك يقول مشيراً إلى الخالق ” فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان “، فكيف يدّعي هؤلاء بأن الخليقة غريبة عن الآب؟ أو عندما يقول يوحنا في اختصار شديد إن ” كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيئاً مما كان ” فكيف يمكن أن يكون خالقاً آخر سوى الله أبى المسيح؟[6]

     

    بدايةً، فإن كلمة “هراطقة” التي ذكرها القديس أثناسيوس يقصد بها الغنوصيون وماركيون على وجه الخصوص، حيث أنه كان يُعّلم بأن إله الخير قد خلق الأشياء غير المنظورة والسماء الثالثة بينما إله العهد القديم فقد خلق الأشياء المنظورة، وبالتالي فإن القديس أثناسيوس يرد عليهم بأن الله قد خلق كل شيء بالمسيح، كلمته. فهو لم يتكلم أبدًا أن الآب هو الخالق فقط والأبن (الكلمة) لم يخلق، هو يتكلم عن استحالة وجود شريك لله الواحد (الثالوث) في الخلق. ولم يقصد مطلقًا أن ينفي عن أقنوم الابن عمل الخلق.

     

    فالقديس أثناسيوس في نفس السياق يقتبس قول القديس يوحنا الرسول “كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان”. أي أن الكلمة (المسيح) هو خالق كل شيء و بدون المسيح لم يكن لشيء أن يُخلق، فهو اللوجوس (عقل الله الناطق و نطقه العاقل).

     

    فهل رأيتم مدى سَخف أطروحات هذا الذي يسمي نفسه باحثاً في الكتاب المقدس، الذي يتحدى هذا وذاك لمناظرات، ويدّعي أن المسيحيين يفرون من أمامه خوفاً من مواجهته؟! والعجيب أنه بنفسه قال إن القديس أثناسيوس هو من صاغ قانون الإيمان النيقاوي!!

    إذاً لنرى ما قاله القديس أثناسيوس في قانون الإيمان الذي يحفظه كل طفل مسيحي عن ظهر قلب!
    يقول عن المسيح:

    مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء.

     

    إذاً من قانون الإيمان نجد أيضاً دليل واضح أن المسيح هو الخالق.

     

    ويعلق على هذه العبارة القديس كيرلس الكبير قائلاً:

    ولكنهم بعد أن أكدوا أن الآب هو خالق كل الأشياء ما يُرى وما لا يُرى، فإنهم قالوا إن كل الأشياء قد خُلقت بالابن، لا بسبب أنهم نسبوا للابن نصيباً أقل من المجد، حاشا. لأنه كيف يمكن أن يُرى ما هو أقل أو أكثر في وحدة الجوهر؟ ولكنهم يقولون إن الله بطبيعته لا يخلق أو يدعو أي شيء إلى الوجود بأي طريقة أخرى سوى بالابن في الروح، بقوته الذاتية وحكمته…. و يوحنا الحكيم جداً بتأكيده بالقول ” في البدء كان الكلمة….إلخ.[7]

     

    والآن سيسألني هذا “الباحث” منتفشاً: أليس هذا تناقض، حينما تقول في موضع أن الآب هو الخالق، ثم في موضع آخر أن المسيح (الأبن) هو الخالق؟؟!

     

    أجيبك بكل اتضاع: الآب خلق بالأبن (اللوجوس) أي عقله الناطق ونطقه العاقل.

     

    دعني أعطيك مثالاً بسيطاً للتوضيح: إذا قلتُ: ” أنا حللت هذه المسألة”، ثم قلتُ: “عقلي حلّ هذه المسألة”، فهل هناك أي تناقض؟! بالطبع لا؛ لأن عقلي هو أنا. فأنا حللت المسألة بعقلي. إذن، حل المسألة يمكن أن يُنسب لي ولعقلي معًا، فأنا شخص واحد. وبالمثل، فالآب خلق الخليقة بالأبن. لأن الأبن هو اللوجوس عقل الله الناطق وكلمته، وهذه هي الطريقة التي يخلق بها الله منذ البدء. ففي بدايات كتابنا المقدس وبالتحديد في سفر التكوين، نجد الاتي: (وقال الله: ليكن نور… وقال الله: ليكن جلد… وقال الله: لتجتمع المياه تحت السماء…). (تك ١: ١ – ٩)

     

    لاحظ معي هذا التعبير: “وقال الله”. أي أن هناك نطق عاقل وعقل ناطق الذي هو اللوجوس λογος باليونانية، الذي هو كلمة الله، المسيح. وأيضاً نجد نفس المفهوم عند اليهود. فمصطلح ” اللوجوس ” باليونانية λογος، يقابل في العبرية “دابار” “דבר” والتي ترجمت إلى الآرامية فيما يعرف بالترجومات إلى كلمة “ميمرا” “מימרא”. وكلمة “ميمرا” بإضافتها لاسم الله الأعظم “يهوه” كانت تستخدم في الثقافة اليهودية للتعبير عن الله الخالق، فهي تستخدم للإشارة لعملية الخلق[8]. وتم استخدامها في مواضع كثيرة في الترجوم بدلاً من الرب “يهوه” فهي تساوي يهوه نفسه.[9] لأن عقل الله هو الله لا فرق على الإطلاق. ونجد نفس المفهوم أيضاً بتوسع عند الفيلسوف اليهودي “فيلو”.

     

    يقول Fragmentary Targum على التوراة:

    في الليلة الأولى عندما ظهر كلمة الرب “Memra yhwh ” للعالم لكي يخلقه، كان العالم خالياً وخرباً وانتشرت الظلمة فوق كل اللاتكون، وكان كلمة الرب مشرقاً منيراً ودعاها الليلة الأولى[10].

     

    يقول ترجوم يوناثان:

    فخلق كلمة الرب “Memra yhwh ” الإنسان على صورته على صورة يهوه، يهوه خلقه[11]

     

    ويقول ترجوم أورشاليم:

    وكلمة الرب “Memra yhwh ” قال لموسى: ” أنا هو، الذي قال للعالم: كن! فكان، وهو من سيقول له في المستقبل: كن! فسيكون “، وقال: هكذا تقول لبني إسرائيل: أنا هو أرسلني.[12]

     

    وهناك العشرات من الشواهد الأخرى التي تثبت أن كلمة الله “ميمرا يهوه” أو “اللوجوس” هو الخالق، ليس فقط في المسيحية بل وفي الثقافة اليهودية أيضاً.

     

    وأيضاً هذا دليل على أن الميمرا هي كلمة مشخصة كائنة (أقنوم) وليست مجرد كلمة “كن”، والدليل هو ظهورات الكلمة “الميمرا” في العهد القديم. فنجد فيما سبق ظهور “الميمرا” لموسى في العليقة على هيئة ملاك يهوه، وهو الذي قال “أهيه الذي أهيه”. فهو أقنوم مشخصن وليس مجرد كلمة ملفوظة، فهو نطق الله العاقل وعقله الناطق.

     

    إذن، لا فرق بين اللوجوس والميمرا، وهذا دليل على وجود نفس المصطلح والمفهوم في الثقافة اليهودية من القرن الخامس قبل الميلاد وقت بداية استخدام مصطلح “ميمرا” الأرامي. فعن أي بحث تتحدث يا من تسمي نفسك “باحثاً”؟! هل فضحت جهل قساوسة الكنيسة أم أظهرت جهلك أنت؟!

     

    ولكن هناك ملحوظة أخيرة دعني أهمس بها في أذنيك: أطروحتك الساذجة كانت ستُهدم فقط إذا قرأت عنوان كتاب البابا أثناسيوس جيداً. فعنوان الكتاب هو ” تجسد الكلمة “. فهل فهمت ما معنى “الكلمة” أم أنك أسرعت متلهفاً لاهثاً لقلب صفحات الكتاب بحثاً عن أي ثغرة دون حتى أن تفهم عنوان هذا الكتاب الذي تقلب في صفحاته؟

     

    ومن له أذنان للسمع، فليسمع.

    إلى هنا أعاننا الرب.

     

    [1] القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، مؤسسة القديس أنطونيوس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الأبائية بالقاهرة، نصوص آبائية-٦٢، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، صـ 2، 3.

    [2] المرجع السابق، صـ7.

    [3] المرجع السابق، صـ8.

    [4] كو 1: 17.

    [5] القديس أثناسيوس الرسولي، الشهادة لألوهية المسيح، مركز دراسات الآباء، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، صـ28، 29.

    [6] القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، مؤسسة القديس أنطونيوس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الأبائية بالقاهرة، نصوص آبائية-٦٢، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، صـ 6.

    [7] القديس كيرلس الإسكندري، شرح قانون الإيمان، رسالة ٥٥ الجزء الرابع من رسائل القديس كيرلس، مؤسسة القديس أنطونيوس، مركز دراسات الآباء، ترجمة د. موريس توضروس، د. نصحي عبد الشهيد، ص 34.

    [8] Jewish Encyclopedia, V: 8, P: 464.

    [9] Ibid, p: 465.

    [10] Fragmentary Targum (Ex. 12: 42)

    [11] Targum Johnathan, (Gen. 1: 27).

    [12] Jerusalem Targum, (Ex. 3: 14).

    صلب المسيح – إزاي بعد 600 سنة المسلمين يقولوا “شبه لهم”؟ – الجزء الأول

    هل الله يتغير؟ وهل يعبد المسيحيون الجسد؟ – المذيع المسلم يذيعها مدوية: أنا لا أعرف شيء

    عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

    ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث – الجزء الثاني – عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان

    رائحة المسيحيين الكريهة – هل للمسيحيين رائحة كريهة؟ الرد على احمد سبيع

    الإبن الكلمة الخالق في كتابات أثناسيوس الرسولي – ردًا على اعتراض