رسالة الراعي لهرماس وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
رسالة الراعي لهرماس وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
رسالة الراعي لهرماس وقانونية العهد الجديد
من الكتب التي كتبت في منتصف القرن الثاني وينسب للآباء الرسوليين لأن البعض يرى أنه كان تلميذا للقديس بولس ويرون أنه المذكور في التحية الواردة في رسالته إلى رومية: ” سَلِّمُوا عَلَى أَسِينْكِرِيتُسَ، فِلِيغُونَ، هَرْمَاسَ، بَتْرُوبَاسَ، وَهَرْمِيسَ، وَعَلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ مَعَهُمْ ” (رو16 :14). ولكن لا يستطيع أحد أن يجزم بدقة أن كاتبه هو هرماس. وإن كان أغلب العلماء يميلون إلى أن هرماس هو كاتبه. وتقول الوثيقة الموراتورية المكتوبة في منتصف القرن الثاني تقريباً (165م): ” كتب هرماس الراعي في زمن حديث جدًا في مدينة روما عندما كان أخيه الأسقف بيوس (Pius) يجلس على كرسي الكنيسة في روما (140 – 155) “[1].
وأعتبره بعض الكتاب الكنسيين، خاصة الشرقيين، ككتاب من الكتب اللازمة للقراءة واستخدموا أقواله لشرح بعض الأمور اللاهوتية، مثل أوريجانوس الذي اقتبس فقرة منه في كتابه ” المباديء “، تقول: ” فأنه مكتوب في كتاب الراعي، ملاك التوبة، الذي وضعه هرماس: آمن أولاً بأن هناك إله خلق كل شيء ورتبه وصنع كل شيء بينما لم يكن شيء مما صنعه يستوعب الأشياء كلها وما من شيء يستوعبه “[2].
كما يقول يوسابيوس أن إيريناؤس كان يقبله: ” وهو لا يعرف كتاب الراعي فقط بل أيضاً يقبله، وقد كتب عنه حسناً تكلم السفر قائلاً: أول كل شيء آمن بأن الله واحد الذي خلق كل الأشياء وأكملها “[3].
ويقول أكليمندس الإسكندري: ” قالت القوة الإلهية التي كلمت هرماس في الرؤيا: ” الرؤى والإعلانات هي لهؤلاء الذين لهم عقل مزدوج، الذين يشكون في قلوبهم إذا
أتكون هذه الأشياء أو لا تكون “[4].
ولا نعتقد هنا أن العالم والعلامة إيريناؤس، الذي اثبتت أكتشافات نجع حمادي للكتب الأبوكريفية علمه العظيم ودقته الشديدة في كل ما كتبه عن هذه الكتب الابوكريفية وعن الهراطقة، ولا العلامة أكليمندس الإسكندري الذي قرأ أكثر من ألف وخمسمائة كتاب في الآبائيات وجميع العلوم الكنسية والأدب اليوناني والفلسفة وغيرها من الكتب الكلاسيكية المختلفة، أن يخفى عليهما، أن هرماس كتب كتابه الراعي أثناء جلوس شقيقه الأسقف بيوس على كرسي روما فيما بين سنة 140 و155م، أي بعد رحيل القديس يوحنا بنصف قرن، يمكن أن يكون كتاباً قانونياً وموحى به، بل نظروا إليه بوجوب قراءته لفائدته. كما كان يعتبره القديس أثناسيوس، في رسالة وزعت في اعمال مجمع نيقية ف 18، ضمن الكتب المفيدة لكنه غير قانوني[5].
ويقول عنه يوسابيوس القيصري: ” ولكن نظراً لأن نفس الرسول (بولس) في تحيته الواردة في آخر رسالة رومية (رو16 :14)[6] قد ذكر ضمن من ذكرهم هرماس الذي ينسب إليه سفر الراعي، فيجب ملاحظة أن هذا السفر أيضاً متنازع عليه ولا يمكن وضعه ضمن الأسفار المعترف بها، مع أن البعض يعتبرونه لا غنى عنه للذين يريدون تعلم مبادئ الإيمان. وعلى أي حال فنحن نعرف أنه يقرأ في بعض الكنائس، كما تبينت أن البعض من أقدم الكتاب اقتبسوا منه “[7]. ويضيف: ” وضمن الأسفار المرفوضة يجب أيضا أن يعتبر أعمال بولس وما يسمى بسفر الراعي “[8].
ويضعه العلامة ترتليان ضمن الكتب الأبوكريفية. ويرى انه يحبذ الزناه[9]. ويقول القديس جيروم كان في القرن الرابع منسيا تماما في الغرب[10].
وكان كتاب الراعي من اشهر الكتب في القرون الأولى للمسيحية، وكان مقتبسا منه بشكل واسع، كما بقي له أكثر من عشرين مخطوطة كاملة وجزئية، منفصلة، على ورق بردي أو رقوق تؤرخ فيما بين القرن الثاني والقرن السادس الميلادي، للنص اليوناني، وأجزاء من مخطوطتين باللغة اللاتينية، من القرن الثاني للقرن الرابع والخامس الميلاديين، ومخطوطتين للترجمة القبطية الصعيدية والأخميمية، كما توجد أيضا ترجمة تفسيرية باللغة الأثيوبية[11].
وعلى الرغم قول بعض الآباء أن كاتبه كان تلميذا للقديس بولس، كما يقول هو نفسه، في الرؤى، إلا أنه كان معاصرا لاكليمنس أسقف روما: ” أكتب كتابين. كتيب إلى أكليمندس وكتيب إلى جرابتي. ويسمح لأكليمندس أن يرسل ذلك إلى المدن التي في الخارج، وعلى جاربتي أن تنصح الأرامل والفقراء، أما أنت فعليك أن تقرأ ذلك في هذه المدينة على الشيوخ ومتقدمي الكنيسة ” (الرؤى 2 :4). ولكونه أخا لبيوس الذي جلس على كرسي رومية في الفترة من 140 – 155م، كما تقول الوثيقة الموراتورية، إلى جانب الدليل الداخلي تأكيد على أنه كتب في منتصف القرن الثاني[12].
وعلى الرغم من أنه لم يقتبس بشكل مباشر سواء من العهد القديم أو العهد الجديد إلا أن الكثير من كلماته تدل على أنها صدى لما جاء بهما. وكان من الوضح أن الإنجيل للقديس يوحنا وأحد الأسفار المتماثلة (متى ومرقس ولوقا)، وكذلك الرسالة إلى أفسس والرسالة إلى يعقوب، كما سنبين، كانت في عقله وفكره، فيقول:
” لا يمكن لأحد أن يدخل إلى الملكوت السماوي إلا من الباب الذي هو يسوع المسيح ابن الله الحبيب ” (مثال 9 :12). وهذا صدى لما جاء بالإنجيل للقديس يوحنا خاصة قوله: ” الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً ” (يو3 :36)، و ” أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى ” (يو10 :9).
وفي مثال 9 يبدو صدى هذه الفقرة: ” مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضًا فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ. رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ ” (أف4 :3-6). واضحاً ومؤكداً، فيقول في الفقرة التالية: ” أن أعضاء الكنيسة صار لهم فكر واحد وجسد واحد: ” الذين آمنوا بالرب بابنه ولبسوا لباس العذارى يشكلون روحا واحداً وجسداً واحداً وثوباً موحد اللون واحداً … روحاً واحداً وجسداً واحداً وثوباً واحداً ” (مثال 9 : 13. 5و7).
ويقول أن الذين نالوا المعمودية صار لهم فكر واحد وعقل واحد وإيمان واحد: ” لأن كل الشعوب التي تقطن تحت السماء بعد أن سمعت بالبشارة وآمنت حملت اسم ابن الله وعندما خُتمت (اعتمدت) بالختم صارت جميعاً بفكر واحد وعقل واحد وإيمان واحد ومحبة واحدة ” (مثال 9 :17 :4). وعندما تتطهر الكنيسة ستكون جسداً واحداً بعقل واحد: ” بعد طرد الأشرار تصبح الكنيسة جسداً واحداً وقلبا واحداً وروحاً واحداً وإيماناً واحداً ” (مثال 9 :18. 4).
كما يستخدم هرماس تعبيرات رسالة يعقوب مرات عديدة وكثيرة، في كل اقسام الكتاب. وعلى سبيل المثال يستخدم هرماس تعبير (δίψυχος = double-minded = ذُو رَأْيَيْنِ) والتي لم ترد لا في ترجمة العهد القديم اليونانية، السبعينية، ولا في العهد الجديد بل في رسالة يعقوب فقط، في الفقرة التالية: ” رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ (δίψυχος) هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ ” (يع1 :8)، ” نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ (διψυχοι) ” (يع4 :8). ويستخدم هذه الكلمة 19 مرة، ويستخدم فعلها 20 مرة، ويستخدم اسمها 16 مرة[13].
بابياس أسقف هيرابوليس وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
بابياس أسقف هيرابوليس وقانونية العهد الجديد
بابياس أسقف هيرابوليس وقانونية العهد الجديد
يقول عنه القديس إيريناؤس أنه كان تلميذاً (سامعاً) للقديس يوحنا ورفيقاً للقديس بوليكاربوس، وأنه ألف خمسة كتب[1]، كما يقول عنه القديس جيروم ” بابياس تلميذ يوحنا وهو أسقف هيرابوليس، كتب خمس مجلدات فقط في تفاسير أقوال الرب (of the Lord (lo`gia` ta) Exposition of Oracles)، يقول في مقدمته أنه لم يبتدع تعاليم مختلفة لكنه تسلم من الرسل أنفسهم “[2]. وكان أسقفاً لهيرابوليس فريجية بآسيا الصغرى، هذه الكنيسة التي تأسست بجهود ابفراس رفيق القديس بولس والعامل معه: ” يسلم عليكم ابفراس الذي هو منكم عبد للمسيح مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات لكي تثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله. فاني اشهد فيه أن له غيرة كثيرة لأجلكم ولأجل الذين في لاودكية والذين في هيرابوليس ” (كو4 :12و13).
وكان بابياس شغوفا بمعرفة التقليد الحي أو الصوت الحي للرب يسوع المسيح المنقول مباشرة عن طريق تلاميذه ومساعديهم. وقد جمع بابياس التقاليد الشفوية عن أفواه الرسل ووضع كتاباً من خمس مقالات في تفسير كلام الرب.
وكان يهتم بكلام الرسل الحي المنقول عنهم بنفس درجة الكلام المكتوب، ، يقول عنه يوسابيوس القيصري نقلا عن إيريناؤس[3]: ” هو أحد الأقدمين، أستمع ليوحنا، وكان زميلا لبوليكاربوس … لأنه كتب خمسة كتب “، ويضيف يوسابيوس: ” أما بابياس نفسه، فأنه في مقدمة أبحاثة لا يصرح بأي حال من الأحوال أنه كان مستمعاً للرسل المباركين، ولكنه بين في كلماته أنه تلقى تعاليم الإيمان من أصدقائهم فيقول: ” ولكنني لا أتردد أيضا أن أضع أمامكم مع تفسيري كل ما تعلمته بحرص من الشيوخ (تلاميذ الرسل)، وكل ما أتذكره بحرص ضامنا صحته، لأني لم التذ – كما الكثيرين – بمن يقدمون وصايا غريبة، بل بمن يقدمون وصايا الرب للإيمان الصادر عن الحق نفسه.
وكلما أتى أحد ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم، عما قاله اندراوس أو بطرس، عما قاله فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو متى، أو أي أحد آخر من تلاميذ الرب أو عما قاله أريستون أو القس يوحنا أو تلاميذ الرب. لأنني لا أعتقد أن ما تحصل عليه من الكتب يفيدني بقدر ما يصل إلى من الصوت الحي من الصوت الحي الدائم “[4].
كما يؤكد يوسابيوس أنه، بابياس، استمع لبنات فيلبس الرسول الذي سكن في هيرابوليس مع بناته، فيقول: ” ولكن يجب هنا ملاحظة أن بابياس معاصرهم قال بأنه سمع قصة عجيبة من بنات فيلبس، لأنه يقول أن واحد قام من الأموات في عصره. ويروي رواية عجيبة عن برسابا الملقب يوستس (أع1 :23) إنه شرب سما مميتا ولكنه بنعمة الرب لم يؤذى “[5].
وهذا يوضح لنا انه عندما كتب مجلداته الخمسة في أقوال الرب لم يعتمد فقط على الوثائق المكتوبة بل على التسليم، التقليد، الشفوي أيضا الذي أخذه عن مساعدي تلاميذ المسيح، كما يؤكد لنا هنا أيضاً وجود الإنجيل الشفوي، من خلال تلاميذ الرسل ومن استمعوا إليهم وحفظوا ما تسلموه منهم مع الإنجيل المكتوب جنباً إلى جنب مما يؤكد استحالة التفكير في مجرد تغيير أو تعديل حرف واحد في كلمة الله المكتوبة، أو في العقيدة التي تسلمها آباء الكنيسة من الرسل.
كما قال عن الإنجيل للقديس متى: ” وهكذا كتب متى الأقوال الإلهية (lo`gia` ta – Logia) باللغة العبرية (اللهجة الآرامية) وفسرها كل واحد على قدر استطاعته “[6]. ويبدو أنه قصد من قوله باللغة العبرية، إما العبرية نفسها أو اللهجة الآرامية. ويقول عالم النقد الكتابي بروس متزجر: ” هذه الرواية المبهمة تشير إلى أنه من المفترض بصفة عامة أنه يشير إلى أحد المصادر المعروفة لنا اليوم بالإنجيل الذي بحسب متى، وقد يتضمن ذلك جمع أقوال المسيح المنسوبة لمتى بحسب خبرته السابقة كجامع ضرائب مما يؤكد لنا انه كان قادرا على مثل هذه الكتابة “. ويضيف: ” الإشارة إلى تدوين متى باللهجة العبرية تعني بشكل عادي لغة سامية أما العبرية ذاتها أو اللهجة الآرامية “[7].
وقال عن الإنجيل للقديس مرقس ” إن مرقس إذ كان هو اللسان الناطق (المتحدث) لبطرس كتب بدقة، ولو من غير ترتيب كل ما تذكره عما قاله المسيح أو فعله، لأنه لا سمع الرب ولا اتبعه ولكنه فيما بعد – كما قلت – اتبع بطرس الذي جعل تعاليمه مطابقة لاحتياجات سامعيه، دون أن يجعل أحاديث الرب مرتبطة ببعضها، ولذلك لم يرتكب أي خطأ إذ كتب – على هذا الوجه – ما تذكره. لأنه كان يحرص على أمر واحد؛ أن لا يحذف شيئاً مما سمعه، وأن لا يقرر أي شيء خطأ “[8].
ولكن العلماء لا يتفقون مع بعض مما قاله هنا عن القديس مرقس من جهة قوله أنه لا سمع الرب ولا تبعه، لأن القديس مرقس، بحسب أغلبية العلماء كان هو الشاب الذي تبع المسيح في البستان وقت القبض عليه وهرب عارياً: ” وتبعه شاب لابسا أزارا على عريه فامسكه الشبان. فترك الازار وهرب منهم عريانا ” (مر14 :51و52). لأنه الوحيد الذي ذكر هذه الحادثة.
كما كان منزل والدته، مريم أم يوحنا الملقب مرقس، تلميذة المسيح، في أورشليم، هو مقر الكنيسة الأولى والذي كان يجتمع فيه التلاميذ: ” بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلّون” (أع12 :12)، وابن أخت برنابا ” ومرقس ابن أخت برنابا ” (كو4 :10). وقد خدم مع كل من القديسين بولس وبرنابا: ” ورجع برنابا وشاول من أورشليم بعد ما كمّلا الخدمة وأخذا معهما يوحنا الملقب مرقس ” (أع12 :25)، وبعد ذلك فارقهما في بمفيلية (أع13 :13)، وكرز مع القديس برنابا في قبرس بعد أن انفصلا عن القديس بولس: ” وبرنابا اخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرس ” (أع15 :39). ثم عاد القديس بولس وطلبه ليخدم معه: ” لوقا وحده معي.
خذ مرقس واحضره معك لأنه نافع لي للخدمة ” (2تي4 :11). وكان من الخدام العاملين معه: ” ومرقس وارسترخس وديماس ولوقا العاملون معي ” (فل1 :24)، وأوصى أهل كولوسي أن يقبلوه: ” يسلم عليكم ارسترخس المأسور معي ومرقس ابن أخت برنابا الذي أخذتم لأجله وصايا. أن أتى إليكم فاقبلوه ” (4 :10). كما كان يعمل مع القديس بطرس الذي وصفه بابنه: ” تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني ” (1بط5 :13). هذا التاريخ الطويل للقديس مرقس في الخدمة وكونه أحد الذين شاهدوا المسيح وكان بيت والدته مقرا للكنيسة الأولى يؤكد أن ما قاله عنه بابياس لا يوفيه حقه وكونه ناظر الإله الإنجيلي كما تسميه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ويضيف يوسابيوس أيضا عن بابياس: ” ويستقي نفس الكاتب (أي بابياس) بعض الشهادات من رسالة يوحنا الأولى ورسالة بطرس أيضاً “[9].
ويضيف عالم النقد الكتابي بروس متزجر قائلاً: ” توجد أدلة أخرى مبعثرة ومحفوظة عن طريق يوسابيوس وجيروم وفيليب أسقف صيدا وأيضا آباء كثيرين متأخرين تؤكد أن بابياس كان يعرف الإنجيل الرابع ورسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى وسفر الرؤيا “[10]. وعلى الرغم من أنه لم يذكر شيئاً عن رسائل بولس أو الإنجيل للقديس لوقا فهذا لا يعني أن لا يعرفهم، لأن كتاباته مفقودة ولا نعرف كل ما جاء بها، كما أن طبيعة مجلداته الخمسة في أقوال الرب ركزت على ما جاء في الإنجيل للقديس متى وتفسيره لها، وهذا ما كان في بؤرة اهتمامه.
الرسالة الثانية المنسوبة لأكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
الرسالة الثانية المنسوبة لأكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد
الرسالة الثانية المنسوبة لأكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد
والتي يجمع العلماء على أنها ترجع لبداية القرن الثاني، وترجع قيمتها بالنسبة لنا في هذا المجال، لكونها كانت تعبر عن فكر إحدى الجماعات المسيحية فى بداية القرن الثاني وشهادتها لوحي أسفار العهد الجديد وقانونيتها. وقد وردت هذه الرسالة مع الرسالة المنسوبة للقدّيس أكليمندس الروماني في المخطوطات الثلاث الأول: المخطوطة الإسكندرية (A) والقسطنيطينية (C) والسريانية (S). وهي عبارة عن عظة وهذا واضح من تكوينها الأدبي وطابعها ونغمتها الوعظية (ف ١٧، ١٩، ٢٠). وكانت تقرأ في العبادة العامة بعد تلاوة فصل من الكتاب المقدّس (ف ١٩).
وهي منسوبة لأكليمندس الروماني لكن ليس هو كاتبها بإجماع العلماء وهي أقل بكثير من الرسالة الأصيلة في محتوياتها وطابعها، وقد كتبت في بداية القرن الثاني وترجع أهميّتها لنا لكونها أول عظة مسيحيّة وصلت إلينا حتى اليوم. ويقول كاتبها أنها كانت تقرأ عالياً: ” لذلك أيّها الاخوة والأخوات إذ سمعتم إله الحق الذي قرأته عليكم الآن متوسّلاً أن تهتمّوا بهذه الأمور المكتوبة لكي تخلَّصوا أنتم والذي يُقرأ بينكم ” (19 :1). عموما هي ليست رسالته ولا كاتبها هو أكليمندس.
ويقول لايتفوت[1]: ” إن كانت الرسالة الأولى لأكليمندس هي أول عمل يكشف لنا عن الليتورچيّا المسيحيّة، فإن المسمّاة بالرسالة الثانية هي أول مثل للعظة المسيحيّة “.
ويقول ريتشاردسون: ” تجد في هذه الوثيقة أقدّم عظة مسيحيّة محفوظة، تبدو من نتاج كنيسة الإسكندريّة قبل منتصف القرن الثاني. لها أهميّتها إذ تشير إلى استخدّام إنجيل مزور، كشهادة لبعض الآثار الغنوسيّة، وفي نفس الوقت في أساسها تهاجم الأفكار الغنوسيّة؛ كما تقدّم وجهة النظر تجاه الكنيسة بكونها استمرارًا للتجسّد “[2].
ويقول المؤرخ الكنسي يوسابيوس، والذي كان أول من تكلم عنها: ” ويجب أيضا ملاحظة ما قيل أنه توجد رسالة ثانية لأكليمندس. ولكننا لا نعرف بأن هذه معترف بها كالسابقة. لأننا لم نلاحظ الاقدمين أشاروا إليها “[3]. ويقول عنها القديس جيروم في ” مشاهير الرجال “[4]: ” توجد رسالة أخرى تحت اسمه رفضها الكتّاب الأوّلون “.
ويجمع العلماء على أنها ترجع لبداية القرن الثاني، وترجع قيمتها بالنسبة لنا في هذا المجال، لكونها تعبر عن فكر إحدى الجماعات المسيحية في بداية القرن الثاني وشهادتها لوحي أسفار العهد الجديد وقانونيتها. وهي تقتبس من الأناجيل الأربعة كثيراً وتسبق هذه الاقتباسات عبارات ” لأن الرب يقول في الإنجيل ” (8 :5). و ” يقول كتاب مقدس آخر ” (4 :2). ويؤكد استخدام الكاتب للفعل المضارع ” يقول ” أنه يشير إلى الأناجيل المكتوبة وإيمانه بأنها كلمة الله وكتابه المقدس. وفيما يلي بعض من اقتباساته من بعض أسفار العهد الجديد:
(1) يقتبس من الإنجيل للقديس متى بشكل مباشر أو بصورة جوهرية فقرات كثيرة، منها على سبيل المثال: يقول في الفقرة: ” فإنه هو بنفسه يُعلن: من يعترف بي قدّام الناس اعترف أنا أيضًا به قدّام أبي ” (3 :2). وهي مأخوذة من قوله: ” مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ ” (مت10 :23).
ويقول في الفقرة التالية: ” إذ يقول الرب: ستكونون كحملان بين ذئاب “. وهي مأخوذة من قوله: ” هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ ” (مت10 :16).
ويقول أيضاً: ” إذ يقول الرب هؤلاء هم اخوتي، الذين يصنعون مشيئة أبي ” (9 :11). وهي مأخوذة من قوله: ” لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي ” (مت12 :50).
ويقول في (2 :7): ” فإن أشعّة نورهم، تضيء الخليقة كلّها من الآن بأعمالهم الصالحة، إذ هم بحق ” نور العالم “. وهي مأخوذة من قوله: ” فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ ” (مت5 :16).
ويقول في (12 :4): ” حسب تعليم ربّنا الذي قال: هذا الجنس لا يخرج بشيء ألاّ بالصوم والصلاة “. والمأخوذة من قوله: ” وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْم ” (مت17 :21).
وفي (4 :1و2) يقول: إذن ليتنا لا نقف عند مجرّد دعوته ” يا رب “، فإن هذا لا يخلّصنا. إذ يقول: ” ليس كل من يقول لي يارب يارب يخلص بل الذي يفعل البرّ “. الجزء الثاني من الفقرة هو افتباس من (مت ٧ :٢١): ” لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ “.
(2) ويقتبس من الإنجيل للقديس لوقا الفقرة التالية: ” يقول الرب في الإنجيل: إن لم تكونوا أمناء في القليل من يأتمنكم على الكثير؟ فإني أقول لكم الأمين في القليل أمين أيضًا في الكثير ” (5 :8). والمأخوذة من قوله: ” اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ، وَالظَّالِمُ فِي الْقَلِيلِ ظَالِمٌ أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ. فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي مَالِ الظُّلْمِ، فَمَنْ يَأْتَمِنُكُمْ عَلَى الْحَقِّ؟ ” (لو١٦ :١٠ – 12).
(3) ويقتبس فقرات موجودة في الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس لوقا معاً مثل الفقرات التالية: ” إذ يقول الرب ” هؤلاء هم اخوتي، الذين يصنعون مشيئة أبي ” (9 :11). وهي مأخوذة من: ” لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي ” (مت12 :50). وكذلك لوقا (لو8 :21): ” أُمِّي وَإِخْوَتِي هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ بِهَا “.
وأيضاً: ” يقول الرب: ” لا يقدر خادم أن يخدم سيّدين. إن أردنا أن نخدم الله والمال، لا ننتفع شيئًا. لأنه ” ماذا يفيد الإنسان أن يربح العالم كلّه ويخسر نفسه؟! ” (6 :1و2). الأولى اقتباس مباشر من قوله: ” لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ ” (مت6 :24؛ لو16 :13). والثانية أقتباس من قوله: ” لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ ” (مت١٦ :٢٦؛ مر٨ :٣٦؛ لو٩ :٢٥).
ويقول أيضاً: ” إذ يقول الرب: ستكونون كحملان بين ذئاب. أجابه بطرس قائلاً: ” ماذا يكون إذا مزّقت الذئاب الحملان إربًا؟ قال يسوع لبطرس: الحملان بعد موتها لا تخاف الذئاب، هكذا لا تخافوا من الذين يقتلونكم وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنّم ” (5 :2 – 4). الجزء الأول من هذه الفقرة مأخوذ من قوله: ” هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ ” (لوقا10 :3). والجزء الثاني من قوله: ” وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ ” (مت10 :28).
(4) ويأخذ فكرة النص التالي من رومية: ” وصايا الرب. وإذ يكون للكل ذهن واحد، نجتمع مع بعضنا البعض لنربح الحياة. (17 :3)، من الآية التالية: ” مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَامًا وَاحِدًا ” (رو12 :16).
(5) ويأخذ نص الفقرة التالية (11 :7): ” فإن فعلنا ما هو برّ في عينيّ الله ندخل ملكوته ونتقبل المواعيد، ما لم تسمع به أذن ولم تره عين ولم يخطر على قلب إنسان “، من قوله: ” فَإِذْ لَنَا هذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ ” (2كو7 :1). وقوله: ” بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ ” (1كو2 :9).
(6) ومن أفسس يأخذ فكرة الفقرة: ” على أي الأحوال لست أفترض أنكم تجهلون أن الكنيسة الحيّة هي جسد المسيح ” (14 :2). ” لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ ” (أف22و23). وفكرة الفقرة: ” فإنّنا أحيانًا نمارس الشر لا شعوريًا بسبب تردّد ذهننا وعدم الإيمان الكامن في صدورنا، إذ صار فهمنا مظلمًا بسبب شهواتنا الباطلة. (19 :2)، من قوله: ” إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ ” (أف4 :18).
(7) ومن الرسالة إلى العبرانيين فكرة الفقرة: ” فإنه أمين هو الذي وعد، يهب المكافأة لكل أحد حسب أعماله (11 :6)، من قوله: ” لِنَتَمَسَّكْ بِإِقْرَارِ الرَّجَاءِ رَاسِخًا، لأَنَّ الَّذِي وَعَدَ هُوَ أَمِينٌ ” (عب10 :23).
(8) كما اقتبس نص الفقرة التالية: ” لأن المحبّة تستر كثرة من الخطايا ” (ف 16 :4)، حرفياً من 1 بطرس: ” لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا ” (١بط٤ :٨).
وهنا نلاحظ أن كاتب الموعظة قد استخدم في موعظته على الأقل نصوص من ثمانية أسفار من العهد الجديد، على رأسها الإنجيل للقديس متى ثم الإنجيل للقديس لوقا. ولا يقلل من قيمة استخدامه لهذه الأسفار الثمانية استخدامه لنص من إنجيل المصريين المزيف الذي يشبه نص إنجيل توما المزيف، والذي يقول: ” لأنه عندما سأل شخص الرب نفسه متى يأتي أجاب: عندما يصير الاثنان واحدًا، والخارج كما الداخل، والذكر مع الأنثى ليس ذكرًا ولا أنثى “. والتي استخدمها القديس أكليمندس الإسكندري أيضاً، فهذا يدل على أنها كانت منتشرة بين الآباء لتشابهها من جهة الشكل وليس المضمون مع تعليم الرب يسوع المسيح[5].
رسالة برنابا وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
صورة أرشيفية
رسالة برنابا وقانونية العهد الجديد
يجمع العلماء على أن هذه الرسالة قد كتبت في نهاية القرن الأول وأن كاتبها مستقيم الرأي (أرثوذكسي)، وكان أول من ذكرها هما أكليمندس الإسكندري[1] واوريجانوس[2] وبقية الآباء، بعدهما، ويشير إليها المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري باعتبارها من الأسفار غير القانونية، وقد كتبها كاتب مسيحي في نهاية القرن الأول يبدو أن اسمه برنابا [3]، كما يبدو أن كاتبها غير يهودي وقد حصل على هذا الاسم بعد أن صار مسيحياً، وهذا واضح من عرضه لدمار هيكل أورشليم سنة 70م حيث يقول: ” هذا ما حدث من أعدائهم دمروا الهيكل بينما كان اليهود يحاربون. وقد قيل أن المدينة والهيكل وشعب إسرائيل كلها ستستسلم ” (16 :5). وأن كان بعض الآباء قد نسبوها للقديس برنابا ولكن ذكر دمار أورشليم على أنه حدث من فترة يدل على أنها كتبت بعد رحيله من العالم بمدة. على أيه حال يجمع العلماء حاليا على أن كاتبها ليس هو القديس برنابا بل مسيحي أرثوذكسي بنفس الاسم.
واقتبست الرسالة واستشهدت وأشارت لجوهر الإنجيل للقديسين متى ولوقا ويوحنا وأعمال الرسل و1و2 تيموثاوس و1 بطرس ورؤيا باعتبارهاً أسفاراً مقدسة وموحى بها. ومن الواضح أن الإنجيل للقديس متى كان الإنجيل المفضل لديه، أو الموجود بين يديه دائماً، وهناك ثلاث فقرات تؤكد هذه الحقيقة[4]: (1) يقول في الفقرة (7 :3): ” وعندما صلب سقي الخل والمر “.
وعبارة الخل والمر وردت في الإنجيل للقديس متى: ” أَعْطَوْهُ خَّلاً مَمْزُوجًا بِمَرَارَةٍ لِيَشْرَبَ ” (مت27 :34)، والإنجيل للقديس مرقس: ” خَمْرًا مَمْزُوجَةً بِمُرّ ” (مر15 :23)، أما في لوقا: ” وَيُقَدِّمُونَ لَهُ خَلاُ ” (لو23 :36)، ويوحنا ” فَمَلأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ ” (يو :19)، دون ذكر للمر، مما يدل على أنه كان يقرأ الإنجيل للقديس متى ويستشهد بنصوصه. (2) وفي فقرة (4 :14) ” كما هو مكتوب لأن كثيرون يدعون وقليلون ينتخبون “.
وهذا اقتباس مباشر من متى ” كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ “. وتؤكد عبارة: ” كما هو مكتوب “، التي تعبر عن وحي السفر المقتبسة منه لإيمانه بوحي وقانونية الإنجيل للقديس متى وأنه كلمة الله. (3) وفي فقرة (4 :9) يقول ” لم يأت ليدعو أبراراً بل خطاه إلى التوبة ” وهذه العبارة موجودة بنصها وفعلها في كل من (مت9 :13؛ مر2 :17).
ثم يقول عن تلاميذه ورسله الذين بشروا بالإنجيل: ” أختار الرسل الذين بشروا بإنجيله من بين أكثر الناس شرا ليبرهن أنه لم يأت ليدعو ابراراً بل خطاة إلى التوبة ” (5 :9). وهذا صدى لما قاله القديس بولس: ” الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا ” (1تي1 :15)، واقتباس مباشر لقوله: ” لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ ” (لو5 :32؛ مر2 :17؛ مت9 :13).
كما اشارت الرسالة لما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا عن الحية النحاسية كرمز للرب يسوع المسيح: ” ومرة أخرى صنع موسى رسماً ليسوع وآلامه الضرورية وعندما كان الإسرائيليون يسقطون كانوا يتطلعون إليه وكان يشفيهم. أن الرب لكي يعلم إسرائيل بأن عصيانه اسلمه إلى حزن الموت سلط عليهم أنواعاً من الحيات لتلسعهم وكانوا يموتون … صنع موسى حية نحاسية ورفعها بمجد ودعا الشعب … فقال لهم عندما يلسع أحدكم فليتقدم من الحية المرفوعة على الخشبة …وهكذا فعلوا. أن مجد يسوع يقوم على هذا. أن كل الأشياء هي فيه وله ” (12 :5 – 7). وهذا كان صدى بل وإشارة مباشرة عن رمز الحية للرب يسوع المسيح كما أكد هو نفسه: ” وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ ” (يو3 :14 و15).
كما كان صدى رسالتي بولس إلى تيموثاؤس 1و2 واضحاً، فيقول في (5 :9): ” أختار الرسل المبشرين بإنجيله من بين أكثر الناس شراً ليبرهن أنه لم يأت ليدعوا ابرار بل خطاة “. والجزء الأول من الفقرة هو صدى لما جاء في (1تي1 :15):
” الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا “. والثانية هي اقتباس مباشر من (مت9 : 13): ” لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ “. كما يبدو أن قوله عن المسيح: ” ظهر بالجسد وأحتمل الآلام ” (5 :6)، هو إشارة لقوله: ” عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ ” (1تي3 :16). وفي قوله: ” فإذا كان ابن الله الرب العتيد أن يدين الأحياء والأموات قد تألم ليحيينا بجراحه فلنؤمن أن ابن الله لم يتألم إلا من أجلنا ” (7 :2). يستشهد في النصف الأول من الفقرة بقوله: ” الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ ” (2تي4 :1).
وفي الفقرة: ” في ذلك اليوم سيرتدي ثوباً قرمزياً على جسده ” (7 :9)، يتأثر بما جاء في سفر الرؤيا: ” وَفِي وَسْطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، مُتَسَرْبِلاً بِثَوْبٍ إِلَى الرِّجْلَيْنِ ” (رؤ1 :13ثث). مما يدل على معرفة الكاتب بسفر الرؤيا.
كما تكلم عن قيامة الرب يسوع المسيح وظهوره وصعوده: ” لذلك نعيد اليوم الثامن بفرح. اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات وظهر وصعد إلى السماء ” ( 5 :5-12). وقيامة الرب مذكورة في معظم أسفار العهد الجديد أما صعوده فمذكور في حوالي ستة أسفار من أسفاره: ” انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ (لو24 :51)[5].
الديداكية وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
الديداكية وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
الديداكية وقانونية العهد الجديد
كُتب هذا الكتاب في نهاية القرن الأول أو بداية الثاني كان له أهمية خاصة في العصور الأولى حتى حاول البعض ضمه إلى أسفار العهد الجديد، فأوضح آباء الكنيسة مثل البابا أثناسيوس الاسكندري[1] ويوسابيوس القيصري[2] وروفينوس أنها ليست من الكتب القانونية الموحى بها إنما من الكتب التي تقرأ[3]. وكان هذا الكتاب غير معروف للغرب حتى اكتشفه الميتروبوليت فيلوثيؤس برينّيوس سنة 1875م في بطريركية الروم الأرثوذكس بأورشليم، في مخطوطة منسوخة من سنة 1056م[4]، ونشره في القسطنطينية سنة 1883م فتهافت العلماء على قراءته ودراسته ونقل إلى لغات أجنبية[5]. كما أثار ضجة في الأوساط العلمية، خاصة في ألمانيا وانجلترا وأمريكا[6] لم يحدث مثلها في أي اكتشاف أدبي سابق.
ويرجح العلماء أنه كتب في أنطاكية ويرى عدد كبير منهم أنه كتب في القرن الأول في حين ترى الغالبية أنه كتب في الربع الأول من القرن الثاني[7]، أي أنه كتب فيما بين سنة 80 وسنة 120م. وقد خدم هذا الكتاب الكثير من الأعمال الليتورچية والكتابات الخاصة بالقوانين الرسولية مثل الدسقولية السريانية والتقليد الرسولي لهيبوليتوس والقوانين الرسولية. ويقول عالم الآبائيات Quasten[8]: ” بين أيدينا ملخص لتوجيهات تعطينا صورة رائعة للحياة المسيحية في القرن الثاني. في الحقيقة نجد هنا أقدم نظام كنسي، نموذجًا قيِّمًا لكل التجمعات القديمة الخاصة بالنظم والقوانين الرسولية. هذا النموذج هو بداية القانون الكنسي شرقًا وغربًا “.
وأقتبس كثيراً من الإنجيل للقديس متى وأشار إلى الإنجيل ككل، سواء الإنجيل الشفوي أو المكتوب[9] بقوله: ” كما هي عندكم في الإنجيل ” (15 :3و4) و ” كما أمر الرب في إنجيله ” (8 :2) و ” حسب ما جاء في الإنجيل ” (11 :3) و ” كما يقول الإنجيل ” (15 :3)، ويقتبس من الإنجيل للقديس متى بقوله ” لا تصلوا كما يصلى المراؤون، بل كما أمر السيد في إنجيله، ” وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ ” (مت6 :5).
ويطلب من الشعب أن لا يصوم الاثنين والخميس مع اليهود بل يصوم الأربعاء والجمعة وأن يصلوا الصلاة الربانية كالآتي: ” لا تصوموا مع المرائين، المراءون يصومون يومي الاثنين والخميس، أما أنتم فصوموا يوم الأربعاء ويوم الجمعة ” (8 :1). كما يقتبس الصلاة الربانية من الإنجيل للقديس لوقا: ” لا تُصلوا كما يصلى المراءون، بل كما أمر السيد في إنجيله، فصلوا هكذا: أبانا الذى فى السماوات، ليتقدس أسمك، ليأتى ملكوتك، لتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض، خبزنا كفافنا أعطنا اليوم، وأغفر لنا ما علينا كما نغفر نحن للمديونين لنا، ولا تدخلنا فى تجربة لكن نجنا من الشرير، لأن لك القدرة والمجد الى الأبد. صلوا هكذا ثلاث مرات فى اليوم ” (8 :2). وهو ما جاء في الإنجيل للقديس متى (مت6 :9-13).
ويقتبس من الإنجيل للقديس متى قوله: ” لأن الرب قال لا تعطوا ما هو مقدس للكلاب ” (9 :5)، من ” لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب ” (مت7 :6). وكذلك حديث الرب عن المجيء الثاني: ” ولكن كما كتب: سيأتي الرب ومعه القديسون ” (زك14 :5) ثم يضيف ” وسينظر العالم مخلصاً آتياً على سحب السماء “، أنظر مع مت (24 :30): ” وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ “[10].
كما يقول عن المعمودية معبراً عما كان عليه طقس الكنيسة في القرن الأول: ” بعد أن تُعلموا ما سبق، عمدوا كما يأتى: باسم الآب والابن والروح القدس[11]، بماء جارى. فإذا لم يكن هناك ماء جارى، فعمدوا بماء آخر، وإذا لم تستطع ان تُعمد بماء بارد فعمد بماء حار. اذا كنت لا تملك كلاهما، فأسكب الماء فوق الرأس ثلاثا[12] على أسم الأب والابن والروح القدس. على الذي يعمد والذي يعتمد أن يصوموا هم وغيرهم ممن يستطيعون. أوصى من يريد أن يعتمد أن يصوم يوما او يومين قبل المعمودية “.
بل ونجد صدى واسع لحديث الرب يسوع المسيح في العظة على الجبل مما يدل على أن الكاتب أما كان يحفظ نص الموعظة من الإنجيل الشفوي، أو كان معه نص الإنجيل للقديس متى. أنظر على سبيل المثال ما جاء في الفصل الأول: ” باركوا لاعنيكم، صلوا من أجل اعدائكم صوموا من أجل مضطهديكم، أي فضل لكم ان أحببتم الذين يحبونكم؟ ألا تفعل الأمم ذلك؟ أما انتم فأحبوا مبغضيكم، فلا يكون لكم مبغضين … من ضربك على خدك الأيمن فحول له الأخر … اذا سخرك احد أن تمشى معه ميلا فأمشى ميلين، اذا أخذ احد منك وشاحك فأعطه ثوبك أيضاً “.
وكذلك في الفصل الثاني: ” لا تقتل، لا تزن .. لا تسرق .. لا تحلف، ولا تشهد بالزور “.
كما نجد في صلاة الأفخارستيا في الفصلين التاسع والعاشر صدى لما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا (6 :25-58؛ ص 17)، وهو يعكس تقليداً شفوياً خاصاً بالقديس يوحنا[13].
ويتكلم في الفصل السادس عشر عن المجيء الثاني للرب يسوع المسيح بنفس التفصيلات التي وردت في الإنجيل للقديس متى مع بعض الإشارات لما جاء في لوقا ورؤيا و2 تسالونيكي وزكريا: ” اسهروا على حياتكم، ولا تدعوا مصابيحكم تنطفيء[14]، ولا أحقاءكم تنحل[15]، بل كونوا مستعدين دائمًا لأنكم لا تعرفون الساعة التي يأتي فيها ربنا (لو١٢ :٣٥؛ مت٢٤ 00 إذ يزداد الإثم يكره الناس بعضهم بعضًا، ويضطهدون بعضهم بعضًا، ويطردون بعضهم بعضًا (مت٢٤ :٨ – ٩)، عندئذ يظهر مضلل العالم (رؤ١٢ :٩) كابن الله (٢تس٢ :٤).
ويصنع آيات وعجائب (مت2٤ :3٤) وتصبح الأرض في قبضة يديه، ويرتكب آثامًا لم يحدث مثلها منذ البدء. عندئذ تدخل الخليقة نار الاختبار، ويتعثر كثيرون ويهلكون. أما الذين يثبتون في إيمانهم فيخلصون (مت2٤ :٨و٩) من اللعنة. عندئذ تظهر علامات الحق[16]: أولاً علامة السموات مفتوحة ثم علامة صوت البوق (مت2٤ :٣١). ثانيًا قيامة الموتى، ليس جميعهم. لكن كما قيل: سيأتي الرب ومعه جميع قديسيه (زك١٤ :٥)، وسينظر العالم الرب آتيًا على سحب السماء (مت2٤ :٣٠) “.
[1] ولزيادة التدقيق أضيف إلى ذلك، كاتباً تحت إلحاح الضرورة، أنه توجد أيضاً كُتب أخرى – إضافة لما سبق – لم تُقبل حقاً ككتب قانونية إلا أن الآباء قد أوصوا بأن يطالعها المنضمون إلينا حديثاً، والراغبون في أن يتدرَّبوا في تعليم التقوى، وهي: حكمة سليمان، وحكمة سيراخ، وأسفار أستير ويهوديت وطوبيا، وذاك الذي يُدعى تعليم الرسل، والرَّاعي. الكتب السابقة يا إخوتي هي المتضمنة في القانون، أما الأخيرة فتُقرأ فحسب. ولا يوجد أيُّ ذكر للكتابات الأبوكريفية، فهذه اختراع هراطقة، يكتبونها كما يحلو لهم، واضعين عليها استحساناتهم، ومحددين لها تواريخ، لكي تبدو كتابات قديمة، لعلهم يجدون فرصة ليضلوا البسطاء.
[2] يوسابيوس 3 :25 ،4.
[3] Com. in Symb. 38.
[4] Bruce M. Metzger The Canon Of The New Testament Its Origin, Development, and Significance p.49.
[5] الابوين جورج نصور ويوحنا ثابت، سلسلة النصوص الليتورجية، اليداكية ص 9.
[6] المطران الياس معوض: الآباء الرسوليين، ص ٥٦.
[7] Bruce M. Metzger p.49.
[8] Quasten Petrology, vol 1, p 30.
[9] يعترض البعض من المشككين على استشهادنا بالديداكية لقانونية أسفار العهد الجديد بحجة أن آباء الكنيسة قالوا أنها ليست موحى بها!! ونقول لهؤلاء أنها من كتابات الآباء الرسوليين الذين تتلمذوا على أيدي تلاميذ المسيح ورسله، ونعرف أنها ليست موحى بها، لأن الله لم يوحي لغير أنبيائه في العهد القديم وتلاميذه ورسله فقط، في العهد الجديد. أما خلفاؤهم فقد قدموا لنا شهادة مباشرة عن أسفار العهد الجديد وصحة وحيها وقانونيتها واستلامهم لها من أيدي الرسل أنفسهم، سواء كان ذلك شفوياً أو مكتوباً.
[12] هنا سكب الماء على الرأس جائز عند ندرة وجود الماء، سمحت به الكنيسة فيما بعد في حالة المرض الشديد، حيث يعجز المريض عن النزول إلى المعمودية، يسميه البعض Clinical Baptism. القمص تادرس يعقوب ملطي.
[13] أنظر: ” (1) أما عن سر الشكر، فاشكروا هكذا.(2) أولاً عن الكأس. نشكرك يا أبانا لكرمة داود أبنك المقدسة التى
عرفتنا بابنك يسوع، فلك المجد الى الأبد. (3) وحول كسر الخبز: نشكرك يا أبانا للحياة والمعرفة التى وهبتنا بيسوع أبنك فلك المجد الى الأجيال. (4) وكما أن هذا الخبز كان منثورا فوق الجبال ثم جُمع فصار خبزا واحدا، كذلك أجمع كنيستك من أقاصى المسكونة الى ملكوتك لأن لك المجد والقدرة بيسوع المسيح. (5) لا يأكل احد من كسر شكركم إلا المُعمدون باسم السيد لأنه قال لا تعطوا درركم للكلاب. الفصل العاشر: ” (1) بعد أن تشبعوا اشكروا هكذا. (2) نشكرك أيها الأب القدوس، من أجل اسمك المقدس الذى سكن فى قلوبنا ومن أجل المعرفة والأيمان والخلود، الذي عرفتٌنا بواسطة يسوع أبنك فلك المجد الى الأجيال. (3) أنت ايها السيد الكُلى القدرة جبلت الكل من أجل اسمك، أنت الذى أعطيت الغذاء والشراب للبشر للبهجة ليشكروك، ولقد وهبت لنا غذاء روحيا وشرابا وحياة أبدية بابنك يسوع. (4) قبل كل شيء نشكرك لأنك قوى فلك المجد الى الأبد “.
[14] تبدو هنا إشارة للعذارى الجاهلات في مثل الخمس عذارى الحكيمات والخمس الجاهلات: ” أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا ” (مت25 :3).
القديس بوليكاربوس وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
القديس بوليكاربوس وقانونية العهد الجديد
القديس بوليكاربوس وقانونية العهد الجديد
أسقف سميرنا بآسيا الصغرى (حاليا أزمير بتركيا) والذي قال عنه كل من القديس إيريناؤس والمؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري أنه كان تلميذاً للقديس يوحنا وبعض الرسل الذين أقاموه أسقفاً على سميرنا بآسيا الصغرى والذي استلم منهم التقليد الرسولي، يقول عنه القديس إيريناؤس ” ولكن بوليكاربوس لم يكن متعلماً من الرسل فحسب بل وتحدث مع الكثيرين من الذين رأوا المسيح وتعين من الرسل في أسيا أسقفاً لكنيسة سميرنا، الذي رأيته في شبابي … كان رجلاً أكثر عظمة وأكثر رسوخاً في الشهادة للحق “[1]. ” ولأن بوليكاربوس كان متذكرا كلماتهم (رسل المسيح) وما سمعه منهم عن الرب وعن معجزاته وتعاليمه لإستلامها من شهود شهدوا بأعينهم كلمة الحياة (يو1 :1) فقد روى كل شيء بما يتفق مع الأسفار المقدسة “[2].
” إنه لا يزال ثابتاً في مخيلتي نوع الاحتشام والرصانة الذي كان يتصف به القديس بوليكاربوس مع احترام هيئته ووقار طلعته وقداسة سيرته، وتلك الإرشادات الإلهية التي كان يعلم بها رعيته وبأبلغ من ذلك كأني أسمع ألفاظه التي كان ينطق بها عن الأحاديث التي تمت بينه وبين القديس يوحنا الإنجيلي وغيره من القديسين الذين شاهدوا يسوع المسيح على الأرض وترددوا معه وعن الحقائق التي تعلمها وتسلمها منهم “[3].
ويقول جيروم: ” أنه تلميذ للقديس يوحنا الرسول سيم أسقفاً على سميرنا وفي الوقت نفسه أسقفاً على كل آسيا، ورأى وتعلم من بعض الرسل الذين قد عاينوا الرب “[4].
ويقول العلامة ترتليان أن يوحنا الحبيب هو الذي أقام بوليكاربوس أسقفاً قبل أن ينفى إلي جزيرة بطمس. وكان مجاهدا قوياً ضد الهراطقة. يقول تلميذه إيريناؤس عن جهاده ضد الهراطقة وبخاصة مركيون, كما ينقل عنه يوسابيوس القيصرى[5]: ” ويشهد لهذه الأمور كل كنائس آسيا, ويشهد أيضا أولئك الذين الى عصرنا هذا خلفوا بوليكاربوس الذى كان شاهداً للحق أكثر أمانة وإخلاصا من فالنتينوس ومركيون وسائر الهراطقة. وهو أيضاً كان في روما في عصر انيسيتوس، وحول كثيرين من المضلين السابق ذكرهم الى كنيسة الله. معلناً أنه تسلم من الرسل هذه الطريقة الواحدة الوحيدة الحق الذى سلمته الكنيسة.
وهناك من سمعوا منه أن يوحنا تلميذ الرب، إذ أراد الاستحمام فى أفسس ورأى كيرنثوس داخل الحمام, وغادره فى الحال دون أن يستحم صارخاً. لنهرب لئلا يسقط الحمام لأن كيرنثوس عدو الحق بداخله. وبوليكاربوس نفسه إذ رآه مرة مركيون وقال له: أتعرفنا؟ أجاب أنا أعرفك أول مواليد (بكر) الشيطان …
وهناك أيضاً رسالة قوية جداً لبوليكاربوس كتبت إلى فيلبي يستطيع كل من أراد وكل من يعني بأمر خلاص نفسه أن يتعلم منها طريقة إيمانه والكرازة بالحق “.
وقد كتب رسالته هذه التي أشار إليها يوسابيوس حوالي سنة 110م، وهي رسالة قصيرة أستشهد فيها 112 مرة من الكتاب المقدس كله منها 100 مرة من 17 سفراً من العهد الجديد، الأناجيل الثلاثة الأولى (متى ومرقس ولوقا) وسفر أعمال الرسل والرسائل الآتية: الأولى والثانية إلى كورنثوس وغلاطية وأفسس فيلبي وتسالونيكى الأولى والثانية وتيموثاؤس الأولى والثانية والعبرانيين ورسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى والثالثة.
وكان السلطان الإلهي والوحي عنده مثل الرسل والكنيسة الأولى يتكون من ثلاثة أسس هي؛ الرب يسوع المسيح ورسله والأنبياء، حيث يقول: ” دعونا نخدمه بخوف وبكل وقار مثلما أوصانا, ومثل الرسل الذين بشروا لنا بالإنجيل, والأنبياء الذين تنبأوا قبل مجيء الرب “[6].
ومثل الآباء في عصره فقد كان يساوي بين ما كتبه الأنبياء في العهد القديم وبين ما كتبه رسل المسيح، وقد أقتبس في فقرة واحدة آيتين واحدة من سفر المزامير والأخرى من الرسالة إلى أفسس بقوله: ” إنني أثق بأنكم متضلعون في الكتب المقدسة, وليس شيء مخفياً عليكماً … فقد أعلن في هذه الكتب المقدسة: ” اغضبوا ولا تخطأوا. لا تغرب الشمس على غيظكم “، فطوبى لمن يتذكر هذه الكلمات التي أظن أنها خاصة بأمركم “[7]. وهو هنا يستشهد بما جاء في رسالة أفسس ” اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ ” (اف4 :26) على أنها سفر مقدس.
ويؤكد لنا أن تعليم المسيح سواء كان ذلك شفوياً أو مكتوباً في الإنجيل كان مألوفاً لفيلبي، فيقول: ” متذكرين قول الرب في تعليمه: لا تدينوا كي لا تدانوا. اغفروا يغفر لكم. ارحموا ترحموا. بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. وعلاوة على ذلك: طوبى للمساكين وللمطروحين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات “[8]. وهنا نرى نص الموعظة على الجبل واضحاً ” طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ … طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ ” (مت5 :3و10)، وأن كان هناك مزج في بقية النص بين (مت7 :1و2؛ لو6 :36 – 38)؛ ” لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ ” (مت7 :1و2)، ” وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا … اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ ” (لو6 :37).
ويقتبس اقتباساً نصياً حرفياً من الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس مرقس: ” أحفظوا الأصوام, مقدمين ابتهالاتناً إلى الله الذي يرى كل شئ, حتى لا ندخل في تجربة, كما يقول الرب: ” أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف “[9]. وهي اقتباس مباشر من (مت26 :41؛ مر14 :38): ” أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ “.
ومثل الآباء في عصره وفي فجر الكنيسة الباكر فقد أكد على وحي رسائل القديس بولس ككلمة الله الموحى بها فقال: ” فلا أنا ولا أي إنسان آخر قادر على أن يصل إلى حكمة المبارك والممجد بولس الذي كان قائماً يعلم بين الذين عاشوا في تلك الأيام، وعلم الحق بدقة وثبات، وبعد رحيله ترك لكم رسالة إذا درستموها صرتم قادرين على أن تبنوا إيمانكم الذي تسلمتموه “[10].
وكان يعرف الرسالة إلى العبرانيين فيأخذ عنها لقب الرب يسوع المسيح كالكاهن الأعلى والأبدي: ” ويسوع المسيح نفسه ابن الله وكاهننا العلي الأبدي ” (12 :2)، والتي ورد في عبرانيين: ” حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِق لأَجْلِنَا … رَئِيسَ كَهَنَةٍ إِلَى الأَبَدِ ” (عب6 :20)، ” هذَا يَبْقَى كَاهِنًا إِلَى الأَبَدِ ” (عب7 :3). ويبدو أن قوله: ” فلنخدم الرب في خوف وبكل وقار “[11]، صدى لما جاء في عبرانيين: ” لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى ” (عب12 :28).
ويقول في مقدمة رسالته: ” الذي وأن لم تروه (المسيح) تحبونه ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد “. وهذا نص حرفي من رسالة بطرس الأولى: ” الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ
وفي تحذيره ضد الفكر الدوسيتي الغنوسي الذي ينكر أن المسيح قد أتخذ جسداً[12]، ضد المسيح، يقول: ” كل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله (ضد المسيح) ومن لا يعترف بموت الصليب فهو من الشرير … وهكذا إذ نترك غرور الكثيرين وتعاليمهم الفاسدة “[13]. وهذا اقتباس لجوهر ما جاء في رسالة يوحنا الأولى: ” بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي ” (1يو4 :2و3).
ونظرا لكثرة ما اقتبسه أو استشهد به أو أشار إليه أو كان صدى لما جاء في العهد الجديد نضع حوالي 50 منها في الجدول التالي:
ع ج
الموضوع
بوليكاربوس
مت1:7و2
متذكرين ما قاله المخلص لتعليمنا ” لا تدينوا لكي لا تدانوا. اغفروا يغفر لكم. ارحموا فترحموا وبالكيل الذي تكيلون به يكال لكم “
3:2
مت13:6
ولنطلب من الله … أن ” لا يدخلنا في تجربة “
2:7
مت14:26
لأن الرب قال” الروح يقظ أما الجسد فضعيف “
2:7
مت 5: 44
لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم
12: 3
مر 9: 35
خادما للكل
2:5
لو20:6
متذكرين ما قاله المخلص ” … طوبى للفقراء والمضطهدين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات “
3:2
أع 24:2
الذي أقامه الله ناقضا أوجاع الموت (الهاوية – Hades)
2:1
اع 42:10
ديانا للأحياء والأموات
1:2
رو10:14و12
وكلنا سنقف أمام منبر المسيح وسيقدم كل منا حساباً عما فعله
2:6
1كو2:6
ألا تعرفون أن القديسين سيدينون العالم
2:11
1كو 25:14
خفايا القلب
3:4
1كو 9:6و10
ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور يرثون ملكوت الله
3:5
1كو58:15
راسخين غير متزعزعين
1:10
2كو14:4
الذي أقامه من بين الأموات سيقيمنا نحن أيضاً
2:2
2كو 7:6
بسلاح البر
1:4
2كو 21:8
معتنين دائما بأمور حسنة قدام الله والناس
6:1
2كو 1:10
مفضلين بعضكم بعض بوداعة الرب
10:1
غل1:1
الذين يؤمنون بربنا يسوع المسيح ” وبأبيه الذي أقامه من الأموات
3:12
غل 4:26
التي هي أمنا جميعا
3:3
غل 6:7
الله لا يشمخ عليه
5:1
أف18:6
صلوا من أجل جميع القديسين
18:6
أف 2:5و8و9
أنتم بالنعمة مخلصون لا من أعمال
1:3
أف 1:13
كلمة الحق
3:1
أف 4: 26
كما قيل في هذه الأسفار المقدسة ” أغضبوا ولا تخطئوا، و، لا نغرب الشمس على غيظكم
12:1
في21:3
أخضع له كل شيء ما في السماء وما على الأرض
1:2
2: 16
لا تجروا باطلاً
9:1
3: 18
أعداء الصليب
12:3
1تس22:5
امتنعوا عن كل شر
1:11
2تس15:3
ولا تحسبوهم أعداء
4:11
1تى10:6
محبة المال أصل الشرور
1:4
1تي 6:7
لأننا لم ندخل العالم بشيء ولا نقدر أن نخرج منه بشيء
4:1
1تي 2:1
صلوا أيضاً من أجل الإمبراطور والحكام والذين هم في منصب
12:3
2تى12:2
” فأننا سنحكم معه ” بشرط أن نؤمن
2:5
2تي4: 10
لأنهم ” لم يحبوا العالم الحاضر “
9:2
2تي2:25
عسى أن يعطيهم الرب توبة حقيقة
عب6: 20؛ 7: 3
الله الآب أبو ربنا يسوع المسيح، و ” رئيس الكهنة الأزلي ” نفسه يسوع المسيح ابن الله
2:12
عب12: 28
لـ ” نخدمه بخوف وكل خشوع
6:3
1بط1: 8و12
” الذي وأن لم تروه تحبونه، ذلك وأن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا يوصف ومجيد
3:1
1بط2: 24
” الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة “، ” الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر “
1:8
1بط1: 13
لذا منطقوا أحقاءكم، اخدموا الله بخوف
2:1
1بط1: 21
مؤمنين بالذي أقام ربنا يسوع المسيح من الموت وأعطوه مجداً
2:1
1بط3: 9
غير مجازين عن شر بشر أو عن شتيمة بشتيمة
2:2
1بط2: 11
كل آلام الجسد تحارب النفس
5:3
1بط4: 7
اصحوا للصلوات
7:2
1بط2: 17
أحبوا الأخوة
10:1
1بط3: 8
مشفقين الواحد مع الآخر
10:1
1يو2: 4،8:3
كل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد، هو ضد المسيح “، ” ومن لا يعترف بشهادة الصليب فهو من الشيطان “
1:7
3يو1 :8
أتبعوا الرفقاء بالحق
10:1
وإلى جانب ما سبق يقول عن لاهوت المسيح وقيامته: ” الذي سيؤمن بربنا وإلهنا يسوع المسيح وبأبيه الذي أقامه من الأموات “[14]. ويقول أيضاً ” فلنلتصق دائماً برجائنا وعريس عدالتنا يسوع المسيح الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبه (الصليب) “[15].
القديس أغناطيوس الإنطاكي وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
القديس أغناطيوس الإنطاكي وقانونية العهد الجديد
القديس أغناطيوس الإنطاكي وقانونية العهد الجديد
كان القديس أغناطيوس (30 – 117م) أسقفاً لإنطاكية بسوريا وتلميذاً للقديس بطرس الرسول، يقول عنه أوريجانوس أنه كان الأسقف الثاني لإنطاكية بعد القديس بطرس[1]. ويقول عنه يوسابيوس: ” أغناطيوس الذي اختير أسقفاً لإنطاكية خلفاً لبطرس والذي لا تزال شهرته ذائعة بين الكثيرين “[2]. ويرى ويستكوت أن رسائله هي التالية في الأدب المسيحي بعد أكليمندس: ” المدخل التقليدي لهذين المعلمين العظيمين يتناغم مع موقعهما التاريخي الحقيقي. فرسالة أكليمندس تقع في العصر الرسولي، وكان استشهاد أغناطيوس في حكم تراجان[3]، ومن ثم تكون كتابة رسائله هي التالية في التاريخ بين بقايا الأدب المسيحي الباكر “[4].
وقد كتب هذا الرجل سبعة رسائل، تحت ضغوط وصعوبات غير عادية، فبعد القبض عليه في سوريا، حيث ترك الكنيسة في إنطاكية بلا قائد، وذهبوا به في طريقه إلى روما، مكبلا بالأغلال ومحروساً بعشرة من الجنود الرومان، أو كما يقول هو: ” من سوريا إلى روما وأنا أصارع وحوشاً في البر والبحر ليلاً ونهاراً، مشدوداً إلى عشرة نمور إي إلى فصيلة من الجنود الذين صاروا أشرس بسبب معاملتي الحسنة، على أن سوء تصرفهم معي يجعلني على وجه أفضل تلميذاً للمسيح “[5]، لتنفيذ حكم الإعدام[6] ألقى للوحوش لتفترسه في الملعب الروماني الذي كان يجلس في مدرجاته حوالي 180،000 مشاهد على رأسهم الإمبراطور الروماني تراجان.
ويكتب يوسابيوس عن رسائله: ” يقول التاريخ بأنه أُرسل من سوريا إلى روما، وأصبح طعاماً للوحوش البرية بسبب شهادته للمسيح. وفي أثناء رحلته من وسط آسيا، وكان تحت حراسة حربية شديدة، وكان يشدد الكنائس في المدن المختلفة حيثما حط رحاله، وذلك بعظات ونصائح شفوية، وكان فوق كل شيء يحثهم ليحترسوا أشد الاحتراس من الهرطقات التي كانت قد بدأت تنتشر وقتئذ، وينصحهم للتمسك بتقاليد الرسل.
وكان علاوة على هذا يرى أنه من الضروري أن يدعم تلك التقاليد بأدلة يكتبها، وأن يعطيها شكلاً ثابتاً ضماناً لسلامتها … كتب رسالة إلى كنيسة أفسس … وأخرى إلى ماجنيزيا (سميرنا) … ورسالة إلى كنيسة ترالس … ورسالة إلى روما يرجوهم فيها ألا يحولوا بينه وبين الاستشهاد لئلا يحرموه من أقصى أمنيته …وكتب إلى أهل فيلادلفيا وإلى كنيسة أزمير وبصفة خاصة إلى بوليكاربوس “[7].
وقد لقب بـ ” الثيؤفورس “، أي حامل الإله، وقد أكد هو نفسه في كل رسائله بتقديمه لنفسه في افتتاحية كل رسالة: ” من أغناطيوس الملقب بالثيؤفورس إلى كنيسة … “. وقيل عنه أنه هو الصبي الصغير الذي حمله الرب يسوع المسيح مقدماً إياه مثالاً للاتضاع اذا يقول الإنجيل: ” فدعا يسوع اليه ولدا وأقامه في وسطهم وقال الحق اقول لكم ان لم ترجعوا وتصيروا مثلا الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات “[8].
وقد أكد في رسائله على المساواة بين ما كتبه الرسل وبين أسفار العهد القديم فجميعها كلمة الله الموحى بها وأسفار مقدسة وأستشهد فيها بما جاء في الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس لوقا والإنجيل للقديس يوحنا وسفر أعمال الرسل وما جاء في الرسائل إلى رومية وكورنثوس الأولى وأفسس وكولولسى وتسالونيكى الأولى وكانت آيات الإنجيل للقديس يوحنا مؤثرة جداً على عقله وفكره وقلبه ويبدو أنه كان السفر المفضل لديه. كما كان يعرف الرسالة إلى العبرانيين ورسالة بطرس الأولى[9].
بل ويتكلم عن سلطان الرسل، السلطان الرسولي[10]: ” لا آمركم مثل بطرس وبولس، فهما رسولان وأنا وأنا محكوم علي بالموت “[11]، ” ثابروا على الاتحاد بإالهنا يسوع المسيح وبالأسقف وبوصايا الرسل “[12].
كما أشار لوحي رسائل القديس بولس وإيمان الكنيسة في عصره فقال ” وقد اشتركتم في الأسرار[13] مع القديس بولس المشهود له والجدير بالتطويب. فيا ليتني أقتدي به في مسعاي إلى الله، وهو يذكركم بالمسيح يسوعفي جميع رسائله “[14].
ويستخدم في رسائله السبع لغة هي ترديد لرسائل القديس بولس وصدى لعباراتها وتحمل صفاتها، ويتكلم عن نفسه بنفس أسلوب القديس بولس[15]. وعلى سبيل المثال يستخدم قوله: ” وَآخِرَ الْكُلِّ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ظَهَرَ لِي أَنَا. لأَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ. وَلكِنْ بِنِعْمَةِ اللهِ أَنَا مَا أَنَا، وَنِعْمَتُهُ الْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً ” (1كو15 :8 – 10)، خاصة تعبيري ” السقط ” و ” أصغر ” أو ” الصغير “، فيقول في رسالته إلى روما: ” أني أخجل إذا أحسب نفسي من أعضائها (كنيسة أنطاكية)، لأني الأخير بينهم وكالسقط، إنما وجدت رحمة لأكون واحداً منهم أن وصلت إلى الله “[16].
ويقول في رسالته إلى أفسس: ” صلوا لأجل كنيسة سوريا التي اقتادوني منها إلى روما مقيدا بالسلاسل. ولئن كنت أصغر المؤمنين فقد وجدت أهلاً لمجد الله “[17]. ويقول في رسالته إلى ترالس: ” أذكروا في صلاتكم كنيسة سوريا التي لا استحق أن أحسب أحد اعضائها لأني الأصغر بينهم “[18]. ويقول في رسالته إلى أزمير (سميرنا): ” لقد ذهبت صلاتكم إلى كنيسة أنطاكية في سوريا؛ فأنا أتيت من هناك مقيداً بهذه السلاسل وهي غالية في نظر الله؛ وأنا لست أهلاً أن أكون من ابناء هذه الكنيسة لأني الأخير بينهم وإرادة الله هي التي جعلتني مستحقاً (للأسقفية) لا استحقاقاً مني بل بنعمة الله “[19].
ويؤكد لنا هذا القديس أن الإنجيل سواء الشفوي أو المكتوب هو كلمة الله وأن سلطانه فوق سلطان العهد القديم وله الأسبقية عليه[20]. فيقول في رسالته إلى سميرنا (أزمير): ” وتيقنتم أن ربنا الذي ولد حقاً من نسل داود بحسب الجسد هو ابن الله الذي بحسب مشيئته وقدرته (الآب) قد ولد حقاً من عذراء وعمده يوحنا حتى يتمم كل بر “[21].
وهنا نجد صدى لما جاء بالإنجيل للقديس متى الذي يستخدم عباراته كثيراً فميلاد الرب يسوع المسيح من عذراء مذكور في الإنجيل للقديس متى والإنجيل لوقا وعماده من يوحنا المعمدان مذكور في الأناجيل الأربعة ولكن العبارة هنا ” وعمده يوحنا حتى يتمم كل بر ” لم ترد إلا في الإنجيل للقديس متى ” فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ ” (مت3 :15).
ويستخدم عبارات الإنجيل للقديس متى كثيرا مثل قوله: ” كن دائما حكيما كالحية ونقياً كالحمام “[22]؛ مع: ” فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ ” (مت10 :16).
كما ينقل عن الإنجيل للقديس لوقا طلب الرب يسوع المسيح لتلاميذه أن يلمسوه ليتأكدوا من حقيقة قيامته، فيقول في رسالته إلى سميرنا: ” أما أنا فأعرف أنه ظل في الجسد حتى بعد قيامته. ولذلك قال لبطرس والذين معه عندما دنا منهم: ألمسوني وجسوني وأعلموا أني لست خيالاً بل جسد وفي الحال لمسوه وآمنوا واتحدوا بجسده وروحه … وبعد قيامته أكل وشرب مثل البشر ” (3 :1)، مع لوقا: ” جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي … وَبَيْنَمَا هُمْ غَيْرُ مُصَدِّقِين مِنَ الْفَرَحِ، وَمُتَعَجِّبُونَ، قَالَ لَهُمْ: أَعِنْدَكُمْ ههُنَا طَعَامٌ؟ فَنَاوَلُوهُ جُزْءًا مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَشَيْئًا مِنْ شَهْدِ عَسَل. فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ ” (24 :39-42). ويشير إلى أكل المسيح بعد قيامته ” (3 :2)[23].
وكان مضمون الإنجيل للقديس يوحنا في عقله وفكره وكان متمرسا عليه وعلى لاهوته فيستخدم أفكاره ومضمون آياته وكلماته، فيقول في رسالته إلى ماجنيسيا: ” اجتمعوا في هيكل واحد ومذبح واحد في يسوع المسيح الوحيد، الذي خرج من آب واحد وكان معه واحدا وعاد إليه وهو واحد “[24]. وهنا يستخدم تعبير الابن الوحيد، التعبير الذي تميز به الإنجيل للقديس يوحنا[25]، كما يتكلم عن خروجه من الآب وكونه كائن فيه وعودته إليه، وهذا نفس مضمون ما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا: ” خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ، وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَيْضًا أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى الآبِ ” (يو16 :28)[26].
ويقول في رسالته إلى فيلادلفيا: ” ولكن الروح لا ينخدع لأنه من الله يعرف من أين يأتي وإلى أين يذهب ” (7 :1). وهذا صدى لما جاء في قوله: ” اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ ” (يو3 :8). بل ويستخدم نفس الكلمات اليونانية الخمس التي تستخدمهما الآية عن الروح الإلهي[27].
ويستخدم تعبير رئيس هذا العالم الذي لم يذكر إلا في الإنجيل للقديس يوحنا بنفس كلماته اليونانية (ὁ ἄρχων τοῦ κόσμου = رئيس هذا العالم): ” رئيس هذا العالم يود أن يمزقني ويفسد فكري من ناحية الله ” (روما7 :1)، مع ” لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ ” (يو14 :30)[28].
كما يستخدم تعبير ” خبز الله ” عن جسد المسيح الذي من نسل داود: ” لا لذة لي بعد الآن بالطعام الفاني ولا بأطايب هذا العالم. أشتهي خبز الله وهو جسد يسوع المسيح الذي من نسل داود. والشراب الذي ابغيه دائما هو دمه. ودمه هو المحبة التي لا تفسد ” (روما7 :3). كصدى لما جاء في الإنجيل للقديس يوحنا: ” لأَنَّ خُبْزَ اللهِ هُوَ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ الْوَاهِبُ حَيَاةً لِلْعَالَمِ ” (يو6 :33)[29]، ” أَلَمْ يَقُلِ الْكِتَابُ إِنَّهُ مِنْ نَسْلِ داود ” (يو7 :42).
ويستخدم تعبير ” الباب ” الذي وصف به الرب يسوع نفسه ككناية باعتباره الباب المؤدي للحياة الأبدية، فيقول في رسالته فيلادلفيا: ” أنه الباب الذي يؤدي إلى الآب. وبه دخل إبراهيم واسحق ويعقوب والأنبياء والرسل والكنيسة. وكل هؤلاء في وحدة مع الآب “. وهذا صدى لقوله: ” أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى” (يو10 :9)[30]. وقوله: الرب يسوع المسيح: وقوله: ” كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا ” (يو17 :21)[31].
يقول ويستكوت أن استخدام أغناطيوس لهذه الفقرات من الإنجيل للقديس يوحنا تبرهن على أن فكر القديس يوحنا وعباراته وسطوره كانت منتشرة ومألوفة في ذلك الوقت وقد استخدمها أغناطيوس في رسائله[32].
ومثله مثل التلاميذ والرسل الذين كانوا يقتبسون من أسفار العهد الجديد بتعبير ” γέγραπται = مكتوب ” الذي يعني كلمة الله الموحى بها، وفي نفس الوقت يقتبس من الإنجيل باعتباره تعاليم المسيح كلمة الله الذاتي، ولكن الإنجيل عنده متميز عن كتابات العهد القديم، فيقول في رسالته إلى فيلادلفيا: ” الإنجيل له ميزة خاصة عن كتابات الأنبياء وهي مجيء المخلص ربنا يسوع المسيح وآلامه وقيامته وقد كانت للأنبياء الأحباء رسالة تشير إليه. أما الإنجيل فهو كلام حياة عدم الفساد، وعموما كل شيء صالح (الأنبياء والإنجيل) إذا تمسكتم بالإيمان في محبة “[33].
ويقول في نفس الرسالة: ” أرجوكم أن لا تأتوا عملاً بروح الخصام بل بحسب تعليم المسيح. سألني بعضهم وقال: ما لا أجده في الوثائق القديمة (يقصد اسفار العهد القديم)[34] لا اقبله ولو كان في الإنجيل. وحين قلت لهم: أن كل ما نعلم به موجود في الكتب المقدسة، أجابوا: أن هذا يحتاج إلى برهان أما أنا فوثائقي القديمة (الأسفار) هي يسوع المسيح .. ووثائقي التي لا تدحر هي صليبه وموته وقيامته والإيمان الذي أعطاه .. بكل هذا بكل هذا اتبرر بمعونة صلواتكم “[35].
وكانت السيادة بالنسبة له هي سيادة وسلطان الرب يسوع المسيح ثم الرسل ثم الأنبياء، المسيح وإنجيله أولاً: ” يا أخوتي أن قلبي يطفح بحبكم وأنه لفرح عظيم لي أن اسهر على سلامتكم لكن لست أنا الذي يسهر بل يسوع المسيح الذي أحمل قيوده. أني ارتعد كثيراً عندما أفكر في الله لأنني لازلت ناقصاً، لكن صلاتكم ستجعلني مقبولاً أمام الله لأحصل على الميراث الذي نلت بسببه رحمه، معتصما بالإنجيل مثل اعتصامي بجسد يسوع المسيح، وبالرسل ولفيف قساوسة الكنيسة.
لنحب الأنبياء أيضاً لأنهم بشروا بالإنجيل، ووضعوا رجاءهم في يسوع المسيح، وانتظروه بالإيمان .. فنالوا الخلاص واتحدوا بيسوع المسيح. لذلك هم جديرون بالمحبة والإعجاب، لا سيما أن يسوع المسيح شهد لهم وحسبهم في إنجيل رجائنا المشترك. وعموما كل شيء صالح[36] إذا تمسكتم بالإيمان في محبة “[37].
ويؤكد على تميز الإنجيل عن كتابات الأنبياء بقوله: ” الإنجيل له ميزة خاصة عن كتابات الأنبياء وهي مجيء المخلص ربنا يسوع المسيح وآلامه وقيامته، ولقد كانت للأنبياء الأحباء رسالة تشير إليه، أما الإنجيل فهو كمال حياة عدم الفساد “[38].
وفيما يلي جدول بأهم ما أستشهد به وأشار إليه من الأناجيل الثلاثة وبعض الرسائل:
ع ج
الموضوع
اغناطيوس
مت33:12
الشجرة تعرف من ثمارها
أفسس14:2
مت12:19
من يقبل فليقبل
سميرنا 1:6
رو39:24
كن دائماً حكيماً كالحية ونقياً كالحمامة
بوليكاربوس2:2
18:1يو
يسوع المسيح أبنه الوحيد
مقدمة رومية
يو28:16؛30:10
يسوع المسيح الذي خرج من الآب الواحد وهو معه وذهب إليه
مغنيسية2:7
يو6:3-8 انعكاس لحديث الرب مع نيقوديموس
الروح الآتي من الله: لأنه يعرف من أين يأتي وإلى أين يذهب
يو10:4،14؛33:6
تعبير الماء الحي
رومية13:7
يو31:12؛30:14؛11:16
إبليس رئيس هذا العالم
رومية 1:7
أف25:5،29
أوصى أخوتي باسم الرب أن يحبوا نسائهم كما أحب الرب الكنيسة
[1] Bruce M. Metzger The Canon Of The New Testament Its Origin, Development, and Significance p.43.
[2] يوسابيوس ك3 ف 2:36 .
[3] حكم تراجان فيما بين سنة 107 – 117م. ولذا لا يمكن أن يكون أغناطيوس قد كتب بعد هذا التاريخ، بل قبله بفترة.
[4] Westcott, Vol. 1. P.31.
[5] روما ف 4 :3.
[6] Holmes, M. W. The Apostolic Fathers, P. 128–129.
[7] يوسابيوس ك 3 ف 36.
[8] (مت 18: 2-4). ويقول القمص تادرس يعقوب ملطي في كتابه ” الشهيدان أغناطيوس وبوليكاربوس “: ” ولعله لهذا السبب دعي بالثيؤفورس. التي يظن البعض انها تعني المحمول بالله, وان كان المعنى الأصح لكلمة ” ثيؤفورس ” كما يقول الكُتاب الأولين هي: ” حامل الله ” أي حامل السيد المسيح في قلبه. فلعله لقب بهذا لفرط حبه لسيده المسيح. وقد اطلق عليه ذهبي الفم ” مسكن الله وخدره “.
كما يقول عنه أيضاً أنه كان تلميذا ليوحنا الحبيب: ” ويعتبر أغناطيوس اسقف انطاكية وزميله بوليكاربوس الشهيد اسقف مدينة سميرنا من أعظم تلاميذ يوحنا الحبيب وقد كان أغناطيوس يكبر عن بوليكاربوس في السن كثيرا, حتى أنه عندما كان يوجه اليه الكلام, كان يحدثه كما يحدث المعلم تلميذه, لا الانسان لزميله “.
[9] Bruce M. Metzger The Canon Of The New Testament Its Origin, Development, and Significance p.45.
[10] Eerdmans Dictionary of the Bible, Canon Of The New Testament.
[11] ترالس ف 7 :1.
[12] روما ف 4 :3.
[13] الإشارة هنا إلى الأسرار الإلهية الخاصة بمعرفة سر المسيح.
[14] أفسس ف 12.
[15] Westcott, Vol. 1. P.58.
[16] روما ف 9 :2.
[17] أفسس ف 21 :2.
[18] ترالس ف 13 :1.
[19] أزمير (سميرنا) ف 11 :1.
[20] Lee Martin McDonald The Biblical Canon Its Origin Transmission and Authority p.275.
[21] أزمير (سميرنا) ف 1 :1.
[22] رسالته إلى بوليكاربوس ف 2 :2.
[23] ويقول القديس بطرس: ” نَحْنُ الَّذِينَ أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ مِنَ الأَمْوَاتِ ” (أع10 :41).
القديس أكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد (30 – 110م) – القمص عبد المسيح بسيط
القديس أكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد
القديس أكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد (30 – 110م)
كان القديس أكليمندس الروماني (30 -110م)، أحد رفقاء القديس بولس والذي قال عنه أنه جاهد معه في نشر الإنجيل (في4 :3). كما يقول عنه القديس إيريناؤس أسقف ليون (120 – 202م)، أنه كان الأسقف الثالث لروما وخليفة رسل المسيح: ” أسس الرسل الطوباويون الكنيسة (كنيسة روما) وبنوها وسلموا الأسقفية للينوس 000 ثم خلفه اناكليتوس، وبعده صارت الأسقفية لأكليمندس والذي كان الثالث من الرسل. هذا الرجل رأى الرسل الطوباويين وتحدث معهم وكانت كرازتهم لا تزال تدوي في أذنيه وتقاليدهم ماثلة أمام عينيه. ولم يكن هو وحده في هذا لأنه كان يوجد الكثيرون الباقون من الذين تسلموا التعليم من الرسل “[1].
كما قال عنه العلامة اوريجانوس (185 – 254م) ” أكليمندس الذي رأى الرسل حقاً “[2]. وقال أوريجانوس[3] أيضاً، ويوسابيوس (حوالي 340م)[4]، وكذلك القديس جيروم سكرتير بابا روما (343 – 420م)[5]، أنه الذي قال عنه بولس الرسول: ” أكليمندس هذا هو الذي كتب عنه الرسول بولس في الرسالة إلى فيلبي: أكليمندس أَيْضًا وَبَاقِي الْعَامِلِينَ مَعِي، الَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ ” (في4 :3). ويضيف يوسابيوس: ” وكان أكليمندس، الذي أقيم ثالث أسقف على كنيسة روما، زميلاً لبولس في العمل ومجنداً معه كما يشهد بولس نفسه “[6].
وقال العلامة ترتليان أن الذي كرسه هو القديس بطرس نفسه[7]، وأكد ذلك ابيفانيوس أسقف سلاميس والذي قال عنه: ” أكليمندس معاصر بطرس وبولس والذي يذكره بولس في الرسالة إلى الرومان “[8]. وأيضاً: ” أكليمندس المسمى برفيق بطرس في الرحلات “[9].
وقد كتب رسالة لكنيسة كورنثوس[10] بسبب مشاكل قامت بين المسيحيين فيها حوالي
سنة 95 أو 96م، ويرى كواستن أن إرسال هذه الرسالة من رومية إلى كورنثوس يدل على أنه كان يتبع كنيسة روما عدة كنائس أخرى[11]، وهي واحدة من أقدم الوثائق الكنسية بعد العهد الجديد، واقتبس فيها بعض آيات العهد الجديد سواء من الذاكرة أو النص المكتوب[12]. وقد أشار فيها إلى تسليم الرب يسوع المسيح الإنجيل للرسل ومنحهم السلطان الرسولي فقال ” تسلّم الرسل الإنجيل من الرب يسوع المسيح، وأُرسل المسيح من الله.إذن المسيح من الله، والرسل من المسيح، وفي كليهما تتمّان إرادة الله بترتيب منظم. وقد تسلّم الرسل طقسهم واقتنوا الأمان الكامل بقيامة ربّنا يسوع المسيح، وتثبّتوا في كلمة الله بكل تأكيدات الروح القدس، فخرجوا يكرزون باقتراب ملكوت الله. وإذ نادوا في المدن والقرى رسموا بالروح القدس بكور عملهم أساقفة وشمامسة على الذين يؤمنون فيما بعد “[13].
وقد كتب لنا عن جهاد واستشهاد القديس بطرس: ” بسبب الغيرة الشرّيرة احتمل بطرس الآلام ليس مرّة واحدة ولا مرّتين بل مرارًا، وأخيرًا إذ استشهد (حمل شهادة) رحل إلى موضع المجد المعيّن ” (5 :4)، ويقول عن القديس بولس: ” استطاع بولس بسبب الغيرة والحسد أن يقتني جعالة (في٣: ١٤) الاحتمال بصبر. فقد أُلقي في السجن سبع مرات[14]، ونفي[15]، ورجم. وبعد ما كرز في الشرق والغرب[16] ربح بإيمانه صيتًا حسنًا. علَّم العالم كلّه البرّ، حتى بلغ إلى حدود الغرب، وأخيرًا حمل شهادة أمام الحكام[17]، وهكذا انطلق إلى الموضع المقدّس مقدّما نفسه مثالاً للصبر ” (5 :5-7).
كما عبر فيها عن سلطان تعليم الرب يسوع المسيح وسيادته في الكنيسة الأولى[18]والذي كان بالنسبة له وللكنيسة الأولى سفر مقدس وكلمة الله النازلة من السماء[19]: ” لذلك فلنتواضع أيّها الاخوة، طارحين جانبًا كل عجرفة وكبرياء وحماقة وغضب، ولنعمل بما كُتب (إذ يقول الروح القدس[20]: لا يفتخرن الحكيم بحكمته، ولا يفتخر الجبّار بجبروته، ولا يفتخر الغني بغناه، وأمّا من يفتخر بالرب، يطلبه باجتهاد صانعًا حكمًا وبرًا). لنذكر على وجه الخصوص كلمات الرب يسوع التي نطق بها معلّمًا إيّانا الوداعة وطول الأناة، قائلاً هكذا[21]: ارحموا تُرحموا، اغفروا يُغفر لكم، كما تفعلون بالناس يُصنع بكم، وكما تدينون تدانون، وما تظهرونه من حنو تنالونه حنوًا، بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم. لنثبّت في هذه الوصيّة وتلك الأحكام، حتى نسلك بكل تواضع في طاعة كلماته المقدّسة، إذ تقول الكلمة المقدّسة[22]: إلى من انظر ألاّ إلى الرجل الوديع الهادئ الذي يرتجف أمام كلماتي؟! “[23].
كما أشار إلى ما جاء في الأناجيل الثلاثة الأولى وأقتبس منها على أساس أنها أقوال الرب يسوع المسيح، وكلمة الله التي يجب أن تطاع فقال: ” لماذا نمزّق ونقطع أعضاء المسيح ونثور ضدّ جنسنا، ويستولي علينا جنون مطبق كهذا فننسى إنّنا أعضاء بعضنا البعض؟ أذكروا كلام ربّنا يسوع المسيح. تذكروا أقوال الرب يسوع كيف قال: ويل لذلك الإنسان (الذي به تأتى العثرات) كان خير له أن لا يولد من أن يكون حجر عثرة أمام مختاري، كان خيراً أن يعلق (في عنقه) حجر رحى ويغرق في أعماق البحر من أن يعثر أحد مختاري[24] “[25].
كما اقتبس من متى ومرقس قوله: ” ويل لذلك الإنسان! كان خير لو إنّه لم يولد عن أن يعثر أحد مختاريّ. نعم خير له لو طُوق بحجر رحى وأُلقى في لجّة البحر من أن يعثر أحد صغاري “[26].
واقتبس معظم ما جاء في الإصحاح الأول من الرسالة إلى العبرانيين: ” الذي هو بهاء مجده، صار أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسما أفضل منهم. فقد كتب: الصانع ملائكته أرواحًا، وخدّامه لهيب نار “. ويقول الرب عن ابنه ” أنت ابني وأنا اليوم ولدتك، اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا وأقاصي الأرض ملكًا لك “، ويقول له أيضًا: ” اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت قدميّك “[27]. وكذلك قوله: ” فلنتشبّه أيضًا بأولئك الذين: طافوا في جلود غنم وجلود معز ” (عب11 :37)[28]. ويأخذ نص قوله: ” لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ ” كما هو حرفياً(عب12 :6)[29].
واستشهد أيضاً برسائل القديس بولس الأخرى؛ رومية في ف 35، و1 كورنثوس في ف47، وأفسس في ف 46، و1 تيموثاؤس في ف 7، وتيطس في ف 2[30]، واقتبس من أعمال الرسل ورسالة يعقوب ورسالة بطرس الأولى، كما يدل ما كتبه على معرفة واضحة بالإنجيل للقديس يوحنا.
ثم يؤكد لنا بصورة مطلقة إيمان الكنيسة بوحي كل أسفار العهد الجديد فيقول عن رسالة القديس بولس الرسول التي أُرسلت إليهم من قبل ” انظروا إلى رسالة بولس الطوباوى. ماذا كتب لكم في بداية الكرازة بالإنجيل؟ في الواقع كتب لكم بوحي من الروح القدس رسالة تتعلق به وبكيفا (أي بطرس) وأبولوس “[31].
وهنا يشهد هذا الرجل تلميذ الرسل، في رسالته القصيرة للإنجيل وللرسائل وأن القديس بولس كان يكتب رسائله بوحي الروح القدس، كما تكلم عن التسليم المباشر من المسيح للتلاميذ ومنهم لخلفائهم. بل، كما يقول ويستكوت: ” أنه وضع (التعاليم المسيحية) كلها جنباً إلى جنب, وهي تشهد للوزن المستقل لأجزاء القانون “[32].
[4] ” وفي السنة الثالثة عشرة من حكم نفس الإمبراطور (فاسبسيان الذي حكم من أول يولية سنة 69م إلى 24 يونية سنة 79م) تولى أكليمندس أسقف كنيسة روما خلفاً لأنتيلكتس الذي ظل فيها اثنتي عشرة سنة . ويخبرنا الرسول بولس في رسالته إلى أهل فيلبي أن أكليمندس هذا كان عاملاً معه (في3:4) “. يوسابيوس ك 3 ف 15 .
[5] مشاهير الرجال ص 37.
[6] يوسابيوس ك 3 ف 4 :10.
[7] Johannes Quasten, Vol. 1. P. 42.
[8] The Panarion of Epiphanius of Salamis, B. 1m sec. 6.1.
[9] Ibid. 15.1.
[10] وُجدت الرسالة في عدد من المخطوطات؛ المخطوطة الإسكندرية (450م)، ينقصها (57 :7-63 :4)، ومخطوطة الترجمة اللاتينية للرسالة وترجع للقرن الثاني أو الثالث، ومخطوطتين في الترجمة القبطية ترجع الأولى للقرن الرابع والثانية للقرن السابع، مخطوطة سريانية ترجع لما بين 1169 – 70م، ومخطوطة Hierosolymitanus (1056).
Holmes, M. W. The Apostolic Fathers : Greek texts and English translations p.26.
[11] Quasten, Vol. 1. P. 42.
[12] Bruce M. Metzger The Canon Of The New Testament Its Origin, Development, and Significance p.41.
[13] أكليمندس42 :1 – 4.
[14] لم يرد ذلك في سفر أعمال الرسل ولا غيره من بقية رسائل العهد الجديد.
[15] يترجمها البعض “هرب” ربّما قصد بها هروبه من دمشق (٢كو١١: ٢٢) أو من أورشليم إلى طرسوس (أع٩: ٣٠).
[16] أي في آسيا وأوروبا.
[17] رأى البعض أنه يقصد تيجيلينوس وسابتون في السنة الأخيرة من حكم نيرون، وآخرون هيلوس وبولبيكيتوس، وآخرون رأوا أنها عبارة عامة لا يقصد بها أشخاصاً معيّنين.
[18] Lee Martin McDonald The Biblical Canon Its Origin Transmission and Authority p.271.
الآباء الرسوليون وقانونية أسفار العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
الآباء الرسوليون وقانونية أسفار العهد الجديد
الآباء الرسوليون وقانونية أسفار العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
الآباء الرسوليون هم تلاميذ الرسل وخلفاؤهم الذين تتلمذوا على أيديهم وخدموا معهم وكانوا معاونين لهم وصاروا خلفاء لهم واستلموا مسئولية الكرازة والخدمة من بعدهم، وحملوا الإنجيل، سواء الشفوي أو المكتوب، وكان مصدر عقيدتهم ومصدر تعليمهم، ومن ثم فقد استشهدوا بآياته ونصوصه في كرازتهم وعظاتهم وتعليمهم، وكتاباتهم التي بقى لنا منها عدد كاف يكشف لنا عما تسلموه من الرسل وما تعلموه وعلموه من عقائد، على رأسها وحي وقانونية كل أسفار الكتاب المقدس، خاصة قانونية أسفار العهد الجديد التي تعنينا في هذا الفصل. وقد دونوا كتاباتهم في الفترة ما بين 95م إلى حوالي 120م وكانوا شهودا على عملية تطوير اساليب وتأكيدات المسيحية [1].
ويدل استخدامهم لنصوص أسفار العهد الجديد وآياته على إيمانهم بوحيها وقانونيتها وأنها أسفار موحى بها بالروح القدس وذات سلطان إلهي، كما تدل اقتباساتهم منها على وجود هذه الأسفار في زمنهم وعصرهم بل ووجودها السابق عليهم، كأسفار قانونية، فقد اقتبسوا واستشهدوا في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الميلادي من جميع أسفار العهد الجديد عدا الرسالتين الثانية والثالثة ليوحنا [2] نظرا لصغرهما ولتماثل المادة فيهما مع رسالته الأولى، وهذا لا يعني أنهم لم يعرفوا الرسالتين. وكانت تعاليمهم وأقوالهم صدى لما جاء في الإنجيل من تعاليم وأقوال.
كما كانوا يكتبون بنفس لغة أسفار العهد الجديد ويعتقدون بنفس عقيدة التلاميذ والرسل، وبينوا أن الحقائق العظيمة لروايات الإنجيل وجوهر الرسائل الرسولية هي التي شكلت قوانين الإيمان العامة ووضعت أسسها، وأدركوا ملائمة القانون وبينوا حدوده وما يجب تثبيته. وأكدوا على حقيقة وسلطان الأسفار نفسها[3]. وعندما تحدثوا لنا كان برهانهم أكثر أهمية أنهم تحدثوا من مراكز الكنيسة القديمة العظيمة من إنطاكية والإسكندرية وأفسس وروما، وأثبتوا أن الكنيسة كانت واحدة جامعة رسولية منذ البدء[4]. كما اقتبسوا في كل ما كتبوه من الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل، واستشهدوا من جميع رسائل الرسل، سواء بالاقتباس المباشر أو الإشارات الضمنية[5].
وفيما يلي أهم ما اقتبسوه من أسفار العهد الجديد اعتماداً على ما قام به كل من جسلر (Geisler) ونيكس (Nix) في مقدمتهما للكتاب المقدس[6]. وكذلك إشارات ويستكوت المتكررة[7]. حيث اقتبسوا من 25 سفراً من أصل 27.
فقد اقتبسوا 24 اقتباساً من الإنجيل للقديس متى من 24 إصحاحاً، ومن هذه الاقتباسات ما اقتبسته رسالة برنابا (حوالي70 – 100م) في مناسبات عديدة منها على سبيل المثال (مت20: 16؛22: 14 في 4 :14)، و (مت26: 31 في 5 :12)، و (مت19: 30؛20: 16 في 6 :13)، و (مت27: 34 في 7: 3) و (متى 22: 45 في 12 :11) بالإضافة الى إشارات عديدة. كما اقتبست منه الديداكية (حوالي80 – 120م) على نطاق واسع (أنظر متى6: 9 – 13).
و5 اقتباسات من الإنجيل للقديس مرقس من 5 إصحاحات، فقد اقتبست منه رسالة برنابا مرة واحدة صريحة (مر2: 17 في 5: 9)، واقتبست نصاً موازياً في (12 :11) من بين (مت22: 45؛ ولو20: 44). أي يمكن أن ينسب الاقتباس من الإنجيل للقديس متى أو الإنجيل للقديس لوقا[8].
و30 اقتباساً من الإنجيل للقديس يوحنا من 20 إصحاحاً، فقد اقتبس منه بابياس. واقتبس منه أيضاً اغناطيوس في رسائله. ومن امثلة ذلك (يو6: 33 في افسس 5: 2) و(يو 2: 3 في 17: 3). كما اقتبس منه أيضاً أكليمندس الروماني (يو17: 3 في رسالته الى كورنثوس 43 :5).
و11 اقتباساً من سفر أعمال الرسل من 11 إصحاحاً، فقد اقتبس منه بوليكاربوس تلميذ القديس يوحنا في رسالته الى فيلبي (أع2: 24) في (1: 2). واقتبس منه الراعي لهرماس مرات عديدة ومن امثلة ذلك: (أعمال 10: 35 في رؤ2 :2.7)، و (أع2: 38 ؛ 10: 48 ؛ 9: 5 في رؤ3 :3.7)، و (أع5: 26 في مثال9 :28.2)، و (أع2: 11؛ 2: 1 في مثال10 :3.2؛ 4).
و20 اقتباساً من الرسالة إلى رومية من 20 إصحاحاً، فقد اقتبس منها أكليمندس الروماني كثيراً، ومن أمثلة ما اقتبسه: (رو6: 1 في 33: 1) و (رو1: 29-32 في 35: 6) و (رو4: 7-9 في 50: 6). واقتبس منها أيضاً بوليكاربوس مرات عديدة في رسالته الى فيلبي ومن امثلة ذلك: (رو8: 7 في 5: 2) و (رو2: 7 في 6: 1) و (رو14: 10-12 في 6: 3) و (رو3: 8 في 10: 1). واقتبست منها الديداكية: (رو1: 29-30 في 5: 1-2).
و32 اقتباساً من الرسالة الأولى إلى كورنثوس، من 10 إصحاحات، فقد اقتبست منها الديداكية: (1 كو16: 22 في 10: 6) و (1كو9: 13-14 في13: 1-2) و (1كو15: 22, قارن مع مت24: 30-31 في 16: 6). وكذلك الراعي لهرماس: (1كو7: 11, قارن مع5: 32 و 19: 9 ومر10: 11 في وصية 3 :6) و (1كو7: 38 – 40 في وصية 4 :4 .1).
و14 اقتباساً من 2 كورنثوس من 5 إصحاحات، فقد اقتبس منها بوليكاربوس في رسالته الي فيلبي: (2كو4: 14 في 2: 2) و (2كو6: 7 في 4: 1). وأيضاً الراعي لهرماس: (2كو13: 11 في مثل 9 :13).
و9 اقتباسات من الرسالة إلى غلاطية من 4 إصحاحات، فقد اقتبس بوليكاربوس منها في رسالته الي فيلبي: (غل4: 26 في 3: 3) و (غل6: 7 في 5: 1) و (غل 5: 17 في 5: 3).
و20 اقتباساً من الرسالة إلى افسس من 6 إصحاحات، ورسالة افسس هى احدى رسائل القديس بولس التي كتبها وهو في السجن بروما، واقتبس منها أكليمندس الروماني: (اف4: 4-6 في 46: 6) و (اف1: 18 في 59: 3). كما اقتبس منها اغناطيوس الانطاكي في رسالته الى اهل سميرنا: (اف2: 6 في 1: 2). وبوليكاربوس: (اف4: 2 في 1: 3) و (اف5: 25، 29 في 5: 1). كما اشارت رسالة برنابا الى (اف2: 10؛ 4: 22-24 في 6: 10).
و15 اقتباساً من الرسالة إلى فيلبى من 4 إصحاحات، فقد اقتبس منها بوليكابوس: (في2: 16 في 9: 2) و (في4: 15 في 11: 3) و (في3: 18 في 12: 3). وأيضاً الراعي لهرماس: (في4: 18 في مثل 5 :3 .8) و (في2: 2؛ 3: 16؛ 4: 2) في مثل 9 :13. 7و8). وأيضاً اغناطيوس في رسالته الى سميرنا: (في4: 13 في 4: 2) و (في3: 15 في 11: 3).
و5 اقتباسات من الرسالة إلى كولوسى من إصحاح واحد، فقد اقتبس منها بوليكاربوس: (كو1: 23 في 10: 1) و (كو3: 5 في 11: 2). وكذلك اغناطيوس في رسالته الى افسس: (كو1: 23 في 10: 2)، وفي رسالته الى التراليين: (كو1: 6 في 5: 2).
و5 اقتباسات من الرسالة الأولى إلى تسالونيكي من إصحاحين، فقد اقتبس منها الراعي لهرماس: (1تس5: 3) في مثل 8 :7 ,2 + رؤيا 3 :6 .3؛ 9 :2 ,10). وكذلك الديداكية: (1تس4: 6 في 16: 7). واغناطيوس الانطاكي في رسالته إلى رومية: (1تس5: 17 في 10: 1) و: (1تس2: 4 في 2: 1).
واقتباسين من الرسالة الثانية إلى تسالونيكي من إصحاح واحد، وقد اعتمد عليها اغناطيوس بشكل اساسي في رسالته إلى فيلادلفيا: (2 تسالونيكي 3: 5 في 4: 3). واستخدمها بوليكاربوس في رسالته الى فيلبي: (2تس1: 4 في 11: 3) و (2تس3: 15 في 11: 4).
و17 اقتباساً من الرسالة الأولى إلى تيموثاوس من 6 إصحاحات، فقد استخدمها أكليمندس الروماني كثيراً في رسالته. وكذلك بوليكاربوسن والراعي لهرماس: (1تي2: 4) في مثل 8 :2 ,9). والديداكية أيضاً: (1تي5: 17-18 في 3: 1-2).
و12 اقتباساً من الرسالة الثانية إلى تيموثاوس من 4 اقتباسات، في رسالة برنابا: (2تي1: 10) في (5: 6). وكذلك الراعي لهرماس: (2تي1: 14 في وصية 2 :3).
و6 اقتباسات من تيطس من 3 إصحاحات، فقد اقتبس منها أكليمندس الروماني مراراً. وأيضاً رسالة برناباً: (تي1: 1-3 في 1: 4-6) و (تي2: 14 في 14: 5). واقتباسين من الرسالة إلى فليمون. وبرغم من أنها كانت رسالة شخصية فقد أشار إليها اغناطيوس.
و20 اقتباساً من الرسالة إلى عبرانيين من 13 إصحاحاً، فقد اقتبس منها أكليمندس الروماني، والرسالة الثانية المنسوبة لأكليمندس: (عب10: 23 في 11: 6). والراعي لهرماس: (عب11: 33) في رؤيا 2 :2 ,7) و (عب3: 12) في رؤيا 2 :3 ,2).
و7 اقتباسات من يعقوب من 5 إصحاحات، واقتبس منها أكليمندس وأيضاً الرعي لهرماس: (يع5: 4) في رؤيا 3 :9 ,6) و (يع4: 11؛ 1: 27) في وصية 2 :2 ،7) وأيضاً (يع3: 15) في وصية 11 :5).
و20 اقتباساً من رسالة بطرس الأولى من 5 إصحاحات، فقد اقتبست منها رسالة برنابا: (1بط1: 17 في 4: 12) و (1بط2: 6 في 6: 2) و (1بط4: 5 في 7: 2). وراعي هرماس: (1بطرس 5: 7 ) في رؤيا 3 :11 ,3) و (1بط4: 13, 15-16) في مثل 9 :28 ,5) و (1بط4: 14) في مثل 9 :28 ,6).
و6 اقتباسات من رسالة بطرس الثانية من 3 إصحاحات، اقتبس منها أكليمندس:
(2بط2: 6-9 في 11: 1). وأيضاً رسالة برنابا: (2بط3: 8 في 15: 4).
و3 اقتباسات من رسالة يوحنا الأولى، من إصحاحين، في الراعي لهرماس: (1يو2: 27) في وصية 3 :1) و (1يو3: 22) في مثل 6 :5-6).
واقتباس واحد من رسالة يهوذا، في كتاب استشهاد بوليكاربوس: (يه2).
و5 اقتباسات من سفر الرؤيا من 5 إصحاحات، في الديداكية: (رؤ4: 11 في 10: 3) و (رؤ13: 2 في 16: 4). والراعي لهرماس: (رؤ21: 2) في رؤيا 4 :2 ,1). 2 أكليمندس: (رؤ11: 3 في 17: 7).
وفيما يلي دراسة موسعه وشاملة لما اقتبسه الآباء الرسوليون وما استشهدوا به وما كانت أقوالهم وتعاليمهم صدى له، وما تركه لنا كل واحد منهم فيما تبقى من كتاباته، فقد تركوا لنا أعمالاً مكتوبة ظلت وما تزال تشهد للأجيال عن صحة كل نقطة وكل حرف وكل كلمة وكل آية وكل فقرة وكل إصحاح وكل سفر في العهد الجديد والكتاب المقدس كله. وعلى الرغم من أن ما وصلنا لا يقدم لنا كل ما كتبوه فقد ضاع منه الكثير عبر الزمن والأحداث التاريخية إلا أن ما يوجد الآن بأيدينا كافٍ ليقدم لنا صورة كاملة متكاملة لاستلامهم للإنجيل الشفوي والمكتوب وبقية أسفار العهد الجديد، وإيمانهم بقانونية ووحي كل سفر من اسفاره.
القوانين الرسولية – تعاليم الكنيسة الجامعة للعلمانيين
القوانين الرسولية – تعاليم الكنيسة الجامعة للعلمانيين – دفاعيات
القوانين الرسولية – تعاليم الكنيسة الجامعة للعلمانيين
عن كتاب: القوانين الرسولية – سلسلة النصوص الليتورجية – أقدم النصوص المسيحية – الكسليك 2006
تعريب الأب: جورج نصور
مقدّمة
من الرّسل و الشيوخ إلي جميع الّذين آمنوا من الأُمم بالرّبّ يسوع المسيح .
نعمة لكم تملأكم من لدنه، و سلام من الله القدير[1] بربّنا يسوع المسيح .
إنّ الكنيسة الجامعة هي غرسة الله المختارة بين كرومه[2]، و هي جموع المؤمنين السالكين في تقوي الله حيث لا يتطرّق غِشّ .
إنّكم أنتم الّذين أثمروا للحياة الأبديّة بإيمانكم بملكوته[3]، و باحتمائكم بقوّته واشتراككم بالرُّوح القدس، أنتم الّذين تسلّحتم بيسوع وتمنطقتم بمخافته واشتركتم في رشّ دمه[4] البرئ الكريم
وحظيتُم بأن يكون الله القدير أباً لكم[5]، فأصبحتم ورثةً لابنه الحبيب وشركاءه[6].
استمعوا إلي التعليم المقدّس يا منَ يعتمدون علي وعده حسب أمر المخلّص، فهو لا شكّ صداه المجيد.
1) في الناموس الطبيعيّ
1) احرصوا، يا أبناء الله، علي أن تعلموا كلّ شئ في طاعة الله، وكونوا مراضين الرّبّ إلهكم في كلّ شئ . فإذا سلك أحدكُم في طريق الخطيئة، وعمل ما يخالف مشيئة الله، فهذا يُدعي عند الله وثنيًّا و مخالفًا للنّاموس[7].
2) ابتعدوا إذن عن أي تقتير أو ظلم، لأنّه مكتوب في الشريعة: “لا تشتهِ امرأًةَ قريبك ولا حقله ولا عبدَه ولا أمَتَ ولا ثوره ولا حماره، ولا شيئًا ممّا لقريبك”[8]. لأنّ كلّ اشتهاء من هذه الاشتهاءات يصدر عن الشّرّير .
3) فمَن اشتهي امرأةَ قريبه أو عبدَه أو أمَتَه[9]، فهو إمّا زانٍ وإمّا سارق في قلبه، إلاّ إذا ندم، و سيَدينه سيِّدُنا يسوع المسيح، اّلذي له المجد أبد الدّهور . آمين .
4) لأنّه يقول في الإنجيل، في أحد الفصول، حيث يتّمم إحدي الوصايا العشر من الشريعة ويؤكّدها: “ولقد كُتب في النّاموس: لا تزنِ؛ أمَّا أنا فأقول لكم”[10]، إنَّ ما في النّاموس إنّما أنا الّذي قلته علي فم موسي، والآن أنا أيضًا أقول لكم: “إنّ كلّ مَنْ نظر إلي امرأة قريبه لكي يشتهيها فقد زني بها في قلبه”[11]. و هكذا يُدان مَن يشتهي بفكره وكأنّه زني .
5) والّذي يشتهي الثور أو الحمار، ألا يُجهد فكره في وسيلة السّرقة؟ و الّذي يشتهي حقل قريبه، ألا يذهب في اختلاق شرّ الأعذار لتوسيع حدوده إلي أن يجبر صاحبه علي التخلّص منه بدون مقابل؟ لقد قال النبيّ في موضع: “ويل للّذين يصِلون بيتًا ببيت ويقرنون حقلاً بحقل حتّي لَم يبقَ موضع”[12]. وأضاف أيضًا: “إذن أنتم تسكنون وحدكم الأرض! لقد وصل هذا كلّه إلي مسامع ربّ الصباؤوت”[13]. وفي موضع آخر: “ملعون مَن ينقل حدود قريبه، ويقول الشّعب: آمين، آمين”[14]. لذلك يقول موسي: “لا تنقل حدود قريبك التي نصبها آباؤك”[15].
6) إنَ مَنْ يصنعون مثل هذه الأشياء يحاكمون، ويكونون عرضة من قبل الله للخوف والموت،
7) أمّا الّذين يطيعون الله، فإّنهم يحيون بناموس الله، بناموس واحد حقّ وحيّ وهو: “كلّ ما تكره أن يفعله غيرُك بك، فإّياك أن تفعله أنت بغيرك”[16].
8) أنت لا تريد أن ينظر أحد نظرةً شرّيرةً إلي امرأتك، فلا تنظرْ أنت أيضًا بعين الاشتهاء إلي امرأة قريبك[17].
9) أنت لا تريد أن يسلبك أحد ثوبك[18]، فلا تأخذ أنت ما لقريبك .
10) أنت لا تقبل أن يصيبك أحد بجرح أو يعرّضك للسُّخريّة أو يضربك، فلا تفعل ذلك كلّه بغيرك .
2) الاحتمال المتبادل
1) فإذا لعنك أحد فباركْه أنت، لأنّه مكتوب في سفر العدد: “مُبارِكُك يُبارَك ولاعِنُك يُلعَن”[19]. كذلك كُتب في الإنجيل: “باركوا الّذين يلعنوكم”[20].
2) وإذا وقع عليكم من أحد ؟لم، فلا تعاملوه بالمثل، بل احتملوه بصبر . والكتاب يقول: “لا تقل: إنّي أستوفي من عدوّي ما قد ظلمني به، بل كن صبورًا، حتّي ينصرك الرّبّ وينتقم لك من ظالمك”[21].
3) وقد جاء في الإنجيل: “أحِبُّوا أعداءكم وأحسنوا إلي مبغضيكم وصلّوا لأجل الّذين يشنّعون عليكم و يضطهدونكم لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الّذي في السّماوات؛ فإنّه يُطلع شمسه علي الأشرار والصّالحين، ويمطر علي الأبرار والأثمة”[22].
4) فلنحافظ أيُّها الأحبّاء علي هذه الوصايا، حتّي إذا عملنا بها نصبح أبناء النّور[23].
3) علي الرّجل أن يرضي زوجته فقط
1) احتملوا بعضُكم بعضًا يا أبناء الله وعبيدَه[24].
2) ليحتملِ الرّجلُ امرأتُه، فلا يكن متكبّرًا متعاليًا، بل رحيمًا مستقيمًا . وليسعَ إلي استرضاء زوجته وإلي ملاطفتها باحترام، وليحاول أن يقرّبها إليه . لا تكثر من الزينة لتلفت نظر امرأة خلاف زوجتك فتشتهيك .
3) إذا أوقعتك امرأةٌ في تجربة، فقد أخطأت بحقّك، وتستحقّ بذلك من قِبَل الله الموت الأبديّ في الجحيم .
4) وإذا لَم تصنع الفحشاء، ولكنّك جذبت امرأةً إليك ثمّ ابتعدتَ عنها، فقد أخطأتَ إلي هذه المرأة من حيث أنّك اجتذبتها إليك بسبب زينتك، فاشْتَهَتْك لسبب إثارتك لشعورها وزَنَتْ بك .
5) ولن تكون أنت السّبب إذا لَم تدْعُ إليك تلك الّتي راحت تستهويك، وإذا لَم تشتهِها ولَم تستسلمْ إليها . إنّك لتجد رحمة من عند الرّبّ الإله القائل: “لا تزنِ ولا تشتهِ امرأة قريبك”[25].
6) وإذا هي وقعت في حبائلك وفقدت اتّزانها، فدعتك إلي الإقتراب منها، ولكنّك رفضت بما أنّك رجل تقيّ، واستبعدت عنها، فإنّك في هذه الحال لَم تخطأ معها ولو أنّك قد جرحت قلبها . إلاّ أنَّك مع ذلك حرّكتَ فيها شعور الإثارة بما تّتمتّع من شباب وظُرف وأناقة، فاشْتَهَتْكَ . لهذا أنت خاطئ، لأنّك كنتَ سببَ عثرة لها، وأنّك لَتتعرّض للويلات[26].
7) لذلك تضرّع إلي الرّبّ الإله لكي لا يصيبك أي مكروه بسبب ذلك . واعلم أنّه ليس المطلوب منك أن تسترضي النّاس بالخطيئة، ولكن أن ترضي الله بالطّهارة، وذلك لتحصل علي الحياة وعلي راحة أبدّية .
8) إنّ جمالك الطبيعيّ هبة من الله، فلا تتصنّع في تزيينه . بل كن متّزنًا ومعتدلاً أمام النّاس . فلا ترخِ شعرَك ولا تُرسِلْه كشعر المرأة بل قِصَّه كيلا تجذب إليك النّساء أو تُجذَب أنت إليهنّ .
9) لا تلبس ثيابًا أنيقة بقصد الإغراء؛ ولا تنتعلْ حِذاء مزركشًا يلفت النظر، بل احتذِ ببساطة وبما هو ضروريّ .
ولا تجعلْ في أصابعك خاتمًا من الذّهب؛ لأنّ كلّ هذه الأشياء مَدعاة للفساد، وليس من البرّ في شئ أن نسعي وراءها .
10) باعتبارك مؤمنًا ورجل الله[27]، فلا يحقّ لك أن ترخي شعر رأسك وترسله خِصلاً، ولا أن تجدله أو تسدله، فذلك يثير الغرائز . كما لا يحقّ لك أن تجمّل شكل لحيتك، أو أن تغيّر ملامح وجهك، لأنّ الناموس يحذّر بقوله في تثنية الاشتراع: “لا تحلقوا رؤوسكم حلقًا مستديرًا، ولا تُحفِ عارضيك”[28].
11) يجب ألاّ تعني برونق لحيتك فيتغّير فيك شكل الإنسان الطبيعيّ؛ لأنّ النّاموس يقول: “لا تحلقوا شعر لحيتكم”[29]، فهذا يليق بالنّساء لا بالرّجال . تلك هي إرادة الله الخالق . فإذا أردت أنتَ أن تحلق لترضي (النساء)، فأنت تتعدّي الشريعة وتكون مزدرًي في نظر الله، هو الذي خلقك علي صورته[30].
12) وإذا كنت تبتغي إرضاء الله، فابتعد عن كلّ ما ينهي عنه، ولا تفعل ما لا يُرضيه .
4) لا تتسكّع في الشّوارع
1) امتنع عن التسكّع في الشوارع بدون عمل، وفي مظهر يُسئ إلي الأدب، محتذيًا حذو الخُلعاء . بل حاول بتصرّفك أن تعمل ما يرضي الله و تأمّل علي الدّوام في أقوال المسيح .
2) لأنّ الكتاب يقول لك: “تأمّلْ في ناموسه ليلاً ونهارًا حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم، فإنّك تفلح في كلّ شئ”[31].
5) لا تمضِ وقتك في البطالة
1) إذا كنت متيسّرًا وغير محتاج لصنعة تكتسب منها عيشك، لا تمضِ وقتك في البطالة متنقّلاً من مكان إلي آخر . بل عاشر المؤمنين والمستقيمين، وتحدّث وتأمّل معهم في كلام الحياة .
2) وإلاّ فأمكثْ في بيتك واقرأ الناموس وأسفارَ الملوك والأنبياء، ورتّل الأناشيد؛ وواظبْ خاصّة علي قراءة الإنجيل الّذي يتمّم كلّ هذه الأسفار .
6) لا تقرأ كتب الوثنيّين
1) ابتعِدْ عن كتب الوثنيّين كلّها .
2) لأنّه ما من شئ يربطك بهؤلاء، ولا شأن لك بأقوالهم ونواميسهم، ولا علاقة لك بأنبياءهم الكذبة . إنّه من خصائص هذه الكتب أن تزعزع إيمان الضعفاء .
3) ألا حَسْبُكَ ناموسُ الله . لِمَ تندفعُ وراء أساطير الوثنيّين؟
4) إذا أردتَ أن تعرف التاريخ فلديك أسفار الملوك؛ وإذا رغبتَ في معرفة الحكمة والشعر فدونك أسفار الأنبياء وأيّوب والأمثال . إنّك لَتَجدُ فيها كمال الشعر وفيض الحكمة . إنّها جميعها تردّد صدي أقوال الرّبّ .
5) وإذا أحبَبْتَ الإنشادَ والترنيم، فلك المزامير، وإذا أردتَ أن تعرف التاريخ القديم، فهناك سفر التكوين . وإذا رغبتَ في معرفة الناموس والتعليم، فلديك ناموس الرّبّ المجيد .
6) امتنعْ تمامًا عن التعاليم الغريبة الشيطانيّة .
7) ابتعدْ في ما تقرأ عمّا هو غريب عن النّاموس ذاته . فلقد أضاف إليه اليهودُ تقليدًا غيرَ خليقٍ به . فإذا قرأت هذا التقليد فإقرأْه للتاريخ والمعرفة وتمجيدِ الله الّذي حرّرك منه .
8) ضعْ كل ذلك نصب عينيك لتعرف ما هي حقيقة النّاموس، وما أضيف إليه من تقليدٍ سارَ عليه اليهود وهم في الصحراء، فجلَبَ عليهم الويلات .
9) فالنّاموس، وهي الوصايا العشر، من وضع الرّبّ الإله، قبل أن يعبُدَ الشعبُ العِجلَ . لذلك لا تتبع ما ابتدعوه من تقاليد .
10) ولَم يأتِ المخلّص لشئ آخر إلاّ ليكمل النّاموس والأنبياء[32]. وليخفّفَ من غلواء التقاليد اليهوديّة المبتدعة . وهو يقول لنا: “تعالوا إليّ يا جميع المتعَبين والمثقَلين وأنا أُريحكم”[33].
11) وإذا قرأتَ النّاموس فإنّك تجده موافقًا للإنجيل ولأسفار الملوك . فتعلّم أنّ الملوك طالما كانوا أبرارًا، باركهم الله وثبّت فيهم وعده بالحياة الأبديّة . أمّا الملوك الّذين ابتعدوا عنه وجحدوه وتصدّوا لقضائه العادل، فأولئك جميعًا حُرموا من الحياة، وبدلاً من أن يحصلوا علي السّعادة نالوا العذاب الأبديّ[34].
12) فإذا قرأتَ هذا كلّه، رَسَخَ إيمانُك ونمتْ فيك روحُ المسيح الّذي أصبحتَ أنتَ جسدَه وعُضوًا من أعضائه[35].
13) إذا مشيتَ في الساحة العامّة وراقَ لك أن تدخل حمّامًا، فادخلْ حمّامًا للرّجال، كيلا تُظهر جسدك عاريًا للنّساء فتقعَ في شراك امرأةٍ حَسْنَاءَ، وتقع هي في شراكك .
14) إحذْر هذه الأشياء لئلّا تقعَ نفسُك في شراكها[36].
7) إبتعدْ عن المرأة الأجنبيّة
1) أجل لقد تعلّمنا في سفر الحكمة ما يأتي:
2) “يا بنيّ احفظ أقوالي وادّخر وصاياي عندك”[37].
3) “قل للحكمة: أنتِ أُختي، وادعُ الفطنة ذات قرابة لك لكي تحفظك من المرأة الأجنبيّة، من الغريبة الّتي تتملّق بكلامها .
4) “فإنّي أشرفتُ من كوّة بيتي، من وراء شبّاكي، فرأيتُ بين الأغرار وتأمّلتُ بين البنين غلامًا فاقِدَ اللُّبّ، عابرًا في الشّارع عند زاويتها ومتمشّيًا في طريق بيتها، في الغَسَق عند المساء، في قلب اللّيل في الديجور؛
5) “فإذا بامرأةٍ قد لقيَتْهُ، وزيُّها زيُّ زانيةٍ وقلبها خبيث، صخّابة طامحة، لا تستقرّ قدماها في بيتها، تارة في الخارج وتارة في الشوارع، وتكمن عند كلّ زاوية،
6) “فأمسكته وقبّلته، وصلّبت وجهها وقالت له: كانت عليّ ذبائح سلامة، واليوم قضيت نذوري . فلذلك خرجت للقائك تائقة إلي وجهك، فوجدتك . وقد فرشت سريري مفروشات من الديباج نسيجها من مصر، وعطّرت مضجعي بالمرّ والعود والدارصيني . هلمّ نرتوي من الحبّ إلي السحر ونتمتّع بالهوي…”[38].
8) ويقول أيضًا: “لا تلتفتْ إلي إغواءِ المرأة لأنّ شفتي الأجنبيّة تقطران شهدًا، وحنكها ألْيَنُ من الزيت”[40].
9) وأيضًا: “لكن اهرب ولا تبطئ، ولا تثّبت عينك نحوها”[41]؛ “لأنّها طرحت كثيرين جرحي، وكلّ من قتلته كان من الأقوياء”[42].
10) ويقول: “فتنوح من أواخرك، إذا بلي لحمك وجسمك، وتقول: كيف مقتُّ التأديب واستهان قلبي بتوبيخ الحكماء، ولَم استمع إلي صوت مرشدي، ولا أملت أُذني إلي الذي علّمني حتّي لقد كِدْتُ أكون في كلّ شر”[43].
11) ولكي لا نسهب في ذكر الآيات الجميلة فقد تغاضينا عن بعضها . وفي استطاعتكم أنتم الحكماء أن تقرأوها في الكتب المقدّسة . تثبّتوا وابتعدوا عن كلّ شرّ لتكونوا أبرارًا عند الله في الحياة الأبديّة .
8) علي النّساء أن يُرضِينَ أزواجهنّ فقط
1) لتخضع إذن المرأة لرجلها، لأنّ الرجل هو رأس المرأة[44]. والرّجل يسير في طريق العدل، رأسه هو المسيح ورأس المسيح هو الله الّذي هو فوق الجميع وأبوه[45].
2) فارفعي أيّتها المرأة أوّلاً آيات التمجيد والسّجود إلي إلهنا وأبينا القدير ربّ الدهور، ربّ الحاضر والمستقبل[46]، وخالق كلّ نسمة وقوّة . واذكري بتبجيل ابنه الحبيب ربّنا يسوع المسيح الإله الممجّد . ثمّ بروح العبادة الواجبة لله، احترمي رجلك واخضعي له واعملي علي إرضائه وحده، وافرحي عندما تخدمينه في كلّ ما يطلبه منك حتّي يُمتدَح زوجك هذا بسببك، كما جاء علي لسان سليمان في سفر الحكمة:
3) “من يجد المرأة القويّة؟ إنّ قيمتها فوق اللآلئ . قلب رجلها يثق بها فلا يحتاج إلي غنيمة؛ تأتيه بالخير دون الشرّ جميع أيّام حياتها
4) “تلتمس صوفًا وكتّانًا وتعمل بحذق كفّيها . فتكون كسفن التّاجر تجلب طعامها من بعيد .
5) “تقوم في اللّيل وتعطي لبيتها أُكُلاً ولجواريها ما يكفيهنّ . تتأمّل حقلاً فتأخذه، وبثمرة كفّيها تغرس كرمًا .
6) “تُنطِّق حقويها بالقوّة وتُشدِّد ذراعيها . تذوق ما ألذّ تجارتها، فلا ينطفئ في اللّيل سراجها . تلقي يديها علي المكبّ، وأناملها تمسك المغزل .
7) “تبسط كفّيها إلي البائس، وتمدّ يديها إلي المسكين .
8) “لا يخشي زوجها علي بيته، لأنّ أهل بيتها جميعهم لابسون الحلل . تصنع لرجلها ألبسة من البزّ والأرجوان .
9) “رجلها معروف في الأبواب حيث يجلس بين شيوخ السكّان .
10) “تصنع أقمصة وتبيعها، وتعرض مناطق علي الفينيقيّين والكنعانيّين . لباسها العزّ والبهاء، وهي تفرح في اليوم الأخير .
11) “تفتح لسانها بالحكمة، وفي لسانها سُنّة الرأفة . تلاحظ طرق بيتها، ولا تأكل خبز الكسل . تفتح فمها بالحكمة والاستقامة، وفي لسانها سُنّة الرّحمة .
16) تعلّمن كم من كرامة تنال من الرّبّ الإله المرأة الحكيمة الُمحبّة لزوجها .
17) أيِّتُها المرأة، إذا أردتِ أن تكوني مؤمنة وفاضلة في عيني الرّبّ، فأَعرِضي عن الزينة التي تغري الغرباء . ولا تصطنعي البهرجة وتلبسي رقيق الثياب، لأنّك بذلك تستميلين إليكِ العشّاق والزواني .
18) قد يكون قصدك حَسَنًا، وقد لا تفعلين ذلك كلّه بنيّة سيّئة، ولكنّك لا تهربين من الدينونة، لأنّ ما يصدر عنك يحمل مَن يراك علي الاشتهاء . فلِمَ لا تحافظين علي ذاتك اتّقاءً من الوقوع في الخطيئة، وابتعادًا عن إيقاع الآخرين؟ أمّا إذا أخطأتِ باستسلامك، فإنّك تهلكين نفسك ونفس الآخر معك .
19) إحذري هذه الأمور كلّها، إنّها تدفعك إلي السقوط؛ تبدئين في تردّد ويتبع هذا تلاحقٌ سريع، وإذا بكِ تزدرين نفسك وتحتقرينها، ثمّ تنساقين إلي آخر وإلي آخر، في طريق ينتهي بك إلي الضياع . وقد جاء في الأمثال: “إنّ المنافق إذا دخل في عمق الشّرور دخل الازدراء، ومع ذي الهوان التعيير”[50]. إنّ المرأة الدنسة تسيطر علي قلوب المستهترين .
20) فلتتلقَّ إذن من أولئك اللّواتي سقطن درسًا نافعًا . كم هو صادق قول الله: “إنَّ ما هو أمرّ من الموت المرأة الّتي قلبها أحبولة وشبكة، ويداها قيود”[51].
21) وفي موضع آخر: “المرأة الجميلة العارية من الفهم خِرص من ذهب في أنف خنزيرة”[52]. وأيضًا: “المرأة ذات الفضائح كنخر في عظام رجلها”[53].
22) وأيضًا: “السُّكني في زاوية سطح خيرٌ من امرأةٍ منازعة وبيتٌ مشتَرَك”[54].
23) أيَّتُها المسيحيّات، لا تقتدين بهؤلاء النّساء . وأنتِ أيَّتُها المتزوّجة، لعلّك ترغبين في أن تكوني أمينة لزوجك، إعملي إذن علي إرضائه وحده . وإذا سرتِ في الشّارع، فغطّي رأسك لتحجبي جمالك عن النّاظرين .
24) لا تضيفي إلي وجهك مسحة زائفة من الزينة، فالوجه هو مِن صُنع الله، وليس شئٌ فيك أجملَ منه . إن “كلّ ما صنعه الله حسن”[55]، فالتجمّل في إفراطٍ يُفسِدُ الوجاهة . وعندما تمشين أُنظري إلي أسفل وأنتِ محجّبة، كما يليق بالنّساء .
9) إستحمِّي في حمّام النّساء
1) وفي الحمّام حاولي الاغتسال بعيدًا عن الرّجال، إذ كثيرة هي حبائل الشّرّير . فالمرأة المتزوّجة الأمينة لا تغتسل في حمّامٍ مختلط . والّتي تحجب وجهها عن أنظار الرّجال الغرباء، ألا تستحي أن تقف عارية في الحمّام مع الرّجال؟
2) يوجد حمّام للنّساء، فيجب أن تستحمّي فيه بكلّ حشمة واعتدال، علي ألاّ يتكرّر الاستحمام، ولا يكون في منتصف النّهار، ولا كلّ يوم إذا أمكن .
3) ومن الأوفق أن تكون ساعة استحمامك العاشرة، لأنّه يجب عليك، وقد أصبحتِ مؤمنة، أن تبتعدي عن أنظار الفضوليّين .
10) تجنّبي المنازعات، بالأخصّ مع زوجك
1) تجنّبي المنازعات مع جميع النّاس، بالأخصّ مع زوجك، لأنّك مؤمنة . حتّي لا يتشكّك زوجك المؤمن أو الوثنيّ فيجدّف علي الله، وحتّي لا ترثي أنتِ لعنة القائل: “ملعون ذاك الّذي بسببه يُجدَّف علي اسمي بين الأمم”[56]،
2) وحتّي لا يضطرّ زوجك إذا كان مؤمنًا أن يقول ما حفظه في الكتب المقدّسة، ذاك الكلام المكتوب في سفر الحكمة: “السكني في أرض مقفرة خير من السكني مع امرأة منازعة شرسة”[57].
3) فعليكنّ إذن أيَّتُها النّساء، أن تتحلّين بالاحتشام والوداعة والتقوي اللازمة لتغذية الإيمان ونموّه ولهداية المؤمنين من رجال ونساء .
4) وإذا كنّا زوّدناكنّ بقليل من التعليم، يا أخواتِنا وبناتِنا وأعضاءَنا، كأشخاصٍ عُقلاءَ ويحترمون الحياة، فعليكنّ أنتنّ بحكمة وبغير لوم أن تسعين إلي معرفة هذه التعاليم الّتي بواسطتها تستطِعْنَ التقرّبَ من ملكوت ربّنا بكلّ فرح وتجدْنَ الراحة .
[1] روم 1:7؛ 1 بط 1:2
[2] أش 5: 1-2؛ 61: 3؛ متّي 15: 13
[3] 2 بط 1: 11
[4] 1 بط 1:2و19 ؛ متّي 27: 4
[5] روم 8: 15
[6] روم 8: 17 ؛ أف 3: 7
[7] متّي 18: 17
[8] خر 20: 17
[9] خر 20: 17
[10] متّي 5: 27-28
[11] متّي 5: 27-28
[12] أش 5: 8
[13] أش 5: 9
[14] تث 27: 17
[15] تث 19: 14
[16] طو 4: 15؛ متّي 7: 12
[17] متّي 5: 28
[18] متّي 5: 40
[19] عدد 24: 9
[20] متّي 5: 44؛ لو 6: 28
[21] مثل 20: 22
[22] متّي 5: 44-45؛ لو 6: 27-28 و35
[23] يو 12: 36؛ 1تس 5: 5
[24] غل 6: 2؛ أف 4: 2؛ قول 3: 13
[25] خر 20: 13، 17
[26] متّي 18: 7
[27] 1طيم 6: 11
[28] أح 19: 29؛ 21: 5
[29] أح 19: 27
[30] تك 1: 27
[31] يش 1: 7-8؛ تث 6: 7
[32] متّي 5: 17
[33] متّي 11: 28
[34] مـتّي 25: 46
[35] 1قور 7: 15؛ 12: 27؛ روم 12: 6-8؛ أف 4: 11
[36] 1قور 7: 35
[37] مثل 7: 1
[38] مثل 7: 4-18
[39] مثل 7: 21-22
[40] مثل 5: 3-4
[41] مثل 9: 18
[42] مثل 7: 26
[43] مثل 5: 11-14
[44] أف 5: 22-23
[45] 1قور 11: 3؛ مثل 8: 20
[46] أش 9: 5
[47] مثل 31: 10-31
[48] مثل 12: 4
[49] مثل 14: 1
[50] مثل 18: 3
[51] جا 7: 26
[52] مثل 11: 22
[53] مثل 12: 4
[54] مثل 21: 9 و19
[55] تك 1: 31
[56] أش 52: 5
[57] مثل 21: 19
القوانين الرسولية – تعاليم الكنيسة الجامعة للعلمانيين