إلحادالردود على الشبهات

السببية العلة الأولى الطريق الى الله من خلال تسلسل الاسباب

السببية العلة الأولى الطريق الى الله من خلال تسلسل الاسباب

السببية العلة الأولى الطريق الى الله من خلال تسلسل الاسباب

السببية العلة الأولى الطريق الى الله من خلال تسلسل الاسباب
السببية العلة الأولى الطريق الى الله من خلال تسلسل الاسباب

كل ما يجري في الكون نتيجة لسبب واحد. وهذا السبب بدوره نتيجة لسبب آخر وهلم جرآ.

إذا أخذنا مثلاً حيواناً وتسائلنا: لماذا هذا الحيوان حي؟ ما سبب إستمراره في الوجود؟ رأينا ذلك أسباباً متعددة. فحياة هذا الحيوان مرتبط بضغط الهواء وحرارته، وبالمواد الكيمياوية التي تحتوي عليها الهواء، مثلاً الأطعمة، ولنتساءل من أين تأتي المواد الغذائية التي تحفظ حياة هذا الحيوان؟ ما سببها هي؟ فنرى أن بعض هذه المواد، أعني السكريات (glucides)، وهي التي تحرك جسم الحيوان وتعطيه القوة والنشاط، لا يمكن أن تاتي في النهاية إلا من النبات. وهنا نتابع تساؤلنا فنفتش عن سبب وجود هذه المواد السكرية في النباتات، فيتضح لنا أنها تتكون من أتحاد الكربون بالمواد الكيمياوية التي تمتصها النباتات من الأرض بواسطة جذورها. ونتساءل من يأتي هذا الكاربون او ثنائي أوكسيد الكربون (gaz carbonique) الموجود في الهواء، ولكن كيف يتم هذا التحليل، وما هو سببه؟ وأنه يتم بتأثير المواد الكيمياوية الخضراء الموجودة في النبات المدعوة بالكلوروفيل(chlorophylle). ولكن من أين يأتي الكلوروفيل هذه القوة على تحليل ثنائي اوكسيد الكاربون؟ هنا يظهر البحث العلمي أن هذه القوة يستمدها الكلوروفيل من قوة الشمس(énergie solaire). بقى علينا أن نتساءل من أين تأتي قوة الشمس هذه؟ فتجيبنا أحدى النظريات العلمية أنها تأتي من تفكيك ذرات الهيدروجين وتحولها إلى هليوم (hélium). وهنا لأبد للعقل أن يفكر بالسبب الذي يحدث هذا التفكيك وهذا السبب يستدعي بدوره سبباً أخر وهلم جرا..

ولنذكر مثلاً أخر مختصراً يعطيه الفيلسوف الأب الكاثوليكي سيرتيلانج (Sertillanges) في كتابه (مصادر الايمان بالله). ويقول: لنتصور بحاراً يحمل مرساة على ظهر سفينة. البحار يحمل المرساة، والسفينة تحمل البحار ومياه البحر تحمل السفينة والأرض تحمل مياه البحر، والشمس تحمل الارض بموجب قانون الجاذبية، ومركز فلكي أخر يحمل الشمس وهلم جرا.

وهكذا نرى أننا حيثما أنتقلنا من هذا الكون نجد سلاسل من الأسباب مرتبطة حلقاتها أرتباطاً متيناً. هنا يتوقف العلم، أنه يدرس تركيب هذه السلاسل ويحاول دوماً أن يضيف أليها حلقات جديدة. ولكن الفكر الإنساني لايمكنه ان يقف عند هذا الحد، لأنه بطبعهِ متعطش إلى تفسير أعمق وأشمل. لذلك فعندما نتأمل في تسلسل الأسباب نرى أنه يفترض عقلياً وجود سبب أول تستند إليه كل سلاسل الأسباب والتي فقدت كل هذه السلاسل مبرر وجودها.

ولنأخذ مثلاً على ذلك: طابة بليارد تتدحرج على البساط الأخضر. وتدحرجها هذه نتيجة لحركة الطابة التي صدمتها. وحركة هذه الطابة ناتجة بدورها عن حركة طابة أخرى وهلم جرآ.. ولكن حركات الطابة كلها لا تفسر إلا بالدفعة التي أعطاها اللاعب للطابة الأولى، فمهما كان عدد الطوبات المتصادمة كثيراً، إلا أن حركاتها جميعاً وسلسلة تصادماتها لا تُفسر في الأساس والجوهر والأصل إلا بدفعة اللاعب.

وهناك مثلاً أخر أكثر مطابقة لما نحن بصدده، آله مركبة من دواليب كثيرة يحرك إحدها الآخر. فكل من هذه الدواليب يستمد حركته من دولاب أخر. ولكن مهما كثر عدد الدواليب، حتى لو أفترضنا أن هذا العدد غير متناهٍ، فهذا لا يمنع أن تكون حركة كل من الدواليب وحركة الآله كلها مستمدة من مصدر قوة هو في الواقع السبب الحقيقي لحركة الآله. هذا المصدر أذا ألغيناه تتوقف الآله حتماً لأن الدواليب، مهما تعددت، تصبح عاجزةً عن نقل أيه حركة.

ولنعطي مثلاً ثالثاً: لنتصور مياهاً تصب في حوض وقد جرت إليه بواسطة قناة. هذه القناة بدورها تستمد ماءها من قناة أخرى وهلم جرا، ولكن السبب الأساسي لوجود المياه في المجاري ووصولها الى الحوض ليس هو المجاري نفسها مهما تعددت ومهما بلغ طولها. السبب الأساسي هو موجود نبع يوزع المياه على المجاري كلها ولولا وجوده لما أفادت المجاري شيئاً ولو تصورنا طولها لا حد له وعددها لا يحصى.

هذا ما يجري في الكون. يكتشف العلم دوما أسباباً جديدة يضيفها في سلاسل الإسباب الى الحلقات المعروفة قبلاً. ولكن مهما أمتدت هذه السلاسل وتعقدت فهذا لا يعني عن ضرورة مصدر تستمد من الأسباب كلها وجودها وفاعليتها، كما أن المجاري مهما طالت وتشعبت لا تغني عن وجود الينبوع وكما أن عدد دواليب الآله مهما كثر لايغني عن مصدر للقوة يحرك الدواليب كلها.

فتسلسل الأسباب في الكون يستدعي إذاً وجود سبب أول.

ولكن ماذا نعني بعبارة “السبب الأول“؟ لقد أوضحت الأمثلة التي قدمناها ال معنى الذي نعطيه لهذه العبارة. أننا لانعني بها أولية في الزمان كما يتصور البعض أصحاب المثل المشهور: من أين أتت هذه البيضة؟ – من دجاجة، والدجاجة؟ -من البيضة، والبيضة هذه؟ -من دجاجة ألخ… حتى الإنتهاء الى هذا السؤال: والبيضة الاولى؟ أو الدجاجة الاولى؟ كلا، ليست القضية قضية تسلسل زمني وإلا لما كان لها حل عقلي لانه لاشيء، يمنعنا منطقياً بأن نرتقي هكذا من بيضة الى دجاجة ومن دجاجة الى بيضة إلى ما لاحد له. القضية قضية تسلسل كياني، جوهري (ontologique)، تسلسل الإرتباط والتبعية (Dépendance)، والفاعلية. أن النتيجة الفلانية مرتبطة بالسبب الفلاني وهذا السبب بدوره نتيجة لسبب أخر، فهذا يعني أن ليس أحدٌ من هذه الاسباب سبباً مطلقاً لأنه مسبب من غيره وأنه يفترض إذاً وجود سبب مطلق منه تنبع كل الأسباب الجزئية منه وتستمد في كل لحظة في الماضي والحاضر والمستقبل وجودها وفعلها.

وهذا السبب المطلق أو السبب الأول للكون يختلف بطبيعته كل الإختلاف عن الأسباب الأخرى لأنه ينبوع لكل وجود بينما الأسباب الأخرى لا تستمد وجودها إلا منه. إذاً فهو متميز عنها ومتعال عنها كل التعالي.

أن هذا السبب المطلق المتعالي لكل وجود ندعوه الله. ويُمكن أن يُعبر هذا كله بطريقة أخرى أيضاً. فننظر إلى أي كائن في هذا الكون. أن وجود هذا الكائن ليس واجباً وضرورة وليس أمراً محتوماً كقولنا 2+2=4 لأن كل كائن كان يمكن ألا يوجد أو أن يوجد بأي صورة أخرى غير صورته الحاضرة. هذا الجبل مثلاً ما كان وجد لو لم تحدث التقلصات في القشرة الارضية التي ولدت نتوءات هي الجبال. هذه التقلصات بدورها ما كانت وجدت لو لم توجد العوامل البركانية الكامنة في جوف الارض، وتلك العوامل ما كانت وجدت لو لم توجد الكتلة الملتهبة التي تكون قلب الارض وهلم جرا. وهكذا نرى أن ليس لأي كائن وجود واجب محتوم ضروري، فالكائنات كلها إذا “ممكنة الوجود” كما يقول الفلاسفة ولذلك نراها تظهر وتتغير وتزول، إذ ليس لها في ذاتها سبب كافي لتبرير وجودها. وهذا ما لاحظه بنوع خاص الفيلسوف الوجودي المعاصر جان بول سارتر عندما صرح في كتابه “القرف” (La nausea) مثلاً أو في كتابة (الكيان والعدم)) (L’Etre et le Néant) بأن الأشياء كلها والإنسان نفسه لا مبرر أطلاقاً لوجودهما وأنهما إذاً زائدان (de trop). ولكن سارتر إستنتج من ذلك أن الكون والإنسان لا معنى لهما، أو أن الوجود لا معنى له (absurde)، كل ذلك لأن سارتر في الأساس أراد أن يرفض الله (antithéisme). أما نحن فلا نقبل بالاستسلام كهذا وهو بمثابة أنتحار العقل البشري[1]. لذلك نتساءل: طالما أن الأشياء كلها التي في الكون ليس لها في ذاتها مبرر لوجودها، أو بعبارة أخرى ليست موجود بذاتها، فمن أين لها الوجود إذاً؟ ولابد لنا عندئذ أن نجيب إذا شئنا أن نكون منطقيين مع أنفسنا: أن كل كائن لايحوي في ذاته سر وجوده يجب أن يستمد الوجود من غيره. إذاً طالما كائنات العالم كلها غير موجودة بذاتها ومن ذاتها، فهي تستمد وجودها من مصدر خارج عنها وهو مصدر وينبوع كل وجود لأنه موجود بذاته، ومن كائن يكون الوجود جوهره، أو كما يقول الفلاسفة واجب الوجود.

هذا الكائن الواجب الوجود ندعوه الله. إنه ذاك الذي أعلن عن نفسه لموسى بقوله “أنا يهوه” أي “الكائن“، أي الذي هو موجود بطبيعته ومصدر لكل وجود.

[1] راجع في ذلك كتاب أله الالحاد المعاصر للمؤلف، منشورات النور.