الردود على الشبهات

إله العهد القديم ،هل هو إله يذل ويجرب عبيده؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم ،هل هو إله يذل ويجرب عبيده؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم ،هل هو إله يذل ويجرب عبيده؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم، هل هو إله يذل ويجرب عبيده؟ شبهة والرد عليها
إله العهد القديم، هل هو إله يذل ويجرب عبيده؟ شبهة والرد عليها

“جميع الوصايا التي أنا اوصيكم بها تحفظون لتعملوها لتحيوا وتكثروا وتدخلوا وتمتلكوا الارض التي اقسم الرب لآبائكم. وتتذكر كل الطريق التي فيها سار بك الرب إلهك هذه الاربعين سنة في القفر لكي يذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك أتحفظ وصاياه أم لا؟ فأذلك وأجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه لآباؤك ليعلمك انه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الانسان” (تث 8: 1-3).

كيف يقول الوحي هنا أن الرب “يذل الانسان ويجربه” ليعرف ما في قلبه أيحفظ وصاياه أم لا؟ هل الله يجهل ما في قلب الانسان؟ وهل هو يريد أن يذل الانسان؟

أولاً: الله يعرف كل شيء:

يعلن لنا الوحي أن الله يعرف كل شيء فيقول الرب على لسان ارميا: ” إذا اختبئ انسان في أماكن مستترة أفما اراه أنا. يقول الرب؟”(ار23:24). وقال تلاميذ المسيح في صلاتهم: “ايها الرب العارف قلوب الجميع…”(أع 1:24). فهو فاحص القلوب ومختبر الكلى. يعرف كل الخبايا والاسرار. قال داؤود عن معرفة الله له: ” أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد. مسلكي ومربضي دريت. وكل طرقي عرفت. لأنه ليس كلمة في لساني، الا وانت يارب عرفتها كلها. من خلف ومن قدام حاصرتني. وجعلت على يدك” (مز139: 2-5). الى جانب ان الماضي والحاضر والمستقبل مكشوف أمامه فهو فوق الزمن. لذلك كل تفاصيل حياتنا مكشوفة ومعروفه لديه منذ الازل.

إن الفعل (يعرف) في اللغة العبرية هو (יָרַע) (يدع). وقد ورد في العهد القديم 927 مرة. وهو لا يعني فقط “يعرف شيء كان يجهله” ولكن “يكشف ويعلن عن شيء معروف” وأرجو أن تلاحظ معنى الفعل (يعرف)( יָרַע) كما ورد في الآيات التالية وستجد انه يعني “يعلن ويؤكد بالبرهان العملي عن شيء معروف “:

(تك 12:11) “وحدث لما قرب ان يدخل مصر انه قال لساراي امرأته: أنى قد علمت (יָדַעְתִּי) إنك إمراة حسنة المنظر.”

فلم يكن أبرام يجهل أن ساراي امرأته جميلة بل هو يعلن عن شيء معروف.

(تك 22:12) “فقال: لا تمد يدك الى الغلام ولا تفعل به شيئاً لأني الان علمت (יָדַעְתִּי) أنك خائف الله فلم تمسك ابنك وحيدك عني”.

لم يكن الرب يجهل ان ابراهيم يخافه بل أعلن هذا بالبرهان العملي(1).

(تك 39:6) “فترك كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن معه يعرف (יָרַע) شيئاً الا الخبز الذي يأكل. وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر”.     

(تك 39:8) “فأبى وقال لامرأة سيده: هوذا سيدي لا يعرف (יָרַע) معي ما في البيت وكل ماله قد دفعه الى يدي”.

(تك 42: 34) “وأحضروا أخاكم الصغير الي فأعرف (יָדַעְתִּי) انكم لستم جواسيس بل انكم أمناء فأعطيكم أخاكم وتتجرون في الارض”.

(خر 3: 7) ” فقال الرب: أنى قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم، أنى علمت (יָדַעְתִּי) أوجاعهم”.

ويقول القس الدكتور منيس عبد النور: “لا توجد اية واحدة في الكتاب المقدس تنفي علم الله بكل شيء، أما العبارات التي تفيد بانه يمتحن الناس ليعرف قلوبهم فليس معناها انه يجهل خفايا القلوب، ولكن معناها ان الله يمتحن الناس ليعلمنا انه سبحانه يدخل الانسان في ظروف مخصوصة ليتضح بالبرهان صدق معرفة الله السابقة لخفايا القلوب.

وللإيضاح نقول مثلاً ان استاذ الكيمياء عندما يشرح حقيقة علمية لتلاميذه يقول لهم: دعوني أمزج هذا الحامض بهذه المادة لنرى ماذا تكون النتيجة. وهو يعرف مقدماً نتيجة المزج المزمع عمله. هكذا الحال عندما يرسل الله التجارب الى الانسان. فهو يقصد بها امتحاناً ليس هو نفسه في حاجة اليه. ولنه يقصد خير الانسان نفسه وتبرير طرق معاملاته للناس(2).

وأرجو أن تلاحظ كيف وردت في العديد من التراجم الانجليزية:

(ISV) “Remember how the LORD your God led you all the way these 40 years in the desert, to humble and test you in order to make known what was in your heart, whether or not you would keep his commands.

ليجعل ما في قلبك معروفاً  

(CEV) don’t forget how the LORD YOUR God has led you through the desert for the past forty years. He wanted to find out if you were truly willing to obey him and depend on him.

يريد أن يخرج أو يظهر

(Brenton) … and that the things in that were known in the heart might be made known.

يريد أن يجعل الأشياء التي في قلبك معروفة.

ثانياً: نوعان من التجارب:

يعلن لنا الكتاب المقدس أن هناك نوعان من التجارب وهما:

  • التجارب الشريرة:

ويمكن أن نطلق عليها التجارب الداخلية وهي التي قال عنها الرسول يعقوب:” لا يقل أحد إذا جرب أنى أجرب من قبل الله. لان الله غير مجرب بالسرور وهو لا يجرب أحداً. ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته، ثم الشهوة إذا حبلت تلد الخطيئة، والخطيئة إذا تمت تنتج موتاً” (يع1: 13-14). 

وهذه الكلمات ترد في ترجمة (ك ح):

“وإذا تعرض أحد لتجربة ما، فلا يقل” ان الله يجربني!” ذلك لان الله لا يمكن ان يجربه الشر. وهو لا يجرب به أحداً ولكن الانسان يسقط في التجربة حين يندفع مخدوعاً وراء شهوته فاذا ما حبلت الشهوة ولدت الخطيئة، ومتى نضجت الخطيئة انتجت الموت”.

ان الله لا يجرب الانسان قط بهذا النوع من التجارب، لان الله لا يجرب أحداً بالشرور. انما هذه التجارب الرديئة مصدرها الشيطان الذي يجرب الانسان بهدف اسقاطه في الخطيئة. ولذلك لقب الشيطان بالمجرب فنقرأ:

“فتقدم اليه المجرب وقال له: “ان كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً”. (مت 4:3).

“من اجل هذا ان لم أحتمل ايضاً، أرسلت لكي أعرف ايمانكم، لعل المجرب يكون قد جربكم، فيصير تعبنا باطلاً”. (1تس 3:5) 

  • التجارب التي تذكي الايمان:

الهدف من هذه التجارب امتحان الانسان حتى يظهر معدنه المخفي عن الناس، والله يجرب الانسان، او نقول يسمح بهذا النوع من التجارب ليعلن الجمال الخفي للنفوس التي تحبه من كل قلبها، وهذا النوع من التجارب قال عنه الكتاب المقدس “احسبوه كل فرح يا اخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة عالمين ان امتحان ايمانكم ينشئ صبراً، واما الصبر فليكن له عمل تام، لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء. طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكى ينال “اكليل الحياة” الذي وعد به الرب للذين يحبونه”. (يع 2 :1-5). واضح هنا ان هدف التجربة ان نكون كاملين وناضجين، وان ننال (اكليل الحياة). وعندما يسمح بتجربة فهو يعطي المنفذ كما يقول الرسول بولس: ” ولكن الله امين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ لتستطيعوا ان تحتملوا” (1كو 10:13).

وبنفس هذا المعنى ادخل الله شعبه في امتحان صعب ليوجه انظارهم اليه. ولينقيهم من كل شر وعندما ندرس المعنى الاصلي لكلمة (يجربك) سيتضح المعنى أكثر.

فما معنى الفعل “يجربك؟”

ان الفعل (يجرب) في اللغة العبرية هو (נָסָה) (نصه) وهو يأتي من جذر بمعنى (يختبر، يحاول، اثبات، يبرهن، يفحص، يثبت، يجرب، يحاول، يغري).

Put to the proof or test, to test, to attempt, adventure, assay, proof, tempt, try.

وقد ورد الفعل “يجرب ” في العهد القديم 36 مرة منهم 27مرة بمعنى “اثبات شيء” او” يختبر ليثبت ويبرهن شيء يعرفه جيداً”. وارجو أن تتأمل معي بعض الآيات التي وردت فيها الكلمة العبرية (נָסָה) “يجرب”(3):

“وحدث بعد هذه الامور ان الله امتحن (נָסָה) ابراهيم فقال له: (يا ابراهيم) فقال (هئنذا) “.”فصرخ الى الرب فاراه الرب شجرة فطرحها في الماء فصار الماء عذباً. هناك وضع له فريضة وحكماً وهناك امتحنه (נִסָּהוּ)”.

(خر 16: 4)”فقال الرب لموسى: ها أنا أمطر لكم خبزاً من السماء! فيخرج الشعب ويلتقطون حاجة اليوم بيومها. لامتحنهم (אֲנַסֶּנּוּ) أيسلكون في ناموسي ام لا؟”.

(خر 20: 20) “فقال موسى للشعب: لا تخافوا. لان الله انما جاء ليمتحنكم (נַסּוֹת) ولتكون مخافته امام وجوهكم حتى لا تخطئوا”.

(1صم 17:39)” فتقلد داؤود بسيفه فوق ثيابه وعزم ان يمشي لأنه لم يكن قد جرب (נָסָה). فقال داؤود لشاول: لا أقدر ان امشي بهذه لأني لم اجربها (נִסִּיתִי) ونزعها داؤود عنه”.

(1مل 10:1)” وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان لمجد الرب. فاتت لتمتحنه(לְנַסֹּתוֹ) بمسائل”.  

(مز 26: 2) “جربني يارب وامتحني(וְנַסֵּנִי) صف كليتي وقلبي”.

(مز 95: 9)” حيث جربني (נִסּוּנִי) اباؤكم. اختبروني. أبصروا افعالي”.

(دا 1: 12) ” جرب (נַס) عبيدك عشرة ايام. فليعطونا القطاني لنأكل وماءاً لنشرب”.

ماذا تقول القرينة؟

اية1 جميع الوصايا التي انا اوصيكم بها تحفظون لتعملوها لتحيوا وتكثروا وتدخلوا وتمتلكوا الارض التي اقسم الرب لآبائكم.

ان ما يريده الرب لشعبه هو ان يحيوا ويكثروا ويدخلوا ارض الموعد. والطريق لذلك هو ان يحفظ شعبه وصاياه عملياً وتطبيقياً وليس نظرياً فقط. وعليهم ان يسلموا وصاياها وتطبيقها الى أولادهم من جيل الى جيل.

ولم يكن هدف الوصايا أن يتحكم الله في الانسان، كلا. بل أن يعيش الانسان ملئ الحياة. واياك ان تظن ان الوصايا قيد، ان الوصايا طريق حياة. تخيل الشارع بدون قوانين مرور، وكل واحد يفعل ما يحلو له، كيف سيكون شكل الشارع؟ وما أبعد الفارق بين وصاياه التي قال عنها المرنم:” ناموس الرب كامل يرد النفس، شهادات الرب صادقة تصير الجاهل حكيماً، وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب. امر الرب طاهر ينير العينين” (مز 19: 8،7). وبين قوانين المرور.

اية 2 وتتذكر كل الطريق التي فيها سار الرب إلهك هذه الاربعين سنة في القفر ليذلك ويجربك ليعرف ما في قلبك أتحفظ وصاياه ام لا؟

فهو يريد منهم ان يتذكروا اعماله العظيمة وعجائبه القوية التي عملها معهم من اول الضربات العشرة وحتى قبل عبور الاردن. وهو فعل ذلك لكي يثبت حقه في قلب كل انسان ولكي يدرك كل انسان ان الذي أخطأ نال عقابه والذي تمسك بوصايا الرب نال مكافأته خلال الاربعين سنة. ولقد اتاهك لكي تتجه كل الانظار اليه. وتتعلق كل القلوب به. وقد فعل ذلك لكي يذلك بمعنى يعلمك التواضع. ولكي يكشف ماهو خفي داخل قلبك. ويجعلك تعرف نفسك على حقيقتها. ولكي تعرف نقاط قوتك وتنميها ونقاط ضعفك وتعالجها.

عزيزي القارئ: ان التجارب لخيرنا فعندما يسمح الله بتجربتنا انما ذلك ليقيمنا وليس ليسقطنا. ليرفعنا وليس ليكسرنا. تخيل مدرس في مدرسة الاحد يريد ان يمتحن تلاميذه، هل يمتحنهم ليصيبهم بالفشل ام ليدفعهم للأمام؟ انه يمتحننا لنقيم أنفسنا ونعرف مستوانا ونتقدم للأمام.

وعندما يسمح الله بتجربة هو لا يتخذ مِنّا موقف المتفرج. بل المتوحد بنا. فهو فينا ونحن فيه، نحن جزء منه. الا يقول الرسول بولس:” لأننا اعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه”(اف 5:30). ولذلك نسمع المسيح يقول بفمه الطاهر: “لأني جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً فأويتموني. عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم الي”(مت 25: 35-36). والسؤال: متى كان جائعاً او مريضاً او غريباً او محبوساً؟ ولا نجد اجابة سوى اولاده. فهو يتألم لألآمنا ويحزن لأحزاننا. الم يقل اشعياء النبي:” في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم”. ألم يقل زكريا: “لأنه من يمسكم يمس حدقة عينه”(زك 2:8). وهي تأتي في بعض الترجمات كالاتي:

(TLB) for he who harms you sticks his finger in Jehovah s eye.              

من يؤذيكم يضع اصبعه في عين يهوه.

(DRB) for he that touched you touched the apple of my eye.

لأنه من يمسكم يمس حدقة عيني.

(ERV) if anyone even touches you, it is as if they did it to the pupil of my eye.

لأنه من يمسكم يمس حدقة عيني.

(GNB) anyone who strikes you strikes what is most precious to me.

من يضربكم يضرب أثمن شيء عندي.

(ISV) because whoever injures you injures the pupil of my eye.

الم يقل الرب لشاول عندما ظهر له في طريق دمشق: “شاول لماذا تضطهدني؟”(اع 9:4). لم يقل له لماذا تضطهد بطرس او اندراوس او يوحنا. بل تضطهدني انا، فعندما تمد يدك على اي واحد فيهم كأنك مددتها على أنا.

وعندما يسمح الله لنا بالتجارب فهو لا يتركنا فريسة في يد العدو، بل يعدنا ويؤهلنا للانتصار قبل الدخول في التجربة. الم يقل لبطرس:” سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة! ولكني طلبت من اجلك لكيلا يفنى ايمانك. وانت متى رجعت ثبت اخوتك” (لو22: 31-32). لقد طلب الرب يسوع من اجله قبل ان يغربله الشيطان. وما اروع ما قاله لأباه يعقوب عندما كان يطارده ولحق به في جبل جلعاد” في قدرة يدي ان اصنع بكم شراً ولكم إله ابيكم كلمني البارحة قائلاً: احترز من ان تكلم يعقوب بخير او شر”(تك 31:29). يقول “إله ابيكم” لأنه لا يعرفه. وقد التقى به وحذره من ان يمد يده بالسوء ليعقوب قبل ان يلتقي به بيوم. هل كان يعقوب يدري بما يفعله الرب لأجله؟! نحن لا نعلم ماذا سيواجهنا في الغد لكننا نثق انه اليوم يعدنا ويصلي لأجلنا ويسهر علينا لكي ننتصر في الغد.

هل الله يريد ان يذل الانسان؟

تقول اية 3 “فلذلك واجاعك واطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولأعرفه اباؤك ليعلمك انه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الانسان”. فهل الله يريد ان يذل الانسان؟ لكي اجاوبك على هذا السؤال بوضوح. أسال سؤالاً مفتاحياً: هل الله أجاعهم؟ الا تقول الآية “فأذلك وأجاعك” في الحقيقة الله لم يجعهم بل اطعمهم أفضل الاطعمة فتقول تكملة الآية “واطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه اباؤك” والمن اسم عبري معناه “ما هو هذا؟ او هبة” انزله الله على بني اسرائيل طيلة مدة اقامتهم في البرية. وكان كافياً لملايين الناس. وكان المن كبزرة الكزبرة ابيض وطعمه كطعم قطائف بزيت. ومنظره كمنظر المقل (عد 11: 7و8) وكان ينزل يوماً فيوم مدة اربعين سنة ماعدا أيام السبت. فما كان يحفظ من المن في اليوم السادس الى اليوم السابع كان يبقى جيداً وصالحاً للأكل. وذلك ليعلمهم تقديس يوم السبت. ولكن ما كان يحفظ من يوم الى يوم اخر من ايام الاسبوع فانه كان يفسد ويتولد فيه الدود فهو لم يجيعهم. اذاً المقصود بكلمة “وأجاعك” اي لم يجعل لديهم مخزوناً من الطعام فيتكلوا عليه. بل جعلهم في احتياج يومي للطعام ليتعلموا الاتكال الدائم عليه والثقة الكاملة فيه. ليتعلموا ان من اعطاهم طعام اليوم سيعطيهم طعام الغد. وانه لن يتخلى عنهم يوماً واحداً. وهي تأتي في ترجمة:

(BBE) and He made low your pride and let you be without food and gave you manna for your food.         

اي وتركك بدون طعام واعطاك المن لتأكل.

وبالمثل عندما يقول “فأذلك” فالرب لم يذلهم بالمعنى المعروف اليوم بدليل انه في الآية التالية يقول “ثيابك لم تبلى عليك ورجلك لم تتورم هذه الاربعين سنة”. فقد اطعمهم المن السماوي. وحفظهم من اخطار الطريق وجعل ثيابهم سليمة بطريقة معجزية طوال الاربعين سنة. والسؤال اذاَ ما المقصود بكلمة “فأذلك؟”

الكلمة العبرية “يذل” هي (עָנָה) (عناه) وقد وردت في العهد القديم 82 مرة. وهي لا تعني فقط (يذل) انما تعني ايضاً (يذل نفسه، ويتضع، ويخضع).

(4)Abase self  , submit self, weaken, be bowed down, become low, to humble oneself to humble.  

وقد ترجمت عدة مرات في العهد القديم يخضع ويتضع ويذل نفسه كما في الآيات التالية:

(تك 16: 9) “فقال لها ملاك الرب: ارجعي الى مولاتك واخضعي (עָנָה) تحت يديها”.

(خر 10: 3) ” فدخل موسى وهرون الى فرعون وقالا له: هكذا يقول الرب إله العبرانيين الى متى تأبى ان تخضع (לֵעָנֹת) لي؟ أطلق شعبي ليعبدوني”.

 (لا 16: 31) “سبت عطلة هو لكم وتذللون (וְעִנִּיתֶם) نفوسكم فريضة دهرية”.

(مز 35: 13)” أما أنا ففي مرضهم كان لباسي مسحاً. أذللت (עִנֵּיתִי) بالصوم نفسي. وصلاتي الى حضني ترجع”. (اش 58: 3) ” يقولون: لماذا صمنا ولم تنظر ذللنا (עִנִּינוּ) أنفسنا ولم تلاحظ؟ ها انكم في يوم صومكم توحدون مسرة وبكل اشغالكم تسخرون”.

وهنا عندما يقول: “فأذلك” فالمقصود جعلك لا تفتخر بنفسك كما ورد في ترجمة:

(BBE)  And He made low your pride and let you be without food and gave you manna for your food.         

الى جانب انها وردت في معظم الترجمات الانجليزية الاخرى “وجعلك متواضعاً”:

(Darby) and He humbled thee, and suffered thee to hunger, and fed thee with the manna.

وجعلك متواضعاً واجاعك واطعمك المن.

(ISV) (RV) (ASV) (ERV) (YLT) (LJTV) (ESV) and He humbled and let you hunger and fed thee with the manna.

وجعلك متواضعاً واجاعك واطعمك المن.

(Bishops), (Geneva), (Webster), Therefore He humbled thee, and made thee hungry, and fed thee with MAN.

ولذلك جعلك متواضعاً وسمح لك بالجوع واطعمك المن.

(MKJV)(KJV) And He humbled you and allowed you to hunger, and then He fed you with manna.

وجعلك متواضعاً وسمح لك بالجوع واطعمك المن.

لقد اتاههم في البرية حتى يكون كل اتكالهم واعتمادهم عليه وتتجه كل انظارهم اليه. لقد جربهم حتى لا يفتخروا بقوتهم او عددهم وحتى يدركوا ان الله هو مصدر قوتهم.

عزيزي القارئ: ان الله لا يذل شعبه بل يكرمه. ولا يؤذي خليقته بل يباركها. فعندما نعود الى قصة الخلق نرى ان الله خلق الانسان على صورته، فميزه عن سائر الكائنات الاخرى بالعقل والمفكر، والارادة الحرة والقدرة على الابداع والابتكار، والقدرة على التعلم المستمر. والتواصل مع الله ومع الاخرين، وجعله تاجاً للخليقة ووكيله في الارض بل واعطاه مسؤولية ادارة الخليقة فنقرأ: “وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب الارض”. (تك 1:26). وأشرك الانسان معه في تسمية الحيوانات ولقد كان ممكناً لله ان يسميها في لحظات. ولكننا نقرأ: ” وجبل الرب الاله من الارض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء فأحضرها الى ادم ليرى ماذا يدعوها وكل ما دعا به ادم ذات نفس حية فهو اسمها”. (تك 2: 18-19).

للأسف كثيراً ما نظن اننا لكي نعظم الله لابد أن نحط من قيمة الانسان. وكأن الانسان منافس لله. وهذا غير صحيح بالمرة. لقد كان القديس ايرونيمس في القرن الثالث يقول: (مجد الله هو الانسان الحي) (5) اي انه كلما اصبحت حياة الانسان أكثر انسانية وكرامة ورفعة كلما فرح قلب الله. نعم ويتمجد الله عندما يرى ابناءه قياماً مرفوعي الرأس. فالله يريد الانسان ناضجاً متكاملاً أمامه في شخصيته وقدراته وحياته. لذلك اريد ان اقول ان اي نظرية سياسية او دينية او روحية او اقتصادية تقلل من قيمة الانسان ليست مسيحية.

فلم يخلق الله الانسان لكي يذله ويعذبه في الارض في رحلة مليئة بالمصائب والكوارث والقدر المحتوم والعمر المحدود. لقد خلق الله الانسان ووضعه في الجنة. فمنذ البداية وهو يريد خير الانسان وسعادته وراحته.     

فهو يريد راحة الانسان ولهذا يقول المرنم: “الذي يشبع بالخير عمرك…”(مز 103:5). الم يقل” لمجدي خلقته وجبلته وصنعته” (اش 43:7) وعندما جاء المسيح قال: ” أما انا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل” (يو 10:10). وهي تأتي في اليونانية (περισσὸν ἔχωσιν) بمعنى “يأخذون الحياة بفيض وغزارة” أو ” يعيشون الحياة بملئها”.

كان القديس مكسيموس المعترف يقول: “ان الله يتعطش لكي يؤله الانسان”. وكان القديس إيريناوس أسقف ليون في القرن الثاني يقول ” صار الاله انساناً ليصير الانسان الهاً”(6). أليست لهذه الكلمات صدى لما قاله الرسول بولس ” من اجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره” (2كو 8:9). ان تأليه الانسان لا يختبره الانسان بعد الموت بل هنا والان.

ان الله لا يريد للإنسان وجوداً ناقصاً او مبتوراً. انه يريد للإنسان كل الوجود. انه يريد ان يشرك الانسان في ملئه ويرفعه الى مستواه.

ان الله اب، والاب يسر بان يصبح ابنه مثله مكتمل الرجولة، ويتمنى ان يرى ابنه في غاية السعادة والراحة والاستقرار، ولا ينكسر قلبه الا عندما يرى ابنه حزيناً بائساً مريضاً عاجزاً ضعيفاً. لذلك نكرر ان الله يريد ان يؤله الانسان ويشركه في مجده، الم يقل الرسول بطرس ” لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية”(2بط 1:4).

المراجع

  • Strongs Exhaustive concordance lexicon Entries. Hebrew and Greek .p.317.
  • د. القس الدكتور منيس عبد النور. شبهات وهمية. ص 194.
  • Enhanced Brown –Driver-Briggs Hebrew and English p.287.
  • Enhanced Brown –Driver-Briggs Hebrew and English p.289.
  • الاب فاضل سيداروس اليسوعي (المجتمع ميزان الكنيسة) 1979م.
  • كوستي بندلي. إله الالحاد المعاصر ص63.