الردود على الشبهات

إله العهد القديم، هل هو إله يغوى البشر على فِعل الشر؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم، هل هو إله يغوى البشر على فِعل الشر؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم، هل هو إله يغوى البشر على فِعل الشر؟ شبهة والرد عليها
إله العهد القديم، هل هو إله يغوى البشر على فِعل الشر؟ شبهة والرد عليها

«وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلاً: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا»….. وَلَمَّا قَامَ دَاوُدُ صَبَاحًا، كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى جَادٍ النَّبِيِّ رَائِي دَاوُدَ قَائِلاً: «اِذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِدًا مِنْهَا فَأَفْعَلَهُ بِكَ». فَأَتَى جَادُ إِلَى دَاوُدَ وَأَخبَرهُ وَقَالَ لَهُ: «أَتَأْتِي عَلَيْكَ سَبْعُ سِنِي جُوعٍ فِي أَرْضِكَ، أَمْ تَهْرُبُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ أَمَامَ أَعْدَائِكَ وَهُمْ يَتْبَعُونَكَ، أَمْ يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَبَأٌ فِي أَرْضِكَ؟ فَالآنَ اعْرِفْ وَانْظُرْ مَاذَا أَرُدُّ جَوَابًا عَلَى مُرْسِلِي». (2صم 24: 1، 11ـ 13)

يقول د. منقذ بن محمود السقار: “ويتحدث سفر صموئيل عن أن داود قد أمره الرب بإحصاء بنى إسرائيل، فيقول: “عاد فحمى غضب الرب على إسرائيل، فأهاج عليهم داود قائلاً: امض وأحصِ إسرائيل ويهوذا”. ففعل داود “فدفع يوآب جملة عدد الشعب إلى الملك، فكان إسرائيل ثمانمائة ألف رجل ذى بأس مستل السيف (800 ألف)، ورجال يهوذا خمسمائة ألف رجل (500 ألف).

                ثم إن داود ندم على إحصائه بنى إسرائيل، وقال للرب: “لقد أخطأت جداً فى ما فعلت، والآن يا رب أزل إثم عبدك”. وهذا الندم العجيب، إذ هو قد امتثل لأمر الله، وصنع تماماً كما أمره.

                ثم أمر اللهُ النبىَّ جاد أن يبلغ داودَ عقوبةَ الله له، فالله يخيِّره بين أمور “أتأتى عليك سبع سنى جوع فى أرضك؟ أم تهرب ثلاثة أشهر أمام أعدائك وهم يتبعونك؟ أم يكون ثلاثة أيام وباء فى أرضك؟ فالآن اعرف، وانظر ماذا أرد جواباً على مرسلى” (2 صموئيل24: 1ـ 13).

                ويختلف سفر الأيام عن سفر صموئيل فى رواية القصة ذاتها، فيقول: “ووقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصى إسرائيل…. فدفع يوآب جملة عدد الشعب إلى داود. فكان كل إسرائيل ألف ألف ومائة ألف رجل (مليون ومائة ألف) مستلِّى السيف. ويهوذا أربع مئة وسبعين ألف رجل مستلِّى السيف (470 ألف)… وقبح فى عينى الله هذا الأمر، فضرب إسرائيل”.

          فقال داود لله: فَقَالَ دَاوُدُ لِلهِ: «لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدًّا حَيْثُ عَمِلْتُ هذَا الأَمْرَ. وَالآنَ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لأَنِّي سَفِهْتُ جِدًّا». فَكَلَّمَ الرَّبُّ جَادَ رَائِي دَاوُدَ وَقَالَ: 10«اذْهَبْ وَكَلِّمْ دَاوُدَ قَائِلاً: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِدًا مِنْهَا فَأَفْعَلَهُ بِكَ»… إِمَّا ثَلاَثَ سِنِينَ جُوعٌ، أَوْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ هَلاَكٌ أَمَامَ مُضَايِقِيكَ، وَسَيْفُ أَعْدَائِكَ يُدْرِكُكَ، أَوْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَكُونُ فِيهَا سَيْفُ الرَّبِّ وَوَبَأٌ فِي الأَرْضِ… فَانْظُرِ الآنَ مَاذَا أَرُدُّ جَوَابًا لِمُرْسِلِي»“. (1أخ 21: 1ـ 12).

فقد تناقض النصان فى 3 أمور:

  • من الذى يأمر بإحصاء بنى إسرائيل الرب أم الشيطان؟ وكما يقول الشيخ أحمد ديدات: “فإن الشيطان والرب ليسا مصطلحين مترادفين فى أى الديانات”(1).
  • أعداد بنى إسرائيل، ففى سفر صموئيل كان رجال إسرائيل 800000، وفى الأيام أضحوا 1.100000، وفى سفر صموئيل كان رجال يهوذا 500000 رجل. فجعلهم سفر الأيام 470000 رجل، فأى السفرين أرقامه صحيحة؟ ومن المخطئ، هل هو الروح القدس أم الكتبة الملهمون؟

وتعلق النسخة الرهبانية اليسوعية على أرقام القتلى المهولة بقولها: “من الواضح أن الأرقام مُبالَغ فيها كما فى كثير من الأرقام المماثلة فى العهد القديم، وقد زيد عليها أيضاً فى سفرى الأخبار”.

  • وهل كانت العقوبة التى خيَّر داود ثلاث سنين جوع أم سبع سنين(2).

ويسأل آخر:

من الذى أغوى داود، الله أم الشيطان؟

هل الإغواء والوسوسة من صفات الله أم من صفات الشيطان؟

أى من السفرين أرقام تعداده صحيحة والآخر خطأ؟

الإجابة:

هذه القصة فعلاً تطرح العديد من الأسئلة مثل:

لماذا يُهيِّج الله قلب داود ثم بعد ذلك يُعاقبه؟

ما ذنب الشعب حتى يموت منه 77 ألف شخص؟

من الذى أغوى داود الله أم الشيطان؟

هل العقوبة كانت ثلاث سنين أم سبع سنين؟

أولاً: حقائق أساسية:

إن من يدرس كلمة الله فى عمقها وغناها يجد أنه من بين الحقائق الأساسية الكثيرة التى يُعلنها لنا هناك ثلاث حقائق رئيسية تساعدنا فى حل هذه الإشكالية وهى:

(1) الإنسان حُر الإرادة:

                يُعلن لنا الكتاب المقدَّس مراراً وتكراراً أن الإنسان حُر يستطيع أن يتَّخِذ ما يشاء من قرارات، وله القُدرة على الإختيار والتنفيذ ويَملُك إرادة، لذلك هو مسئول مسئولية أدبية عن أفعاله، مسئول أمام الله وأمام المجتمع وأمام ضميره.

وقصة الخلق تؤكد لنا حرية الإنسان. فقد خلق الله الإنسان على صورته (تك1: 27). وأعطاه حُريَّة وسلطان وإرادة. وما سقوط آدم فى الخطية إلا دليل أكيد على حريته. فكان يُمكِن لله أن يُقيِّد حريته أو يجعله عاجزاً عن الوصول إلى الشجرة. كان يحيطها بسور من نار، أو يجعله يُصاب بشلل إذا اقترب منها مسافة متر مثلاً، ولكن الله لم يفعل هذا، لأن هذا يتنافى مع كرامة الإنسان.

وما ندم آدم عندما أخطأ، وإلتماس الأعذار لنفسه، وإلقاء اللوم على الآخرين، ومحاولة الإختباء من وجه الله إلا دلالة أكيدة على حريته. فلو لم يكُن حُراً لما فعل ذلك، ولو كان مُسَيَّراً ومُجبراً على تصرفاته لما كان فى حاجة إلى تبرير أفعاله.

ووجود الوصايا تؤكد حرية الإنسان أيضاً. فإعطاء الوصية للإنسان دليل على أنه حُر، وأنه يمتلِك إمكانية مخالفتها. ولو أن الإنسان مُسَيَّر فما ضرورة الوصية؟ هل هى تمثيلية يقوم بها الله؟ كلا، لقد خلقنا أحراراً، وأعطانا الوصايا لكى نطيعه بمطلق حريتنا، وما مخالفة الإنسان للوصية إلا أكبر دليل على أن الله يحترم حُريَّة الإنسان لدرجة انه لا يمنعه من مُخالفة وصيته.

كما أن وجود يوم للدينونة والمُجازاة هو أكبر دليل على حُريَّة الإنسان. فكيف يحاسب الله الإنسان إن لم يكن حُراً؟! كيف يقول له: أعط حساب وكالتك وقد كان مرغماً على تصرفاته؟! كيف يُجازى الإنسان عما فعل سواء خيراً أو شراً وهو لم يكن سيد قراره. لأنه من أبسط قواعد العدل أن لا يُحاسَب الإنسان على فِعْل لم يكن صاحب الإرادة فيه(3).

لقد خلق الله الإنسان حُراً لذلك يقول له: “اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ…. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ “. (تث30: 15، 19).وهنا نرى الله يشير على الإنسان أن يختار طريق الحياة، إنه يعرض ولا يفرض، فالأمر متروك لحُريَّة الإنسان، فكما يقول اللاهوتى الكبير بول أفدوكيموف “الله يستطيع كل شئ… إلا إرغامنا على محبته”(4). فكل إنسان حُر فى أن يقبل أو يرفض، يؤمن أو يُلحِد.

ويقول له أيضاً:

“هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ. إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ. لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ”. (إش1: 18ـ 20)

إنه يدعونا هنا أن نسأل ونناقش لكى نقتنع، فمن غير الممكن أن نقبل الحقائق الإيمانية هكذا دون بحث وفهم واقتناع، فلا توجد حقيقة روحية حقيقية غير مُقنِعة لأفهامنا، فكل ما هو غير مُقنِع للعقل هو غير منطقى لأنه ليس بحقيقى. تخيل الله نفسه يدعونا أن نتحاجج ونناقش ونفهم ونقتنع وذلك لأن الإنسان حُر الإرادة.

وقال المسيح: “يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!” (مت 23: 37).

وهناك العديد من الآيات التى تؤكد حُريَّة الإنسان (راجع يش24: 15؛ إش1: 19؛ لا26؛ تث11: 26ـ 29؛ مر6: 5، 6).

يقول اللاهوتي الكبير (C.S.Lewis): “لقد خلق الله الإنسان حُراً، والحُريَّة تُعطِى إمكانية عمل الخير أو الشر على السواء. ثم يتساءل: لماذا أعطى الله الإنسان الإرادة الحُرَّة؟ ويجيب: على الرغم من أن الإرادة الحُرَّة جعلت عمل الشر مُمكِناً، إلا أنها السبيل الوحيد لعمل الخير، فإن عَالَماً ميكانيكياً يعمل فيه الناس كالآلات غير جدير بأن يُخلق أو يُعَاش. فالسعادة الحقيقية التى ينشدها الله هى فى أن يرى البشر يحبونه ويطيعونه بمحض إرادتهم”.(5)

لقد قضى الله فى حكمته أن يخلق الإنسان حُرَّاً، يفكر ويقرر ويختار كما يشاء، وتبعاً لذلك سيُحاكم ويُجازى.

(2) الله صاحب السلطان المُطلق على الكون:

هل من تعارُض بين حُريَّة الإنسان وسلطان الله على التاريخ؟ بكل يقين لا.

فدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية لها قانون يحكمها، وتضع لنفسها رؤى وأهدافاً لأكثر من 20 سنة. فهل قانونها ونظامها يحِد من حُريَّة المواطن الأمريكى. بالطبع لا. بل القانون يؤكد حُريَّة المواطن ويحميها. والأهداف التى تريد أن تحققها فى فترة زمنية معينة لا تتعارض مع حُريَّة المواطن الأمريكى، وعدم تجاوُب مئات بل آلاف المواطنين لا يُعطِّل الدولة عن الوصول إلى أهدافها. هذا مع الفارق الكبير بين دولة ما مهما كان شأنها، وبين الله العظيم القدير الذى قال “فبمن تشبهوننى؟”

                يقول الوحى: قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ، حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ” (أم21: 1). وهذا لا يعنى أن البشر كالعرائس فى يد الله يحركهم كيفما يشاء دون اعتبار لإرادتهم، بل معناها أنه لا يستطيع أحد أن يقف أمام خطة الله ومقاصده للعالم.

                فالله فى قصده الأزلى قضى بأن يخلق الإنسان حُرَّاً، ولذلك هو لا يفعل الشئ ونقيضه، بمعنى أن يقضى بحُريَّة الإنسان ثم يجبره على تصرف معين. إن الإنسان حُر يفعل ما يشاء وبالرغم من ذلك فإن قصد الله لابد أن يتم.

                قال نَبُوخَذ نَصَّر: الَّذِي سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ، وَمَلَكُوتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ…. وَهُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ، وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟” (دا4: 34، 35)

ونقرأ أيضاً:فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ”. (دا7: 14)

“…وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ” (زك9: 10)

مُتَسَلِّطٌ بِقُوَّتِهِ إِلَى الدَّهْرِ. عَيْنَاهُ تُرَاقِبَانِ الأُمَمَ. الْمُتَمَرِّدُونَ لاَ يَرْفَعُونَ أَنْفُسَهُمْ” (مز66: 7)

(3) الشيطان هو الْمُجَرِّب:

يُعلن الكتاب المقدس بكل وضوح أن الشيطان هو مصدر الإغواء والإغراء والشر لذلك أعطاه الوحى عدة ألقاب وصفات منها:

  • الشِّرِّير:

ـ (مت6: 13) “وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ”.

ـ (يو17: 15) “لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ”.

ـ (أف6: 16) “حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ“.

ـ (2تس3: 3) “أمِينٌ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُثَبِّتُكُمْ وَيَحْفَظُكُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ”.

ـ (1يو2: 14) “كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ”.

  • الْمُجَرِّب:

ـ (مت4: 3) “فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ:”إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا”.

ـ (لو4: 13) “وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ“.

ـ (1تس3: 5) “لَعَلَّ الْمُجَرِّبَ يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ، فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلاً”.

ـ (رؤ2: 10) “هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا“.

   (ج) المُضِل:

ـ (رؤ12: 9) “فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ”.

   (د) الكَذَّاب:

ـ (يو8: 44) “ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ”.

وذلك لأنه يستخدِم الكذب والضلال فى التجربة، وهو عادةً يخلط الحق بالباطل ليُضلل الإنسان عن معرفة الله الحقيقية.

   (هـ) المُشتَكى: 

ـ (رؤ12: 10) “لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا، الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلهِنَا نَهَارًا وَلَيْلاً”.

ويسعى المُجَرِّب بكل وسيلة لكى يُسقِطَنا فى الخطية ولذلك يستخدم المكايد، والفخاخ، والسهام المُلتهبة، والعروض المُغرية.

 

ثانياً: من الذى أغوى داود؟

فى ضوء ما تقدَّم من حقائق نستطيع أن نقول الآتى:

  • إن الشيطان هو الذى أغوى داود كما يقول كاتب سفر الأخبار: “وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ”. (1 أخ21: 1). فكما ذكرت سابقاً هو المُجَرَّب والمُضِل والكَذَّاب والمُشتَكى. لقد كان الشيطان يريد أن يُسقِط داود فى الخطية ليدمره هو والشعب أيضاً.
  • إن الله سمح للشيطان أن يُجرِّب داود كما يذكُر كاتب سفر صموئيل: وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلاً: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا». (2صم 24: 1). ونستطيع أن نفهم هذه الفكرة عندما نقارن هذا الفعل مع ما حدث فى سفر أيوب. فنحن نرى فى سفر أيوب أن الشيطان قد جاء إلى الرب، وقدَّم شكواه ضد أيوب، وكانت النتيجة أن جرَّب أيوب فى حدود معينة، فمن الذى جرَّبه؟ الشيطان، ولكن فى حوار أيوب مع زوجته، ومع أصدقائه، وأيضاً فى حوار أيوب مع الله، لم يذكر اسم الشيطان مُطلقاً، بل لم يظهر الشيطان فى المشهد مُطلقاً، كل الكلمات كانت عن الله وما فعله الله، أما الشيطان الصانع الحقيقى للتجربة بقى خارج الصورة تماماً، فقال لزوجته: أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟” (أي2: 10).

لذلك نقول إن الشيطان هو الذى جرَّب داود وليس الله، فالله لا يجرب بالشرور كما قال الرسول يعقوب:لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا” (يع1: 13). ولكن فى نفس الوقت كل شئ تم بسماح من الله، لأنه لا يوجد شئ فى السماء أو على الأرض يتم بدون سماح من الله. ولهذا نرى دقة التعبير الإلهى فيذكر سفر صموئيل أن التجربة أتت من الرب لكى لا يفهم أحد الشيطان جرَّبه بدون إذن من الرب، وأيضاً وضَّح سفر الأخبار أن الشيطان هو الذى جرَّبه ليؤكد أن الله لا يُجرِّب بالشرور بل يسمح للشيطان بالتجربة للتنقية.

فسواء ذكر الوحى (الشيطان) المهيج الحقيقى للأحداث مثلما فعل الوحى فى سفر الأخبار، أو ذكر (الله) المهيمن على كل الأمور والذى سمح بهذا الأمر مثلما فعل الوحى فى سفر صموئيل، فالعبارتان صحيحتان ومكملتان لبعضهما.

  • إن داود هو الذى سقط فى التجربة بكامل حرية إرادته. فكما ذكرت سابقاً أن كل إنسان حُر الإرادة، يقرر ويختار ويفعل ما يشاء. وقد قال الرسول يعقوب بوضوح: “… كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا” (يع1: 14، 15)

ففى الحقيقى كانت الخطية قد بدأت تتسلل إلى قلب داود، ففى (1صموئيل21) نجده لا يستشير الرب فى أمر الْجِبْعُونِيِّين ويتعجل التصرف. وهنا يكرر نفس الخطية ولا يستشير الرب فهو لم يتعلم من خطيته السابقة.

وهو هنا يريد أن يفتخر بذكائه وبقوته وبجيشه، وهذا الفكر الشرير يجعله يعتمد على قوته وليس على الله كما كان فى الماضى.

فداود الصبى الذى بدأ حياته معتمداً على الله فقط فى قتل الأسد والدب، والذى كان قلبه مشتعلاً بالغيرة على اسم الرب، وعلى جيش الرب فذهب لمواجهة جليات باسم رب الجنود فقط وقال له: “أَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ بِسَيْفٍ وَبِرُمْحٍ وَبِتُرْسٍ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ بِاسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ إِلهِ صُفُوفِ إِسْرَائِيلَ” (1صم17: 45) وقتله بالمقلاع، الآن يفكر فى معرفة عدد جيشه وسلطانه وهذا أحزن قلب الرب، وقد سمح الرب للشيطان أن يغوى داود.

وما يؤكد أنه فعل كل ما فعل بكامل حُريَّة إرادته أننا نجد أنه رفض أن يستمع لنصيحة يوآب بل واحتد عليه، فلقد أدرك يوآب أن التعداد خطأ، وحاول تنبيه داود لذلك وأن الله قادر أن يزيد عدد الشعب 100مرة، لكن داود أصرَّ على خطأه، فلقد كان الله يريد أن يوصل صوته إلى داود ويُرجِعه عن طريقه لكنه رفض فنقرأ: “فَقَالَ الْمَلِكُ لِيُوآبَ رَئِيسِ الْجَيْشِ الَّذِي عِنْدَهُ: «طُفْ فِي جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ وَعُدُّوا الشَّعْبَ، فَأَعْلَمَ عَدَدَ الشَّعْبِ». فَقَالَ يُوآبُ لِلْمَلِكِ: «لِيَزِدِ الرَّبُّ إِلهُكَ الشَّعْبَ أَمْثَالَهُمْ مِئَةَ ضِعْفٍ، وَعَيْنَا سَيِّدِي الْمَلِكِ نَاظِرَتَانِ. وَلكِنْ لِمَاذَا يُسَرُّ سَيِّدِي الْمَلِكُ بِهذَا الأَمْرِ؟» فَاشْتَدَّ كَلاَمُ الْمَلِكِ عَلَى يُوآبَ وَعَلَى رُؤَسَاءِ الْجَيْشِ، فَخَرَجَ يُوآبُ وَرُؤَسَاءُ الْجَيْشِ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ لِيَعُدُّوا الْشَعْبَ،أَيْ إِسْرَائِيلَ” (2صم24: 2ـ 4). ويرد (ع4) فى (ت ع م) كالآتى:

“غير أن الملك فرض رأيه على يوآب وعلى قادة الجيش، فخرجوا من عنده ليعدوا بنى إسرائيل”.

والأمر الثانى هو أن داود اعترف بخطيته وأقرَّ بحماقته قبل أن يوبخه جاد الرائى فنقرأ: “وَضَرَبَ دَاوُدَ قَلْبُهُ بَعْدَمَا عَدَّ الشَّعْبَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّبِّ: «لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدًّا فِي مَا فَعَلْتُ، وَالآنَ يَا رَبُّ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لأَنِّي انْحَمَقْتُ جِدًّا»”. (2صم24: 10). وهى ترد فى بعض الترجمات كالآتى:

(ت ك) “فخفق قلب داود من بعد إحصاء الشعب، وقال داود للرب: قد خطئت خطيئة كبيرة فما صنعت، والآن يا رب أغفر إثم عبدك، لأنى بحماقة عظيمة تصرفت”.

(ك ح) “وبعد أن تم إحصاء الشعب اعترى الندم قلب داود، فتضرع إلى الرب قائلاً: “أخطأت جداً بما ارتكبته، فأرجوك يا رب أن تزيل إثم عبدك لأننى تصرفت تصرفاً أحمق”.

والأمر الثالث هو عقاب الرب له، فليس من العدل ولا المنطق أن يكون الله هو الذى دفعه لهذا الخطأ ثم يعاقبه!

ولقد غضب الله جداً حينما قام داود بعمل هذا الإحصاء وذلك للأسباب الآتية:

(أ) لم يستشر الرب كعادته.
(ب) إحصاء الشعب يعنى أنه بدأ يشعر أن سر قوته وانتصاراته يرجع إلى عدد رجاله وإمكانياته، وأنه بدأ يعتمد على قوته العسكرية.
(ج) ربما قصد داود بهذا الإحصاء إثارة حروب جديدة لم يأمره بها الله لتوسيع مملكته.
(د) ربما أراد تسخير الشعب بوضع جزية مالية ثقيلة لحسابه الخاص أو حساب الخزانة وليس لحساب خيمة الإجتماع.
(هـ) نسى داود أن الشعب هو شعب الرب وليس شعبه هو، وأن الرب قادر أن يزيد الشعب كما حدث فى مصر إن أراد، وقادر أيضاً أن ينقصه كما حدث هنا. وهو قادر أن يجعل النصرة بأقل عدد كما حدث فى أيام جدعون. وعلينا أن نُدرك هذا لحياتنا فلا نضع قلوبنا على ما نمتلك فالله قادر أن يزيد ويبارك فيما نملك، وقادر أن يأخذ كل شئ وقادر أن يبارك فى القليل. المهم أن نضع ثقتنا فى الله وليس فيما نملك.
(و) يبدو أن الدافع الرئيسى لإحصاء الشعب كان هو التفاخر والتباهى والإعلان عن عظمته وقدراته وإمكانياته، كما كان يفعل ملوك الأمم حوله، وذلك ليرعب الأمم المجاورة له.

ما ذنب الشعب حتى يموت منه 77 ألف شخص؟

فى الحقيقة كان الشعب محتاجاً إلى التأديب وإلَّا كان الرب قد أدَّب داود وحدهُ. ونحن لا نعرف كل الحقائق ولكن علينا أن نثق فى عدالة الله. ففى موضوع بثشبع وأوريا الحثى لم نسمع أن الله أدَّب الشعب على خطأ داود بل انصبَّ التأديب على داود وحده. لكن الآن نسمع أن الضربة موجهة للشعب أيضاً، إذاً فهو مستحق. فطالما أن الدافع الرئيسى لإحصاء الشعب كان هو التفاخر والتباهى والإعلان عن عظمة وقدرة وإمكانيات المملكة. فالشعب شريك فى هذه الروح، والخطية يشترك فيها الجميع وليس داود وحده، فكلاهما شَعَر بالغرور والإنتفاخ، وبالتالى الشعور بعدم الإحتياج إلى الله، وهذا الإحساس يؤدى دائماً للسقوط فى خطايا كثيرة.

            وقد تاب داود ووبخه قلبه على ما حدث ولكن الشعب لم يَتُب ولم يندم فلذلك عاقبه الرب.

إلى جانب ذلك بعد أن استراح الشعب من الحرب مع الفلسطينيين، واغتنى بغنيمة كثيرة من بنى عمون، وأيضاً استراح من الجفاف الذى حدث لمدة ثلاث سنوات، بدأ بنو بليعال ينتشرون بين الشعب وابتعد عدد كبير من الشعب عن الرب (2صم23).

المراجع

  • أنظر: مناظرتان فى استكهولم، أحمد ديدات، ص (29).
  • د. منقذ بن محمود السقار. هل العهد القديم كلمة الله؟ ص86.
  • القس عزت شاكر. من المسئول عن الشر والألم؟ ص26.
  • كوستى بندلى. الله والشر والمصير. ص25.
  • كليف لويس. مُلحِد يؤمن. ص51 و52.