آبائيات

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس5 – عيد القيامة

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس5 - عيد القيامة

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس5 – عيد القيامة

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس5 - عيد القيامة
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس5 – عيد القيامة

الرسالة الخامسة

كتبت بمناسبة عيد القيامة 20برمودة سنة 49ش،16إبريل سنة333م

فهرس الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس:

(1)

نعمة العيد الغنية

          إننا ننتقل يا أحبائى هكذا من أعياد إلى أعياد، ومن صلوات إلى صلوات، ونتقدم من أصوام إلى أصوام، ونصل أيامًا مقدسةً بأيامٍ مقدسةٍ. لقد أتى مرة أخرى الوقت الذى يحمل إلينا بداية جديدة[1]، أى الإعلان عن الفصح المبارك، الذى فيه قُدم الرب ذبيحة نحن نأكل طعام الحياة، وإذ نعطش على الدوام، نمتع نفوسنا كل الأزمان بدمه الكريم، الذى يفيض كما من نبع. وإذ تشتعل فينا الرغبة باستمرار فإن الرب واقف يرحب بأولئك العطشى، وتوجد كلمة مخلصنا لأولئك الذين يعطشون، تلك الكلمة التى نطق بها فى حنو محبته يوم العيد قائلاً: ” إن عطش أحد، فليقبل إلى ويشرب[2].

وهو لم يرو عطش كل من اقترب إليه حينذاك فحسب، بل إن كل من طلب المخلّص فى أى وقت فإنه فى الحال يجده. لأن نعمة العيد (الغنية) لا يحدها وقت، وضياؤها البهى لا يخفت، لكنها قريبة دائمًا، لتنير عقول المشتاقين إليها برغبة خالصة[3]. ففى هذه النعمة فضيلة دائمة لأصحاب العقول المستنيرة، الذين يتأملون فى الكتب الإلهية نهارًا وليلاً، مثل ذلك الرجل الذى طُوِّب فى المزامير المقدسة:

طوبى للرجل الذى لم يسلك فى مشورة الأشرار وفى طريق الخطاة لم يقف وفى مجلس المستهزئين لم يجلس. لكن فى ناموس الرب مسرته، وفى ناموسه يلهج نهارًا وليلاً[4]. لأنه لا يستنير بضوء الشمس أو القمر أو مجموعة الكواكب الأخرى، بل يتلألأ ببهاء الله السامى، الذى يضيء على الكل.

(2)

 فرح الخلاص المجيد:

          إنه الله يا أحبائى، الله الذى أسس لنا العيد فى البداية، هو الذى يمنحنا أن نحتفل به عامًا بعد عام. فهو الذى سمح بذبح ابنه لخلاصنا، ووهبنا هذا السبب للعيد المقدس، الذى يحمل الشهادة بذلك كل عام، كلما نودى بالعيد فى هذا الموسم. هذا يقودنا أيضًا من الصليب مجتازين هذا العالم، إلى ذلك الذى أمامنا، والذى منه ينشئ لنا الله فرح الخلاص المجيد الآن، آتيًا بنا إلى نفس الاجتماع، ويوحدنا جميعًا فى الروح فى كل مكان، راسمًا لنا صلوات عامة، ونعمة عامة تنبع من العيد.

وهذا هو العجب فى محبته الحانية أنه يجمع معًا فى نفس المكان أولئك الذين على بعد، ويجعل أولئك الذين يبدو أنهم بعيدين بالجسد، قريبين معًا فى وحدانية الروح.

 

(3)

ماذا نرد للرب من أجل حسناته؟

          لماذا إذن، يا أحبائى، لا نعترف بالنعمة، كما يليق بالعيد؟ لماذا لا نرد الجميل للمحسن إلينا؟ حقًا إنه يستحيل أن نرد لله حسناته علينا بما يليق به، ومع ذلك فإنه أمر شرير أن ننال العطية الثمينة دون أن نعترف بها. فالطبيعة نفسها تظهر عجزنا، لكن إرادتنا توبخ جحودنا. لذلك عندما كان الطوباوى بولس يتعجب من عظم عطية الله، قال: ” ومن هو كفؤ لهذه الأمور؟”[5]،  لأن الله حرر العالم بدم المخلص، ثم جعل القبر يُداس بالأقدام بموت المخلص، ومهد طريقًا للأمجاد السماوية، خاليًا من كل العقبات لأولئك الذين يصعدون إلى أعلا[6].

          لذلك عندما اعترف أحد القديسين بالنعمة، ولكنه كان عاجزًا أن يرد لله مقابلها، قال: ” ماذا أرد للرب من أجل كثرة حسناته لى[7]. لأنه تقبل الحياة عوض الموت، وتقبل الحرية بدل العبودية[8]، وتقبل ملكوت السموات بدل القبر.

          فقديمًا ” ملك الموت من آدم إلى موسى[9]. لكن الآن قد قال الصوت الإلهى: ” اليوم تكون معى فى الفردوس[10]. وإذ أدرك القديسون هذا قالوا: “ لولا أن الرب كان معى، لهلكت نفسى فى الجحيم (الهاوية)”[11]. علاوة على هذا، فإنه إذ كان عاجزًا عن رد الجميل، فإنه اعترف بنعمة الله، كاتبًا فى النهاية: ” كأس الخلاص أتناول، وباسم الرب أدعو.. عزيز فى عينى الرب موت قديسيه[12].

          أما عن الكأس، فقد قال الرب: ” أتستطيعان أن تشربا الكأس التى سوف أشربها أنا“، وحينما قبل التلميذان هذا، قال الرب لهما: ” أما كأسى فتشربانها وأما عن الجلوس عن يمينى وعن يسارى، فليس لى أن أعطيه إلا للذين أعد لهم من أبى[13].

            لذلك، يا أحبائى، يجب أن ندرك العطية الممنوحة لنا، رغم أننا بالطبيعة عاجزون أن نرد عما قدمه لنا. وعلى قدر طاقتنا، يجب أن نغتنم الفرصة. لأنه إن كنا بالطبيعة غير قادرين، على أن نوفى الابن الكلمة بما يليق به عن مثل هذه البركات التى أتمها لنا، إلا أنه يجدر بنا أن نقدم له تشكرات، إذ نحن محفوظون فى التقوى.

وكيف يمكننا أن نعيش عمق التقوى إلا بالتعبير عن شكرنا لله، الذى فى محبته للبشر أغدق علينا مثل هذه البركات؟ لأننا هكذا سوف نحفظ الناموس طائعين، سالكين فى وصاياه. وبالإضافة إلى هذا، فإننا سوف لا نعتبر متعدين على الشريعة، كأشخاص غير شاكرين، ولا نحسب فاعلين تلك الأشياء التى يجب بغضتها، لأن الرب يحب الشاكرين.

          وأيضًا عندما نقدم أنفسنا للرب مثل القديسين، مكرسين أنفسنا بالكامل له، كما لو كنا نعيش من الآن ليس لأنفسنا بل للرب الذى مات من أجلنا، كما فعل الطوباوى بولس أيضًا عندما قال: “ مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى[14].

 

(4)

لنقدم له مما لدينا:

          والآن، أيها الاخوة، إن حياتنا تكمن بحق فى إنكارنا للأمور الجسدية، وتمسكنا بثبات بما يتعلق بمخلصنا فقط. لذا فالموسم الحالى يتطلب منا لا مجرد ترديد كلمات كهذه (التى نقولها)، بل يجب علينا بالأحرى أن نقتدى بأعمال القديسين. نحن نتمثل بهم حينما نعترف بالمسيح الذى مات، فلا نعود نحيا لأنفسنا فيما بعد، بل أن المسيح يحيا فينا منذ الآن.

وعندما نرد الجميل للرب بكل قدرتنا، مع إننا عندما نرد فإننا لا نعطى أصلاً من عندياتنا، بل مما سبق أن أخذناه منه. وهذه أصلاً من نعمته بصفة خاصة. لذا فإنه عندما يسألنا عن هباته الخاصة، وكأنها منا. وهو يشهد لهذا حينما يقول: ” قرابينى هى عطاياى[15]، أى أن تلك القرابين التى تقدمونها لى، هى ملككم، والتى سبق أن أخذتموها منى، إنما هى عطايا الله.

          لنقدم للرب كل فضيلة، وتلك القداسة الحقيقية التى فيه، ولنحفظ العيد الذى له فى تقوى، بتلك الأشياء التى قدسها لنا. ولنهتم بالاشتراك فى الأصوام المقدسة لأنه وضعها لفائدتنا، لكى تقودنا إلى الله. لكن ليتنا لا نكون مثل الوثنيين، أو اليهود الجهلاء، أو الهراطقة والمنشقين فى الوقت الحاضر. فالأمميون (الوثنيون) يظنون أن العيد يكتمل بوفرة الطعام.

واليهود يضلون إذ يعيشون فى الرمز والظل ظانين أنها لا تزال باقية. ويعيّد المنشقون فى أماكن منعزلة، بتصورات باطلة، أما نحن يا إخوتى فلنسمو على الوثنيين، معيدين بإخلاص النفس وطهارة الجسد. ولنسمو على اليهود، فلا نعيّد بعد بالرمز والظل، بل بكوننا قد استنرنا ببهاء نور الحق، وكأننا ناظرون إلى شمس البر[16]. ولنسمو على المنشقين بعدم تمزيقنا ثوب المسيح، بل لنأكل فصح الرب فى بيت واحد، أى فى الكنيسة الجامعة. وإذ رتب الرب نواميسه المقدسة، قادنا إلى الفضيلة، ونصحنا بالزهد والتقشف فى هذا العيد.

          لأن الفصح فى الحقيقة هو الامتناع عن الشر، للتدرب على الفضيلة، والانتقال من الموت إلى الحياة. وهذا يمكن أن نتعلمه حتى من الرمز فى الزمن القديم (العهد القديم). فإنهم حينذاك تعبوا كثيرًا للعبور من مصر إلى أورشليم، أما الآن فنحن ننتقل من الموت إلى الحياة . هم فى ذلك الزمان عبروا من فرعون إلى موسى، أما الآن فإننا نقوم من الشر والشرير إلى المخلص. وكما أن رمز النجاة كان يشهد كل سنة فى ذلك الوقت، هكذا نحن أيضًا نحتفل الآن بذكرى خلاصنا.

نحن نصوم متأملين فى الموت، لكى نكون قادرين على الحياة ونسهر لا كحزانى، بل كمن ينتظرون الرب، متى يرجع من العرس، لكى ننافس بعضنا البعض فى فرحة الانتصار، مسرعين لإعلان علامة الغلبة على الموت.

(5)

لنذكر المسيح القائم على الدوام:

          ليتنا إذن، يا أحبائى نضبط أنفسنا ضبطًا كاملاً فى كل الأوقات كما يتطلب منا الكلمة، وهكذا نعيش غير ناسين على الإطلاق أعمال الله العظيمة، ولا نكف عن ممارسة الفضيلة! كما يحثنا بولس الرسول قائلاً: اذكر يسوع المسيح الذى قام من الأموات[17]، ليس كأن موسمًا معينًا قد حدد للذكرى، بل يجب أن نكون متفكرين فى الرب فى جميع الأوقات، لكننا نؤجل من يوم إلى يوم، نتيجة كسل الكثيرين. فلنبدأ إذن فى هذه الأيام.

     لذلك سُمح بتحديد وقت للتذكر، لكى يعلن للقديسين مكافأة دعوتهم، ويحث المتكاسلين موبخًا إياهم[18]. لذلك ليتنا نتمسك بالسلوك فى الفضيلة، بقية أيامنا، لأنه يجب أن نعيش التوبة عن كل ما أهملنا، مهما كان، لأنه ليس أحد طاهرًا من الدنس، ولو كانت حياته ساعة واحدة (يومًا واحدًا) كما يشهد بذلك أيوب البار، ذلك الرجل الذى تمتع بقوة فائقة.

          ” وإذ نمتد لما هو قدام[19]. ليتنا نصلى حتى لا نأكل الفصح بغير استحقاق، حتى لا نكون فى خطر. لأن لهؤلاء الذين يعيدون فى نقاوة، يكون الفصح طعامهم السماوى؛ أما أولئك الذين يحتفلون به فى دنس واستهتار، يكون لهم خطرًا وعارًا. لأنه مكتوب: ” أى من يأكله أو يشربه بدون استحقاق، يكون مجرمًا فى موت (جسد) الرب[20].

لذلك ليتنا لا نتقدم لمجرد إتمام طقوس عيد الفصح، بل لنستعد للاقتراب من الحمل الإلهى ولكى نلمس الطعام السماوى. لننقِ أيدينا، ولنطهر الجسد. لنحفظ عقلنا كليًا من الخداع غير مسلمين أنفسنا للإسراف فى الشراب، والشهوات، بل منشغلين بكليتنا بربنا، وبالتعاليم الإلهية، حتى إذا كنا طاهرين بالكلية، نستطيع أن نكون شركاء ” الكلمة”[21].

(6)

موعد العيد:

          نبدأ صوم الفصح فى الرابع عشر من شهر برمودة (9إبريل)، فى أول مساء من الأسبوع[22]. وإذ نكف (عن الصوم) فى التاسع عشر من نفس شهر برمودة (14 إبريل) فإن اليوم الأول فى الأسبوع المقدس يشرق علينا فى العشرين من نفس شهر برمودة (15إبريل)، والذى نضم إليه السبعة الأسابيع التى للبنديكستى/ عيد الخمسين؛ بالصلوات، والشركة مع إخوتنا، ومحبة بعضنا بعضًا، والسلام الذى هو فوق الكل، لأنه هكذا نرث ملكوت السموات، بربنا يسوع المسيح الذى به ومعه يليق للآب المجد والسلطان إلى الأبد، آمين.

          يسلم عليكم كل الإخوة الذين معى. سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة.

 

(هنا تنتهى الرسالة الخامسة للقديس أثناسيوس)

[1] انظر رؤ3: 14، الرسالة الأولى ضد الآريوسيين20 .

[2] يو7: 37 .

[3] انظر الرسالة الأولى، الملحوظة2.

[4] مز1:1ـ2.

[5] 2كو2: 16، وقد حفظت هذه القطعة ضمن المخطوطة اليونانية، للبحار قزمان، وتوضح أن المخلص حرر العالم بدم صليبه وموته، إذ داس الجحيم، مزيلاً كل العقبات من الطريق الموصل إلى السماء .

[6] This sentence is preserved in Greek in Cosmas , Topogr . Christ . P. 316 .

(7) مز 116 : 12 .

[8] بعد الإشارة إلى رومية 5 : 4 فإنه فى  النص اليونانى الأصلى ، Migne 28, 1025  يقول إن المسيح حرر الأسرى، وأحيا الذين ماتوا N.P.N vol .4.P.518 .

[9] رو5: 14.

[10] لو23: 43.

[11] مز17:23.

[12] مز116: 13ـ15.

[13] مت20: 22ـ23.

[14] غل2: 20.

[15] عد28: 2سبعينية.

[16] ملا4: 2.

[17] 2تى2 : 8 .

[18] يقصد القديس أثناسيوس هنا تذكر القيامة، أى الاحتفال بعيد القيامة دوريًا، لأن الاحتفال بهذا العيد يجعلنا نهتم بتأملنا للقيامة واختبارها N.P.N.F. vol. 4, p519 .

[19] فى3: 13 .

[20] 1كو11: 27 .

[21] 2بط1: 4 .

[22] Sabbath بالسريانى.

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس5 – عيد القيامة