بارت إيرمان يُفنّد إدّعاءات الإسلام حول المسيحية
مقدمة
يُعتبر العالم الأمريكي اللاأدري1 بارت إيرمان من علماء العهد الجديد المُتطرفين في استنتاجاتهم حول المسيحية، وقد رد عليه الكثير من علماء المسيحية وناظروه وفنّدوا أخطائه، بل أن معلمه العالم الشهير بروس ميتزجر لم يوافقه في استنتاجاته وظلّ محافظا على إيمانه المسيحي حتّى مماته2. لكن الأخوة المسلمين يُطوّعون كتاباته ويستشهدون بها لإثبات فكرهم الإسلامي الخاص بتحريف الكتاب المقدس. ونحن بدورنا نتسائل: هل يتّفق إيرمان مع فكر الإسلام عن المسيحية أم لا؟ هل يمكننا أن ندعوه “فضيلة الشيخ إيرمان” ونعتبره بطلا من أبطال الإسلام الأشاوس؟ لا أعتقد بهذا، لسبب بسيط نعرضه في هذا البحث المُختصر3، فيه بعض ما خفي على المسلمين من كلام إيرمان المُخالف صراحة للعقيدة الإسلامية حول المسيحية والذي يُفنّد بعض ما جاء في الإسلام من مخالفة للثوابت التاريخية عن المسيحية.
وقد وجب التنويه أننا كمسيحيين لا نوافق على استنتاجات إيرمان المُتطرفة حول عقيدتنا، لكننا نستشهد بكتاباته في بحثنا هذا لتفنيد أوهام مُحّبيه من المسلمين، والذين يعتبرونه معلّمهم الشخصي عن المسيحية، فإذا كان إيرمان المُتطرف نفسه يخالف إدّعاءات الإسلام، فهل ستصمد هذه الإدّعاءات بعد هذا؟!
أهدي بحثي المتواضع هذا الى كل مسلم يستشهد بكتابات إيرمان أو يعتبر نفسه أحد تلاميذه.
-1- إيرمان ورسولية بولس
يدّعي المسلمون أن بولس لم يكن رسولا للمسيح بل أتى لاحقا و”حرّف” المسيحية4، وهم يكرهونه ويرفضون كتاباته لأنها مليئة بما يناقد عقائدهم. لكن إيرمان يسحق هذا الإدعاء عندما يقول:
يُوجد لدينا مُؤلّف واحد عرف بالحقيقة أقارب يسوع وعرف تلاميذه…بولس…ليس تزيينا أن بولس إلتقى بيعقوب في أورشليم
-2- إيرمان وصلب المسيح
يرفض معظم المسلمون6 صلب المسيح وموته ويؤمنون بنظرية الشبيه (أن المصلوب هو آخر وليس المسيح). يرّد إيرمان على هذا الإدعّاء قائلا:
على أي حال، فإن تقرير تاسيتوس8 يؤكّد ما نعرفه من مصادر أخرى، بأن يسوع قد أعدم بأمر حاكم اليهودية الروماني، بيلاطس البُنطي، في وقت ما خلال حكم طيباريوس
-3- إيرمان وموت المسيح ودفنه ثم ظهوره للتلاميذ
يقول إيرمان:
ما أعتقد أننا يمكن أن نقوله ببعض الثقة هو أن يسوع بالحقيقة قد مات، على الأرجح قد دُفن، وأن بعض تلاميذه (كلهم؟ بعضهم؟) إدّعوا أنهم شاهدوه حيا بعد ذلك. بين هؤلاء الذين إدّعوا هذا الإدّعاء، بشكل مثير للإهتمام، كان أخو يسوع يعقوب، الذي آمن بيسوع و بعد ذلك بقليل أصبح واحدا من القادة الرئيسيين للكنيسة المسيحية المُبكرّة.
-4- إيرمان ولاهوت المسيح في الإنجيل
يدّعي المسلمون أن الكتاب المُقدس بأكمله لا يحوي أي إشارة على ألوهية المسيح. لكن إيرمان يرّد هذا الإدّعاء الهش، ويعترف بكل وضوح وصراحة أن إنجيل يوحنا بالذات يحوي كلاما واضحا لا يقبل التأويل عن ألوهية المسيح. يقول إيرمان:
يقع هذا النص في إنجيل يوحنا، وهو إنجيل يتميز عن غيره من الأسفار التي صنعت طريقها إلى العهد الجديد بأنه بالفعل قد قطع شوطا كبيرا تجاه تحديد هويّة يسوع لذاته باعتباره إلهيا (انظر على سبيل المثال، يوحنا 58:8 ؛ 30:10 ؛ 28:20)
إيرمان لا يعترف بألوهية المسيح في إنجيل يوحنا وحسب، بل ويحدد أمثلة لنصوص بعينها من هذا الإنجيل تُثبت ألوهية المسيح بلا أدنى شك!!! والنصوص التي ذكرها كأمثلة هي:
الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ (يوحنا 58:8)
أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ (يوحنا 30:10)
أجَابَ تُومَا: «رَبِّي وَإِلَهِي» (يوحنا 28:20)
والمُضحك المُبكي في الأمثلة التي ذكرها إيرمان كدليل قاطع على ألوهية يسوع، هو أن تلاميذ إيرمان من المسلمين العرب على الشبكة العنكبوتية قد كتبوا “أبحاثها” يدّعون فيها أن هذه النصوص ذاتها لا تُثبت ألوهية المسيح!! فمن نُصدّق إيرمان أم تلاميذه؟ ألا يدعونا هذا الى أن نقول أن هذه الأبحاث وأمثالها لا مكان لها على طاولة البحث العلمي بل مكانها الأنسب هو سلّة المُهملات؟! أي مصداقية لمثل هكذا أبحاث يرّد عيها عالم لاأدري لا يؤمن بلاهوت المسيح أصلا؟!
أيضا يقول إيرمان ما يلي في مناظرته مع العالم كريج إيفانز11 ما بين الدقيقتين 16:07 و 16:32
لا يوجد أي شك بأن في إنجيل يوحنا (الإنجيل الرابع) يسوع يفهم نفسه على أنه الله وبصراحة يدعو نفسه إلهيا. يسوع يقول: “أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي الى الآب إلا بي” لكنه أيضا يقول: “أنا والآب واحد”، “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”
هنا يُضيف إيرمان نصا آخرا كدليل صريح على لاهوت المسيح في انجيل يوحنا:
أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي (يوحنا 6:14)
ويقول أيضا في مناظرة أخرى مع نفس العالم13 ما يلي بين الدقيقتين 1:03:45 و 1:04:06
فقط في يوحنا يقول يسوع: “أنا والآب واحد”. فقط في يوحنا يقول يسوع: “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”. فقط يوحنا هو من يقول: “في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله”. يوحنا واضح تماما بأن يسوع إلهيّ.
إيرمان هنا يعترف بوضوح بأن نص يوحنا 1:1 أيضا هو دليل صريح على لاهوت المسيح!! وهو ما يرفضه تلاميذه من المسلمين العرب ويبحثون عن تخريجات وتأويلات غريبة للآيات. ونحن نُعيد ونقول مرّة أخرى: أنصّدق إيرمان أم تلاميذه؟! النص هو:
فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّه (يوحنا 1:1)
أتمنى أن لا أرى بعد هذا الكلام كلّه مسلما يجرؤ على إنكار ألوهية المسيح في الآيات المذكورة سابقا، فمن العيب والمُثير للخجل بل وحتى الشفقة أن يعترف إيرمان –الاأدري، المُتطرف في استنتاجاته، الكافر بالله ومسيحه- بألوهية المسيح في هذه الآيات بدون أي شك ويرفضها أي مسلم.
الخلاصة
الإقتباسات التي وردت في هذا البحث من كتابات بارت إيرمان وكلامه ردّ فيها إيرمان على كل من يعترض على رسولية بولس، وصلب المسيح، وموت المسيح ودفنه وظهوره للتلاميذ. كما حطّم فيها خرافة خلو الإنجيل من إثباتات صريحة لألوهية السيد المسيح. إيرمان سخر حينما سُئل عن نيته الكتابة عن القرآن قائلا14:”سأفعل ذلك عندما أتوّقف عن إعطاء قيمة لحياتي” قاصدا إما السخرية من قيمة القرآن أو السخرية من المسلمين أنفسهم، الذين يُرهبون كل من يقول الحقيقة عن القرآن دون مجاملة. نُصلّي للرب الإله، الكائن الذي بغيره ما كان شيء مما كان، أن يفتح الله العيون المُغلقة ويُنير القلوب والعقول المُظلمة، فلا يسخر الشيطان يوم مجيء المسيح الإله الديّان من إيرمان ومن كل من أستشهد بكتاباته من أجل محاربة المسيح وكنيسته.
1 اللاأدرية هو الأعتقاد بأن وجود الله وأصل الكون أمور لا سبيل إلى معرفتها. وكلمة “اللاأدري” تعني “بلا دراية أو علم”. هناك بعض الاختلافات بين الإلحاد واللاأدرية. فالإلحاد يدعي أن الله غير موجود. بينما يدعي مذهب اللاأدرية بأنه لا يمكن إثبات وجود الله – ولكن في نفس الوقت لا توجد طريقة لإثبات عدم وجوده (ويكيبيديا).
2 راجع كتاب “القضية…المسيح” ص91
3 بعض هذا البحث مُقتبس من المقالة التالية:
Bart Ehrman: A Hero for Islam? By Keith Thompson
4 العهد الجديد يُكذب هذا الإدّعاء ويشهد لصدق رسولية بولس بكل وضوح من خارج رسائل بولس! راجع سفر أعمال الرسل ورسالة بطرس الثانية 3: 14-16
5 مقابلة على الراديو مع “Infidel Guy”بين الدقيقتين 31:50 و 35:38
6 يؤمن بعضهم (وخاصة أتباع الطائفة الأحمدية) بنظرية الإغماء، أي أن المسيح صُلب لكنه لم يمُت بل أغمي عليه، وهي نظرية ترقيعية أجبرهم عليها قوة الدلائل التاريخية لصلب المسيح
7 Bart Ehrman, The New Testament: A Historical Introduction to the Early Christian Writings, p. 187
8 للمزيد حول هذا الموضوع راجع بحثنا: يسوع خارج العهد الجديد
9 Bart Ehrman, Jesus, Apocalyptic Prophet of the New Millennium, p. 229
10 Bart Ehrman, Misquoting Jesus, p.161
11 http://www.youtube.com/watch?v=L7gmgdk9qG8
12 John 14:6
13 http://www.youtube.com/watch?v=ZakwU4m9IJg
14 http://www.youtube.com/watch?v=sRUSaKDMKJg
للتحميل