الردود على الشبهات

تاريخ انتقال نص العهد القديم Old Testament Text Transmissional History

تاريخ انتقال نص العهد القديم Old Testament Text Transmissional History

تاريخ انتقال نص العهد القديم Old Testament Text Transmissional History
تاريخ انتقال نص العهد القديم Old Testament Text Transmissional History

تاريخ انتقال نص العهد القديم Old Testament Text Transmissional History

ان عصر موسى النبي يرجع الى القرن الخامس عشر قبل الميلاد. فان اي نص كتابي “التوراة” يرجع لهذه الفترة يكون قد نسخ لاكثر من ثلاثة الاف سنة مضت وذلك قبل ان نستلمه في ترجماته الحديثة .

ان اقدم نسخة باقية لنص كتابي عبارة عن فقرة من سفر العدد منقوشة على حلية فضية ترجع للقرن السابع قبل الميلاد. والتالي لها نصين آخرين يرجعان للقرن الثالث قبل الميلاد من منطقة البحر الميت هما اللفافة (4Q52) عبارة عن نص من سفر صموئيل واللفافة (4Q70) عبارة عن نص من سفر ارميا .

وهنا يتبادر للذهن عدة اسئلة:
‌أ. من قام بنسخ هذه النصوص عبر الاف السنين؟
‌ب. كيف حفظت هذه النصوص؟
‌ج. هل ما نملكه الان من نصوص يعكس النص الاصلي؟

اننا لا نملك المخطوطات الاصلية للعهد القديم واي مخطوطة باقية للان ما هي الا نسخة من اخرى اقدم. ان كلمة مخطوطة مشتقة من اللغة اللاتينية وتعني “المكتوب باليد”. كل الكتب القديمة كانت تنسخ باليد حتي اكتشاف الطباعة في القرن الخامس عشر الميلادي.

+ الفترة ما قبل 400ق.م.:

يعتقد العلماء ان موسى النبي كتب اللغة العبرية بشكل ما فيما يعرف بالعبري القديم (paleo-hebrew). وهناك العديد من اللغات واللهجات التي ترتبط باللغة العبرية حفظت مسجلة زمان نسخ الكتاب المقدس العبري. ان العصر الحديدي (1200-500) ق.م. يمثل نقطة تحول في تاريخ لغات سوريا وفلسطين. فان اللغة العبرية القديمة اشتركت بقدر كبير مع اللغة الكنعانية .

بعض من هذه النقوش للابجديات المبكرة تعود للالفية الثانية قبل الميلاد مثال زخرفة جدارية (graffiti) وجدت في منطقة مناجم الفيروز بمنطقة “سيرابيط الخادم” في شبه جزيرة سيناء 1475ق.م. ايضا قطعة خزفية من مدينة جازر تعود لعام (1800-1650)ق.م . هذه اللغات الابجدية لها مفردات لغوية وخطوط متشابهة.

لذلك فان النصوص الكتابية المبكرة قد كتبت بالخط العبري القديم . ويعود اقدم نص مكتوب باللغة العبرية القديمة للقرن الثامن قبل الميلاد مثل “اختام يربعام الثاني” (748-746)ق.م.
و”نقوش نفق حزقيا” حوالي 701ق.م. ايضا حليات فضية تعود لمنتصف القرن السابع قبل الميلاد قد كتبت بخط العبري القديم.

أما الانتقال من الخط العبري القديم الى الخط المربع “الارامي” فقد حدث فيما بين القرن الخامس والثالث قبل الميلاد . وربما استحثه يهود السبي في بابل حيث كانت اللغة الارامية هي اللغة الشائعة .

ان معرفة التشابهات بين حروف الخط العبري القديم والارامي يساعدنا في تحديد وتأريخ اخطاء النساخ. مثال: حرفا “الواو” (ו) و “الياء” (י) مشابهان للغاية في الخط العبري الارامي المكتوب في قمران لكنهما غير متشابهان في العبري القديم.

أمرا آخر هل كان الاسرائيلين في الاصل يستخدمون نظام الكتابة بالخط المتصل (scripto continua) أي بدون فواصل بين الكلمات؟ . من ناحية نجد ان النصوص الارامية تترك مسافات بينية واحيانا تترك علامات بين الكلمات كما في النقش العبري القديم بنهاية نفق حزقيا يظهر نقاط بين الكلمات . ومن ناحية اخرى نجد ان اقدم النقوش الكنعانية او العبري قديم لا تبرهن على وجود فواصل بين الكلمات.

أما اقدم فقرة من نص كتابي فتبدو بدون فواصل ومكتوبة على حليات فضية الا ان الحليات لا تعامل بالمثل كما في المخطوطات الكتابية. ان الادلة تشير الى انه منذ زمن لفائف البحر الميت نجد ان النصوص الكتابية كانت بدون فواصل بين الكلمات ومع ذلك نجد بعض اللفائف بها فواصل غير واضحة بين الكلمات.

في بعض الاحيان نجد ان الفواصل غير الصحيحة بين الكلمات قد تسبب مشكلة في انتقال النص مثال: عاموس 6: 12 “هل تركض الخيل على الصخر او يحرث عليه بالبقر” ان الشق الاول من السؤال اجابته بالقطع “لا” لا يمكن ان تركض الخيل على الصخور والا سقطت! بينما الشق الثاني من السؤال “يحرث عليه بالبقر” (אם־יחרושׁ בבקרים) فاجابته “نعم” فمن الطبيعي ان يتم الحرث بالابقار والثيران.

وبايجاد فاصل في الكلمة “بالبقر” (בבקרים) لنحصل على مقطعين “بالبقر” (בבקר) و”البحر” (ים) فتكون “يحرث البحر بالبقر”. هذه الترجمة مفضلة من حيث ان الكلمة العبرية “البقر” هي اسم جمع ولا يحتاج بالضرورة الى علامة الجمع كما ان اجابة السؤال في هذه الحالة ستكون “لا” لا يمكن ان يحرث بالبقر على البحر!

السؤال التالي على أي مادة نسخت المخطوطات المبكرة؟ من المرجح ان تكون النصوص الكتابية قد كتبت على اوراق البردي او لفائف الجلد . هذه المواد تفنى بسرعة جدا في بيئة ارض فلسطين وعليه فهى تحتاج لعمليات نسخ مستمرة بواسطة الكهنة والكتبة.

وفي ارميا 36: 2 “خذ لنفسك درج سفر واكتب فيه كل الكلام الذي كلمتك به” يشير الى عملية كتابة عندما اخبر الرب ارميا ان يأخذ لنفسه لفافة “درج” ويكتب عليه. ان اللفائف محدودة في طولها وذلك بسبب الحجم وصعوبة التصفح الا انها استمرت مستخدمة في المجامع حتى بعد ظهور المجلد “مخطوطة في شكل كتاب” في القرن الثاني الميلادي .

أخيرا من الذي حافظ على هذه النصوص الكتابية في هذه الفترة المبكرة؟ بداية يبدو ان العهد القديم قد نسخ بواسطة الكهنة واللاويين او الكتبة الذين احترموا وحافظوا عليها كونها سجلات لتاريخ اسرائيل المبكر وعلاقتهم بالله “يهوه”.

اشار العلمان “والتك” (Waltke) و”اوكنور” (O’Connor) الى نقطة هامة:
لا توجد كتابات يهودية باقية من هذه الفترة مثل “كتاب ياشر” [قارن مع 2صموئيل 1: 18, 2اخبار ايام 16: 11] مما ان الكتبة قد حفظوا الكتب القانونية فقط. ويلاحظ تعرض الاسفار وكاتبيها الى القتل والتدمير [قارن مع يشير الى ارميا 36]. ومن منذ زمن تكوين الاسفار نجد انها أسرت القلوب والعقول وحب الايمان في اسرائيل الذي حافظ عليها في أمان هذا الشعب اصر على نقل هذا النص بكل دقة .

حتى منذ هذه الفترة المبكرة يوجد دليل على ان اسفار الكتاب المقدس كانت تعامل بتوقير باعتبارها رسمية موثقة [قارن مع خروج 17: 14-15, 24: 3-4]. الواح الشريعة الحجرية التي كتب الرب عليها الوصايا العشر حفظت في تابوت العهد (خروج 25: 16, 21, تثنية 10: 2-5, 1ملوك 8: 9, عبرانيين 9: 4) وهو مكان مقدس.

اسفار شريعة موسى تعلمها الكهنة وأمر ان تقرأ علنية بصوت عالي كلها كل سبعة سنوات حتى لا ينسى شعب اسرائيل شرائع الرب (تثنية 31: 9-11) وحفظت اسفار شريعة موسى بجانب تابوت العهد (تثنية 31: 24-26) ولا يضاف او يحذف من كلماتها (تثنية 4: 2, 12: 32).

ايضا اشار العهد القديم الى اشكال وحي نبوي مكتوب (2اخبار 21: 12, اشعياء 30: 6, ارميا 25: 13, 30: 2, 36: 1-32, 51: 60-64, حزقيال 43: 11, دانيال 7: 1, حبقوق 2: 2) وسجلات تاريخية بواسطة الانبياء (1اخبار 29: 29, 2اخبار 9: 29, 12: 15, 13: 22, 20: 34, 26: 22, 32: 32, 33: 18-19) وقد حفظ هذا الوحي النبوي في الكتب المقدسة (בספרים) كما في دانيال 9: 2 يقول: “في السنة الاولى من ملكه انا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب الى ارميا النبي” قارن مع [ارميا 25: 11-12, 29: 10]هذه الفقرة تدلل على انه حتى زمن دانيال كان سفر ارميا محفوظا ضمن مجموعة اكبر من الكتب التي اعتبرها دانيال رسمية موثقة .

+ الفترة ما بين 400ق.م. وحتى100م.:

منذ حوالي 500 ق.م. وحتى 100ق.م. ظهرت طائفة من المعلمين ومفسري الشريعة يسمون [سفريم] او الكتبة التي حملت على عاتقها حماية وحفظ تقليد اسرائيل المقدس تأسيس الامة. ويقول التلمود البابلي (Qidd. 30a): “ان القدماء كانوا يسمون [سفريم] لانهم احصوا كل حرف في اسفار التوراة”.

ان المخطوطات العبرية المنسوخة قبل القرن الاول الميلادي تظهر ميل الكتبة نحو حفظ وضبط النص وفي نفس الوقت رغبتهم في مراجعة وتجديد النص . واحد اهم الامثلة في حفظ النص وجد في منطقة قمران التي تتبع النص ما قبل الماسوري (proto-MT) وتضم غالبية المخطوطات . هذه المخطوطات مماثلة جدا لمخطوطات النص الماسوري (MT) الذي يرجع لعام 1000م.

يقول ايمانويل توف (Emanuel Tov): “بما أن النص الماسوري يحتوي على نص انتقل بدقة شديدة ووثق جيدا في عدد كبير من النسخ وبما أنه ينعكس في أدبيات معلمي اليهود (rabbinic literature) كما في الترجومات والعديد من الاصدارات اليونانية للترجمة السبعينية (LXX) فيمكن استنتاج أن النص نشأ في المركز الروحي الرسمي لليهودية (الفريسيين) أوربما في الهيكل. وربما كتبة الهيكل هم الذين عهد اليهم نسخ حفظ النص. وبالرغم من هذه الفرضية لا يمكن تأكيدها الا انها مدعومة بحقيقة ان الهيكل عين مصححين (מגיהים, maggihim) الذين دققوا لفائف معينة. وحقيقة أخرى ان جميع نصوص الغيورين (Zealots) في مسادا (Masada) حتى عام 73م. التي تعكس النص الماسوري ايضا هامة” .

ويضيف بول د. ويجنر (Paul D. Wegner): “انا اتفق مع توف (Tov) بأن النص الماسوري (MT) نشأ عند المركز الروحي الرسمي لليهودية وبنهاية هذه الفترة وجد تقليد مستلم موحد لهذا النص الذي قبلته اليهودية بصورة عالمية. حتى المسيحيين الذين فضلوا الترجمة السبعينية (LXX) في حياتهم اليومية ايقنوا جيدا ان السبعينية ارتكزت على المصدر العبري الرسمي [راجع مناظرة يوستين الشهيد ضد تيفو]” .

في نفس الوقت الذي كان الكتبة يحافظون فيه على النص كانوا ايضا يراجعونه بثلاث طرق على الاقل:
1. من خلال تغير الخط العبري القديم الى الخط الارامي.
2. ومن خلال ضبط علامات التهجئة وتحديث الاشكال القديمة للنص ما قبل الماسوري (proto-MT).
3. ايضا من خلال عمليات التصحيح كما في نصوص منطقة البحر الميت مثل لفافة اشعياء بالكهف الرابع (4QIsaa).

يقول ويليام ف. اولبرايت (William F. Albright): “مبدأ هام لا يمكن التغافل عنه عند التعامل مع وثائق الشرق الادنى القديم هو انه بدلا من ترك اساليب التهجئة والنحو القديمة كما حدث في اليونان وروما لاحقا, نجد ان الكتبة بشكل عام قاموا بمراجعة الادبيات القديمة والوثائق الاخرى بصفة دورية. هذه الممارسة تبعت بتنسيق معين بواسطة كتبة النص المسماري (cuneiform)” .

نزعات الكتبة هذه ليست في تناقض مع اعطاءهم الكتب المقدسة قدر كبير من الاهمية وتأيدهم للكتب المقدسة بتوقير كبير لكن رغبتهم كانت في صالح القارئ كي يفهم الكتب المقدسة. هذا الحذر في النسخ يتطابق مع ممارسات النسخ عبر الشرق الادنى القديم.

ويصرح ايضا اولبرايت: “ان الدراسة الممتدة والمتعمقة للعديد من آلاف الوثائق ذات الصلة من الشرق الادنى القديم تبرهن بأن الوثائق المقدسة والوثنية كانت تنسخ بقدر اكبر عن مثيلاتها في الازمنة اليونانية الرومانية (Graeco-Roman)” .

ان نصوص الاهرامات المصرية التي نسخت بدقة بالرغم من انها كانت لا ترى بعين انسان ابدا ايضا تثبت هذا النمط من العناية في عمليات النسخ . يقتبس كينيث كيتشن (Kenneth Kitchen) نصا لكاتب مصري يرجع لعام 1400ق.م. يقول: “لقد اكتمل الكتاب من بدايته الى نهايته فقد نسخ وروجع وقورن وتحقق منه حرف بحرف” .

ويضيف بول د. ويجنر: “ان الكتب المقدسة التي آمن بني اسرائيل بأنها من الله أتت عبر أجدادهم وأنبياءهم قد حفظت بعناية مماثلة أو أكثر” .

أحد نماذج المراجعة التي شعر النساخ بضروريتها لحفظ النص بدقة كانت اضافة “امهات القراءة” (matres lectionis) التي لم تؤثر على معنى او نطق الكلمات ولكن ساعدت في ايضاح اي هيئة للكلمة قصدها الكاتب.

ففي الطور المبكر لتطور اللغة العبرية كانت تكتب بالحروف الساكنة فقط ولكن بحلول القرن التاسع قبل الميلاد نجد ان الحروف “هيه” (ה) و”يود” (י) و”واو” (ו) قد اضيفت لبعض الكلمات لكي تشير الى ثلاثة انواع من الحروف المتحركة الطويلة . هذه الحروف المتحركة الطويلة كانت تلحق احيانا بنهاية الكلمة لتقوم بدور نحوي لكنها دائما تساعد في النطق الصحيح للنص . وبتطوير اللغة نجد ان النساخ استخدموا “امهات القراءة” (matres lectionis) على نحو واسع مما ادى زيادة درجة التاكد من الكيفية التي يجب ان تكون عليها ترجمة النص.

دافيد فريدمان (David Freedman) اعطى تأريخا لشكل النص ما قبل الماسوري (proto-MT) فيما بين القرن الثالث والثاني قبل الميلاد بناء على علامات ضبط التهجئة (orthography) [عدد “أمهات القراءة” في المقام الاول] حيث كل من التوراة السامرية (Samaritan Pentateuch) ووثائق قمران (Qumran) استخدموا الكثير من “أمهات القراءة”. وما ان توحد النص ما قبل الماسوري بالقرن الاول الميلادي فلم يسمح بأي اضافات اخرى من “أمهات القراءة”.

وخلال القرن الخامس وحتى القرن التاسع الميلادي تطور نظام جديد آخر لتبسيط نطق الكلمات الصحيح والذي استخدم النقاط المتحركة (vowel points) في النص. العديد من انظمة التنقيط المختلفة ظهرت في المدارس النسخية المتنوعة الا ان نظام تنقيط نساخ مدرسة طبرية (Tiberian system pointing) اكتسب قبولا عام.

ان اكتشاف لفائف البحر الميت (Dead Sea Scrolls) امدنا عدد كبير من المخطوطات التي تعود للفترة فيما بين 250ق.م. وحتى 50م.

+ الفترة ما بين 100م. وحتى 500م.:

يوجد تفاوت هام في التقليد النصي المتنوع الموجود في منطقة قمران فيما بين القرن الثالث والاول قبل الميلاد بينما يصل التفاوت الى حده الادنى في النصوص العبرية من ماسادا (Masada) [قبل 73م.] وكهوف نخال خفير (Naḥal Ḥever) [نهاية القرن الاول الميلادي] ووادي مربعات (Wadi Murabbaat) [المنسوخة قبل تمرد باركوكبا 132-135م.].

ليس مؤكدا كيف ظهر هذا النص الموحد الا ان النظرة التقليدية تقول انه خلال القرن الاول الميلادي حركة قوية ظهرت في اليهودية من اجل تأسيس نص رسمي موحد للكتاب المقدس العبري. هذا النص كان معتمدا على تقاليد مبكرة ومتاحة للنساخ اليهود في هذا الوقت غير ان فروقات النص قد عزلت منه.

وما ان حاز النساخ على النص الرسمي الموحد صاروا مدققين من اجل ضمان الا يحدث عطب لهذا النص العبري. فقرات عديدة من ادبيات معلمي اليهود (rabbinic literature) تشير الى ان كتبة محددين كان يدفع لهم من اموال الهيكل من اجل تصحيح المخطوطات (TB Keth. 106a; TJ Sheq. IV.3). وان لفائف الهيكل كانت تستخدم من اجل مراجعة المخطوطات (TJ Sanh. II.6).

كانت هناك رغبة في وجود نص قياسي ملائم من اجل المناظرات بين المسيحيين واليهود في القرن الاول الميلادي (راجع حوار يوستين 68). هلليل الاكبر احتاج الى نص قياسي لكي يأسس مبادئه السبعة للتفاسير الكتابية (Rabbi Nathan 37A).

حتى يوسيفوس (Josephus) [حوالي 37-100]م. بنهاية القرن الاول الميلادي قال: “ان اجدادنا اعتنوا بوثائقنا ليس اقل ان لم يكن اكثر من عناية الشعوب الاخرى في حفظ وثائقهم. هذه المهمة حملت على عاتق رؤساء الكهنة والانبياء ومنهم حتى زمننا وسوف تستمر هذه الوثائق محفوظة بدقة بالغة” .

ويقول ايضا يوسيفوس: “نحن نمتلك برهان احترامنا للكتب خاصتنا حيث انه بالرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي مرت الا انه لم يجرأ احد على اضافة او حذف او تعديل اي حرف وهى غريزة في كل يهودي حيث يعتبرها من يوم ميلاده كاوامر من الله يلتزم بها حتى وان اقتضت ان يموت من اجلها” .

يقول البركتسون (Albrektson) ان الفريسيين الفئة الوحيدة الباقية بعد تدمير الهيكل الثاني هم الذين حافظوا على النص ما قبل الماسوري .

بينما يقول موشي جرينبرج (Moshe Greenberg) ان محاولات الحصول على نص عبري قياسي تمت مبكرا اكثر ربما في القرن الثاني قبل الميلاد بواسطة الكتبة الذين استطاعوا تقييم المخطوطات المتنوعة والقراءات النصية نقديا وبالتالي استطاعوا استبعاد نص ما قبل التوراة السامرية (proto-SP) والنص العبري المترجم من السبعينية (Hebrew Vorlage of the LXX) .

ومنذ القرن الاول الميلادي وما بعد نجد ان النص ما قبل الماسوري كان ينسخ بواسطة كتبة متخصصين مدربين جيدا مدققين في عملهم. الكتابات اليهودية اشارت بأن الهيكل عين مصححين (meggihim) الذين فحصوا اللفائف للحفاظ على دقتها . “مصحي الاسفار في اورشليم كانوا يستلمون اجورهم من اموال الهيكل”.

ومن 100م. الى 300م. ظهرت فئة اخرى من النساخ تسمى “التاناييم” (Tannaim) اي الراويين اوالمعلمين الذين بدأوا في نسخ التقليد مباشرة بعد بداية العصر المسيحي. وخلال الفترة التلمودية (100ق.م. حتى 400م.) والتي تتداخل مع فترات “السفريم” (Sopherim) و”التانايم” (Tannaim) و”العمورايم” (Amoraim) ظهرت قواعد دقيقة من اجل حفظ نص العهد القديم في لفائف المجامع:

1. كانت تستخدم الرقوق فقط من جلود الحيوانات الطاهرة وتتصل هذه الرقوق ببعضها بخيوط من حيوانات طاهرة ايضا.
2. كل عمود في اللفافة يجب الا يحتوي على اقل من 48 سطر والا يزيد عن 60 سطر والذي يجب ان يتسع لثلاثين حرف فقط.
3. تسطر الصفحة اولا حيث ستكتب الحروف.
4. يجب ان يكون الحبر اسود اللون ومعد حسب بوصفة محددة.
5. لا يكتب حرف او كلمة من الذاكرة.
6. يجب ترك مسافة شعرة بين كل حرفين ساكنين وترك مسافة حرف ساكن بين كل كلمتين وقواعد اخرى ايضا.
7. يجب على الناسخ ان يغسل نفسه بالكامل ويرتدي ملابس يهودية قبل ان يبدأ في نسخ اللفافة.
8. لا يستطيع الناسخ ان يكتب لفظ “يهوه” (Yahweh) الا بفرشاة جديدة ولا يلتفت الى احد اثناء كتابة هذا اللفظ المقدس حتى لو كان ملك .

ظهرت فئة ثالثة من النساخ المحافظين على النصوص العبرية في الفترة ما بين 200م. وحتى 500م. تسمى “العمورايم” (Amoraim) اي المفسرين. وخلال هذه الفترة بدأ في تكوين التلمود (Talmud) وهي كلمة مشتقة من “لماد” (לָמַד) اي يدرس والذي يحتوي على شروحات للشرائع المتضمنة في “المشنا” (Mishnah) و”الجمارا” (Gemara). والجمارا هى تعليقات على “المشنا”.

ارتكز المفسرين “العمورايم” في منطقتين هما بابل وفلسطبن مما ادى الى ظهور التلمود البابلي والتلمود الفلسطيني. تميز هذه الفترة المبكرة بوجود شكل لتقسيم الاعداد (verse divisions) للنص العبري وايضا تقسيم للفقرات والتقسيمات الليترجية (liturgical divisions).

وتقليد معلمي اليهود (Rabbinic tradition) يشير الى انه في هذا الوقت ادرك النساخ احتياج النص لبعض التضبيطات الصغيرة العديد منها سجل في (Biblia Hebraica Stuttgartensia) اما في الماسورا (Masorah) اوفي النص.

+ الفترة ما بين 500م. وحتى 1000م.:

حوالي نهاية القرن الخامس الميلادي ظهرت مجموعة رابعة من النساخ تسمى “الماسوريون” (Masoretes) ورثوا التقاليد النسخية واستمروا في العمل على حفظ النص. عملهم الجاد هذا في الفترة ما بين 500م. وحتى 1000م. ساعد على حفظ النص العبري الماسوري والذي نمتلكه الان بين ايدينا.

هؤلاء النساخ كانوا محافظين للغاية وتناولوا النص بالكثير من التوقير. ملاحظاتهم الدقيقة المتعلقة بنص العهد القديم ساعدت على حفظ نص مضبوط لمدة تقارب الالف عام.

نساخ هذه الفترة كانوا يميلون الى حفظ النص ومراجعته ايضا لذلك فقد طوروا ملحوظات خاصة تشير الى تساؤلات متعلقة بالنص بدون تغير النص الساكن.

– قراءات “كتب وقرأ” (Kethib and Qere readings):
انها ملحوظات في النص الماسوري تكررت فيما بين 848 الى 1566 مرة اعتمادا على المخطوطة وهى تشير الى تساؤلات نسخية متعلقة بكلمات محددة في النص الماسوري. وهى نوعان احدهما “كتب” (Kethib) وتشير الى كيفية كتابة النص الساكن والاخر “قرأ” (Qere) ويشير الى كيفية قراءة النص وتوضع بالهامش ويحدد بحرف “قاف” (ק) تحتية وتحدد ايضا فوق الكلمة في النص بعلامة تشكيل.

– النقاط الخاصة (puncta extraordinaria):
تظهر النقاط الخاصة 15 مرة في النص الماسوري على شكل معينات صغيرة (diamonds) فوق الحروف او الكلمات وتشير الى تحفظات إما نصية او لاهوتية عن القراءة. وافضل مثال لذلك هو عبارة “وهارون” (וְׄאַׄהֲׄרֹׄןׄ) في [عدد 3: 39]. ويبدو ان الناسخ تساءل حول مدى اصالة عبارة “وهارون” حيث لم يذكر في كل من العددين [عدد3: 16, 42] عندما احصى موسى الشعب.

– الحروف المعلقة (litterae suspensae):
في اربعة مرات ظهرت حروف معلقة فوق السطر بالنص الماسوري وهى حرف “نون” (נ) في [قضاة 18: 30] وحرف “عين” (ע) في [ايوب 38: 13, 15] وفي [مزمور 80: 14] وتتفق جميع مخطوطات النص الماسوري في ذلك. ومن افضل الامثلة على ذلك حرف “نون” في “ابن موسى” (בֶּן־מְנַשֶּׁה) في [قضاة 18: 30]. ويعتقد عامة ان هذه النون المعلقة اضيفت لكي يستثنى موسى من الحرج جراء اقامة تمثال منحوت الذي قام به احد اقرابائه في دان الا ان هذا العمل المشين يناسب شخصية شريرة مثل الملك منسى.

ويقول المفسر اليهودي الكبير “راشي” (1040-1105)م. عن هذه النون المعلقة: “كتبت هذه النون المعلقة لتعديل الاسم بسبب كرامة النبي موسى. الا ان هذه النون علقت لتخبر القارئ انه ليس هو الملك منسى لكنه موسى النبي” .

– النون المقلوبة (nun inversum):
تسعة مرات ظهرت النون المقلوبة في النص الماسوري قبل [عدد 10: 35] وبعد [عدد 10: 36] وفي [مزمور 107: 21-26, 40]. وهى اشارات نسخية تشير الى ان النساخ اعتقدوا ان هذه الاعداد غير مرتبة.

– الحروف الخاصة (Special letters):
هناك عدد كبير من الحروف الخاصة التي تشير الى تفاصيل هامة مثل: الحرف الاول في سفر التكوين (בְּרֵאשִׁית) وسفر الامثال (מִשְׁלֵי) وسفر نشيد الاناشيد (שִׁיר) وسفر اخبار الايام (אָדָם) او في المقطع [الجامعة 12: 13] (סוֹף) والحرف الاوسط في التوراة [لاويين 11: 42] (גָּחוֹן) والعدد الاوسط في التوراة [لاويين 13: 3] (וְהִתְגַּלָּח).

– القراءات المفترضة (Sebirin):
يوجد عدد كبير من القراءات المفترضة (Sebirin) في المخطوطات المتنوعة تتراوح ما بين 70 الى 200 حالة حسب العالم ايمانويل توف (Tov) وحوالي 350 حالة حسب العالم جينسبرج (Ginsburg) ويشار اليها بكلمة (סְבִיר) والتي تعني “المفترض” وتوضع كملحوظة هامشية.

القراءات المفترضة تشير الى كلمة او شكل كلمة يبدو صعب في سياق النص الا انه صحيح ولا يجب ان يتغير مثال:
1. القراءة (הָאֵל) في [تكوين 19: 8] وقراءتها المفترضة (הָאֵלֶּה) وهي اكثر شيوعا.
2. القراءة (אֵשׁ יָצָא) في [ارميا 48: 45] وهي في صيغة المذكر وقراءتها المفترضة (יָצְאָה) في صيغتها المؤنثة.

– تنقيحات النساخ (tiqqune sopherim):
يوجد حوالي 18 تعديل نسخي في النص الماسوري والتي تزيل كلمة اعتبرها الناسخ غير ملائمة. وافضل مثال لذلك [تكوين 18: 22] تقرأ “ان الرب ما زال قائما امام ابراهيم” والتي اعتبرها الناسخ عدم احترام لله. لذلك غير الناسخ ترتيب الفقرة لكي تقرأ “ان ابراهيم مازال قائما امام الله” ثم وضع في الهامش ملحوظة ان هنا تعديل بواسطة الناسخ. راجع ايضا [عدد 11: 15, 12: 12, 1صموئيل 3: 13].

– اغفالات نسخية (Scribal omissions):
التلمود البابلي (Nedarim 37b) يشير الى خمسة مواقع حيث حذف حرف “واو” اربعة مرات من كلمة (אחד) في [تكوين 18: 5, 24: 55, عدد 31: 2, مزمور 68: 26] حذفت “الواو” ايضا من كلمة (משפטיך) في [مزمور 36: 7].

ارتكزت العائلات الماسورية خلال هذه الفترة في بابل وفلسطين. اما بعد الغزو الاسلامي لفلسطين 638م. ازدهرت منطقة طبرية وصارت المركز الرئيسي للدراسات النصية اليهودية .

ومنذ عام 500م. وحتى 800م. اضاف الماسوريون النقاط المتحركة (vowel points), النبرات (accents) والماسورا (Masorahs) لكي تساعد في حماية النص من الخطأ كما في العديد من التضبيطات النسخية.

وفي النصف الاول من القرن العاشر ازدهرت عائلتان ماسوريتان في طبرية هما عائلة “ابن اشير” (Ben Asher) وعائلة “ابن نفتالي” (Ben Naphtali). وقد احتفظت كل من العائلتين بتقليد نصي واحد بفروق ثانوية . ويوجد حوالي ثمانية فروق ثانوية فقط بين النصين الساكنين لهاتين العائلتين كما يختلفان في تقسيم الكلمات والنطق . وبعد انقراض عائلة ابن نفتالي استمر تقليد عائلة ابن اشير كنص اعلى نفوذا.

+ الفترة ما بعد 1000م.:

يقول بول د. ويجنر: “لقد نسخ الماسوريون النص العبري لمدة تزيد عن ألف عام قبل اختراع الطباعة ومازال باقيا بدقة مطلقة. لقد كانت عملية نسخ الكتب المقدسة مهمة ضخمة وقد اعتز الماسوريون بانفسهم لاحتفاظهم بالنص العبري دقيقا”.

عرفت احدى المدارس الماسورية في اسبانيا بانتاج مخطوطات مدققة لما يقرب من قرن بعد اختراع الطباعة حيث انتجت مخطوطات منسوخة باليد تنافس النصوص المطبوعة. ويوجد حوالي 3000 مخطوطة عبرية من تقليد منطقة طبرية والذي يؤرخ من القرن الثاني عشر الميلادي .

في عام 1488م. تمت طباعة اول عهد قديم عبري وفيما بين عامي 1516-1517م. ظهر اول كتاب مقدس راباني (Rabbinic Bible). وفي عام 1524-1525م. نشرت الطبعة الرابانية الثانية وقد صدرت بواسطة مسيحي من اصل عبري يسمى “يعقوب ابن حاييم” (Jacob ben Ḥayyim) نص هذه الطبعة يتضمن الملحوظات الرابانية على النص العبري وهى تعتبر السبب الرئيسي لبقاء النص دقيق لقرون من عمليات النسخ.

+++

الى هنا اعانني الرب

اغفروا لي السهو والنسيان

Athenagoras
فبراير 2014

للتحميل والقراءة اوفلاين اضغط على الرابط التالي

www.mediafire.com/download/hif0k3nehzqtw0i